القائمة الرئيسية

الصفحات



الرقـابـة الإدارية و القضـائية في مجال المنـازعـة الضـريبـيـة ذ. محمد بوغــالب رئيس المحكمة الإدارية بوجدة

الرقـابـة الإدارية و القضـائية في مجال المنـازعـة الضـريبـيـة  ذ. محمد بوغــالب رئيس المحكمة الإدارية بوجدة






مداخلة القيت في ندوة" المنازعات الانتخابية والجبائية  من خلال توجهات  المجلس الأعلى



المركب الرياضي والاجتماعي لبنك المغرب
حي الرياض –مدينة العرفان
10-11 مايو 


الرقـابـة الإدارية و القضـائية في مجال المنـازعـة الضـريبـيـة  ذ. محمد بوغــالب رئيس المحكمة الإدارية بوجدة




الرقـابـة الإدارية و القضـائية في مجال المنـازعـة الضـريبـيـة  ذ. محمد بوغــالب رئيس المحكمة الإدارية بوجدة



الرقـابـة الإدارية و القضـائية في مجال المنـازعـة الضـريبـيـة

ذ. محمد بوغــالب
رئيس المحكمة الإدارية بوجدة






مقــدمة :
تلعب الموارد الجبائية دورا هاما في ميزانية الدولة و في كل تنمية اقتصادية و اجتماعية، لهذه الأسباب عهد للإدارة نفسها باعتبارها سلطة عامة أمر فرض الضرائب و جبايتها، و تتجلى هذه السلطة فيما تملكه الإدارة الضريبية من امتيازات و سلطات بمقتضى القانون قصد تمكينها من ممارسة وظيفتها.
هذا التدخل المستمر لإدارة الضرائب بحكم وظيفتها في فرض و تحصيل الضريبة و إحساس الملزم بهذا التدخل من الطبيعي أن يثير الكثير من الخلافات بين الملزمين و الإدارة الضريبية.
إن الجزاء الذي يلحق التصرفات غير المشروعة للإدارة هو بطلان هذه التصرفات نظرا لمخالفتها للقواعد القانونية، و ما ينتج عن ذلك البطلان من آثار، لذا كان من الضروري وجود سلطة عامة يمنحها القانون الاختصاص برقابة هذه التصرفات للتحقق من مدى مشروعيتها و مطابقتها للقانون و إبطال ما يكون مخالف لذلك[1]
و من خصوصيات المنازعة الجبائية أنها منازعة على مراحل، أي أنها لا ترفع مبدئيا إلى القضاء ابتداء، بل لابد من المرور من مرحلة الطعن الإداري قبل  اللجوء إلى القضاء، و ذلك بعلة تخفيف العبء الضريبي على القضاء، و تصفية المنازعات في مهدها، إضافة إلى توفير وقت و جهد الملزم.
 على أنه رغم إيجابية و مزايا الطعن الإداري يبقى الطعن القضائي الذي هو الأصل، أنجع الوسائل بما يحققه من رقابة قضائية على الإدارة الضريبية و هي تمارس نشاطها، فهو حامي حقوق الأفراد من كل تعسف أو خطأ في فرض الضريبة أو في تحصيلها.
فوجود الإدارة و ما تملكه من سلطة صاحبة امتياز كأحد طرفي المنازعة الضريبية يبرر ضرورة و مشروعية الحديث عن الحماية القضائية للطرف الثاني في المنازعة و هو الملزم باعتباره طرفا عاديا مجردا من كل سلطة أو امتياز إلا امتياز القانون.
المبحث الأول : الرقابة الإدارية.
قد يعمد بعض موظفي إدارة الضرائب إلى تطبيق نص قانوني بكيفية غير سليمة إما جهلا أو خطأ، لذلك كان من الضروري إحداث جهة معينة لتلفي تظلمات المواطنين في هذا الباب.
