القائمة الرئيسية

الصفحات



قراءة في المادة 165 من القانون 39 - 08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية. للاستاذ مبارك السباغي موثق ومحافظ ممتاز سابقا







قراءة في المادة 165 من القانون 39 - 08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية. للاستاذ مبارك السباغي موثق ومحافظ ممتاز سابقا
لقد سمح المشرع بصريح المادة 165 من القانون 39 - 08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية برهن العقار في طور التحفيظ، حيث نقرأ فيها أن الرهن الرسمي حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور التحفيظ ويخصص لضمان أداء دين. وبالتالي جعل الأمن التعاقدي وحتى القانوني يسلك طريقا غير معبد بعيدا كل البعد عن المبتغى من تدوين الرهن بمطلب التحفيظ، كالذي نجده على مستوى الرسم العقاري. كيف يمكن للدائن المرتهن ضمان الوفاء بأداء الدين المنصب رهنه على مطلب تحفيظ تحيط به الشكوك ويهيمن عليه الخوف خلال مرحلة التطهير العقاري ؟. 
إيداع عقد الرهن الرسمي لهذا الحق العيني بسجل التعرضات طبقا للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري بمطلب التحفيظ، ليأخد مرتبته ويحافظ عليها في انتظار أن يتحول الإيداع إلى تقييد بالرسم العقاري، لا يخدم مصالح الدائن المرتهن، وإلى ذلك الحين لا حماية لهذا الإيداع الذي "يحتفظ مؤقتا"بهذا الحق، دون قدرة صاحبه معرفة مآل مطلب التحفيظ. فإن أصبح المطلب رسما عقاريا، أصبحت الإداعات المؤقتة محصنة بعد ترقيتها إلى تقييدات تجعلها خاضعة لمقتضيات قانونية قوية وأفضل بكثير من الفصل 84، الذي جاء فيه: " إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه، من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة لذلك. ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات.
يقيد الحق المذكور عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا سمحت إجراءات المسطرة بذلك".
لهذا السبب وخلافا للمعتاد وما جرى به العمل، كان ظهير 2 / 06 / 1915، قبل نسخه بالقانون 39- 08 ، لا يعترف بالرهن على مطلب التحفيظ لخطورة مسطرة التحفيظ وما يميزها من منازعات ومشادات ومن مفاجئات كإلغاء مطلب التحفيظ لسبب من الأسباب أو كاقتسامه مع المتعرض مؤثرا نتيجة لذلك على وعاء العقار المراد تحفيظه. 
على كل حال، وبعد دخول القانون 39 - 08 حيز التطبيق سنة 2012 ، عمليا يطبق المحافظ العقاري قبل الأوان مقتضيات الفصول 72 و73 و 74 من ظهير التحفيظ العقاري وكأن الأمر يتعلق برسم عقاري، وهذا إجراء لابد منه لأن قبول عقد الرهن وأداء وجيبات المحافظة وإيداعه طبقا للفصل 84 من ظ ت ع ، يعفون المحافظ العقاري من إعادة المراقبة مرة ثانية عندما يحول هذا الإيداع إلى تقييد بالرسم العقاري المؤسس لمطلب التحفيظ.
تبقى المسطرة المتبعة في مطلب التحفيظ نفسها المتبعة في الرسم العقاري .
يودع العقد طبقا للفصل 84 وهل يعلم المدين المرتهن أنه خارج الحماية ؟ وهل يُقدِّر مذا قصاوة التعرض في إبطال مفعول مؤسسة الرهن ومحوها من أمامه قضاء ؟.
في غيبتها تبقى الأمور مشابهة لمزايا الرسم العقاري إلى أن يحصل حاصل ويقلب الموازين ويعصف بالهدوء الملغوم.
وقد يحصل الدائن المرتهن على شهادة خاصة بالرهن وقد يودَع بالمطلب إنذار عقاري وحجز تحفظي وحتى محضر بيع بالمزاد العلني، وكأن الأمور عادية جدا، والواقع أنها غير ذلك. وهنا تتجلى الخطورة على الدائن المرتهن وحتى على الراسي عليه المزاد الذي يحل محل طالب التحفيظ أو محل المستفيد من الفصل 84 وذلك في حالة ما إذا تم التعرض على مسطرة التحفيظ سواء داخل الأجل القانوني أو خارجه ( الفصلان 24 و 29 من نفس القانون ) ولو بعد تدوين الرهن، فقد يضيع حق الدائن المرتهن في حالة صحة التعرض بمقتضى أحكام قضائية نهائية أو يضيع حق الراسي عليه المزاد الذي أدى ثمن البيع الجبري الذي به تم إستيفاء دين الدائن المرتهن، لأن إيداع مخضره بسجلات التعرضات لا ينفعه بشيء بل يبقى حقه معلقا إلى أمد غير مسمى أي إلى أن يصبح المطلب رسما عقاريا، إن سمحت الظروف بذلك.
إنها مرحلة خوف وقلق وانتظار وكأنها نهر هائج يودون المرور عبره للوصول للضفة الأخرى الآمنة الهادئة الحامية. للإشارة فإن التعرض ينصب على العقار وله الأولوية في التطهير سواء قبل إيداع الرهن أو بعده سواء قبل إيداع محضر البيع أو بعده. بمعنى أن وجود الرهن أو المحضر لا يؤثر عليه إطلاقا وربما يقضي التعرض عليهما ويقتلهما تماماً. لماذا كل هذا الإمتياز المعطى للتعرض ؟ فعلا لا يمكن تحصين تصرفات طالب التحفيظ في العقار المراد تحفيظه قبل أن يحصن نفسه ويطهر عقاره. إنه لا زال غير حاصل على صفة مالك للعقار، من جهة ومن جهة أخرى طالما أن التعرض يبدأ من تاريخ فتح مطلب التحفيظ إلى تاريخ انتهاء أجل التعرضات بعد نشر إعلان عن إنهاء التحديد النهائي بالجريدة الرسمية، معناه أن المدة التي يتمتع بها التعرض طويلة زمنيا وقد تحل بالمطلب في أي لحظة داخل الأجل وحتى خارجه استثناء ولا مجال لتطبيق الفصل 77 من ظهير التحفيظ العقاري لأن هذا الفصل لا يطبق إلا على الرسوم العقارية ("- يحدد ترتيب الأولوية بين الحقوق المتعلقة بالعقار الواحد حسب ترتيب تقييدها..." ).
وحتى في غياب التعرض الذي قد يحل لاحقا بمطلب التحفيظ فإن تحقيق الدين عن طريق البيع بالمزاد العلني قد يحل مشكل الدائن المرتهن لا الراسي عليه المزاد العلني الذي يبقى حقه معلقا ومرتبطا بمصير المطلب وقد يبرز للوجود تعرض يعصف بالمطلب وبمحضر المزاد العلني.
هذه هي الخطورة الكبرى التي ربما تجهلها الأبناك والمؤسسات المالية وغيرها وحتى من يرسو عليه البيع بالمزاد العلني.
لذا لا استغراب في تساؤلنا حول ما هي الجدوى من رهن مطلب تحفيظ أو بيعه جبرا لاستفاء الدين؟
وما هو الدافع الذي جعل المشرع يعطي الشرعية لهذا الإجراء الذي كان مجرد اجتهاد وعادة وعرف قبل ظهور مدونة الحقوق العينية الحالية ؟.
عالم مطلب التحفيظ يحكمه ويتحكم فيه التعرض وما له من سلبيات على مصير مطلب التحفيظ وقدرته على قلب كل الموازين بجعل مطلب التحفيظ في خبر كان والرهن والمحضر تباعا، حيث ينتصر المتعرض في بعض الأحيان على طالب التحفيط وعلى كل من حل بمطلب التحفيظ كيفما كان نوعه وعظمته وقوته، وظن أنه في مأمن وفي حماية.
هذه هي مسطرة التحفيظ وطالبها ما هو إلا مدعي بحق الملكية ولن تصبح له صفة مالك إلا عند تأسيس رسم عقاري بإسمه طبقا للفصلين الأول والثاني والستين من ظ ت ع بعد عناء وشقاء وانتظار وصبر. 
فأي ضمان يوجد للدائن المرتهن الذي يتعاقد مع شخص ليست له صفة مالك مقيد كالتي يحصل عليها وبكل افتخار عندما يكلل صبره بالنجاح ويحصل على الرسم العقاري النهائي والغير قابل لأي طعن؟.
وبصفته هاته، لا أحد قادر على إزاحته من مكانه تمشيا مع مقتضيات الفصول 65، 66 و 67 من ظ ت ع والمادة 2 من ق م ح ع، إن أراد رهن عقاره والدائن المرتهن له كل الضمانات في استيفاء دينه بفضل مقتضيات الفصل 77 من ظ ت ع والمواد 197، 199، 215 و 216 من ق م ح ع ( حق الأولوية وحق التتبع والإنذار العقاري والحجز العقاري )، والراسي عليه المزاد تزداد فرحته ويُطَهَّر عقاره الذي اشتراه بفضل ما تتضمنه المادة 220 من ق م ح ع ، خلافا لمطلب التحفيظ المتأرجح بين البقاء والموت خلال مسطرة التطهير القانوني. 
وقد جاء في المادة 220 ما يلي:"- لا تسلم كتابة ضبط المحكمة محضر إرساء المزايدة إلا بعد أداء الثمن المستحق أو إيداعه بصندوق المحكمة إيداعا صحيحا لفائدة من له الحق فيه. يترتب على تقييد محضر إرساء المزاد وتطهيره من جميع الإمتيازات والرهون ولا يبقى للدائنين حق إلا على الثمن".
يتجلى من خلال هذا التحليل أن طالب التحفيظ والدائن المرتهن والراسي عليه المزاد العلني يسبحون جميعا في أعماق البحار، إذ يجهلون عمقه وشوائطه. هنا يمكننا القول أنه تشبث غارقون بغريقين فغرق الجميع نتيجة "اتسونامي"الذي أتى عن الأخضر واليابس وابتلع البحر كل ما كان فوقه. أقصد بذلك مؤسسة التعرض وإن فضلت ألا أكون متفائلا، فمن الممكن ألا يؤثر التعرض على مطلب التحفيظ أو لا يؤثر عليه إلا جزئيا في حالة عدم صحة التعرض أو صحة التعرض في حدود قطعة مفرزة أو في حدود حقوق مشاعة أو إنشاء حقوق عينية تؤثر على الملكية التامة.
ختاما أقول لا نجاعة في رهن مطلب التحفيظ أو رهن حقوق عينية مودعة طبقا للفصل 84 من ظ ت ع، خلافا لرهن منصب على رسم عقاري ضامنا لاستيفاء الدين وحاميا للراسي عليه المزاد العلني

تعليقات