سريه مصرفيه
banking secrecy - secret bancaire
السرية المصرفية
مي محرزي
تعدّ السرية المصرفية من القواعد الأساسية في عمل المصارف، وهي أحد المبادئ المستقرة في العرف المصرفي منذ نشأة المصارف، إذ جرى العرف المصرفي على ذلك وأصبحت من الالتزامات الجوهرية التي يلتزم بها جميع العاملين بالمصارف سواء وفقاً لما استقر عليه العرف أم لما نصت عليه لوائح العاملين بالمصارف ونظمها.
يقال إن مبدأ السرية المصرفية قد تم وضعه في قضية شهيرة، هي قضية توينر ضد مصرف الاتحاد الوطني البريطاني عام 1924 التي عرضت أمام المحكمة العليا في إنكلترا، إذ قضت هذه المحكمة أن الالتزام بالسرية المصرفية هو التزام قانوني نتيجة للعقد الذي ينظم العلاقة بين المصرف والعميل، وبموجب هذا العقد هناك شرط حتمي وأساسي يلزم المصرف ويحتم عليه الحفاظ على السرية المصرفية وكتمانها، بل إن المحكمة قالت صراحة إن التزام المصرف هو التزام قانوني وتعاقدي وليس مجرد التزام أخلاقي أو أدبي، وعليه فإن إخلال المصرف بهذا الالتزام القانوني التعاقدي يمنح العميل الحق في المطالبة بالتعويض عن جميع الأضرار التي لحقت به. وقد ذهبت المحكمة إلى أبعد من ذلك، وذلك بتحديدها للحالات التي يجوز فيها للمصرف الإفصاح عن بعض المعلومات المصرفية بوصفهاحالات استثنائية وهي: الإفصاح وفقاً للقانون، والإفصاح بموافقة العميل، والإفصاح عند الضرورة لمصلحة المصرف، والإفصاح عندما يكون هناك خطر على الدولة أو المجتمع؛ ولما تقتضيه المصلحة العامة.
وتعدّ سويسرا من أكثر الدول التي اهتمت كثيراً بالمحافظة على مبدأ السرية المصرفية على نحو مطلق، وذلك منذ العهد الإقطاعي حتى الآن، وقد عدّ القانون المدني السويسري السرية المصرفية من الحقوق الفردية، وأعطى للعميل حق التعويض عن الضرر أو الاعتداء الواقع على حق من حقوقه في حالة الاطلاع على خصوصياته المالية. وفي عام 1934 أصدرت سويسرا قانون المصارف الذي وضع عقوبة جزائية على مخالفة الالتزام بالسرية المصرفية، وكانت الغاية من ذلك منع النظام النازي من ملاحقة حسابات اليهود في مصارف سويسرا، وجاء نص المادة (47) منه كما يلي: «يعاقب بالحبس الذي لا تتجاوز مدته 6 أشهر أو بالغرامة التي تصل إلى 50 ألف فرنك، كل من أفشى سراً عهد إليه به وكان على علم به بسبب تكليفه أو وظيفته، سواء بوصفه عضواً في جهاز معتمد، كما يعاقب بنفس العقوبة كل من حرض الغير على انتهاك السر المصرفي، وتكون العقوبة هي الغرامة التي تصل إلى 30 ألف فرنك، إذا ارتكب الجريمة عن طريق الإهمال. ويظل انتهاك السر معاقباً عليه حتى ولو انتهى التكليف أو الوظيفة، أو لم يعد حائز السر يمارس مهنته على الإطلاق».
وقد جرى تعديل لاحق للقانون المذكور سنة 1982.
