حتى يكون القضاء ناجزا وعادلا يجب أن تتوفر للمتقاضي جملة من الضمانات أهمها حق التقاضي على درجتين الذي يخول لكل من إنصرفت قناعته عن قبول الحكم الصادر عن محكمة البداية أن يرفع النزاع إلى أنظار محكمة الدرجة الثانية بهيئة أخرى.
ومن بين مظاهر تكريس مبدإ التقاضي على درجتين الاستئناف الذي يعد وسيلة طعن عادية و التي يمكن أن نقول عنها بأنها وسيلة نموذجية باعتباره يمكن من إعادة النظر في الدعوى واقعاً و قانوناً. و الطعن بالاستئناف تكريس لمبدإ التقاضي على درجتين و الذي هو وسيلة أساسية لضمان عدالة الأحكام و إن كانت له كل هذه الجدوى إلا أنه لم يكن مألوفا في الأنظمة القانونية التقليدية، فلا نجد له أثرَا في الفقه الإسلامي ذلك أن الطعن في الأحكام مشروط بمخالفتها لدليل شرعي قطعي فلا ينقضي بالإجتهاد و الشبهة كافية لدفع الحدود.
أما في فرنسا فقد شهد مفهوم الاستئناف تطوراً عميقاً حيث نشأ هذا المفهوم في العصور الوسطى في ظل القانون الفرنسي القديم كآلية سياسية لتكريس سيادة المحاكم الملكية على المحاكم الإقطاعية و الكنيسة باعتبار أن الملك هو المصدر الوحيد للسيادة و قد انتصبت المجالس الملكية مؤلفة من قضاة مكلفين بالإشارة على الملك في الغرض و هو سر بقاء تسمية "المستشارين".
و بالنسبة للبلاد التونسية فإنها لم تعرف درجات التقاضي بحكم أخذها بالنظام القضائي في الإسلام كما لم تكن تعرف نظام القضاء المجلسي حيث كان القضاء فردياً ينظر في النزاع على درجة واحدة لكن مع دستور 26 أفريل 1861 تم لأول مرة وضع تسلسل قضائي مبني على مبدأ التقاضي على درجتين مع محكمة عليا في قمة الهرم القضائي و قد نص الفصل 24 على إحداث المحاكم المدنية و التجارية و الجزائية. غير أن تعليق العمل بدستور عهد الأمان سنة 1864 تبعه إلغاء العمل بهذا النظام.
و بعد دخول السلطات الحمائية أصبح التنظيم القضائي من جديد قائماً على مبدأ التقاضي على درجتين بحيث كانت "محكمة الوزارة" صاحبة النظر في الطعون الموجهة ضد إقرارات المحاكم الشرعية و الفرنسية و محاكم الأحبار. و إثر الإستقلال تمّ تكريس مبدإ التقاضي على درجتين في المادة المدنية.
و يشكل الاستئناف ضماناً هاماً للعدالة و ذلك من وجهتين، وجهة علاجية: من حيث أن قضاة الدرجة الثانية هم أكثر عدداً و أوسع خبرة سيمكنهم تعديل حكم قضاة الدرجة الأولى و تصحيح أخطائه و نقائصه. و من جهة وقائية: على اعتبار أن قضاة الدرجة الأولى سيقبلون و الحالة تلك على مضاعفة الجهود لتفادي الأخطاء القضائية التي من شأنها التأثير على عددهم الصناعي و على درجتهم في السلم الوظيفي.
و يعرّف الإستئناف بأنه الطريق العادي للطعن في حكم محكمة أول درجة أمام محكمة أعلى درجة، و يقصد به تحديد النزاع أمامها و التوصل بذلك إلى إلغاء الحكم المطعون فيه أو تعديله. [1] فالإستئناف كطريقة من طرق الطعن في الأحكام يهدف إلى إتاحة الفرصة لمن صدر ضده حكم من محكمة درجة أولى يمسّ بحقوقه و حرياته أو يضر بها، أن يعيد طرح موضوعه بكافة عناصره الواقعية و القانونية مرّة ثانية أمام محكمة الدرجة الثانية بموجب الإستئناف. وإعادة طرح موضوع الدعوى يهدف إلى مراجعته و فحصه مرّة ثانية بواسطة قضاة أكثر خبرة و تجربة من قضاة أول درجة بهدف إصلاحه إذا اعتبرنا أن هذا القضاء معيبا في إجراءاته أو مخطئا فيما قام به من تقدير للوقائع أو إعمال للقانون .
