القائمة الرئيسية

الصفحات



تعدد الزوجات... محاولة للفهم الصحيح . الحسن الحيان





من إعداد: الحسن الحيان
طالب بكلية الحقوق
 جامعة ابن زهر أكادير

تعدد الزوجات... محاولة للفهم الصحيح
   عرفت المادة الرابعة من مدونة الأسرة الزواج بأنه: ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة.
  ويعتبرالزواج الركيزة التي تقوم عليها الأسرة وأساسها، وهي نواة المجتمع بصلاحها يصلح المجتمع وبفسادها يفسد المجتمع.
والشريعة الإسلامية أعطت عناية كاملة واهتماما بالغا للأسرة، وحظيت قضاياها بنصيب وافر من التفصيل والتدقيق، بحيث يكاد القران الكريم ألا يترك شأنا من شؤونها إلا وله فيه نص.
  فالقران الكريم اهتم بقضايا الأسرة وجزئياتها أيما اهتمام، مثل الزواج والطلاق والميراث مقارنة بأحكام وجزئيات الصلاة والصوم والحج وهي كبرى الأمور الدينية ورأس الأمر كله[1].
  ولأهمية الأسرة في الدين والدنيا ودورها الفعال في الحفاظ على باقي أحكام الشريعة الأخرى، ركز عليها أعداء الدين وخصومه، وما فتئوا يشككون في قدسية أحكامها وعلو رفعتها راغبين في النيل منها والحط من قيمتها[2].
  وتعد مدونة الأسرة الإطار التشريعي الذي ينظم العلاقات الأسرية[3]، والتي جاءت استجابة لظروف المجتمع والتطورات الحاصلة فيه، في إطار النهوض بحقوق الإنسان، ومن بينها إنصاف المرأة وحماية حقوق الطفل وصيانة كرامة الرجل،  في تشبت بمقاصد الاسلام السمحة في العدل والمساواة والتضامن و انفتاح على روح العصر ومتطلبات التطور والتقدم[4].
  ومن بين المستجدات التي جاءت بها تقييد تعدد الزوجات، بفرض شروط تعجيزية مع رقابة قضائية صارمة.
فما هي إذن شروط وحالات منع التعدد في ظل مدونة الأسرة؟
وما هي المسطرة والإجراءات المتبعة؟
لمحاولة الإجابة عن هاته الاسئلة، نقترح تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين على الشكل الآتي:
المبحث الأول: الغاية من تعدد الزوجات وحالات منعه
المبحث الثاني : شروط ومسطرة التعدد
   المبحث الأول: الغاية من تعدد الزوجات وحالات منعه
   سنتناول هذا المبحث في مطلبين، نخصص (المطلب الأول) للحديث عن إباحة التعدد والغاية منه، ثم نتناول في(المطلب الثاني) لحالات منع التعدد.
المطلب الأول: إباحة تعدد الزوجات والغاية منه
   انطلاقا من أهمية تعدد الزوجات ودورها، تولى الحق سبحانه في القران الكريم تنظيمه وقيده بشروط (الفقرة الأولى)، تحقيقا للمصلحة العامة(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: إباحة تعدد الزوجات
    أجمع المسلمون على جواز التزوج من أربع نساء كحد اقصى، وفي ذلك عدد كبير من الأدلة والنصوص الشرعية  التي تؤطر التعدد وتقضي بإباحته، سواء في القران الكريم أو في السنة النبوية.
يقول الله عز وجل:" وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمنكم ذلك أدنى ألا تعولوا"[5].
كما توجد العديد من الأحاديث النبوية في هذا السياق، من بينها ما رواه الإمام أحمد وأبو داوود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قيل لغيلان بن سلمة التقفي لما أسلم وفي عصمته قبل إسلامه عشر نسوة " اختر منهن أربعا وفارق سائرهن ".