فالتشريع الجبائي ينص صراحة على ضرورة استنفاد مرحلة قبل بلوغ المرحلة القضائية، و هذه المرحلة قد تكون إما أمام الإدارة في حالة انعدام مسطرة التصحيح أو إعادة التقويم، و إما أمام اللجان الضريبية في حالة فحص جبائي أدى إلى مراجعة ضريبية أو في حالة تفويم الأساس الضريبي الذي صرح به الملزم.
المطلب  الأول : المنازعة أمام الإدارة.
الأصل أن التظلم الإداري، أيا كان نوعه، أمر اختياري يلجأ إليه المكلف بمحض إرادته، إلا أنه و استثناء من هذه القاعدة تنص أغلبية التشريعات المعاصرة على إلزامية الطعن الإداري الأولي في كل منازعة ضريبية قبل مراجعة القضاء[2] و لم يخرج المشرع الضريبي عن قاعدة إلزامية الطعن الإداري الأولي في المواد الضريبية إلا بعض الاستثناءات كالمنازعة في رسوم التسجيل، أما المنازعات في غيرها من الضرائب، و المتعلقة أساسا بالوعاء، فإنها تستلزم توجيه طعن إداري أولي إلى المصالح الضريبية المختصة تحت طائلة عدم القبول[3].
و هذا ما أكدته العديد من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية و كذا الغرفة الإدارية  عندما تصرح بعدم قبول الدعاوى الغير المسبوقة بالطعن الإداري، و من بينها الحكم الصادر عن هذه المحكمة بتاريخ 9/1/97 تحت عدد 3/97/5 في الملف رقم 24/96/5 [4].
و التظلم أمام الإدارة الضريبية كإجراء ابتدائي و ضروري لمسطرة المنازعة الجبائية يستجيب للحاجة الملحة التي فرضها التطور و التزايد العددي للخاضعين للضريبة، و يعتبر من المكتسبات لا بالنسبة للإدارة الضريبية أو الملزم.
و بالفعل فإن الإدارة في هذه المرحلة مطالبة بدراسة معمقة للملف الضريبي موضوع النزاع، و التي يمكن أن تؤدي إلى التخفيض في حالة ثبوت الحق فيه أو توضيح الأسباب التي تجعل الإدارة التي تتمسك بيموقفها فالتظلم يمكن من ربط حوار بين الملزم و الإدارة.
فللملزم الذي ينازع في الضريبة أو في جزء منها أن يتقدم بشكاية إلى إدارة الضرائب يبرز فيها موضوع النزاع و كذا الإثباتات التي يتمسك بها في مطالبته، و يتم تقديم المطالبة من الملزم نفسه أو وكيله في شكل كتابي و في أجل معين، يحدد فيها موضوع النزاع.
و يمكن إجمال هذه المطالبات : في الطلب الرامي إلى إصلاح الأخطاء التي قد ترتكبها الإدارة الجبائية، كأن تكون الضريبة فرضت عليه مكررة أو فرضت عليه خطأ، أو طولب بأداء أكثر مما يجب، أو الانتفاع بحق معترف به بنصوص قانونية أو تنظيمية، أو إعادة النظر في ضريبة غير مطابقة لنص قانوني أسمى كما هو الشأن في المعاهدات الجبائية الثنائية.
و لضمان سرعة تسوية ملفات المكلفين، نص القانون على أجل محدد يتم داخله البث النهائي في الطلب ثم يبلغ إلى المعني بالأمر.
لكن السؤال الذي يطرح هو : هل يتعين انتظار جواب الإدارة في حالة القرار الصريح أو المدة المعينة لاستصدار القرار الضمني لرفع الدعوى أم يمكن رفعها و لو قبل انصرام المدة المذكور ؟
لقد اعتبرت المحاكم الإدارية [5] و كذلك الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أنه يمكن رفع الدعوى قبل جواب الإدارة الصريح أو الضمني شريطة أن تكون الدعوى مرفوعة داخل الأجل المحدد للجواب و الطعن، ما دام أن الإدارة بإمكانها أن تجيب عن الشكاية أثناء مرحلة المسطرة القضائية و ما ددام أن الإدارة لم يلحقها أي ضرر، على أن تبث المحكمة بعد انصرام أجل جواب الإدارة أو بعد جوابها.
