القائمة الرئيسية

الصفحات



الإعفاء الضريبي بين الاجتهاد القضائي والتص التشريعي- المغادرة الطوعية لموظفي الدولة المدنيين نموذجا ذ. أناس السبتي مستشار بالمحكمة الإدارية بمكناس

الإعفاء الضريبي بين الاجتهاد القضائي والتص التشريعي- المغادرة الطوعية لموظفي الدولة  المدنيين نموذجا    ذ. أناس السبتي مستشار بالمحكمة الإدارية بمكناس






مداخلة القيت في ندوة" المنازعات الانتخابية والجبائية  من خلال توجهات  المجلس الأعلى



المركب الرياضي والاجتماعي لبنك المغرب
حي الرياض –مدينة العرفان
10-11 مايو 



الإعفاء الضريبي بين الاجتهاد القضائي والتص التشريعي- المغادرة الطوعية لموظفي الدولة  المدنيين نموذجا    ذ. أناس السبتي مستشار بالمحكمة الإدارية بمكناس



الإعفاء الضريبي بين الاجتهاد القضائي والتص التشريعي- المغادرة الطوعية لموظفي الدولة  المدنيين نموذجا    ذ. أناس السبتي مستشار بالمحكمة الإدارية بمكناس




إعفاء التعويضات عن المغادرة الطوعية بين التشريع والعمل القضائي:

في إطار الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تنهجها الحكومة المغربية بغية عصرنة الإدارة العمومية وإعطائها مفهوم جديد يستجيب لمتطلبات المرحلة الجديدة التي يعيشها المغرب وكذا المتغيرات الدولية التي أصبحت تقتضي اعتماد عدد من المفاهيم في تدبير العمل الإداري المنسجم مع ما تتوفر عليه الإدارة من موارد بشرية بغية الوصول  في النهاية إلى جعل قطاع الوظيفة العمومية بصفة عامة اكثر إنتاجية وفعالية مما كان عليه من ذي قبل تم إقرار مجموعة من القوانين والمراسيم التي تصب جميعها نحو إقرار وتكريس هذه الأهداف، من ضمن ذلك.

- إقرار مبدأ لا مركزية المصالح الخارجية للدولة من خلال مرسوم           2-05-1969 وتاريخ 2-12-2005 المنظم لقواعد تنظيم الصالح الخارجية للوزارات.
- إقرار عدد من القوانين المتعلقة بكيفية ترقية وتقييم عمل الموظفين العموميين كما هو الشأن بالنسبة لمرسوم 2-04-403 وتاريخ 2-12-2005 المحدد لشروط الترقية في الدرجة والسلم.
- مرسوم 2-05-1366 وتاريخ 2-12-2005 المتعلق بالتكوين المستمر لمستخدمين الدولة إلى غير ذلك من المراسيم والقوانين.


بالإضافة إلى ذلك ثم إقرار المرسوم رقم 2-04-811 وتاريخ 23-12-2004 والمحدث بصفة استثنائية تعويضا للمغادرة الطوعية لموظفي الدولة المدنيين مرسوم كانت الغاية منه أولا إعطاء نوع من الديناميكية للإدارة المغربية لجعل عدد الموظفين يتلاءم مع الغاية والاختصاصات التي تقوم بها كل قطاع وبالتالي محاربة ظاهرة الفائض من عدد الموظفين الذي يعرفه العديد من الإدارات وكذا تخفيف العبء الذي تمثله الوظيفة على الميزانية العامة للدولة لتخفيض هامش كتلة الأجور ومدى تأثيرها على الناتج الداخلي الخام.

غير أنه في هذا الصدد وبالرغم من إيجابيات التي أبانت عنها هذه المبادرة (سميت مبادرة انطلاقة) لكونها منحت شريحة كبيرة من الموظفين إمكانية الحصول على تعويضات مهمة والقيام بمبادرات فردية عن طريق هذه التعويضات في خلق استثمارات جديدية من شأنها أن تقلص من نسبة البطالة فإنه فيما يخص هذه التعويضات وعلى الخصوص كيفية احتسابها وما إذا كانت تخضع للإعفاء الكلي من أداء الضريبة العامة على الدخل أم لا؟ فقد أثيرت العديد من التساؤلات والنقاشات حول هذه الإشكال ذلك أنه بالرغم من صراحة بعض النصوص القانونية فإن ذلك لم يمنع من طرح بعض الصعوبات خاصة على مستوى التطبيق العملي، تساؤلات طرحت سواء قبل قانون المالية 2004 الذي أقر الإعفاء التعويضات عن المغادرة الطوعية من الخضوع للضريبة العامة على الدخل بمقتضى الفصل 10 من هذا القانون أو بعد صدور هذا الأخير ذلك أنه قبل ذلك- وبحسب ما سيتم بيانه فيما بعد كانت تثار مسألة مدى إعفاء هذا التعويض أصلا من أداء الضريبة العامة على الدخل، أما بعد ذلك فقد أصبحت تطرح قدر الإعفاء هل هو إعفاء كلي أو جزئي.

