القائمة الرئيسية

الصفحات



الرقابة على دستورية القوانين في قوانين محكمة العدل العليا والمحاكم النظامية في الأردن د.خالد الزعبي



الرقابة على دستورية القوانين  في قوانين محكمة العدل العليا والمحاكم النظامية في الأردن   د.خالد الزعبي




الرقابة على دستورية القوانين  في قوانين محكمة العدل العليا والمحاكم النظامية في الأردن   د.خالد الزعبي


الرقابة على دستورية القوانين
في قوانين محكمة العدل العليا والمحاكم النظامية في الأردن

د.خالد الزعبي



ملخص

 يرد الاساس التاريخي لنظرية الرقابة القضائية على دستورية  القوانين إلى اجتهاد المحكمة العليا في الولايات المتحدة ومضمون هذه النظرية يقتضي إعطاء كل محكمة صلاحية إعلان مخالفة القانون المطلوب تطبيقه في إحدى الدعاوي المقامة أمامها للدستور. وهذه النظرية أصبحت تلقي بظلّها على النظم القتانونية والقضائية المختلفة وأصبحت من مقتضيات مبدأ المشروعية وسيادة القانون واحترام مبدأ الفصل بين السلطات في ظل الدولة القانونية.
وفي الأردن، وإلى أن تنشأ محكمة دستورية، فإن محكمة العدل العليا مستندة لما تقرره من مبادئ قانونية عامة وإلى ما جاء به قانونها الجديد لسنة 1992 من جواز إبطال أي قرار أو إجراء مستند إلى قانون أو نظام مخالف للدستور، كما أن للمحاكم العادية دور كبير في هذا المجال باعتبارها صاحبة ولاية عامة في تطبيق مبدأ المشروعية وتوطيد مفهوم الدولة القانونية، وقد تصديّنا في الدراسة لجميع الموضوعات بشيء من التركيز والتحليل، كما أن البحث في هذا الموضوع كما قررته التشريعات المحددة لقوانين محكمة العدل العليا والمحاكم النظامية يتطلب دراسة من واقع الأحكام القضائية نفسها .
وكخلاصة للدراسة يتبيّن أن الأسلوب القائم في الرقابة على دستورية القوانين في الأردن فيما عدا ما جاء به قانون محكمة العدل العليا هو أسلوب الدفع الفرعي بعدم الدستورية لدى المحكمة المختصة بصدد منازعة معروضة عليها.

المقدمة

كانت صلاحية النظر في الدعوة الإدارية منوطة بمحكمة التمييز بوصفها محكمة عدل عليا، وذلك وفقاً لنص المادة العاشرة من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (26) لعام 1952 واستمر هذا الواقع حتى عام 1989 حيث صدر القانون المؤقت الذي أوجد محكمة العدل العليا بصفته المستقلة عن محكمة التمييز.     وفي شهر آذار عام 1992 صدر قانون المحكمة العدل العليا الأردنية رقم (12) لسنة 1992 الذي ألغى بصدوره القانون المؤقت رقم (11) سنة 1989 ويمثل هذا القانون بداية الطريق نحو نظام القضاء المزدوج في الأردن ويضع المادة (100) من الدستور الأردني التي نصّت بوجوب إنشاء محكمة عدل عليا موضع التطبيق .
وعلى الرغم من أن الطموح بإنشاء محاكم إدارية مستقلة، الذي رافق المسيرة منذ دستور 1952 لم يتحقّق بكل أبعاده في القانون الجديد من حيث إقرار الولاية العامة لمحكمة العدل العليا بنظر المنازعات الإدارية، وإقامة بناء متكامل لأجهزة القضاء الإداري في الأردن يستتبع إقامة محاكم إدارية متعددة، وإقرار تعدد درجات التقاضي، إلا أن القانون المؤقت لعام 1989 والقانون الجديد لعام 1992 لمحكمة العدل العليا يعتبران إضافة جديدة في بناء النظام القضائي الأردني تتمثل في تحقيق الشرعية الدستورية، والإيمان بإيجابيات القضاء المزدوج، كما أن إعادة صياغة اختصاصات المحكمة في القانون الجديد رغم بقائها في نطاق التحديد الحصري – عكس تطوراً إيجابياً عمّا كان عليه الوضع في ظل الاختصاصات المحددة في المادة العاشرة من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (26) لعام 1952، وفي القانون المؤقت لعام 1989.
وستحاول هذه الدراسة تناول واحد من اختصاصات محكمة العدل العليا المحددة في القانون الجديد وهو اختصاص المحكمة في الرقابة على دستورية القوانين، أو على نحو أدق اختصاص المحكمة في إلغاء أي إقرار أو إجراء صادر عن جهة الإدارة بموجب قانون يخالف الدستور أو نظام يخالف القانون أو الدستور (9/أ/6) واختصاص محكمة العدل العليا بنظر طعون الأفراد والمتضررين بطلب وفق العمل بأحكام قانون مؤقت مخالف للدستور أو نظام مخالف للقانون (9/أ/7) .
ومن الجدير بالذكر أن الاختصاص في صياغته وفيما يقرّره، ليس جديد في مضمونه، فقد أثير – بطريقة أو بأخرى – أمام محمة التمييز بصفتها محكمة عدل عليا – منذ إنشائها في الخمسينات.     إن هذا الموضوع بحكم تكوينه يجعله في موضع متوسط بين القانون الإداري والقانون الدستوري، ويتطلب عرضه التعرض للرقابة القضائية على دستورية القوانين عموماً وتناول القوانين المؤقتة من حيث سندها الدستوري وطبيعتها وشروط إصدارها .

بإيجاز لما قرّرته التشريعات المحدّدة لاختصاص محكمة العدل العليا بنظر الطعون في القرارات المستندة إلى تشريعات تخالف الدستور يتطلب تتبّع مسيرة العمل التطبيقي من خلال بيان المحطات الرئيسية عبر قراءة سريعة لقضاء محكمة العدل العليا في هذا الصدد، ما من شك في أن مقتضيات الدراسة تتطلب كذلك التعرّض بإيجاز واقتضاب شديدين لمؤسشسة القابة القضائية على دستورية القوانين عموماً وتناول القوانين المؤقتة من حيث سندها الدستوري وطبيعته وشروط إصدارها.
وإننا إذ نأمل أن نوفق في تناول أبعاد هذا الموضوع، وتقديم النافع المفيد لنأمل أن يكون جهدنا المتواضع بداية الانطلاق نحو الخوض تفصيلاً فيما يتصل ببناء واختصاص جهاز القضاء الإداري في الأردن .

الفصل الأول
نشأة الرقابة على دستورية القوانين وأساليبها

ويتناول هذا الفصل مبحثين – سنتناول في المبحث الأول نشأة الرقابة وماهيتها، وفي المبحث الثاني أساليب الرقابة على دستورية القوانين.


المبحث الأول
نشأة الرقابة على دستورية القوانين وماهيتها

يرد الفقه الغالب الأساس التاريخي لنشوء نظرية الرقابة القضائية على دستورية القوانين إلى اجتهاد المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية. وترتبط هذه النظرية بدور القاضي مارشال رئيس المحكمة الذي كان له أثر مباشر في إطلاق فكرة حق القضاء في بحث مدى موافقة القوانين والأعمال التشريعية والإدارية وكافة الأحكام للدستورية(1).
ويقتضي مضمون هذه النظرية إعطاء كل محكمة صلاحية إعلان مخالفة القانون المطلوب تطبيقه في إحدى الدوعاوي المقامة أمامها للدستور. ويقول الفقيه أندريه هوريو في تقدير الطريقة الأمريكية لرقابة دستورية القوانين : "إن حق التذرع بعدم دستورية قانون موجود مبدئياً، يمارس أمام كل المحاكم والهيئات القضائية،  إلا أنه نظراً لعدم الالتجاء إلى مثل هذه الحج في الدعاوى الكبرى فإن المحكمة العليا هي في الغالب التي تدعى إلى النظر في المسألة، وهذا يعطي سلطة كبرى لإعلان عدم الدستورية إجراءً إلغائياً للقانون، إذ يكتفي باستبعاد – من أجل الحكم في القضية المعروضة – تطبيق القانون المعلن بأنه غير دستوري(2).
إلا أن الواقع بصدد مدى أثر وحجية إعلان عدم دستورية قانون ما من قبل المحكمة العليا لا يجعله (أي الأثر) منحصراً في نطاق نسبي، أي بصدد الدعوى المعلن فيها قرار عدم الدستورية، بل نجده يمتد إلى دعاوى أخرى، ليس لأن إعلان عدم الدستورية له حجة مطلقة على الكافة، ولكن لأن النظام الانجلو – أمريكي يقيم للمسابقة القضائية حجة باعتبارها الحقيقة القانونية، فالنتيجة – كما يذكر الفقيه اندريه هوريو (تكون موازنة للإلغاء، فالقانون المعترف بأنه غير دستوري من قبل المحكمة العليا لا يطبق من جانب أي سلطة أخرى بحيث أن الوضع يشبه حالة الإلغاء الصريح)(3).

ويشير جانب من الفقه إلى أنه يمكن إيجاد نواة هذه النظرية في الدستور الفرنسي للسنة الثانية الثامنة من الجمهورية (1799) الذي كان قد جعل من مجلس الشيوخ المجلس الحالي للدستور فالاختصاص بمجلس الشيوخ بإجرائه الرقابة الدستورية على القوانين كان فريداً من نوعه، ورغم أن الققهاء ينسبون – كا سبق وقلنا – إلى المحكمة العليا في الولايات المتحدة المبادرة في إيجاد نظرية الرقابة على دستورية القوانين، إلا أن جانباً من الفقه ينازع هذه الحقيقة، مستنداً إلى أن الاجتهاد للمحكمة العليا التي كان مصدر استنباط هذه النظرية قد تم عام 1803، أي بعد أربع سنوات من صدور الدستور الفرنسي لعام 1799، وهو ما دفع هؤلاء الفقهاء إلى الافتراض أن القاضي (مارشال) رئيس المحكمة العليا كان مطّلعاً على الدستور الفرنسي ومحتوياته في ذلك الوقت في أنظار الفقهاء الأمريكيين كانت متجه إلى فرنسا وثورتها وأفكارها المشعة(4).
إن مجلس الدولة في فرنسا يملك رقابة الإلغاء على اللوائح والقرارات الإدارية، وأما محكمة النقض الفرنسية؛ فقد اتجهت في أحكام عديدة إلى أن محكمة الموضوع غير مطالبة بإيقاف النظر في الدعوى إذا ما أثير بدفع بعدم شرعية لائحة أو مرسوم، وأن "لأية محكمة أن تمتنع من تلقاء نفسها عن توقيع عقوبة واردة في أمر إداري إذا كان غير مستكمل شروطه الشكلية المطلوبة، حتى ولو كان الأمر عبارة عن لائحة أو مرسوم بقانون"(5).

وما ينطبق على النص الوارد في الأمر الإداري واللائحة أو المرسوم بقانون، ينطبق كما يرى من الفقرة (6) – المقدار نفسه وللأسباب نفسها على النص الوارد في القانون إذا كان مخالفاً للدستور، وكانت مخالفته واضحة لا تثير شبهة ولا لبساً(6).
وفي مصر، فإن محكمة النقض المصرية قبل أن ينص دستور 1971 على إنشاء المحكمة الدستورية العليا، وحتى بعد هذا التاريخ، قضت بحق القضاء العادي في مباشرة رقابة الامتناع عن تطبيق النص القانوني المخالف للدستور أو تطبيق النظام المخالف للقانون ومن قضائها الحديث نسبياً، أنه لما كان الدستور هو القانون الوضعي الاسمي صاحب الصدارة، كان على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه فإذا ما تعرضت هذه وتلك، وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها(7).
وعليه فإن محكمة النقض المصرية تقرر صراحة من حق القاضي في أن يرفض تطبيق أي قانون لعدم دستوريته .
أما محكمة القضاء الإداري، فقد قرّرت منذ القدم بأن القانون المصري لا يوجد فيه ما يمنع المحاكم المصرية من بحث دستورية القوانين سواء من ناحية الشكل أم من ناحية الموضوع، وفي حكم لها تقول المحكمة "إن المحاكم لا تعتدي على السلطة التشريعية ما دامت لا تضع بنفسها قانوناً ولا تقضي بإلغاء قانون ولا تأمر بوقف تنفيذه، وغاية الأمر أنها تفاضل بين قانونين تعارضاًن وإذا كان القانون العادي قد أهمل فمردّ ذلك في الحقيقة إلى سيادة الدستور العليا على سائر القوانين تلك السيادة التي يجب أن يلتزم بها كل من الشارع والقاضي على حد سواء"(8).
أما الاختصاص في مدى شرعية القرار الإداري أو النظام (اللائحة) أم نحوهما فقد كان ممنوحاً لمجلس الدولة المصري حتى عام 1969، واعتباراً من هذا التاريخ منح هذا الاختصاص لمحكمة أطلق عليه تسمية المحكمة العليا بالقانون رقم (81 لسنة 1969)، فقد نصّ هذا القانون في المادة الرابعة على أن المحكمة العليا تختص دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين إذا ما دفع بعدم دستورية قانون أمام إحدى المحاكم، هذا إضافة إلى اختصاص هذه المحكمة بالفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري في صورته الإيجابية والسلبية(9).
وفي عام 1971 صدر الدستور المصري الجديد وقرّر في المادة (174) إنشاء محكمة دستورية بدلاً من المحكمة العليا القائمة فعلاً تسمى "المحكمة الدستورية العليا" كما نصت المادة (175) على أن تتولى "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص التشريعية".
وقد حدّدت المادة (25) من القانون المحكمة الدستورية العليا اختصاص هذه المحكمة بما يلي :
1. الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.
2. الفصل في تنازع الاختصاص "السلبي والإيجابي" .
3. الفصل في تعارض الأحكام.

