القائمة الرئيسية

الصفحات



دعوى الشفعة بين العقار العادي والمحفظ (أوجه التلاقي والاختلاف) ذ. محمد جباني قاض بابتدائية لفقيه بنصالح

دعوى الشفعة بين العقار العادي والمحفظ (أوجه التلاقي والاختلاف) ذ. محمد جباني قاض بابتدائية لفقيه بنصالح







دعوى الشفعة بين العقار العادي والمحفظ (أوجه التلاقي والاختلاف)


ذ. محمد جباني قاض بابتدائية لفقيه بنصالح

-مداخلة ألقيت في الندوة الجهوية الخامسة في موضوع :النزاعات العقارية من خلال توجهات  المجلس الأعلى سطات، القاعة الكبرى لولاية الشاوية ورديغة 26-27 أبريل 2007
مقال كتب قبل صدور مدونة الحقوق العينية إلا أنه يتضمن معلومات لا يمكن الاستغناء عنها.



لقد اختلف الفقهاء في نوع الضرر الذي قصد الشارع رفعه لما قرر نظام الشفعة إلا أنه من الحكم في مشروعيتها المجمع عليها إزالة الضرر عن الشركاء فحالة الشياع في الأموال كثيرا ما تكون سببا في الخصومات بين المالكين الأمر الذي يورث بينهم الكراهية والأحقاد فتعظم الشفعاء وتكثر الخصومات ولما كان من أهداف الشريعة الإسلامية تحقيق العدل بين الناس وذلك بدرء المفاسد وجلب المصالح. فإن الشفعة جزء من أحكام المعاملات بين الناس هدفه جلب المصلحة ودفع المفسدة وليست الغاية من هذا البحث التطرق إلى نظام الشفعة بكل من يطرحه من إشكاليات وإنما اقتصار على جانب منه نرى انه ذو فائدة عملية وهو المتعلق بالمشاكل القانونية التي تثيرها ازدواجية التشريع المنظم للشفعة في القانون المغربي.
فالعقارات المحفظة تخضع لظهير 2/6/1915 المحدد لتشريع المطبق على العقارات المحفظة والعقارات الغير المحفظة أو التي في طور التحفيظ تخضع لأحكام الفقه المالكي.
إلا أن الملاحظ أن المقتضيات المنظمة للشفعة في ظهير 2/6/1915 تضمنت قواعد عامة ومجملة غير كافية لحل كل الإشكاليات القانونية التي تعرض على القضاء. وهذا يطرح مسألة ما مدى قابلية مبادئ وقواعد الشفعة المستمدة من الفقه المالكي للتطبيق على قضايا الشفعة في العقار المحفظ في حالة انعدام النص القانوني.
لهذا قسمت هذا البحث إلى ثلاث مطالب :
المطلب الأول : أوجه التلاقي في دعوى طلب الشفعة في العقار العادي[1] والمحفظ.
المطلب الثاني : أوجه الاختلاف في دعوى طلب الشفعة في العقار العادي والمحفظ.
المطلب الثالث : ما مدى قابلية بعض القواعد الفقهية المستمدة من الفقه المالكي للتطبيق على
قضايا الشفعة في العقار المحفظ.

المطلب الأول : أوجه التلاقي في دعوى طلب الشفعة في العقار العادي والمحفظ
سنبحث في هذا المطلب النقط التالية :
أولا : من حيث أركان الشفعة :
عرف الفصل 25 من ظهير 2/6/1915 الشفعة بأنها هي الحق الثابت لكل من يملك مع آخرين على الشياع عقارات أو حقوق عينية عقارية في أن يأخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها بعد أدائه المبلغ المؤدى في شرائها وكذا مبلغ ما أدخل عليها من تحسينات وما أدى عنها من مصاريف لازمة للعقد.
وفي مختصر الشيخ خليل : "الشفعة أخذ شريك ممن تجدد ملكه اللازم اختيارا بمعاوضة عقارات انقسم". والشفعة حسب تعريف ابن عرفة : "استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه".
يؤخذ من هذه التعاريف أن أركان الشفعة في العقار العادي والمحفظ هي الشفيع والمشفوع والمشفوع منه والمشفوع به.