كما يثار السؤال : هل يقبل الطعن المقدم استنادا إلى جواب الإدارة الوارد خارج الأجل القانوني.
من المعلوم أن النصوص الضريبية قد حددت أجلا معينا لجواب الإدارة على التظلمات، فهذا الجواب إما أن يكون صريحا بإصدار قرار ضريبي يوجه إلى الملزم ليطعن فيه هذا الأخير داخل أجل شهر من تاريخ توصله به وإما أن يكون هناك قرار بالرفض الضمني بعد ستة أشهر من تاريخ إيداع التظلم،    و يقبل الطعن فيه قضائيا داخل أجل شهر من تاريخ انتهاء مدة الجواب. أما جواب الإدارة خارج الأجل المحدد لها قانونا فإنه لا يفتح أجلا جديدا للطعن. غير أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قد ذهبت خلاف ذلك في قرار لها صدر بتـاريخ 10/12/1998 تحت عدد 1125 و قد تم تعليل هذا القرار بعلة مفادها أنه ما دامت الإدارة قد أجابت الطاعن عن تظلمه خارج الأجل القانوني الممنوح لها، وأن جوابها هذا كان بمحض اختيارها و بدون تحفظ فإن الطعن المقدم داخل الأجل القانوني من تاريخ التوصل بالجواب المذكور يكون مقبولا.
و هكذا و تطبيقا للاجتهاد الوارد في قرار الغرفة الإدارية السالف الذكر أصبحت المحاكم الإدارية تقبل الطعون التي تقدم ضد القرارات الإدارية أو المقررات الضريبية في ضوء جواب الإدارة على التظلمات الوارد خارج الأجل الممنوح لها و تفتح بذلك أجلا جديدا للطعن رغم وجود مدة تفوق عدة شهور وأحيانا سنوات عن انتهاء الأجل القانوني لتقديم الطعن.
و نرى من وجهة نظرنا أن تطبيق هذا الاجتهاد ولئن كان قد أصبح متواترا لا يخلو من سلبيات إذ من بين ما يؤدي إليه هو عدم المساواة بين الملزمين، فالإدارة عندما تختار جواب أحد الملزمين على تظلمه دون آخر خارج الأجل المحدد لها، تكون قد مكنت من أجابت عن تظلمه من اللجوء إلى القضاء في حين يبقى الآخر ملزما بأداء نفس الضريبة و هذا قد يؤدي إلى تأويلات ضد الإدارة و لو كانت حسنة النية.
المطلب الثاني : المنازعة أمام اللجان الضريبية.
خول المشرع المغربي للملزمين بالضريبة إمكانية عرض نزاعاتهم على لجان مختصة كنتيجة حتمية لانعدام المساواة بين الملزمين و الإدارة، ذلك أن الإدارة تتمتع بمركز أقوى من مركز الأفراد مما يجعلها تتعسف في كثير من الأحيان في مواجهتهم، لذلك حاول المشرع  الضريبي، بالخصوص، حماية الملزمين بالضريبة بوضعه لوسيلة التحكيم الضريبي التي تمكنهم من فتح حوار ديموقراطي مع الإدارة الضريبية، و ذلك قبل التجائهم إلى القضاء، و هذه اللجان تتألف، حسب القوانين الضريبية، من عدة أشخاص يتصفون بالخبرة في الميدان القانوني و الضريبي و الإداري و منحت رئاستها إلى قاض، غير أن قراراتها تبقى ذات طابع إداري يطعن فيها أمام القضاء[6].
و اللجوء إلى هذه اللجان تسبقه مرحلة أولية، تتمثل في مجموعة من الإجراءات يقوم بها مفتشوا الضرائب.