1-   قبل قانون المالية لسنة 2004.

 

الواقع أن عملية المغادرة الطوعية وقبل تقديمها بشكل رسمي وإطلاق حملة وطنية سميت (مبادرة الانطلاقة) والتي مكنت كافة الموظفين في جميع القطاعات ( الجماعات المحلية) من الاستفادة من المغادرة الطوعية كانت هناك بعض المبادرات الفردية على مستوى بعض القطاعات خاصة ذات الطابع الشبه العمومي والتي كانت تتم بناء على توصيات من الوزارة الوصية على القطاع لتشجيع المستخدمين الذي يرغبون في مغادرة العمل بإعفائهم من وظائفهم (مثلا المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للمنطقة الشمالية الوسطى بفاس) أطلقت ابتداء من فاتح يناير 2003 لمستخدميها وبناء على توصية الوزارة المكلفة بالإسكان إمكانية الاستفادة من هذه المغادرة.

إلا أنه كانت هناك بعض الإشكاليات تطرح بخصوص مدى إعفاء مبلغ التعويض الممنوح عن المغادرة الطوعية من أداء الضريبة العامة على الدخل ذلك أن العديد من الإدارات التي سلكت هذه المبادرة كانت تلجأ إلى اقتطاع مبلغ هذه الضريبة من قدر التعويض الممنوح لفائدة مديرية الضرائب وهو ما طرح عدة نزاعات قضائية بين هؤلاء المستخدمين والإدارة المشغلة لهم. حيث سبق في هذا الصدد أن تقدم عدد من مستخدمي المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء بفاس بطعون لدى المحكمة الإدارية يعرضون من خلالها أن عدة قرارات صدرت على إدارة المؤسسة تقضي باقتطاع مبلغ الضريبة العامة على الدخل من التعويضات الممنوحة لهم رغم أنها لا يخضع طبقا لمقتضيات المرسوم الملكي رقم 316-66 الصادر بتاريخ 14-8-1967 والمرسوم الملكي الآخر 66-317 الصادر بنفس التاريخ التمسوا من خلالها الحكم بإلغاء هذه القرارات.

وبعد المناقشة بين الطرفين أصدرت المحكمة الإدارية بفاس عدد من الأحكام في الموضوع قضت فيها بإلغاء قرارات مدير المؤسسة المذكورة لكونها جاءت مشوبة بالتجاوز في استعمال السلطة معتمدة في حيثياتها لتبرير حكم الالغاء هذا على  مقتضيات المادة 66 من قانون 17-89 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل والتي تنص في فقرتها السابعة على أنه " يعفى من الضريبة العامة على الدخل التعويض عن الفصل من العمل ضمن الحدود المقررة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل وجميع التعويضات عن الضرر التي تحكم بها المحاكم في حالة الفصل عن العمل" ذلك أن هذه المحكمة وأمام عدم وجود نص صريح يحدده مفهوم المغادرة الطوعية والمقصود منها وما إذا كانت تعتبر فصلا من العمل أم لا حق تطبق عليها مقتضيات المادة المذكورة لجأت إلى إعطاء تفسير للمعنى المقصود من عبارة (الفصل عن العمل) وما إذا كانت تسعف في تطبيقها كذلك على المغادرة الطوعية ولجأت إلى القول بأنه مادام أن الفصل من العمل يمكن أن يكون اتفاقيا بمقتضى اتفاق محدد المضمون وموقع عليه من كلا الطرفين أو بإرادة منفردة لأحدهما وانتهت إلى القول بأن المغادرة الطوعية للعمل ومادامت أنها من الحالات التي يتفق فيها المشغل مع المستخدم على مغادرة العمل طواعية مقابل تعويض يحدد بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل  ومنها المرسومين الملكيين المشار إليهما سابقا فإن ذلك يجعل هذه المغادرة هي أيضا من ضمن الحالات التي تندرج في إطار الفصل من العمل المنصوص عليها في المادة 66 أعلاه باعتبارها من الصور المؤدية التي انقطاع علاقة العمل التي كانت قائمة بين المؤسسة المستغلة والمستخدم بمقتضى اتفاق مبرم بينهما لتنتهي على ضوء ذلك إلى التصريح بإلغاء القرار محل الطعن[1] وإن كانت هذه المحكمة قد ناقشت في هذه الأحكام مبدأ الإعفاء في حد ذاته ومدى استفادة مبلغ المغادرة الطوعية منه إم لا ولم تناقش مبلغ الاقتطاع وذلك لسكوت النص القانوني سواء المادة 66 أو المرسوم الملكي عن هذه النسبة ولكون جوهر النزاع هو الطعن في قرار إداري دون مناقشة قدر الاقتطاع وهل هو جزئي أو كلي ومدى الأحقية في استرجاعه وهو ما حدى بالغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عندما عرضت عليها الاستينافات المقدمة ضد الأحكام التي أصدرتها المحكمة الإدارية بفاس في عدد من القرارات الصادرة عنها من ضمنها القرار 683 الصادر بتاريخ 26-7-2006 في الملف الإداري عدد 2846/4/2/2004 والملف 24848/04/02/2004 إلى التصريح بإلغاء هذه الأحكام وتصديا بعدم قبول الطلب لوجود دعوى موازية طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 23 من القانون 41-90 المحدث المحاكم الإدارية، معللة ذلك "أن الدعوى الحالية وإن كانت ترمي الى الغاء القرار الاداري" السلبي بشأن اقتطاع الضريبة العامة على الدخل من التعويضات المتعلقة بالمغادرة الطوعية للعمل الممنوح للطاعن الذي كان مستخدما لدى المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء هي منازعة ضريبية تندرج ضمن القضاء الشامل التي تمكن الطاعن من الحصول على نفس النتائج التي كان يستهدفها من دعوى الإلغاء"[2]