كما أضافت المادة (26) من قانون المحكمة إلى هذا الاختصاص، صلاحية المحكمة الدستورية العليا في تفسير نصوص القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور .
وتمارس المحكمة الدستورية العليا اختصاصها بالرقابة على دستورية والقوانين واللوائح من خلال إحالة المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أوراق أية دعوى يتراءى لها عدم دستورية نص في قانون أو  لائحة لازم للفصل في النزاع، وكذلك إذا دفع أحد الخصوم أمام المحاكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة التي تنظر الدعوى أن الدفع جدّي فعليها التوقّف عن النظر في الدعوى وإمهال الخصم مدّة لا تتجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا.
وأحكام المحكمة الدستورية العليا نهائية وغير قابلة للطعن، ويترتّب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه اعتباراً من اليوم التالي لنشر الحكم .
ولا يتّسع المقام هنا لتناول اختصاص هذه المحكمة وإجراءات الدعوى أمامها على نحو تفصيلي، ونكتفي بما أوردناه محيلين القارئ الكريم إلى المراجع التي تناولت قانون المحكمة الدستورية العليا واختصاصنا وطبيعة أحكامها(10).

المبحث الأول
أساليب الرقابة على دستورية القوانين

يمكننا القول – دوما تردّد – أن الرقابة على دستورية الوقانين تكون إما سياسية أو قضائية.

أولاً: الرقابة السياسية
وهي التي تباشرها هيئة ذات صفة سياسية ينص الدستور عليها ويعين اختصاصاتها في الرقابة، ويربط معظم الفقه بين هذا الأسلوب من الرقابة وبين الرقابة الوقائية التي تتم قبل صدور القانون من السلطة التشريعية ونفاذه.
على أن الرقابة السياسية تكون رقابة مسبقة، أي قبل صدور القانون من البرلمان، كما كان الحال في فرنسا في ظل دستور عام 1958.     الأمر الذي يتّضح منه أن الرقابة السياسية تنصب على القانون وهو في مرحلة التحضير والإعداد(11).
ويؤخذ على أسلوب الرقابة السياسية صعوبة تشكيل الهيئة التي تتولى هذه الرقابة لوجوب تمتّع هذه الهيئة بالاستقلال بالقدر الكافي إزاء السلطات العامة الأخرى في الدولة، كي يتسنى له القيام بالواجب الملقى على عاتقها على أكمل وجه، وذلك أن هذه الهيئة قد تتشكل بواسطة السلطة التشريعية سواءً من أعضاء تلك السلطة أو غيرهم مما يجعلها واقعة تحت تأثير السلطة التشريعية. كما قد تكون الهيئة تابعة للسلطة التنفيذية مما يجعلها أيضاً خاضعة تحت تأثير السلطة التنفيذية؛ الأمر الذي يفقدها ثقة السلطة التشريعية ما يستتبع نشوب الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
أما إذا تم تشكيل الهيئة بأسلوب الانتخاب المباشر من الشعب فيخشى أن تعتقد الهيئة أنها تمثل الشعب الذي انتخبها وأنها تعلو على جميع السلطات، فضلاً عما تنطوي عليه من حرمان للأفراد من حق الطعن بدستورية القوانين أم هيئة الرقابة السياسية .
نص الدستور الفرنسي الحالي في المادة (56)  منه على إنشاء مجلس دستوري مكون من أعضاء يعينون بحكم مراكزهم مدى الحياة وهم رؤوساء الجمهورية السابقين وتسعة أعضاء يعينون لمدة تسع سنوات يعيّن رئيس الجمهورية ثلاثة منهم كما يعيّن رئيس الجمعية العمومية ثلاثة أعضاء ويعين رئيس مجلس الشيوخ الثلاثة الآخرين ويتجدد ثلثهم كل ثلاثة سنوات. كما يعيّن رئيس الجمهورية رئيس المجلس من بين الأعضاء.
على الرغم مما تقدم فإنّ هذا لا ينفي أن ثمة محاسن للرقابة السياسية يمكن إجمالها بأنها تؤدي إلى الوقاية من خطر صدور قانون غير دستوري، وتظهر هذه الميزة جلية إذا ما عرفنا أن هذه الرقابة تمنع مخالفة الدستور من عند المنبع تطبيقاً لقاعدة الوقاية خير من العلاج، كما تنسجم أكثر مع طبيعة الآثار السياسية التي تترتب عليها؛ فالهيئة التي تختصّ بالرقابة على دستورية القوانين هي ولا شك أعلى هيئة في الدولة، تكون لها السيادة الفعلية ما دامت تستطيع الحكم على القوانين، الأمر الذي يفهم منه عدم إمكان صدور قانون مخالف للدستور؛ لهذا قيل بأن هذه الهيئة من الواجب أن تكون ذات صفة سياسية(11).

ثانياً: الرقابة القضائية
يكون تحريك الرقابة القضائية وممارستها لدستورية القوانين بأحد الأساليب التالية وهي الدعوى الأصلية أو الدفع الفرعي، أو الجمع بين الدعوى الأصلية والدفع الفرعي.
أ-  أسلوب الدعوى الأصلية :
ومؤدى هذا الأسلوب أن يخوّل الأفراد والهيئات وفقاً لشروط خاصة حق رفع دعوى مبتدأة بطلب إلغاء القانون الذي يخالف الدستور، فإذا ما صدر حكم بعدم دستورية قانون فإن الحكم يؤدي إلى إعدام القانون، وتصبح دعوى الدستورية شبيهة بدعوى الإلغاء التي يدفعها الأفراد أمام القضاء الإداري بطلب إلغاء القرارات الإدارية التي انطوت على مخالفة لأحكام الدستور.     ولكن يشترط لأعمال أسلوب الدعوى الأصلية في الرقابة على دستورية القوانين وجود نص صريح يبيح للقضاء هذا الحق.
ونحن نتمنّى على مشرّعنا الأردني أن يتضمّن بين نصوص تشريعاته نصاً صريحاً في الرقابة على دستورية القوانين مبيّناً أسلوب الدعوى الأصلية، على أن تكون الرقابة في مثل هذه الحالة لمحكمة دستورية متخصّصة للنظر في الطعون الخاصة بدستورية القوانين، وذلك لجعل عملية الرقابة فاعلة، ولكي نضمن لتلك المحكمة استقلالها عن غيرها من المحاكم، وحتى تلتزم سلطات الدولة الأخرى بمراعاتها لأحكام الدستور، بأحكام المحكمة الدستورية التي تصدر في هذا الصدد، وذلك للأسباب التالية :
1. أن نص الدستور على محكمة دستورية متخصصة وإنشاء هذه الأخيرة في حدود الهدف الذي أنشئت من أجله بحيث يجعل حكمها حاسماً للنزاع الدستوري بصفة نهائية الأمر الذي يتحقق معه الاستقرار في النظام القانوني على خلاف الرقابة عن طريق الدفع الفرعي التي تفتقر إلى هذه الميزة.     كما سنرى ذلك أن الحكم الصادر على المحكمة بالامتناع عن تطبيق القانون غير الدستوري تكون حجيته مقصورة على أطراف النزاع، وعلى الدعوى نفسها وأمام المحكمة نفسها متى كان النظام القضائي لا يأخذ بالسوابق القضائية(13).
2. أن رقابة دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية لا ينطوي على تعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات، ويتلافى الانتقادات التي تثور في إعطاء الرقابة للسلطة القضائية العادية باعتبار أن المحكمة الدستورية هي هيئة قضائية مستقلة، ينشئها الدستور للقيام بالمهمة المنوطة بها، وتكون أحكامها ملزمة لجميع سلطات الدولة(14).

ب-  الأسلوب الثاني : الدفع الفرعي بعدم دستورية القوانين
أن هذا الأسلوب ليس أسلوباً هجومياً كما هو الحال بالنسبة لأسلوب الدعوى الأصلية بل هو أسلوب دفاعي بمعنى أن المتضرّر من القانون غير الدستوري لا يذهب إلى المحكمة المختصة للطعن مباشرة في ذلك القانون، ولكنه ينتظر حتى يرد تطبيق القانون عليه في قضية معينة، ثم يقوم بالطعن فيه عن طريق الدفع بعدم دستوريته، فهذا الأسلوب لا يعطي القاضي التحقّق من دستوريته إلا إذا دفع الخصوم أمامه بعدم الدستورية.
وبعبارة أخرى تكون أمام القاضي دعوى مدنية أو تجارية أو جنائية، ثم يدفع لأحد الخصوم أثناء نظر تلك الدعوى ببطلان القانون أو القوانين التي يستند إليها الخصم الآخر، وتمتنع المحكمة المختصة بالفصل في النزاع موضوعياً عن تطبيق القانون، ولكن القانون من الناحية النظرية المجردة يبقى قائماً حتى يلغيه المشرع(15).
على أن الحكم الصادر من المحكمة بالامتناع عن تطبيق القانون غير الدستوري ليست له سوى حجّية مقصورة على أطراف النزاع، وعلى الدعوى وأمام المحكمة نفسها متى كان النظام القضائي لا يأخذ بالسوابق القضائية(16).
ويباشر القضاء هذا الأسلوب دونما حاجة لنص دستوري على نحو ما جار عليه في النظام القضائي الأردني بغياب النص الدستوري الذي ينظّم الرقابة على دستورية القوانين.

ج-  الأسلوب الثالث : الجمع بين أسلوب الدفع الفرعي والدعوى الأصلية
يقوم هذا الأسلوب على الجمع بين الأسلوبين السابقين، وأسلوب الجمع يتحقّق عند نظر دعوى معينة أمام إحدى المحاكم أياً كانت درجتها أو نوعها، فيدفع أحد الأفراد بعدم دستورية القانون المنوي تطبيقه في هذه الدعوى أمام المحكمة ذاتها الناظرة للنزاع، فتقوم المحكمة التي أثير أمامها هذا الدفع بتقدير مدى جدّية هذا الدفع، فإذا وجدته امتنعت عن الفصل في الموضوع ريثما تفصل المحكمة الدستورية المختصة بالدفع.
وقد تبنّى المشرع الكويتي في القانون رقم (14/1973) أسلوب الجمع بين الدفع الفرعي والدعوى الأصلية، فنصّ صراحة في المادة الرابعة من القانون المذكور بقوله "ترفع المنازعات للمحكمة الدستورية بإحدى الطريقتين:
أ-  بطلب من مجلس الأمة أو من مجلس الوزراء .
ب-  إذا رأت إحدى المحاكم أثناء نظر قضية من القضايا سواء تلقاء نفسه أو بناء دفع جدي تقدّم به أحد أطراف النزاع فإن الفصل في الدعوى يتوقف على الفصل في دستورية قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة نظر القضية وتحيل الأمر إلى المحكمة الدستورية للفصل فيه".