وفي فرنسا خضعت المصارف الفرنسية لقانون السرية المصرفية منذ سنة 1915 حيث صدر فيها قانون يجرّم إفشاء الأسرار المصرفية، وأخضع له أربعة مصارف تم تأميمها في ذلك الوقت، ثم امتد نطاق الخضوع للسرية بموجب قانون 1981 ليشمل جميع القطاع المصرفي الفرنسي، بعد أن شمله التأميم، وقبل صدور قانون 1981 كانت السرية المصرفية يتم حمايتها بموجب المادة (378) من قانون العقوبات. ثم صدر القانون المصرفي بتاريخ 24/1/1984 وقرر في المادة (57) منه أن كل عضو من أعضاء مجلس الإدارة ومن أعضاء مجلس الإشراف والمراقبة، وكل شخص يشارك في إدارة مؤسسة ائتمان أو تسييرها، أو كان مستخدماً لديها يلتزم بحماية أسرار العملاء وفقاً للشروط والعقوبات المنصوص عليها في المادة (378) من قانون العقوبات السالفة الذكر.
السر لغةً: هو ما يكتمه الإنسان في نفسه، فهو كل خبر يقتصر العلم به على عدد محدود من الأشخاص، وهو كل معلومة مقرر لها أن تكون مكتومة، أو هو ما يفضي به الشخص إلى آخر مستأمناً إياه على عدم إفشائه.
ويعرّف إفشاء الأسرار بأنه: كشف واقعة لها صفة السر صادر ممن علم بها بمقتضى مهنته ومقترن بالقصد الجنائي.
والسرية المصرفية هي: الواجب الملقى على عاتق المصارف بحفظ القضايا الاقتصادية والمالية والشخصية المتعلقة بالزبائن وبالأشخاص الآخرين ولو بنسبة أقل، والتي تكون قد آلت إلى علمهم في أثناء ممارستهم لمهنتهم وفي معرض هذه الممارسة مع التسليم بوجود قرينة على حفظ التكتم لمصلحة هؤلاء العملاء.
والسرية المصرفية هي أيضاً التزام المصارف بعدم إفشاء الأسرار التي وصلت إلى حوزتها، فهي إذن تعدّ واجباً على المصرف وحقاً للعميل بنظر بعض الفقهاء، أو واجباً على المصرف وحقاً له في آن واحد بنظر بعضهم الآخر.
وينصرف السر المصرفي إلى كل أمر أو معلومات أو وقائع تتصل بعلم المصرف عن عميله بمناسبة نشاطه أو بسبب هذا النشاط، يستوي في ذلك أن يكون العميل قد أفضى بها بنفسه إلى المصارف، أو يكون قد اتصل علم المصرف بها من الغير، إذ لا يشترط أن تصل المعلومات أو الأسرار إلى المصرف مباشرة من عميله.
وتعدّ السرية المصرفية من القواعد المستقرة واللصيقة الصلة بعمل المصارف، فتلتزم المصارف بموجب القواعد العامة في القانون والأعراف المصرفية بحفظ أسرار العملاء وعملياتهم المصرفية، ما لم يكن هناك نص في القانون أو في الاتفاق يقضي بغير ذلك.
وترتبط السرية المصرفية بمفهوم الحرية الشخصية للإنسان التي تتضمن المحافظة على أسراره المالية والاجتماعية وغيرها من معرفة الغير واطلاعهم، وكذلك فهي ترتبط بأخلاقيات المهنة التي تشمل الواجبات الأدبية والإنسانية للمهنة. وأيضاً فهي ترتبط بالسرية المهنية التي تقضي بالتزام المصارف بالمحافظة على أسرار عملائهم وعدم الإفضاء بها إلى الغير باعتبار المصرف مؤتمناً عليها بحكم مهنته.
وقد ذهبت بعض الشرائع إلى إلزام المصارف بالسر المهني وتحت طائلة التعرض لعقوبات محددة تفرض عليها في حال الإخلال بذلك، كتطبيق المادة (525) من قانون العقوبات السوري. كما لجأت بعض الدول إلى اعتماد نظم خاصة بالسرية المصرفية، مثل لبنان وسورية.
ومما لا شك فيه أنه بقدر ما يحافظ المصرف على أسرار عملائه بقدر ما يزداد عددهم ويرتفع حجم تعاملاته. فضلاً عن أن كتمان المعاملات المصرفية فيه مردود إيجابي للاقتصاد الوطني بما يوفره من ثقة للائتمان العام باعتباره مصلحة عليا للدولة.
