القائمة الرئيسية

الصفحات



حجية اللفيف في فض النزاعات المتعلقة بالعقار غير المحفظ ذ/ رشيد عسعوس

حجية اللفيف في فض النزاعات المتعلقة بالعقار غير المحفظ   ذ/ رشيد عسعوس





ذ/ رشيد عسعوس

عدل بالمحكمة الابتدائية بابن احمد
مداخلة ألقيت في الندوة الجهوية الخامسة في موضوع :النزاعات العقارية من خلال توجهات  المجلس الأعلى سطات، القاعة الكبرى لولاية الشاوية ورديغة 26-27 أبريل 2007



انه لمن دواعي سروري أن أتقدم إلى حضراتكم بهذا العرض المتواضع في هذه الندوة المباركة التي تخلد للذكرى الخمسين لتأسيس أعلى هيئة قضائية بمملكتنا الغراء والتي اتخذت لها كشعار النزاعات العقارية .
وقد اتخذت كعنوان لهذا العرض، حجية اللفيف في فض النزاعات المتعلقة بالعقار غير المحفظ وتناولته من خلال مبحثين اثنين بالتفصيل الآتي:
المبحث الأول: حجية اللفيف في الفقه المالكي

المطلب الأول: ماهية شهادة اللفيف
المطلب الثاني: التطور التاريخي لشهادة اللفيف. ومستند العمل به.
الفقرة الأولى: التطور التاريخي لشهادة اللفيف
أولا : مرحلة اللفيف التواتري .
ثانيا : مرحلة الموجب اللفيفي.
أ‌-       تكليف عدل أو عدلين للسماع من اللفيف
ب‌-   الاقتصار على اثني عشر رجلا .
الفقرة الثانية : المستند الشرعي للعمل بشهادة اللفيف .
أولا : عموم بعض الآيات القرآنية  .
ثانيا : القياس والاستحسان.

المبحث الثاني: حجية شهادة اللفيف في القانون الوضعي المغربي.

المطلب الأول : الشروط التوثيقية للرسوم المرتبطة بالعقار غير المحفظ .
الفقرة الأولى: البيانات العامة للشهادة اللفيفية .
أولا: في التعريف بطالبي الشهادة واللفيف .
ثانيا: في المشهود فيه .
ثالثا : في تاريخ الوثيقة .
رابعا : في مستندات الوثيقة.
خامسا : في التزام ضوابط تحرير الوثيقة
الفقرة الثانية : البيانات الخاصة (رسم الملكية كنموذج)
   - الإشكال الأول: التعبير بمدة الحيازة.
                          - الإشكال الثاني: دور اللفيف في ضبط العقار.
المطلب الثاني:  مدى حجية اللفيف من وجهة نظر الفقه والقضاء.
الفقرة الأولى: وجهة نظر الفقه.
أولا : هل اللفيف حجة كتابية
ثانيا : هل اللفيف شهادة شهود
الفقرة الثانية :  موقف المجلس الأعلى .
خاتمة





المبحث الأول
حجية اللفيف في الفقه المالكي



المطلب الأول: ماهية شهادة اللفيف
 شهادة اللفيف عبارة مركبة من كلمتين: شهادة ولفيف.
أما الشهادة فتعني لغة خبر قاطع،يقال شهد لزيد بكذا شهادة أي أدى ما عنده من الشهادة فهو شاهد، ويراد بها أيضا الحضور والبيان.
ومعنى اللفيف لغة الخليط من الناس، يقال طعام لفيف أي مخلوط من جنسين فصاعدا، وفي قوله تعالى " جئنا بكم لفيفا " (1) أي مجتمعين مختلطين من كل قبيلة (2)
وفي الاصطلاح فالشهادة تعني قول يصرح به الشاهدان أو الشهود لدى الحاكم أو نائبه ،من محكم أو قاض، الذي عليه أن يحكم بمقتضاها إن ثبت عنده عدالة الشهود ببينة أو بحسب علمه (3)،وتنقسم من حيث إسنادها ومحتواها إلى أصلية واسترعائية :
 الشهادة الأصلية:
هي التي يمليها المشهود عليه أمام الشاهد العدل،كإشهاد المشهود عليهم بالبيع والشراء والزواج والطلاق وغيرها لدى عدلين منتصبين للشهادة،فيكتبانها على نحو ما سمعاها منهم ويشهدان به عليهم ويطالعان بها قاضي التوثيق للخطاب عليها.
ومجال إعمال الشهادة الأصلية أوالشهادة العدلية واسع يشمل جميع التصرفات القانونية سواء كانت صادرة عن إرادة منفردة أو بتوافق إرادتين أو أكثر،وسواء  كانت بعوض أو بدون عوض ،وسواء تعلقت بميدان الأسرة أو المعاملات المالية أو العقارية لا يستثنى من ذلك سوى من كان موضوعها خارجا عن دائرة التعامل(4).
الشهادة الاسترعائية :
هي شهادة الشاهد من علمه وحفظه لمستند خاص كالحضور والإقرار والمعاينة أو لمستند عام كالمجاورة والمخالطة والاطلاع على الأحوال(5) وهي على نوعين :
- إذا كان الشاهد عدلا منتصبا لخطة العدالة سميت شهادة علمية وعبارتها أن يقول  العدلان :" يشهد الواضعان شكليهما عقب تاريخه بمعرفتهما لفلان الفلاني .... المعرفة التامة ويشهدان......." (6)
- إذا كان الشاهد غير منتصب لخطة العدالة بل من عامة الناس،فتسمى شهادة استرعائية لفيفية أو شهادة لفيفية وتعرف أيضا بشهادة الكافة أو العامة أو الشهادة العرفية وصورتها :
أن يأتي المشهود له باثني عشر رجلا ( شاهدا) (7) كيف اتفق من اجتماع أو افتراق إلى عدلين منتصبين للشهادة،فيؤدون شهادتهم عندهما،فيكتبان رسم الاسترعاء على حسب شهادتهم ويضعان أسمائهم وهوياتهم وعناوينهم عقب تاريخه طبقا لما يشيران إليه في أول الرسم،ثم يكتبان رسما آخر تحت هذا الرسم فيه تسجيل على القاضي،وهو إشهاده بثبوت الرسم أعلاه وصحته عنده،ويدعان موضع بياض ليكتب فيه القاضي اسمه وشكله ثم يطالعان القاضي بذلك فيكتب القاضي تحت أسماء الشهود : " شهدوا لدى من قدم لذلك بموجبه فثبت" ويضع القاضي علامته في موضع البياض بالرسم الثاني،ثم يضع العدلان علامتيهما في أسفل هذا الرسم الثاني شهادة على القاضي بمضمنه .
وإذا كانت الشهادة الأصلية يتم استعمالها كوسيلة لإثبات التصرفات القانونية، فإن شهادة اللفيف إنما تنشط في إثبات الوقائع القانونية والمادية، ويبرز ذلك جليا في ميدان الأسرة وميدان العقار وخصوصا منه العقار غير المحفظ.
وصيغة الخطاب (8) على الشهادة كانت مختلفة بحسب ما إذا كانت الشهادة أصلية أو استرعائية
ففي الشهادة الأصلية يكتب قاضي التوثيق (9):" الحمد لله أعلم بثبوته" وفي الشهادة الاسترعائية يكتب " شهدوا لدى من قدم لذلك لموجبه فثبت" علامة على ثبوت الرسم لديه.
(1) سورة الإسراء الآية 104
(2) القاموس المحيط للإمام اللغوي أبي طاهر مجد الدين  محمد بن يعقوب بن محمد بن ابراهيم ابن عمر الشيرازي الفيروز أبادي. شهد صفحة 944 ولفف ص 1576.
(3) العلمي الحراق:التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطبيقاته في مدونة الأسرة،الجزء الأول ص 157.
(4) نصت المادة 32 من القانون رقم 03/16 المتعلق بخطة العدالة الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.06.56 صادر في 15 من محرم 1427 (14 فبراير 2006) على مايلي" يمنع تلقي الشهادة التي يكون موضوعها خارجا عن دائرة التعامل"
(5) محمد الابراهيمي:شهادة اللفيف واعتمادها كحجة إثبات،مجلة ندوات محاكم فاس عدد 1 لسنة 2003  ص 20
(6) نصت الفقرة الخامسة من المادة 27 من القانون رقم 03/16 لخطة العدالة المذكور قبله على أنه "يحق للعدلين أن يشهدا شهادة علمية بإذن من القاضي ."
(7) وقد يرتفع هذا العدد إلى ثمانية عشر رجلا في شهادتي الترشيد والتسفيه
(8) الخطاب اصطلاحا هو إعلام القاضي المخاطب على الرسم وإخباره من يقف عليه ليعمل بمقتضاه بما ثبت عنده من عدالة شهوده، ويكون بالأداء والإعلام.الأحكام الصادرة عن المجلس الاستئنافي الشرعي الأعلى. المجلد الأول – ص 698.
- وهو روح الشهادة قال ابن عاصم في تحفته:         العمل اليوم على قبول مــــــــا              خاطبه قاض بمثل اعلمـــــــا
                                                                 وليس يغني كتب قاض فاكتفى              عن الخطاب والمزيد قد كفـى
                                                                 وإنما الخطاب مثل مثل اعلمــا              إذ معلما به اقتضى و معلمــا
(9) تم إحداث وظيفة قاضي التوثيق بمقتضى منشور لوزير العدل عدد 6306 صادر بتاريخ 22/05/1957
غير أن المشرع المغربي وحد صياغة الخطاب على الشهادتين معا في القانون الجديد لخطة العدالة رقم 03/16 حيث نصت المادة 35 منه في فقرتها الأولى:" يخاطب القاضي المكلف بالتوثيق على الشهادات بعد إتمام الإجراءات اللازمة والتأكد من خلوها من النقص وسلامتها من الخلل وذلك بالإعلام بأدائها ومراقبتها" وبذلك أصبحت الصياغة الجديدة للخطاب على جميع الرسوم العدلية هي " الحمد لله أعلم بأدائها ومراقبتها".(10)
فالإعلام بالأداء يعني شهادة القاضي بثبوت الشهادة أو الحق أو بصحة الرسم المتضمن لها ممن هم عدول معينون في دائرة نفوذ عمله وقيامها صحيحة من أجل العمل بها والحكم بموجبها عند النزاع.
والإعلام بالمراقبة أي تأكد القاضي من تمام الإجراءات القانونية المتعلقة بكل وثيقة ومن خلوها من النقص وسلامتها من الخلل إن شكلا أو مضمونا.
والوثيقة متى استوفت شروطها وذيلت بخطاب القاضي عليها،كانت حينئذ وثيقة رسمية لافرق في ذلك بين الأصل والاسترعاء.(11)
المطلب الثاني: التطور التاريخي لشهادة اللفيف ومستند العمل بها