الفصل الثاني
موقف القضاء العادي من الرقابة على دستورية القوانين

تتعرض في هذا المبحث لدراسة موقف محاكم البداية والاستئناف والتمييز في الأردن من الرقابة على دستورية القوانين على النحو التالي :

أولاً: موقف محاكم البداية والاستئناف في الأردن من الرقابة على دستورية القوانين
رفضت محاكم البداية والاستئناف في المرحلة الأولى أعمال سلطتها في الرقابة على دستورية القوانين، فقد رفضت محكمة بداية القدس بسط رقابتها على دستورية القوانين، وذلك عندما أصدرت قرارها في القضية رقم (123/1952)  بتاريخ 25/6/1953، وقد استؤنفت هذه القضصية لدى محكمة استئناف القدس، وخلصت هذه المحكمة الأخيرة في حكمها إلى أنه لا يجوز التعرّض لشرعية القوانين والأنظمة طالما أصدرها المجلس المختص وصدّقها جلالة الملك، وليس من حق محكمتنا مناقشة دستورية القوانين.
وكذلك رفضت محكمة بداية عمان بسط رقابتها على دستورية القوانين في حكمها الصادر في القضية رقم (91/77)  بتاريخ 26/9/1966، وقد استؤنف هذا الحكم لدى محكمة استئناف عمان حيث أيّدت هذه المحكمة الأخيرة ما ذهبت إليه محكمة بداية عمان، وخلصت في حكمها إلى أن لا صلاحية للمحاكم النظامية في التعرض لدستورية القوانين(18).
ويتّضح لها من ذلك أن محاكم البداية والاستئناف في الأردن كانت ترفض بسط رقابته على دستورية القوانين كمرحلة أولى من مراحل تطوّر الرقابة على دستورية القوانين في الأردن، حيث كانت هذه المحاكم تستند إلى الحجج التقليدية للمعارضة في هذه الرقابة التي تقضي بأنها تنطوي على اعتداء على مبدأ سيادة الأمة.     وفي مرحلة لاحقة تطوّر موقف المحاكم المذكورة من الرقابة على دستورية القوانين، فقد ذهبت محكمة بداية عمان في القضية رقم (230/974) إلى "أن المحاكم النظامية هي التي تختصّ بمقتضى الدستور بالنظر في كافة المنازعات بين الأفراد، ولا يملك المشرّع أن ينقص بقانون شيئاً من هذه الولاية العام، كما لا تملك السلطة التنفيذية ذلك بنظام، وإلا كان في ذلك اعتداء على الدستور، وأن نص المادة (100)  من الدستور وإن أجاز للمشرع أن يعين اختصاصات المحاكم بقانون خاص إلا أن ذلك لا يعني سلب هذا النوع من الاختصاص(19).
ثم بعد ذلك، قرّرت محكمة بداية عمان، وبشكل أوضح، في القضية رقم (11/77)  عدم دستورية المادة العاشرة من قانون الأحداث رقم (23) لسنة 1968 وأباحت لنفسها بسط رقابتها على دستورية القوانين، حيث خلصت إلى أن المادة العاشرة من القانون المذكور تخالف أحكام المادة (101/2) من الدستور، وقرّرت – تبعاً لذلك – إجراء المحكمة بصورة علنية مخالفة بذلك منطوق المادة العاشرة من قانون الأحداث استناداً لعدم دستوريتها.     غير أن محكمة استئناف عمان بعد نظرها في هذه القضية نقضت الحكم من هذه الناحية، وفي المرحلة التمييزية أيّدت محكمة التمييز لحكم البداية وجاء في حكمها: "بما أن الدستور قد أناط بالمحكمة صلاحية إجراء المحاكمة سراً فإن ما ورد في المادة العاشرة من قانون إصلاح الأحداث من حيث إلزام المحكمة بإجراء المحاكمة سراً في جميع دعاوى الأحداث يغاير أحكام لمادة (101/2)  من الدستور وفي هذه الحالة تسود أحكام الدستور ويعمل بها دون القانون"(20).


ثانياً: قوانين محكمة التمييز من الرقابة على دستورية القوانين
يقتضي تحديد وتحليل موقف محكمة التمييز الأردنية من الرقابة على دستورية القوانين الوقوف على الأحكام القضائية الصادرة عنها .
وبالرجوع إلى القضية رقم (100/75) نجد أن هذه المحكمة قد ذهبت في حكمها إلى القول "أن اختصاص لجنة الأمن الاقتصادي كما هو مبين في المادة الخامسة من تعليمات الإدارة العرفية رقم (2) لسنة 1967 ينحصر في كافة القضايا والمسائل المالية والاقتصادية والمصرفية والجمركية التي تنشأ ولا تعالجها القوانين والأنظمة العادية بصورة مرضية، وتفصل فيها على الوجه وبالشروط التي تراها مناسبة لتأمين المصلحة العامة رغم أحكام أي تشريع آخر. وأن لجنة الأمن الاقتصادي حينما تمارس اختصاصاتها المبينة في المادة الخامسة من تعليمات الإدارة العرفية رقم (2) لسنة 1967 إنما تصدر قراراً إدارياً يفصل في المسألة المعروضة عليها من المسائل المنصوص عليها في هذه المادة، ولا تضع قاعدة عامة مجردة تعدّل فيها القوانين المعمول بها، وأن التشريعات العرفية محصورة بالتعليمات العرفية التي تصدرها السلطة المختصة وفقاً لأحكام المادة (125)  من الدستور، فإذا أصدرت لجنة الأمن الاقتصادي قواعد عامة تعدّل فيه القوانين النافذة أو تعدل اختصاص المحاكم فإنها تكون قد تجاوزت اختصاصاتها بمباشرة التشريع الذي هو من اختصاص السلطات التشريعية المبينة في الدستور، ويكون قرارها هذا مشوباً بعيب جسيم ومنعدماً ولا أثر (قانوني) له، وللمحاكم أن تشل آثاره ولا تعمل به استناداً لصلاحيتها في مراقبة دستورية القوانين ومن باب أولى مراقبة دستورية الأوامر العرفية.(21)
يتّضح لنا من هذا الحكم أن محكمة التمييز الأردنية تعترف بحق القضاء النظامي في الأردن في إعمال الرقابة على دستورية القوانين، ويتّضح ذلك من قول المحكمة "وللمحاكم أن تشل آثاره ولا تعمل به استناداً لصلاحيتها في مراقبة دستورية القوانين" .
وعلى الرغم من أن محكمة التمييز قد تواترت أحكامها في بسط رقابتها على دستورية القوانين، وحث المحاكم الأخرى على ممارسة حقها الطبيعي في هذه الرقابة، إلا أنّها اشترطت لإعمال هذه الرقابة أن تكون بوساطة أسلوب الدفع الفرعي الذي يقتضي أن يكون نظر المحكمة وبحثها في دستورية القانون إنما يكون بصدد دعوى أخرى منظورة أمام المحكمة بحيث يدفع أحد الخصوم بعد دستورية القانون المنوي تطبيقه عليه، وعندئذ يصار إلى بحث هذا القانون(22).
ونحن نؤيد ما ذهبت إليه محكمة التمييز في إقرارها لمبدأ الرقابة على دستورية القوانين ذلك أن إعمال الرقابة إنما يدخل في صميم العمل القضائي، وهو واجب عليه، ودونه يكون القاضي مخالفاً لأحكام الدستور، ذلك أن القاضي إنما يلتزم بصدد تطبيق القانون احترام القانون بمعناه الواسع الذي يقتضي احترام الدستور باعتباره أسمى القوانين، فإذا ما تعارض قانون أو نظام ما مع الدستور وجب على القاضي احترام القانون الأسمى وهو الدستور، وطرح جانباً كل ما يتعارض مع الدستور. ومن جهة أخرى؛  لا نرى وجهاً للقول بأن القوانين قد أقرها البرلمان، إنما هو تأكيد لمبدأ سيادة الأمة التي التزمت منذ البداية باحترام الدستور، وفي هذه الحالة يغدو كل قانون أو نظام مخالف للدستور إنما هو في حقيقة الأمر مخالفة لإرادة الأمة وسيادتها التي أرادت – كما قلنا منذ البداية – احترام الدستور.
ومن ناحية أخرى نجد أن القضاء وبالرجوع إلى المادة الخامسة عشرة من قانون استقلال القضاء رقم (45)  لسنة 1972 يقسمون عند تعيينهم وقبل مباشرتهم وظائفهم بقولهم: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للملك والوطن وأن أحكم بين الناس بالعدل وأن أحترم القوانين وأؤدي وظيفتي بكل أمانة وإخلاص وأن ألتزم سلوك القاضي الشريف".

ولا نعتقد بأي حال من الأحوال أن هذا القسم مجرد إجراء شكلي يقوم به القضاة عند تعيينهم، بل أن هذا القسم له قيمة دستورية واجبة الاحترام على الكافة.
أن الإخلاص للملك – على ما جاء بالقسم – إنما يكون باحترام الدستور، وعدم مخالفته، والعمل بأحكامه؛ الأمر الذي يقتضي تغليبه وترجيحه إن هو تعارض مع أي قانون أو نظام آخر، فضلاً على أن عبارة "وأن احترام القانون" الواردة في القسم إنما تنصرف إلى القانون بمعناه الواسع الذي يشمل أحكام الدستور، والذي نراه أن هذا القسم بكل معانيه وعباراته إنما جاء ليوثق عهداً من القاضي أمام اللله أن يحترم الدستور، ولا يكون هذا الاحترام إلا بسيادته على ما سواه من أعمال تشريعية.

الفصل الثالث
موقف محكمة العدل العليا من دستورية القوانين

الدستور هو مصدر السلطات جميعها، ووزع السلطات الثلا على الثلاث هيئات يقوم الفصل بينها على أساس احترام كلاً منها للمبادئ التي قررها الدستور ومحكمة العدل العليا(23).

المبحث الأول
رقابة محكمة العدل العليا على القوانين العادية

تباين موقف محكمة العدل العليا بصدد حقها في الرقابة على دستورية القوانين، وكما أسلفنا، فإن اقتصار نص المادة (10/3/ز) من قانون تشكيل المحاكم النظامية على حق المحكمة في النظر بإبطال أي قرار صادر بناءً على نظم مخالف للقانون أو الدستور، وعدم تعارض النص لحق المحكمة في إبطال أي قرار صادر سنداً إلى قانون مخالف للدستور، كان سبباً إضافة إلى اقتصار النص على إبطال الإجراء وليس القرار في تباين موقف المحكمة، لتقرر في بعض أحكامها عدم صلاحيتها للنظر في دستورية القوانين، وفي قرارات أخرى تجيز لنفسها هذه الصلاحية، بل وتمارسها لتقضي بعدم دستورية نصوص قانونية وردت في قوانين، قالت لمخالفتها للدستور ففي أول حكم لمحكمة العدل العليا بشأن الرقابة على دستورية القوانين، قالت المحكمة :"محكمة العدل العليا لم تُخوّل حق مناقشة دستورية القوانين سواء أكانت مؤقتة أم غير مؤقتة"(24).
وقد أعيد طرح مسألة رقابة محكمة العدل العليا على دستورية القوانين في عام 1967 حيث شهد هذا العام صدور قرارين جريئين للمحكمة : أولهما القرار الصادر في القضية رقم (75/67)، وهو خاص بقانون الانتخاب المؤقت وسنعرض له لاحقاً، والثاني هو القرار الصادر في القضية رقم (44/67) الذي يمثل نقلة نوعية في موقف المحكمة، لتقرر للمرة الأولى حقها للرقابة على دستورية القوانين في معرض دفع وكيل المستدعي بعد دستورية تعليمات الإدارة العرفية، وقالت المحكمة في هذا الشأن .
"يفهم من نصوص المواد (24-27)  من أن الدستور هو مصدر السلطات جميعها، وقد وزع السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات ثلاث فصل فيما بينها بصورة جعل استعمال السلطات لوظائفها ينظمه دائماً تعاون متبدل بينها على أساس احترام كل منهما للمبادئ التي قررها الدستور.