ثالثاً ـ نطاق السرية المصرفية:
1ـ النطاق الشخصي: ويقصد به الأشخاص المعنيون بالسرية المصرفية بوصفهم مستفيدين منها وملتزمين بها.
أ ـ المصرف: لا يوجد تعريف دقيق للمصرف بسبب الخلط بين المصارف وغيرها من المؤسسات الائتمانية، ولهذا فقد لجأت القوانين إلى تعداد المؤسسات الائتمانية التي تعد في نظر المشرع مصارف؛ أو إيراد مختلف العمليات التي تضفي مزاولتها وصف المصرف على المؤسسات التي تتخصص فيها، وبعضها وضع تعريفاً لهذه المصارف. ومثال ذلك القانون الفرنسي الصادر عام 1941 الخاص بتنظيم المصارف والذي عرّف المصارف بأنها: «المشاريع والمؤسسات التي تمارس المهن التقليدية في استلام الأموال من المجتمع بصيغة ودائع أو بصيغ أخرى من أجل استخدامها لحسابها الخاص في عمليات إقراض أو عمليات مالية أخرى». أماالمرسوم الخاص بالسرية المصرفية الصادر في سورية رقم 34 لعام 2005 فقد حدّد في المادة الأولى منه المصارف الخاضعة لأحكام سر المهنة المصرفية من دون إيراد تعريف لها.
ب ـ العاملون في المصارف: حددت التشريعات الخاصة بسرية المصارف العاملين فيها الذين يلتزمون بكتمان سر قيود الدفاتر والسجلات والمعاملات والمراسلات المصرفية.
فقد بينت المادة الثالثة من المرسوم التشريعي رقم 34 لعام 2005 الخاص بالسرية المصرفية في سورية المقصود بالعاملين في المصارف عندما نصت على ما يلي: «إن العاملين في المصارف المشار إليهم في المادة الأولى من هذا المرسوم التشريعي وكل من كان على إطلاع بحكم صفته أو وظيفته بأية طريقة كانت على قيود الدفاتر والسجلات والمعاملات والمراسلات وشهادات الاستثمار ملزمون بكتمان سر هذه القيود...»، وكذلك الأمر فعل قانون السرية المصرفية اللبناني الصادر في 3/9/1956، فقد بينت المادة الثانية منه المقصود بالعاملين في المصرف وهم مديرو ومستخدمو المصارف وكل من له اطلاع بحكم صفته أو وظيفته بأية طريقة كانت على القيود والدفاتر والمعاملات والمراسلات المصرفية.
ج ـ المتعاملون مع المصرف (العملاء): حددت التشريعات الخاصة بسرية المصارف المتعاملين مع المصارف أو الزبائن الذي يستفيدون من موجب السرية المصرفية، وحتى يتسنى معرفة هؤلاء الأشخاص لا بد من تحديد معنى العميل، وكيف يجب أن يكون تعامله مع المصرف حتى يعدّ عميلاً يستفيد من التزام المصرف تجاهه بحفظ السر.
العميل هو الشخص ـ سواء كان طبيعياً أم اعتبارياً ـ الذي يتصل بالمصرف، ويقوم بعمليات مصرفية معه ويلجأ إلى خدماته، وحتى يكتسب صفة العميل يجب أن يكون المصرف موافقاً على العملية المصرفية. وتبعاً لذلك لا يعد موظفو المصرف عملاء له لأنهم لا يتعاملون معه بوصفهم عملاء بل مستخدمين وعمالاً. كما لا يسمح لكفيل العميل أمام المصرف بالاطلاع على تفاصيل العمليات التي أجراها مكفوله. ولا يعد عميلاً المساهم في المصرف بالأسهم، ولا يعد عميلاً لمصرف سارق الشيك؛ أو عميلاً سابقاً للمصرف سحب شيكاً عليه بعد أن أقفل حسابه؛ ولا السائح الذي يقبض تحويلاً له من الخارج؛ أو الشخص الذي يدخل المصرف لقبض شيك.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بعض التشريعات لم تستخدم تعبير العميل وإنما استخدمت تعبيراً بديلاً منه؛ هو المتعامل مع المصرف، وخير مثال على هذه التشريعات التشريع السوري الخاص بسرية المصارف المشار إليه سابقاً.