1- الشفيع[2] : وهو من له الحق في استشفاع حصة شائعة في عقار أو حق عيني عقاري يملك فيه جزءا شائعا فوتها شريكه للغير بعوض مقابل تأدية الثمن المدفوع ومصاريف العقد. من ثم فإن الشريك لا يستحق الشفعة في العقار العادي أو المحفظ إلا إذا أثبت أنه شريك على الشياع في المشفوع وأن يكون تاريخ تملكه للجزء المشاع الذي يشفع به سابقا على تاريخ تصرف شريكه يضاف على ذلك أنه يحب أن يكون مليئا بالثمن.

2- المشفوع : وهو الشيء محل الشفعة وهو يثبت في العقار المشترك وفيما يتعلق بالعقار من الأشياء والحقوق.

3- المشفوع منه : هو الشخص الذي تستعمل الشفعة في مواجهته ليأخذ الشفيع من يده الحقوق التي فوتها إليه شريكه والشرط الذي يجب توفره لقيام حق الأخير في الشفعة أن تكون شركة المشفوع منه في الشيء متأخرة عن شركة الشفيع.
4- المشفوع به : هو ما يؤديه الشفيع للمشفوع منه عند الشفعة مقابل حصوله على الحصة المشفوعة من ثمن الذي أداه الأخير للبائع وما خرج من يده من صوائر وقيمة التحسينات التي قام بها المشتري لكون هذه التحسينات رفعت من قيمة الحصة المشفوعة.

ثانيا : من حيث موجبات الشفعة :
لا تتم الاستجابة لطلب الشفعة في العقار العادي والمحفظ إلا ذا ثبت أن طالبها شريك على الشياع فيما يطلب شفعته وأن الحصة المطلوب شفعتها انتقلت إلى المشفوع منه يعوض[3] وأنه تقدم بطلب الشفعة خلال الأجل.

ثالثا : تزاحم الشفعاء :
يتحقق التزاحم بين الشفعاء إذا توفر سبب الشفعة لأكثر من شخص وطلبوها كلهم أو بعضهم وفي العقار العادي كما في العقار المحفظ[4] تطبق قواعد الفقه المالكي في حالة تزاحم الشفعاء، ويجب التمييز هنا بين حالتين : حالة التساوي وحالة كون بعض الشركاء أولى من بعض في الأخذ بالشفعة :
- الحالة الأولى : كون الشركاء متساوين في استحقاق الشفعة :
التساوي في استحقاق الشفعة يكون إذا كان سبب تملك الشركاء في مال المشاع واحد أي أن مدخلهم واحد والقاعدة في الفقه المالكي أن الشركاء يشفعون بقدر الإنصباء جاء في موطأ الإمام مالك[5] : "إن الشفعة بين الشركاء على قدر حصصهم يأخذ كل إنسان منهم بقدر نصيبه إن كان قليلا فقليلا وإن كان كثيرا فبقدره وذلك إن تشاحوا فيها".
وقال ابن عاصم :
والشركـاء للشفيـع وجـب                 إن يشفعـوا معه بقدر الأنصـبا

- الحالة الثانية : كون بعض الشركاء أولى من بعض في الأخذ بالشفعة :
نص المشرع المغربي في المادة 30 من ظهير 2/6/1915 على أن : "حقوق الأولوية في ممارسة الشفعة يبقى العمل حاري بها بين المسلمين وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية :
وهذا يعني أن أحكام الفقه المالكي بخصوص الأولوية في ممارسة الشفعة هي التي تطبق على العقار المحفظ ومن باب أولي على العقار العادي وفي هذا الصدد جاء في مختصر الشيخ خليل بخصوص مراتب الشفعة في حالة تزاحم الشفعاء : "وقدم مشاركة في السهم وإن كأخت لأب أخذت سدسا ودخل على غيره كذي سهم على وارث ووارث على موصى لهم. ثم الوارث ثم الأجنبي، من ثم فإن ترتيب الشفعاء في حالة التزاحم يكون على الشكل التالي : 1) أصحاب الفروض والسهام، 2) الورثة بالتعصيب، 3) الموصى لهم، 4) الشركاء الأجانب عن الورثة.
ويجدر التذكير هنا بأن أصحاب السهام يدخلون على أصحاب التعصيب وعلى الموصى لهم وعلى الشركاء الأجانب ولا عكس مع الإشارة إلى أن وارث كل شريك ينزل منزلته وينتقل إليه نفس الحق فيها إلى الطبقة التي تلي ويقدم الشريك الأخص على الشريك الأعم وعليه فإن لا مصلحة للمشفوع منه في التمسك بعدم إدخال بقية المشتاعين في دعوى الشفعة أو إثبات تنازلهم عن هذا الحق لأنه على فرض وجود شركاء للبائع فإنهم إما يأخذوا الشفعة على قدر حصصهم أولا يأخذوا فيلزم الشفيع بأخذ الجميع[6].