الفقرة الأولى: التطور التاريخي لشهادة اللفيف:
لقد اجمع الفقه قديما على جعل العدالة شرطا لقبول شهادة الشاهد، لأن قبول الشهادات وبناء الأحكام عليها مرتبط بصدق الشاهد فيها، ولا يظهر صدقه إلا بالعدالة، فخبر من ليس بمعصوم يحتمل الصدق والكذب، ولا يقع الترجيح بينهما إلا بالعدالة
قال ابن عاصم في تحفته:وعدل إن أدى على ما عنــــــده          خلافــــه منــــــــــع أن يـــــــــــــــــــــــــرده
                               وعلمه بصدق غيــــــر العدل لا          يبيــــــح أن يقبــــــــل ما تحمـــــــــــــــــــلا
وقال التسولي في شرح البهجة:
                             "غير العدل كالعـدم، فـــــــرد شهادتـــــــه حــــــــــق للـــــــــــه"
وسئل أبو الحسن الصغير قاضي الجماعة بفاس المتوفى سنة 719 هـــ عن رسم شهد فيه احد وثلاثون رجلا هل يكتفى فيه بمجرد العدد أو لابد من عدلين فقال: "لابد من عدلين ."
وأفتى القاضي أبو عبد الله ابن الحاج قاضي قرطبة رحمه الله في لفيف بلغ خمسين ولم يقبله القاضي،قال : لايحكم به.(12)
غير أنه حدثت نوازل وأقضية جعلت تطبيق شرط العدالة ممتنعا،إذ ما العمل إذا لم يوجد في بلد من البلدان عدول،أو حصلت للناس أقضية ووقائع في وقت من الأوقات لم يحضر فيها عدول ولا قصد إحضارهم ثم تدعو الضرورة إلى شهادة من حضر من عامة الناس أو حدثت أمور لا يقصد الناس عادة تحصينها بالشهادة عليها ثم يحدث ما يحوجهم إليها فلم توجد إلا عند غير العدول ....هل تتوقف المعاملات بين الناس ...؟هل تعطل الحدود وإنزال العقوبات على مرتكبي الجرائم لعدم وجود عدول يشهدون عليهم بها...؟ لم لا يتم تجاوز شرط العدالة وقبول شهادة من ليس بعدل للضرورة والحاجة الداعية إليها...؟ (13)
لا شك أن تعطيل الشهادة لعدم وجود العدول فيه من الضرر الكبير والخطر الجسيم مالا يقوى على تحمله المجتمع المسلم.
هذا الوضع غير السوي دفع فقهاء المذهب المالكي إلى بذل جهدهم لإيجاد حلول فقهية شرعية لمعالجة هذا الوضع الشاذ، ومن خلال رصدنا لاجتهاداتهم وجدناها كانت على مرحلتين:
أولا: مرحلة اللفيف التواتري
ذهب مجتهدو هذه المرحلة رحمهم الله جميعا إلى القول إن كان الصدق لا يتحقق إلا بالعدالة حقا،فإنه لا يتوقف عليها لا محالة. لذلك جرى في كلامهم ونصوصهم ما يفيد قبول العمل بشهادة العدد الكثير من الناس من غير العدول شريطة أن يؤدي هذا العدد الكثير إلى حصول العلم للقاضي بطريق التواتر والاستفاضة (14) ومعنى هذا الكلام أن شهادة غير العدول يعمل بها متى كثر عددهم إلى الحد الذي يجعل القاضي يطمئن إلى حصول العلم بهم على وجه التواتر.
 


 (10) لعل الحكمة من هذا التعديل هو جعل النص القانوني يواكب ما أصبحت عليه خطة العدالة من حيث كونها
       1- تزاول بصفتها مهنة حرة، وأن العدول يزاولون مهامهم بتكليف قانوني بصفتهم من مساعدي القضاء، وان تعيينهم لهذا المهمة لم يعد من اختصاص القاضي كما كان سابقا بل هو موكول حاليا لوزير العدل ( المادة 7 من قانون 03/16)
       2- مادام تعيين العدول قد أصبح بقرار لوزير العدل فان عبارة شهدوا لدى من قدم لذلك لموجبه فثبت لم يعد لها أي مدلول قانوني لذلك ثم استبدالها ب " الحمد لله اعلم بأدائها ومراقبتها "
      3- تقسيم الناس إلى عدول وغير عدول كما ورد في كتب الفقه لم يعد مقبولا في الوقت الراهن، وإنما تسمية القائمين على خطة العدالة، بالعدول هو اصطلاح مهني لتمييزهم عن باقي المهن الحرة المساعدة للقضاء ليس إلا.
(11) تنص المادة 35 من القانون رقم 03/16 في فقرته الثالثة : " لا تكون الوثيقة تامة إلا إذا كانت مذيلة بالخطاب وتعبر حينه وثيقة رسمية."
(12) شهادة اللفيف للإمام العالم المحقق المؤرخ الفقيه أبي حامد، محمد العربي بن الشيخ الهمام أبي المحاسن يوسف الفاسي الفهري رحمة الله مركز إحياء التراث  المغربي الرباط ص 9
(13) سئل بعض المفتين من ثقات شيوخ المتأخرين في القرى البعيدة من المدن على الثلاثين ميلا والأربعين ، وفيها الثلاثون رجلا ، والأربعون والأكثر من ذلك والأقل ، وليس فيهم عدل مشهور بالعدالة ، فيهم مؤذنون وأئمة وقوم موسومون بالخير ، غير أن القضاة لا يعرفونهم بعدالة ، ولا يجدون من يعرفهم ، يجتمعون على الشهادة عندهم في الأملاك والديون والمهور والنكاح وغير ذلك،ولا يخالف منهم أحد،هل تجوز شهادتهم ، ويقضى بها ، أو يتركون من غير أن ينظر في أمورهم ؟ فكتب لكل قوم عدولهم ولابد من معرفة القاضي لهم بنفسه. محمد العربي الفاسي م س . ص 17 – 18.
(14) واعلم أن شهادة اللفيف أقسام ثلاثة :
قسم يفيد العلم وهذا يعبر عنه بالتواتر وقسم يفيد ظنا قويا يقرب من العلم وهذا يعبر عنه بالاستفاضة وحكمه حكم ما يفيد العلم ( أي بالتواتر) لان ما قارب الشيء يعطى حكمه وقسم يفيد مطلق الظن وهذا هو المعبر عنه بشهادة اللفيف . أبي الشتاء الصنهاجي في مواهب الخلاق الجزء الأول صفحة 305 .
أما القسمان الأول فهما اللذان يشكلان جوهر اجتهاد الفقهاء في هذه المرحلة. وأما القسم الثالث فموضوعه المرحلة الثانية من هذا التطور وسيأتي بيانه.
فمبنى هذا الاجتهاد دائر على التواتر الذي يراد به إخبار جمع من الناس يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب عن محسوس من دون تحديد لعدد مخصوص. فقد يحصل العلم بالأربعة شهود أو بالستة أو بالإثنا عشر أو بالعشرين أو بأقل من ذلك أو أكثر،فلا عبرة عندهم بالعدد بل جعلوا حصول العلم موكولا لتقدير القاضي واجتهاده حسب الأحوال وباختلاف الوقائع والقرائن.
سأل القاضي أبو الفضل عياض شيخه القاضي أبا الوليد ابن رشد رحمهما الله عن شهادة الكافة،يريد اللفيف،فأجابه بأنه مالم يبلغ عدد الشهود حد التواتر الذي يوجب العلم ، فله حكم الشهادة على وجهها،والذي لا تتوسم فيه جرحة ولا عدالة لا تجوز شهادته في موضع من المواضع ولا أدري من أجاز شهادة الكافة منهم كما ذكرت في المذهب على سبيل الشهادة،وإنما تجوز إذا وقع العلم بخبرهم من جهة التواتر(15)
وقال الشيخ شهاب الدين القرافي رحمه الله : القرائن لابد منها مع الخبر فانا نعلم بالضرورة، أن المخبرين  إذا توسم السامع أنهم متوهمون فيما أخبروا به ، لا يحصل له العلم،وإذا لم يتوسم ذلك حصل له العلم، وإذا علم أنهم من أهل الديانة والصدق حصل له العلم بالعدد اليسير منهم، وإذا لم يحصل له العلم بأنهم كذلك بل بالضد لم يحصل له العلم بإخبار الكثير منهم (16)
وذكر احمد إبراهيم إبراهيم عن ظفر اللاظي أنه قال (( إن القرى البعيدة التي يسكنها من يغلب عليهم الجهل بأركان الإسلام  وفيهم من لا يحسن النطق بكلمة الشهادة ولا يتورعون عن المنكرات  ويقدمون على الأيمان الفاجرة وشهادة الزور لو أننا لم نقبل شهادتهم لتجرؤوا على سفك الدماء وقطع الطريق لأنهم في مأمن من ثبوت ذلك عليهم لانعدام العدل فيهم وسدا لهذه الفتنة يجب أن نقبل شهادة بعضهم على بعض ويستكثر من عددهم حتى تلوح للقاضي أمارات الصدق أو يبلغ إلى حد التواتر وفي هذا دفع للمفاسد وزجر لهؤلاء العوام على انتهاك الحرم وسفك الدماء ونهب الأموال )) (17)
وقد أجاز بعض الفقهاء في هذه المرحلة العمل بشهادة رجلين عدلين يسمعان من اللفيف شهادتهم ويؤديانها عند القاضي الذي عليه أن يحكم بمقتضاها واشترطوا في العدلين السامعين أن يكونا من أهل العلم والنباهة والتفطن وان يكونوا ممن لهم القدرة على التمييز بين العلم ومجرد الاعتقاد وبين الظن ومجرد الشك . قال الشيخ أبو محمد عبد الحميد الصائغ رحمه الله في جواب له في رفقة من اللفيف نحو الأربعمائة رأوا الهلال يسمع قول أهل الرفقة من يميز العلم الواقع في النفس وغلبة الظن والشك وهما رجلان عدلان فان قالا وقع لنا العلم بما قال له أهل الرفقة وجب المصير إلى ما شهدوا به (18)
وقال ابن رشد تجوز الشهادة على القطع من جهة السماع إذا أفاد العلم باستفاضته لأن الأخبار المتواترة تفيد العلم فيما طريقه العلم وغلبة الظن فيما طريقه غلبة الظن ولا خلاف في ذلك (19)
فالمعتبر في هذا الجواز هو ما يحصل للعالم المميز بين العلم الذي لا يحتمل النقيض......والظن الذي يحتمله ، فان الجازم لايكون عالما إلا إذا استند جزمه لما يصح  أن يكون مستندا للعلم من ضرورة أو برهان ، أما إذا استند إلى مالا يصح أن يكون مستندا للعلم ، فإنما يكون اعتقادا فقط ولا يكون علما كما في التقليد الجازم (20)
محصلة هذه المرحلة:
قبول شهادة اللفيف المحصلة للعلم الجازم دون اشتراط العدالة فيهم.
عدم اعتبار أي عدد مخصوص لحصول العلم في شهادة اللفيف.
قبول سماع رجلين عدلين من اللفيف واعتبار شهادتهما موجبة للحكم بها.
الشهادة على معروف لمعروف في معروف ومحسوس غير مستبعد وغير مخالف للعادة
اشتراطهم في اللفيف إذا انتفت صفة العدالة مايلي :
- التوسم وستر الحال
- السلامة من القوادح ومن جملتها مظنة التواطؤ على الكذب
- منع الشهادة بالتساند أي شهادة الشهود على إخبار بعضهم البعض لأنها تخالف معنى التواتر الذي هو إخبار كل واحد منهم على علم نفسه لا مستندا لغيره
- السلامة من لحوق التهمة فيما شهدوا به من صداقة خاصة أو قرابة أو عداوة مع المشهود عليه .
ثانيا :مرحلة الموجب اللفيفي
في هذه المرحلة أحدث فقهاء المذهب المالكي شكلا معينا لقبول شهادة غير العدول ،مفاده أن عددا معينا من الرجال من غير العدول،يدلون بشهادتهم إلى عدل أو عدلين ،فيقيد هذا العدل أو العدلان مضمن ما شهد به هؤلاء وفق الصيغة المقررة حاليا(21) وطبقا لشروط خاصة حتى تصبح هذه الشهادة بينة للقاضي أن يحكم بمقتضاها(22)
ويمكن تلخيص هذا الشكل الذي أصبحت عليه شهادة اللفيف في نقطتين:
 - تكليف عدل أو عدلين بمهمة الاستماع  لشهادة اللفيف وتدوين مضمنها في رسوم يعول عليها القضاء في إثبات الحقوق
- اقتصارهم على عدد مخصوص من الشهود وتحديده في اثني عشر رجلا.
(15) محمد العربي الفاسي – مرجع سابق ص 7
(16) محمد العربي الفاسي – مرجع سابق ص 8
(17) نص استدل به الأستاذ محمد بن معجوز في كتابه وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي طبعة 1995 ص 236
(18) محمد العربي الفاسي . شهادة اللفيف ص 10
(19) محمد العربي الفاسي . مرجع سابق ص 13
(20) محمد العربي الفاسي .مرجع سابق ص 11
(21) تطرقنا لصيغة اللفيف في مبحث ماهية اللفيف
(22) محمد ابن معجوز المرجع السابق ص 237