و التقاضي على درجتين هو حق "يخول لكل طرف في الحكم الصادر أن يطعن فيه و هو ما يشكل ضماناً من ضمانات حق التقاضي، و لقد أقر المشرع في هذا الإطار و لمزيد التأكيد على الأخذ به و التأكيد على أهميته بأنه لا يمكن التنازل عنه إذ أنه مسألة لها علاقة بالنظام العام و لا يجوز مخالفته عن طريق الاتفاق [2] و قد وقع إلغاء الفصل 279 م.م.م.ت "لا يقبل الاستئناف... إذا كان الخصوم قد تنازلوا صراحة عن حق الاستئناف أو كانت قيمة الدعوى لا تتجاوز ما يحكم به نهائياً, لأن فيه مس بحقوق الدفاع. و إن كان المبدأ أن محاكم الدرجة الثانية هي التي يقع فيها استئناف الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى إلا أنه من خلال الفصل 40 م.م.م.ت و بعض الفصول القانونية الأخرى نجد أن المشرع أعطى هذه الوظيفة للمحكمة الإبتدائية التي هي محكمة درجة أولى و جعل منها محكمة درجة ثانية في نزاعات معينة و أخضعها لنفس الإجراءات والشروط المنطبقة على محكمة الاستئناف.
لقد حددت مجلة المرافعات المدنية و التجارية في إطار نصوصها القانونية؛ القواعد العامة المعمول بها في القيام بالاستئناف و قد أخضع المحكمة الإبتدائية بوصفها محكمة استئناف لنفس القواعد من خلال تكريس نفس الشروط(الفرع الأول) ونفس الأثار(الفرع الثاني).
الفرع الأول: شروط الاستئناف
لقد أخضع المشرع الطعن إلى شروط متعلقة بطبيعة الحكم المطعون فيه (الفقرة الأولى) و شروط متعلقة بالآجال (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الشروط المتعلقة بالحكم المطعون فيه و الأطراف
إن الطعن موجه ضد الأحكام التي تصدر إبتدائياً سواء كانت صادرة عن محاكم إبتدائية أو محاكم الناحية . حسب أحكام الفصل 40 م م م ت و منذ تعديل الفصل 39 م م م ت بموجب القانون المؤرخ في 22 ماي 1994، أصبحت الأحكام الصادرة عن محكمة الناحية جميعها إبتدائية الدرجة و يمكن الطعن فيها بالاستئناف و هي الطرق التي قررها القانون تأسيساً لمبدأ التقاضي على درجتين و هو حق إجرائي نشأ نتيجة صدور حكم في القضية [3]. و يتجه استئناف الحكم أو القرار الصادر عن المحكمة وفق ما هو منصوص عليه بـ م.م.م.ت سواء كان الاستئناف موجه ضد كل الحكم أو جزء منه حسب ما تقتضيه طبيعة الحكم و لا يمكن ممارسة الاستئناف إلا ضد القرارات و الأحكام القضائية.
فالقرار الصادر عن هيئة غير قضائية لا يعتبر حكماً و لو كان من بين أعضائها أحد القضاة، و القرار الصادر عن المحكمة بما لها من سلطة ولائية لا يعد حكماً ما لم ينص القانون على خلاف ذلك و هو لا يقبل مبدئياً الطعن بالطرق العادية [4]بل يخضع للإبطال و الرجوع [5].
أما حكم المحكمين فإنه يعد بمثابة حكم رغم صدوره من أشخاص ليس لهم في الأصل ولاية القضاء و يكون له بمجرد صدوره نفوذ الأمر المقضي به بالنسبة لموضوع الخلاف الذي بت فيه [6]، كما ينص الفصل 33 من مجلة التحكيم بأنه "يكون حكم هيئة التحكيم قابلة للتنفيذ تلقائياً من قبل الأطراف أو بصفة إجبارية بإذن من رئيس المحكمة الإبتدائية التي صدر بدائرتها الحكم، أو قاضي الناحية كل في حدود اختصاصه". و يقبل حكم المحكمين مبدئياً الطعن بالاستئناف [7] و ذلك طبق مقتضيات مجلة المرافعات المدنية و التجارية و الأحكام القابلة للاستئناف هي الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى (محاكم الناحية، المحاكم الإبتدائية، مجالس العرف، الدوائر التجارية).
و إثارة الاستئناف من عدمه هو مسألة راجعة للمتقاضين وحدهم لهم حق إثارتها من عدمها "و هو مبدأ يتعلق بمادة النزاع التي يضبطها الأطراف دون سواهم و لا دخل للقاضي فيها" [8]. و قد نص الفصل 152 م.م.م.ت على أنه "لا يمكن أن يرفع الاستئناف إلا من الأشخاص المشمولين بالحكم للمستأنف أو خلفائهم أو من ممثل النيابة العمومية في الأحوال التي عينها القانون. كما لا يجوز رفع الاستئناف على من لم يكن خصماً في الدعوى المتسلط عليها الحكم المستأنف". لقد أقر هذا الفصل شرطاً أساسياً يتعلق بالأطراف الذين يحق لهم ممارسة الاستئناف و قد أوردالمشرع قائمة فيها على سبيل الحصر و ليس الذكر, إذ لا يمكن لمن لم يكن طرفاً في النزاع أن يتولى القيام به. كما يجب أن تتوفر في الطاعن شروط القيام بالدعوة من صفة ومصلحة وأهلية وفق ما أقره الفصل 19 م.م.م.ت الذي ينص أن "حق القيام لدى محاكم يكون لكل شخص له صفة و اهلية تخولانه حق القيام بطلب ما له من حق و أن يكون للقائم مصلحة في القيام، و هذه المصلحة يجب أن تكون قانونية و موجودة و العبرة بقيام المصلحة في الطعن وقت صدور الحكم المطعون فيه" [9] و في إطار مجلة المرافعات المدنية و التجارية لم تورد أحكاماً خاصة بالأهلية فتطبق الأحكام الواردة بمجلة الالتزامات و العقود. بالإضافة لهذه الشروط الواجب توفرها في الاستئناف فإنه لابد من احترام الآجال القانونية.
الفقرة الثانية: الشروط المتعلقة بالآجال
إن الآجال لها مكانة بارزة في قانون الإجراءات المدنية و يمكن اعتبارها بمثابة الطقوس المفروضة على المتقاضين فعدم احترامها يؤدي إلى القضاء على أصل الحق.
و قد انتقد عديد الفقهاء هذه المغالاة في التمسك بالآجال و اقترحوا ضرورة التخفيف منها و قد ذهبت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة في قرار مبدئي في هذا الاتجاه إذ رأت أن "الحق يعلو و لا يعلى عليه تأسيساً على ذلك فإنه إذا تعارضت القاعدة الإجرائية مع الحق و أصبح حائلاً دون تأمينه بل و سبباً في هدره و قيامه فإنه يصبح من أوكد واجبات القضاء و هو الحارس الأمين على حقوق المتقاضين أن لا تصده الإجراءات الشكلية مع تغليب جوهر الحق عليها" [10].
لكن هذا القرار بقي يتيما و لم يجاريه فقه القضاء التونسي لأن الآجال تبدو ضرورية في أغلب الأحيان و لا يعقل أن تبقى آجال الطعن مفتوحة دون التقيد بأجل هذا إضافة إلى أن المشرع كان واضحاً في إقراره للجزاء المناسب في صورة الإخلال و عدم احترام هذه الآجال،و نظراً لأهميته سنتناول بالدرس بداية سريانها و جزاء عدم الاحترام.