2ـ النطاق الموضوعي ويتعلق بالأعمال التي تكون مشمولة بالسرية المصرفية:
فقد تركها الفقه والاجتهاد مسألةً واقعيةً يقدرها قضاء الأساس، لكنهما أشارا إلى شمولها لكل خصائص النشاط التجاري والمالي والصناعي للشخص أو المؤسسة من بداية التحضير لهذا النشاط إلى نهايته.
أما فيما يتعلق بالسرية في الحياة الخاصة فهي حق معترف به للفرد قضاء واجتهاداً وقانوناً، وحدود هذا الحق تتبدل تبعاً للعادات والتقاليد والأعراف والمفاهيم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المختلفة.
والمصرف ملزم بحفظ السر في الأشياء التي ترتبط بالحياة الخاصة للعميل والتي يتاح له الاطلاع عليها، وقد اعتمد الفقه أساليب مختلفة لتحديد معيار يصنف الأشياء والوقائع التي تقع في إطار السرية المصرفية ومن هذه الأساليب:
أ ـ الطريقة الإحصائية أو طريقة التعداد التي اعتمدها الفقه الألماني، وتقوم هذه النظرية على تفصيلات بيانية إحصائية لمختلف الوقائع والعمليات المصرفية التي يجب إحاطتها بالسرية المصرفية.
ب ـ الطريقة التمييزية أو الطبيعة الموضوعية للوقائع التي اعتمدها الفقه السويسري، وقد عدّت هذه الطريقة أن كل شيء يعمله المصرف إبان تعامله مع العميل يكون مشمولاً بالسرية المصرفية شريطة أن يكون ذلك غير معروف أو مجهولاً تماماً من قبل الجمهور، وبالتالي تستبعد المعلومات التي يطلع عليها المصرف من مصدر آخر كصديق أو قريب فلا تكون مشمولة بالسرية المصرفية.
أما القوانين المنظمة للسرية المصرفية فقد اعتمدت في غالبيتها الطريقتين معاً، فالمشرع السوري ألزم المصارف بكتمان السر بشأن أسماء المتعاملين معه وأموالهم والأمور المتعلقة بهم؛ ولاسيما التي تكون موضوع قيود الدفاتر أو موضوع معاملات أو مراسلات مصرفية أو شهادات استثمار، أي جميع المعاملات والأمور المتعلقة بعملاء المصرف، وخصوصاً في حال فتح حسابات ودائع مرقمة لهم أو تأجير المودعين خزائن حديدية خاصة؛ إذ أوجب المرسوم التشريعي رقم 34 لعام 2005 ألا يعرف هوية أصحابها غير المدير القائم على إدارة المصرف أو من يقوم مقامه أصولاً.
وعموماً يعدّ داخلاً في نطاق الأسرار المصرفية: رقم حساب العميل، المبالغ المقيدة في حسابه سواء كانت دائنة أم مدينة، ودائع العميل، الخزينة الحديدية للعميل، التسهيلات الائتمانية والقروض الممنوحة له، مدى التزامه بسداد الأقساط ومقدارها، الضمانات المقدمة من العميل في التسهيلات والقروض، الشيكات التي يسحبها العميل على المصرف وغيرها من الأمور التي تتصل بأعمال العميل ونشاطه مع المصرف.
ويسري الالتزام بالسرية المصرفية في المراسلات المصرفية، وأيضاً حسب رأي بعض الفقهاء في المصالح الأدبية والمعنوية للعملاء وليس فقط في المصالح المالية مثل تلك المتعلقة بشرفهم وسمعتهم وسلوكهم الشخصي ومعتقداتهم، ومن ثم لا يجوز للمصرف ـ مثلاً ـ إفشاء معلومات عن المعاش الذي يقدمه أحد العملاء لخليلته ولا اسمها.