والملاحظ هنا على قرار المجلس الأعلى أن هذا الأخير وعلى ضوء حيتياته المبسوطة أعلاه قد أقر ضمنيا المبدأ الذي خلصت إليه المحكمة الإدارية بفاس تعليلها المذكور آنفا والذي مفاده أن مبلغ التعويض الممنوح عن المغادرة الطوعية يستفيد من الإعفاء من الضريبة العامة على الدخل إلا أنها أقرت مبدأ آخر هو أنه كان بإمكان المعنيين بالأمر سلوك إطار آخر أمام نفس المحكمة هو إطار القضاء الشامل من خلال رفع طلب مؤداة عنه الرسوم القضائية ليحصل من خلاله هؤلاء بالإضافة إلى إلغاء القرار على إمكانية استرداد مبلغ الضريبة المقتطع وان كنا نأمل لو أن الغرفة الإدارية أوضحت بشكل كبير هذا المغزى و أقرت صراحة بأن المبلغ الممنوح في إطار المغادرة الطوعية معفى من الضريبة.

2-   بعد قانون المالية لسنة 2004.

بعد المناقشة الفقهية والقضائية التي أثيرت حول المغادرة الطوعية ومدى إعفائها من الضريبة العامة على الدخل واما إذا كانت من مشتملات مفهوم الفصل عن العمل جاءت المادة العاشرة من قانون المالية لسنة 2004 لتكرس هذا التوجه القضائي المشار إليه في الاجتهادات القضائية المذكورة سلفا لتنص صراحة على أنه تعفى من الضريبة العامة على الدخل وضمن الحدود المقررة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري في مجال الفصل من العمل: التعويض عن المغادرة الطوعية عن العمل إلا أنه بالرغم من ذلك فقد أثير نقاش قانوني آخر حول قدر هذا الإعفاء وحجمه، ذلك أنه وفي غياب نص قانوني صريح يحدد هذا القدر فقد فتح مجال واسع أمام إعطاء عدد من التفسيرات والتأويلات بين من يعتبر بأن هذا التعويض يعفى بشكل كلي من أداء أي مبلغ للضريبة العامة على الدخل وبين من يرى خلاف ذلك على غرار المديرية العامة للضرائب التي تعتبر في تفسيرها الخاص للنص القانوني الآنف الذكر وفي معرض أجوبتها التي تقدمها بمناسبة النزاعات القضائية التي أثيرت مؤخرا أمام عدد من المحاكم الإدارية بأن هذا التعويض لا يعفى إلا بشكل جزئي من أداء هذه الضريبة مستندة في ذلك على الطابع الاستثنائي والخاص للمغادرة الطوعية في حد ذاتها ومحدثة نوعا من التمييز بين المغادرة الطوعية للعمل والفصل من العمل معاكسة بذلك التوجه الذي سارت عليه المحاكم الإدارية في أحكامها المثار إليها أعلاه. ومحاولة في نفس الوقت أن تعيد نفس النقاش الذي تطرقنا إليه سابقا أشرنا من خلاله إلى ما إذا كانت المغادرة الطوعية هي فصل من العمل أم لا معتبرة بأن هناك تمييز منطقي بين كل من المغادرة الطوعية والفصل من العمل لان المغادرة تأتي بناء على اختيار واردة حرة للمستخدم من خلال الطلب التلقائي الذي تقدم به للمشغل ويمكن فيه عن رغبته في مغادرة العمل وذلك بخلاف الفصل من العمل وان كنا لا نتفق مع هذا التوجه باعتبار على أن حتى الفصل عن العمل