رابعا : من حيث التنازل عن الشفعة :
تنص المادة 33 من ظهير 2/6/1915 على ما يلي : "لا يمكن للشركاء في الملك أن يتنازلوا على حقهم في الشفعة قبل تسجيل الشراء بالكناش العقاري وإلا كان تنازلهم باطلا".
وجاء في التحفة :
وليس الإسقـاط بلازم لمـن                أسقـط قبل البيع لا علم الثمـن
يستفاد من المادة 33 وقول صاحب التحفة أعلاه أن التنازل عن حق الشفعة جائز بعد البيع إذا كنت الحصة المبيعة تعد جزءا من عقار عادي أو بعد تقييد البيع بالصك العقاري إذا كان البيع يتعلق بحصة في عقار مخفض.
أما التنازل الذي يتم قبل العقد في الحالة الأولى وعملية تقييد الشراء بالسجل العقاري في الحالة الثانية فإنه يعتبر عديم الأثر.
وإذا تنازل الشركاء عن الشفعة فإن هذا التنازل يلزمهم وإذا تنازل بعضهم دون البعض الآخر. فإن هذا التنازل لا يلزم الباقين الذين لهم الحق في شفعة جميع النصيب المبيع وليس للمشتري إلزامهم بالشفعة على قدر حصصهم، وهذا ما أشار إليه المجلس الأعلى[7] : "إن المنصوص عليه فقها  أن الشفعة لا تتجزأ إلا مع رضى المشفوع منه فقد جاء في القوانين الفقهية بن جزي ما نصه : إذا وجبت الشفعة لجماعة اقتسموا المشفوع فيه على قدر حظوظهم وإن سلم بعضهم للأخر أخذ الجميع أو تركه وليس له أن يأخذ نصيبه إلا إذا أباحه له المشتري".

خامسا : من حيث عدم تبعيض الشفعة :
الشفعة رخصة لا تقبل التبعيض ومعنى ذلك أنه لا يجوز للشفيع أن يأخذ الشفعة في بعض المبيع دون بعض ويكون عليه أن يطلب استشفاع الحصة المبيعة في كل العقار ولو في حالة تزاحم الشفعاء. كما لا يجوز للشفيع إذا فوت العقار لأكثر من مشتر أن يأخذ بالشفعة من بعضهم دون بعض لأن في هذا ضرر على المشتري.
أما في حالة تعدد العقارات المبيعة صفقة واحدة وكانت شروط الأخذ بالشفعة متوافرة للشفيع فيها جميعا وجب على الشفيع أن يطلب أخذها كلها بالشفعة.
أما إذا لم تتوفر شروط الأخذ بالشفعة إلا في بعض العقارات المبيعة ينحصر حق الشفيع على العقار أو العقارات التي تتوافر فيها شروط ممارسته للشفعة وتعين المحكمة خبيرا لتحديد ثمن هذا العقار أو العقارات.
فالمدار في التبعيض (تجزئة الشفعة) وعدمه اتحاد الصفقة (العقد) وتعددها فإن اتحدت الصفقة فلا تبعيض إلا برضى المشتري والشفيع إذ القاعدة هنا هي أن المشتري والشفيع إذا اختلفا في التبعيض بحيث أراده أحدهما وأباه ألآخر فلا تبعيض وان اتفقا عليه جاز سواء تعدد البائع أو المشتري أو الحصص أو الشفيع أو اتحد كل منهم وأن تعددت الصفقة فللشفيع التبعيض رغم امتناع المشتري المشفوع من يده من ذلك تعدد البائع والمشتري أو الشفيع أم اتحد كل منهم[8].
فأحكام عدم تبعيض الشفعة على المشفوع منه السالفة الذكر تطبق على العقار العادي والمحفظ فقد نصت المادة 33 من ظهير 2/6/1915 على أنه : " يجب الأخذ بالشفعة في مجموع الحصص المبيعة على الشياع لا في جزء منها". وجاء في مختصر الشيخ خليل : "وإن اتحدت الصفقة وتعددت الحصص والبائع لم يتبعض كتعدد المشتري على الأصح وكإن أسقط بعضهم أو غاب".
وفي إرشاد السالك : "إذا ترك الشركاء شفعتهم لم يكن للباقي ما يضمه بل يأخذ الكل أو يترك[9].