أحاط المشرع في الأغلبية الساحقة من تشريعات الدول المختلفة الحسابات المصرفية بسياج من السرية كما عرض آنفاً، ومع ذلك هناك حالات معينة يختلف نطاقها ومداها باختلاف حدود مبدأ السرية المطبق في العمل المصرفي لكل دولة يتعين فيها الخروج عن مبدأ السرية. فطبقاً للمرسوم التشريعي السوري رقم 34 لعام 2005 الخاص بسرية المصارف لا يجوز إفشاء السرية إلا بإذن خطي من المودع (العميل) أو من ورثته الشرعيين أو الموصى لهم؛ أو إذا أعلن إفلاسه أصولاً؛ أو إذا أقيمت دعوى تتعلق بمعاملة مصرفية بين المصارف والمتعاملين معها وذلك بناء على طلب من الجهة الناظرة بهذه الدعوى.
وهناك حالة سادسة تضاف إلى الحالات السابقة يجوز فيها إفشاء السرية المصرفية هي حالة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبناء عليه فلا يعتد بأحكام المرسوم التشريعي رقم 34 لعام 2005 بأي حال من الأحوال في معرض تطبيق أحكام المرسوم التشريعي الخاص بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 33 تاريخ 1/5/2005 وأمام قرارات هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وطلباتها؛ بما في ذلك الإبلاغ عن العمليات والحسابات المشبوهة والتعاون معها بتلبية طلباتها المتعلقة بتجميد الحسابات ورفع السرية المصرفية عن أي حساب لديها مباشرة ومن دون إبطاء وتقديم المعلومات التي تطلبها.
رتب كثير من البلدان المنظمة للسرية المصرفية نوعاً من المسؤولية الجزائية والمسؤولية المدنية على إفشاء السر المصرفي، فالتشريعات اللاتينية تمنع الإفشاء إلى جانب منح العميل الحق بطلب التعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء إفشاء أسراره المصرفية، في حين تقتصر التشريعات الأنكلوسكسونية على إعطاء العميل حق المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من جرّاء هذا الإفشاء.
1ـ المسؤولية الجزائية:
لجأ المشرع في بعض الدول إلى وضع أحكام خاصة لانتهاك السرية المصرفية ومثال عليها سورية بموجب المرسوم التشريعي رقم 34 لعام 2005. وفي دول أخرى تولى الفقه مهمة توسيع الأحكام الخاصة بالسرية المهنية عامة وطبقها على السرية المصرفية، ومثال عليها (فرنسا، سويسرا، بلجيكا) حيث لا يوجد نص خاص ينظم جريمة إفشاء السرية المصرفية؛ إذ لا بد من الرجوع إلى أحكام قانون الجزاء أو العقوبات العام المتعلقة بالسرية المهنية.
ولكن القاسم المشترك الذي يجمع بين تشريعات هذه الدول هو أنها نصت على أركان مشابهة لجرم إفشاء السرية المصرفية، إضافة إلى بعض الاختلافات فيما بينها.
أ ـ أركان جرم إفشاء السر المصرفي:
(1) الركن المادي: ويتجلى بفعل الإفشاء، وإفشاء السر يكون بإيصال الشيء الذي يجب أن يبقى مكتوماً إلى متناول الغير مهما كانت صفته مادام ليس من عاملي المصرف الذين يتصلون بهذا السر بحكم عملهم وذلك بوسائل عديدة (رسالة أو شهادة أو تصوير مستند سري أو بمقال صحفي...).
وحتى يكون الإفشاء المجرَّم محققاً يجب أن يكون الشيء المكشوف عنه محدداً بصورة كافية، تمكن الغير من الاطلاع على أسرار عميل المصرف، وتبعاً لذلك لا يتحقق إفشاء الاطلاع على حساب مصرفي من دون تعيين اسم صاحبه.