أ- تكليف عدل أو عدلين للسماع من اللفيف:
لما كان اللفيف لا يكتبون رسم ما شهدوا به،ولا يضعون أسماؤهم بخطوطهم لقصورهم عنه،احتيج إلى  كاتب يكتب ذلك غير القاضي،فانه ليس من وظيفه،ويشترط في الكاتب أن يكون من أهل المعرفة بصناعة التوثيق وان يكون حاذقا موثوقا به لئلا يكتب ما في غرض مشهدهم مما يسمعه من بعضهم.
          واختلف العمل في ذلك ، فتارة يقصر ذلك على عدل واحد يعينه القاضي لذلك وتارة يباح لكل من قدمه القاضي للشهادة وكأن التقديم للشهادة من قبل القاضي متضمن للتقديم لسماع البينات .
وقد جرى عمل أهل فاس على الاكتفاء بالعدل الواحد في السماع من اللفيف . فقد ذكر العلامة محمد العربي الفاسي أن الفقيه الحافظ القاضي أبو سالم ابراهيم الجولالي رحمه الله قال أدركنا الأشياخ الكبار (ويقصد منهم الشيخ أبو محمد عبد الواحد بن احمد الحميدي قاضي الجماعة بفاس والشيخ أبو زكرياء يحيى بن محمد السراج رحمه الله مفتي فاس ) ومن بعدهم من أشياخنا منعوا من قبول شهادة اللفيف مطلقا في كل المعاملات فضلا عن الانكحة التي لا يقول بأعمالها فيها إلا خال من الدين ، ومنعوا الحكم بذلك زمانا حتى اشتكى الناس بضياع الأموال والحقوق ، فحينئذ انتقلوا عن تلك الدرجة - يعني درجة المنع رأسا – إلى درجة أخرى وهي أن قصروا سماع ذلك على من هو مبرز في العدالة مقبول الشهادة وهو سيدي علي بن أبي القاسم الجرسلويني ،وسيدي محمد القبائلي ،هذا بحضرة فاس وسماطي عدولها بعدوتى القرويين والأندلس (23) فالمتلقي للشهود أحد العدلين وغالبا ما يكون أول الموقعين ، والعاطف عليه إنما يشهد معه على القاضي بمضمنه اعتمادا على خط القاضي وعلامته وهكذا سائر رسوم التسجيل من أخذ نسخ وغيرها (24) وقال سيدي المهدي الوزاني أن عادة الموثقين بفاس في كتب الاسترعاء الذي  بشهادة اللفيف أن يشهد اللفيف عند عدل عينه القاضي لذلك نصا أو بعموم الإذن له في تحمل الشهادة (25)
وخالف أهل تطوان عمل أهل فاس ،يقول سيدي احمد الرهوني والذي أدركنا عليه العمل عندنا بتطوان أيام شيخنا سيدي محمد بن علي عزيمان المتوفى عام 1313 وأيام شيخنا العلامة الشريف مولاي التهامي بن محمد افيلال الحسيني العلمي في شهادة اللفيف هو تلقى الاثنين والأداء عند القاضي أو خليفته وكتبه على غير المسطرة الفاسية السابقة .
وذلك أن اللفيف يأتي عدلين فيسمعان منه الشهادة ويقيدانها في تقييد يرفعانه للقاضي ثم يحضر اللفيف أمام القاضي ، فيسأل كل واحد منهم عن شهادته فيمليها عليه من حفظه ثم يأذن القاضي للعدلين بكتبها،وربما تلقاها العدلان أمامه،ثم يكتب العدلان الرسم قائلين : " الحمد لله تلقى شهيداه أمنهما الله من فلان وفلان إلى آخر العدد ، شهادتهم بمعرفتهم فلانا ثم يقول العدلان :وسندهم في ذلك كذا وكذا وبمضمنه قيدت شهادتهم المسؤولة منهم لسائلها في كذا ، ثم يضع العدلان علامتهما على رسم التلقي من غير كتب شيء سواه، ثم يكتب القاضي أو خليفته أسفله "الحمد لله أدى المتلقى منهم أعلاه ، مثلا،فثبت أو فقبلوا وأعلم به ، عبد ربه فلان،أو اعلم به نائبا عمن يجب ،عبد ربه فلان فيكتب القاضي،إن رفع إليه بقصد الاحتجاج به،أعملته " ثم قال وهي مسطرة حسنة ... ولعلها المسطرة التي رآها سيدي العربي الفاسي في رسوم مراكش . والله اعلم (26)
وكذلك جرى عمل أهل مراكش من أن اللفيف يسمع منهم عدلان ، غير أنهم أضافوا إليه تزكية رجلين من اللفيف منذ أزمان إلى حدود 1260هـ (27)
إما العمل الجاري إلى حدود سنة 1363 هـ (الموافق لسنة 1943 م) فهو أن اللفيف يتلقى منهم عدلان ويقيد كل واحد منهما شهادتهم في كناش جيبه الخاص به (28) ويمضي بعلامته عليها في كناش رفيقه حفظا للحقوق وزيادة في التحري (29) ولازال العمل جاري بتلقي العدلين لشهادة اللفيف غير أنهما يتلقيانها أولا في مذكرة الحفظ على أن تدرج في مذكرة أحدهما فقط إذا وقع التلقي في آن واحد،أما إذا وقع التلقي الفردي في آماد متفاوتة فتدرج الشهادة في مذكرة كل واحد منهما مع التنصيص في الحالتين على تاريخ تلقي الشهادة (30) 
ب:الاقتصار على اثني عشر رجلا:
اصطلح الفقهاء والمجتهدون من القضاة على الاقتصار في اللفيف على اثني عشر رجلا،وهو اجتهاد لامستند له،وإنما مستنده التواتر اعتبارا لما بين التواتر واللفيف المحدد في اثني عشر رجلا من شبه صوري،قال سيدي عبد القادر الفاسي" وأما اقتصارهم على اثني عشر رجلا فإنه لا أصل له وان كان مذكورا من جملة الأقوال في عدد التواتر،وإنما المقصود والمعتبر هنا ما يحصل الظن الغالب بالصدق في الشهادة (31) وقال سيدي العربي الفاسي : إنما عمل الناس بشهادة اللفيف استحسانا وقياسا على غيره مما أجيز للضرورة.(32) وزاد التاودي في شرحه: وإنما عمل الناس به أخذا من التواتر وقياسا على غيره مما أجيز للضرورة (33)
 


(23) محمد العربي الفاسي مرجع سابق ص 16 .
وذكر في موضع آخر أن سيدي محمد القبائلي عين في عدوة الأندلس وعين سيدي علي بن أبي القاسم في عدوة القرويين في زمانهما ص 23
(24) موسوعة قواعد الفقه والتوثيق مستخرجة من حادي الرفاق إلى فهم لامية الزقاق ( للعلامة سيدي احمد الرهوني التطواني ) من إعداد محمد القدوري ص 240
(25) المعيار الجديد. الجزء التاسع ص 438 وتجدر الإشارة إلى أن المجلس الأعلى سار من خلال بعض قراراته في نفس هذا الاتجاه مع العلم أنه يخالف بذلك مقتضى المادة 24 من القانون رقم 11/81 سابقا والمادة 27 من القانون رقم 03/16 حاليا المتعلقين بخطة العدالة
(26) موسوعة قواعد الفقه والتوثيق. مرجع سابق ص 240 و241
(27) أبي الشتاء الصنهاجي . مواهب الخلاق على شرح التاودي للامية الزقاق الجزء الأول ص 310 – 311
(28) نص الفصل الثاني من المنشور عدد 5134 المؤرخ في 26 يونيو 1943 في ضبط كنانيش الجيب الخاصة بالعدول على مايلي " يجب على كل عدل أن يتخذ  كناش جيب خاصا به ولا يجوز اتخاذ كناش واحد يقيد فيه احد العدلين شهادته ويمضيها الآخر بعلامته فإذا تلقى العدلان معا في وقته واحد شهادة متحدة وجب على كل واحد منهما أن يقيدها في كناشه تقييدا مطابقا لتقييد صاحبه وإذا تلقى كل واحد منهما على حدته شهادة متحدة أرخها بوقت تلقيه إياها "
(29) أبي الشتاء الصنهاجي مرجع سابق ص 311
(30) راجع المادة 28 من القانون رقم 03/16 المتعلق بخطة العدالة
(31) أبي الشتاء الصنهاجي م س . ص 305
(32) محمد العربي الفاسي م س . ص 15
(33) أبي الشتاء الصنهاجي م س 306


ومعنى هذا الكلام أن اقتصارهم على اثني عشر رجلا من غير العدول منزوع من اللفيف التواتري وفق الصورة التي عرفناها في المرحلة الأولى وان كان بينهما اختلاف.
أما وجه الشبه بين اللفيف التواتري المبني على العدد المحصل للعلم وبين شهادة اللفيف المقتصرة على اثني عشر رجلا فهو أن كلاهما ينبني على إخبار غير العدول لذلك قال التاودي وإنما عمل الناس به أخذا من التواتر ، وهذا هو وجه الاستحسان.
أما وجه الاختلاف بينهما فهو أن اللفيف التواتري من شروطه حصول العلم الجازم،بينما اشترط الفقهاء في اقتصارهم على اثني عشر رجلا إفادة مطلق الظن أو الظن الغالب للضرورة ولذلك قيس على غيره من جهة الضرورة مع كونه لايفيد إلا مطلق الظن كشهادة الصبيان ، وهذا هو وجه القياس.
وقد جرى العمل بالاكتفاء باثني عشر رجلا لكونه أكثر من نصاب شهادة العدول بأضعافها ثم كونها جمع كثرة، أكثر من العشرة التي هي أول مرتبة فوق الآحاد وأول عدد التواتر عند بعض الفقهاء (34)
ويزاد على العدد المذكور إلى الثمانية عشر رجلا في شهادتي الترشيد والتسفيه لقول ابن عاصم في التحفة
" والشأن الإكثار من الشهود         في عقدي التسفيه والترشيد "
ولقول صاحب العمل الفاسي :
وقدره في الغالب اثنا عشر         وزد لك الرشد وضد أكثـــرا.
 وبإعمال المفهوم المعاكس للفظة الغالب ، فان غير الغالب الزيادة أو النقصان : فالزيادة في الترشيد والتسفيه والرضاع ، وفي كل موضع تكون الشهادة على الظن الغالب مما لا سبيل فيه إلى القطع ، كالتفليس ، وحصر الورثة ، والاستلحاق والاستحقاق وانتقال الملك للوارث والشهادة للمرأة بغيبة الزوج والشهادة بالسماع إلى غير ذلك مما يستكثر فيه من الشهود حتى من العدول (35) ولكن المشاهد أن الاستكثار إنما يعتبر في الرشد وضده (36)
وأما النقصان فأشار إليه صاحب العمل الفاسي بقوله :
وربما تساهلوا لما يقـــل                          كالعشر والثمان فيما يشتمل
وربما يكفي تلقي ســـت                           أقل ما في القطع قبل البــث
وربما يكفي تلقي أربعة                            رأوه للقرائن المجتمعـــــة
وربما زكى منه اثنــان                          أو واحد أيضا مع الأيمـان 
فإذا عجز المشهود له عن إحضار ثمانية عشر شاهدا أمكنه الاكتفاء بالاثني عشر رجلا .
وقد جرى العمل بإنزال الاثني عشر رجلا منزلة العدلين فيحكم بشهادتهم بلا يمين على المشهود له (37)،والستة من الشهود ينزلون منزلة العدل الواحد مع اليمين فقد أفتى ابن ابراهيم الدكالي مفتي فاس " بان الستة من اللفيف يقومون مقام العدل فيحلف معهم لكمال النصاب" والستة شهود مع العدل الواحد ينزلون منزلة العدل الثاني وتسمى جميعها موجبا لفيفيا أو بينة لفيفية ويمكن السماع من الستة شهود فقط فتسمى شهادتهم تلقية (38)
لكن هل تقبل شهادة النساء في اللفيف ...؟
أجاب سيدي العربي بردلة حين سئل عن اثنتي عشرة امرأة شهدن في استحقاق بعض الأصول ومعهن ثلاث رجال ، هل تقبل شهادتهن من غير تزكية وتنزل منزلة اللفيف أولا بد من التزكية فأجاب : " لم أر من تعرض للمسألة ولا من حكم بذلك ويظهر لي أنه لابد من التزكية " وبمثله أجاب الفقيه ابن ابراهيم الدكالي (39)
ولما كانت أحوال الناس قد تبدلت وأخلاقهم فسدت وقل فيهم الوازع الديني وكثرت شهادات الزور سمح للخصم وللقاضي استفسار شهود اللفيف واستفصالهم عن شهادتهم كيف شهودها داخل أجل ستة أشهر من تاريخ أدائهم لها وصورته أن يسأل عدلان من غير من كتب الوثيقة أولا شهود اللفيف عن الشهادة التي أدوها ويستفسرانهم عنها بحضور المشهود له أو في غيابه ويضعان شهادتهما أسفل الوثيقة الأولى أو خلفها يشهدان بنتيجة الاستفسار(40) ونتيجة الاستفسار لاتخلو من ثلاث أمور:
الأمر الأول :إن المعتبر في الاستفسار هو اتفاق المعني لا اللفظ قال ابن عبد السلام بناني ولا يشترط في الاستفسار سرد المستفسر الوثيقة على اللفيف بل المعتبر حصول المعنى بأي لفظ كان.

