📁 آخر الأخبار

حصانة الدفاع ضمان لتحقيق العدالة النقيب محمد بلهاشمي





حصانة الدفاع ضمان لتحقيق العدالة النقيب محمد بلهاشمي 







النقيب محمد بلهاشمي 
هيئة المحامين بمراكش

مقدمة :
الحصانة : تعريف ؟
الدفاع : تعريف ؟
العدالة : تعريف ؟

أولا : حصانة الدفاع :
1-سلوك المحامي وتعامله بما يحفظ كرامته وكرامة مهنته أساس حصانته.
2-مهام المحامي تستوجب حصانته تشريعا وممارسة لا قيودا على حريته.

ثانيا : العدالة وحصانة الدفاع :
1-العدالة في المفهوم العام
2-العدالة في المفهوم الإصطلاحي

ثالثا : تحقيق العدالة رهين بتوفير :
-حصانة الدفاع
-استقلال القضاء- تكوين القاضي
-نزاهته- واستمرار تكوينه
-حياد القاضي- توفير الإمكانيات 

مقدمـــة:
تدخل مساهمتي ضمن المحور الثاني في الجانب المتعلق منه :
بحصانة الدفاع ضمان لتحقيق العدالة، انطلاقا من وجوب مشاركة كل الفعاليات على الصعيد الوطني في هذا الموضوع العام الذي يبقى مطروحا دائما وكله جديد وجدة لأنه يتصل بالعمران وباستمرار الوجود الإنساني "العدل أساس الملك" وعلى الأصح" العدل  أساس العمران والوجود".
وإذا كان الجانب المكون لأحد عناصر المحور الثاني المتمثل في حصانة الدفاع ضمان لتحقيق العدالة، يعد جزء من كل في كلا الشقين وهما :

حصانة الدفاع، والعدالة، باعتبار أن الدفاع يشمل كل من يتصدى للدفاع عن حقه، أو استرجاعه من يدي عاصبه، ويضمن فعاليته وجود حصانة.

والعدالة لفظ شامل، يعمل الدفاع كأحد الفعاليات لتحقيقها مع التأكيد على أن الكل ينشد العدالة، والعدالة تهفو للعيش في جميع الأزمنة والأمكنة وفي كل المجتمعات لكنها لا تقوم لها قائمة إلا باستنادها على أسس متينة وثوابت راسخة تتجلى في أكثر من  واحد من تلك  الثوابت كاستقلال القضاء استقلالا ، قانونا، وممارسة، وحيادة التام من كل ما يؤثر فيه من ذاته من محيطه وتوفر جو العمل ووجود دفاع قوي محاط بحصانة محصنة  بنصوص تشريعية واضحة، وتطبيقها تطبيقا سليما، وليس توفر حصانة  الدفاع ضمانا لتحقيق العدالة المرغوب فيها كمل يفهم من نص الموضوع، ولكن حصانة الدفاع إحدى الجوانب الإيجابية لتحققها وهي مثل باقي  العناصر الأخرى التي تناولها ويتناولها الأساتذة المشاركون في هذه الندوة.

وتعريفا لما نحن بصدد الحديث عنه والتعرض يكون من المناسب معرفة مدلول الكلمات المكونة للموضوع من حصانة ودفاع وعدالة :
فالحصانة كما هي معرفة لغة هي من حصن يحصن حصانة إذا كان حصينا أي منيعا وبذلك تكون الحصانة هي المناعة.

ومن الأمثلة الحية المتداولة عالميا في باب الحصانة ما اصطلح على تسميته كل في بابه :
حصانة القاضي، أي حمايته وإحاطته بالمنازعة اللازمة لعمله من العزل والنقل والتعدي وغيرها.
الحصانة البرلمانية التي تحيط بالنائب كما ورد النص على ذلك في المادة 37 من الدستور.
والحصانة الديبلوماسية وهي المتعارف عليها دوليان..