(2) الركن المعنوي: يقصد به النية أو القصد الجرمي، وحوله اختلفت الآراء، فبعض التشريعات اشترطت لقيام جريمة إفشاء السر المصرفي توافر القصد أو النية في الإفشاء، ومنها من اكتفى بمجرد الإهمال لتطبيق العقوبة الجزائية على مرتكب جريمة الإفشاء.
ونصت المادة /11/ من قانون السرية المصرفية السوري رقم 34 لعام 2005 على ما يلي: «كل مخالفة لأحكام هذا القانون يعاقب مرتكبها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، ويعاقب على الشروع بذات عقوبة الجريمة في حال ارتكابها ولا تحرك دعوى الحق العام إلا بناء على شكوى المتضرر».
وهكذا يتضح أن المشرع السوري قد فرض عقوبة جزائية في حال ارتكاب أي مخالفة لأحكام قانون السرية المصرفية ولم يشترط أن يكون الإفشاء مقصوداً، كما عاقب المشرع السوري على الشروع في ارتكاب المخالفة بعقوبة الجريمة التامة.
ب ـ تحريك الدعوى العامة والعقوبة: اشترط المشرع السوري في نص المادة (11) من قانون السرية المصرفية رقم 34 لعام 2005، أن دعوى الحق العام لا تحرك إلا بناء على شكوى المتضرر، وربما يعود السبب في ذلك إلى أن مخالفة أحكام القانون المذكور لا تؤثر إلا في المصالح الخاصة، وبناء على ما تقدم واستناداً إلى المادة (156) من قانون العقوبات العام السوري والتي تنص على ما يلي: «إن صفح المجني عليه في الأحوال التي يعلق فيها القانون الدعوى العامة على تقديم الشكوى أو الدعوى الشخصية، يسقط دعوى الحق العام ويوقف تنفيذ العقوبات إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك». فإن إسقاط المتضرر لحقه الشخصي بعد رفع الدعوى يؤدي إلى إسقاط دعوى الحق العام تجاه الفاعل مرتكب المخالفة.
أما فيما يتعلق بعقوبة إفشاء السر المصرفي: بعض التشريعات فرضت عقوبة السجن مع الغرامة، وبعضها اكتفى بعقوبة السجن، وأخرى ميزت بين عقوبة انتهاك السرية المصرفية المقصود وحالة الإهمال وقلة الاحتراز، وهذا ما فعله القانون الفيدرالي السويسري فقد عاقب على جرم انتهاك السرية المصرفية المقصود؛ بالسجن ستة أشهر على الأكثر وبغرامة لا تزيد على /500/ ألف فرنك، أما في حالة الإهمال وقلة الاحتراز فإن العقوبة تكون بغرامة حدها الأقصى /30/ ألف فرنك.
أما في قانون السرية المصرفية السوري فإن العقوبة هي الحبس من ثلاثة أشهر حتى السنة، من دون أي عقوبة أخرى كالغرامة أو المصادرة، ويعاقب على الشروع بعقوبة الجريمة التامة.
وتعد المصارف كأشخاص اعتبارية مسؤولة جزائياً عن أعمال مديريها وأعضاء إدارتها وعمالها عندما يأتون هذه الأعمال باسم الهيئات المذكورة أو بإحدى وسائلها ولكن لايمكن الحكم عليها إلا بالغرامة والمصادرة ونشر الحكم. (المادة 209 من قانون العقوبات السوري).
2ـ المسؤولية المدنية:
تتحدد المسؤولية المدنية عن إفشاء السر المصرفي فيما إذا سبب هذا الإفشاء ضرراً للعميل أو الزبون، فله أن يلاحق المسؤول قضائياً عن الضرر لمطالبته بالتعويض المناسب. وبالعودة إلى المرسوم التشريعي السوري رقم 34 لعام 2005 الخاص بالسرية المصرفية يتبين أنه لم يتضمن أي شيء عن ذلك لذا لابد من الرجوع إلى أحكام القانون المدني السوري لاسيما المادة (164) منه التي تنص على ما يلي: «كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض». وتقام الدعوى المدنية على المصرف كشخص اعتباري؛ لأن النصوص القانونية تشير إلى مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه متى كان العمل غير المشروع واقعاً منهم في حال تأدية وظيفتهم أو بسببها.