(34) قاله أبو سعيد اللصطخري من الشافعية . راجع أبي الشتاء الصنهاجي م .س . ص 305 .
(35) شرح الرباطي لنظم العمل الفاسي .
(36) موسوعة قواعد الفقه والتوثيق م .س .ص 236
(37) سيدي المهدي الوزاني ،المعيار الجديد ص 445
لذلك سوى المشرع بين شهادة العدلين وشهادة الاثني عشر رجلا في الحكم واعتبرهما معها ورقة رسمية بعد الخطاب عليهما وفقا لما نصت عليه المادة 35 من القانون رقم 03/16 المذكور قبله 
(38) أبي الشتاء الصنهاجي مواهب الخلاق ص 326 . جاء في قرار للمجلس الأعلى رقم 718 الصادر بتاريخ 15 مارس 1989 "لما كان الأمر يتعلق بالاراثة وهي تؤول إلى المال فإن نصف اللفيف يعد بمثابة عدل واحد وشهادة العدل الواحد يعمل بها في المال أو ما يؤول إلى المال مع يمين المدعي."
(39) أبي الشتاء الصنهاجي م س ص 326 قد يكون لهذا الجواب ما يبرره سابقا لكون الثقافة الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك لم تكن تسوي بين الرجال والنساء في الضبط وقوة الذاكرة سيما في معاملات الأسواق القاصرة في الغالب على الرجال دون النساء.غير أن هذا الجواب لا يستقيم له وجه في الوقت الراهن الذي حصلت فيه المرأة على مكتسبات مهمة في شتى مناحي الحياة ، خصوصا في الحواضر والمدن، فالمرأة تقلدت كافة المناصب والوظائف إلى جانب الرجل وحققت الصدارة في ميدان الخدمات والتعليم والصحة وغيرها من القطاعات بحيث يصعب على الناظر في الحياة اليومية للمدن والحواضر التمييز بين ماهو خاص بالرجال دون النساء .
وعليه إذا كانت الضرورة قد أجازت العمل باللفيف من الرجال من غير العدول دون تزكية وجب العمل بشهادة النساء في اللفيف دون تزكية أيضا، ولا يشترط فيها إلا ما اشترط في اللفيف عموما من التوسم وستر الحال.
(40) محمد ابن معجوز م س  ص 241
الأمر الثاني: إذا طولب الشهود بالاستفسار وأنكروا شهادتهم جميعا ، فنكرانهم يعد رجوعا منهم عنها . والرجوع عن الشهادة قبل الحكم يبطلها.ومثل إنكار الشهادة نسيانها . أما إذا رجع بعض اللفيف وبقي منهم من يستقل الحكم به كما لو بقي ستة منهم فأكثر والدعوى مالية وحلف معه طالبها صحت الوثيقة ، ولاعبرة بمن رجع يقول المتحف :
وراجع عنها قبولها اعتبر       ما الحكم لم يمض وإن لم يعتذر
الأمر الثالث: إذا تعذر استفسار الشهود لموت أو غيبة وكان استفسارهم قائم مقام تزكيتهم بطلت شهادتهم، أما إذا لم تدع الحاجة إلى تزكيتهم فشهادتهم صحيحة يحتج بها.(41)
محصلة هذه المرحلة:
إن مجتهدوا هذه المرحلة واعتبارا للضرورة الداعية إلى العمل بشهادة اللفيف من درء مفسدة فوات المصالح وضياع الحقوق وسقوط الأحكام وتعطيل الحدود وأكل الناس أموال بعضهم ، فقد أحاطوا حالة الضرورة هاته بسياج من التحفظ والاحتياط والتحرز من التوسع والتساهل بالقدر الذي يخرج عن عمل المشايخ السالف ذكرهم وحتى لا يتحول اجتهاد جد وعمل إلى اجتهاد هزل وعبث
الفقرة الثانية : المستند الشرعي للعمل بشهادة اللفيف
إن شهادة اللفيف وفق الصورة التي تكلمنا عنها سابقا ، إنما أجيزت للضرورة الداعية إلى العمل بها ولا أظن أن أحدا يشك في أن العمل بهذا اللفيف إنما أسس على قواعد متينة جرى اعتمادها في المذهب المالكي لاستخراج الأحكام الشرعية من أدلتها  التفصيلية منها على الخصوص عموم بعض الآيات القرآنية ثم القياس الاستحسان.
أولا- عموم بعض الآيات القرآنية : 
نورد هنا آيتان استدل بهما الفقهاء على جواز العمل بشهادة اللفيف للضرورة. الأولى قوله تعالى " واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي اقبلنا فيها وإنا لصادقون " سورة يوسف الآية 82 .
وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" سورة الحجرات الآية 6 .
ذكر سيدي العربي الفاسي أن قوما من المتأخرين يحكون عن أشياخهم أنهم كانوا يفتون بجواز الشهادة ممن ذكرناه (أي من اللفيف) ويعملونها للضرورة،كشهادة أهل الرفقة مع التوسم،وأن بعضهم يحتج في ذلك بقوله تعالى " واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي اقبلنا فيها وإنا لصادقون " سورة يوسف الآية 82. يعني أهل القرية وأهل العير (42)
وبخصوص الآية الثانية فقد ذكر الكاساني في رده على الإمام  الشافعي في عقد الزواج  مايلي " وأما قوله الركن في الشهادة هو صدق الشاهد فنعم لكن الصدق لايقف على العدالة لامحالة فمن الفسقة من لايبالي بارتكابه أنواعا من الفسق ويستنكف عن الكذب والكلام في فاسق تحرى القاضي الصدق في شهادته فغلب على ظنه صدقه ولو لم يكن كذلك لا يجوز القضاء بشهادته عندنا " البدائع 6/270 (43)
ثانيا: القياس والاستحسان
يظهر من كلام علمائنا أن فقهاء المذهب المالكي من ابن القاسم إلى المتأخرين منهم لا يزالون يقيسون على روايات المذهب وأقواله ويبنون على قواعده ويفرعون على أصوله ويرون العمل والفتوى والحكم على ذلك.
ولما كان المشهور في المذهب اشتراط العدالة في الشاهد، فقد أجيزت شهادة المجهول الحال على التوسم فيما يقع بين المسافرين في السفر للضرورة إلى ذلك خروجا عن المشهور وقياسا على إجازة شهادة الصبيان فيما بينهم في الجراح. وأصل هذا القياس، استحسان راجح عند القائل به، فتكون شهادة اللفيف راجعة بجريان العمل بها حتى صارت راجحة عند معتبر ذلك العمل. مع العلم أن استحسان العمل باللفيف يقتضي بالضرورة إتباع العمل به ما يكفي من الاحتياط والتحرز من التوسع والتساهل لأجل درء مفسدة فوات المصالح وضياع الحقوق وتعطيل الحدود. فيصح أن يقال في العمل باللفيف أنه قياس كما يصح أن يقال فيه استحسان لما ذكر عن ابن رشد انه جعل شهادة التوسم مقيسة على شهادة الصبيان فهي قياس ثم قال : وكل ذلك استحسان فجعلها استحسانا.(44)
والوجوه التي لوحظت فيها الضرورة في إجازة شهادة غير العدول مما يصح أن يكون أصلا لشهادة اللفيف كثيرة منها:
- إجماع المدينة على قبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الدماء قبل تفرقهم.
- إجازة شهادة النساء في المآثم والأعراس والحمام فيما يقع بينهم من الجراح.
- وجوب القسامة بالشاهد غير العدل على رواية اشهب عن مالك حفظا للدماء.
- إجازة ترجمة الكافر والعبد والمسخوط إذا لم يوجد غيرهم.
- إجازة الحكم بقول الطبيب النصراني في العيوب وفي مقادير الجراح وتسميتها .
- إجازة شهادة السماع في الضرر بين الزوجين بشهادة اللفيف من الناس والجيران وإن كانوا غير عدول
- إجازة شهادة غير العدول من القرابة والاهلين والجيران كالنساء والخدم في الرضاع 
(41) أبي الشتاء الصنهاجي مواهب الخلاق ص 319و326.
(42) سيدي العربي الفاسي مرجع سابق ص 37
(43) راجع الهامش رقم 60 بالصفحة 50 من كتاب وجهة نظر الجزء الخامس للأستاذ احمد الخمليشي .
(44) محمد العربي الفاسي م س ص 34
المبحث الثاني
حجية اللفيف في التشريع المغربي