يستفاد من هذه النصوص الشرعية وغيرها، أن التعدد إلى حدود أربع زوجات، مباح بنص القران الكريم والحديث الشريف، لكن ليس هناك ما يدل على وجوب هذا التعدد، ووضع له ضوابط وشروط حتى يصبح خيرا للمجتمع وضمانا لمصلحة الأسرة[6].
الفقرة الثانية: الغاية من تعدد الزوجات
   إن الغاية من إباحة التعدد له ما يبرره من الناحية الواقعية، ومنع الزوج منه أحيانا سيكون سببا يؤدي به إلى الفساد والرذيلة مع ما يصاحبها من آثار وخيمة على الفرد والمجتمع، كانتهاك الأعراض وضياع الأنساب[7].
كما قد يكون سبب عقم الزوجة الأولى أو مرضها أو عدم قدرتها على الوطء سببا مشروعا يبرر على الأقل في مثل هذه الحالات إمكانية السماح للزوج بالتعدد.
  لكن بالنظر إلى الموضوع من زاوية اجتماعية يتضح لنا مدى أهمية التعدد بالنظر لمشكل العنوسة الذي يكاد يستفحل في كل المجتمعات لأسباب متعددة من جملتها كثرة الحروب التي عرفتها البشرية وتعرفها وكذا الآثار المترتب عنها والمتمثل في فقد أعداد كبيرة من الرجال.
وقيام الرجل بكفالة أكثر من امرأة خير لهن من البقاء بدون معيل[8].
وتعدد الزوجات ف الإسلام مبني على العدل والرحمة والمصلحة والحكمة، ولما يصبح ظلما أوعنفا أو مفسدة، فهو مرفوض لا تقبله قواعد الشريعة الإسلامية السمحة[9].
المطلب الثاني: موانع تعدد الزوجات
   تنص مدونة الأسرة[10] على أنه:
" يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها".
يتضح أن حالات منع التعدد هي الخوف من عدم العدل أو وجود شرط من الزوجة بعد التزوج عليها.
الفقرة الأولى: الخوف من عدم العدل بين الزوجات
    معلوم أن العدل بين الزوجات شرط اساسي وجوهري في التعدد، وهو ما عبر عنه الله تعالى" فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمنكم ذلك أدنى ألا تعولوا"[11]، أي لا تظلموا و ألا تجوروا[12].
والعدل المطلوب في الآية الكريمة ليس هو العدل في الحب والميل القلبي لأنه عدل غير مستطاع[13]، وإنما المراد بالعدل القسمة المادية الشاملة للأيام والنفقة ونوعية المسكن و حسن المعاشرة والمبيت والجماع...[14].
  روى أصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من كانت له امرأتان فمال لأحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل".
ثم إن الله تعالى الذي يعلم طباع الناس يقول: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتدروها كالمعلقة"[15].
  من خلال هذه الآية الكريمة يتضح ان العدل في الحب بين الزوجات أمر مستحيل لا يستطيع الزوج تحقيقه ولو كان حريصا.
إلا إن ما يطرح الإشكال هو أنه كيف يمكن للقاضي استخلاص إمكانية قيام الزوج وتحريه للعدل بين زوجاته سواء، سواء تعلق الأمر بالعدل المستحيل –العاطفي- أو العدل الممكن -المادي- خاصة وأن العدل مرتقب بعد التعدد وليس قبله.؟
الفقرة الثانية: وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها
   القاعدة هي أن العقد شريعة المتعاقدين، وبالنظر لخصوصية عقد الزواج في ما يتعلق بالزمن، فإنه يبرم على وجه التأبيد والدوام، مما يصبح معه شرط عدم التزوج على الزوجة التي اشترطته محل نقاش، خاصة بعد مرور مدة طويلة من العشرة بين الزوجين، و كذا تطور أحوالهما، وبالتالي يتسبب في ضرر فادح للزوج[16].
كما لو اشترطت الزوجة على زوجها في عقد الزواج عدم التزوج عليها، واتضح فيما بعد أنها عاقر، أو أصبحت مريضة، وأن الإبقاء على مثل هذا الشرط يلحق ضررا للزوج.