يمكن أن يكون اتفاقيا أو بإرادة منفردة لاحد طرفي العلاقة وفي تاريخ معين. بل وفي بعض الأحيان بناء على طلب المستخدم وهذا على ما يبدو على إن المحكمة الإدارية بفاس قد ذهبت إليه في حكم حديث صادر بتاريخ 22-12-2006 عندما اعتبرت على أنه ليس هناك فرق بين المغادرة الطوعية والفصل من العمل معتبرة أن كليهما ذو معنى ومفهوم واحد وبأنه لا يمكن للطابع الاستثنائي لهذه المغادرة أن يخرجها من حالات الفصل من العمل منتهية إلى التأكيد على أن اقتطاع مبلغ الضريبة العامة على الدخل ولو بشكل جزئي هو عمل غير مشروع ويعطي لصاحبه الحق في استرجاع ما اقتطع منه وهو ما نعتقد على أنه توجه مشروع وسليم في حد ذاته لأنه أمام غموض النص القانوني مادام أن حتى المادة 10 من قانون المالية لسنة 2004 المعدلة للفصل 66 من قانون الضريبة العامة على الدخل وكذلك المرسوم رقم 2-04-811 وتاريخ 23-12-2004 في مادته الرابعة قد سكتا عن تحديد قدر الاقتطاع الضريبي فإن ذلك يجب أن يفسر لصالح الملزم أعمالا لقاعدة التفسير الضيق للنصوص الضريبية والتي تنص انه لا يمكن إجبار أي فرد على أداء ضريبة إلا إذا صدر بشأنها نص قانوني صريح يسمح بهذا الإجبار ولا يمكن إعفاء أي شخص من أدائها إذا لم يجز القانون هذا الإعفاء لان الأصل أن الشخص غير ملزم بأي أداء ضريبي حتى تثبت الإدارة وجه الالتزام به. بنص قانوني صريح وبأن الأمر يقتضي أولا تدخل المشرع لتوضيح من غمض من النصوص ولدا الفراغ التشريعي. كما نأمل أن تتدخل محكمة الاستيناف الإدارية بعد إحداثها وبعدها الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى لتعمل على تفسير الغامض من هذه النصوص وتصرح  ما إذا كانت هذه المغادرة الطوعية (بعدما صرحت بكونها معفاة من أداء الضريبة العامة على الدخل) معفاة بشكل كلي أو جزئي. أعمالا لمبدأ العدالة الجبائية وتحقيق فكرة المساواة أمام الأعباء العامة، كما أكدت على ذلك المحكمة الإدارية بمكناس في أحكام صدرت عنها في نوازل تتعلق بمؤسسة اتصالات المغرب وبريد المغرب.



ويشير في الختام إلا أن هذه الإعفاءات الضريبية إذا كانت لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية لا يمكن لأي أحد نكرانها فإن ذلك يجب أن يتم بشكل صريح وإلا يكتفي المشرع عندما يقر أي إعفاء جبائي أن ينص على الكيفية التي يطبق بها والقدر الذي سيشمله وان تعمل الغرفة الإدارية بالموازاة مع ذلك باعتبارها  أعلى هيئة قضائية مهمتها الاسسية توحيد الاجتهادات القضائية وبلورة هذه النصوص وجعلها أكثر وضوحا وتستجيب للغايات والأهداف التي توخى المشرع وراء إقرارها.



[1] حكم المحكمة الادارية بفاس عدد 1842 وتاريخ 29-6-2004 الصادر في الملف الاداري عدد 416 غ/2003
[2]  قرار 4 لغرفة الادارية المشار الى مراجعه اعلاه.

تعليقات