عرفنا في المبحث السابق أن شهادة اللفيف تستمد حجتها من كونها اجتهاد فقهي وقضائي متميز مبني على قواعد متينة من الفقه المالكي ،وجرى العمل بها في مختلف الميادين مدة غير يسيرة من الزمن،اطمئن خلالها القضاء إلى جدواها وفعاليتها في إثبات الحقوق لأصحابها .
أما في القانون الوضعي، فان شهادة اللفيف لازالت تحتل الصدارة في بعض الميادين ومن بينها ميدان العقار غير المحفظ والأحوال الشخصية والميراث إن لم نقل أنها تشكل الوسيلة الوحيدة لإثبات الحقوق فيها.
وكأمثلة على مجالات استعمال شهادة اللفيف في العقار المحفظ نذكر رسوم الملكية (أو رسوم استمرار الملك ) ورسوم إحصاء المتروك ورسوم الاراثات بالنظر لارتباطها الوثيق بانتقال الملك إلى الورثة.
ولأهمية هذه الرسوم في مجال العقار غير المحفظ وتأثيرها المباشر في عملية انتقال الأملاك غير المحفظة من حي إلى حي أو من ميت إلى حي ، فقد حظيت بالتنظيم في نصوص عديدة ومتفرقة بين الظهائر المنظمة لخطة العدالة والمناشير المرتبطة بها وبين باقي النصوص العامة والخاصة الواردة في قانون الالتزامات والعقود أو قانون المسطرة المدنية أو مدونة الأسرة أو ظهير التحفيظ العقاري .
وللإحاطة بهذا التنظيم ارتأينا أن نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في الأول الشروط التوثيقية للرسوم المرتبطة بالعقار غير المحفظ (رسم ملكية كنموذج) ثم نتناول في الثاني مدى حجية اللفيف من وجهة نظر الفقه والقضاء المغربيين.
المطلب الأول: الشروط التوثيقية للرسوم المرتبطة بالعقار غير المحفظ .
نظم المشرع المغربي أحكام تلقي الشهادات اللفيفية عموما وتحريرها في عدة ظهائر شريفة كان أولها ظهير 7 يوليوز 1914 والظهير الشريف الصادر في 23 يونيو 1938 والظهير الشريف الصادر في 7 فبراير 1944 والقانون رقم 81/11 القاضي بتنظيم خطة العدالة وتلقى الشهادات وتحريرها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 332-83-4 بتاريخ 6 ماي 1982 والمرسوم التنظيمي له،وكان آخرها القانون رقم 03/16 المتعلق بخطة العدالة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 56/06/01 الصادر في 15 من محرم 1427 موافق في 14/02/2006 .
ولقد رافق هذه الظهائر والقوانين صدور عدة مناشير وزارية كان لها دور كبير في تنظيم عمل العدول أثناء التلقي والتحرير كان أهمها المنشور عدد 14714 المتعلق ببيان كيفية تأسيس الوثيقة وتحريرها الصادر في 2 جمادى الأولى عام 1379 الموافق 3 نونبر سنة 1959
وبالرجوع إلى هذه الظهائر والمنشور الوزاري المذكور نجد أن المشرع المغربي بعدما أناط بالعدول(45) وحدهم دون غيرهم – مهمة تلقى الشهادات اللفيفية ، وضع البيانات العامة الواجب توافرها في الشهادة اللفيفية كي تصبح ورقة رسمية وأحال بخصوص البيانات الخاصة بكل وثيقة على أحكامها الواردة إما بالمراجع الفقهية أو المصادر القانونية الخاصة بها
الفقرة الأولى: البيانات العامة للشهادة اللفيفية .
لقد حدد المشرع المغربي في ديباجته التي افتتح بها القانون رقم 16/03 الأهداف الكبرى لخطة العدالة عموما وأجملها في خمسة نقط أساسية هي :
- توثيق الحقوق والمعاملات.
- الحفاظ على أعراض الناس وأنسابهم .
-  تحضير وسائل الإثبات التي تمكن القضاء من فض النزاعات والفصل في الخصومات.
-  المساهمة في التنمية العقارية والاقتصادية والاجتماعية .
- تحصيل الموارد وضبط الواجبات المفروضة على المعاملات العقارية وغيرها.
(45) المقصود بالعدول تلك الفئة التي أحاط  بها المشرع المغربي مهام التوثيق العدلي في إطار مهنه حرة حدد لها ضوابطها وأحكامها..
 واشترط في المترشح لمما، أو هذه الخطة ما اشترطه في باقي المهن المساعدة للقضاء من محاماة (المادة 5)ومفوضين قضائيين (المادة 4)وخبراء (المادة 3) بحيث نصت المادة 6 من القانون رقم 16/03- يشارك في المباراة المشار إليها في المادة 4 أعلاه وكذا في التمرين والامتحان المهني،حملة شهادة الإجازة المحصل عليها بالمغرب من إحدى كليات الشريعة،أو اللغة العربية،أو أصول الدين،أو الآداب.فرع الدراسات الإسلامي، أوو الحقوق.فرع القانون الخاص أو القانون العام.أو ما يعادلها.
ونصت المادة 9 من نفس القانون رقم 16/03 – يعفى من المباراة والتمرين والامتحان المهني:
- قدماء القضاة الذين زاولوا مهامهم بهذه الصفة مدة خمس سنوات على الأقل،ومارسوا خلالها مهام التوثيق مدة لاتقل عن سنتين.
- قدماء العدول الذين انقطعوا عن ممارسة المهنة بسبب لا علاقة له بما يمس شرفها،بشرط أن يكونوا قد زاولوا المهنة لمدة لاتقل عن خمس سنوات.
يعفى من المباراة ومن الامتحان المهني مع وجوب قضاء فترة تمرين لمدة ثلاثة أشهر بمكتب عدلي:
- قدماء القضاة الذين زاولوا مهامهم بهذه الصفة مدة خمس سنوات على الأقل،
- حملة شهادة العالمية المسلمة من جامعة القرويين.
- حملة شهادة الدكتوراه المحصل عليها بالمغرب من دار الحديث الحسنية أو من إحدى كليات الشريعة أو اللغة العربية أو أصول الدين،أو الآداب – فرع الدراسات الإسلامية- أو الحقوق-فرع القانون الخاص أو القانون العام . أو مايعادلها.
يعفى من المباراة مع قضاء فترة التمرين واجتياز الامتحان المهني.
- المنتدبون القضائيون السابقون الذي قضوا بهذه الصفة مدة عشر سنوات على الأقل.
ولكي تحقق الشهادة اللفيفية هذه الأهداف أحاطها المشرع بمجموعة من الضوابط الاحترازية يمكن إجمالها في النقط التالية:
أولا : التعريف بطالبي الشهادة واللفيف .
اوجب المشرع على العدل :
- أن يبين في مذكرة الحفظ الهوية الكاملة لطالب الشهادة واللفيف وذلك بذكر أسمائهم الشخصية والعائلية وأسماء آبائهم وأجدادهم واللقب لمن اشتهر به.
- أن يذكر مهنتهم وعناوين سكناهم وذلك بالتنصيص على اسم الحي والزقاق ورقم المنزل في المدن أو اسم القبيلة والفخدة والدوار أو المدشر والجماعة والقيادة وبالنسبة لأهل البادية .
- أن ينص على رقم البطاقة الوطنية لكل من طالب الشهادة واللفيف والحروف المرتبطة بها مع ذكر تاريخ تسليمها.
- أن ينص سواء في مذكرة الحفظ أو بالرسم المحرر على التعريف بالمشهود له والمشهود عليه واللفيف.
- أن ينص على معرفة المشهود له واللفيف لقدر المشهود به، فمن باب الاحتياط أن لا يخلو عقد من ذكر معرفة القدر تحصينا له وحسما لأسباب النزاع إلا فيما لا يسوغ ذكرها فيه.
- أن يذكر الأتمية في حق طالب الشهادة واللفيف وهي عبارة عن الصحة والطوع والجواز لما يترتب عن إسقاطها من فساد بعض الوثائق.
- أن يذكر مستند علم الشاهد وتحديد نوعه بالضبط هل هو بالمجاورة أو بالقرابة أو بالمخالطة أو بالسماع أو بغير ذلك وسؤال اللفيف عن كيفية علمهم بما شهدوا به إن أبهموا ذلك والنص على ما صرحوا به في الوثيقة.
- أن تذيل الشهادة بتوقيع العدلين المتلقيين لها بشكليهما بمذكرة الحفظ وبالرسم المحرر مع بيان تاريخ تحرير الوثيقة قبل أداء الشهادة أمام قاضي التوثيق للخطاب عليها. وإضفاء طابع الرسمية عليها .
ثانيا : في المشهود فيه.
ألزم المشرع العدل بوصف المشهود فيه وصفا تاما وذلك بذكر نوعه بكل تدقيق. وما دمنا نتحدث عن العقار غير المحفظ ، فانه يتعين تحديد نوعه بين ما إذا كان أرضا فلاحية أو دارا.
فإذا كانت أرضا فلاحية تعين وصف شكلها ونوع تربتها من تيرس أو حمري أو رملي أو دندون أو غير ذلك وبيان ما عليها من أغراس وما إذا كانت بورية أو سقوية .
أما إذا كانت عبارة عن دار فيتعين ذكر موقعها وعدد غرفها وعدد طبقاتها ومرافقها إلى غير ذلك من البيانات التي يمكن التمييز بها.
كما يتعين ذكر المساحة بكل تدقيق،ويستحسن الاعتماد على التصاميم الهندسية في ضبط المساحة تلافيا للنزاع وذكر الحدود بكل دقة وبشكل واضح وذلك بالتنصيص على أسماء الأشخاص المالكين للعقارات المجاورة للعقار المشهود فيه إن كانت غير محفظة أو بذكر أرقام الرسوم العقارية أو المطالب إن كانت العقارات المجاورة محفظة أو في طور التحفيظ وكذلك بذكر كل ما يدل عليها من الأشياء الطبيعية أو الحادثة بحيث لايمكن التردد فيها.
ويتعين ذكر عنوان العقار وموقعه بكل دقة بذكر الدوار أو الفخدة والمزارع التي توجد بها مع ذكر المشيخة والجماعة والقيادة التابع لها العقار إن كان أرضا فلاحية أو بذكر رقمها والزقاق والحي والمدينة التي يقع فيها إن كان دارا.
وأخيرا يتعين ذكر قيمة العقار بالأرقام والحروف
ثالثا : في تاريخ الوثيقة .
تشتمل مذكرة الحفظ التي يمسكها كل عدل على عدة أضلع بطرة كل صفحة من صفحاتها ، وكل ضلع خصص لبيان من البيانات المتعلقة بالشهادة من بينها ضلع خاص بعدد الشهادة بالتتابع وضلع خاص بتاريخ تلقي الشهادة وضلع خاص بتاريخ تحريرها.
وألزم المشرع العدل أن ينص بمذكرة الحفظ وفي الرسم المحرر على تاريخ تلقي الشهادة لما ينبني على هذا التاريخ من أحكام الترجيح بين الرسوم عند التعارض. ويتعين أن يذكر تاريخ التلقي بالساعة واليوم الشهر والسنة وفق التقويم الهجري والميلادي ، وإذ لم تحرر الوثيقة يوم تلقيها تعين على العدل ذكر تاريخ تحرير الوثيقة بمذكرة الحفظ وبالرسم المحرر .
رابعا: في مستندات الوثيقة .
يتعين على العدل أن ينص في كل وثيقة على البيانات التامة للمستندات والموجبات والعقود التي يجب أن تسند إليها الوثيقة المراد تأسيسها وذلك مثل الشهادة الإدارية التي تفيد أن القطعة الأرضية موضوع رسم الملكية المراد تأسيسه لا تكتسي الصبغة الجماعية وذلك بذكر رقمها وتاريخ صدورها والجهة المصدرة لها ومثل شهادة الوفاة وكناش الحالة المدنية للهالك بالنسبة لإقامة رسم الاراثة ومثل ذلك مراجع رسم الاراثة ورسوم الأشرية أو رسوم الملكيات التي يستند إليها في إقامة رسم إحصاء المتروك ومثل ذلك أيضا مراجع رسوم الوكالات (46) العدلية أو العرفية مع بيان نوعها أن كانت خاصة أو مفوضة ومراجع تسجيلها إن كانت مسجلة.
(46) يميز في الوكالة بين الوكالة العامة والوكالة الخاصة. فالوكالة العامة تنصرف دائما إلى أعمال الإدارة ولاتخول الوكيل شيئا من أعمال التصرف إلا إذا كانت لازمة للقيام بأعمال الادارة.والوكالة الخاصة تقتصر على تصرف واحد أو نوع واحد من التصرفات،وكل أعمال التصرف يجب أن تكون فيها الوكالة خاصة.قرار عدد 66/05 صادر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة بتاريخ 15/02/2005 منشور بمجلة القصر العدد 13 يناير 2006 ص 227



