📁 آخر الأخبار

حكم إبرام العقود بالوسائل الإلكترونية ذ. محمد أبو رزق عدل بسطات

حكم إبرام العقود بالوسائل الإلكترونية  ذ. محمد أبو رزق عدل بسطات





حكم إبرام العقود بالوسائل الإلكترونية

ذ. محمد أبو رزق عدل بسطات


المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الطاهرين.
السيد الرئيس؛
السادة الأساتذة الكرام؛
إخواني الطلبة؛
أيها الحضور الكريم؛
يشهد عالمنا المعاصر ثورة كبيرة في مجال الاتصال والمعلوميات والوسائط الإلكترونية، حتى أصبح الكثير منا يختزل كل التقدم الذي أنجزه العالم المعاصر في تلك النقلة في تكنولوجيا الاتصال والوسائط، وإذا كانت العصور السابقة انفرد كل منها بمسمى خاص كعصر الصحافة أو الإذاعة أو التلفزيون، فإن العصر الحالي على خلاف ذلك اجتمعت فيه كل هذه العصور بتكنولوجياتها مع الانطلاقة التكنولوجية الحديثة لتطبع العالم المعاصر وتسمه بالتقدم في مجال الوسائط وتختزل الكل في اسم العولمة.
وقد غزت هذه الوسائل الإلكترونية كل الميادين وشملت كل المجالات بما فيها مجال التعاقد فأصبحت كثير من الصفقات التجارية والمعاملات الشخصية تجري عن طريقها، ودخلت في مجال الأسواق المالية العالمية والمحلية. وأصبحت تنظمها وتقوم بإجراء بعض العقود والتحويلات بها. ودخلت أيضا مجال المراسلة والكتابة وعقد الاتفاقات وإبرام العقود عبرها بالصوت والصورة معا. مما أصبح معه الإنسان المعاصر مجبرا على معرفتها والاطلاع التام بها إن لم نقل مسايرتها والتعامل بها حتى لا ينعث بالأمية والتخلف عن ركب التقدم.
وفي هذا الإطار وبمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى للقضاء ووفقا لها اختارته اللجنة المنظمة لموضوع النزاعات العقارية ارتأيت أن أشارك بهذا البحث المتواضع تحت عنوان: "حكم إبرام العقود عبر الوسائل الإلكترونية فقها وقانونا، "الأحوال الشخصية والعقار" وقد اعتمدت في تصميم الموضوع على ما يلي:




مقدمـة:
تعريف الوسائل الإلكترونية
حكم إبرام عقود العقار بالوسائل الإلكترونية
تمهيـد:
المبحث الأول: حكم التعاقد بطريق الكتابة
المبحث الثاني:حكم التعاقد بطريق المهاتفة
المبحث الثالث: موقف القوانين الوضعية من التعاقد عبر الوسائل الإلكترونية.
خاتمة ونتائج.





















تعريف الوسائل الإلكترونية
حسبما جاء في تعريف الاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية أنها عملية تساعد المرسل على إرسال المعلومات بأي وسيلة من وسائل النظم الكهرومغناطيسية من تليفون أو تلكس أو بث تلفزيوني أو نحو ذلك[1].

وهذه الوسائل منها ما يسير عبر كوابل أرضية أو بحرية أو محطات لاسلكية كبيرة تعتمد على أجهزة إرسال واستقبال ومجموعات هوائية لكل منهما، أو تستخدم الأقمار الصناعية وسيلة وسيطة لتحقيق اتصالها. فمثلا التلكس يتم الاتصال به من خلال جهازين مرتبطين بوحدة تحكم دولي ينقل كل واحد منهما إلى الآخر المعلومات المكتوبة دون وجود وسيط بينهما. وأخيرا دخل الحاسوب الآلي (الكمبيوتر) هذا المضمار فأصبح كثير من الإجراءات التعاقدية تتم من خلاله، فعن طريقه يتم حجز الأماكن للسفر والسياحة ونحوهما، ومن خلاله يتم الاتصال بين الشركات الفرعية والشركة الأم لتنظيم الرحلات والاتفاقات، وعن طريقه يتم قطع التذاكر. وفي الآونة الأخيرة دخل الكمبيوتر الأسواق المالية من أوسع أبوابها فأصبح يقوم بتنظيمها وتنظيم العقود فيها وإجراء بعض العقود والتحويلات، كما أنه يمكن ربط الكمبيوتر بجهاز كمبيوتر آخر عن طريق الهاتف أو عن طريق مجموعة اتصال خاصة تدعى الأنترنيت. ثم القيام ببرمجة خاصة تمكن من مخاطبة الجهاز الآخر أوتوماتيكيا أو عمليا، وبالتالي كتابة رسالة تعاقدية فيه وتخزينها مع توجيهه إلى إرسال نسخة منها إلى الجهاز الثاني المرتبط بالمتعاقد الآخر أو بالبورصة والجدير بالذكر أنه يمكن من خلال الانترنيت إجراء مكالمات هاتفية. فالأنترنيت يمكن تصنيفه مع أجهزة الاتصال الحديثة الناقلة للحروف، ويمكن أيضا تصنيفه مع أجهزة الاتصال الناقلة للأصوات. وقد لعب البريد الالكتروني الذي يأتي على رأس قائمة الخدمات التي يستفيد منها مستعملوا الانترنيت دورا هاما في هذا المجال، فيمكن لمستعمله أن يستقبل ويرسل من وإلى عدة عناوين عبر مختلف أنحاء العالم شريطة أن تكون الجهة المرسل إليها تتوفر بدورها على معدات معلوماتية تخول لها إجراء عملية التراسل الإلكتروني.