وإذا وضعت السلطة التشريعية تشريعاً غير دستوري لا تستطيع أن تجبر السلطة القضائية على تطبيقه دون الدستور، وإلا كان هذا اعتداء من السلطة التشريعية على السلطة القضائية، وكلتاهما مستقلة عن الأخرى، وكلتاهما خاضعة للدستور، ومن الواضع أن تشريعاً يصدر من جهة غير مختصة أو دون مراعاة لنص الدستور أو روحه فإن على المحكمة أن لا تطبقه فيما يعرض عليه من قضايا .
أن المحكمة تلتزم في تطبيقها للتشريعات المتفاوتة في القوة في تطبيق التشريع الأعلى عند تعارضه مع تشريع أدنى منه، وهي بذلك لا تعتدي على السلطة التشريعية ما دامت المحكمة لا تضع بنفسها قانوناً ولا تقضي بإلغاء قانون ولا تأمر بوقف تنفيذه، وغاية الأمر أنها تفاضل بين قانونين قد تعارضا، فتفصل في هذه المسألة وتقرر أيهما أولى بالتطبيق.
إن طبيعة التشريع الذي لا يجوز الخروج عنها هو أنه قاعدة عامة مجردة، وإذا خرج التشريع عن طبيعته كان باطلاً، وللمشرع في حدود الدستور سلطة التشريع، وسلطته هي الأصل تقديرية، وسلطته المحددة هي الاستثناء، وإذا جاوز المشرع سلطته التقديرية أو المقيدة في الدستور كان التشريع باطلاً لمخالفته للدستور(26).
واطردت بعد ذلك قرارات المحكمة العدل العليا التي تجيز لنفسها حق الرقابة على دستورية القوانين.     في القضية رقم (27/68)  حيث أثار وكيل المستدعي المادة (3)  من قانون مجلس الإعمار المتعلقة بمدة تعيين نائب رئيس مجلس الإعمار فقالت في هذا الصدد: "أن الفصل الوارد في المادة (3) من قانون مجلس الإعمار على تحديد مدة تعيين نائب رئيس مجلس الإعمار لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد هو نص يتعلق بكيفية تعيينه.     وكان يقتضي بحسب المادة (120)  من الدستور أن يتم ذلك بموجب نظام وليس بموجب قانون وبالتالي يكون هذا النص مخالفاً للدستور ولا يعمل به .
"أن نص المادة (3) من قانون مجلس الإعمار لا يطبق، لمخالفته أيضاً المادة (66/أ)  من نظام الخدمة المدنية التي نصت على أن التعيين في الدرجات الخاصة يكون بصفة دائمة(27).
وفي القضية رقم (73/68)  حيث أثار وكيل المستدعي عدم دستورية المادة (15) من قانون التقاعد، لأنها تنص على إحالة الموظفين للتقاعد في حين أن الدستور أوجب أن تنظم شؤون الموظفين بنظام سنداً للمادة (120). ورغم أن المحكمة اتخذت قراراً مخالفاً لما قررته في حكمها السابق المتعلق بقانون مجلس الإعمار، إذا لم تعتبر المادة (15)  من قانون التقاعد مخالفة للدستور إلا أن ما يهمننا هنا هو أن المحكمة قد بسطت رقابتها على دستورية القوانين في هذه القضية، وتقول المحكمة في هذا الصدد: "أنه وإن كان قانون التقاعد هو الذي نص على إحالة الموظفين على التقاعد خلافاً لأحكام الدستور التي أوجبت تنظيم شؤون الموظفين بنظام يصدر عن السلطة التنفيذية، إلا أن نظام الخدمة المدنية قد تبنى ما ورد في هذا القانون من حيث إنهاء خدمة الموظف بإحالته على التقاعد، ولهذا فإنّ قرار إحالة الموظف على التقاعد بالاستناد إلى نص المادة (15) من قانون التقاعد إنما هو تطبيق لأحكام نظام الخدمة المدنية وليس في ذلك مخالفته للمادة (120) من الدستور(28).
وأكدت المحكمة حقها بنظر دستورية القوانين في القضية رقم (157/771)  التي أثار فيها وكيل المستدعي عدم دستورية المادة (12)  من قانون إدارة القرى رقم (5)  لسنة 1954، وقالت المحكمة في هذا الصدد: "أن نص المادة (12) من قانون إدارة رقم (5) القرى لسنة 1954 والذي يجيز لوزير الداخلية إصدار أوامر يقرر بمقتضاها أصناف العوائد التي يجوز للمجلس القروي فرضها. ويقرر الحد الأعلى لهذه العوائد هو نص مخالف للمادة (31) من الدستور.

إن وضع الأنظمة اللازمة لتنفيذ القوانين هو من اختصاص مجلس الوزراء وتصديق جلالة الملك، فلا يجوز للسلطة التشريعية أن تفوض أو تحيل أمر تنفيذ أغراض المادة (12) من قانون إدارة القرى إلى أوامر يصدرها وزير الداخلية بدلاً من الأنظمة، فيكون نص المادة (12) المذكورة غير دستوري ولا يعمل به"(29).
ولم تستمرمحكمة العدل العليا على موقفها الإيجابي المتقدم، المنطلق من صواب، إعطاء نفسها حق الرقابة على الدستورية القوانين فقد تراجعت عن إعطاء نفسها هذا الحق لتقضي عام 1974، في القضية رقم (40/74) باقتصار اختصاصها على أبطال الإجراء الصادر بالاستناد إلى نظام يخالف القانون أو الدستور، فتقول في هذا الصدد : "تختص محكمة العدل العليا عملاً بنص المادة (10/3/ز) من قانون تشكيل المحاكم النظامية بالنظر في إبطال الإجراء الصادر بالاستناد إلى نظام مخالف للقانون أو الدستور، أما الإجراء الصادر بالاستناد إلى القانون فهي غير مختصة"(30).

المبحث الثاني
رقابة محكمة العدل العليا على الأنظمة

أما بشأن رقابة محكمة العدل العليا على الأنظمة، فقد تباين موقفها من حيث هي اعتبار الأنظمة الصادرة عن السلطة التنفيذية أعمالاً تشريعية لا يجوز الطعن فيها مباشرة أمام المحكمة، اما اعمالاً إدارية يمكن الطعن فيها مباشرة كما هو الحال في مختلف النظم القضائية الإدارية في العالم مثل (مصر، فرنسا وغيرها). فقد استقر اجتهاد القضاء المصري على أن الأنظمة الصادرة عن السلطة التنفيذية تعتبر قرارات إدارية عامة يجوز الطعن بها بصورة مباشرة، كما يجوز الفصل بأي قرار فردي صادر بالاستناد إلى هذه الأنظمة، وكل ذلك خلال مدد الطعن القانونية المقرّرة، كما أن من حق محاكم القضاء الإداري أن تتعرّض لشرعية القرار التنظيمي العام وهي في معرض بحث مشروعية القرار الإداري الفردي(31).
وفي أول قرار صادر عن محكمة العدل العليا بشأن قرار تنظيمي صادر عن السلطة التنفيذية، قرّرت في قرارها رقم (0/53) لسنة 1953، اعتبار القرار التنظيمي الصادر عن مجلس أمانة العاصمة والمصادق عليه من قبل مجلس الوزراء قراراً إدارياً يجوز الطعن فيه مباشرة أمام محكمة العدل العليا وقالت في هذا الصدد إن : "القرار الذي صدره مجلس أمانة العاصمة بفرض رسوم جديدة على الذبيحة ويصادق عليه مجلس الوزراء هو قرار تنظيمي صادر عن سلطة إدارية، وهو بذلك يعتبر من القرارات الإدارية، والطعن فيه يدخل ضمن اختصاص محكمة العدل العليا، وإذا كان القرار المطعون فيه الصادر عن مجلس أمانة العاصمة والمصدّق من مجلس الوزراء لم يقتصر على تعديل الرسوم المنصوص عليها في قانون البلديات وإنما فرض رسوماً جديدة عن خدمات أخرى، فإن هذا القرار باطل، لأن الأمانة لا تملك صلاحية فرض رسوماً جديداً لم ينص عليها القانون. فالقرار الإداري لا يجوز العمل به إلا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية لأنه لم يصدر عن السلطة التشريعية حتى تطبّق عليه أحكام المادة (93)  من الدستور التي تجيز العمل بأي قانون من التاريخ الذي يعين فيه"(32).
ونلاحظ من خلال القرار السابق وما سنبينه من قرارات المحكمة اللاحقة، إن محكمة العدل العليا، كأنها تميّز بين القرارات التنظيمية الصادرة عن السلطة التنفيذية وبين الأنظمة التنفيذية رغم إجماع الفقه والقضاء الإداري على أن ما يصدر عن السلطة التنفيذية، أما قرارات تنظيمية عامة تتضمن قواعد مجردة (قرار تنظيمي – لائحة – نظام) أو قرارات فردية لا تتضمن قواعد عامة مجردّة، وتجيء تطبيقاً للقانون أو النظام. وباستثناء هذا القرار الوحيد، نجد محكمة العدل العليا قد أطردت أحكامها على عدم جواز الطعن مباشرة بالنظام المخالف للقانون أو الدستور، وأن صلاحيتها تنحصر في إبطال الإجراء الصادر بالاستناد إلى نظام مخالف للقانون أو الدستور، فتقول مثلاً في القضية رقم (105/56) لسنة 1957: "إن إجراء طرح العطاء لتلزيم تحصيل الرسوم الذي تمّ بمقتضى نظام مخالف للقانون، يعتبر إجراءً باطلاً حقيقياً بالإلغاء عملاً بالبند (ز) من الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من قانون تشكيل المحاكم النظامية.
إن محكمة العدل العليا لا تملك صلاحية إلغاء الأنظمة المخالفة للقوانين، وإنما يقتصر صلاحيتها فيما يختص بذلك على إبطال الإجراءات التي تصدر بموجب هذه الأنظمة، إذ أن الإجراء الصادر بموجب نظام مخالف للقانون لا يخرج عن كونه قراراً إدارياً ضمن مفهوم القرارات الإدارية المنصوص عليها في البند (ج)  من الفقرة الثانية المشار إليها"(33).
وكما نلاحظ فقد اعتبرت المحكمة الإجراء قراراً إدارياً خلافاً لما هو مقرّر فقهً وقضاءً وخلافاً لموقفها من وجوب أن يكون القرار المطعون فيه قراراً إدارياً نهائياً، ولعلّ هذا مردّه – كما أسلفنا – الإشارة نص المادة (10/3/ز)  من خلال استخدام تعبير إجراء.
وفي القضية رقم (126/77)  أكدت محكمة العدل موقفها المتقدم حيث قالت : "لا تملك محكمة العدل العليا صلاحية إبطال النظام وإنما تنحصر صلاحيتها في إبطال الإجراء الصادر بموجب النظام"(34).
وفي حكم حديث للمحكمة صدر عام 1986، أكّدت موقفها المتقدم بقولها : "لا يجوز أن ينص نظام على حكم يخالف القانون الذي صدر النظام بالاستناد إليه، كما لا يجوز إجراء تصرّف بالاستناد إلى نظام يخالف القانون"(35).
وفي هذا القرار الأخير، رغم تأكيد المحكمة على عدم جواز مخالفة النظام للقانون إلا أنها لم تبطل النظام بل ألغت التصرف المستند إلى نظام مخالف للقانون.
وما من شك في أن قضاء محكمة العدل العليا بشأن الرقابة على الأنظمة قضاء منتقداً، جرياً على ما هو مقرر فقهاً وقضاءً إذ تعتبر الأنظمة أعمالاً إدارية، وجرياً على ما أخذت به محكمة العدل من حيث اعتماد المعيار الشكلي لتمييز القرارات الإدارية عن الأعمال التشريعية فمن الصائب أن تقبل محكمة العدل دعوى الطعن المباشرة بالأنظمة، تمارس صلاحية إلغائها إذا ما خالفت القوانين أو الدستور.

المبحث الثالث
الرقابة على دستورية القوانين المؤقتة

وفقاً لما يقتضي به مبدأ الفصل بين السلطات، وطبيعة بناء النظام النيابي البرلماني فإن السلطة التي تملك على نحو أصيل، صلاحية إصدار التشريعات هي السلطة التشريعية (ممثلة بالملك ومجلس الأمة – النواب والأعيان) وقد نظّم الدستور الأردني ذلك في الفصل الخامس (المواد 62-69) .
إلا أنه وجريا على ما هو مستقر في مختلف النظم الدستورية – على تفاوت فيما بينها – منحت السلطة التنفيذية حق التشريع في حالات محدّدة بموجب الدستور، فأجازت الدساتير للسلطة التنفيذية حق ممارسة وظيفة التشريع، ويمكن رد صلاحيات السلطة التنفيذية في هذا المضمار إلى طائفتين:
الأولى: حق التشريع فيما يقتضيه السير العادي للإدارة، ويعد كما يقول الأستاذ الطماوي "من مستلزمات الوظيفة الإدارية"(36). وهو اختصاص أصبح أصيلاً سنداً لهذا الأساس، ويدخل في نطاق حق السلطة التنفيذية في إصدار الأنظمة التنفيذية للقوانين التي تضعها السلطة التشريعية (المادة 31 من الدستور الأردني)(37)، وحقّها في إصدار الأنظمة المستقلة في موضوعات قرّرها الدستور حصرا لاعتبارات متصلة بوجود السلطة التنفيذية في ميدان العمل والاتصال المباشر بالمواطنين.
وكذلك لأن الموضوع الذي تنظمه الأنظمة المستقلة متصل ومتعلق بعملها ونشاطها المادة (114)  من الدستور الأردني الخاص بالأنظمة الموضوعية لمراقبة تخصيص وإنفاق الأموال العامة وتنظيم مستودعات الحكومة، والمادة (120) الخاصة بالتقسيمات الإدارية والموظفين العموميّين).