خامسا: احترام ضوابط تحرير الوثيقة.
يمكن إجمال هذه الضوابط في مايلي :
- كتابة الشهادة بمذكرة الحفظ وبالرسم بألفاظ واضحة لا غموض فيها ولا إجمال ولا احتمال ولا اشتراك ولاعموم ولا إطلاق. فان اضطر العدل إلى استعمال مثل تلك الألفاظ أو العبارات،فيتعين عليه أن يتبعها بما يزيل عنها الغموض والإبهام.
- التحفظ والحذر مما يسهل تزويره بالوثيقة بعد تحريرها وذلك :
- بالتمييز بين الألفاظ المتشابهة لكيلا يسهل تزويرها كسبعة وتسعة أو بين سبعين وتسعين ونحو ذلك.
- ضبط الأسماء التي يمكن أن تنقلب بإجراء تغيير يسير في حروفها كمحمد (ضما) وامحمد (فتحا).
- تأكيد الأعداد الواردة في الوثيقة بما يمنع تغييرها ، ويكون تأكيدها بوصفها أو بذكر نصفها كألفا درهم (2000 دهــ) تثنية تمييز لها عن ألف.
- التنبه لآخر كلمة في السطر، فلا يترك بياض يمكن زيادة حرف أو كلمة فيه فيتغير المعنى،وإذا بقي في آخر السطر بياض لا يسع الكلمة المراد كتابتها، فليشمل ذلك البياض بما يمنع التزوير وذلك بتكرار آخر كلمة أن اتسع لها ذلك البياض أو بكتابة كلمة صح ونحو ذلك .
صياغة الوثيقة بطريقه متفق عليها بين الفقهاء (47) ،فلا يقتصر على ذكر ما يوافق رأيا ويخالف آخر ويعتمد العدول في صياغة الوثائق على مجموعة من الكتب الفقهية من أهمها:
- العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام لعبد الله ابن عبد الله بن سلمون الأندلسي.
- اللائق لمعلم الوثائق لاحمد بن الحسن بن عرضون الشفشاوني.
- الوثائق الفرعونية لمحمد بن احمد بناني المعروف بفرعون وشرحه للقاضي عبد السلام بن محمد الهواري .
- التدريب على تحرير الوثائق العدلية لأبي الشتاء بن الحسن الصنهاجي .
-المنهل الرائق لأحمد بن يحيى الونشريسي .
- الوثائق العدلية وفق مدونة الأحوال الشخصية. لحماد العراقي.
الفقرة الثانية : البيانات الخاصة (شهادة رسم الملكية كنموذج):
نقصد بالبيانات الخاصة بالشهادة اللفيفية الأحكام الفقهية والقانونية التي تنبني عليها كل وثيقة من الوثائق الهامة في ميدان العقار غير المحفظ والنزاعات المرتبطة بالعقار في طور التحفيظ ،وهي كما سبق ذكرها وثيقة الملكية ووثيقة إحصاء المتروك ووثيقة عدة الاراثة وسنقتصر على توضيح تلك البيانات الخاصة برسم الملكية فقط لأهميتها.
قبل التطرق إلى هذه البيانات ، نسوق  في البداية نموذجا لها:
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وبعد تلقى العدلان ................... المنتصبان للإشهاد بمحكمة الاستئناف بسطات قسم التوثيق بابتدائية ابن احمد على الساعة بتاريخ يوم ...........عام .......... الموافق............. شهادة ملكية مدرجة بمذكرة الحفظ للعدل الأول رقم .... عدد .... صحيفة... نصها: بناء على الشهادة الإدارية المسلمة من.............. رقم ..... بتاريخ..............التي تؤكد بأن القطعة الأرضية الآتي ذكرها لاتكتسي الصبغة الجماعية وبطلب من السيد ............. المولود بتاريخ ............أمه............مغربي مهنته............بطاقة تعريفه الوطنية رقم ............سكناه ............حضر الشهود الآتية أسماؤهم وصرحوا أنهم يعرفون السيد............طالب الشهادة أعلاه المعرفة التامة الكافية شرعا بها ومعها يشهدون بأن له وبيده وعلى ملكه وتحت حوزه وتصرفه مالا من ماله وملكا صحيحا خاصا به وخالصا له من جملة أملاكه المعروفة له والمنسوبة إليه مما ينسبه لنفسه والناس إليه كذلك جميع القطعة الأرضية المسماة "............ " الكائنة بتراب ............مساحتها............ نوعها ............يحدها شمالا ............وشرقا ............وجنوبا............وغربا ............قومت على لسان طالب الشهادة ............ يتصرف فيها تصرف المالك في ملكه وذي المال الصحيح في ماله مدة............سلفت عن تاريخه بدون علم منازع له فيها ولامعارض يعارضه طوال المدة المذكورة ما يعلمونه منذ ملكها باعها ولا رهنها ولا وهبها ولا تصدق بها ولا فوتها ولا فوتت عليه ولا خرجت عن ملكه بناقل شرعي واستمر ملكه لها وحوزه إياها وتصرفه فيها إلى الآن وحتى الآن كل ذلك في علمهم وصحة يقينهم ومستندهم في ذلك البعض بالمخالطة والمجاورة والبعض بالقرابة والبعض بمعاينة التصرف والكل بالإطلاع التام الكاشف على الأحوال وبمضمنه قيدت شهادتهم هاته مسؤولة منهم لسائلها وهم عارفون قدره وبأتمه وعرف بهم............شهد بذلك السادة وهم (ذكر إثنا عشر شاهدا) كنموذج (1) السيد............. المولود بتاريخ ............أمه............مغربي مهنته............بطاقة تعريفه الوطنية رقم ............سكناه الحمد لله أشهد الأســــتاذ فضــيلة قاضــي التوثيق بالـمحكمــة..........................................................................
أعزه الله بــــــــــــأداء ومراقبــــــــــــــــــــــــــــــة الموجــــــــــــــــــــــــــــــب أعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاه
وهــــو بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر دامت كرامته وحرر بتاريخ............عبــــــــــــــد ربــــــــــــــــــــــه تعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالى
هذه الوثيقة تسمى رسم ملكية وتقام عادة لإثبات ملكية الشخص الحائز للعقار المحوز بعد استصداره لشهادة إدارية من السلطة المحلية تثبت أن العقار المراد تمليكه لا يكتسي أية صبغة جماعية وتشتمل هذه الشهادة على بيانات هامة تتعلق بطالبها والعقار المراد تمليكه بذكر اسمه وموقعه وحدوده ومساحته وفق القياسات المتداولة (الهكتار والآر والسنتيار) اعتمادا على تصميم هندسي يقام من طرف قائس معترف به الذي يبين تحت مسؤولية شكل العقار ومساحته بالتدقيق.
(47) صدر منشور وزاري عدد 49/61 بتاريخ 30 نونبر 1961 تمت الدعوة فيه إلى العمل وفقا للنمادج المدرجة بكتاب الوثائق العدلية وفق مدونة الأحوال الشخصية لصاحبه السيد حمادي العراقي وذلك لتبسيط التوثيق ورفعا للحيرة والبلبلة والارتباك وتوحيدا للمنهج المتبع ونبه المشرع  المذكور العدول إلى التنصيص على ما سمعوه وما سيقت له الشهادة من زيادة أو نقصان أو بيان أومغايره لما في تلك النماذج لأنها ذات طابع خاص ببعض الحالات الغالب تداولها ولم يقع فيها استقصاء لباقي الأحوال الأخرى القليلة الوقوع أو النادرة.
بعد حصول الشخص على الشهادة الإدارية المذكورة،يحق له المثول أمام عدلين منتصبين لتلقي شهادة ملكية العقار في حدود دائرة اختصاصها المكاني (48) مصحوبا بلفيف من الناس يتكون من اثني عشر رجلا من أهل القبيلة والجيران والأقارب ممن لهم العلم الكافي بتفاصيل حيازة الشخص للعقار المراد تمليكه وفق الشروط المقررة فقها وقانونا.
والشروط المقررة عند الفقهاء لصحة الحيازة كسند لكسب الملكية والتي لا ينبغي لأي رسم ملكية أن يخلو منها تحت طائلة بطلانها هي وضع اليد والنسبة وطول المدة وعدم الخصم المنازع وعدم التفويت في علم الشهود مع الإشارة إلى أن الشروط الأربعة  الأولى تعد شروط صحة أما الشرط الخامس فيعد شرط صحة في الشهادة بالملك للميت وشرط كمال بشهادة الملك للحي.
ومادام المقام هنا لايكفي للتوسع في شرح كافة هذه الشروط، فإننا سنعمل على طرح إشكالين اثنين
يتعلق الأول منهما بشرط المدة والثاني بدور اللفيف والشهادة الإدارية في ضبط العقار غير المحفظ .
الإشكال الأول: التعبير بمدة الحيازة
من المعلوم فقها أن الحيازة الاستحقاقية تنقسم بالنظر لجهة مدخل التملك،إلى قسمين :
حيازة تثبت التملك وهي المقصود بالتمسك بها، تملك العقار المحاز أي تجعله مستحقا لمن هو بيده مصدقة لإدعائه إياه، وهذا يكفي فيها مدة السنة أو العشرة أشهر، لكونها منصبة على عقار جهل أصله لمن كان قبل هذا الحائز كحيازة الأراضي الموات تطبيقا للحديث الشريف " من أحيا أرضا ميتة فهي له".
وحيازة قاطعة للنزاع وهي المقصود بالتمسك بها قطع كل نزاع بشأن العقار المحوز،وهذه لابد فيها من مرور عشر سنين فأكثر في مواجهة الأجنبي،ومن مرور ما يفوق عن أربعين سنة في مواجهة الأقارب،كما أنها لا تنفع حائزها ولا تفيده إلا إذا جهل سبب مدخل الحائز،أما إذا علم سبب مدخله وكان من الأسباب التي لا تكسب بها الملكية،ولا ينتقل بها العقار من صاحبه كما إذا كان الحائز توصل إلى وضع يده على الملك المحوز بسبب الكراء أو الإعارة،فلا تنفعه هذه الحيازة ولو طالت لمدة تفوق العشر سنين وبذلك تبقى حيازته، حيازة تصرفية عرضية (49)
يقول ابن عاصم في تحفته :
والأجنبي إن يحز أصلا بحق                           عشر سنين فالتملك استحــق
ويقول في موضع آخر:
والأقربون حوزهم مختلــف                            بحسب اعتمارهم يختلـــــف
فإن يكن بمثل سكنى الــــدار                           والزرع للأرض والاعتمــار
           فهو ما يجوز الأربعيــــــــن                            وذو تشاجر كالأبعديــــــــــن
ورد في القرار المدني عدد 11 الصادر بتاريخ 26/10/1966 عن المجلس الأعلى أن دعوى استحقاق العقار لا يمكن سماعها ولا تقبل البينة المؤيدة لها بعد مرور عشر سنين والأجنبي غير الشريك يتصرف تصرف المالك في ملكه مع حضور القائم بها وسكوته عن المطالبة بحقه بلا مانع طول المدة المذكورة.(50)