فهناك بريد الهوتمايل الذي يحتوي على سعة ألف ميكابايت ويستطيع استقبال العديد من الملفات والأعداد الضخمة من الخطابات. وكذلك بريد مكتوب. وهناك أيضا أدوات المحادثة أو ما يعرف بالشات التي تنقل الصوت والصورة معا كالماسنجر والسكايب والانسبيك وإيكو وغيرها الكثير والتي وجد فيها رجال الأعمال والباحثون طريقة سهلة في الاتصال والسبب سهولة استعماله. كما أن البريد الإلكتروني غزا الأسواق التجارية والمؤسسات الاقتصادية وأصبحت تعقد عن طريقه الصفقات الكبرى والتي تحدد من الجانب الاقتصادي بتكلفة أقل بكثير من وسائل الإرسال العادية. وهناك أيضا العديد من المواقع الإلكترونية المخصصة في البيع والشراء.

 










حكم إبرام عقود العقار بالوسائل الإلكترونية

تمهيد:

التعاقد الذي يتم من خلا الوسائل الإلكترونية كتابة هو تعاقد عن طريق الكتابة سواء بسواء فعن طريق الوسائل الإلكترونية يتم القيام ببرمجة خاصة تمكن الإنسان من مخاطبة الجهاز الآخر أوتوماتيكيا أو علميا، وبالتالي كتابة رسالة تعاقدية فيه وتخزينها مع توجيهه بإرسال نسخة منها إلى الجهاز الثاني المرتبط به.
ومعلوم أن وسائل الاتصال الحديثة لعبت دورا كبيرا في مجال البيع والشراء وخطت خطوات كبرى في هذا المجال، وعليه يمكننا القول أنه لا يوجد أي فارق في التعاقد من خلال الوسائل الإلكترونية والكتابة العادية. فهو أشبه ما يكون بخطاب صادر من شخص كلف شخصا آخر بكتابته وإرساله إلى من وجه إليه. ونفس ما ينطبق على الكتابة ينطبق على الهاتف إذ أن جهاز الهاتف ينقل كلام المتحدث مباشرة وبدقة متناهية، حيث يسمع كلا المتحدثين كلام صاحبه بوضوح ولا يختلف الكلام فيه عن الكلام المباشر سوى وجود فاصل مكاني بينهما وعدم إمكان رؤية أحدهما للآخر، وإن كانت التكنولوجيا الحديثة قد توصلت إلى اختراع وسائل إلكترونية تنقل الصورة والصوت معا وكذا وجود كاميرا للكمبيوتر عندهما سويا. وبما أن العقد شريعة المتعاقدين وان الرضى يعتبر ركنا في جميع العقود والتصرفات وهو لا يظهر إلا بالتعبير عنه بالصيغة التي تدل عليه فسنرى موقف الفقهاء من الصيغة ومدى أهميتها في إبرام العقد.
 الصيغة في اللغة من الصوغ مصدر صاغ الشيء يصوغه صوغا وصياغة وصغته أصوغه صياغة وصيغة وهذا شيء حسن الصيغة "أي حسن العمل"[2]
واصطلاحا لم نعرف للفقهاء تعريفا جامعا للصيغة يشمل صيغ العقود والتصرفات والعبارات وغيرها ولكنه يفهم من التعريف اللغوي ومن كلام بعض الفقهاء أن الصيغة هي الألفاظ والعبارات التي تعرب عن إرادة المتكلم ونوع تصرفه.
يقول ابن قيم الجوزية إن الله تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفا ودلالة على ما في نفوسهم فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئا عرفه بمراده وما في نفسه بلفظه ورتب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ. ولم يرتب تلك الأحكام على مجرد ما في النفوس من غير دلالة فعل أو قول. والعبارة أعم من الصيغة في استعمال الفقهاء[3] .
والمراد بالصيغة الصورة الحسية التي يوجد العقد بوجودها في الخارج، فهي ما يصدر من المتعاقدين الذين يرغبان في إنشاء عبارة كاشفة عن إرادتهما. مظهرة لرغبتهما تقول: بعت أو اشتريت أو قبلت إلخ. أو بمعنى أوضح هي ما تظهر الإرادة به من لفظ أو ما يقوم مقامه. ومن المحتم أن تكون صيغة العقد واضحة قاطعة ليست مجرد وعد بالتزام أو مساومة. وإلا لا يحصل به بيع. ومن صور الوعد أن تقترن عبارة الإيجاب أو القبول بأداة التسويف كحرف السين أو سوف.
وقد تكون الصيغة لفظا. وقد تكون كتابة أو إشارة أو فعلا. فليس النطق هو الأصل. ولكن قد تقوم مقامه كل وسيلة أخرى اختيارية أو اضطرارية مما يمكن أن تعبر عن الإرادة الجازمة تعبيرا كافيا مفيـدا[4].
والكلام الصادر من أحد المتعاقدين أولا يسمى ايجابا، والصادر بعده بالموافقة من الطرف الثاني على الكلام الأول يسمى قبولا، أما الرابط بينهما فهو الاتصال الحقيقي أو الحكمي بين الايجاب والقبول.
شروط الإيجاب والقبول:
يشترط في الإيجاب والقبول شروطا ليتحقق الارتباط بينهما حتى إذا فقد شرط منهما لم ينعقد البيع ولا يترتب عليه شيء من الآثار وهذه الشروط هي:
1) توافق الإيجاب والقبول: ويحصل هذا التوافق باتحاد موضوع العقد حقيقة كما إذا قال البائع بعتك هذا بعشرة فقال المشتري قبلت بعشرين أما إذا بدأ المشتري فقال اشتريت هذه بعشرة فقال البائع قبلت بعشرين لا ينعقد البيع لأن المخالفة ليست في مصلحة الموجب[5]  .