لقد نظم المشرع التونسي ضمن مجلة المرافعات المدنية و التجارية آجال الطعن بالاستئناف بالفصل 141 المنقح بالقانون عدد 27 المؤرخ في 1 سبتمبر 1986 الذي ينص على أن "الأجل المضروب للاستئناف عشرون يوماً ينشأ من تاريخ بلوغ الإعلام بالحكم كما يجب للمحكوم عليه ما لم ينص القانون على تاريخ آخر أو طريقة أخرى". إن المشرع هنا كان واضحاً إذ نصّ على أن لا يبتدئ إحتساب الأجل إلا إذا بلغ الإعلام كما يجب و حسب إجراءات التبليغ المنصوص عليها بالقواعد العامة الواردة بالفصول 5 إلى 11 م.م.م.ت و التي تحدد طرق التبليغ الواجب توخيها من طرف العدل المنفذ عند الإعلام بالأحكام.
و إذا قام العدل المنفذ بالتبليغ بصفة قانونية، هل تحتسب آجال الطعن من يوم تبليغه أو من اليوم الموالي؟ لم يشر المشرع إلى هذه المسألة، و نص فقهاء على أن الأجل يبدأ من تاريخ الإعلام بالحكم و ما يلاحظ أنه لا يوجد نص عام في مادة الإجراءات المدنية و التجارية يحدد احتساب الآجال كما هو الشأن في القانون المغربي مثلاً إذ تنص المادة 512 من قانون المسطرة المغربية " جميع الآجال المنصوص عليها في هذا القانون كاملة فلا يحتسب اليوم الذي يتم فيه تسليم الاستدعاء أو التبليغ أو الإنذار أو أي إجراء آخر للشخص نفسه أو لمواطنه و لا اليوم الأخير الذي ينتهي فيه".
و بالنسبة للقانون التونسي يمكن الرجوع إلى الفصل 140 م ا ع الذي أقر قاعدة عامة يقع الرجوع إليها كلما تعلق الأمر باحتساب الآجال، و ينص "يوم ابتداء عدّ مدة الأجل لا يكون معدوداً منه و أن قدّر بالأيام فإنه يتم عند تمام اليوم الأخير منه" [11].
و قد أضاف الفصل 141 م ا ع بأن " الآجال بالنسبة للخصم المتغيب عن التراب التونسي فإنه يقع ترفيع الآجال بـ 30 يوماً ليصبح أجل الاستئناف 60 يوماً " و لكن في إطار هذا الفصل و لم يجب على إشكالية بداية احتساب الآجال إلا أنه تعرض لحل الإشكال إذا ما كان اليوم الأخير يوم عطلة رسمية يمتد الأجل إلى اليوم الموالي لانتهاء العطلة".
ولقد نص الفصل 142 م م م ت على إمكانية تعطيلها إذ "يبطل العمل بأجل الاستئناف إذا مات المحكوم عليه في أثنائه و يقع ابتداء الأجل من جديد لورثته من تاريخ إعلامهم بالحكم". إن هذه الحالة تهم قطع الآجال و الشرط المنصوص عليه هو أن يموت المحكوم عليه، و لذلك يصبح من الواجب توجيه إعلام جديد لورثته ليبدأ احتساب الآجال.
أما بالنسبة للسقوط فهو جزاء على عدم مباشرة الاستئناف في الآجال الذي حدده القانون و لا يهم إن كان هذا الإهمال ناتجا عن قصد أو خطأ أو إهمال [12].
و قد نص الفصل 143 م م م ت على هذا الإجراء بأنه "يسقط الاستئناف الواقع بعد الأجل القانوني و يجوز للمستأنف ضده إلى حد ختم المرافعة بعد أن فوّت على نفسه أجل الطعن أو سبق منه قبول الحكم قبل رفع الاستئناف الأصلي أن يرفع استئنافاً عرضياً...". و إن كان هذا الفصل ينص على أسباب السقوط فإن الفصل 13 م م م ت أكد أن "المسقطات كلها وجوبية تتمسك بها المحكمة من تلقاء نفسها" و هي قاعدة لها مساس بالنظام العام [13]. وأجل السقوط لا يقبل القطع أو التعليق.