حصانة الدفاع :
إن الحديث عن حصانة الدفاع في التشريع  المغربي من الصعوبة بمكان ذلك أنه بقدر ما نريد أن يكون تشريعنا  متوفرا على مقتضيات قانونية صلبة وواضحة بالنسبة  لحصانة  الدفاع، نجد أن المقتضيات القانونية التي تحد من حرية المحامي وتسلبه الحصانة التي ينشدها في البارزة، والتي تلجأ إليها بعض المحاكم من حين لآخر.

علما بأن حصانة الدفاع كما يفهم من لفظها لا ينحصر وجودها في المحامي  فقط، ولكن يتعين أن يكون رداؤها ظلا لكل المدافعين  بمن فيهم المتقاضين العاديين حتى يشعروا بالأمان وبالاطمئنان فيبدوا وجهات نظرهم بكل حرية وتلقائية، ويدافعوا عن حقوقهم وهم في مأمن من كل خوف أو ضعف.

على أن مفهوم حصانة الدفاع بدأ كمطلب لسنة تشريعا من طرف هيئات المحامين في أكثر من بلد ينشد الحرية الديمقراطية منهجا وسلوكا.

واعتبارا للدور الذي يقوم به المحامي خاصة مؤازرة المتقاضين والنيابة عنهم وتمثيلهم وقصر ذلك عليه غالبا، فإننا نقتصر في عرضنا على حصانة الدفاع في جانبنا المتعلق بالمحامين.
والمحامون وهم يناشدون المشرع في كل مناسبة  مناسبة : مؤتمر أو مناظرة أو ندوة  لسن تشريع  يتعلق بحصانة الدفاع لا يريدون هاته الحصانة لأنفسهم كأشخاص، ولكن يريدونها وهم يمارسون مهامهم الجسيمة التي خصهم المشرع بها دون سواهم، وهي مشاركة السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم:كما يراها قانون المحاماة المصري".

وفي هذا الباب نتناول الحصانة ضمن النقط التالية :
سلوك المحامي وتعامله وحرصه بما يحفظ كرامته  وكرامة مهنته أساس حصانته.
-مهام المحامي المتعددة والجسيمة، تستوج حصانته تشريعا وممارسة .
-المقتضيات القانونية الموجودة تعتبر ضدا على حصانة المحامي.

اولا : سلوك المحامي وتعامله وحرصه بما يحفظ كرامة وشرف مهنته أساس حصانته :
بعض الآراء تقول : إن الحصانة  في الأوراق  كتشريع لن تجدي نفعا وتكون لها النتائج المتوخاة إلا إذا اقترنت بسلوك أمثل سواء من طرف المعني بالأمر بالحصانة  أو من غيره من ذوي العلاقة.
وأن حصانة المحامي تبتدىء من المحامي نفسه أولا أساس . إن هذا الرأي على جانب كبير من الصحة والصواب بالنظر إلى مكانة المحامي ودوره في المجتمع عامة وفي القضاء خاصة.

ولذلك حتى يكون محصنا منيعا وجب عليه :
-أن يحصن نفسه بالثقافة العامة والقانونية خاصة والمهنية بصفة أخص.
-أن يحصن نفسه بالسلوك الأمثل والتصرف الرزين
-أن يحرص على كرامته ويدافع عن شرف مهنته مهما كلفه ذلك من صبر وتضحية ومعاناة.

عليه أن يتحلى بالفضيلة ويتمسك بالنزاهة في أقواله وأفعاله عفيف النفس خفيف الروح حلو اللسان لبقا في تصرفاته، مرنا في  تعامله، متشبعا بأعراف المهنة وتقاليدها، كما أكد على ذلك الأستاذ الجليل المرحوم النقيب عبد الكريم بنجلون.
"مهنة المحاماة مهنة شريفة تتطلب ممارستها أن تتوفر في صاحبها الفضيلة الأخلاقية اللازمة وأن يخضع سالكها نشاطه وتصرفه لأحكام أدبية تضمنها القانون الأدبي للمهنة الذي يأخذ بعين الاعتبار الناحية القانونية والأدبية في آن واحد" لأن الظاهرتين مرتبطتان ارتباطا متينا ووثيقا بسلوك المحامي ونشاطه المهني  (المحاماة 12 صفحة 8) وكما أكد على ذلك أيضا النقيب عبد الرحمان الرافعي المصري : (ومن أولى واجبات المحامي أن يتمسك بالأخلاق القوية، فالمحاماة علم وخلق ونجدة وشجاعة وثقافة وتفكير ودرس وتمحيص وبلاغة وتذكير ومثابرة وجد وثقة بالنفس واستقلال في الحياة وأمانة واستقامة وإخلاص في الدفاع).