و لإعفاء الزوج من هذا الشرط يتعين عليه اللجوء الى المحكمة لإعفائه.
كما يمكن للزوجة أن تتمسك بهذا الشرط أو تتنازل عنه بإرادتها الحرة، وليس للمحكمة ان تثيره تلقائيا[17].
  إن مثل هذه الشروط اعتبرها بعض العلماء بأنها غير ملزمة، فعلماء مذهب الأمام مالك، قالو بأنها شروط غير ملزمة بل مكروهة، ولا يجب الوفاء بها، إلى جانب علماء المذهب الشافعي والحنفي، الذين سارو في نفس الاتجاه،
أما المذهب الحنبلي فقالو بأنها شروط ملزمة يجب الوفاء بها[18]، وهو الاتجاه الذي تبنته مدونة الأسرة بهذا الخصوص، لما اعتبرت وجود شرط عدم التزوج على الزوجة في عقد الزواج سببا يبرر منع التعدد.
المبحث الثاني: شروط ومسطرة التعدد
  متى توفرت الشروط التي تطلبها المشرع (المطلب الأول) يمكن للمحكمة أن تأمر بالإذن بالتعدد عبر مجموعة من الإجراءات (المطلب الثاني).
المطلب الأول: شروط تعدد الزوجات في مدونة الأسرة
   مما لا خلاف فيه، فإن مدونة الأسرة–على غرار الشريعة الإسلامية- وإن أباحت التعدد فقد قيدته بشروط، مما يعني أنه استثناء وليس أصل، وهو تشريع للطوارئ فقط[19].
وفي ذلك تنص المادة 41 من مدونة الأسرة على أنه:
" لا تأذن المحكمة بالتعدد:
- إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي و الاستثنائي،
- إذا لم تكن لطالبه الموارد الكافية لإعالة أسرتين، وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة".
يتضح من خلال المادة أعلاه، أنه يشترط شرطين لمنح الإذن بالتعدد، سنتطرق إليهما تباعا على الشكل التالي:
الفقرة الأولى: إثبات المبرر الموضوعي والاستثنائي
   كعادة المشرع، لم يعرف المبرر الموضوعي والاستثنائي، تاركا أمر ذلك للفقه والقضاء، وبالتالي فالمحكمة وهي تنظر في الطلب يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تقدير ما إذا كانت الأسباب والمبررات المقدمة من طرف الزوج تستدعي منحه الإذن بالتعدد أو رفض طلبه.
من خلال الاطلاع على الاجتهاد القضائي، يتضح مدى الاختلاف الحاصل حول مدلول هذا المبرر، إذ إن القضاء ليس له موقف واحد بهذا الخصوص، إذ يختلف من محكمة إلى أخرى ومن هيئة إلى أخرى ومن حالة إلى أخرى.
 فمثلا المحكمة الابتدائية للفقيه بن صالح، تأذن بالتعدد بسبب هجر الزوجة الأولى للفراش لمدة طويلة[20]، وتأذن به لمرض الزوجة الأولى وعدم قدرتها على القيام بشؤونها دون مساعدة الغير[21]، وتأذن به لعدم قدرة الزوجة الأولى على الجماع[22]،
في حين نجد المحكمة الابتدائية بتزنيت ترفض الإذن بالتعدد لامتناع الزوجة عن المعاشرة الجنسية، رغم موافقتها على التعدد، معتبرة امتناع الزوجة عن المعاشرة الجنسية لا يعد مبررا موضوعيا واستثنائيا، بل اعتبرت موقف الزوجة في الامتناع عن المعاشرة موقفا سليما، ودعت الزوج إلى احترام موقفها الذي لا تلام عليه من وجهة نظر المحكمة[23].
كما أن المحكمة الابتدائية لإنزكان لم تعتبر الرغبة في إشباع الرغبة الجنسية في الحلال رغم موافقة الزوجة مبررا استثنائيا لمنح الاذن بالتعدد، فقضت برفض طلبين قدما أمامها[24].
تجدر الإشارة إلى أن الزوج ملزم بإثبات هذا المبرر تحث طائلة عدم قبول طلبه.
الفقرة الثانية: التوفر على الموارد الكافية لإعالة أسرتين
   من البديهي أن القدرة المالية على الزواج أمر ضروري وشرط أساسي في الزواج الأول فبالأحرى التعدد.
يسعى هذا الشرط الذي نصت عليه المادة 41 من مدونة الأسرة، إلى إقامة نوع من العدل بين الأسرتين على الأقل من الناحية المادية، وذلك من نفقة ومساواة في جميع مناحي الحياة بين الأسرتين.
ويتحمل الزوج طالب الاذن بالتعدد، عبء إثبات توفره على الموارد الكافية، وتستنتج هذه القدرة غالبا من أموال الزوج  وما يملكه من عقارات ومنقولات ومداخيل ثابتة.
وتملك المحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقدير الإثباتات المقدمة من طرف الزوج.
وفي هذا الصدد، تنص الفقرة الثانية من المادة 42 من مدونة الأسرة، على أن الطلب يجب أن يكون مرفقا بإقرار عن الوضعية المادية لطالب التعدد.
المطلب الثاني: مسطرة التعدد
    نص المشرع في مدونة الأسرة على مجموعة من الاجراءات التي تتبع للحصول على الإذن بالتعدد ابتداء من تقديم الطلب إلى غاية صدور الحكم بالقبول أو الرفض، والتي سنتطرق إليهما تباعا في الفقرات الأتية:
الفقرة الأولى: تقديم طلب الاذن بالتعدد
   إذا تحققت الشروط التي تطلبها المشرع للتعدد – المشار إليها أعلاه- وانتفت موانعه، يمكن للراغب في ذلك تقديم طلب بذلك إلى المحكمة المختصة، يطلب فيه الاذن له بالتعدد.
يجب أن يتضمن هذا الطلب بيان الأسباب الموضوعية و الاستثنائية المبررة له وأن يكون مرفقا بإقرار عن وضعيته المالية[25].
الفقرة الثانية: استدعاء الزوجة
   ابتغاء البت في الطلب، تستدعي المحكمة الزوجة المراد التزوج عليها للحضور، فإذا توصلت شخصيا ولم تحضر أو امتنعت عن تسلم الاستدعاء، توجه إليها المحكمة عن طريق عون كتابة الضبط إنذارا تشعرها فيه بأنها إذا لم تحضر في الجلسة المحدد تاريخها في الإنذار، فإن المحكمة ستبت في طلب الزوج في غيابها.
  يمكن كذلك البت في طلب الزوج أذا أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعاؤها فيه، غير أنه إذا كان سبب عدم توصل الزوجة بالاستدعاء ناتج عن تقديم الزوج بسوء نية لعنوان غير صحيح أو تحريف في اسم الزوجة، تطبق عليه العقوبة المنصوص عليها في الفصل 361 من القانون الجنائي، بطلب من الزوجة المتضررة.
  لقد كانت إرادة المشرع لما نص على التوصل الشخصي للزوجة للاستدعاء، هو اغلاق باب التحايل في وجه الزوج[26].
الفقرة الثالثة: المناقشة في غرفة المشورة لإجراء محاولة للصلح
    نص المشرع على أن المناقشة تجرى داخل غرفة المشورة بالمحكمة المختصة، بحضور الطرفين، ويستمع إليهما لمحاولة التوفيق والإصلاح، بعد استقصاء الوقائع وتقديم البيانات المطلوبة،  وللمحكمة أن تأذن بالتعدد بمقرر معلل غير قابل لأي طعن، إذا ثبت لها مبرره الموضوعي و الاستثنائي، وتوفرت شروطه، مع تقييده بشروط لفائدة المتزوج عليها وأطفالها[27].