وقد نصت المادة (175) من القانون المدني السوري على ذلك: «يكون المتبوع مسؤولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعاً منه في حالة تأدية وظيفته أو بسببها».
مراجع للاستزادة:
|
ـ إدوارد عيد، العقود التجارية وعمليات المصارف (مطبعة النحوي، بيروت 1968).
ـ إلياس ناصيف، الكامل في قانون التجارة، الجزء الثالث، عمليات المصارف (منشورات عويدات، بيروت، باريس 1983).
ـ ثائر محمد عفيف بلال، السرية المصرفية (بحث علمي مقدم لنيل درجة دبلوم في القانون الخاص) (كلية الحقوق، جامعة دمشق 2003ـ 2004).
ـ جلال وفاء محمدين، دور المصارف في مكافحة غسيل الأموال (دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية 2004).
ـ حمدي عبد العظيم، غسل الأموال في مصر والعالم، الطبعة الأولى (القاهرة 1997).
ـ رزق الله إنطاكي ونهاد سباعي، موسوعة الحقوق التجارية، المصارف والأعمال المصرفية (مطبعة جامعة دمشق 1961).
ـ سميحة القليوبي، الأسس القانونية لعمليات المصارف (مكتبة عين شمس، القاهرة 1992).
ـ عبد القادر العطير، سر المهنة المصرفية في التشريع الأردني (1996).
ـ عبد الرحمن السيد قرمان، الوجيز في الجوانب القانونية لعمليات المصارف، ط1 (1996 ـ 1997).
ـ عبد الله محمود الحلو، الجهود الدولية العربية لمكافحة جريمة تبييض الأموال (دراسة مقارنة)، ط1 (منشوراتالحلبي الحقوقية، طرابلس، بيروت 2007).
ـ عبد القادر ورسمه غالب، مجلة اتحاد المصارف العربية، قضايا قانونية مصرفية، قوانين السرية المصرفية ضد قوانين غسيل الأموال (2007).
ـ علي جمال الدين عوض، عمليات المصارف من الوجهة القانونية (دار النهضة العربية، القاهرة 1981).
ـ محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص (1992).
ـ نعيم مغبغب، تهريب وتبييض الأموال، دراسة في القانون المقارن، ط1 (2005).
ـ نعيم مغبغب، السرية المصرفية (دراسة في القانون المقارن) (بيروت، لبنان 1996).
ـ نادر عبد العزيز شافي، جريمة تبييض الأموال (دراسة مقارنة) (المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان 2005).
ـ هيام الجرد، المد والجزر بين السرية المصرفية وتبييض الأموال (دراسة مقارنة)، ط1 (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2004).
ـ يعقوب يوسف صرخوه، سر المهنة المصرفية في القانون الكويتي (ذات السلاسل للطباعة، الكويت 1988).
ـ المرسوم التشريعي السوري رقم 29 لعام 2001 الخاص بسرية المصارف.
ـ المرسوم التشريعي السوري رقم 34 لعام 2005 الخاص بسرية المصارف.
ـ المرسوم التشريعي السوري رقم 33 لعام 2005 الخاص بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ـ قانون السرية المصرفية اللبناني الصادر عام 1956.
ـ قانون مكافحة تبييض الأموال اللبناني رقم 318 لعام 2001.
ـ القانون الفرنسي الصادر عام 1941 الخاص بتنظيم المصارف.
ـ قانون السرية المصرفية الفرنسية الصادر عام 1981.
ـ قانون المصارف السويسري الصادر عام 1934.
- J. AUBERT KERNEN & H. SCHONLE, Le secret bancaire suisse, 1976, Lére. éd. 2éd, (1981)
- G. CAPITAN, Le secret professionel en Siusse (1946).
المصدر: http://www.arab-ency.com/
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم