القائمة الرئيسية

الصفحات



الصلح في الجنايات د. أحمد بن سليمان العريني








الصلح في الجنايات

د. أحمد بن سليمان العريني
القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض
20/2/1424هـ

بسم الله الرحمن الرحيم
       الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
       فهذا بحث عن الصلح في الجنايات أعددته للمشاركة في الندوة العلمية الثانية التي تقيمها رئاسة محاكم الطائف تحت عنوان (الصلح والتحكيم) وهو مختصر لبحث تكميلي أعددته لنيل درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء بعنوان ((الصلح في الجنايات)). وقد اختصرت هذا البحث بقدر الإمكان ليتناسب مع خطة الندوة.
       أسأل الله تعالى أن يجعل عملي خالصاً لوجهه وأن يجزي القائمين على هذه الندوة المباركة خير الجزاء وعلى رأسهم معالي وزير العدل وفقه الله لكل خير كما أشكر فضيله رئيس محاكم الطائف على جهوده الطيبة سدد الله الخطي وبارك في الجهود إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



د. أحمد بن سليمان العريني
القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض

الصلح في الجنايات واقع وتصويبات
التمهيد في تعريف الصلح والجنايات ومشروعية الصلح فيها:
أولاً: تعريف الصلح:
       الصلح لغة: اسم مصدر لصالحه، مصالحة وصلاحاً وهو ضد الفساد.
       والصلح من المصالحة وهي المسالمة. وهو استقامة الحال إلى ما يدعو إليه العقل والشرع والتئام شعب القوم المتصدع ([1]).
       وشرعاً: انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه ([2]).
ثانياً: تعريف الجناية:
       الجناية لغة: اسم لما يكتسب من الشر، وهي الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العقاب أو القصاص في الدنيا والآخرة مأخذوة من جني الثمر وهو أخذه من شجرة ([3]).
       وشرعاً: كل فعل محظور يتضمن ضرراً على النفس أو غيرها ([4]).
       قال ابن قدامة –رحمه الله-: الجناية كل فعل عدوان على نفس أو مال، لكنها في العرف مخصوصة بما يحصل فيه التعدي على الأبدان ([5]).
ثالثاً: مشروعية الصلح في الجنايات:
       مما لا شك فيه أن الصلح من مظاهر يسر الشريعة الإسلامية الغراء وهو مقصد من مقاصدها. وأي حاجة تدعو إلى البحث عن محاسن كتاب اسمه الصلح فهو على اسمه حقاً؟ وقد تظافرت الأدلة على مشروعيته من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول وهذه الأدلة منها ما هو دال على مشروعية الصلح عموماً وهذا كثير جداً. ومنها ما هو خاص بمشروعية الصلح في الجنايات وهو ما سأذكر له دليلاً واحداً من كل مصدر طلباً للاختصار:
       فمن الكتاب: قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ والْعَبْدُ بِالْعَبْدِ والأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ ورَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ([6]).
       فالعفو في الآية أن يقبل الدية في العمد. وعلى الطالب إتباع بالمعروف إذا قبل الدية وقوله تعالى: (وأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإحْسَانٍ) أي من القاتل من غير ضرر ([7]).
       ومن السنة: ما جاء في حديث عائشة –رضي الله عنها- أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بعث أباجهم بن حذيفة مصدقاً ([8]) فلاجه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالوا: القود يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لكم كذا وكذا. فلم يرضوا فقال: لكم كذا وكذا فلم يرضوا. فقال: لكم كذا وكذا فرضوا ([9]).
       ومن الإجماع: أجمعت الأمة الإسلامية على مشروعية الصلح عن دم العمد ([10]).
       ومن العقل: دل العقل على مشروعية الصلح في الجنايات من وجهين:
       الأول: أن القصاص حق ثابت في المحل في حق الفعل فجاز أخذ العوض عنه كملك النكاح([11]).
       الوجه الآخر: أن حق استيفاء القود قد يؤول إلى المال عند تعذر الاستيفاء فيصح إسقاطه بمال بطريق الصلح كحق الرد بالعيب. وهذا بخلاف حد القذف فإنه لا يؤول إلى ألمال بحال ([12]).
الفصل الأول
التمهيد: في موجب الجناية العمدية، وما يصلح أن يكون بدلاً من الصلح:
أولاً: موجب الجناية العمدية:
اختلف الفقهاء في موجب القتل العمد على قولين:
       القول الأول: أن موجب القتل العمد هو القصاص عيناً وعلى هذا فلا يلزم الجاني بدفع الدية إن أرادها ولي الدم، فإما أن يقتص منه وإما أن يعفو مجاناً إن لم يرض الجاني بدفع الدية. وهذا رأي الحنفية والمالكية وقول للشافعية ([13]).
       القول الآخر: أن موجب القتل العمد أحد شيئين: القصاص، أو الدية فيختار ولي الدم أحدهما إما أن يقتص أو يأخذ الدية عن القصاص ويجبر الجاني على دفعها. وهذا رأي الحنابلة وبعض الشافعية والظاهرية وروي عن سعيد ابن المسيب وابن سيرين وعطاء ومجاهد وغيرهم. وهو رواية عن الإمام ملك رحمه الله ([14]).
       استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
       قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى) فذكر القصاص ولم يذكر الدية.
       قوله صلي الله عليه وسلم: (من قتل عمداً فهو قود) ([15]).
       فنص الحديث على أن العمد موجب للقود، وهذا يدل على إبطال التخيير.
       واستدل أصحاب القول الآخر بما يلي:
       ما جاء عن بن عباس –رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) قال: العفو أن يقبل الدية في العمد ([16]).
       قوله صلي الله عليه وسلم: (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يؤدي وإما أن قاد) ([17]).
       وهذا القول الآخر هو الراجح لصراحة أدلته، ولأن الجاني مطالب بالإبقاء على نفسه، والدية مقدرة من قبل الشرع فوجب الانصياع لها.
       وأما أدلة القول الأول فإنها صريحة في أن العمد يوجب القود، وإيجاب القود لا يقتضي عدم التخيير لأن التخيير ثابت بأدلة أخرى وبهذا يجتمع شمل الأدلة ([18]).
       ثانياً: ما يصلح أن يكون بدلاً في الصلح ونوعه ومقداره.
       الصلح يكون على بدل وهذا البدل له شروط وضوابط، وهناك شروط عامة لابد أن تتوفر في بدل الصلح سواء في العمد أو الخطأ وهي:
أولاً: أن يكون البدل مالاً متقوماً، فإن كان غير متقوم أو نجساً، أو لا يحل الانتفاع به في حال السعة والاختيار فسد الصلح.
ثانياً: أن يكون البدل معلوماً علماً نافياً للجهالة الفاحشة لأن تسليمه واجب والجهل به يمنعه. أما الجهالة غير الفاحشة فلا تمنع.
ثالثاً: إذا كان البدل ديناً فيشترط له القبض في المجلس كي لا يكون افتراقاً عن كالئ بكالئ.
رابعاً: أن يكون البدل حقاً للمصالحة وأن يكون حقاً ثابتاً في المحل أيضاً ([19]).
أما فيا يتعلق بمقدار ما يتصالح عليه فيختلف في العمد عن الخطأ:
       أما في العمد فإن الواجب القصاص والقصاص ليس بمال فله أخذ ما يريد سواء بقدر الدية أو أقل أو أكثر وليس في هذا خلاف بين العلماء إلا ما ذكره بعضهم فيما إذا كان الصلح على مال من جنس الدية والخلاف فيه ضعيف أيضاً ([20]).
       وأما جناية الخطأ فإن الواجب فيها الدية وهي مقدرة شرعاً فوقع الخلاف في جواز الزيادة على الدية لتأتي الربا هنا. وسيأتي الكلام عنه في البحث إن شاء الله.