كما ورد في القرار عدد 317 الصادر في 27/4/1966 بأن القاعدة الفقهية تنص على أن أمد الحيازة بين الأقربين هو أربعون عاما مادام لم يكن بينهم تشاجر ولا عداوة ولهذا تكون محكمة الموضوع قد خرقت القاعدة الفقهية عندما رفضت تطبيق مبدأ التقادم بأربعين سنة بين الأقربين لعلة أن حقوق الفريقين غير مشاعة بينهم.(51)
وتجدر الإشارة إلى أن العدول ملزمون بالتنصيص على أمد الحيازة بشكل دقيق تفاديا للإجمال والاحتمال تحت طائلة بطلان رسم الملكية ولا يكتفى فيها بالتعبير بلفظة مدة الحيازة المعتبرة شرعا،فقد ورد في قرار المجلس الأعلى عدد 2681 صادر في 12/10/2005 انه لا يوجد في المعمول به فقها وقضاء ما يفيد أن الحيازة إذا اطلقت تنصرف إلى العشر سنوات أو أن المقصود بعبارة  " المدة المعتبرة شرعا " هي مدة العشر سنين، فالإجمال في الحيازة يعتبر عيبا في الرسم.يعتبر رسم الشراء مجردا عن الملك إذا بني على رسم ملكية يشهد شهودها بتصرف المالك المدة المعتبرة شرعا" (52)
(48) نصت المادة 14 من القانون رقم 16/03 المتعلق بخطة العدالة " فيتقيد العدل في ممارسة الخطة  بحدود دائرة محكمة الاستئناف المنتصب فيها ما عدا الإشهاد بالزواج والطلاق وفق المادتين 65و87 على التوالي من مدونة الأسرة  
يجب على العدل أن يتلقى الإشهاد بمكتبه كلما تعلق الأمر بشهادات خارجة عن دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية المحدث  مكتبه بدائرتها، ولا يجوز له التوجه لتلقي هذه الشهادات في حدود دائرة محكمة الاستئناف إلا بعد إشعار القاضي المكلف بالتوثيق التابع لدائرة نفوذه من طرف طالبي الشهادات بطلب كتابي يسجل بكتابة ضبط القاضي بسجل خاص معد لهذه الغاية، ويشار وجوبا في الشهادة إلى مراجع تسجيل الطلب
يشهد العدل على من هو حال وقت الإشهاد بالدائرة المنتصب فيها ولو كان يسكن بغيرها،باستثناء الشهادات المتعلقة بالعقار والتركات فيراعى فيها حدود دائرة محكمة الاستئناف التابع لها موقع العقار أو موطن الموروث .
غير أنه يجوز في حالة الظرف القاهر تلقي الوصية بعقار بمكان وجود الموصي بإذن من القاضي".
كما نصت المادة15 منه على أنه " إذا كان موضوع الإشهاد يتعلق بعقار أو عقارات تتنازعها دائرتان أو أكثر ، ولم يتفق أرباب الشهادة،عين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الذي رفع إليه الأمر أولا،الدائرة التي يقام فيها الإشهاد بأمر مبني على طلب الطرف الذي بادر برفع المشكل إليه  
(49) الحيازة فقها وقضاء للأستاذ عبد العلي العبودي المركز الثقافي العربي ص 28و29و30.
(50) قضاء المجلس الأعلى  عدد 22 ص 8.
(51) قضاء المجلس الأعلى عدد 2 صفحة 4.
(52) قرار منشور بمجلة القصر عدد 16 يناير 2007 ص 137 ذيل هذا القرار بتعليق الأستاذ محمد القدوري ذهب فيه إلى انه مادام الأمر يتعلق بمجرد صياغة،العبرة فيها بالمدة لا بعين التعابير والألفاظ في حد ذاتها فانه يبدو انه لا يعيب وثيقة الملكية أن تستعمل فيها تعبيرات أخرى كلما كانت تلك التعبيرات والألفاظ تفيد الاقتناع بمقصود الشاهد فيها وان عباراته تفيد مدة الحيازة بلغت أمدا معلوما،ثم انه عندما يكون محرر الرسم أو الشاهد فيه عالما بأصول التوثيق،عالما بمدد الحيازة،فإن تعبيره بمدة الحيازة المقررة بين الأجانب أو مدة الحيازة المقررة بين الأقارب،لا يحتمل شكا في انه قصد بالعبارة الأولى مدة عشر سنين،وبالعبارة الثانية مدة أربعين سنة،وقد استعمل مجلس الاستئناف الشرعي الأعلى في بعض أحكامه تعبير" مدة الحيازة" دون ذكر عدد السنين.
ويكون المجلس الأعلى قد أكد لهذا القرار التوجه الذي صار عليه من قبل فقد قرر سابقا أن مدة الحيازة ليست واحدة في الفقه الإسلامي الواجب التطبيق ، فقد تكون عشرة أشهر وقد تكون عشر سنوات ، وقد تمتد إلى أزيد من ذلك حسب الأحوال ووفقا للتفصيلات الواردة في كتب الفقه بشأنها،ولذلك فان الإجمال في بيان مدة الحيازة واقتصار الشهود على القول بأنها مدة تزيد على أمد الحيازة المعتبرة شرعا يعد عيبا في  الرسم (53) وان ما ذهب إليه الفقه في باب الاستحقاق هو أن الملكية لا تكون عاملة إلا إذا اشتملت على شروط الملك الخمسة وهي وضع اليد على الملك والتصرف فيه تصرف المالك في ملكه ونسبته لنفسه والناس إليه كذلك من غير منازع ولا معارض طول مدة عشر سنين... وهو ما يعني أن الملكية لا تكون صحيحة إلا بذكر طول المدة فيها بالأعوام وهي عشر سنين بين الأجانب وأربعين سنة بين الأقارب ما لم توجد بينهم عداوة(54)
ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا المقام هو أن مدة حيازة القائم على العقار يمكن ضمها إلى حيازة مورثه إذا انتقل إليه العقار المراد تمليكه عن طريق الإرث،ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء إنما الخلاف واقع في إمكانيه تلفيق مدة حيازة المشتري مع حيازة البائع له بين مؤيد لذلك ومعارض له وان كان الأولى فيها الجواز لقول التسولي في البهجة " واعلم أن مدة الحيازة تلفق بين الوارث والموروث وكذا تلفق بين البائع والمشتري والواهب والموهوب له صيانه لحقوقهم من الضياع بسبب فقد رسم الشراء أو  رسم الهبة،خصوصا وان المشرع المغربي بعدما نص على وجوب إثبات الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنشئ أو تنقل  أو تعدل أو تنهي الالتزامات أو الحقوق والتي تتجاوز قيمتها 250 درهم بواسطة حجة أمام الموثقين أو حجة عرفية (55) أجاز للضرورة إثبات هذه الاتفاقات والأفعال القانونية بشهادة الشهود في كل حالة يفقد فيها الخصم المحرر الذي يتضمن الدليل الكتابي لالتزام له  أو التحليل من التزام عليه، نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة أو سرقة (56)
الإشكال الثاني: دور اللفيف في ضبط العقار.
إن أعمال الغصب والترامي وعدم احترام الحدود بين الجيران تدفع بالناس إلى تحصين أملاكهم بواسطة رسوم الملكية المبنية على أقوال اللفيف وتصريحاتهم،خصوصا وان المنظر الزراعي العام لأغلب الأراضي بمنطقة الشاوية مثلا،لا يظهر فيه أي اعتناء بحدود الملكيات باستثناء المجالات السقوية التي تحدد فيها الأراضي تحديدا طبوغرافيا يراعى فيه العيون والأودية أو بعض الحواجز كالصخرة والخندق والطريق والكدية والحرم مثلا،أما باقي الحيازات فإن قلة منها تجدها محددة بواسطة سياجات من أشجار أو زرب أو حيطان طوبية، فالمنظر مفتوح بحيث لا يمكن التردد إلى الحقول إلا من طريق عام،الشيء الذي يغذي المنازعات العقارية بين المزارعين حول حق المرور أو تطاول البعض على الطريق وضمها إلى أرضه (57)
هذه الوضعية تجعل من اللجوء إلى اللفيف أمرا حتميا لإثبات الحدود بين المالكين ،ولا نعتقد انه توجد إمكانية أخرى  للإثبات غيرها، خصوصا وان القائس الذي من اختصاصه الوقوف على عين العقار المراد تمليكه ومسحه وضبط حدوده، لا يتم استغلال عمله بشكل جيد يعطي رسم الملكية المصداقية الكاملة من حيث المساحة والحدود وذلك من وجهين:
الوجه الأول : أن المساحة التي  تذكر في الشهادة الإدارية غالبا ما يعبر عنها بالوحدات القياسية المتداولة من الهكتار والآر والسنتيار،دون بيان طول كل ضلع من الأضلع المكونة للعقار الشيء الذي لا يعطي انطباعا كافيا عن شكل العقار من حيث كونه مثلث الشكل أو رباعي أو مستطيل أو متعدد الأضلع وهو أمر يكتسي أهمية كبيرة في بيان حدود العقار المراد تمليكه، إذ يبدو أنه كان من الأولى أن يدرج في الشهادة الإدارية شكل مصغر لرسم العقار على التصميم الهندسي حتى يعلم العدلان واللفيف  شكل العقار المراد تمليكه بحدوده.
الوجه الثاني :أن الشهادة الإدارية وان كانت تنص على حدود العقار من جهاته الأربع مع بيانها لأرقام الرسوم أو المطالب العقارية للجيران إن وجدت نجدها في الغالب لا تنص على بعض الحدود الطبيعية أو الطارئة كالأشجار والحيطان والسياجات الفاصلة بين الجيران،كما أنها لا تتضمن الإشارة إلى ما  يميز العقار المراد تمليكه عن باقي العقار المجاورة كوجود الآبار فيها مثلا أو دور السكنى أو الصخور أو الأحجار أو غير ذلك من المعالم التي يستدل بها عليه حتى يتمكن اللفيف وبالتالي العدلان من ضبط العقار المراد تمليكه ضبطا دقيقا.
هذا النقص في البيانات المتعلقة بالعقار المراد تمليكه يجعل عملية الإشهاد تنبني كلية على تصريحات اللفيف الشيء الذي يؤثر في مصداقية التصريحات المدلى بها خصوصا إذا لم تجد ما يعززها في البيانات الواردة بالشهادة الإدارية.
المطلب الثاني: مدى حجية شهادة اللفيف من وجهة نظر الفقه والقضاء
عرفنا في ما سبق البيانات العامة والخاصة لرسم الملكية وما تثيرها من إشكالات عملية يبقى علينا الآن أن نتناول مدى حجية اللفيف عموما من وجهة نظر الفقه والقضاء المغربيين.
الفقرة الأولى: وجهة نظر الفقه من شهادة اللفيف.
شهادة اللفيف عندما تستوفي جميع شروطها الخاصة والعامة وتحرر في رسم مذيل بتوقيع العدلين المتلقيين لها،لا تكون تامة إلا إذا ذيلت بخطاب القاضي المكلف بالتوثيق.وحينها تعد في نظر القانون وثيقة رسمية بصريح نص المادة 35 من القانون رقم 16/03 المتعلق بخطة العدالة والوثيقة الرسمية في مفهوم المادة 418 من قانون الالتزامات والعقود  التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد وذلك في الشكل الذي يحدده القانون،وتكون رسمية أيضا الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم.
 