فقد أوجب المشرع قبل كل عملية ضرورة إشعار الملزم المراد  التحقيق من محاسبته و إقراراته، و يعتبر التبليغ من أهم الضمانات المنصوص عليها في النظان الجبائي المغربي بحيث أن الملزم من حقه المشرووع أن يتوصل بخطابات أو رسائل الإدارة الجبائية التي لا يمكن لها أن تدعى بأي شكل من الأشكال وقوع التبليغ بغير الصورة التي حددها القانون، و هذا ما أكد القضاء الإداري في عدة أحكام صادرة عنه قضت بإبطال مجموعة من العمليات و المساطر بسبب عيب في التبليغ و من ضمنها الحكم الصادر عن هذه المحكمة بتاريخ 27/11/1997 تحت عدد 45/97 في الملف 31/96/5 ش، و لعل هذا هو الذي دفع بالمشرع في الآونة الأخيرة إلى سن إجراءات خاصة بالتبليغ، و تبليغ الملزم يعتبر إجراء إلزاميا و إلا اعتبرت مسطرة التصحيح لاغية و هو ما يستنتج من مقتضيات المادة 43 من قانون الضريبة على القيمة المضافة[7].
و عندما يكشف البحث الجبائي عن خلل ما في المحاسبة نكون أمام تصحيح جبائي يتم وفق مسطرة محددة نسري عبر مرحلتين : مرحلة التبليغ الأول و مرحلة التبليغ الثاني.
و لا يتم تحديد الأساس الضريبي من طرف لجان التحكيم إلا في الحالة التي تخفق فيها كل الحلول الحبية، و اللجوء إلى لجان التحكيم ليس مفتوحا قي وجه الملزمين، على اعتبار أن هذه المرحلة تأتي ضمن عملية متكاملة، لا يستفيد منها إلا من احترم ضوابط المسطرة من بدايتها إلى نهايتها.
و تنظر اللجان المحلية في النزاع أو الخلاق القائم بين الملزم و الإدارة إذ يمكن للملزم أن يرفض القرار الذي اتخذته الإدارة في رسالة  التبليغ الثاني و يطعن فيه أمام اللجنة المحلية محترما في ذلك الآجال القانونية لممارسة هذا الحق و هو شهر بعد تسلم التبليغ القاني الموجه له من طرف مفتش الضريبة، و اللجنة المحلية لتقدير الضريبة لا يمكن أن تتدخل في الخلاف إلا بناء على طلب الملزم الذي يطعن في أسس التصحيح الضريبي، و هذا الطلب يجب أن يكون كتابيا.
و زيادة في الضمانات الضريبية، مكن المشرع الملزم أو الإدارة من الطعن في مقررات اللجان المحلية أمام اللجنة الوطنية التي تبقى مقررتها قابلة كذلك للطعن أمام المحاكم الإدارية.
و السؤال الذي يطرح هنا هو هل يمكن للملزم أن يطلب إحالة ملفه إلى مسطرة اللجان و في نفس الوقت يتقدم بالطعن القضائي في الأمر بالتحصيل كما ذهبت إلى ذلك الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قرارها عدد 815 بتاريخ 23/11/05 حيث ألغت الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة القاضي ببطلان  الأمر بالتحصيل المطعون فيه ثم قررت بعد التصدي إرجاع الملف إلى نفس المحكمة للبت فيه من جديد بعلة ضرورة البحث والتقصي لتقدير ما فرضته الإدارة على الملزم.
إن تبني هذا الاتجاه يؤدي – حسب نظرنا- إلى ازدواجية الطعن الإداري و الطعن القضائي في آن واحد مما قد يؤدي إلى نتائج مختلفة.
و عليه نرى في هذه الحالة أن الطعن القضائي لن يكون مقبولا إلا عند الإدلاء بما يفيد تنازل الملزم عن طعنه الإداري أمام اللجان الضريبية كما أن على هذه الأخيرة أن تصرح بعدم قبول الطعن إذا ما ثبت لديها أن هناك طعنا قضائيا.
و نستخلص مما ذكر أنه ينبغي الحكم في مثل هذه النوازل بعدم قبول الطعن لكونه   سابق لأوانه مادام أن هناك طعنا إداريا، و تبقى الدعوى الوحيدة التي يمكن للملزم اللجوء إليها هي دعوى إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل.