سادسا : من حيث آجال الشفعة :
1) أجل ثلاثة أيام :
أ- في الفقه المالكي : أجل ثلاثة أيام لممارسة حق الشفعة في العقار العادي يتم بتكليف من القاضي الذي يمهل الشفيع لإحضار الثمن والمصاريف عند التعبير عند إرادته في الأخذ الشفعة[10] وأن مطالبة المشتري للشفيع بالأخذ أو الترك للشفعة يسمى توقيفا ويجب أن يكون التوقيف  من طرف القاضي فإن كان من غيره فلا يعمل به[11].
ب- في العقار المحفظ : طبقا للمادة 31 من ظهير 2/6/1915 يمكن للمشتري بعد تقييد شرائه بالرسم العقاري أن يبلغه لكل من له حق الشفعة ويسقط حق هذا الأخير أن لم يمارسه داخل ثلاثة أيام من تاريخ التبليغ تضاف إليها أجال المسافة[12].

2) أجل شهرين :
أ- ففي الفقه المالكي : جاء في مختصر الشيخ خليل "وشهرين إن حضر" فالشفيع الذي يحضر بيع الشقص المطلوب شفعته يتعين عليه طلب الشفعة داخل أجل الشهرين.
ب- في العقار المحفظ : فإنه طبقا للمادة 32 من ظهير المذكور فإن حق الشفعة يسقط بمضي شهرين ابتداء من تاريخ العقد أن حرر بمحضر الشركاء.

3) أجل السنة :
أ- ففي الفقه المالكي : إذا لم يحضر الشفيع عقد البيع فإن أجل الشفعة لا يسقط إلا بعد مضي سنة من تاريخ علمه بالبيع أو المعاوضة إن كان حاضر يقول صاحب التحفة :
والتـرك للقيام فـوق العـام                 يسقـط حقه مع المقـام

ب- في العقار المحفظ : فإن المادة 32 أعلاه تحدد أجل الشفعة فيما عدا حالتي تبليغ الشراء إلى الشريك تبليغا رسميا أو حضور هذا الأخير مجلس العقد في سنة واحدة ابتداء من تاريخ تقييد الشراء بالرسم العقاري وهذا التقييد يعد قرينة قانونية على العلم تسري في حق الكافة ولا تقبل إثبات العكس.

سابعا : من حيث طبيعة أجل الشفعة :
السؤال الذي طرح هنا ما هي طبيعة أجالات الشفعة السالفة الذكر هل هي أجالات سقوط أم تقادم ؟
فيما يتعلق بأجل الشفعة في الفقه المالكي : فإن هذا الأجل هو أجل سقوط وهذا ما أكده المجلس الأعلى: "إن مدة السنة التي تجب ممارسة الشفعة خلالها هي من قبيل أجل السقوط التي تسري على الجميع بما في ذلك القاصرين الذي لهم نائب القانوني وتراخى عن المطالبة بها إلى أن انقضت المدة[13].
أما في العقار المحفظ وإن كان المشرع قد استعمل كلمة تقادم في المادة 32 إلا أن المجلس الأعلى اعتبر هذه الآجالات آجال سقوط لا أماد تقادم لقد جاء في قراره عدد 478 وتاريخ 4/7/1990 ملف مدني رقم : 3018/86 ما يلي "لكن حيث إن أجلي الشفعة الواردين في المادة 32 من ظهير 2/6/1915 المطبق على العقارات المحفظة وهما شهران من تاريخ تحرير العقد إذا كان الشفيع حاضرا في مجلس العقد أو السنة من تاريخ تسجيل الشراء بالرسم العقاري مثل أجل الثلاثة أيام المنصوص عليها في الفصل 31 من نفس الظهير ومثل أجل السنة من تاريخ العلم بالنسبة للعقار الغير المحفظ هي آجال ذات طبيعة واحدة هي أنها آجال سقوط لا تقادم وأن العبرة في هذا الشأن لا بالألفاظ وإنما لمقاصد التشريع وبالتالي فأن تلك الآجال لا تخضع للانقطاع المنصوص عليه في الفصل 381 من ق.ل.ع وأن المحكمة كانت على صواب عندما اعتبرت أجل الشفعة لا ينقطع بأي إجراء قضائي"[14].
ونحن نؤيد هذا الاتجاه ما دام أن الشفعة رخصة واستثناء وليس أصلا فهي تقيد حرية المشتري وتجعل يده مغلولة عن استغلال ما اشتراه إلى أن ينتهي أجل الشفعة خاصة إذا اعتبر هذا الأخير أجل تقادم.