ثانيا : مهام المحامي تستوجب حصانته تشريعا وممارسة :
ولنقل بأن المحامي وهو المثال  الأمثل والقدوة فيما قلناه، فهل يكفي هذا لتتحقق له الحصانة المرغوب فيها ؟
إن المحامي يمارس عمله ضمن أطراف متعددة ومتنوعة تختلف درجاتها الإدارية وتتفاوت مستوياتها العلمية من ضباط الشرطة القضائية إلى قضاة ومستشارين كما تختلف المفاهيم عند كل هؤلاء وحماية للمحامي وهو يمارس مهامه المهنية  ضمن هذه المجموعات من الواجب سن تشريع يحصنه من أي تصرف أو إجراء يحد من حريته في أداء مهامه المهنية.

ومن الملاحظ أن حصانة المحامي في التشريع المغربي تكاد تكون منعدمة رغم ما بذلته جمعية هيئات المحامين منذ سنوات من خلال توصياتها التي تصدر عقب مؤتمراتها المنتظمة ومن ذلك :
ما أكد عليه المؤتمر 15 المنعقد بالدارالبيضاء سنة 1977 تحت شعار "حصانة الدفاع ضمان للمشروعية وسيادة القانون"

وجاء ضمن توصياته :
"يرى المؤتمرون أن تحقيق الحصانة يكمن في تأمين المحامين ضد أي إجراء تأديبي أو زجري بصدوره فورا عن نفس المحكمة التي يترافعون أمامها، وذلك حتى لا يكونوا ضحايا انفعالات عارضة تمس حقوقهم وتضر بمصالح المتقاضين" (مجلة المحاكم المغربية عدد : 15صفحة 80) وإذا كان المشرع في الفصل 265 من القانون الجنائي قد أحاط الهيئات المنظمة ومنها هيئات المحامين بحمايته والمحامي كمساعد للقضاء بحصانته في قانون الصحافة بشكل غير واضح ولا كاف، فإن لجنة التشريع والعدل وهي تناقش قانون المحاماة الصادر في 5 يونيه 1979 قد بذل أعضاؤها مجهودا مشكورا لسن مقتضيات قانونية تحمي المحامي من أي ضغط أو تعسف وهو يمارس مهامه، غلا أن مجلس النواب  رفض المشروع الذي صاغته تلك اللجنة.
وإذا كان ذكر مشروع اللجنة إنما نورده للتذكير، فإننا نعتبره عملا شجاعا علينا ألا ننساه رغم إقباره لأسباب غير جديرة بالذكر.

ونقل مقتضيات المشروع بهاته المناسبة لا يعد حشوا أو نافلة كما قد يتراءى :
وهكذا جاء في الفقرة الثانية من الفصل 32 من مشروع اللجنة.
"لا يحق القبض على محام أو حبسه احتياطيا لما قد ينسب إليه من جرائم القذف والسب والإهانة بسبب أقوال كتابات صدرت عنه أثناء ممارسة المهنة، عدا إذا تعلق الأمر بالمس بالدين الإسلامي أو المقدسات الدستورية ويحرر محضر دائما بما وقع يبلغ إلى النقيب".


وجاء في الفصل 124 من المشروع أيضا ما نصه :
" يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 250 إلى 500 دهـ من أهان محاميا أثناء قيامه بمهامه أو بسبب قيامه بها، وذلك بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها او بكتابة أو سوم غير علنية بقصد المساس او شعوره او الاحترام  الواجب لمهنته".