المبحث الثاني : الرقابة القضائية.
تعتبر الرقابة القضائية في المنازعات الجبائية أنجع الضمانات للملزمين بالضريبة، إذ تضمن حقوق الأفراد ضد ما قد يشوب مسطرة فرض الضريبة و تحصيلها من تعسف أو خطأ.
و هذه المرحلة تجسد المفهوم الحقيقي للمنازعات المتعارف عليه، فإذا كانت الإدارة الجبائية تستأثر في المرحلة الإدارية بحيز خاص و مكانة متميزة لكونها خصم و حكم في نفس الوقت، فإن الهبآت القضائية مستقلة و محايدة، مما يجعل الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة الجبائية و أعمالها المادية تفضل غيرهما الرقابات.
فالقضاء في أحكامه المتعددة يعتبر بمثابة الدرع الذي يقي المدارين عامة و المكلفين على وجه الخصوص من تجاوزات الإدارة و أخطائها.
إلا أن مهمة القاضي في هذا الشأن ليست بالأمر الهين، فهو مدعو للتوفيق بين ضمان حقوق الأفراد تجاه إدارة الضرائب، و بين ما تقتضيه المصلحة العامة من تمويل ميزانية الدولة بمجموعة من الضرائب.
و تندرج المنازعات الجبائية في إطار المنازعات الإدارية بصفة عامة التي يشكل قضاء الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، إضافة إلى القضاء القضاء الشامل، فرعيها الرئيسيين.
المطلب الأول : المنازعة في دعووى الإلغاء.
إن دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة هي وسيلة تمكن القاضي من مراقبة شرعية القرارات و  الأعمال الإدارية المتخذة في الميدان الجبائي خاصة، و يرمي هذا الطعن إلى إلغاء المقررات الإدارية الغير القانونية.
و إذا كان هذا الاختصاص موكول في البداية إلى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى فإن قانون 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية خص به كذلك للمحاكم الإدارية.
و يلعب قاضي الإلغاء للشطط في استعمال السلطة دورا أساسيا في مراقبة شرعية المقررات الإدارية الصادرة عن الإدارة و مصالحها الخاصة، و مدى مطابقتها للقوانين الضريبية.
فدعوى الإلغاء في مادة الضرائب تستند إلى تجاوز الإدارة لسلطتها بشكل واضح، كأن يتعلق الأمر بفرض ضريبة لا ينص عليها القانون، أو أن قانونا قد ألغاها[8] أو أن تفرض ضريبة على شخص ما بعيد كل البعد عن الوعاء الضريبي المفروضة عليه، كأن تفرض ضريبة التجارة على شخص لم يسبق له أن مارس بتاتا هذه المهنة.
فكي تعتبر المنازعة الضريبية دعوى إلغاء يتعين أن يكون القرار متعلقا بالمنازعة في الأساس الضريبي و متوفر على مقومات القرار الإداري.
وهناك مجالان لاختصاص قاضي الشطط في استعمال السلطة في المادة الجبائية : الأول المقررات العامة المتعلقة بتنظيم الضريبة أو الرسم ، والثاني يشمل القرارات الفردية التي تتعلق بتطبيق الضريبة أو الرسم ، والصادرة أساسا على إثر طعن نزاعي أو استعطافي، أو على إثر تحكيم ضريبي.
لكن رغم أهمية دعوى الإلغاء في المنازعات الجبائية إلا أن سلطات القاضي في هذا الإطار تظل محددة يكتفي فيها بالإلغاء لا يمكن أن يوجه أمر للإدارة الضريبية قصد منح تخفيض كل أو جزئي من الضريبة أو جزاءا من الجزاءات الجبائية وهي دعوى عينية توجه إلى القرارات الإدارية الضريبية، ومعفاة من الرسوم القضائية، و مرتبطة بآجال محددة، كما أنها مقيدة بشرط انعدام الدعوى الموازية.