أما الثانية:  فهي الطائفة التي تصدر في ظروف استثنائية وهي في جوهرها – على ما يجمع عليه الفقه – خروج على اختصاص السلطة التنفيذية ولا تعتبر من جوهر الوظيفة الإدارية، وتتباين الدساتير بصددها، وهي على نوعين، أما لوائح ضرورة أو لوائح تفويضية، لا يوجد محل لمثل هذه الأخيرة في النظام الدستوري الأردني)، وليس المقام هنا التعرّض للأنواع المتقدّمة من الأنظمة ودراستها تفصيلياً، وغاية الأمر أن نبيّن موقع القوانين المؤقتة في الدستور الأردني في الإطار المتقدّم من صلاحيّات السلطة التنفيذية.
وتعد القوانين المؤقتة من قبل ما يعرف بأنظمة أو لوائح الضرورة(38)، ويرى الفقه الغالب أنها تمثّل اعتداءً على مبدأ الفصل بين السلطات، وإذا كان من مبرّر عملي يقتضي منح هذه الصلاحية للسلطة التنفيذية فلا بد من التعامل مع هذه الصلاحية في نطاق ضيّق كونه صلاحية استثنائية لا يجوز التوسّع فيها، ويجب تقييدها بجملة من المحدّدات والشروط.

وقد نص الدستور الأردني على حق السلطة التنفيذية في إصدار القوانين المؤقتة في المادة (94) والتي جاء فيها :
"1-  عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة في الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل، ويكون لهذه القوانين المؤقتة التي يجب أن لا تخالف أحكام هذا الدستور قوة القانون على أن تعرض على المجلس في أول اجتماع يعقده، وللمجلس أن يقرّ هذه القوانين أو أن يعدّلها.     أما إذا رفضها فيجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلانها فوراً، ومن تاريخ ذلك الإعلان يزول مفعولها على أن يؤثر ذلك في العقود والحقوق المكتسبة.

2-  يسري مفعول القوانين المؤقتة بالصورة التي يسري فيها مفعول القوانين بمقتضى حكم الفقرة الثانية من المادة 93 من هذا الدستور".
ويتبيّن لنا من النص السابق أن الدستور الأردني تطلب توافر شروط أربعة لممارسة السلطة التنفيذية صلاحية إصدار القوانين المؤقتة، وهذه الشروط تمثل قيوداً على هذا الاختصاص باعتباره اختصاصاً استثنائياً وليس أصيلاً. ونتناولها تالياً بشكل مقتضب ومركز.

القيد الزمني :
حدّدت المادة (94)  من الدستور القيد الزمني على مباشرة السلطة التنفيذية إصدار القوانين المؤقتة بقولها (عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً)، وقد تباين تفسير الفقهاء لدى هذا القيد الزمني، ففي حين يرى جانب من الفقه(39) أن تفسير النص المانح لهذا الاختصاص يجب أن يكون ضيّقاً، باعتباره اختصاصاً استثنائياً. ولذلك تقتصر مباشرته من حيث الزمن على الفترة ما بين أدوار انعقاد مجلس الامة وفترة الحل، وسنداً لهذا، لا يرى أصحاب هذا الرأي جواز أو صحة ممارسة هذه السلطة في حالة إرجاء اجتماع مجلس الأمة (م78/1/من الدستور)(40). أو في حالة تأجيل جلسات مجلس الأمة (م81/من الدستور)(40).
وهناك اتجاه آخر لدى جانب من الفقه(41) يرى أن الأرجاء لا يحرم مجلس الوزراء من إصدار قوانين مؤقتة، لأن المجلس لا يزال غير منعقد، أما التأجيل فإن المجلس يكون منعقداً وغاية الأمر أن جلساته قد تأجلت، ويسهل دعوته للانعقاد، فلا يجوز تبعاً لذلك إصدار قوانين مؤقتة في فترة التأجيل.
وقد ذهبت محكمة العدل العليا إلى ما يخالف الرأيين المتقدّمين، إذ أخذت بالتفسير الواسع لمدلول عدم الانعقاد أو الحل، وسنبين موقف المحكمة فيما بعد.

قيد الضرورة – الظروف الاستثنائية :
نصّ الدستور على هذا القيد "يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة في الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل".
ويتبيّن من هذا القيد أن القوانين المؤقتة يجب أن تصدر في حالة الضرورة، وأن تكون هذه الحالة مما يجب اتخاذ التدابير التي لا تحتمل التأخير حتى انعقاد مجلس الأمة، وتقدير مدى توافر حالة الضرورة هو سلطة تقديرية للسلطة التنفيذية، تمارسه تحت رقابة البرلمان عند عرض القانون المؤقت على مجلس الأمة في أول اجتماع له بعد صدور القانون.
وقد ذهبت محكمة القضاء الإداري المصري في حكم لها صادر بتاريخ 23/12/1954 إلى "أن قيام الضرورة الملحّة لإصدار المراسيم بقوانين (لوائح الضرورة)، من قبل السلطة التنفيذية، فيما بين أدوار الانعقاد عملاً بنص المادة (41) من الدستور 1912(42) أمر متروك للسلطة التنفيذية تقدّره تحت رقابة البرلمان بحسب الظروف والملابسات القائمة في كل حالة، وليست هناك مقاييس منضبطة للتحقّق من قيام تلك الضرورة"(43).
وحول تقدير رقابة السلطة التشريعية لشرط الضرورة يقول أستاذنا الطماوي : "أن هذا مما تمليه طبيعة العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، باعتبار أن استصدار لوائح الضرورة من غير الضرورة، يتضمن اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية، كما أن الضرورة مسألة مرنة كما تقول محكمة القضاء الإداري.     ومن ثم يجب أن يترك تقديرها لرقابة السلطة التشريعية نفسها وإذا كان هذا أمر تحتمه الضرورة الاعتبارات العلمية، إنه ينتهي إلى إهدار هذا الشرط عملاً، كما نلاحظ في ظل دستور سنة 1923"(44). أما محكمة العدل العليا في الأردن، فقد ذهبت في قضائها إلى أنها لا تملك حق الرقابة على توافر شرط الضرورة، وهو اتجاه منتقد من غالبية الفقه لتعارضه مع المبادئ العامة للقانون الإداري.     وسنبيّن موقف المحكمة والآراء حول ما ذهبت إليه بهذا الصدد من هذا القسم المخصّص لقضاء المحكمة بشان الرقابة على القوانين المؤقتة.

قيد العرض على مجلس الأمة :
اشترط الدستور أن تعرض السلطة التنفيذية القانون المؤقت أو القوانين المؤقتة التي وضعتها على مجلس الأمة في أول اجتماع له(45).
ويشترط الدستور الفرنسي دعوة البرلمان مباشرة لغرض القانون عليه، في حيث أن الدستور المصري الحالي 1971 يميّز بين حالتين، حالة ما إذا كان المجلس قائماً فيتطلب الدستور عرض القرارات بقوانين، عليه خلال 15 يوماً من تاريخ صدورها، وحالة ما إذا ما كان المجلس منحلاً أو كانت جلساته قد أوقفت، فيتطلّب الدستور في مثل هذه الحالة أن تعرض (القوانين بقوانين) على مجلس الشعب في أول اجتماع له(46).
وعرض القانون المؤقت على مجلس الأمة لا يعني بالضرورة أن يوافق عليه المجلس في أول اجتماع له، وإنما تكون السلطة التنفيذية قد أوفت بالتزاماتها بمجرّد عرض هذه القوانين في هذا الاجتماع الأول الذي يعقده مجلس الأمة، والسلطة التنفيذية غير ملزمة بعرض القوانين المؤقتة في جلسة غير عادية، لأن الجلسات الاستثنائية أو غير العادية تكون عادة محدودة الهدف والغاية، ولا يبحث مجلس الأمة في الدورة الاستثنائية إلا في المواضيع الواردة في الإرادة الملكية التي بموجبها يُدعى الملجس للانعقاد، وإذا نظر المجلس في القانون المؤقت المعروض عليه أو أقرّه مجلس الأمة كما ورد بإدخال بعض التعديلات عليه أصبح قانونا دائما،  وفي حالة رفض مجلس الأمة  للقانون المؤقت يعلن مجلس الوزراء بموافقة الملك بطلان القانون المؤقت ويزول مفعوله اعتباراً من تاريخ ذلك الإعلان. على أن لا يؤثر في العقود والحقوق المكتسبة. أما إذا أصدر قانون عادي في الأمور التي نظّمها القانون المؤقت فيزول مفعول القانون المؤقت حسبما قضت بذلك محكمة العدل العليا(47).

قيد عدم مخالفة الدستور:
يعبر جانب من الفقه عن هذا القيد، بقيد المدى، وقد نصّت المادة (94)  من الدستور في إطار تنظيمها لحق السلطة التنفيذية بوضع القوانين المؤقتة على هذا القيد بقولها "ويكون لهذه القوانين المؤقتة التي يجب أن لا تخالف أحكام هذا الدستور قوة القانون".
ويرى الفقه في الغالب أن هذا الشرط من قبيل لزوم ما يلزم، إذ أن كل تشريع يجب أن لا يخالف أحكام الدستور، وسنرى موقف محكمة العدل العليا من الرقابة على هذا القيد تفصيلاً، باعتباره الموضوع الأساس لهذه الدراسة (رقابة محكمة العدل على دستورية القوانين) .
ويثار تساؤل حول إمكانية أن تتناول القوانين المؤقتة الأمور التي أوجب الدستور تناولها بقانون، ونجد الفقه قد اختلف في هذه المسألة، فذهب اتجاه وفي مقدمته أستاذنا الطماوي، إلى أن "السلطة التنفيذية تستطيع أن تنظّم بهذه اللوائح "القوانين المؤقتة"، كل ما يمكن أن ينظّمه القانون العادي، كفرض عقوبة أو ضريبة(48). ويعلّل موقفه هذا بقوله : "رغم نبل الاعتبارات التي يصدر عن الرأي – ويقصد الرأي الذي يذهب إلى عدم صحة تنظيم القانون المؤقت في الأمور المحجوزة للقوانين العادية بموجب الدستور – فإنه لا يمكن الدفاع عنه في ظل النصوص الحاضرة، لأن نص المادة (147)(49) من الدستور الحالي والمواد القابلة له في الدساتير السابقة قد أطلقت اختصاص رئيس الجمهورية في هذا الخصوص.
وخلافاً للرأي المتقدّم، يذهب جانب من الفقه، وفي طليعته أستاذنا السنهوري إلى أنه لا يجوز أن يتناول التشريع المؤقت الأمور التي نصّ الدستور صراحة أن تعالج بقانون(50).

هذا وللقوانين المؤقتة وفقاً لما قرّرته المادة (94) قوّة القانون فيما تنظمه، وتسري القوانين المؤقتة بالصورة التي تسري فيها القوانين العادية بمقتضى المادة (93) من الدستور ويتمّ ذلك بإصدار القانون من جانب الملك ومرور ثلاثين يوماً على نشره في الجريدة الرسمية إلا إذا نصّ القانون على سريانه من تاريخ آخر .