"لا يمكن تحريك الدعوى العمومية إلا بناء على شكاية من المحامي المتضرر" وقبل ذلك ومنذ صدور قانون المغربية والتعريب والتوحيد صدرت عدة مناشير تدعو للتعاون مع هيئات المحامين واحترام المحامي الذي يقوم بدور مهم يتجلى في إجلاء الحقائق وكشف  الغموض وخدمة الأبعاد القانونية للوصول إلى عدالة أقرب إلى الحق  والإنصاف (منشور عدد : 450 في 1/8/68).

كما أن المنشور عدد : 594 الصادر في 17 يناير 1972 المتعلق بتفتيش مكتب محام، له أهميته الخاصة والمتميزة والتي نعتبرها حصانة فعلا إذ تتوفر فيه كل الضمانات القانونية والتطبيقية وتعطي مصداقية للتعامل فيما بين القضاء والمحاماة.

وأن عدم مصادقة مجلس النوا ب سنة 79 على مقترحات لجنة التشريع والعدل غير مقبول خصوصا وأن جل التشريعات العربية إن لم نقل كلها ذهبت إلى أبعد مما رفضه مجلس النواب وتخوف منه بعض أفراده فالعالم في تطور، وعجلة التاريخ لا تتوقف عن السير إلى ما هو أفضل، خصوصا وأن الحصانة تتعلق بمن قال فيهم نفس المجلس وفي نفس التشريع (19/79) التي صادق عليه : "المحامون جزء من أسرة القضاء".

ونحن كمحامين لا نريد إلا ما عبر عنه المرحوم الأستاذ الجليل النقيب عبد الكريم بنجلون :
"ليس المقصود من الحصانة أن تكون امتيازا للمحامين يسمح لهم بالخروج عن القانون أو رخصة للطعم في شأن القضاة، بل المقصود بها أن يكون المحامي في جلسة الأحكام مطمئنا قويا وهو يؤدي واجبه".
والمحامي وهو يمارس مهامه المتعددة الجوانب : إجراءات ، مرافعات لابد أن يمارسها في جو من الاطمئنان والحرية.
ومن الآراء الجديرة بالقراءة والتأمل في هذا الباب ما ورد بكتاب كنوز المحاماة لمحرره الاستاذ بوجين جيرهات ، ومترجميه الاستاذ حسن الجداوي ومحمد عمر صفحة 19 :

" المرافعة بالنسبة للمحامي - شفوية كانت أم كتابية - هي سلاحه الأكبر تظهر مواهب، وتنشر  جهوده، فهي  للمحامي كالمشرط لجراح، وكالقلم للكاتب ، والفرجار المهندس".
من أجل ذلك حرص المحامون دائما أن يكونوا أحرارا في مرافعاتهم مستقلين فيما يخططونه من خطة، ولا يخضعون لتوجيه القاضي ولا لتعليمات صاحب لقضية بل يؤيدون رسالتهم بما تمليه عليهم ضمائرهم ، لايرهبون أحدا ماداموا لا يعتدون على أحد إلا إذا اقتضى دفاعهم اعتداء وبالقدر الذي يتطلبه الدفاع.

والواقع أنه لا وجود لدفاع بغير حرية، فإذا شعر المحامي أنه مسؤول عن كل كلمة يتلفظ بها، أو رأي يبديه، فإنه - مهما أوتي من شجاعة، وتاريخ المحاماة الطويل مليء بأعمال الشجاعة والبطولة والجرأة- قد يجد نفسه مقيدا في اندفاعه، شأنه في ذلك شأن ربان يقود سفينته وسط الصخور لا يستطيع أن يندفع بها بأقصى سرعتها مهما يكن ماهرا قادرا على تجنب الصخور، فإنه  يجد نفسه مجبرا على تلمس طريقه وعلى أن يقدر لسفينته قيد السير موضعها.

أما إذا اطمأن الربان إلى أن الطريق أمامه منبسط فسيح إلى مدى الأفق استطاع أن يندفع بسفينته بأقصى سرعتها، ذلك شأن المحامي كاتبا أو متكلما، إذا أحس بضغط من أي نوع كان، تعثرت كلماته وضعفت حججه وفقدت آراؤه جرأتها وانطلاقها، ولولا حرية الدفاع لضاعت الحقيقة بين الناس، غذ لا تجد من يعبر عنها، ومتى ضاعت الحقيقة ضاعت العدالة التي هي أساس الذين قبلوا أن يعهدوا لأفراد من بينهم بالفصل  فيما ينشأ بينهم من خلافات وينزلوا على حكم قضاتهم لا يتصور أنهم يتنازلون عن حقهم أو عن حق من يتكلم باسمهم في الحرية الكاملة في إبداء حججهم.