2) اتصال القبول بالإيجاب: والمقصود أن يصدر القبول متصلا بالإيجاب في مجلس العقد. وإن كان المتعاقدان حاضرين دون أن يفصل بينهما فاصل فإذا كان أحدهما حاضرا والآخر غائبا فيجب على الغائب بمجرد وصول الإيجاب إلى علمه أن يظهر رأيه ليتصل قبوله بالإيجاب دون فاصل، وقد اختلف الفقهاء في المراد بالاتصال.
الجمهور: أن الاتصال يتحقق باتحاد المجلس فإذا صدر الإيجاب من أحد الطرفين فليس من اللازم أن يصدر القبول من الطرف الآخر فورا بل يجوز أن يتأخر في إصداره بعض الوقت ما دام المجلس قائما[6].
الشافعية: أن المراد بالاتصال أن يصدر القبول عقب الايجاب فورا من غير وجود أي فاصل كان ولو يسيرا في غير موضع العقد. فإذا لم يصدر القبول فورا لا ينعقد العقد. واعتبروا أن صدور أي شيء من الآخر في مجلس العقد قبل إظهار رغبته يكون فاصلا مانعا من تلاقي الايجاب والقبول. ويجعلونه بهذا منهيا المجلس العقد. فلو تكلم بأي كلام ليس متصلا بالعقد أو أحدث أي فعل بعد صدور الايجاب عدوه معرضا عن إيجاب الموجب[7].
وحجة الشافعية أن الإيجاب عرض ينتهي بمجرد صدوره عن صاحبه فإذا لم يوجد القبول بعده فورا لا يتحقق الاتصال والاقتران فلا يتم العقد.
أما الجمهور فقد احتجوا بان من يتوجه إليه الإيجاب قد يحتاج إلى مدة يتروى فيها حتى إذا وجد في إتمام العقد مصلحة له أصدر القبول وإلا لم يقبل.
المراد باتحاد المجلس:
الراجح أن المراد به اتحاد الزمان والوقت الذي يكون المتعاقدان مشتغلين فيه بالتعاقد فلا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل أجنبي بإعراض القابل عن الايجاب باشتغاله بشيء آخر غير العقد أو يرجع الموجب عن ايجابه قبل القبول.
ومن الفقهاء من يرى أن المراد باتحاد المجلس اتحاد المكان الذي ينشأ فيه العقد[8].
وعلى هذا قالوا لا ينعقد العقد بين ماشيين أو راكبين لشيء يستطيعان ايقافه عن السير لأن المجلس تغير بتغير المكان فصار مكان القبول غير مكان الايجاب فلا يحصل التلاقي بينهما.
ولكن الرأي الأول ارجح لأن أحد المتعاقدين قد يكون في مكان غير مكان الآخر كما في المتعاقدين بواسطة الهاتف أو بالمراسلة أو عبر الانترنيت. فإن التعاقد عبر هذه الوسائل هو زمن الاتصال فما دامت المحادثة في شأن البيع قائمة عد المجلس قائما، وإذا انتقلا إلى حديث آخر عد المجلس منتهيا وكذلك يكون المجلس إذا تعاقدا بواسطة إرسال رسول أو خطاب مكتوب وهو مجلس وصول الرسول أو وصول الخطاب المكتوب.
وبما أن التعاقد من خلال الوسائل الإلكترونية هو تعاقد إما عن طريق الكتابة او عن طريق المهاتفة فإنه يجدر بنا أن نبحث الحكم الشرعي في التعاقد عن طريق كل منهما:
المبحث الأول: حكم التعاقد بطريق الكتابة.
اختلف الفقهاء القدامى في حكم التعاقد بطريق الكتابة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من مالكية[9] وشافعية[10] وحنابلة[11] إلى أن الكتابة كالخطاب، فالتعاقد بها جائز سواء كان العقد بين حاضرين أم بين غائبين. وسواءا كان المتعاقدان قادرين على النطق أم عاجزين عنه لكنهم استثنوا من ذلك عقد النكاح لخصوصيته واشتراط الشهود فيه كما سبق بيانه وقد استدل هؤلاء على ما ذهبوا إليه بما يلي:
1) أن الكتابة هي وسيلة من وسائل التعبير عن الإرادة كالخطاب.
   2) ما ثبت بالأدلة الصحيحة القاطعة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل الكتابة وسيلة من وسائل نشر الدعوة الإسلامية فلقد خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤساء والملوك ودعاهم إلى الدخول في الإسلام عن طريق الكتابة[12]. فإذا كانت الكتابة صالحة لنشر الدعوة الإسلامية فكيف لا تكون صالحة لإنشاء العقود؟
القول الثاني: مذهب بعض الفقهاء وهو قول الشافعية[13] إلى انه لا يصح التعاقد بطريق الكتابة إلا لمن كان عاجزا عن النطق والكلام فقط. وقد استدل هؤلاء بما يلي:
أ) أن الكتابة ليست وسيلة من وسائل التعبير المعتبرة، حيث أنها تحتمل التزوير وإرادة تحسين الخط فقط. وعلى هذا الاحتمال لا تثبت بهما العقود التي تترتب عليها آثار كثيرة من حل وحرمة ومن انتقال الملكية ونحوه.
ب) أن وسائل التعبير عن الإرادة جاءت جميعها بالألفاظ. ولم يشتهر في عصر النبي صلى عليه وسلم إنشاء العقود بالكتابة غير أنه يستثنى من ذلك العاجز عن النطق الذي لا يجد حيلة إلى النطق ولا يهتدي إلا إلى الإشارة أو الكتابة [14].