ثامنا : من حيث أطراف دعوى الشفعة :
تنحصر أطراف دعوى الشفعة سواء تعلق الأمر بالشفعة في عقار عادي أو محفظ في الشفيع والمشتري وليس من الضروري إدخال البائع كطرف ثالث في النزاع وهكذا ذهب المجلس الأعلى إلى أن عدم اشتراك البائع في دعوى الشفعة لا يؤثر في قبول طلب استحقاقها الذي يجب أن يوجه ضد المشفوع منه[15] .

تاسعا : من حيث آثار الشفعة :
الأخذ بالشفعة رضاء أو قضاء يترتب عنه كقاعدة عامة حلول الشفيع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته ويعد الحكم الذي يصدر نهائيا بثبوت الشفعة سندا للملكية الشفيع ودون إخلال بالقواعد العامة المتعلقة بالتسجيل في الصك العقاري إذا تعلق الأمر بشفعة عقار محفظ .

المطلب الثاني : أوجه الاختلاف في دعوى الأخذ بالشفعة في العقار العادي والمحفظ
تبين مما تقدم أن أحكام الشفعة في ظهر 2/6/1915 تتطابق مع أحكام الشفعة في الفقه المالكي إلا في بعض الحالات التي ستولي التطرق إليها على النحو التالي :
أولا : من حيث إثبات البيع :
سبق أن ذكرنا أن الأخذ بالشفعة يتوقف بصفة أساسية على إثبات أمرين من طرف الشفيع : شراء حصة شائعة من طرف المشتري المشفوع منه وشركة الشفيع في العقار محل الشفعة إلى تاريخ البيع.
وإذا كان إثبات الأمرين السالفي الذكر من طرف الشفيـع قد تعترضه بعض الصعوبات بالنسبـة للعقار في طور التحفيـظ وفي العقار الغير المحفظ وخاصة إثبات الشراء[16] فالحصول على عقد الشراء سواء كان رسميا أو عرفيا قد لا يكون أمر هينا، إذا انطلاقا منه تثبت الشركة وثمن الشراء ومصاريف العقد لهذا جرى العمل على إمكانية إثبات الشركة بشهادة الشهود واثبات الشراء بإقرار المشتري أو البائع أو إقرارهما معا.
أما بالنسبة للعقار المحفظ فلا يمكن تصور ذلك ما دام أن المعتمد لإثبات الشراء والشركة على الشياع وإنهائها ومعرفة الثمن ومصروفات العقد وغير ذلك من متطلبات الأخذ بالشفعة هو الرسم العقاري وحده.

ثانيا : من حيث كيفية ممارسة دعوى الشفعة :
1- بالنسبة للعقار الغير المحفظ والعقار في طور التحفيظ[17] :
إذا علم الشفيع إن شريكا معه على الشياع فوت جميع واجبه أو جزء منه للغير بعوض ورغب في استشفاع الحصة المبيعة فله أن يشعر المشتري برغبته في الشفعة أو أن يلتجأ إلى القضاء مباشرة ، فإذا استجاب المشتري لرغبة الشفيع أمكن تسوية الأمر دون اللجوء إلى القضاء، أما إذا لم يستحب فللشفيع أن يتقدم بمقال على المحكمة الابتدائية التي يقع العقار محل الشفعة في دائرتها من أجل الحكم له بالشفعة وفق الإجراءات المسطرية العادية وفي هذه الحالة تعد صحيفة الدعوى بطبيعة الحال إعلانا عن الرغبة في الأخذ بالشفعة.

2– بالنسبة للعقار المحفظ :
للأخذ بالشفعة في عقار محفظ يتعين على الشفيع سلوك المسطرة التالية : أن يعلن رغبته في استشفاع الحصة المبيعة وأن يعرض ثمن الشراء ومصاريف العقد على المشتري وفي حالة رفض هذا الأخير العرض عليه إيداع ثمن الشراء ومصاريف العقد بصندوق المحكمة ثم إقامة الدعوى للأخذ بالشفعة وإذا لم يقم بهذا العمل المزدوج (إبداء الرغبة والعرض العيني الحقيقي داخل الأجل اعتبر غير ممارس لحقه في الشفعة بصفة قانونية[18].

ثالثا : من حيث التصرفات التي تبيع الشفعة :
في العقار المحفظ لا تثبت الشفعة إلا عند انتقال الحصة إلى المشفوع منه عن طريق البيع فقط دون سائر التصرفات القانونية الأخرى لأن المادة 25 من ظهير 2/6/1915 لا تتكلم إلا على الشفعة في البيع.
أما في العقار الغير المحفظ أو في طور التحفيظ فتثبت الشفعة في سائر أنواع المعاوضات سواء كانت بيعا أو معاوضة أو مناقلة ويقدر العوض بثمنه .
قال ابن عاصم :
وشفعة الشقص يعطي عن عوض       والمنع في التبرعات مفترض

وجاء في مختصر الشيخ خليل : "ممن تجدد ملكه اللازم اختيارا بمعاوضة " قال الشيخ محمد عليش شارحا قول خليل : "وتثبت الشفعة فيما وراء ذلك من وجوه المعاوضات بأي نوع كان من التملكيات كمهر وخلع وبيع وإجارة وصلح عن جناية".
رابعا :  متى يعتبر الشفيع مالكا للحصة المشفوعة :
ففي العقار العادي يصبح الشفيع مالكا للحصة المشفوعة ابتداء من يوم صيرورة الحكم بالشفعة نهائيا. أما بالنسبة للحالة التي يستجيب فيها المشتري لرغبة الشفيع في الأخذ بالشفعة فابتداء من تاريخ الاشهاد عليهما بذلك.
وبالنسبة للعقار المحفظ فإن الشفيع لا يصبح مالكا سواء استجاب المشتري لرغبة الشفيع وتم تحرير عقد تضمن هذه الموافقة أو حكم له بها إلا ابتداء من تاريخ تقييد العقد أو الحكم بالسجل العقاري وذلك عملا مقتضيات بالمادة 66 وما يليها من ظهير 12/8/1913.
المطلب الثالث : ما مدى إمكانية تطبيق بعض القواعد الفقهية المستمدة من الفقه المالكي على قضايا الشفعة في العقار المحفظ عند انعدام النص القانوني

إن مقتضيات الشفعة في العقار المحفظ والتي تنظمها المواد 25 إلى 34 من ظهير 2/6/1915 جاءت مجملة ولم تعالج كافة قضايا الشفعة التي تعرض على القضاء ولما كان نظام الشفعة مستمدا من الشريعة الإسلامية وهذه الأخيرة هي المصدر التاريخي له فإنه ينبغي الرجوع في تفسير هذا النظام إلى الشريعة الإسلامية كما يجب الرجوع إليها عند عدم وجود نص حيث يكون الفقه المالكي في هذه الحالة مصدرا رسميا للقاعدة التي تطبقها المحكمة، وفي هذا المطلب سوف نتطرق إلى بعض الحالات التي تعرض على المحاكم ولم تنظمها مقتضيات ظهير 2/6/1915.

أولا : حالة بيع الحصة المشاعة عدة مرات :
قد يباع عقار تجوز فيه الشفعة وقبل تمام أخذ بالشفعة يقوم المشتري ببيعه مرة ثانية فما أثر ذلك على الشفيع جاء في مختصر الشيخ خليل : "وأخذ بأي بيع شاء وعهدته عليه ونقضى ما بعده" هذا المبدأ الفقهي يمكن تطبيقه في قضايا العقار المحفظ وهذا ما أقره المجلس الأعلى في قراره[19] عدد4814 وتاريخ 27/8/1995 في الملف المدني رقم : 27/8/1995 :
"يتجلى من القرار المطعون فيه ومن باقي وثائق الملف أن المطعون قد طلب الشفعة من الطالب بعد تسجيل شرائه بالرسم العقاري عدد : 33131 هـ وقبل تسجيل شراء المشترية منه عائشة الميسوي بتاريخ 13/1/1989 وبذلك فقد كانت المحكمة على حق عندما قضت المطلوب بشفعة الحصة المبيعة على الشياع من يد الطالب وذلك لكونه مشتريا لها ومالكها الوحيد سيما وأن عقد الشراء الثاني لا أثر له على طلب الشفعة من الطاعن مادام غير مسجل على الرسم العقاري طبقا لمقتضيات الفصل 67 من ظهير 12/8/1913 بشأن التحفيظ العقاري[20].

ثانيا : حالة وجود نزاع حول كون التصرف بيعا أو تبرعا :
إذا أثار نزاع بين الشفيع والمشتري حول نوع التصرف فادعى الشفيع أنه بيع في حين تمسك المشتري بكونه صدقة أو هبة أو غيرها من التبرعات فالقاعدة هي تكليف الشفيع بإثبات ما يدعيه من صورية وإن لم يثبت ما ادعاه من الصورية وبقي مصرا على ادعائه فإن على خصمه اليمن على أن العقد ظاهره كباطنه ويسقط حقه في الشفعة[21] وهذه القواعد يمكن تطبيقها على شفعة العقار المحفظ.

ثالثا : حالة فسخ البيع بعد إعلان الرغبة في الشفعة :
لما كان من المقرر عندنا في المذهب المالكي إن الإقالة بيع لقول خليل : " ولو أقاله البائع إلا أن يسلم قبلها ". وإذا كان البيع محل الشفعة مستوف لجميع أركانه ومسجل بالسجل العقاري فتكون جميع آثاره مترتبة في مواجهة المشترية المستأنفة وأن فسخ عقد البيع المذكور هو بمثابة إقالة والحال أن الإقالة لا تحول دون ممارسة حق الشفعة ولا أثر لها على طلبها[22].

رابعا : حالة النزاع حول الغلة :
غلة الحصة المشفوعة من تاريخ الشراء إلى تاريخ استحقاق الشفعة تكون حسب الفقه المالكي للمشتري لا للشفيع فالحصة أثناء هذه مدة تكون في ضمان المشتري ويعد هذا الأخير بمثابة المتصرف عن حسن النية والقاعدة أن المتصرف عن حسن نية يستحق الثمرة عملا بالمادة 103 من ق.ل.ع[23] فالحكم بالشفعة هو منشئ لا مقرر لحق الشفيع مما يمتنع معه القول بحلوله محل المشتري قبل الحكم نهائيا بالشفعة.

خامسا : حالة الاختلاف حول الثمن :
إذا ثار خلاف بين المشتري والشفيع حول ثمن الحصة المراد استشفاعها فالذي جرى به العمل سواء في شفعة العقار العادي أو المحفظ هو أن يحلف الشفيع على أن الثمن المذكور بالعقد ظاهره كباطنه .

سادسا :  حالة إرث حق الشفعة :
حق الشفعة من الحقوق التي يجري فيه التوارث وهو حق لا يقبل التجزئة يثبت لكل وارث إذا انفرد به ولهم جميعا إذا اجمعوا عليه وحق الشفعة إذا كان ثابتا للموروث ولم يمارسه جاز لورثته أن يمارسوه إذا لم ينصرم أجله ففي العمل المطلق:
الشفيع إن يمت عن شفعـة                انتقـل الحـق إلى ورثتـه

وفي العقار المحفظ يمكن للورثة ممارسة الشفعة متى قاموا بتقييد إراثة مورثهم بالرسم العقاري ليكتسبوا صفة شريك ويحلوا محل مورثهم.
وأود أن أشير في ختام هذا العرض أنه يتعين على المشرع المغربي أن يوحد التشريع المطبق على قضايا الشفعة وأن يضع لدعواها إجراءات محددة ومواعيد قصيرة لمنع بقاء المشتري مهددا بطلب الشفعة لمدة طويلة خاصة بالنسبة للعقار الغير المحفظ والعقار في طور التحفيظ لتوفير استقرار المعاملات ولمنع الشفيع من اتخاذ الشفعة أداة للمساومة والمضاربة.


[1]- أقصد بالعقار العادي في هذا البحث العقار الغير المحفظ والعقار في طور التحفيظ.
[2]- أن الفقه الإسلامي لا يمنع الأخذ بالشفعة من يد الشريك ولا يقيم أية تفرقة بين الشفعة من الشريك والشفعة من الأجنبي إلا من حيث مدى أثرها بالنسبة للأجنبي يأخذ من المبيع كله بينما بالنسبة للشرك يترك له جزء من المبيع في حدود حصته. يراجع قرار المجلس الأعلى عدد م 23 وتاريخ 6/4/1978 ملف مدني رقم 60299 منشور بمجلة قضاء المجلس في الشفعة خلال أربعين سنة، عبد العزيز توفيق، ص 28.
[3]- سيأتي لاحقا أن الشفعة في العقار المحفظ لا تثبت إلا في البيع.
[4]- تنص المادة 28 من ظهير 2/6/1915 : "يمارس هذا الحق على نفس العقار من طرف جميع الشركاء كل بقدر نصيبه فإن تنازل البعض منهم فإن هذا الحق يمارسه الباقون بقدر حصصهم".
[5] - موطأ الإمام مالك، ص 505.
[6]- قرارا المجلس الأعلى رقم 131 وتاريخ 29/1/1985 ملف عقاري رقم 83/91 ومنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 37-38، ص 133.
[7]- قرار عدد 643 وتاريخ 15/3/1990 ملف شرعي رقم 7249/88 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى في الشفعة خلال أربعين سنة، ص 264 عبد العزيز توفيق.
[8]- أحكام الشفعة والصفقة تأليف أستاذنا سليمان الحمزاوي، ص 49.
[9]- إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك تأليف شهاب الدين عبد الرحمن محمد بن عسكر البغدادي، ص 151.
[10]- إن أجل ثلاثة أيام المنصوص عليها في الفقه المالكي لإحضار الثمن لا تطبق إ إذا احددها القاضي لإحضار الثمن " قرار المجلس الأعلى عدد 3653 وتاريخ 27/10/1994 ملف مدني رقم 628/90 عبد العزيز توفيق المرجع السابق، ص 306.
[11]- أحكام الشفعة والصفقة المرجع السابق ص 64.
[12]- يتضح مما تقدم أن ثمة فارق بخصوص أجل ثلاثة أيام للأخذ بالشفعة بين العقار العادي والمحفظ ففي هذا الأخير على الشفيع أن يمارس الشفعة داخل أجل ثلاثة أيام من تاريخ تبليغ الشراء إليه. أما في العقار العادي فإن القاضي هو الذي يؤجل الشفيع لإحضار الثمن والمصاريف.
[13]- قرار عدد 522 وتاريخ 29/2/1979 ملف شرعي رقم 12561 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى في الشفعة خلال أربعين سنة، عبد العزيز توفيق، ص 182.
[14]- قرار منشور بمجلة القضاء والقانون عدد : 143ص 98.
[15]- قرار رقم 114 وتاريخ 1/3/1978 ملف مدني 53403 مجلة المحامي عدد 18 ص 61 وقرار رقم 956 وتاريخ 1/7/1986 ملف عقاري 84.4739 مجلة القضاء والقانون عدد 139 ص 118.
[16]- من شروط الشفعة أن يكون البيع ثابتا أما إذا أنكره البائع والشقص بيده وأقر المبتاع فلا شفعة إلا بعد صدور الحكم بكون البيع ثابتا قرار المجلس الأعلى عدد 26 وتاريخ 02/12/1969 منشور بالمرجع السابق لعبد العزيز توفيق ص 178.
[17]- يمكن عملا بالمادة 24 من ظهير 12/8/1913 بشأن التحفيظ العقاري أن يصاغ طلب الشفعة في شكل تعرض إذا تعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ.
[18]- يتضح أن الفرق بين دعوى ممارسة الشفعة بالنسبة للعقار العادي والمحفظ يتجلى في أنه إذا كان على الشفيع إذا تعلق الأمر بعقار محفظ أن يقوم بإبداء الرغبة والعرض العيني الحقيقي قبل إقامة الدعوى والا فإن دعواه لا تقبل خلاف الأمر في العقار العادي الذي له الحق في اللجوء إلى  القضاء مباشرة دون إمكانية عرض الثمن والمصاريف على المشتري أولا.
[19]- قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 48 ص 331.
[20]- يراجع للمزيد من التفاصيل خاصة في حالة تقييد الشراء الثاني على صحيفة الصك العقاري تعليق على القرار المذكور للأستاذ أبو المسلم الحطاب في نفسي المجلة ص 334.
[21]- أستاذنا سليمان الحمزاوي المرجع السابق ص 119.
[22]- قرار المجلس الأعلى عدد : 2316 وتاريخ 23/4/1997 ملف مدني رقم 874/96 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد : 53-54 ص146.
[23]- أستاذنا سليمان الحمزاوي المرجع السابق ص 119. 

تعليقات