المبحث الرابع
اختصاص محكمة العدل العليا بالرقابة على دستورية
القوانين المؤقتة وفقاً للقانون الجديد

كما سبق وأشرنا لم يتضمّن قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (71)  لسنة 1951 أو قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (26) لسنة 1952 أو قانون محكمة العدل العليا المؤقت رقم (11) لسنة 1989، أي نص بشأن اختصاص محكمة العدل العليا بالرقابة على دستورية القوانين المؤقتة، فكما تبيّن لنا من استعراض المواد التي حدّدت اختصاص محكمة العدل بشأن الرقابة على دستورية القوانين، نجد أنه منذ عام 1952 وحتى صدور القانون الجديد لمحكمة العدل عام 1992 اقتصرت صلاحية المحكمة على إبطال الإجراءات / القرارات (وفق قانون رقم 11 لسنة 1992) فقد نصّ البند السادس من الفقرة (أ) من المادة التاسعة على اختصاص محكمة العدل العليا بنظر (الطعون التي يقدّمها أي متضرّر بطلب وقف العمل بأحكام أي قانون مؤقت مخالف للدستور أو نظام مخالف للقانون أو الدستور.
ومن تحليل النص المتقدّم، نجده قد نصّ على صلاحية المحكمة بالنظر في دعاوى مباشرة يرفعها المتضررون (لوقف العمل) بأحكام قانون مؤقت مخالف للدستور أو نظام صادر تنفيذاً لقانون مؤقت مخالف للقانون أو الدستور.
فما الذي سعى القانون الجديد لتجديده بعبارة (وقف العمل) ؟ هل هو اعتراف من المشرّع بأن القوانين المؤقتة أعمال إدارية صادرة عن السلطة التنفيذية كالقرارات الإدارية يجوز الطعن فيها مباشرة وطلب وقف العمل بها؟  أم أن تأكيد على أنها أعمال تشريعية استناداً إلى عدم منح المحكمة حق إلغاءها إلى جانب وقف العمل بأحكام القانون المؤقت المخالف للدستور.
والتعبير المتقدّم يحمل على المعنيين، وهو اتجاه توفيقي بين المعيار الشكلي – الذي يعتبر القوانين المؤقتة أعمالاً إدارية – خاصة أن المحكمة تتبنى المعيار الشكلي في التمييز بين القرارات الإدارية والأعمال التشريعية(51)، وبين المعيار الموضوعي، الذي اعتنقته المحكمة سنداً له بأن القوانين المؤقتة والأنظمة الصادرة بمتقضاها من حيث تبيان دستوريتها، وسواءً تمسّكت المحكمة بوقف العمل بأحكام القانون المؤقت محل الطعن لعدم الدستورية أم قضت بإلغائه سنداً لأنه عمل إداري فإن القانون الجديد أوجد واقعاً دستورياً جديداً بتقريره هذا الحق لمحكمة العدل العليا، أولاً: لأنه مسلك متّفق مع المبادئ العامة للقانون الإداري، وثانياً، للتباين الكبير بين أحكام محكمة العدل بصدد حقّها في بسط الرقابة على القوانين المؤقتة لهذا الاختصاص (وهو ما سيكون موضوع بحثنا القادم).


الفرع الأول
رقابة محكمة العدل على القيود المقررة دستورياً
على وضع القوانين المؤقتة.

فيما يتصل بالقيد الزمني  (أن يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً) فقد أعطت المحكمة لنفسها حق تفسير المقصود بعبارات الدستور بشأن غيبة المجلس، وقد جاء تفسيرها واسعاً أدّى إلى امتداد حق السلطة التنفيذية لإصدار القوانين المؤقتة إلى حالات الإرجاء والتأجيل خلافاً لموقف الفقه، وللمبادئ القانونية العامة التي توجب تفسير نصوص الاختصاصات الاستثنائية بأضيق الحدود. قالت المحكمة بصدد ذلك : "حيث أن نص المادة (94) من الدستور قد اشترط صدار القوانين المؤقتة من قبل السلطة التنفيذية أن يكون مجلس الامة غير منعقد.
وحيث أن مجلس الأمة لا يكون منعقداً في فترة التأجيل المنصوص عليها في المادة (81) من الدستور، فإن من حق مجلس الوزراء بموافقة جلالة الملك وضع قوانين مؤقتة خلال هذه الفترة(52).
أما بالنسبة لشرط الضرورة (الظروف فقد استقر قضاء محكمة العدل على عدم حقها ببسط رقابتها على هذا الشرط، وهو موقف منتقد من وجهتين، الأولى : أن المحكمة أجازت لنفسها تفسير المقصود بعبارة "أن يكون المجلس غير منعقد أو منحلاً"  واتخذت قراراً من شأنه في توسيع مدلول القيد المقرر في الدستور ولم تجز لنفسها بسط رقابتها على شرط الضرورة الذي يمثل حجر الزاوية في القيود المفروضة على القوانين المؤقتة، أمّا الوجهة الثانية فإن رفض المحكة لبسط رقابتها على شرط الضرورة بالاستناد إلى أن مجلس الأمة هو المرجع المختص للرقابة على شرعية القوانين المؤقتة كلياً، هذا يناقض المبادئ القانونية العامة، والتي كانت المحكمة قد قضت فيها بحقّها ببسط رقابتها على دستورية القوانين المؤقتة.     تقول المحكمة بصدد شرط الضرورة (الظروف): "لقد استقر اجتهاد محكمة العدل العليا على أن قيام حالة الاستعجال لإصدار القوانين المؤقتة في غيبة مجلس الأمة أمر متروك تقديره لمجلس الوزراء تحت رقابة البرلمان، كما أن الفقه قد استقر على ذلك، لهذا فإن محكمة العدل العليا لا تملك حق الرقابة المتعلق بحالة الاستعجال"(53).
أما بشأن مدى الموضوعات التي يجوز أن يتناولها القانون المؤقت بالتنظيم، فقد قررت المحكمة بهذا الصدد: "أن الفقه والقضاء انعقد على أن القانون المؤقت يستطيع أن يتناول بالتشريع ما يتناوله القانون العادي من مواضيع، كما يجوز أن يجعل لها أثراً رجعياً طبقاً لنص المادة (93)"(54).
وبهذا تكون المحكمة قد أجازت إطلاق يد السلطة التنفيذية لتعالج من خلال القوانين المؤقتة جميع الموضوعات على إطلاقها حتى تلك التي حجزت من خلال النص الدستوري أن تنظّم بقوانين عادية، وأسبغت المحكمة على القانون المؤقت قوة فعليّة إذ أكّدت أن أي إجراء يتم بموجب القانون وقبل إلغائه أو تعديله يكون إجراء قانونياً، بل أكّدت المحكمة أن الحقوق التعاقدية التي أنشأها القانون من حقه (أي القانون المؤقت) تعديلها في أي وقت ذلك ما يمكن اعتباره مصادرة لأي حق(55).
ولا يتسع المقام لتناول جميع أحكام المحكمة بشأن القيود المفروضة على وضع القوانين المؤقتة (القيد الزمني الظروف)، ونكتفي بما تقدم ونوجزه بما يلي :
1. أن محكمة العدل العليا بسطت رقابتها على القيد الزمني، وفسّرت عبارات الدستور بما يوسع صلاحية السلطة التنفيذية في إصدار القوانين المؤقتة من حيث فترات غيبة مجلس الأمة .
2. أن محكمة العدل العليا، منعت نفسها من بسط رقابتها على شرط الضرورة (الظروف) باعتبار أنّ تقدير توافر حالة الضرورة يعود للسلطة التقديرية لمجلس الوزراء تحت رقابة الأمة .
3. أن محكمة العدل العليا أكدت على حق السلطة التنفيذية بتنظيم جميع الموضوعات التي تتناولها القوانين العادية من خلال تناولها في قوانين مؤقتة .

وكما نلاحظ من هذا الإيجاز، فإن موقف المحكمة متنقد ونؤيد إلى ما ذهب إليه الدكتور محمود حافظ بهذا الصدد .
"لذا نرى أنّ المحكمة قد جانبت الصواب في هذا الشأن، وأنّ الرقابة القضائية بالنسبة لشرط الضرورة كما بالنسبة لسائر الشروط، هي مكمّلة لرقابة البرلمان ولا تتعارض معها، بل أنها تعتبر ضماناً أقوى لأعمال مبدأ الشرعية، لأنها تمارس من جانب جهة محايدة مستقلة بعيداً عن التأثر بالاعتبارات السياسية، وهي رقابة قانونية لأنها تمارس بواسطة هيئة قانونية متخصّصة في حين أن المجالس النيابية هيئات سياسية(56). أما بشأن قيد عدم مخالفة القوانين المؤقتة للدستور،  فهو محل الدراسة في المبحث الثاني،  بإعتبار أن هذا القيد بعيد عن الرقابة الدستورية على القوانين المؤقتة

الفرع الثاني
قضاء محكمة العدل العليا في الرقابة على دستورية القوانين المؤقتة

انطلقت محكمة العدل العليا في جميع أحكامها التي أصدرتها بمنع نفسها من بسط رقابتها على دستورية القوانين المؤقتة، من قاعدة اعتبار القوانين المؤقتة أعمالاً تشريعية، وهي بذلك تقرّر عدم جواز الطعن لهذه القوانين بالإلغاء أمام المحاكم، وموقفها – كما أشرنا سابقاً – يتعارض مع:
1. ما استقر عليه الفقه والقضاء الإداري من اعتبار (اللوائح الضرورة – القوانين المؤقتة -القرارات بقوانين – مراسم القوانين) أعمالاً إدارية (ذات صفة تشريعية).
2. ويتعارض موقفها كذلك مع ما استقر عليها قضاءها من حيث الأخذ بالمعيار الشكلي لتمييز القرارات الإدارية عن الأعمال التشريعية، ووفقاً لهذا المعيار فإن القوانين المؤقتة تعتبر أعمال إدارية لا تشريعية لصدورها عن السلطة التنفيذية، تقول المحكمة في هذا الصدد.
1- في الأوقات التي يكون فيها مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً يختفي مبدأ الفصل بين السلطات مؤقتاً وتجمع السلطة التنفيذية إلى جانب مهام الإدارة وظيفة التشريع.
2- أن القوانين المؤقتة التي تصدرها السلطة التنفيذية تعتبر في الواقع من قبيل الأعمال التشريعية التي يمكن الطعن فيها بالإلغاء أمام محكمة العدل العليا(57).

وقضت كذلك :
"إن كون القانون الذي استند إليه الإجراء المطعون به هو قانون مؤقت لا يجعل محكمة العدل العليا مختصة بإلغائه وذلك لأن القانون المؤقت له قوة القانون بالاستناد إلى المادة (94) من الدستور، ولا يؤثر على قوة القانون المؤقت كون المادة (94)  قد اشترطت أن لا يخالف الدستور، لأن هذا الشرط موجود بداهةً وضماناً في أي قانون سواء كان قانون مؤقتاً أو قانون دائماً".
أن مناقشة القانون في كونه مخالفاً للدستور أو غير مخالف له هو دخول في الموضوع لا تختصّ محكمة العدل العليا في النظر فيه"(58).
وعكس ما تقدّم، أجازت المحكمة لنفسها بسط رقابتها على دستورية القوانين المؤقتة فقرّرت في القضية رقم (35/61) ما يلي(59):
"نصت المادة (94) من الدستور على أنه يجب أن لا تخالف القوانين المؤقتة أحكام الدستور.
لا يعمل بالنص الوارد في القانون المؤقت إذا كان مخالفاً لأحكام الدستور.
إذا اشترط نص الفقرة (ج) من المادة (17) من قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم (24/1960) في المرشّح أن يكون قد أتمّ الثلاثين من عمره في أول كانون الثاني من السنة التي يجري فيها الانتخاب، واشترطت المادة (70) من الدستور في عضو مجلس النواب أن يكون قد أتم ثلاثين سنة شمسية من عمره بحيث يُقبل الترشيح فلا يعمل بالاشتراط الوارد في الفقرة (ج) من المادة (17) من قانون الانتخاب المؤقت المخالف لأحكام الدستور".

ومما تقدّم بيانه، نجد أن محكمة العدل قد تردّدت من حيث إقرار حقها بالرقابة على دستورية القوانين المؤقتة. إن قضاءها قد استقر على عدم حقه في ذلك، ومن المنطق في ظل نص المادة (9/أ/7) من قانون محكمة العدل العليا الجديد – أن تبسط المحكمة رقابتها على القوانين المؤقتة، وكلّنا أمل – ونحن بانتظار صدور رأي المحكمة في هذه المسألة – أن تطال رقابة المحكمة القيود المفروضة على القوانين المؤقتة، وكذلك أن تطال الرقابة على دستورية القوانين المؤقتة والأنظمة الصادرة بمقتضاها، لجهة وقف العمل بأحكامها كما حدّد ذلك قانون المحكمة الأخير، أو لجهة القضاء الحكم بإلغائها إذا ما تطور اجتهاد المحكمة باعتبار القوانين أعمالاً إدارية يجوز الطعن فيه مباشرة بالإلغاء .