القول الثالث: ذهب فقهاء الحنفية إلى أن الكتابة تنزل منزلة الخطاب بالنسبة للغائبين فقط ولم يستثنوا من ذلك حتى عقد النكاح كما سبق توضيح ذلك وبيانه.
موقف الفقهاء المعاصرين:
رأي مجمع الفقه الإسلامي:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410 الموافق 14- 20 أذار (مارس) 1990م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة ونظرا إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود ولسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط فيه اتحاد المجلس –عدا الوصية والإيصاء والوكالة- وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد الموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف قرر ما يلي:
أولا: إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول) وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
ثانيا: إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدا بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الدباجة.
ثالثا: إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابا محدد المدة يكون ملزما بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة وليس له الرجوع عنه.
رابعا: إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لأنه يشترط الإشهاد فيه. ولا الصرف لاشتراط التقابض. ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.
خامسا: ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات والله أعلم[15].
المبحث الثاني: حكم إبرام العقود مهاتفة.
من المعلوم أن جهاز الهاتف يقوم بنقل كلام المتحدث فيه مباشرة وبدقة متناهية حيث يسمع كلا المتحدثين كلام صاحبه بوضوح ولا يختلف الكلام فيه عن الكلام المباشر سوى وجود فاصل مكاني بينهما وعدم إمكان رؤية أحدهما للآخر –وإن كانت التكنولوجيا الحديثة قد توصلت إلى اختراع جهاز هاتف ينقل الصورة والصوت معا- وكذا في حالة وجود كاميرا للكمبيوتر عندهما سويا.
فالعقد بالمهاتفة كالعقد بين شخصين بعيدين لا يرى أحدهما الآخر، ولكنه يسمعه، يقول الإمام النووي: "لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف"[16]
ويستدل من كلام النووي رحمه الله أن العقد بين شخصين بعيدين لا يرى أحدهما الآخر ولكنه يسمعه أن بيعهما صحيح وهذا ينطبق أيضا على الهاتف.
أما عدم رؤية احدهما للآخر فليس له علاقة بصحة العقود أو عدمهما أو عدمها لأن المطلوب في باب العقود سماع الايجاب والقبول والتقاؤهما أو إدراكهما بأي وسيلة كانت[17] 
يقول الدكتور محمد عقلة ابراهيم: "ولأن فقهاءنا طالما منحوا هذا الحق في عقد بين غائبين فمنحهم هذا الحق في التعاقد من خلال الهاتف يكون من باب أولى لقربه من التعاقد بين حاضرين، ومثل هذا الحال في التعاقد بين حاضرين أمر مسلم به لدى الفقهاء القائلين بهذا الخيار[18] 
وهناك مسألة شبيهة بالتعاقد عبر الوسائل الإلكترونية مهاتفة من حيث تجدد مجلس العقد في كل منهما وعدم استقراره، وهذه المسألة هي التعاقد أثناء المشي أو المسير. جاء في الفتاوى الهندية: وإن تعاقدا على بيع وهما يمشيان أو يسيران على دابة واحدة أو دابتين فإن أخرج المخاطب جوابه متصلا بخطاب صاحبه تم العقد بينهما. وإن فصل عنه –وإن قل- فإنه لا يصح وإن كانا في محل واحد[19] .
ومن جانب آخر فإن الأساس في العقود هو صدور ما يدل على الرضى بصورة واضحة مفهومة كما تدل على ذلك نصوص الفقهاء والقانونيين. والعقد شريعة المتعاقدين. وذلك متحقق في المهاتفة حيث إن التعبير يتم من خلال اللفظ الذي هو محل الاتفاق بين الفقهاء. وما الهاتف إلا وسيلة لتوصيل الصوت فحسب، وليس وسيلة جديدة. فالقاعدة الأساسية في العقود تحقيق الرضى للطرفين والتعبير عنه وإظهاره بأي وسيلة مفهومة، كما أن العرف له دور أساسي في باب العقود. يقول ابن نجيم الحنفي: "واعلم أن اعتبار العادة والعرف يرجع إليه في الفقه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلا فقالوا في باب ما تترك به الحقيقة "تترك الحقيقة بدلالة الاستعمال والعادة"[20]      
يقول الدسوقي: "والحاصل أن المطلوب في انعقاد البيع ما يدل على الرضى عرفا[21].