كل هذا جميل، وكان الأجمل أن يصادق مجلس النواب سنة 79 على ما اقترحته ووصلت إليه لجنة التشريع والعدل، فهل استجاب الظهير بمثابة القانون الصادر في 10 سبتمبر 1993 المتعلق بمهنة المحاماة لمقترح جمعية هيئات المحامين ؟
حتما الجواب بالنفي هو الواقع، رغم ما ورد بالمادة 58 من الظهير المذكور التي أحالت على الفصل 57 من ظهير 15/11/58 بشأن قانون المحاماة والذي لم يكن ظهير 10/9/1993 في حاجة إلى النص عليه مادام هو المطبق قبل وبعد، فهو من باب السماء فوقنا والأرض تحتنا كما يقال.

وقد رجع بنا ظهير 10/9/1993 إلى سنة 1958.
والآن وقد تأكدنا من انعدام أي نص تشريعي يتعلق بحصانة الدفاع، فماذا عن ممارسة القضاء لروح الحصانة التي في وجدان السادة القضاة تجاه زملائهم المحامين الذين يعيشون همومهم ومعاناتهم مع كثرة الملفات وهاجس الإحصاءات وقلة التجهيزات و…
إنه رغم ندرة ما يحدث في بعض المحاكم من تجاوزات قد يراها البعض في مأمن من كل تجاوز أو تطاول أو نظرة ضيقة مادام الهدف هو تحقيق العدالة التي ينشدها الجميع.

وأملنا أن نعيش من خلال الممارسة والتطبيق مع زملائنا القضاة حصانة واقعية تكريسا وتراكما لمفهوم قانون يصدر في  الموضوع لنسخ ما نص عليه الفصلان 341-374 من قانون  المسطرة المدنية خاصة الأول منهما الذي يطبق  أمام محكمة الإستئناف والتي يحضر جلساتها المحامون باعتبارها محكمة موضوع، على عكس الفصل 374 المطبق أمام المجلس الأعلى الذي قلما يحضرون أمامه باعتباره محكمة قانون.

وبجرد ما أوضحناه تكون الحصيلة انعدام الدفاع ووجود قيود على حرية المحامي التي تتنافى مع مهمته الهادفة إلى الوصول لعدالة حقيقية.

العدالة وحصانة الدفاع :
لقد ربطنا تحقيق العدالة بوجود حصانة الدفاع على الأقل في العنوان الذي أعطيناه لموضوعنا، وهي جزء من كل كما سبق القول.
فما هي إذا هذه العدالة التي يعيشها الكل ويتغنى بها الجميع في  كل زمان ومكان وفي كل مجتمع ؟
إننا بتساؤلاتنا هاته، لا نريد تعاريف واصطلاحات ، كانت فلسفية أو مذهبية أو فقهية أو قانونية ، وإنما نريد عدالة حقيقية، يعيشها الجميع ويستظل بظلها الكل ويطمئن إلى أحكامها المتقاضون .

أولا : العدالة  في مفهومها العام :
سبق وأن قلنا بأننا نريد عدالة حقيقية ينعم  بها اناس وتسعد بوجودها البشرية
والعدالة تختلف في المفهوم باختلاف الموضوع المتحدث عنه من طرف المهتمين والباحثين.
فهي عند الفلاسفة يرونها في كل شيء ويريدونها في كل المجالات  وفي كل الأزمنة.
وهي عند علماء الاجتماع والاقتصاد غيرها عند الأولين.
وهي عند القانونيين الوصول إلى الحق المغتصب بواسطة إجراءات محددة معروفة وسليمة.