المطلب الثاني : المنازعة في إطار دعوى القضاء الشامل
إن النزاع الجبائي هو بالأساس قضاء شامل، وثانوي قضاء إلغاء وجل مواضيع النزاعات الجبائية لا تخلو من أحد الاحتمالين إما الإسقاط الجزئي للضريبة، فالملزم يوجه دعواه في شكل مطالبة تتعلق بموضوع الضريبة والفرق ليس فقط شكلي يتجلى في أداء الرسوم القضائية أو عدم أدائها، فما يقصد ، الملزم هو أن يصبح مدعيا بكل معنى الكلمة لا مجرد طاعن، ودعوى القضاء الشامل فعالة في هذا الموضوع لحسم النزاع في جوهره و أوفر جدوى بالنسبة للملزم فسلطة القاضي في إطار دعوى القضاء الشامل تكون أوسع و أشمل إذ بإمكانه أن يغير من الضريبة بل قد يتعدى ذلك إلى توجيه الإدارة إلى ما يجب عمله أو الامتناع عنه.
وترفع المنازعة في الوعاء الضريبي من الملزم بالضريبة أو أي شخص تكون له مصلحة في ذلك[9] ضد المدير العام للضرائب ومن غير أن يدخل الوكيل القضائي للمملكة في الدعوى.
هذا وأن المدير العام للضرائب ليس وحده الطرف الأصلي في دعاوى منازعات الوعاء الضريبي ، بل يشاركه في ذلك أشخاص آخرون خاصة عندما يتعلق الأمر بالضرائب المستحقة للجماعات المحلية ، إذ يتعين توجيه الدعوى في هاته الحالة ضد الآمر بالصرف .
إن القضاء الإداري وهو يتدخل للبث في المنازعات الجبائية ، يلعب دورا تفسيريا وتقنينيا هاما للمقتضيات التشريعية والتنظيمية وبالتالي يشكل مصدرا هاما من مصادر القانون الجبائي.
وفي هذا الإطار فإن المحاكم الإدارية أفرزت ورغم حداثة إنشائها اجتهادا قضائيا خصبا يثير المعرفة القانونية ، فمن استقراء الأحكام القضائية ، يبرز تكريس للعديد من القواعد والمبادئ الهامة التي تعكس نهجا لتثبيت دعائم دولة الحق والقانون وعليه سنشير هنا إلى بعض تلك المبادئ كالتالي :
 استقر قضاء المحاكم الإدارية على اعتبار الإجراءات السابقة لفرض الضريبة (من إعلام وتبليغ ...) إجراءات آمرة يترتب على عدم سلوكها وفق ما يقتضيه القانون وداخل الآجال المقررة قانونا بطلانها، وبطلان القرارات المتخذة على إثرها، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية بمكناس في حكمها عدد 45/97/5 الصادر بتاريخى 27/11/97 في الملف عدد 31/96/5 [10] و كذلك عدة أحكام أخرى صادرة عن المحاكم الإدارية و الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى.
التزام الخاضع للضريبة بسلوك مسطرة التظلم الإداري رهين باحترام الإدارة الجبائية للمسطرة الإدارية المتطلبة قانونا في تأسيس الضريبة وإن إخلالها بها يستتبع بالتبعية تحلل الملزم من قيد سلوك مسطرة التظلم.
ƒ الدخول المهنية الناتجة عن تربية المواشي معفاة من الضريبة، وفي ذلك صدر عن إدارية مكناس حكم تحت عدد 43/95 بتاريخ 19/10/95 في الملف رقم 28/94 غ جاء فيه " حيث إنه حتى بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 10 من ظهير الباتانتا المذكور، فإن تلك المقتضيات قد أعفت مربي الماشية من هذه الضريبة متى كان بيع محصولها خارج كل دكان أو متجر و المقصود بالمحصول هنا ما تذره من ألبان وصوف ... وإنه لم يثبت للمحكمة من وثائق الملف أن المدعي يتعاطى لذلك النوع من التجارة في دكان أو متجر [11].
عدم إدلاء الخزينة العامة للمملكة بما يفيد احترام تسلسل درجات المتابعات يفضي إلى بطلان إجراءات التحصيل.
