القائمة الرئيسية

الصفحات



إطلالات على قانون المسطرة الجنائية الإطلالة الأولى - في حماية بعض الفئات الهشة الدكتور عبد الحكيم الحكماوي




إطلالات على قانون المسطرة الجنائية
الإطلالة الأولى - في حماية بعض الفئات الهشة
كتبها الدكتور عبد الحكيم الحكماوي
نائب أول لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط
أستاذ زائر بكلية الحقوق سلا
باحث قانوني
لقد عرف قانون المسطرة الجنائية مجموعة من التحولات التي همت عددا من الجوانب منها ما يتصل بالحقوق ومنها ما يرتبط بالمقاربة المعتمدة في التعديل ومنها ما يشكل تفاعلا مع ما ذهب إليه العمل القضائي وأثبتت التجربة أنه يشكل نقصا يجب تداركه.
غير أن مجموع المقاربات التي اعتمدها واضع القانون لسنة 2003 أو واضع التعديلات التي عرفها ذلك القانون لم تصل إلى الهدف المنشود والمتمثل في حماية بعض الفئات الهشة مثل القاصرين وذوي الاحتياجات الخاصة. لذلك فإن المشرع الذي تولى وضع قواعد هذا القانون أغفل بعض الأحكام التي من شأنها ضمان حقوق هذا الصنف من الفئات الهشة.
ولعل أهم قصور تشريعي تعرفه المسطرة الجنائية في هذا الخصوص ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها : "غير أنه إذا كان الضحية قاصرا أوتعرض لاعتداء جرمي ارتكبه في حقه أحد أصوله أو من له عليه رعاية أو كفالة أو سلطة، فإن أمد التقادم يبدأ في السريان من جديد لنفس المدة ابتداء من تاريخ بلوغ الضحية سن الرشد المدني."
لا شك في أن إرادة واضع هذا المقتضى كانت متجهة إلى ضمان حماية حقيقية للضحايا الذين تتوفر فيهم سمات القصور في إدراك الأشياء إدراكا حقيقيا، لذلك فإن واضع هذا المقتضى كان يسير في اتجاه إعطاء الفرصة لمن كان قاصرا بأن يدافع عن حقه بعد بلوغه سن الرشد المدني، خاصة وأنه قبل ذلك يكون مكبلا بمجموعة من القيود القانونية والأدبية التي قد تحول دون مباشرته لإجراءات حماية حقه.
غير أن المشرع لما وضع معيار السن كأساس لمنح الحق في الاستفادة من أجل جديد للتقادم يساوي نفس المدة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من نفس المادة، و اعتبر ذلك المعيار معيارا وحيدا يكون قد أغفل الجزء الأكبر من المقاربة المعتمدة عندما لم يتطرق لمجموعة من الحالات التي شكلت وتشكل مانعا قانونيا حقيقيا لتجسيد الحماية المنشودة للفئات الهشة.
وهنا وجب الانطلاق في مقاربتنا هاته من أساس الحماية المتمثل في كون الضحية الذي يستفيد من أجل جديد للتقادم؛ إنما يستفيد منه لكون قواه العقلية لم تكتمل بعد قبل بلوغه سن الرشد المدني وأثناء تعرضه للاعتداء من طرف الفئات المحددة بالفقرة الثانية من المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية.
لذلك وجب التقيد بنفس الأساس ونفس المقاربة من أجل تمديد الحماية لكل ضحية بلغ سن الرشد المدني - الذي حددته مدونة الأسرة في 18 سنة شمسية كاملة وفق ما نصت عليه المادة 209 – غير أنه بلغ السن المذكور وهو مصاب بعاهة من العاهات التي من شأنها التأثير على أهليته إما تأثيرا كليا فتُعدم كما هو الحال بالنسبة للمعتوه أو للمجنون جنونا مطبقا أو تأثيرا جزئيا فتعدم في فترات معينة من الزمان كحالة الجنون غير المطبق أو المقتصرة على تصرفات معينة دون غيرها كحالة السفه.
فإذا كان المشرع قد اعتمد معيارا شخصيا هو سن الرشد المدني فإن الأساس القانوني لهذا المعيار هو ما تقتضيه مدونة الأسرة نفسها. وهنا يجب الوقوف على أمر غاية في الأهمية، وهو أن معيار سن الرشد المدني الذي تكتمل به أهلية الشخص لممارسة حقوقه كاملة يعتبر أصلا يلزم منه مراعاة عوارضه لنرى ما إذا أصبح الضحية متكسبا لمركزه القانوني السليم في مواجهة الغير بمن فيهم أولياء الأمور الحقيقيين أو الحكميين ، أم لم يكتسبه بعد.
وعليه فقد كان على واضع القاعدة التشريعية المذكورة أن يستحضر الحالات التي تكون فيها أهلية الضحية إما ناقصة ) انظرالمادة 213 من مدونةالأسرة ( أو منعدمة )المادة 217 من نفس المدونة( وهو بصدد وضع تلك القاعدة؛ ليدخل مجموع تلك الحالات في تلك الصياغة لتتضح قوة النظرة التشريعية القائمة على حماية ذوي الاحتياجات الخاصة البالغين سن الرشد المدني كما ضمنت حقوق من لم يبلغ السن المذكور.
و تأسيسا على ذلك فإننا نقترح على المشرع أن يعدل مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية وفق النحو التالي: "غير أنه إذا كان الضحية قاصرا أوتعرض لاعتداء جرمي ارتكبه في حقه أحد أصوله أو من له عليه رعاية أو كفالة أو سلطة، فإن أمد التقادم يبدأ في السريان من جديد لنفس المدة؛ ابتداء من تاريخ بلوغ الضحية سن الرشد المدني؛ ابتداء من تاريخ اكتمال أهلية الراشد مدنيا "
ووفق هذا المقترح يمكن أن نضمن الحماية القانونية لفئة الضحايا الذين لم يبلغوا سن الرشد المدني متى كانوا ضحية اعتداء عليهم من طرف ذوي الولاية عليهم بالنسبة للحالة الأولى . وأما الحالة الثانية وهي موضوع المقترح فتعتبر من وجهة نظرنا أساس الحماية المقترحة لباقي أنواع الفئات الهشة، وتشمل هذه الحماية :
أولئك الضحايا البالغين سن الرشد المدني في وضعية تكون معها أهليتهم منعدمة، كالشخص البالغ سن الرشد المدني وهو مجنون، ففي هذا الحالة لا يمكن حرمانه من الاستفادة من أجل جديد للتقادم لمجرد بلوغه سن الرشد المدني وإنما يجب أن يتمتع بهذا الحق مباشرة بعد ارتفاع المانع الذي اعترض أهليته. ومثاله الشخص الذي بلغ سن الرشد المدني المحدد في 18 سنة شمسية كاملة وهومجنون؛ فيبقى تحت وصاية وولاية الغير حسب ما يقتضيه القانون فيكون ضحية جنحة مثلا اقترفها في حقه هذا الولي أو الكافل أو الوصي، غير أن قواه العقلية لا ترجع إليه إلا بعد مضي أربع سنوات من ارتكاب تلك الجنحة، فهل تضيع حقوق هذه الضحية استنادا إلى أنه بلغ سن الرشد المدني؟ نعتقد أن في مثل هذه الحالات يجب أن يمنح المشرع لمثل هذه الحالات حماية قانونية ويمَكِّنهم من الحق في الاستفادة من أجل جديد للتقادم ابتداءا من تاريخ ارتفاع المانع الذيحال دون اكتمال أهليتهم.
ومن الأمثلة التي يمكن أن تندرج في الحالة الثانية المقترحة أيضا؛ حالة بلوغ الضحية سن الرشد المدني فيصاب بسفه يجعله يبذر معه ماله تبذيرا يضر معه به مصالحه المالية ومصالح أسرته فيستغل وليه أو كافله أو وصيه أو من له سلطة عليه تلك الحالة ليحدث له ضررا بذمته المالية. هنا وجب على المشرع استحضار مثل هاته الحالات ليحمي هاته الفئة و يمتعها بحق الأجل الجديد للتقادم وعدم الاكتفاء بمعيار بلوغ سن الرشد القانوني فقط. و للإشارة فإن صورة مماثلة لمثل هذه الصورة ذكرها المشرع في الفصل 552 من القانون الجنائي غير أنها لا تتعلق بالتقادم وإنما بالحماية ذاتها على اعتبار أن السفيه لا يعي بأن الأفعال المقترفة في حقه هي أفعال ضارة وإنما يعتبرها صحيحة مما يجعل قواه العقلية منعدمة في هذاا لشق من تصرفاته ولا يعرف حقيقة ما يقدم عليه من أفعال إما بصورة إرادية أو بتحريض من الغير.
ومن أجل ذلك كله لابد من العمل على ضمان أقصى صور الحماية للفئات الهشة تجسيدا للمجهودات المبذولة في هذا الصدد وتتويجا لتلك المجهودات على المستوى التشريعي.

تعليقات