أما إذا ثبت للمحكمة من خلال المناقشات تعدر استمرار العلاقة الزوجية، وأصرت الزوجة المراد التزوج عليها على المطالبة بتطليقها، حددت المحكمة تبعا لذلك مبلغا لاستفاء كافة حقوق الزوجة و أولادهما الملزم الزوج بالإنفاق عليهم، ويجب على الزوج إيداع المبلغ المحدد داخل أجل لا يتعدى سبعة أيام.
وبمجرد إيداع المبلغ المحدد، تصدر المحكمة حكما بالتطليق، يكون هذا الحكم غير قابل لأي طعن في جزئه القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية أما الجزء المتعلق بالمستحقات فإنه يبقى قابلا للطعن بالاستئناف.
كما أن عدم إيداع المبلغ المذكور داخل الاجل المحدد، يعد بمثابة تراجع عن طلب الاذن بالتعدد.
أما إذا تمسك الزوج بطلب الاذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97 من مدونة الأسرة[28].
الفقرة الرابعة: إشعار الزوجة المراد التزوج بها
   نصت المدونة[29] على أنه في حالة الإذن بالتعدد، لا يتم العقد مع المراد التزوج بها إلا بعد إشعارها من طرف القاضي بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك.
 يضمن هذا الإشعار والتعبير عن الرضى في محضر رسمي.
وبذلك يكون المشرع قد أوجد ضمانة للمرأة التزوج بها، لتكون على بينة من أمرها تفاديا لأي تحايل أو رجوع من طرف الزوجة.
خاتمة
    يعتبر موضوع تعدد الزوجات مجالا خصبا للنقاش بين مؤيديه ومنتقديه، كثر القيل والقال عليه،
مما لا شك فيه أن تعدد الزوجات أمر مباح شرعا، يتم اللجوء إلى إليه متى توفرت شروطه ودعت الحاجة إلى ذلك، كما يتعين على المشرع تحديد المقصود بالمبرر الموضوعي الاستثنائي لتلافي الاختلاف الحاصل بشأنه من طرف القضاء.
إن المتأمل في الواقع الاجتماعي، يرى مدى استفحال ظاهرة العنوسة في المجتمع، ولعل أسبابها كثيرة، والتخفيف منها يكون بالتعدد متى استطاع الفرد إلى ذلك سبيلا.
كما أن تعد الزوجات أفضل بكثير من تعدد الخليلات، واشباع الرغبة الجنسية عن طريق النكاح المشروع في إطار التعدد، أولى و افضل من السفاح الممنوع في إطار حرام التلذذ، ولا شك أن حلال التعدد هو مصلحة للدين والأخلاق والمجتمع.
إن مشرع المدونة يسعى إلى التضييق على ممارسة التعدد بفرضه شروطا تعجيزية، إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار أن يكون  تقييد أو منع التعدد يهدف إلى تحقيق مصلحة حقيقية أو أن يدفع مضرة واقعة أو متوقعة، من جهة، ومن جهة أخرى أن تكون مرجعتيه الشريعة الإسلامية وليس المرجعية الدولية من الاتفاقيات والمعاهدات، كما تدعو إلى ذلك المنظمات النسائية ومن يحدو حدوهن من النسائيين[30].
لنا أن نتساءل في هذا السياق، عن الحماية التي جاء بها المشرع للمرأة، في ظل هذه المسطرة التعجيزية، خاصة في الحالة التي يتحايل فيها الزوج على الزوجة والقانون، بسلوكه الطريق السهل --مسلك فرض الأمر الواقع-،؟ وبعد مدة من الزمن يتقدم إلى المحكمة بدعوى ثبوت الزوجية، ألا يشجع المشرع بهذه الشروط التعجيزية بعض الأزواج إلى اللجوء إلى زواج الفاتحة؟؟؟
كان على المشرع ما دامت رغبته تقييد تعدد الزوجات، أن يسد البا وراء كل تحايل على القانون، التي تكون الزوجة ضحية في غالب الأحوال.
أتكونحمايةالمرأةبفتحالبابعلىمصراعيهعلىأبغضالحلال؟، وأيهما أهون على الزوجة الطلاق أم استمرار كيان الأسرة؟؟؟.
ختاما ألتمس العذر من القارئ الكريم، إن خانتني الكلمات أو تجاوزت في حق البعض، أو أسأت في تقريب الموضوع، الذي يبقى على كل حال وجهة نظر لا تخلو من نقائص نتيجة سهو أو سوء فهم أو تقصير في البحث، فسبحانه وحده المتفرد بصفات الكمال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1-  العلمي الحراق، مدونة الأسرة والتوثيق العدلي – دراسات وتعاليق-، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط ، الطبعة الأولى 2005، ص 7.
2-  العلمي الحراق، م س، ص 6.
3-  الظهير الشريف رقم 1.04.22 صادر في 12 ذي الحجة 1424(3 فبراير 2004 ) بتنفيذ القانون 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 14 ذي الحجة 1424 (5 فبراير 2004) ص 418.
4- من ديباجة مدونة الأسرة.
5- سورة النساء الآية 3.
6-  محمد كمال الدين إمام، الزواج والطلاق في الفقه الإسلامي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى،  1995، ص102.
7-  أستاذنا عبد الرزاق أيوب، أحكام الزواج والطلاق في مدونة الأسرة، مطبعة قرطبة أكادير، طبعة 2015، ص 86.
8-  عبد الكريم شهبون، الشافي في مدونة الأسرة، الجزء الأول، مكتبة الرشاد سطات، الطبعة الأولى 2006،  ص 124.
9-  عبد الله بن الطاهر السوسي، مدونة الأسرة في إطار المذهب المالكي وأدلته، الطبعة الثانية، 2014، مطبعة النجاح الجديدة، ص 199.
10-                  المادة 40 من مدونة الأسرة.
11-                  سورة النساء الآية 3.
12-                  عبد الله بن الطاهر، م س. ص 199.
13-                  أستاذنا عبد الرزاق أيوب، م س، ص87.
14-                  عبد الله بن الطاهر، م س. ص 199.
15-                  سورة النساء الآية 129.
16-                  أحمد الخمليشي، التعليق على قانون الأحوال الشخصية، الجزء الأول، الزواج والطلاق، الطبعة الثالثة، دار نشر المعرفة، ص 116.
17-                  محمد الكشبور، الوسيط في شرح مدونة الأسرة، الكتاب الأول عقد الزواج واثاره، دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 2009، ص 290.
18-                  عبد الله بن الطاهر، م س. ص 202.
19-                  أستاذنا عبد الرزاق أيوب، أحكام الزواج والطلاق في مدونة الأسرة، م س. ص 86.
20-                  حكم صادر بتاريخ 12 مارس 2007، وزارة العدل، المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، الجزء الأول، ص 50. أورده الأستاذ عدي البشير، في مقال له بعنوان: تعدد الزوجات في مدونة الأسرة والعمل القضائي، منشور بمجلة العلوم القانونية (marocdroit) بتاريخ 17 أبريل 2014.
21-                  حكم صادر بتاريخ 30 أبريل 2007، وزارة العدل، م س. ص 50.
22-                  حكم صادر بتاريخ 19 نونبر 2007. وزارة العدل، م س. ص 50.
23-                  حكم صار بتاريخ 3 نونبر 2007. اورده الأستاذ عدي البشير في المقال المشار إليه في المرجع السابق.
24-                  حكم صادر بتاريخ 9 يونيو 2009. اورده الأستاذ عدي البشير، م س.
25-                  وفقا لما تقضي به المادة 42.
26-                  أستاذنا عبد الرزاق أيوب، م س. ص 91.
27-                  طبق لمقتضيات المادة 44 من المدونة.
28-                  كما تفيد بذلك المادة 45 من المدونة.
29-                  تحديدا المادة 46.

30-                  عبد الله بن الطاهر، م س. ص 208.

تعليقات