(53) قرار عدد 110 منشور بقضاء المجلس الأعلى عدد 37و38 ص 60.
(54) قرار عدد 380 بتاريخ 08/02/2006 غير منشور.أورده محمد قدوري في تعليقه على القرار عدد 2681 السابق الذكر ص 142 مجلة القصر عدد 16.
(55) المادة 443 من قانون الالتزامات والعقود.
(56) المادة 448 من قانون الالتزامات والعقود 
(57) راجع بهذا الصدد " النوازل الفقهية والمجتمع " لمؤلفه محمد فتحة طبعة. 1999
أولا : هل شهادة اللفيف حجة كتابية
ذهب جانب من الفقه إلى أن البيانات والمعلومات والوقائع التي تتضمنها الشهادة اللفيفية هي على ثلاثة أنواع:
- نوع مصدره شهود اللفيف وهو أن يثبت العدل المتلقي مضمنه في رسم اللفيف.
- نوع مصدره العدل المتلقي وهو ما يخبر بالقاضي من أن شهود  اللفيف قد  أدوا شهادتهم بما أثبت مضمنه في الرسم.
- نوع مصدره القاضي وهو ما يثبته في الوثيقة باعتباره سمعه من العدل أو باعتباره تولى ضبطه بنفسه (58)
واستنتج من خلال هذا التحليل لشهادة اللفيف أن المشرع المغربي إنما أضفى صفة الرسمية على الشهادة اللفيفية من جهة النوع الثالث من المعلومات التي يكون مصدرها القاضي المكلف بالتوثيق والتي يثبتها بخطابه على الشهادة اللفيفية طبقا لمنطوق الفصلين 35 من قانون 16/03 و418 ق ل ع المشار إليهما أعلاه .
    وذهب جانب آخر من الفقه إلى إبعاد  شهادة اللفيف من زمرة وسائل الإثبات المنصوص عليها في المادة 404 من ق ل ع عموما والتي هي اقرارالخصم والحجة الكتابية وشهادة الشهود والقرينة واليمين والنكول عنها،واعتبرها وسيلة إثبات استثنائية يرجع اليها في كل ما لم ينص القانون على شكل معين للإثبات فيه باعتبار المشرع المغربي يأخذ بمبدأ الإثبات المختلط وفقا للمادة 401                  من ق ل ع التي تنص على انه لا يلزم لإثبات الالتزامات أي شكل خاص إلا في الأحوال التي يقرر القانون فيها شكلا معينا (59)
واتخذ جانب ثالث من الفقه موقفا وسطا يجمع لشهادة اللفيف بين صفة الورقة الرسمية من حيث الشكل دون أن تمتد تلك الصفة لمضمون شهادة اللفيف.يقول الأستاذ احمد عبيا" إذا كانت خاصية الورقة الرسمية تتمثل في كون الموظفين العموميين يتلقون مباشرة من الأطراف المتعاقدة الالتزامات المتفق عليها،فان خاصية اللفيف تتجلى في كون العدول يتلقون تصريحات أشخاص أجانب عن الاتفاقية أو الالتزام  لم يتأت تضمينها في محرر كتابي إبان نشأة الواقعة المشهود بها وبالتالي فاللفيف ورقة رسمية فقط من حيث الشكل ولا مجال مطلقا لامتداد حجية الوثيقة الكتابية كورقة رسمية إلى مضمون شهادة اللفيف" (60) تمشيا في ذلك مع ما ورد بالقرار عدد 809 الصادر بتاريخ 25/12/1989 للمجلس الأعلى من اعتبار اللفيف من حيث الشكل ورقة رسمية وان كان من حيث المحتوى مجرد شهادة. (61)
ثانيا : هل شهادة اللفيف شهادة شهود
نظم المشرع المغربي العمل بشهادة الشهود في قانون الالتزامات والعقود (62) وفي قانون المسطرة المدنية (63) دون أن يشير إلى كيفية العمل في اللفيف،وإنما اشترط قي قانون المسطرة المدنية أن يكون الاستماع إلى الشهود على يد المحكمة وبمقتضى قرار وان لا تكون أي قرابة للشاهد مع أطراف النزاع وان يؤدي اليمين القانونية مع إمكانية تجريح الشاهد،في حين أن شهادة اللفيف لا تخضع لأية شكلية من الشكليات المذكورة ،وبذلك لا ترقى إلى درجة شهادة الشهود(64)
وعلى العكس من ذلك ذهب أستاذنا عبد الرحيم بلعكيد إلى القول بأن شهادة  اللفيف لا يعتد بها في تملك العقار غير المحفظ إلا عند الضرورة وبشروط مشددة وباستفساره في الغالب وبثبوت الحيازة الهادئة العلنية المستمرة في المدة المتفق عليها فقها وقضاء،ألا ترى أن المشرع في الفصل 448 من ق ل ع استثنى من أحكام الإثبات بالكتابة وأجاز الإثبات بالشهادة في الحالة التي يفقد فيها الخصم المحرر الذي يتضمن الدليل الكتابي لالتزام له أو للتحلل من التزام عليه (65) ورغم أن الأستاذ ناصر متيوي لم ينف عن اللفيف صفة شهادة الشهود إلا أنه اعتبرها شهادة ضعيفة هشة نظرا للارتياب الحاصل حول شهودها،كما أنها استرعائية ليست أصلية،ومما يزيد من ضعفها، كونها لا تباشر من طرف القاضي(66)
الفقرة الثانية :  موقف المجلس الأعلى من رسم الملكية .
لقد كان - ولا يزال – للمجلس الأعلى دور كبير في الحفاظ على شهادة اللفيف كوسيلة من وسائل الإثبات في العقار غير المحفظ،الذي يخضع كليا لأحكام الفقه المالكي رغم أن قانون المغربة والتوحيد الصادر سنة 1965 قد فرض التطبيق الإقليمي لقانون الالتزامات والعقود - وهو من القوانين الوضعية – فان نوازل العقار غير المحفظ بقيت في منأى عن الخضوع لهذا التطبيق وهذا ما أكدته أحكام عديدة صادرة عن المجلس الأعلى فعن الغرفة الشرعية صدر قرار عدد 261 بتاريخ 22/05/1979 جاء فيه إن المطبق، حيث كان العقار غير محفظ هو الفقه الإسلامي وأنه لا يكون هناك مجال لتطبيق الفصل 974 من ق ل ع (67)
وجاء في قرار آخر صادر بتاريخ 4/12/1991 ما يلي " ومن جهة أخرى فان الأمر يتعلق ببيع عقار وان كان غير محفظ فانه يخضع في الجوهر لأحكام الفقه المالكي التي تقرر،كما أشار إلى ذلك الشيخ ميارة- انه حتى بالنسبة لشهادة اللفيف فانه لا يلجأ إليها فيما يخص المعاملات إلا عندما قد تدعو إلى ذلك ضرورة التي وجب توضيحها "(68)
(58) الأستاذ احمد أمغار مجلة رابطة القضاة العدد 16و17 مارس 1986 ص9
        الأستاذ محمد الابراهيمي: شهادة اللفيف واعتمادها كحجة إثبات مقال منشور بمجلة ندوات محاكم فاس العدد الأول ص 22.
(59) الأستاذ سعيد الكوكبي شهادة اللفيف العدلي مقال منشور بمجلة ندوات محاكم فاس العدد الأول عدد 84و85 .
(60) شهادة اللفيف: مقال منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 150 السنة الثانية والثلاثون ص 124.
(61) قرار منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى ص 25
(62) الفصول من 443 إلى 448
(63) الفصول من 73 إلى 83
(64) احمد عبيا مقال سابق ص 124.
(65) وثيقة البيع بين النظر والعمل طبعة 1993 هامش رقم 136بالصفحة 294.
(66) اللفيف العدلي ودوره في مدونة الأسرة لمؤلفه الأستاذ عبد العزيز الفتحاوي طبعة 2005 ص 41
(67) راجع نص القرار بمقال للأستاذ عبد اللطيف هداية الله بعنوان النوازل الفقهية في العمل القضائي المغربي شارك به في ندوة نظمتها مجموعة إحياء التراث الإسلامي.
 (68) قضاء المجلس الأعلى عدد 46 نوفمبر 1992 ص 33 و34.
ويبدو أن هذا القرار قد صادف عين الصواب عندما أشار إلى حالة الضرورة التي تعد شرطا لإعمال شهادة اللفيف ولو تعلق الأمر بالعقار الغير المحفظ،وهو الرأي المشهور في المذهب المالكي فقد سبق للعلامة سيدي المهدي الوزاني أن أشار إلى أن العادة الجارية في بيع الأصول أن تكون بالعدول لا باللفيف. اذ لا موجب لاشهاد اللفيف والإعراض عن العدول (69)
ومن حيث القيمة الاثباثية لشهادة اللفيف،فقد تضاربت آراء المجلس الأعلى حولها،ويرجع سبب ذلك إلى اعتماد كل غرفة من غرف المجلس الأعلى على مرجعيات قانونية مختلفة،فإذا كانت الغرفة الشرعية ملتزمة بالفقه المالكي في معالجة القضايا المتعلقة بالعقار غير المحفظ فان الغرفة المدنية على العكس من ذلك تقلل من قيمة شهادة اللفيف على اعتبار أن المشرع لم يتناولها بالتنظيم في قانون الالتزامات والعقود وقانون المسطرة المدنية.
ومن بين القرارات المؤيدة للعمل بشهادة اللفيف نورد:
-          القرار عدد 611 صادر بتاريخ 13/9/1978 جاء فيه:إذا كان شهود لفيفية ما لم يشهدوا بتحديد العقارالمشهود ببيعه ووقع الإدلاء بلفيفية ثانية يشهد فيها شهودها بمعرفتهم وتحديدهم للمشهود فيه وان البيع وأداء الثمن ثم بحضورهم ولم يقع الطعن فيها بأي طعن فانه لا يحق للمحكمة أن تستبعد هذه الحجة .(70)
-          كما ورد في القرار عدد 666 الصادر في تاريخ 27/09/1978 حيث انه طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية فان بيع العقار غير المحفظ يمكن إثباته بصفة استثنائية بشهادة الشهود وان المحكمة لما استبعدت اللفيف المدلى به لإثبات هذا البيع بعلة انه لا يثبت بشهادة الشهود ولابد فيه من الدليل الكتابي الثابت التاريخ تكون قد طبقت الفصل 489                          من ق ل ع المتعلق ببيع العقار المحفظ.والذي لا مجال لتطبيقه في النازلة واستبعدت الفقه الإسلامي الواجب التطبيق والذي يجيز في الأحوال الخاصة إثبات البيع بشهادة الشهود وفيها شهادة اللفيف مما جعل قرارها غير مؤسس ومعرض للنقض" (71)
-          وفي مجال قسمة العقار غير المحفظ ورد في القرار عدد 140 الصادر في 31/1/1984 انه لما كان النزاع يتعلق بعقار غير محفظ فانه يمكن إثبات ادعاء القسمة بشهادة اللفيف عملا بقول الإمام الزرقاني                                   " وكثرن بغير عدول" (72)
-          كما جاء في القرار عدد354 الصادر بتاريخ 21/03/1987:شهادة اللفيف التي يتلقاها العدول نيابة عن القاضي،وتسجل عليه هي بمثابة شهادة العدول في إثبات الحقوق وليست مجرد شهادة الشهود" (73)
غير أن المجلس الأعلى في قرارات أخرى ناقض ما سبق أن أثبته في القرارات السابقة، فخلافا للقرار عدد 666 أعلاه  صدر قرار آخر عدد 3273 صادر بتاريخ 19/5/1998 ورد فيه "انه لايقبل اللفيف في إثبات بيع العقار الذي يجب أن يكون في محرر ثابت التاريخ"(74)
وخلافا للقرار عدد 140 بخصوص القسمة ورد قرار عدد 790 صادر في 9/12/1997 اعتبر فيه القسمة وباقي العقود الإنشائية يجب إثباتها بوثيقة رسمية أو عرفية ولا يمكن إثباتها باللفيف لأنها لا تقبل إلا للضرورة.
والذي يظهر من خلال ما تم عرضه من قرارات وأخرى لم يتم عرضها أن المجلس الأعلى يسعى إلى التضييق من مجال العمل بشهادة اللفيف حتى  في مجال العقار الغير المحفظ وذلك بحصر مجال إعمالها في غير العقود الإنشائية مثل البيع والقسمة وكل معاملة يشترط المشرع الدليل الكتابي لإثباتها مثل الصدقة والهبة والحبس والمعاوضة وغيرها من العقود،ويبقى عليها كحجة قاطعة في إثبات الوقائع القانونية،كإثبات واقعة الحيازة في ثبوت الملك،وقد أحسن صنعا بهذا التوجه،إذ شهادة اللفيف لم يعمل بها
منذ نشأتها في نهاية القرن التاسع الهجري سوى للضرورة الداعية إليها.
خاتمة
في ختام هذا العرض أود أن أشير إلى أن موضوع شهادة اللفيف نظمت بشأنها أيام دراسية على صعيد محاكم الاستئناف تناولت بالدرس ثلاث محاور هي :
1-      هل تحتاج شهادة اللفيف إلى تدوين وتقنين قواعدها وأحكامها ؟
2-      مدى إمكانية الاستغناء عن شهادة اللفيف؟
3-      وضع تصور حول الدخول في مسلسل ينتهي بعد مدة بالاستغناء عن شهادة اللفيف؟
ونعتقد مع مجموعة من الفقهاء أن تطوير آليات العمل بشهادة اللفيف لهو السبيل الأمثل دون إمكانية الاستغناء عنها في الوقت الراهن خصوصا في ميدان العقار غير المحفظ لبقاء حالة الضرورة التي من أجلها شرعت قائمة إلى يومنا هذا.كما أننا نعتقد من خلال مناقشتنا مع مختلف الفعاليات المهتمة بالموضوع من قضاة وعدول ومحامون وأساتذة جامعيون أن آليات تطوير شهادة اللفيف تكمن في :
-          العمل على تدوين أحكامها وضبط قواعدها في مدونة التوثيق
-          حصر مجال إعمال الشهادة اللفيفية في إثبات وقائع معينة يصعب إثباتها بغير إعمال اللفيف فيها.كإثبات واقعة الحيازة والاراثات والتركات.مع ضرورة تنظيم كل شهادة ببيان الوثائق اللازمة لإقامتها وكيفية ذلك .
-          العمل على تكوين وإعادة تكوين العدول بصفتهم المؤهلين قانونيا للتلقي من اللفيف وذلك بإعداد دورات تكوينية نرى أن تسهر عليها المجالس الجهوية للهيئة الوطنية للعدول بتنسيق مع الوزارة الوصية.
تمتين روابط الاحترام وتبادل الآراء والمعلومات بين السادة قضاة التوثيق والعدول التابعون لدوائر نفوذهم بما يكفل تفادي الأخطاء وتوحيد المناهج بما يتفق والقوانين والأحكام الفقهية المنظمة للشهادات اللفيفية عموما.
(69) سيدي المهدي الوزاني م س ص 429 وما يليها.
(70) مجلة ندوات محاكم فاس العدد الأول ص 167.
(71) مجلة ندوات محاكم فاس العدد الأول ص 168.
(72) مجلة ندوات محاكم فاس العدد الأول ص 169.
(73) قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 40 صحيفة 149.

(74) مجلة ندوات محاكم فاس العدد الأول ص 173  

تعليقات