وجاء في المجموع: "ولم يثبت في الشرع لفظ له –أي للعقد- فوجب الرجوع إلى العرف، فكل ما عده الناس بيعا كان بيعا[22].
ويقول ابن قدامة: "إن الله أحل البيع ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف[23].
والخلاصة أن اللفظ كما يقول الإمام الشاطبي: "إنما هو وسيلة إلى تحقيق المعنى المراد والمعنى هو المقصود[24].
المبحث الثالث: موقف القوانين الوضعية من التعاقد عبر الوسائل الإلكترونية.
لم يختلف فقهاء القانون في تحديدهم لطبيعة هذا العقد –أي التعاقد عن طريق الهاتف- عما ذهب إليه فقهاء الشريعة فقد قالوا إن هذا العقد هو عقد بين حاضرين من حيث الزمان وبين غائبين من حيث المكان[25].
والتعاقد عن ط ريق الكتابة أيضا أخذت به القوانين المعاصرة، ويغلب التعبير على ألسنة وأقلام القانونيين لقب التعاقد بالمراسلة أو التعاقد بين الغائبين[26].
ويقصدون بالمراسلة ما هو أشمل من ايفاد رسول يبلغ الطرف الآخر بإيجاب الموجب كما هو عند الفقهاء. فعند هؤلاء سواء يكون العقد قد تم عن طريق إيفاد رسول يبلغ الرسالة من هذا لذاك أو عن طريق المكاتبة بواسطة البريد أو عن طريق البرق أو التلكس أو ما يشبههما من وسائل الاتصال الأخرى[27].
وإذا استعرضنا نصوص بعض القوانين العربية سنجد أن التعبير بالكتابة عندهم يساوي التعبير بالقول وغيره كالإشارة ونحوها.
أولا: موقف قانون الالتزامات والعقود المغربي.
جاء في الفصل 23 من ق.ل.ع: الإيجاب الموجه لشخص حاضر من غير تحديد ميعاد يعتبر كأن لم يكن إذا لم يقبل على الفور  من طرف الأخر، ويسري هذا الحكم على الإيجاب المقدم من شخص إلى آخر بطريق التليفون.
وجاء في الفصل 24: "يكون العقد حاصل بالمراسلة تاما في الوقت والمكان اللذين يرد فيها من تلقي الإيجاب بقبوله والعقد الحاصل بواسطة رسول أو وسيط يتم في الوقت والمكان اللذين يقع فيهما رد من تلقى الإيجاب للوسيط بأنه يقبله. ونص الفصل 147 على ما يلي: "الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية أو عرفية، ويمكن أن ينتج أيضا من المرسلات والبرقيات ودفاتر الطرفين، وكذلك قوائم السماسرة الموقع عليها من الطرفين على الوجه المطلوب والفواتير المقبولة والمذكرات والوثائق الخاصة، ومن كل كتابة أخرى مع بقاء الحق للمحكمة في تقدير ما تستحقه هذه الوسائل من قيمة حسب الأحوال. وذلك ما لم يشترط القانون أو المتعاقدان صراحة شكلا آخر.
وجاء في قرار المجلس الأعلى: " ينص الفصل 29 من قانون الالتزامات والعقود على أن" من تقدم بإيجاب مع تحديد أجل للقبول يبقى ملتزما تجاه الطرف الآخر إلى انصرام هذا الأجل".
"ويتحلل من إيجابه إذا لم يصنه رد بالقبول خلال الأجل المحدد، وينص الفصل 24 من نفس القانون على أن العقد الحاصل بواسطة رسول أو وسيط يتم في الوقت والمكان اللذين يقع فيهما رد من تلقى الإيجاب للوسيط بأنه يقبله ولهذا تكون  محكمة الموضوع قد خرقت الفصلين المذكورين بسوء تطبيقها لهما عندما رفضت التصريح بصحة البيع رغم أنه ثبت لديها توصل الوسط بقبول عرض البيع خلال الأجل القانون". قرار عدد 316 بتاريخ 1969/06/15 ق.و.ق. عدد 102 ص: 49.
"إن الإيجاب الذي ينشأ عنه العقد بواسطة رسول أو وسيط والذي يتم بمقتضاه هذا العقد في الوقت والمكان اللذين يقع فيهما رد من تلقاه للوسيط بأنه يقبله طبق ما يقتضيه الفصل 24 في فقرته الثانية من قانون الالتزامات والعقود هو ذلك الإيجاب الذي ثبت  أنه صدر فعلا عن إرادة الموجب الحقيقي الملتزم لا الإيجاب الذي يصدر باسمه من طرف رسول أو وسيط دون إذن أو علم الموجب الحقيقي من غير موافقته عليه". قرار عدد 1344 بتاريخ 1992/05/18 في الملف المدني عدد 85/4 ق.م.ع عدد 46 ص: 115.
"إن العقد الحاصل بواسطة رسول أو وسيط يكون تاما في الوقت والمكان اللذين يرد فيهما من تلقى الإيجاب للوسيط بأنه يقبله". قرار عدد 3704 بتاريخ 1997/06/12 في الملف المدني عدد 95/9/1/2484 ق.م.ع. عدد 53 . 54 ص: 152.
 وورد في الفصل 428 ما يلي: تكون البرقية دليلا كالورقة العرفية إذا كان أصلها يحمل توقيع مرسلها أو إذا ثبت أن هذا الأصل قد سلم منه إلى مكتب البرقيات ولو لم يكن توقيعه عليه.
وتاريخ البرقيات دليل بالنسبة إلى يوم وساعة تسليمها أو إرسالها إلى مكتب البرقيات ما لم يثبت العكس.
 وعلى ضوء هذه الفصول يمكن تفسير مصطلح الكتابة الوارد فيه أنه يحتضن الكتابة الورقية والكتابة الإلكترونية.