وقد صدر عن إدارية البيضاء حكم تحت عدد 840 بتاريخ 12/12/96 جاء فيه ما يلي : " ... وحيث إن المحكمة من خلال دراستها لوثائق الملف عاينت أن الخزينة  العامة للمملكة بواسطة القابض لمباشرة إجراءات الحجز دون احترام باقي درجات المتابعة كما أن الخزينة في جوابها لم تدل بما يفيد استيفاء باقي طرق التحصيل قبل اللجوء إلى الحجز ومحاولة البيع ، مما تكون معه جميع إجراءات التحصيل الموجهة ضد الطاعن باطلة ومخالفة للقانون ..."
قيام الإدارة الجبائية بإصلاح المسطرة أثناء سريان الدعوى أمام القضاء لا يجيز الضريبة المفروضة وفي هذا الصدد صدر عن إدارية فاس حكم بتاريخ 13/12/95 جاء فيه : " حيث لا دليل في الملف على سلوك الإدارة الضريبية القواعد المحددة بالمقتضيات المسطرية في فرض ضريبة المساهمة التكميلية مما يجعل تأسيسها للضريبة أثناء تحريك هذه الدعوى وبالتالي فرضها بواسطة القضاء من خلال جواب الإدارة عن المقال إجراء غير قانوني ويتعين عدم الالتفات إليه ... ".
عدم جواز إخضاع العقد المعلق على شرط واقف لم يتحقق لرسوم التسجيل وهذا الاتجاه هو الذي اعتمدته المحكمة الإدارية بمكناس في حكمها الصادر بتاريخ 12/01/1995 والذي جاء في حيثياته [12].
حيث إنه باستقراء العقد العرفي المؤرخ في 10/12/1995 موضوع بيان التصفية المطعون فيه ، يتـضـح أنه مـجـرد وعـد بـبـيـع أنه مـتـوقـف عـلى تحـريـر عـقـد نهائي عندما تجري التسوية القانونية قبل 30/3/1986 ، وهو ما لم يتم القيام به لحد الآن بل وقع فسخ لذلك العقد حسب الثابت من أوراق الملف.
وحيث إنه إذا كان الوعد بالبيع معلقا على شرط واقف لم يتحقق فإنه لا يمكن خضوعه لأداء واجبات التسجيل النسبية لأن العقد يعتبر غير قائم حتى يتحقق الشرط الواقف طبقا للفصول 125-306 و 335 من قانون العقود والالتزامات بخلاف الاتفاقات الناجزة والتي تعتبر ناقلة للحقوق من منظور القانون الجبائي فهذه الاتفاقات تكون خاضعة للواجبات النسبية في التسجيل.
وحيث إن الثابت من وثائق الملف وخاصة الحكم الاستئنافي المدلى به أن الشرط الواقف لم يتحقق لأن عملية تجزئة لأرض المبيعة من الرسم الأصلي المذكور أعلاه غير ممكنة ولم يرخص بها لحد الآن فيكون الفسخ خارجا عن إرادة المتعاقدين وقبل تحقق الشرط وبالتالي لا يمكن إخضاع الوعد بالبيع المذكور لرسوم التسجيل خصوصا وأنه لم ينتج آثاره.
وحيث إنه تطبيقا للقاعدة الضريبية " كل ما يلزم أو ينقل أو يبرئ لا يستوجب أداء الواجبات النسبية لذلك يكون بيان التصفية المطعون فيه غير قائم على أساس ويتعين إلغاؤه.
عدم سريان القانون الجبائي بآثار رجعي، فقد أكد القضاء الإداري على ضرورة صيانة الحقوق المكتسبة في ظل القانون الجبائي وأن أي تراجع في قانون لاحق بشأن هذا الحق لا يمكنه أن يؤثر على وضعية الملزم المكتسبة و لا يسمح للإدارة الجبائية بالتالي التراجع عما هو مقرر قانون لفائدة الملزم في نطاق القوانين والتنظيمات الجاري بها العمل وقت صدورها والتي خولت للمستفيدين منها وضعية إدارية معينة كأن ينجز الملزم بالضريبة مشروعا في ظل قانون استثمار معين يمنحه مدة إعفاء معينة فيصدر قانون استثمار جديد ليقلص من مدة هذا الإعفاء فتتجاهل الإدارة حق الملزم ، وتفرض عليه الضريبة على أساس القانون الجديد أي أن الإدارة تطبق المقتضيات بأثر رجعي على واقعة منشئة حدثت في ظل قانون سابقـ،، وهذا المثال هو واقع نازلة عرضت المحكمة الإدارية بمكناس [13] وقضت فيها بإلغاء الإعلام الضريبي.
إن الإشكاليات التي تم عرضها في هذه المداخلة ومواقف القضاء الإداري منها، ما هي إلا نموذج لبعض ما طرح من منازعات جبائية على المحاكم الإدارية، و التي اقتضت اجتهادا في فهم النص و تفسيره واستقصاء روح التشريع وكنهه بل إن العديد من الاجتهادات تم تكريسها على مستوى التشريع، و إن كانت نصوص قانونية تحتاج إما لتوضيح أو مراجعة أو تعديل من خلال تدخل تشريعي يحسم أوجه الخلاف، و يبين نية المشرع و غايته في إطار السعي إلى تحقيق عدالة ضريبية من خلال ضمان التوازن بين حقوق الملزمين من جهة والإدارة الضريبية من جهة ثانية، مع الإشارة إلى وجوب قيام الإدارة ببذل مزيد من الجهد على مستوى التواصل مع الملزمين و العمل على توعية المواطنين بأهمية أدائهم للضريبة باعتبارها مساهمة جماعية في التنمية الوطنية.
و الله   ولي   التـوفــيــق.





[1]  - راجع ملف الدكتور سامي جمال الدين، الرقابة على أعمال الإدارة 1992.
[2]  - الفصل 24 من ضريبة البطانطا، و الفصل 47 من الضريبة على القيمة المضافة، و الفصل 114 من الضريبة العامة على الدخل و الفصل 52 من الضريبة على الشركات.
[3]  - حكم إدارية الرباط عدد 250 الصادر بتاريخ 15/4/1999 في الملف عدد 249/98.
[4]  - جاءت غي إحدى حيثيات الحكم، و يتعين على الملزم في هذه الحالة التقيد بمسطرة الطعن الإداري المنصوص عليها في المادتين 47 و 114 من قانون الضريبة على القيمة المضافة و 114 من قانون الضريبة العامة على الدخل قبل عرض النزاع على القضاء.
[5]  - حكم إدارية مكناس عدد 54/95 الصادر بتاريخ 21/12/1995.
[6]  - اعتبر المجلس الأعلى في قرار عدد 246 الصادر بتاريخ 12/7/1962 أن اللجان الضريبية ليست هيآت قضائية.
[7]  - نفس الشيء أشارت إليه المادة 39 من قانون الضريبة على الشركات و المادة 107 من قانون الضريبة العامة على الدخل.
[8]  - انظر الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط عدد 495 الصادر بتاريخ 24/6/1999 في الملف عدد 195/98.
[9]  - انظر مؤلف الأستاذين مرزاق و أبليلا، المنازعات الجبائية بالمغرب بين النظرية و اللتطبيق.
[10] - جاء في إحدى حيثيات هذا الحكم : " و حيث يتبين من وثائق الملف أن إدارة الضرائب لم تشعر الطاعن بأسباب التصحيح الذي تنوي القيام به و تفاصيل مبلغة، و لجأت مباشرة إلى الفرض التلقائي للضريبة و مطالبته بأداء المبلغ الذي حددته بمقتضى الإنذار المطعون فيه."
[11]  - حكم غير منشور.
[12]  - الحكم عدد 1/95 الصادر بتاريخ 12/1/1995 عن المحكمة الإدارية بمكناس في الملف رقم 16/94.
[13]  - حكم عدد 7/94/3 غ بتاريخ 9/2/1995، لعلج عبد الوهاب ضد مدير الضرائب.

تعليقات