بعض الجوانب التطبيقية لمحكمة العدل العليا من بعض القوانين :
1. موقف محكمة العدل العليا من قانون الصحافة :
بعد إلغاء رخصة جريدة الدفاع في عام 1971 طعن أصحاب هذه الجريدة بهذا القرار استناداً إلى عدم دستورية المادة (62) من قانون المطبوعات رقم (16) لسنة 1955 وهي المقابلة للمادتين (16،  23) من قانون رقم (33) لسنة 1973، غير أن محكمة العدل العليا ردّت بالدعوى وجاء في حكمها : "يتضح من نص المادة (62) من قانون المطلبوعات أن قرار مجلس الوزراء بإلغاء رخصة أية مطبوعة يعتبر قراراً نهائياً غير قابل للطعن، ولا يخالف هذا النص أحكام المادة (15) من الدستور، ذلك لأن هذه المادة لم تجعل حرية الصحافة مطلقة من كل قيد، بل أوجبت أن تكون هذه ضمن حدود القانون"(60).
وفي تقديري، أن هذه القرارات المحصنة كانت تمثل العصا التي كانت تهدد حرية الصحافة في الأردن، وتنطوي على اعتداء على حرية الكلمة والتعبير الحر للأفراد، كما أنها تنطوي على مصادرة لحق التقاضي الذي ضمنه الدستور في المادة (101). والنسبة لحرية الصحافة فقد ضمنها الدستور في المادة (15) حيث نصت : "تكفل الدولة حرية الرأي لكل أردني".

2. موقف محكمة العدل العليا إلى أن "النص الوارد في قانون البلديات المعدّل رقم (5) لسنة 1963 على عدم خضوع قرار مجلس الوزراء المتضمن حل مجلس البلدية وتعيين لجنة تقوم مقامه لأي طريق من طرق الطعن هو نص، يوجب ردّ الدعوى المقدّمة أمام محكمة العدل العليا لعدم اختصاصها(61).
3. موقف محكمة العدل العليا من قانون الأحزاب السياسية رقم (15) لسنة 1955 :
بحثت محكمة العدل العليا قضية الأحزاب السياسية بصدد الطعن المقدّم بقرار مجلس الوزراء الذي رفض طلب ترخيص حزب البعث العربي الاشتراكي، وقرّرت المحكمة إلغاء القرار دون أن تتعرّض للمادة (11) من قانون الأحزاب السياسية رقم (15) لسنة 1995، وهذا يعني أن محكمة العدل العليا أباحت لنفسها إلغاء القرارات المحصنة من الطعن وقضت بعدم دستوريتها، حيث ذهبت محكمة العدل العليا في أحد أحكامها "اشتمال دستور الحزب على العبارات التالية (الوطن العربي وحدة لا تتجزأ ولا يمكن لأي قطر من الأقطار العربية أن يستكمل حياته منعزلاً عن الآخر حيث حزب البعث العربي اشتراكي نضالي يؤمن بأن أهدافه الرئيسية في بعث القومية العربية وبناء الاشتراكية لا يمكن أن تتم إلا عن طريق النضال). هذه العبارات لا تدلّ بشكل من الأشكال على أن أهداف الحزب المذكور مقاومة لنظام الحكم القائم وكيان الدولة"(61).

4. موقف محكمة العدل العليا من دستورية قانون الدفاع :
رفعت دعاوى عديدة لدى محكمة العدل العليا للطعن في القرارات الصادرة بموجب قانون الدفاع وأنظمته، وقد حاول المحامون في هذه الدعاوى استصدار قرارات من محكمة العدل العليا بعدم دستورية قانون الدفاع عن شرق الأردن لعام 1953 بعد أن صدر الدستور الأردني في عام 1952، غير أن قضاء محكمة العدل العليا قد استقر على خلاف ذلك حيث جاء في أحد أحكامها بأنه "يعتبر قانون الدفاع لا يزال ساري المفعول حتى يصدر أمر سام بتوقيف العمل به، وأن جلالة الملك وحده هو صاحب حق تقدير وجود الطارئ أو عدم وجوده ولا تستطيع محكمة العدل العليا أن تتصدى لهذا التقدير".

5. موقف محكمة العدل العليا من دستورية تعليمات الإدارة العرفية :
في بداية الأمر قضت محكمة العدل العليا بدستورية تعليمات الإدارة العرفية حيث تواترت أحكامها في مجال القضاء الإداري على الاعتراف بدستورية تعليمات الإدارة العرفية ومنها المادة (20) من هذه التعليمات التي أوقفت العمل في أحكام المادة العاشرة من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (26)  لسنة 1952 والتي نصّت على اختصاصات محكمة العدل العليا وذلك باستثناء البندين (أ، ب)(26).
وفي مرحلة لاحقة تطوّر موقف محكمة العدل العليا حيث أصبحت تعلّق دستورية القرارات الصادرة بمقتضى تعليمات الإدارة العرفية على الهدف أو الغاية من هذه التعليمات: فإذا كانت هذه القرارات تهدف إلى المحافظة على سلامة المملكة كانت هذه القرارات دستورية وإلا حكمت بإلغائها، وقد كانت البداية الأولى الحكم رقم (44/67) الذي سبقت الإشارة إليه وتحليل ما توصلت إليه المحكمة .
وترسيخاً للاتجاه الجديد للمحكمة قضت محكمة العدل العليا بعدم دستورية القرارات الإدارية التي تجاوزت الهدف من التعليمات العرفية قالت : "وبناء على ما تقدم، فإن المحكمة تجد في تنسيب الحاكم العسكري العام لمجلس الوزراء على إعادة تعيين المستدعي قرينة قضائية قاطعة في الدلالة على الاعتقاد بترجيح أن الحاكم العسكري العام قد تطرّق له الشك بعدم صحة المعلومات التي استند إليها المستدعي ووجد عدلاً إنصافه بتنسيب جواز إعادة استخدامه، وقد استجاب مجلس الوزراء الذي يرأسه الوزراء وهو نفسه الحاكم العسكري العام".
كما تجد المحكمة بالشهادة الصادرة من الجهة الأمنية قرينة قضائية على أنه لا أساس لقناعة الحاكم العسكري بأن للمستدعي نشاطاً ماساً بأمن الدولة، إذ أن المخابرات العامة التي تتبع رئيس الوزراء وهو الحاكم العسكري العام المرجع المختص بالتحرّي وجع المعلومات والتحقيق مع كل من يبدي نشاطاً ماساً بأمن الدولة ووضعه تحت المراقبة، فالتهمة بالغة الخطورة، وعلى كل مسؤول إخبارها بكل ما يصل إليه من معلومات حول أي نشاط ماس بأمن الدولة لتتخذ إجراءاتها قبله. هذا وقد صدرت هذه الشهادة بعد شهر من صدور قرار العزل، فلو كان ما تضمنه القرار المذكور أو ما تضمنته الشهادة عن رئيس الوزراء أصل ثابت لكانت دائرة المخابرات العامة على علم به، أو كانت هي التي توصي بالعزل، وإذا لم تكن ملفاتها قد حوت معلومات حول نشاط المستدعي الماس بأمن الدولة فعلى من حصل عليها أن يزودها لتباشر إجراءاتها ضد المستدعي، وهي على الأقل موضوعة تحت المراقبة".




الخاتمة

وتظل مسألة رقابة دستورية القوانين تلقى بظلّها على النظم القانونية والقضائية المختلفة فمقتضيات مبدأ المشروعية وسيادة القانون واحترام مبدأ الفصل بين السلطات واحترام التدرّج ف القواعد القانونية من حيث قوتها، كل ذلك يقتضي منح السلطة القضائية حق الرقابة على دستورية القوانين في ظل الدولة القانونية.
أما بشأن الواقع في الأردن، فإلى أن تنشأ المحكمة الدستورية التي نص عليها الميثاق الوطني الأردني، فإن محكمة العدل العليا مستندة إلى ما تقرّره من المبادئ القانونية العامة (الدستورية والإدارية) بشأن الرقابة على دستورية القوانين، وإلى ما سبق واتخذته من مواقف جريئة وصائبة في العديد من قراراتها – سبق الإشارة إليها – مستندة في هذه المرحلة إلى ما جاء به قانونها الجديد (رقم 12 لسنة 1992) من جواز إبطال أي قرار أو إجراء مستند إلى قانون مخالف للدستور أو نظام مخالف للقانون أو الدستور، وكذلك وقف العمل بأحكام أي قانون مؤقت مخالف للدستور أو نظام مخالف للقانون أو الدستور. كما أن للمحاكم العادية دوراً كبيراً في هذا المجال باعتبارها في النهاية صاحبة ولاية  عامة في تطبيق مبدأ الشرعية وتوطيد مفهوم الدولة القانونية.
ونحن من جانبنا نؤيد بصفة عامة حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين بطريق الدفع الفرعي بعدم دستورية القوانين والامتناع عن تطبيق المخالف للدستور طالما أن المشرع الدستوري الأردني قد استبعد الرقابة السياسية والرقابة القضائية عن طريق الدعوى الأصلية باستثناء ما جاء في قانون محكمة العدل العليا الجديد .
فمبدأ سمو الدستور يعني أن الدستور بما فيه من أحكام هو القانون الأعلى من بين القوانين في الدولة ولا يتحقق لهذا السمو أي قيمة قانونية إلا إذا تقيّدت السلطة التشريعية بحدود الدستور، فإذا ما خالفت اعتبرت باطلة ويجب على المحكمة الامتناع عن تطبيق أي قانون أو نظام مخالف للدستور.
وفي رأينا أي تطور تشريعي محمود في مجال الرقابة على دستورية القوانين علاوة على ما منح صراحة لمحكمة العدل العليا في قانونها الجديد بوقف تنفيذ أي قانون مؤقت أو نظام مخالف لأحكام الدستور.     ليس إلا تأكيداً على حق القضاء بشكل عام ومحكمة العدل العليا في بسط الرقابة على دستورية القوانين وهي رقابة محدودة في الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور. أما رقابة الإلغاء وإلغاء القوانين المخالفة للدستور لا تقرر إلا بتعديل دستوري ينصّ على إنشاء محكمة دستورية تتولّى مهمة الرقابة على دستورية القوانين .