العقـار المحفـظ:

إذ كان عقد البيع في الأصل عقدا رضائيا حسبما يستنتج من الفصل 488 من ق.ل.ع فإن المشرع أورد في الفصل الموالي استثناء على هذا الأصل حيث أوجب كتابه البيع الواقع على عقارات. وهكذا ورد في الفصل 489 من ق.ل.ع "إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ. ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون".
ويثار خلاف كبير على مستوى الفقه والقضاء حول طبيعة الكتابة في البيوع العقارية هل هي وسيلة للإثبات أم ركنا في العقد. وقد ظهر في هذا الصدد إتجاهان فقهيان: اتجاه يرى أن البيع الواقع على عقارات هو عقد رضائي مستندين على مبدأ سلطان الإدارة وحماية قواعد العدالة والانصاف وبالخصوص في بعض الحالات التي تتكون فيها لدى القضاء قناعة حقيقية بأن العقد موجود فعلا بين الطرفين ولكن اثباته متعذر لعدم وجود الدليل الكتابي.
ويرى هذا الاتجاه أيضا أن الفصل 489 يشترط الكتابة فعلا لاتمام البيوع العقارية إلا أنه يؤكد في نفس الوقت على أن الفصل المذكور لم يرتب أي جزاء على تخلف الكتابة وبالخصوص بطلان العقد.
أما الاتجاه الثاني فذهب إلى أن البيع الواقع على عقارات لا بد وأن يأتي في عقد مكتوب لأن الفصل 489 جاء واضحا وصريحا ولا يحتمل أن تأويل آخر.
وبالرجوع للقضاء المغربي نجده مساندا للاتجاه الأخير في العديد من قراراته، فقد جاء في قرار المجلس الأعلى يعتبر الرسم العدلي من الأوراق الرسمية حسب مقتضيات الفصل 148 من ق.ل.ع وأن المحكمة لما اعتبرت البيع الواقع بمقتضاه صحيحا تكون قد طبقت الفصل 489 من ق.ل.ع تطبيقا سليما، قرار عدد 527 بتاريخ 82/07/28 ق.م.ع عدد 31 ص: 52.
وجاء في قرار آخر إذا كان المبيع عقارا محفظا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ وإذا اختل هذا الركن الشكلي فإن البيع لا يقوم. إن المحكمة لما اعتمدت مجرد إقرار قضائي أمام المحكمة الجنحية لاثبات بيع عقار محفظ تكون قد خرقت الفصل 489 من ق.ل.ع وعرضت قرارها للنقض. قرار عدد 817 بتاريخ 1983/04/27 ملف مدني عدد 20228 م.ق.م.ع 75.
وفي قرار آخر: إذا كان الفصل 488 من ق. ل.ع يجعل البيع تاما وقائما بين طرفيه بمجرد تراضيهم على الثمن وشروط العقد الأخرى فإن الفصل 489 من نفس القانون يلزم لوجوب البيع إذا كان المبيع عقارا أن يرد في عقد كتابي ثابت التاريخ، وبما أن البيع ورد على عقار محفظ فإنه لا بد من اثباته بالكتابة الثابتة التاريخ. ولا يمكن اثباته بالشهادة أو القرائن، وأن المحكمة التي رفضت دعوى المدعي في طلب اتمام بيع عقارا اعتمادا على شهادة الشهود تكون قد طبقت الفصل 489 المذكور تطبيقا سليما قرار عدد 1098 بتاريخ 1991/05/08، غير منشور. قضاء المجلس الأعلى من قانون الالتزامات والعقود إلى غاية 2005 عبد العزيز توفيق.
 وبالنسبة للعقار الذي هو في طور الإنجاز فقد نص الفصل 3-618 من ق.ل.ع يجب أن يحرر عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز، إما في محرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة ويخول لها قانونها تحرير العقود وذلك تحت طائلة البطلان. يحدد وزير العدل سنويا لائحة بأسماء المهنيين المقبولين لتحرير هذه العقود.
وورد في الفصل 2-618 من ق.ل.ع يجب أن يتم بيع العقار في طور الإنجاز سواء كان معدا للسكنى أو للاستعمال المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي من طرف الأشخاص الخاضعين للقانون العام أو الخاص طبقا لأحكام هذا الفرع.
ثانيا: موقف القوانين العربية.
جاء في المادة 90 من القانون المدني المصري على أن التعبير عن الإدارة يكون باللفظ وبالكتابة والإشارة. وجاء في المادة 140 من المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري ما يلي: يعتبر التعاقد بالتليفون أو بأي طريق مماثلة كأنه تم بين حاضرين فيما يتعلق بالزمان وبين غائبين فيما يتعلق بالمكان.
وينص القانون المدني الإماراتي في المادة 132 على أن: "التعبير عن الإرادة يكون باللفظ أو الكتابة... أو بالإشارة المعهودة.
وجاء أيضا في القانون المدني الإماراتي مادة 143 ما يلي: يعتبر التعاقد بالهاتف أو بأي طريقة مماثلة بالنسبة للمكان كأنه تم بين متعاقدين يضمهما مجلس واحد حين العقد أما فيما يتعلق بالزمان فيعتبر كأنه تم بين حاضرين في المجلس".
ونصت المادة 97 من القانون المدني المصري على ما يلي: يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك.
وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون الإماراتي ما يلي "ولا يثير التعاقد بالهاتف أو بأية وسيلة مماثلة صعوبة إلا فيما يتعلق بتعيين مكان انعقاد العقد. فشأنه من هذه الناحية شأن التعاقد بين الغائبين الذين تفرقهم شقة المكان. ولذلك تسري عليه أحكام المادة السابقة الخاصة بتعيين مكان التعاقد بين الغائبين ويعتبر التعاقد بالهاتف قد تم في المكان الذي وصل فيه القبول ما لم يقم الدليل على عكس ذلك أما فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد فالتعاقد بالهاتف لا يفترق عن التعاقد بين الحاضرين فيعتبر التعاقد بالهاتف تاما في الوقت الذي يعلن فيه من وجه إليه الإيجاب قبوله.
ويترتب على إعطاء التعاقد بالهاتف حكم التعاقد بين الحاضرين فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد أن الإيجاب إذا وجه دون تحديد ميعاد لقبوله ولم يصدر القبول في المجلس سقط الإيجاب"
ولما كانت مسألة وقت تمام العقد بين الغائبين محل خلاف بين فقهاء القانون الوضعي فكانت لهم في ذلك أربع نظريات.
 النظرية الأولى: نظرية إعلان القبول.
 وتقضي بأنه إذا قبل من وجه إليه الإيجاب التعبير الصادر من الطرف الآخر تم العقد دون حاجة إلى تأخير ذلك إلى وقت لاحق.
النظرية الثانية: نظرية تصدير القبول.
والقائلون بها يقولون إنه لا بد لتمام العقد من اقتران القبول بإرسال ذلك القبول إلى الموجب، بمعنى أن العقد لا يكون تاما حتى يقوم من وجه إليه الخطاب بعد إعلان قبوله بعملية إرسال ذلك إلى الشخص الذي صدر منه الإيجاب.
النظرية الثالثة: نظرية وصول القبول.
يقول أصحاب هذا الاتجاه إنه لا يكفي لتمام العقد إعلان القبول والقيام بإرساله فقط. بل لا بد من وصول ذلك القبول إلى الشخص الموجب حتى يتم العقد.
النظرية الرابعة: نظرية العلم بالقبول.
يقول أصحاب هذه النظيرة إن العقد لا يكفي لتمامه إعلان القبول وإرساله ووصوله للشخص الموجب. بل لا بد لتمام العقد بين الغائبين أن يصحب ذلك كله علم الموجب بذلك القبول[28].
ولكل نظرية من هذه النظريات الأربع أنصارها ومؤيدوها، لكن الدكتور عبـد الرزاق الهيتي[29] رجح نظرية إعلان القبول وبرر ذلك بأمور أربعة.
1) الاختلاف طبيعة التعاقد بين الحاضرين والغائبين من حيث زمان العقد ومكانه، وعليه فإنه لا يمكن إلحاق التعاقد بين الغائبين بالتعاقد بين الحاضرين وإعطائه نفس الحكم في اشتراط علم الموجب بالقبول  بنفس المجلس الذي صدر ايجابه فيه، بل يكفي في ذلك مجرد قبول من وجه إليه الإيجاب وإعلانه عن ذلك في مجلس وصول الخطاب لأن العقد ينعقد باقتران القبول بالإيجاب وتحقيق ذلك بمجرد إعلان القبول في مجلس وصول الخطاب.
2) صعوبة تحديد وقت تمام العقد إذا قلنا بغير نظرية إعلان القبول، ذلك لأنه لا يمكن تحديد اللحظة التي يتم فيها إرسال القبول، أو لحظة وصوله أو العلم به، مما يجعل الأمر غير مستقر ومنضبط بل قد يؤدي على حصول الفوضى التي يجب أن تكون العقود والمعاملات بعيدة عنها.
3) إن الأخذ بنظرية إعلان القبول يؤدي إلى حسم المعاملات والبث فيها بأسرع وقت ممكن حيث يصبح العقد تاما وناجزا بمجرد إعلان القبول.
4) إن القول بنظرية إعلان القبول هو الذي يتفق تماما مع ما أجمع عليه فقهاؤنا كما سبق بيانه إلى حكم التعاقد عبر أجهزة الاتصال الحديثة في الشريعة عبد الرزاق الهيني ص: 59 وما بعدها.
وقد ظهر بجلاء أن القوانين المدينة في أغلب البلدان العربية تتفق تماما مع ما أقره الفقه الإسلامي من أن العقد من خلال الهاتف والوسائل الإلكترونية الأخرى المشابه هو عقد فوري يقتضي إعلان القبول فور صدور الإيجاب فإن تأخر ذلك القبول ولو قليلا جاز للموجب الرجوع عن إيجابه حتى ولو كانت المكالمة الهاتفية لا تزال مستمرة بينهما.        

 

 

 

 

 

 

 






 




 

 

 

 

 


 




خاتمة البحـث ونتائجـه


تطورت وسائل الاتصال تطورا كبيرا وكان آخرها الأنترنيت الذي يمكن من خلاله إجراء مكالمات هاتفية بالصورة فقط أو بالصورة والصوت معا، وفي هذه الحالة تصنف مع الأجهزة الناقلة للأصوات ومن أبرزها الهاتف ويمكن من خلالها أيض ا كتابة رسالة تعاقدية وتخزينها مع توجيهها إلى إرسال نسخة منها إلى الجهاز الثاني المرتبط بالمتعاقد الآخر أو بالبورصة، وفي هذه الحالة يمكن تصنيفها مع الأجهزة الحديثة الناقلة للحروف ومن أبرزها الفاكس.
وباستعراضنا لما مر حول عقود العقار عن طريق الوسائل الالكترونية نستنتج ما يلي:
     فيما يخص إبرام عقود البيع عبر الوسائل الالكترونية.
تعرضنا إلى أقوال الفقهاء في ذلك وقلنا إنهم اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: مذهب الجمهور من مالكية وشافعية وحنابلة وأيضا مجمع الفقه الإسلامي الذين قالوا بأن الكتابة كالخطاب وأن التعاقد بها جائز سواء بين حاضرين أم بين غائبين ولكنهم استثنوا من ذلك عقد النكاح لخصوصيته واشترط الشهود فيه.
القول الثاني: مذهب بعض الفقهاء الشافعية أنه لا يصح التعاقد بالكتابة إلا لمن كان عاجزا عن النطق والكلام فقط.
القول الثالث: مذهب الفقهاء الحنفية إلى أن الكتابة تنزل منزلة الخطاب بالنسبة للغائبين فقط ولم يستثنوا من ذلك حتى عقد النكاح كما سبق.
أما التعاقد عبر الهاتف فلم نجد للفقهاء أراء في ذلك إلا قول النووي لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف. وهناك أقول للفقهاء في الاعتماد على العرف فيما يتعلق بالرضى والتعبير عنه.
وفيما يتعلق بقانون الالتزامات والعقود المغربي فرغم تطرقه إلى مسألة التعاقد بواسطة الكتابة والتيلفون والبرقية كما سبق بيانه إلى أنه اعتبر هذه الوسائل مجرد أوراق عرفية.
فقد جاء في الفصل 418 من ق ل ع "الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد وذلك في الشكل الذي يحدده القانون.
وتكون رسمية أيضا:
1) الأوراق المخاطب عليها من القضاة في المحاكم.
2) الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية والأجنبية بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها".
وجاء في الفصل 428 تكون البرقية دليلا كالورقة العرفية إذا كان أصلها يحمل توقيع مرسلها أو إذا ثبت أن هذا الأصل قد سلم منه إلى مكتب البرقيات ولو لم يكن توقيعه عليه.
الفصل 427 المحررات المتضمنة لالتزامات أشخاص أميين لا تكون لها قيمة إلا إذا تلقاها موثقون أو موظفون عموميون مأذون لهم في ذلك.
وجاء الفصل 419 الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور.
وجاء في الفصل 420 الورقة الرسمية حجة في الاتفاقات والشروط الواقعة بين المتعاقدين وفي الأسباب المذكورة فيها وفي غير ذلك من الوقائع التي لها اتصال مباشر بجوهر العقد، وهي أيضا حجة في الأمور التي يثبت الموظف العمومي وقوعها إذا ذكر كيفية وصوله لمعرفتها وكل ما عدا ذلك من البيانات لا يكون له أثر.
ويبدو أن وسائل الاتصال الحديثة غير مضمونة النتائج في إبرام العقود. فقد ينقطع الاتصال فجأة عبر الهاتف أو الأنترنيت وقد يحصل تزوير في الصوت أو الصورة وهذا شيء معروف لكل من يتعامل مع الأنترنيت. وقد تدخل أنواع أخرى من الأنكحة التي حرمها الإسلام كنكاح المتعة وغيره. إضافة إلى أنه من الصعب حتى ولو فرضنا بوجوب الإشهاد أن يكون كلا من الزوجين والشهود متوفرون على هذه الوسائل وخاصة الأنترنيت. ثم كيف لنا أن نوثق صوتا يأتينا عبر الهاتف ونقرر أنه حصل الايجاب والقبول في نفس الزمان والمكان. ولهذا كانت المدونة على صواب حينما لم تتطرق إلى مسألة الزواج أو الطلاق عبر الهاتف لأنه يصعب تصنيف المكالمة الهاتفية هل هي ورقة رسمية أم عرفية.
وفي غياب النصوص التنظيمية وعدم انتشار الانترنيت بشكل واسع تبقى الصعوبة قائمة ما دام أن النصوص المنظمة حاليا للمحررات الرسمية لا تسمح باستعمال التقنيات الحديثة سواء في إبرام عقود الأحوال الشخصية أو عقود العقار.
والمشرع المغربي بفرضه الكتابة في البيع العقاري توخى المصلحة العامة ومصلحة ذوي الشأن وذلك لأن الكتابة تقلل من النزاعات المعروضة على المحاكم والأفراد وباعتمادهم الكتابة إنما يعدون الدليل مسبقا فينعدم أو يقل احتمال قيام نزاع. ولو صادف وقام نزاع فإنه يكون محسوما لصالح مالك الدليل الكتابي. ومن المعلوم وبحكم التجربة فإن العقار بصفة عامة يحظى بأهمية كبيرة وأولوية سواء عن على مستوى الدولة أو على المستوى الفردي فالمغربي مرتبط أشد الارتباط بأرضه ومسكنه فهما بالنسبة له إرث الأجداد قبل أن يكون ملكية خاصة أو وسيلة إنتاج.
والمشرع المغربي حينما يتدخل ليركز على قدسية هذا الحق فهو يكتفي بتقرير هذا الواقع ليس إلا. فالفصل 15 من الدستور المغربي نص على أن حق الملكية وحرية المبادرة الخاصة مضمونان قبل أن يضيف في فقرته الأخيرة على انه لا يمكن نزع الملكية إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون لذلك كان من اللازم تحصين هذا الحق من المنازعات التي تشوبه والتي تثقل عادة كاهل القضاء. 

    

 






[1] ) الاتصالات السلكية واللاسلكية في الوطن العربي ص: 337 ميسر حمدون سليمان.
[2] )معجم الألفاظ والمصطلحات 399/2 د/محمود عبد الرحمن عبد المنعم. 
[3] )نفس المصدر.. 400/2
[4] )انظر الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي ج 3 ص:3 وبدائع الصنائع للكساني 134/5
[5] )فتح القدير 77/5 وبدائع الصنائع 137/5
[6] )مواهب الجليل على مختصر خليل 240/4
[7] )انظر الخرشي 362/3
[8] )انظر فتح القدير 78/5 ومواهب الجليل على مختصر خليل 240/4
[9] )الخرشي على مختصر خليل 5/5
[10] )المجموع 177/9
[11] )كشاف القناع للبهوتي 148/3
[12] )صحيح البخاري مع فتح الباري. كتاب الجهاد 209/6
[13] )المجموع 177/9
[14] )مبدأ الرضا في العقود. لعلي محيي الدين القرداغي ص: 247.
[15] )مجلة مجمع الفقه الاسلامي عدد 6 ج 2 ص 785.
[16] )المجموع للنووي 181/9
[17] )مجلة الفقه مجمع الفقه الإسلامي ع 6 ص: 929
[18] )حكم التعاقد عبر أجهزة الاتصالات الحديثة في الشريعة الاسلامية ص: 23.
[19] )الفتاوى الهندية 7/3.
[20] )الأشباه والنظائر لابن  نجيم ص: 93.
[21] )الدسوقي على الشرح الكبير 4/3
[22] )المجموع 172/9
[23] )المغني لابن قدامة 483/3.
[24] )الموافقات للشاطبي 87/2.
[25] )الوسيط للسنهوري 239/1
[26] )نفس المصدر 237/1
[27] )مجلة مجمع الفقه الاسلامي عدد 6 ص: 820 .د. عبد الله محمد عبد الله
[28] )راجع الوسيط للسنهوري ص:238-239.
[29] )حكم التعاقد عبر أجهزة الاتصال الحديثة في الشريعة الاسلامية عبد الرزاق الهيتي ص: 59 وما بعدها.
تعليقات