المبحث الأول
الصلح في الجناية على النفس عمداً:
المطلب الأول: الصلح على مال من جنس الدية:
       جنس الدية فيه خلاف بين الفقهاء: فأبو حنيفة ومالك والشافعي في القديم على أن الدية تجب في الإبل أو الذهب أو الفضة ويجزئ دفعها من أي نوع.
       وأما الصاحبان وأحمد فعلي أنها تجب من ستة أجناس وهي: الإبل والذهب والفضة والبقر والغنم والحلل. والخمسة الأولى هي أصول الدية عند الحنابلة.
       وذهب الشافعي في الجديد إلى أن الواجب الإبل أو قيمتها إن لم توجد.
       وهذا القول الأخير هو الراجح هو اختيار الخرقى والموفق ابن قدامة وأئمة الدعة في نجد ([21]). فإذا تحقق القتل العمد الموجب للقود فإنه يجوز للأولياء في هذه الحالة أن يتصالحوا مع القاتل على مال من جنس الدية مقابل القصاص فإذا تم الصلح سقط القصاص ووجب المال المصالح عليه قليلاً كان أو كثيراً. أما إن وقع الصلح على الدية أو أقل منها من جنسها فلا خلاف في جوازه ([22]). وأما إن وقع على أكثر من الدية من جنسها كأن تصالحوا على مائتي بعير مثلاً فهذا جائز عند الجمهور خلافاً للشافعية حيث منعه بعضهم ([23]).
       والصحيح ال جواز إن شاء الله لقوة أدلة الجمهور وصراحة بعضها في محل النزاع وبسط الأدلة يطول وهي في مظانها المنوه عنها أدناه.
المطلب الثاني:
الصلح على مال من غير جنس الدية:
       يجوز لولي الدم أن يتصالح مع القاتل عن القصاص على مال من غير جنس الدية من سائر الأموال والعروض إلا أنه يشترط القبض في المجلس إذا كان ما وقع عليه الصلح ديناً في الذمة كيلا يكون افتراقاً عن كالئ بكالئ وسواء كان هذا الصلح على قدر الدية أو أقل أو أكثر كل ذلك جائز بلا خلاف بين الفقهاء بالقليل والكثير. وإنما جازت هذه الصورة على الإطلاق لأن الدية في جناية العمد غير متقررة وإنما هي بدل عن القصاص فلا مدخل للربا هنا وإنما الأمر مبني على مصالحة الطرفين بتراضيهما ([24]).
       ولكن ينبغي التأني والتأمل في الصلح على أكثر من الدية ولينظر هل فيه مصلحة أو أنه مجرد عواطف وانفالات للإبقاء على نفس الجاني فإن كان عضواً صالحاً في مجتمعه ولم يعهد عليه سوء فلا بأس بالسعي في بذل المزيد، أما إن كان من أرباب السوابق والإفساد في الأرض كما هو حال كثير من القتلة فلا ينبغي التدخل في الإصلاح مقابل الأموال الطائلة التي لو صرفت على الفقراء لأغنت كثيراً منهم وقد يكون في قتل هذا الجاني قصاصاً صلاح للمجتمع بأسره، فليتنبه أصحاب الجاه والمال لهذه المسألة كي تكون مساعيهم في سبيل الخير والإصلاح. والله الموفق.
المطلب الثالث:
الصلح مقابل الحصول على مصلحة أو منفعة:
       يجوز أن يقع الصلح عن القصاص مقابل مصلحة أو منفعة إذا كانت تلك المصلحة أو المنفعة معلومة وتصلح صداقاً؛ لأنها إذا كانت كذلك فيجوز استحقاقها عوضاً في الصلح عن الأموال ففي الصلح عن القصاص من باب أولى. وهذا بلا خلاف بين الفقهاء ([25]).
       فلو صالح الأولياء الجاني على سكني دار، أو خدمة عبد مقابل القصاص جاز.
       أو صالحوه على أن يسقط عنهم قصاصاً لآخر جاز أيضاً. والله أعلم.
المطلب الرابع:
الصلح مقابل مغادرة الجاني أرض الجناية أبداً أو إلى مدة:
       قد يقع الصلح عن دم العمد بشرط أن يرتحل الجاني عن بلد أولياء الدم نهائياً فلا يعود إليها، أو بأن يرتحل مدة محددة من الزمن يحددونها له، فإن عاد فمن حقهم أن يقتصوا إن كان بعد ثبوت الدم أو يعاودوا الخصومة إن كان قبل ثبوت الدم. ولم أجد فيما توصلت إليه من تكلم عن هذه الصورة من الصلح إلا فقهاء المالكية- على تفصيل في مذهبهم- وشيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمهم الله.
       فإذا التزم القاتل أنه إن عاد للبلد فلهم القود أو الدية ثم لم يرتحل بعد الاتفاق أو ارتحل ثم عاد، وكان الدم قد ثبت كان لهم القود في العمد، فإن لم يثبت الدم كان لورثة المقتول الحق في المخاصمة من جديد ولا يكون الصلح قاطعاً لخصومتهم لانتقاضه بعدم رحيله، أو عودة بعد رحيله قبل المدة التي حددت له. فالشرط جائز والصلح لازم على هذا القول.
وذلك لما يأتي:
أولاً: أن المسلمين على شروطهم وإذا رضي الأولاء والجاني بهذا الشرط فلا محذور فيه ([26]).
ثانياً: أن الأولياء لهم أن يصالحوا الجاني على عوض مالي أو منفعة أو مصلحة –كما تقدم- وقد يكون في رحيل الجاني مصلحة وهو حق رضوا بإسقاطه مقابل هذا لشرط الذي رضي الجاني بالتزامه فلا محذور في ذلك.
ثالثاً: إذا لم يف بهذا الشرط فلهم الرجوع عليه كما لو لم يؤد العوض المتفق عليه بينهم.
المبحث الثاني
الصلح في الجناية على ما دون النفس عمداً
وفيه مطالبان:
المطلب الأول: الصلح في الشجاج والجراح:
       الشجاج: جمع شجة وهي في الرأس خاصة في الأصل، ثم استعملت في غيره من الأعضاء، يقال: شجة يشجه شجاً، وهو أن يضربه بشيء فيجرحه فيه ويشقه.
       والجراح: ما يقع في غير الرأس من الجسم. فالجرح أعم من الشجة، والشجة أخص منه ([27]).
       والعقوبة في الشجاج والجراح نوعان:
1-    عقوبة أصلية وهي القصاص إن أمكن.
2-    عقوبة بدلية وهي الأرض.
       والكلام في موجبها يرجع إلى خلاف الفقهاء السابق في موجب الجناية العمدية ([28]) والشجاج المنقولة عن العرب باعتبار تسميتها عشر وهي على الترتيب:
       الحارصة، والبازلة، والباضعة، والمتلاحمة، والسمحاق.
       وهذه الخمس لا مقدر فيها بل فيها حكومة؛ لأنه لا توقيف فيها في الشرع فكانت كجراحات بقية البدن ([29]).
       ويلي هذه الخمس خمس مقدرة وهي:
-       الموضحة، وفيها خمس أبعرة.
-       والهاشمة وفيها عشرة أبعرة.
-       والمنقلة وفيها خمسة عشر من الإبل.
-       والمأمومة، والدامغة، وفي كل واحدة منهما ثلث الدية ([30]).
-       ولا قصاص في شيء من الشجاج سوى الموضحة عند كثير من الفقهاء ([31]).
       هذه لمحة موجزة عن الشجاج والجراح، وما قدر فيها، وما يجري فيه القصاص والمقصود من هذه اللمحة تحديد موقف الجاني، ومدى حاجته إلى الصلح الذي يسلم فيه من القصاص.
       وأما جريان الصلح: فإنه يجري في كل نوع من الشجاج والجراح، لأنه مبني على التراضي والمعاوضة([32]).
       ولا خلاف بين الفقهاء في جواز المصالحة عن الشجاج والجراح في الجناية العمدية. فإذا تصالح شخص مع آخر عن جرح أو شج عوضاً عن القود فلا يخلو هذا الصلح من صورتين:
       الأولى: أن يقع هذا الصلح بلفظ الجناية، أو الجراحة وما يحدث منها، وهذا الصلح جائز ونافذ سواء برئ المجني عليه أو مات من هذا الشج أو الجرح.
       وذلك لما ورد في حديث عائشة –المتقدم- في قصة أبي جهم ([33]).
-       ولأن الصلح هنا وقع عن حق ثابت للمجني عليه فيصح.
-       ولأن المجني عليه أسقط حقه بعوض فيصح ذلك الصلح ([34]).
       الصورة الأخرى: إذا لم يكن الصلح بلفظ الجراحة وما يحدث منها، بأن كان عن الجرح فقط، ومات المجني عليه من سراية ذلك الجرح- أما إذا برئ فهي داخلة في الصورة الأولى- فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
       القول الأول: أن الصلح يبطل إذا مات المجروح. وهذا قول أبي حنيفة –رحمه الله- وقال إن القاص يلزم الجاني في القياس، وفي الاستحسان عليه الدية من ماله ([35]).
       وبهذا قال المالكية أيضاً إلا أنهم قالوا: إذا سري فللأولياء أن يقسموا ويقتلوا ويرد المال، ويبطل الصلح. وغن أبوا أن يقسموا فلهم المال الذي اصطلحوا عليه من الجرح ([36]).
       ولزوم الدية هنا قول للشافعية أيضاً ([37]).
       القول الآخر: أن الصلح صحيح ولو مات المجروح. وهذا قول أبي يوسف ومحمد وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة ([38]). وقد استدل أبو حنيفة بدليل عقلي فقال: إن المجني عليه إنما أسقط بالصلح قطعاً أو شجة أوجبت له قصاصاً من الجاني وبالموت يتبين أن الواجب للمني عليه هو القصاص في النفس من الجاني لا القطع أو الشج، فكان إسقاطاً لما ليس بحق للمجني عليه فيكون باطلاً، ولهذا كان على الجاني القصاص في النفس في القياس ولكنه –رحمه الله- استحسن فقال يتمكن فيه نوع شبهة من حيث إن أصل القتل كأن هو الشجة، والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات، ولكن المال يثبت مع الشبهات.
       أما القول الآخر فدليلهم: أن المجروح قد أسقط الحق الواجب له بسبب الجراحة وذلك بالمصالحة، وبعد موت المجروح فإن سبب حقه الجراحة كما بعد البرء فيكون ذلك الصلح صحيحاً. ويتخرج على هذه الصورة أيضاً ما إذا صالحه على نوع من الجراح فسري الجرح إلى أكبر منه كما لو شجه موضحة فصالحه عليها فصارت منقلة فللمجني عليه أرش المنقلة ([39]).
       ومن أجل هذا الخلاف احتاط بعض الفقهاء فمنع الصلح إلا بعد برء الجرح وانجماله. كما جاء في بعض كتب المالكية ([40]).
المطلب الثاني:
الصلح في الأطراف والمنافع:
       لا خلاف بين الفقهاء في جواز الصلح في الجناية العمدية على الأرطاف والمنافع، فلمن جني عليه في طرف كالإصبع مثلاً، أو منفعة كمنفعة المشي أو الكلام له أن يصالح الجاني على ما يشاء مما تنطبق عليه شروط الصلح في الجناية.
       وذلك لأن القصاص يجري في الأطراف إجماعاً فتظهر أهمية الصلح هنا لكن الفقهاء أثاروا حول هذه الصورة من الصلح خلافاً فيما إذا صالحه على طرف ثم شل طرف آخر كأن جني على إصبعه فصالحه عليه بألف ريال مثلاً ثم شلت الإصبع الأخرى. وفي ذلك قولان للعلماء:
       القول الأول: أن على الجاني أرش الإصبع الأخرى. وهذا قول أبي حنيفة والمالكية وهو المذهب عند الحنابلة ([41]).
       وذلك لأن المجني عليه أسقط بالصلح قصاصاً واجباً في الإصباح الأولى فلا يتناول الصلح الإصبع الأخرى فيلزمه أرشها.
       القول الآخر: أنه لا أرش للإصبع الأخرى فلا شيء للمجني عليه. وهذا قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية ([42]).
       وذلك لأن المجني عليه أسقط بالصلح موجب ذلك القطع وهذا الموجب يعم الإصباح الأولى والثانية.
       والراجح هو القول الأول؛ لقوة تعليلهم، وكون المجني عليه أسقط القطع في الإصبع الأولى لا يتناول الأخرى.
       ولما ورد عن ابن عباس –رضي الله عنهما- في رجل قطعت يده فصالح عليها ثم انتقضت يده فمات قال: الصلح مردود وتؤخذ الدية ([43]).
المبحث الثالث
أحكام الصلح عن القصاص
وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: من له ولاية استيفاء القصاص.
المطلب الثاني: الصلح عن القصاص إذا كان مستحقه واحداً.
المطلب الثالث: الصلح عن القصاص إذا كان مستحقه جماعة.
المطلب الرابع: الصلح عن القصاص إذا كان في الورثة غير مكلف.
المطلب الخامس: الصلح عن القصاص إذا كان مستحقه صغيراً.
المطلب السادس: الصلح عن القصاص إذا لم يكن للمقتول ولي قريب.
المطلب السابع: الصلح عن القصاص إذا تعدد الجناة.
المطلب الثامن: تحمل العاقلة للصلح.
       والحديث عن هذه المطالب بشيء من التفصيل يطول ذكره ويخرج عن المقصود من هذا البحث إذا لا يستوعبه حجمه، لذلك سوف أكتفي بذكر القول الراجح في كل مسألة منها وأحيل القارئ على المراجع في المذاهب الأربعة والله الموفق.
المطلب الأول:
من له ولاية استفاء القصاص:
       اتفق الفقهاء على أنه إذا كانت الجناية على ما دون النفس فإن مستحق القصاص هو المجني عليه؛ لأنه صاحب الحق. كما اتفقوا أيضاً على أن الحق في استيفاء القصاص والعفو عنه والصلح فيه لولي الدم، ولن الفقهاء اختلفوا في ولي الدم من هو؟
       وذلك على ثلاثة أقوال:
       أرجحها رأي جمهور العلماء وهو أن أولياء الدم هم كل وارث وقت قتله سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، وسواء كانت الوراثة بالنسب أم بالسبب. وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وعطاء والنخعي والثوري وحماد وغيرهم ([44]).
المطلب الثاني:
الصلح عن القصاص إذا كان مستحقه واحداً:
       إذا كان مستحق القصاص واحداً مكلفاً، رجلاً أو امرأة فهو يملك الصلح وحده، ويكون صلحه نافذاً منتجاً لآثاره. وهذا محل اتفاق.
المطلب الثالث:
الصلح عن القصاص إذا كان مستحقه جماعة:
       إذا كان مستحقو القصاص –أولياء الدم- جماعة راشدين فلا يخلو: إما أن يتفقوا على الصلح فلا إشكال في ذلك لأن صلحهم ينفذ. وإما أن يصالح بعضهم دون بعض وهذا محل خلاف بين الفقهاء.
       والصحيح قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهو أنه إذا صالح بعضهم سقط حق الباقين في القصاص ولم يكن لهم إلا الدية، وعلى هذا فمن صالح منهم فله ما صالح عليه، ومن لم يصالح فله حق المطالبة بنصيبه من الدية ولا قصاص ([45]).
المطلب الرابع:
الصلح عن القصاص إذا كان في الورثة غير مكلف:
       إذا كان مستحق القصاص جماعة فيهم غير مكلف من صغير أو مجنون ونحوهم فهل صلح المكلف يمضي ولا اعتداد بغير المكلف في سقوط القصاص؟ أو أنه لا بد وأن ينتظر حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون؟
       والمسألة هنا متصورة فيما إذا صالح المكلفون، لا فيما إذا طلبوا القصاص وفي هذه المسألة خلاف على قولين:
       والصحيح الراجح –إن شاء الله- قول جمهور الفقهاء من أنه إذا صالح الراشدون من أولياء الدم سقط القصاص ولا يجب انتظار بلوغ الصبي وإفاقة المجنون ([46]).
المطلب الخامس:
الصلح عن القصاص إذا كان مستحقه صغيراً:
       إذا كان مستحق القصاص صغيراً بمعني أنه مستقل في ولاية الدم وليس معه مشارك ففي صلح وليه خلاف بين الفقهاء، وأقوى الأقوال في هذه المسألة –من وجهة نظري- هو قول الحنفية والمالكية، وقول في مذهب الحنابلة، وقول الظاهرية وهو أن للولي من أب أو وصي أن يصالح عن القصاص الواجب للصغير في النفس وما دونها شريطة أن لا يقل عن الدية. وذلك لأسباب عدة:
-       قوله صلي الله عليه وسلم: (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ..) ([47]).
-       والخيار هنا للولي والولاية على الصغير جعلت للنظر في مصلحته وقد يري الولي المصلحة في الصلح.
-       أن الأخذ بهذا القول ألصق بيسر الشريعة وتطلعها للعفو وحقن الدماء.
-       أنه إذا لم يجز الصلح فهذا يعني أن الجاني سيبقي في السجن مدة طويلة والقصاص معلق مما يؤدي إلى تدخلات عديدة قد تودي بحياة الصغير كي يرث القصاص من قد يطمع بالعفو.
-       أن في الصلح قطعاً للنزاع واطمئناناً وسكينة لقلوب الجميع وفيه ما فيه من الفوائد المالية التي تغني الصغير عن عوزة للناس.
       قلت: ولو قيل بالرجوع في هذه المسالة إلى نظر الحاكم الشرعي لكان أولى؛ لأن لكل قضية ظروفاً وملابسات. والجاني يختلف من شخص لآخر إلى غير ذلك مما يحتف بالقضية مما يحتاج إلى نظر شرعي والله أعلم.
المطلب السادس:
الصلح عن القصاص إذا لم يكن للمقتول ولي قريب:
       إذا لم يكن للمقتول ولي قريب فيرثه المسلمون جميعاً، ويمثلهم السلطان، لأن السلطان ولي من لا ولي له، وعليه أن يفعل الأصلح لعامة الناس.
       وقد اختلف الفقهاء فيما لو صالح الإمام في هذه المسألة على مال، أما عفوه على غير مال فلا يجوز بالإجماع.
       والصحيح الراجح في هذه المسألة هو قول الحنفية والشافعية والحنابلة في الصحيح من المذهب، وأصحاب الرأي وهو أنه يجوز للإمام أن يصالح عن الدم في هذه الحالة، وعلى الإمام مراعاة الأصلح لعامة الناس من القصاص أو الصلح؛ وذلك لقيام الأدلة على أن الإمام ولي من لا ولي له فهذا يعني أن أحكام الولي قد انتقلت إلى الإمام، وإلا لما صار هناك فائدة من كونه ولي من لا ولي له ([48]).
المطلب السابع:
الصلح عن القصاص إذا تعدد الجناة:
       قد تحصل الجناية من أشخاص عدة كما لو قتل جماعة رجلاً واحداً أو قطعوا يده مثلاً فهل يجوز لأولياء الدم الصلح مع بعض الجناة دون الآخر. والمسألة متصورة فيما إذا كان الولي واحداً.
       وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا ثبت القتل العمد واستحق الجماعة القصاص فإن ولي الدم يجوز له أن يصالح البعض أو الكل على ما يريد ويطلب القصاص ممن لم يصالحهم ([49]).
المطلب الثامن:
تحمل العاقلة للصلح:
       العاقلة هم قرابة القاتل من قبل الأب وهم العصبة النسبية كالإخوة لغير أم والأعمام. وهذا على رأي الجمهور ([50]).
       وقد جاء آثار عديدة عن جمع من الصحابة –رضي الله عنهم- أن العاقلة لا تحمل الصلح ومنها ما روي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه قال: لا تحمل العاقلة عمداً ولا عبداً ولا صلحاً ولا اعترافاً ([51]).
       وللعلماء في تفسير الصلح الوارد في هذا الأثر قولان، أصحهما قول الجمهور أن معناه أن يدعي عليه القتل فينكر ثم يصالح المدعي على مال.
وهذا ما رجحه ابن قدامة وابن تيمية –رحمهم الله- ([52]).
       إذا تقرر ذلك فإن العاقلة لا تحمل الصلح لا في العمد ولا في الخطأ ولا شبه العمد عند جمهور العلاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية ([53]).
       وذلك لأمور:
       ما تقدم من الآثار المروية عن الصحابة والتابعين.
       أنه لو حملته العاقلة لأدي إلى أن يصالح بمال غيره ويوجب عليه حقاً بقوله.
       أنه مال ثبت بمصالحته واختياره فلم تحمله العاقلة كالذي ثبت باعترافه وذلك لأن تحمل العاقلة ثبت على غير الأصل.
       أنه يتهم في ان يواطئ غيره بصلح عن دم خطأ ليوجب العقل على عاقلته ثم يقاسمه ([54]).


الفصل الثاني
الصلح في الجناية في الخطأ وشبه العمد
المبحث الأول
الصلح عن الدية في الجناية على النفس خطأ أو شبه عمد
       لما كانت الجناية خطأ موجبة للدية لا للقصاص، والدية مقدرة شرعاً جنساً وقدراً. من هنا نشأ الخلاف في الزيادة عليها أو إبدالها بغير جنسها لورود الربا حينئذ.
       والصلح عن الدية على مال من جنسها لا يخلو:
       إما أن يقع الصلح على المفروض في باب الدية كالمائة من الإبل مثلاً فهذا لا إشكال فيه إذ هو في الحقيقة تعيين للواجب فيها دون اللجوء إلى تقديرها من قبل الإمام. وكذلك لو صالح على أقل من المقدر، كأن صالح على خمسين من الإبل فهذا أيضاً لا إشكال فيه؛ لأنه استيفاء لبعض حقه وإبراء عن الباقي فيصح ([55]).
       وإما أن يقع الصلح على أكثر من المقدر في الدية كأن صالح عنها بمائة وخمسين من الإبل أو ألفي مثقال من الذهب ففي هذا قولان للعلماء:
       القول الأول: قول الجمهور في الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهو أنه لا يجوز لأن الزيادة عن المقدر ربا وأكل مال بالباطل ([56]).
       والقول الآخر: الجواز وهو قياس قول الإمام أحمد –رحمه الله- واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- لأنه عوض عن متلف فجاز أخذ أكثر من قيمته ([57]).
       والراجح هو القول الأول.
       إلا أن بعض الفقهاء ذكر باباً لمن أراد أن يصالح على أكثر منها مضطراً وهو أن يصالح بأكثر من المقدر بعد أن يقضي القاضي بأحد مقادير الدية فيصالح على جنس آخر منها بالزيادة ([58]).
       أما لو صالح على مال من غير جنس الدية فلا مانع ولا محذور شرعاً لعدم دخول الربا. كأن صالح الجاني أولياء الدم عن دية النفس بأي قدر من العروض والمكيلات والموزونات أياً كانت غير الذهب والفضة فلا حرج.
       وكذا لو صالحهم مقابل الحصول على مصلحة أو منفعة فيجوز كأن صالح امرأة بأن يتزوجها مقابل ما وجب عليه من مال في جناية ارتكبتها خطأ كما لو قتلت مورثة خطأ.
       وكذا لو صالح الجاني أولياء الدم على أن يرتحل من أرض الجناية أبداً أو إلى مدة فيجوز ([59]).
       فإن لم يرتحل، أو ارتحل وعاد قبل انتهاء المدة المحددة فلأولياء الدم الدية إن كانت ثابتة، أو الخصومة إن كان قبل ثبوت الدية.


المبحث الثاني
الصلح عن الدية في الجناية على ما دون النفس خطأ أو شبه عمد
       الحديث في هذا المبحث كالحديث في المبحث السابق- وهو الجناية على النفس خطأ أو شبه عمد- من حيث الأحكام والخلاف والقول هنا كالقول هناك تماماً في الاستدلال والترجيح إذ لا فرق بين المسألتين.
       وحاصلة أنه لا يجوز الصلح هنا على مال من جنس الدية بأكثر من المقدر فيها شرعاً.


الفصل الثالث
تطبيقات معاصرة
       إن أعظم نعمة أنعمها الله على المملكة العربية السعودية أن هدي حكامها لتطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك من خلال إقامة المحاكم الشرعية في أنحاء البلاد وتعيين القضاة الشرعيين فيها على أن يكون دستورهم كتاب الله وسنة رسوله. وما يستمده العلماء منها، وليس لأحد عليهم سلطان.
       ولذلك فإن الناظر في صكوك المحاكم الشرعية يجدها طبقاً لما جاء في كتب الفقهاء.
       وتجدر الإشارة هنا إلى أن المعمول به في محاكم المملكة هو أن الأصل في الدية الإبل لا غير. وعلى ذلك فدية المسلم مائة من الإبل إن وجدت أو قيمتها وقت الوجوب من نقد البلد –كما سبق-.
       ففي عام 1374هـ قدرت دية الخطأ بستة عشر ألف ريال والعمد وشبهة ثمانية عشر ألف ريال.
       وفي عام 1390هـ قدرت دية الخطأ بأربعة وعشرين ألف ريال والعمد وشبهة سبعة وعشرين ألف ريال.
       وفي عام 1396هـ قدرت دية الخطأ بأربعين ألف ريال والعمد وشبهة خمسة وأربعين ألف ريال.
       وفي عام 1401هـ قدرت دية الخطأ بمائة ألف ريال والعمد وشبهة بمائة وعشرة آلاف ريال بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (133) في 3/9/1401هـ وهو المعمول به حتى يومنا هذا.
       وقد قدرت الدية في هذه السنوات بعد استقراء وتحر وسؤال أهل الخبرة عما تساويه الإبل وقت تقديرها في كل حين. وبمقتضي هذا التقدير تكون الدية قابلة للزيادة والنقصان حسب قيمة الإبل زيادة ونقصاً من وقت لآخر. المهم أن الأصل الإبل، والواجب هي أو قيمتها. فلو أحضر الجاني مائة من الإبل سليمة من العيوب بأسنانها المنصوص عليها في الحديث الشريف لزم أولياء الدم قبولها. هذا ما أردت الإشارة إليه قبل الشروع في التطبيقات، وسوف أذكر بعض الوقائع والقضايا والأحكام الصادرة في هذا الشأن من باب التمثيل لبعض صور الصلح في باب الجنايات مما يصدر عن محاكمنا الغراء:
       المثال الأول: في الصلح على مال من جنس الدية بأكثر منها في جناية على النفس عمداً:
       في عام 1413هـ حصلت مشاجرة بين رجلين فطعن أحدهما الآخر بسكين كانت معه فأرداه قتيلاً، فطالب الورثة بالقصاص من القاتل وأثناء نظر الدعوى تصالح الورثة مع القاتل على التنازل عن القصاص مقابل مليون وسبعمائة ألف ريال سعودي، فأجاز القضاة هذا الصلح وحكموا بصحته ولزومه([60]).
       المثال الثاني: في الصلح مقابل جزء من الدية ومغادرة الجاني أرض الجناية أبداً في جناية على النفس عمداً:
       في عام 1379هـ اعتدي رجل على آخر فقتله عمداً عدواناً وانحصر إرث المقتول في والديه فصالحهما الجاني في التنازل عن القصاص مقابل ثمانمائة وخمسة وأربعين رأساً من الغنم وبعير واحد وألا يحل القاتل في الأرض التي هما فيها ولا يري فيها، فأجاز القاضي هذا الصلح وحكم بصحته ولزومه([61]).
       المثال الثالث: في الصلح على أقل من الدية في جناية على ما دون النفس عمداً:
       في عام 1415هـ حصلت مشاجرة بين شخصين فضرب أحدهما الآخر بيده على وجهه فسقط أحد أسنانه وانشج أنفه فطالب المضروب الضارب بدية السن وأرش الشجة بعدما شفي من الإصابة فصادق المدعي عليه على حصول الجناية ثم اصطلحا على أن يدفع المدعي عليه للمدعي ألفين وخمسمائة ريال صلحاً منهياً لهذه الدعوى فأجاز القاضي هذا الصلح وحكم بصحته ولزومه ([62]).
       ويلاحظ هنا أن الإصابة نجم عنها كسر السن، وفي السن خمس من الإبل وهي مقدرة في هذا الوقت بخمسة آلاف ريال، وكذلك الشجة لها تقدير أيضاً فقد وقع الصلح على أقل من المقدر شرعاً، وهذا جائز بلا خلاف.
       المثال الرابع: في الصلح على أكثر من الدية في جناية على ما دون النفس عمداً:
       في عام 1414هـ حصلت مشاجرة بين رجلين فأطلق أحدهما رصاصة من مسدسه فأصابت ظهر الآخر فأصيب بكسر في العمود الفقري أدي إلى شلل نصفي تعطلت معه منافع المشي والنكاح والجماع والتحكم بالبول والتحكم بالبراز وبعد سماع الدعوى اصطلح الطرفان على أن يسلم الجاني للمجني عليه مليون ريال مقابل تنازله عن هذه الدعوى، فحكم القاضي بصحة هذا الصلح ولزومه ([63]). ويظهر هنا أن الصلح على أكثر من الدية لأن الإصابة نجم عنها تعطل خمس منافع وفي المنافع الخمس خمس ديات مقدرة بنصف مليون ريال بينما وقع الصلح على مليون ريال وهذا جائز بلا خلاف لأن الجناية عمدية.
       المثال الخامس: في الصلح على أقل من الدية في جناية على النفس خطأ:
       في عام 1414هـ كان أحد سائقي السيارات يسير في طريقه فعرض له رجل يمشي على رجليه فدهسه فمات، فادعي الورثة على السائق وطالبوه بالدية ثم اصطلح معهم على أن يدفع لهم ثلاثين ألف ريال، فأجاز القاضي هذا الصلح وحكم بصحته ولزومه ([64]).


الخاتمة
       الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ... وبعد:
       فهذا ما وسعه الجهد ويسر الله اختصاره من أهم أحكام الصلح في الجنايات. على أن الموضوع واسع ومادته غزيرة في كتب أهل العلم –رحمهم الله- لكن حجم البحث محدود ومناسبته معينة وقد تبين لي من خلال هذه الجولة القصيرة أحكام أهمها ما يلي:
       أن الصلح مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
       أن الجناية كل فعل يتضمن ضرراً على النفس أو غيرها، إلا أن عرف الفقهاء خصها بما يقع على الإنسان، أو أطرافه.
       أن الراجح من أقوال الفقهاء أن موجب الجناية العمدية القصاص أو الدية على حسب اختيار ولي الدم ولو بغير رضا الجاني.
       أن بدل الصلح لابد أن يكون مالاً متقوماً، معلوماً، حقاً للمصالح، ثابتاً له.
       أنه لا خلاف بين الفقهاء في جواز الصلح عن الجناية على النفس عمداً على مال من جنس الدية أقل منها.
       أن جمهور العلماء يرون جواز الصلح عن الجناية على النفس عمداً على مال من جنس الدية أكثر منها، وهو الراجح إن شاء الله.
       أنه لا خلاف بين الفقهاء في جواز الصلح عن الجناية على النفس عمداً على مال من غير جنس الدية قل أو كثر.
       لا خلاف بين الفقهاء في جواز الصلح عن الجناية على النفس عمداً مقابل مصلحة أو منفعة.
       أنه يجوز عقد الصلح بين الجاني وأولياء الدم على أن يرتحل الجاني من أرض الجناية أبداً أو إلى مدة، ومتى عاد وأخل بالشرط فلهم المطالبة بالدم وهذا ما رجحه فقهاء المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية ومفتي الديار السعودية محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمهم الله.
       لا خلاف بين الفقهاء في جواز الصلح عن الجناية العمدية على الأطراف والمنافع.
       أن الراجح في أولياء الدم أنهم ورثة المال وهذا قول الجمهور.
       أن العاقلة لا تحمل الصلح لا في العمد، ولا في الخطأ بلا خلاف بين الفقهاء.
       والله أعلم
وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض
د. أحمد بن سليمان العريني


فهرس المصادر والمراجع
       الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية. علاء الدين علي بن محمد البعلي الدمشقي ت 8203هـ ط دار الفكر.
       الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية. جلال الدين عبد الرحن السيوطي ط دار الكتاب العربي.
       الإفصاح عن معاني الصحاح. الوزير يحيي بن هبيرة. ط. المؤسسة السعيدية بالرياض.
       الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد –علي بن سليمان المرداوي الحنبلي ط مكتبة ابن تيمية بالقاهرة.
       أنيس الفقهاء. قاسم القونوي ت 978هـ ط مؤسسة الكتب الثقافية.
       بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع –علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني ت 587هـ ط دار الكتب العلمية.
       بداية المجتهد ونهاية المقتصد. أبو الوليد محمد بن رشد القرطبي ت 595هـ ط دار الكتب الإسلامية.
       بلغة السالك إلى مذهب الإمام مالك. أحمد بن محمد الصاوي. ط مصطفي البابي.
       البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتحليل في مسائل المستخرجة أبو الوليد بن رشد القرطبي ت 520هـ ط دار الغرب الإسلامي.
       تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق. عثمان بن علي الزيلعي ط. دار الكتاب الإسلامي.
       التعريفات. محمد بن علي الجرحاني ط. مكتبة لبنان.
       تفسير القرآن العظيم. الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير ط دار المعرفة.
       حاشية الدسوقي على الشرح الكبير. شمس الدين محمد الدسوقي ط. عيسي البابي الحلبي.
       حاشية رد على الدر المختار. محمد أمين بن عابدين. ط دار الفكر.
       الروض المربع شرح زاد المستقنع. منصور بن يونس البهوتي ط. دار الكتاب العربي بحقيق محمد عوض.
       روضة الطالبين وعمدة المفتين. الإمام يحيي بن شرف النووي ط. المكتب الإسلامي.
       سنن أبي داود. سليمان بن الأشعث السجستاني ت: 275هـ ط. دار الفكر.
       سنن ابن ماجه. أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني ت 275هـ الطبعة التركية.
       سنن الترمذي. محمد بن أبي عيسي الترمذي ت 279هـ الطبعة التركية.
       السنن الكبرى. أحمد بن الحسين البيهقي ت 458هـ ط. دار المعرفة.
       سنن النسائي. أحمد بن شعيب النسائي ط دار القلم.
       شرح حدود ابن عرفة. محمد الأنصاري الرصاع ط دار الغرب الإسلامي.
       شرح الخرشي علي مختصر خليل. محمد بن عبد الله الخرشي ط دار الفكر.
       شرح فتح القدير. كمال الدين محمد بن عبد الواحد ط دار الكتب العلمية.
       الشرح الكبير على متن المقنع. شمس الدين عبد الرحمن بن قدامة ت 682هـ ط دار الفكر.
       شرح منتهي الإرادات. منصور بن يونس البهوتي ت 1051هـ ط دار الفكر.
       صحيح البخاري. محمد بن إسماعيل البخاري ت 256هـ المطبعة السلفية.
       صحيح مسلم. مسلم بن الحجاج النيسابوري 261هـ دار القلم.
       طرح التثريب في شرح التقريب. عبد الرحمن بن الحسين العراقي ت 806هـ وابنه أبو زرعة ت 826هـ ط دار الفكر.
       فتاوى ابن إبراهيم. محمد بن إبراهيم آل الشيخ محمد الددو: ت 1389هـ جمع وترتيب محمد بن قاسم مطبعة الحكومة بمكة المكرمة.
       الفتاوى السعدية. عبد الرحمن ناصر السعدي ط المؤسسة السعيدية.
       القاموس المحيط. محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ت 817هـ مؤسسة الرسالة.
       الكافي في فقه الإمام أحمد. موفق الدين ابن قدامة ت 620هـ ط المكتب الإسلامي.
       الكتاب. أبو الحسن أحمد بن محمد القدوري الحنفي ت 428هـ ط دار الكتاب العربي.
       كتاب الفروع. شمس الدين محمد بن مفلح ت 763هـ مكتبة ابن تيمية.
       الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار. أبو بكر بن أبي شيبة ط مؤسسة الكتب الثقافية.
       كشاف القناع عن متن الإقناع. منصور بن يونس البهوتي ط مكتبة النصر الحديثة بالرياض.
       لسان العرب. جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري ط دار الفكر.
       اللباب في شرح الكتاب. عبد الغني الغنيمي الحنفي ط ار الكتاب العربي.
       المبسوط. شمس الدين السرخسي الحنفي ط دار المعرفة.
       مجموع فتاوى ابن تيمية.ز جمع وترتيب عبد الرحن بن قاسم وابنه محمد ط مكتبة ابن تيمية بمصر.
       المحلي بالآثار. محمد بن علي بن حزم الأندلسي ط دار الفكر.
       مختصر الفتاوى المصرية. شيخ الإسلام ابن تيمية، اختصاص محمد بن علي البعلي الحنبلي ت 777هـ ط دار التقوى.
       المدونة. الإمام مالك بن أنس برواية الإمام سحنون ط دار الفكر.
       مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ط المكتب الإسلامي.
       المغني. موفق الدين بن قدامة ت 620هـ ط دار الفكر.
       مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج. محمد الخطيب الشربيني ط دار الفكر.
       المقنع في فقه الإمام أحمد. موفق الدين بن قدامة ت 620هـ مكتبة الرياض.
       المهذب في فقه الإمام الشافعي. أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ت 476هـ ط دار المعرفة.
       النهاية في غريب الحديث والأثر. المبارك بن الأثير الجزري ت 606هـ ط دار الفكر.
       نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. شمس الدين محمد الرملي الشافعي ط دار الفكر.
       نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار. محمد بن علي الشوكاني ت 1255هـ ط دار الريان.



([1]) لسان العرب 2/ 516، والقاموس المحيط 293، والتعريفات 139.
([2]) شرح حدود ابن عرفة 2/ 421.
([3]) التعريفات 83.
([4]) المغني مع الشرح 9/ 319.
([5])
([6]) سورة البقرة، آية: 178.
([7]) تفسير القرآن العظيم 1/ 216.
([8]) المصدق: الذي يجمع الزكاة (طرح التثريب 7/ 187).
([9]) رواه أبو داود في كتاب الديات (4534) وابن ماجه في الديات (2638)، والنسائي في القسامة. وصحح الألباني إسناده (صحيح سنن النسائي 3/ 990).
([10]) تبيين الحقائق 6/ 98.
([11]) تبيين الحقائق 5/ 35.
([12]) المبسوط 21/ 9.
([13]) اللباب شرح الكتاب 3/ 141، وبداية المجتهد 2/ 491، ونهاية المحتاج 4/ 49.
([14]) الإنصاف 10/ 4، ومغني المحتاج 4/ 48، والمحلي 10/ 239.
([15]) رواه الإمام أحمد في مسنده 1/ 63، وأبو داود في الديات 4/ 183، وابن ماجه 2/ 880 وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/ 1101.
([16]) رواه البخاري في كتاب التفسير (فتح الباري 8/ 25).
([17]) متفق عليه وهذا لفظ البخاري في كتاب الديات (فتح الباري 12/ 213).
([18]) فتح الباري 12/ 214، والمغني 9/ 475، وشرح معاني الآثار 3/ 177.
([19]) المقنع 2/ 127، تبيين الحقائق 5/ 36، وبدائع الصنائع 6/ 48، والإنصاف 5/ 247، والمبسوط 21/ 11.
([20]) المغني 9/ 478.
([21]) بدائع الصنائع 7/ 253، وبداية المجتهد 2/ 401، ومغني المحتاج 4/ 53 والمغني مع الشرح 9/ 482.
([22]) مغني المحتاج 4/ 50، والمغني مع الشرح 9/ 478.
([23]) بدائع الصنائع 6/ 49، والمبسوط 21/ 9، وبلغة السالك 2/ 351، وشرح الخرشي 8/ 27، والمحلي 6/ 471، ومغني المحتاج 4/ 50، والإنصاف 10/ 4، والفروع 4/ 270، 5/ 668.
([24]) بدائع الصنائع 7/ 250، تبيين الحقائق 6/ 113، شرح الخرشي 8/ 27، وروضة الطالبين 9/ 240، ومغني المحتاج 4/49، وشرح منتهي الإرادات 2/ 266، والمحلي 6/ 471.
([25]) مبسوط 21/ 12، المدونة 4/ 460، ومغني المحتاج 4/ 52، والمقنع 2/ 127، والمحلي 6/ 474.
([26]) بلغة السالك 2/ 151، وحاشية الدسوقي 4/ 263، والاختيارات الفقهية 293، ومختصر الفتاوي المصرية 592، ومجموع فتاوي ابن تيمية 34/ 157، وفتاوي ابن إبراهيم 11/ 288.
([27]) النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 445، وأنيس الفقهاء 293.
([28]) في التمهيد ص 2.
([29]) الإفصاح 2/ 204، والروض المربع 498.
([30]) المغني 9/ 420.
([31]) المغني 9/ 420.
([32]) الأشباه والنظائر للسيوطي 712.
([33]) تقدم الحديث ص 4.
([34]) بدائع الصنائع 7/ 249، والمبسوط 21/ 10، وحاشية الدسوقي 3/ 317، وروضة الطالبين 4/ 194، والمحلي 6/ 372.
([35]) المبسوط 21/ 9، وبدائع الصنائع 7/ 249.
([36]) حاشية الدسوقي 3/ 318، وشرح الخرشي 7/ 28.
([37]) المهذب 2/ 190.
([38]) المغني 9/ 473.
([39]) المبسوط 21/ 10، والفتاوى السعدية ص 582.
([40]) أنظر: البيان والتحصيل 16/ 186، 15/ 505، وحاشية الدسوقي 3/ 319.
([41]) بدائع الصنائع 7/ 249، وحاشية الدسوقي 3/ 317، والإنصاف 10/ 7.
([42]) المبسوط 21/ 9.
([43]) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الديات 5/ 458.
([44]) تبيين الحقائق 6/ 114، ونيل الأوطار 7/ 28، ومغني المحتاج 4/ 39، والمغني من الشرح 9/ 465.
([45]) بدائع الصنائع 7/ 250، وحاشية الدسوقي 3/ 319، والمهذب 2/ 190، والإفصاح عن معاني الصحاح 2/ 195.
([46]) المدونة 4/ 491، والمغني 9/ 460، مجموع فتاوي ابن تيمية 3/ 139.
([47]) متفق عليه فتح الباري 5/ 360، وأنظر: المبسوط 41/ 21، وحاشية الدسوقي 4/ 258، والمهذب 2/ 189، والمغني مع الشرح 9/ 390.
([48]) بدائع الصنائع 7/ 245، والمبسو 21/ 16، والمهذب 2/ 189، والمغني 9/ 477.
([49]) بدائع الصنائع 7/ 251، وحاشية الدسوقي 3/ 318، ونهاية المحتاج 7/ 274، والمغني 9/ 474.
([50]) بداية المجتهد 2/ 405، ومغني المحتاج 4/ 95، وكشاف القناع 6/ 58.
([51]) رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 355، والبيهقي في السنن الكرى 8/ 104.
([52]) المغني مع الشرح 9/ 505، والاختيارات 293.
([53]) الكتاب 3/ 161، وحاشية الدسوقي 4/ 263، والمغني 9/ 505، والمحلي 11/ 266.
([54]) المغني مع الشرح 9/ 505، والكافي في فقه الإمام أحمد 4/ 119.
([55]) أنظر فتح القدير بشرحه 7/ 388.
([56]) المبسوط 6/ 47، وحاشية العدوي على شرح الخرشي 8/ 27، والمغني 5/ 28، والإنصاف 5/ 238.
([57]) الاختيارات 134.
([58]) أنظر تبيين الحقائق 5/ 36، وحاشية رد المحتار 5/ 635.
([59]) راجع: المبسوط 21/ 12، والمدونة 4/ 460، ومغني المحتاج 4/ 52، والمقنع 2/ 127، والمحلي 6/ 474.
([60]) سجلت هذه القضية في المحكمة الكبرى بالرياض بتاريخ 20/1/1415هـ.
([61]) سجلت هذه القضية في محكمة رفيدة بتاريخ 15/11/1379هـ.
([62]) سجلت هذه القضية في محكمة الكبرى بالرياض بتاريخ 13/5/1415هـ.
([63]) سجلت هذه القضية في محكمة الكبرى بالرياض بتاريخ 10/6/1414هـ.
([64]) سجلت هذه القضية في محكمة الكبرى بالرياض بتاريخ 28/2/1414هـ.

تعليقات