الهوامش

1. كان ذلك في دعوى (ماربوي ضد مادسون) والتي صدر القرار منها عام 1803، وتقول المحكمة في هذه القضية "أن الدستور إنما هو القانون الأعلى للولايات المتحدة لا يجوز تعديله إلا بالطرق المنصوص عليها في الدستور، فإذا صدر الكونجروس قانوناً مخالفاً للدستور يكون في هذه الحالة قد عدل هذا الدستور بشكل ضمني وبغير الطريقة الدستورية المقتضيّة. أنظر : أدمون،  الوسيط في القانون الدستوري العام، الجزء الأول، ط2، بيروت، منشورات دار العلم للملايين 1968، ص 524 .
2. اندريه هوريو : القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الجزء الأول، ترجمة علي مقلد، شفيق حداد، عبد الحسن سعد، منشورات الأهلية للنشر والتوزيع، ط2، بيروت، 1977، ص 388.
3. المرجع السابق، ص 388.
4. الدكتور رؤوف عبيد، الرقابة على الدستور والشريعة، منشورات مطبعة الاستقلال الكبرى، ط القاهرة، 1979، ص 25، وتجدر الإشارة إلى أن الدستور الفرنسي لعام 1958 في عهد ديغول نص على وجود المجلس الدستوري الذي يملك إلغاء القوانين المخالفة للدستور.
5. نقض فرنسي في 12/1/192، ونص فرنسي 5/5/1934، ونقض فرنسي في  23/2/1939 ما أشير إليها في المرجع السابق ص 15.
6. أنظر المرجع السابق ص (25).
7. نقض 24/3/29753، أحكام النقض، س26 رقم 60، ص 258، مشار إليه في المرجع السابق، ص26.
8. هذا الحكم صدر بتاريخ 1/2/1948، مشار إليه ومعلق عليه في مؤلفة الدكتور سليمان الطماوي، مبادئ القانون الدستوري، ط1 القاهرة 1960، ص 108 وما بعدها.
9. الدكتور رؤوف عبيد، الرقابة على الدستور والشريعة، مرجع سابق، ص7.
10. الدكتور رؤوف عبيد، الرقابة الدستورية والشرعية، مرجع سابق، ص 10.
11. أنظر الدكتور علي الباز، الرقابة على دستور القوانين في مصر، رسالة دكتوراة، منشأة المعراف، الاسكندرية، 1978، ط1، ص 99.
12. الدكتور عادل الحياري، القانون الدستوري والنظام الدستوري الأردني، عمان 1972 ط1، ص 124 وما بعدها .
13. أحمد أبو المجد، الرقابة على دستورية القوانين في مصر وأمريكا، 1960 رسالة دكتوراة، ص1، ص594، ص 597.
14. الدكتور كمال الغالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية، 1985، دمشق، ص156.
15. تعليق الدكتور سليمان الطماوي، على الحكم المحكمة الدستورية في مصر الصادر بجلسة 16/3/1971 في القضية رقم 3/1971، منشور بمجلة العلوم الإدارية، س13، عدد 1، ص 275.
16. الكتور أحمد أبو المجد، المرجع السابق، ص 597.
17. القضية رقم (321/1953)، مجلة نقابة المحامين الأردنيين، عدد (2)، سنة 2، ص 106، ص122.
18. القضية رقم (12/67)، مجلة نقابة المحامين الأردنيين، عدد 10، سنة 15، ص 1094، وما بعدها.
19. القضية رقم 230/74، مجلة نقابة المحامين،  عدد 4، سنة 23، ص 625 .
20. القضية رقم 85/77، مجلة نقابة المحامين الأردنيين،  عدد 5، 6، سنة 25،  ص 829.
21. القضية رقم (100/75)،  مجلة نقابة المحامين الأردنيين، 21 سنة،  ص 521 .
22. أنظر في ذلك، القضية رقم (74/58)،  مجلة نقابة المحامين الأردنيين، عدد 908، سنة ص 67، وكذلك القضية رقم (302/63)، مجلة نقابة المحامين الأردنيين، العدد 11،  12 سنة 23،  ص 521، وكذلك القضية رقم (12/67)، مجلة نقابة المحامين الأردنيين، عدد 10، سنة 15، ص 1094 .
23. من القرار رقم (44/67)، مجموعة المبادئ لمحكمة التمييز بصفتها محكمة عدل عليا، (1953-1985) الجزء الأول، إعداد المحامي موسى الأعرج، منشورات نقابة المحامين، عمان، وسيشار إليه ب "مجموعة المبادئ" ج1.
24. أنظر التفاصيل، الدكتور حنا ندة، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص 413.
25. قرار رقم (44/67)، مجموعة المبادئ، الجزء الأول، المرجع السابق، ص 369 كذلك الدكتور حنا نده المرجع السابق (13،  14) .
26. استعملت محكمة العدل العليا عبارات مطابقة لما استخدمته محكمة القضاء الإداري في مصر في حكمها الصادر بتاريخ 10 شباط 1948، قرار رقم (27).
27. قرار رقم (27/67)، مجوعة المبادئ، ج1، المرجع السابق، ص 393 .
28. قرار رقم (73/68)، المرجع السابق،  ص414 .
29. قرار رقم (157/71)، مجموعة المبادئ، ج1، المرجع السابق، ص 581.
30. قرار رقم (40/74)، المبادئ القانونية لمحكمة العدل العليا، في ثلاثة أجزاء (1972-1990)، إعداد المحامي محمد خلاد، منشورات وكالة التوزيع الأردنية، عمان، الجزء الأول، ص 54، وتجدر الملاحظة أن هذا القرار يتصل بقانون مؤقت وليس بقانون عادي.
31. الدكتور حنا نده، المرجع السابق، ص 241.
32. قرار رقم (40/53)، مجموعة المبادئ، موسى الأعرج، ج1، ص 80 .
33. قرار رقم (105/56)، مجموعة المبادئ، ج1، المرجع السابق، ص 139.
34. قرار رقم (126/77)،  مجموعة المبادئ، المرجع السابق، ص 731.
35. قرار رقم (39/85)، المبادئ القانونية، محمد خلاد، ج1، المرجع السابق، ص 215، كذلك أنظر القرار رقم (25/58)، المرجع السابق، ص 486 .
36. الدكتور سليمان الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، دار الفكر العربي، ط5، 1984، القاهرة، ص 442، وفي هذا الصدد يقول أستاذنا الطماوي "الغرض من هذه اللوائح إبراز الجزئيات والتفصيلات اللازمة لنفاذ الأحكام التي يتضمنها القانون، وهي بهذا المعنى تعد الصورة الأصلية للوائح لأنه فيها تحقق حكمة منح السلطة التنفيذية الحق في إصدار اللوائح، فالقانون كما ذكرنا يقتصر عمله على وضع المبادئ العامة، والسلطة التنفيذية بطبيعة وظيفتها، وبحكم اتصالها المستمر بالجمهور أقدر على تعرف التفصيلات والجزئيات اللازمة لوضع هذه المبادئ العامة موضع التنفيذ، ولهذا نجد أن سطة إصدار اللوائح التنفيذية مسلم بها للإدارة في جميع الدول".
37. تنص المادة (31)  من الدستور الأردني على أن :"الملك يصدق على القوانين ويصدرها ويأمر بوضع الأنظمة اللازمة لتنفيذها بشرط أن لا تتضمن ما يخالف أحكامها.
38. ينص الدستور المصري لعام 1971، في المادة (147) منه على اللوائح على النحو التالي : "إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون".
39. الدكتور محمد حافظ، المرجع السابق، ص 132، ومن أصحاب هذا الرأي العلامة السنهوري، في بحث له تحت عنوان "مخالفة التشريع للدستوري والانحراف في استعمال السلطة التشريعية" مشار إليه في مؤلف د. حنا نده السابق، ص 27، وانظر التفاصيل، الدكتور خالد الزعبي، "القرار الإداري بين النظرية والتطبيق، دراسة مقارنة" المركز العربي للخدمات الطلابية، عمان 1993، ص 146، وما بعدها .
40. تنص المادة (81/1) من الدستور الأردني على أن "الملك أن يؤجل بإرادة ملكية جلسات مجلس الأمة ثلاث مرات فقط، وإذا كان قد أرجئ اجتماع المجلس بموجب الفقرة (1) من المادة (78)  فلمرتين فقط، على أنه يجوز أن لا تزيد مدة التأجيلات في غضون أي دورة عادية واحدة على شهرين بما في ذلك مدة الأرجاء ولا تدخل مدد هذه التأجيلات في حساب مدة الدورة .
41. الدكتور خالد الزعبي، القرار الإداري، مرجع سابق، ص 147، وما بعدها .
42. تنص المادة (41) من الدستور 1923المصري على أنه إذا حدث فيما بين ادوار انعقاد البرلمان ما يوجب الإسراع على اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فللملك أن يصدر في شأنها مراسم تكون لها قوة القانون بشرط ألا تكون مخالفة للدستور، ويجب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي وعرض هذه المراسيم عليه في أول اجتماع له، فإذا لم تعرض أو لم يقرها أحد المجلسين زال ما كان له من قوة القانون".
43. حكم محكمة القضاء الإداري صادر بتاريخ 23/12/1954 مشار إليه في المؤلف الدكتور الطماوي، النظرية العامة، مرجع سابق، 466.
44. الدكتور سليمان الطماوي، المرجع السابق، ص 466.
45. الدكتور خالد الزعبي، القرار الإداري، مرجع سابق، ص 152 .
46. الدكتور سلميان الطماوي، النظرية العامة، مرجع سابق، ص 466 .
47. أنظر تفصيلاً، الدكتور خالد الزعبي، القرار الإداري، مرجع سابق، ص 158، وما بعدها .
48. الدكتور الطماوي، النظرية العامة، المرجع السابق، ص 469 .
49. أنظر نص المادة (147) من الدستور المصري على الصفحة (27) من هذه الدراسة.
50. الدكتور السنهوري، مشار إليه إلى رأيه في مرجع د. حنا نده، مرجع سابق، ص 23.
51. أنظر التفاصيل، الدكتور خالد الزعبي، القرار الإداري، مرجع سابق، ص 23 وما بعها .
52. القرار رقم (31/72)، مجموعة المبادئ، ج1، ص 528.
53. رقم (31/72) سابق الإشارة إليه، وكذلك القرار رقم (41/6)، حيث جاء فيه "أن المادة (94) اشترطت لبقاء القوانين من مختلف وجهات النظر (أي الشرعية والملائمة وإلغائها) وأن رقابة القضاء مستبعدة بقوة الدستور – أنظر الدكتور حنا نده – المرجع السابق، ص 18-19.
54. القرار رقم (31/72)، سبقت الإشارة إليه .
55. القرار السابق، الدكتور خالد الزعبي، القرار الإداري، مرجع سابق، ص 153 وما بعدها .
56. الدكتور حافظ، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص 136، وكذلك الصفحات من 131-141 حيث يعرض فيها لجميع أوجه النقد لمواقف محكمة العدل من خلال استعراض أحكامها بشأن القيود المفروضة على وضع القوانين المؤقتة .
57. قرارها رقم (24/63)، مجموعة المبادئ، ج1، المرجع السابق، ص 216.
58. قرار رقم (40/41)، مجموعة المبادئ، ج1، المرجع السابق، ص596، وكذلك رقم (30/77) المرجع السابق، ج2، ص 709.
59. القرار رقم (35/67)، مجموعة المبادئ، ج1، المرجع السابق، ص 356، وكذلك القرار رقم (44/67) سبقت الإشارة إليه .
60. القرار رقم (101/71)،  ص 1201، عدد 10-12، لسنة 19، مجموعة الدكتور حنا نده، ص 282.
61. القرار رقم (65/67)، عدد 1-3، لسنة 16،  مجموعة الدكتور حنا نده، ص 83.
62. القرار رقم (54/54)، ص 430، مجلة نقابة المحامين، عدد 8.
63. أنظر قرار رقم (21/59)، ص 91، عدد 3،  سنة 70، مجموعة الدكتور حنا نده، ص 420.


المراجع

1. الدكتور أحمد أبو المجد، الرقابة على دستورية القوانين في مصر وأمريكا، جامة القاهرة، كلية الحقوق، القاهرة، 1960 .
2. الدكتور أدمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام، دار العلم للملايين، الطبعة الثانية، بيروت، 1968 .
3. أندريه هوريو، القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية، ترجمة علي مقلد، شفيق حداد، عبد الحسن سعد، منشورات الدار الأهلية للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، بيروت، 1977.
4. الدكتور حنا نده، القضاء الإداري في الأردن، منشورات جمعية عمال المطابع التعاونية، الطبعة الأولى، عمان، 1972.
5. الدكتور خالد الزعبي، القرار الإداري بين النظرية والتطبيق، دراسة مقارنة، المركز العربي للخدمات الطلابية، عمان، 1993.
6. الدكتور رؤوف عبيد، الرقابة على الدستورية والشرعية، منشورات جامعة دمشق، 1987.
7. الدكتور كمال غالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية، منشورات جامعة دمشق، دمشق 1987.
8. الدكتور عادل الحياري، القانون الدستوري والنظام الدستوري الأردني، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، 1972.
9. الدكتور علي الباز، الرقابة على دستورية القوانين في مصر، رسالة دكتوارة، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1987.
10. الدكتور سليمان الطماوي، القضاء الإداري، الكتاب الأول، قضاء الإلغاء، منشورات دار الفكر العربي، الطبعة الخامسة، القاهرة، 1984.
11. الدكتور سلميان الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، منشورات دار الفكر العربي، الطبعة الخامسة، القاهرة، 1984 .
12. الدكتور محمود حافظ، القضاء الإداري في الأردن، منشورات الجامعة الأردنية، الطبعة الأولى، عمان، 1987.

المنشورات

1. مجموعة المبادئ القانونية لمحكمة التمييز الأردنية بصفتها محكمة عدل عليا – 1953-1987، تقع في جزئين، إعداد المحامي موسى الأعرج، منشورات نقابة المحامين، عمان.
2. المبادئ القانونية لمحكمة العدل العليا (1972-1986)،  تقع في جزئين إعداد المحامي محمد خلاد، منشورات وكالة التوزيع الأردنية، عمان.
3. المبادئ القانونية لمحكمة العدل العليا (1987-1986)، الجزء الثالث، إعداد المحامي محمد خلاد، مشورات وكالة التوزيع الأردنية، عمان.

تعليقات