وأتذكر بهذه المناسبة حثا قدم من طرف هيئة المحامين بأكادير للمؤتمر التاسع عشر لجمعية هيئات المحامين المنعقد بطنجة سنة 1988 بعنوان " العدالة والديمقراطية" وضمنه وردت الفقرة التالية :

" ويلاحظ أن كلمة العدالة لها مفهومان رئيسيان إذ يقصد بها أحيانا الجهاز المكلف بالبت في النزاعات سواء كانت بين الأفراد أو بينهم وبين الجماعات، ويقصد بها أحيانا أخرى أساسية كالإنصاف والحق والمساواة".
وهي التي قال فيها الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه : " القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له.

وهذا منتهى العدل في الحياة التي يحياها البشر ويعيشها المجتمع الإنساني وقيل "إن من يبحث عن العدالة ينبغي له حتما أن يؤمن بالعدالة فإنها ككل المقدسات الأخرى لا تكشف عن وجهها الوضاء إلا للمؤمنين".
(عن كتاب "قضاة ومحامون" صفحة 24)

وهؤلاء المؤمنين هم رسلنا الذين يرونها وتراهم ويعيشونها وتعيش معهم وهي التي قال فيها أحد المؤمنين بها :
" نحن نسمي أنفسنا رسل العدالة. والعدالة التي نعنيها عندما نقول ذلك ، هي العدالة المطبقة، أي التي تجري وفقا لأحكام القانون. ولاشك لو أردنا أن نسمو بالعدالة حتى لا تكون سرابا، والديمقراطية حتى لا تكون قناعا زائفا، لوجب أن نحتفظ للقانون بقدر من تلك  المثل التي ظلت مدى السنين أنشودة القديسين وقادة الرأي فيما كانوا يبتغون غليه الوسيلة لتحقق أمانيهم في رفع مستوى البشر. كما أنه لا سبيل لنا فيما لو أردنا أن نفيد من الضمانات التي قررها  لنا الدستور ابتغاء تطبيق العدالة ونشرها  بين الناس وإنشاء مجتمع يسوده الهدوء والسكينة، وترفرف عليه السعادة، ويعمه الرخاء، لا سبيل لنا لتحقيق كل ذلك إلا إذا احتفظنا لأنفسنا وللأجيال  القادمة بنعمة الحرية التي كافح آباؤنا من أجل الحصول عليها دون أن نفرط فيها أو دون أن نتغاضى عن أي مساس قد يلم بها".
"تلك هي مهمة رجا القانون، عليهم  أن يسلطوا الأضواء مثل المجتمع الذي يعيشون فيه حتى تكون واضحة للمواطنين الأحرار، فلا يسهوا عنها أو يقبلوا بها بديلا.

ثانيا : العدالة في مفهومها الاصطلاحي :
لا نقصد بتقسيماتنا هاته وجود عدالات مختلفة عن بعضها، ولكن بتنوع الآراء يتأكد الحرص على ضرورة قيام عدالة حقيقية في كل المجتمعات  وتقريب مفهومها العام لكل الأجناس على اختلاف مذاهبهم السياسية وعقائدهم الدينية.
وقد أوضحت مذكرة التقديم، الدوافع التي كانت وراء إقامة هذه الندوة فعلينا إذا أن نبقى في إطارها محللين ما هو واقع وما يطمح المحامون وهم جزء من الطبقة النيرة في المجتمع وضعوا على عاتقهم وعن بينة وإدراك أن يدافعوا لتحقيق العدالة بأشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية عامة وبمفهومها الإجرائي أمام المحاكم وإرجاعا لحق ضائع، خاصة.

وهم في كل لحظة ومناسبة فرادى وجماعات يبرهنون عن جدارة بأنهم معنيون أساسا فعليهم ألا يتهاونوا أو يصيبهم الوهن في أداء  الرسالة. وجمعية هيئات  المحامين  بالمغرب وفي التنظيم الجامع لكل الهيئات  في إطار ظهر 15  نونبر 1958 تواجدها ملحوظ وعطاؤها متميز من خال مؤتمراتها وندواتها المتواترة.

وكم كان جميلا شعار مؤتمرنا 19 المنعقد بطنجة سنة 1988 كما سبقت الإشارة إلى ذلك  وهو :
"العدالة كل لا يتجزأ فلنتظافر الجهود لتنمية ضماناتها" وهي عامة وكلية حقا: سياسية اقتصادية اجتماعية قانونية من خلال ما هو مدون من نصوص واضحة ومنتجة.

وتحقيق العدالة سواء بمفهومها العام الذي لا يختلف عن مفهومها المصطلح عليه رهين بتوفر شروط أساسية هي التي نتناولها بإيجاز في المبحث الأخير.

تحقيق العدالة رهين بتوفر شروط أساسية :
من الأركان الأساسية التي يجب توفرها لضمان تحقيق عدالة ليست مطلقة ولكنها نسبية وفي خانة الموجب، حصانة الدفاع تشريعا وممارسة.

وتتدعم حصانة الدفاع وترتفع درجة حرارة العدالة وتزداد نسبتها بتوفر شروط أخرى أساسية أيضا وهي :
أولا : استقلال القضاء حقيقيا لا عن السلطتين التشريعية والتنفيذية فحسب ولكن  عن كل ما من شأنه أن يحد من هذا الاستقلال سواء في إطار دوريات مكتوبة أو شفوية، وبصفتنا محامين لنا دورنا المتميز  في جهاز العدالة، نعتبر أن هاجس إحصاء القضايا المحكومة من طرف السادة القضاة أحد الأسباب  الخطيرة التي تحد من استقلال  القضاء، خاصة وأن عهد هذا الإحصاء طال ولم يبق مؤقتا كما قيل في أول العهد به وأن الإسراع للبت في القضايا غالبا ما يؤدي إلى التسرع وهو أمر غير محمود.
فهلا رفع هذا الهاجس الخفي ؟

ثانيا : نزاهة القضاء :
في مؤتمرات جمعيتنا دائما تنادي باستقلال القضاء وتفصل القول في ذلك، وتنادي بنزاهة القضاء وتفصل في ذلك القول أيضا، وأن نزاهة القاضي تتطلب توفير العيش الكريم له ولأسرته خلال  ممارسة عمله  وبعد تقاعده، وذلك باعتباره إطارا يؤدي عملا ساميا  ومهما وفي نفس الوقت شاقا ومضنيا.

ثالثا : حياد القاضي :
قد يتساءل عضنا وهو على حق في ذلك 
إن حياد القاضي عامل ذاتي وشخصي يعود بالأساس إلى تكوينه البيولوجي والوراثي  والبيئي  والديني والوطني و…
ونحن نريد هذا من القاضي  وهو يبت في قضايا المواطنين الذين يضعون فيه كل آمالهم لإنصافهم.

رابعا : تكوين القاضي واستمرار  تكوينه :
ربما نعلم جميعا القولة المشهورة وهي :
يولد المحامي محاميا، أما القاضي فتصنعه الأيام، وحتى تكون هذه الصناعة متقنة وتمتاز بجودتها فإنها في حاجة إلى إعطائها عناية خاصة بانتقاء الجيد من المادة الخام وتعهده بالتكوين والتأهيل المنظم سواء في المعهد الوطني للدراسات القضائية أو بالمحاكم على اختلاف درجاتها، ورعايته  رعاية  مستمرة عدا أية ممارسة مهامه بإقامة ندوات ولقاءات بشكل دوري، مع مختلف الفعاليات ذات العلاقة مع القضاء.

خامسا : توفير الإمكانيات :
كل عمل نريده منتجا وفعالا إلا ويجب توفير مناخ ملائم ه، والقاضي وهو يؤدي مهامه الجسيمة والنبيلة من الواجب توفير الإمكانيات الضرورية له، بالإضافة إلى الإمكانات المادية حالا ومستقبلا.
-وجود محاكم في مستوى رسالة القضاء، مع متطلباتها التجهيزية .
-إحداث خزانات بها للمراجع القانونية أساسا.
وجود كتابة ضبط كفأة.
-العمل على إحداث التقنيات الحديثة بالمحاكم مسايرة للعالم.
مجلة المحامي عدد 29 صفحة 86

تعليقات