الفرع الثاني: آثار الاستئناف
يترتب عن الاستئناف أثرين هامين: تعليقي و انتقالي
الفقرة الأولى: المفعول الانتقالي للاستئناف
يترتب على الاستئناف نقل النزاع الذي طرح أمام محكمة الدرجة الأولى إلى محكمة أعلى درجة لإعادة النظر فيه وهو ما أوضحه الفقيه أحمد أبو الوفاء في تعريفه لمفهوم المفعول الإنتقالي للاستئناف بقوله :" يترتب على رفع الاستئناف طرح النزاع المرفوع عنه الاستئناف على محكمة الدرجة الثانية لتفصل فيه من جديد ولها كل ما لمحكمة الدرجة الأولى من سلطة في هذا الصدد فهي تبحث وقائع الدعوى وتقوم بإتخاذ ما تراه من إجراءات الإثبات وتعيد تقدير الوقائع من واقع ما قدم إليها من مستندات ومن واقع دفاع الخصوم ثم هي أخيرا تطبق القاعدة القانونية التي تراها صحيحة على وقائع الدعوى [14]
ويخضع الأثر الإنتقالي إلى قيود أولها : ضرورة التقيد بالطلبات المنظور فيها في الدرجة الأولى وثانيها : ضرور التقيد بما تسلط عليه الاستئناف وثالثها : ضرور التقيد بأطراف خصومة الاستئناف . فنتيجة للقيد الأول لا يمكن أن يتقدم لمحكمة الدرجة الثانية بطلبات جديدة لم يسبق طرحها أمام محكمة الدرجة الأولى كما أنه لا تطرح على محكمة الدرجة الثانية من الطلبات إلا ما فصلت فيه الأولى وأساس هذه القاعدة هوأن الهدف من مبدإ التقاي على درجتين يكمن في التجريح في الحكم الإبتدائي ولا يتصور تبعا لذلك إرتكاب المحكمة الإبتدائية لخطإ في أمر لم يعرض عليها أو عرض عليها ولم تفصل فيه لسبب ما. [15]
وقد كرس المشرع هذه القاعدة في الفصل 147 م م م ت الذي جاء فيه :" الدعوى التي حكم فيها إبتدائيا لا يمكن الزيادة فيها ولا تغييرها لدى الاستئناف ولو رضي الخصم بذلك " . وتقوم هذه القاعدة على حماية مبدإ التقاضي على درجتين لما يترتب عن تقديم طلبات جديدة من تفويت لدرجة من درجات التقاضي. ووفقا للقيد الثاني لا تنتقل الطلبات المفصولة في الطور الإبتدائي برمتها لمحكمة الدرجة الثانية بل لا ينتقل منها إلا ما تسلط عليه الاستئناف. وتبعا لذلك لا يجوز لهذه الأخيرة أن تنظر فيما لم يعرض عليها التي يعتبر الطاعن بسكوته عنها مسلما بها فيتصل بها القضاء وتحوز قوة الأمر المقضي به.
وعملا بالقيد الثالث ، لا يستفيد من الطعن بالاستئناف إلا من رفعه ، فإذا تعدد الأطراف في الطور الإبتدائي لا يكون للاستئناف من أثر إلا تجاه من رفعه ورُفع ضده. إلا أنه إذا كان الحكم صادرا في موضوع غير قابل للتجزئة أوجب الفصل 154 م م م ت على المحكمة إدخال بقية الأطراف كما لو تعلق الأمر بحكم ببطلان عقد أو بتصفية شركة .
غير أن الأثر الإنتقالي وفقما تم توضيح مفهومه يخضع لحدود نظمها المشرع بالفصول 147 و 148 و149 م م م ت وتتعلق بأدلة الإثبات الجديدة وأوجه الدفاع والطلبات الجديدة والتداخل والإدخال في الاستئناف والاستئناف العرضي .
فعملا بالفقرة الثانية من الفصل 148 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية التي إقتضت :" وكذلك يمكن الإحتجاج بوسائل جديدة لدى الاستئناف " [16] خول المشرع للأطراف التمسك بدفوعات جديدة فاتهم التمسك بها في الطور الإبتدائي وهو ما أقرته محكمة التعقيب في قرارها الصادر بتاريخ 31/10/1976 تحت عدد 557. [17] كما أنه ولا إن أقر المشرع مبدأ عدم جواز تقديم طلبات جديدة -وفق ما سبق بيانه- فإنه نصّ على إستثناءات لهذه القاعدة ضمن مقتضيات الفصل 147 م م م ت الذي جاء فيه : " .....إلا إذا كانت الزيادة المطلوبة تتعلق بأداء أجر أو فوائض أو كراء أو بقايا ونحوها من الملحقات المتعلقة بالدعوى الأصلية والتي إستُحقت بعد صدور الحكم أو بغُرم ضرر تفاقم أمره بعد صدور الحكم أو بطلب الضمانات المستوجبة بالحكم".
وعلّة هذا الإستثناء هي أن هذه الطلبات تابعة للطلب الأصلي علاوة على أته لم يكن بالإمكان تقدبمها أمام محكمة البداية وأن عدم جواز تقيمها أمام محكمة الاستئناف سيؤدي إلى إعادة التقاضي الأمر الذي يتعارض مع مبدإ الإقتصاد في الإجراءات ويتجافى مع الهدف المراد بلوغه وهو ضمان حماية شاملة للمحكوم له . [18]
ويتعلق الإستثناء الثاني بجواز تغيير السبب المبني عليه الطلب إذا كان موضوع الطلب الأصلي باقيا على حاله وكان السبب الجديد غير قائم على وقائع جديدة لم يقع طرحها لدى محكمة الدرجة الأولى وفق ما إقتضاه الفصل 148 م م م ت, وذلك شريطة أن لا يترتب عن تغيير السبب –الذي يعرف بأنه الواقعة القانونية التي يستمد منها المدعي الحق في الطلب- تغييرا في الطلب .
أما الإستثناء الثالث فيتعل بإمكانية إدخال الغير أمام محكمة الدرجة الثانية وهو أمر قد تقتضيه الضرورة للصلة الوثيقة بين المراكز القانونية للعديد من الأفراد وذلك بهدف الإنضمام لأحد الخصوم أو إذا تعلق الأمر بشخص له حق الإعتراض على الحكم . و قد نص الفصل 144 م م م ت أن " الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف و ذلك في خصوص ما تسلط عليه الاستئناف". من خلال هذا النص يمكن القول أنه يمكن لمحكمة الدرجة الثانية النظر في الدعوى على الحالة التي كانت عليها قبل صدور حكم الدرجة الأولى و الذي قام الطاعن باستئنافه و في هذا الإطار تكريس لمبدأ التقاضي على درجتين بصورة عدلية، و قد سبق أن وضحنا هذا المبدأ. ذلك أن الاستئناف لا يعني أنه إعادة طرح القضية للدرس من جديد أي أنه كأن الحكم لم يكن. و لكنه هو ينقل القضية بالمقتضيات التي صدر بها الحكم و التي على أساسها وقع تأسيسه لينظر في الحكم و الوقائع ووجاهة كليهما. إلا أنه لا يمكن له تغيير الطلبات و هو ما سبق و وضحناه حين حللنا الفصل م م م ت و قد منع الفصل 147 م م م ت تقديم طلبات جديدة.
و إن كان الاستئناف درجة جديدة للتقاضي إلا أنه لا يمكن للقاضي تجاوز صلاحياته إلا أنه لا يمكن له تجاوز مقتضيات الفصل 146 م م م ت الذي ينص فيه أنه "لا يمكن لمحكمة الاستئناف أن تنظر إلا في خصوص ما وقع الاستئناف في شأنه" لقد نص على هذا المبدأ و لكن هناك دعاوى لا تقبل التجزئة إذ لا يمكن استئناف البعض دون الكل؛ أي أن الدعوى تنتقل برمتها.
الفقرة الثانية: الأثر التعليقي
ينص الفصل 146 م م م ت أن "استئناف الأحكام الإبتدائية يعطل تنفيذها إلا فيما استثناه القانون".ويستفاد من الفصل المذكور أن الاستئناف يوقف تنفيذ الحكم الإبتدائي إلى أن يتم إصدار حكم محكمة الدرجة الثانية بتعزيز حكم محكمة الدرجة الأولى أو بنقضه و هو مبدأ منطقي يجد أسسه في إطار مبدأ التقاضي على درجتين و هو ضمان لاستقرار الحقوق. إلا أن مبدأ المفعول التعليقي ليس مطلقا بل وردت عليه جملة من الإستثنائات المتعلقة بالتنفيذ الوقتي:
- استئناف الأحكام الاستعجالية لا يوقف تنفيذها [19]، و يمكن لرئيس محكمة الاستئناف إيقاف التنفيذ في حالة خرق واضح لأحكام الفصل 201 م م م ت و يمتد هذا الإيقاف لمدة شهر واحد.
- الأحكام المكسوة بالنفاذ العاجل حسب أحكام الفصل 125 و 126 م م م ت ويمكن إيقاف التنفيذ في حالة خرق لأحكام هذا الفصل و أيضاً لمدة شهر واحد. الأحكام و الأذون الصادرة بإسناد الغرامات عن فواجع الشغل تنفذ جزئياً و ذلك لصبغتها المعاشية حسب ما إقتضاه الفصل 84 من قانون فواجع الشغل والأمراض المهنية. أحكام الطلاق المتعلقة بالحضانة والنفقة والجراية العمرية وحق الزيارة لا يوقف تنفيذها الطعن بالإسئناف عملا بالفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية.
________________________________________
الهوامش
[1] ) عبد الحميد الشورابي: مرجع سابق : ص 20
[2] - SELMI Houcine, Le double dégrée de juridiction en droit privé tunisien, mémoire D.E.A, 1983-1984.
[3]- عبد المنعم حسن" طرق الطعن في الأحكام المدنية و التجارية" دار العلم للطباعة، 1975، صفحة13.
[4]- أقر المشرع بالفصل 223 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية إمكانية استئناف الأذون على العرائض.
[5]- الفصل 209 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية في خصوص الأذون على العرائض.
[6]- الفصل 32 مجلة التحكيم.
[7]- الفصل 4مجلة التحكيم.
[8]- HENRI Motulslly, Prologue consécration de principes.
[9]- قرار مدني عدد 36030 المؤرخ في 14/12/1992 نشرية محكمة التعقيب، القسم المدني، صفحة1.
[10]- قرار الدوائر المجتمعة عدد 3784 مؤرخ في 11 مارس 1980، مجلة القضاء و التشريع عدد 5، ماي 1980.
[11]- قرار تعقيبي مدني عدد 375 بتاريخ 20 ماي 1975، نشرية محكمة التعقيب لسنة 1976 جزء II، صفحة 6.
[12]- نور الدين الغزواني، مرجع سابق، صفحة16.
[13]- قرار تعقيبي مدني عدد 250 المورخ في 10 جوان 1976، نشرية محكمة التعقيب لسنة 1976 جزء II صفحة 106 .
[14] أحمد أبو الوفاء مرجع سابق
[15] أحمد أبو الوفاء مرجع سابق
[16] -الفصل148"يمكن تغيير السبب المبني عليه المطلب إذا كان موضوع الطلب الأصلي باقياً على حاله بدون تغيير و كان السبب الجديد غير قائم على وقائع جديدة لم يقع طرحها لدى محكمة الدرجة الأولى، و كذلك يمكن الإحتجاج بوسائل جديدة لدى الاستئناف".
[17] نشرية محكمة التعقيب 1976
[18] فتحي والي ، الوسيط في قانون القضاء المدني ، مذكور من قبل أحمد الجندوبي ، مرجع سابق.
[19]- الفصل 209 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية
المصدر: http://ar.jurispedia.org/
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم