القائمة الرئيسية

الصفحات



تقادم الدعوى العمومية وتقادم العقوبة ذ محمد عبدالنبوي رئيس النيابة العامة بالمغرب pdf



تقادم الدعوى العمومية وتقادم العقوبة








تقادم الدعوى العمومية وتقادم العقوبة

تطرق الأستاذ محمد عبد النبوي، مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل لموضوع هام يتعلق بـ: «تقادم الدعوى العمومية وتقادم العقوبة»، وذلك ضمن العدد الأول من «مجلة الشؤون الجنائية» الصادر عن نفس المديرية. 
ترمي فكرة التقادم إلى التسلیم بسقوط الحق في المتابعة بسبب مرور الوقت. وتفترض
ھذه النظریة أن المجتمع یكون قد تناسى الفعل الجرمي ولم یعد بحاجة لفتح جرح قد تعافى
وتحریك الدعوى العمومیة عن فعل نسیھ الضحایا والمجتمع ولم تعد لدیھما مصلحة في
إعادتھ للواجھة من جدید، عملاً بالقاعدة القائلة "كم حاجة قضیناھا بتركھا". ویرى المجتمع
أن ترك الدعوى العمومیة في ھذه الحالة خیر من بعث النار الخامدة من الرماد. فكم سیدة
كانت ضحیة اغتصاب فر مغتصبھا واختفى عن الأنظار مدة تزید عن مدة تقادم الدعوى
العمومیة في الجنایات، تزوجت خلالھا وأنجبت وقد تكون بعض بناتھا أصبحن أمھات ھن
الأخریات، وقد لا یكون أزواجھن ولا أولادھن على علم بما تعرضت لھ منذ أكثر من خمسة
عشر سنة، فإذا بالدعوى العمومیة تعید معاناتھا إلى الواجھة وتدمي جروحھا القدیمة وتفتح
جروحاً جدیدة لزوجھا وأبنائھما وأحفادھما.



وقد یتعلق التقادم بعقوبة لم تنفذ في إبانھا واستطاع المحكوم علیھ أن یظل بمنأى عن
قبضة العدالة طیلة فترة من الزمان كافیة لسقوطھا ھي مدة التقادم، یكون المجتمع بعدھا قد
نسي الجریمة والمحاكمة التي أنتجت عقوبتھا ویكون المحكوم علیھ قد عاش معاناة حقیقیة
من جراء ھروبھ واختفائھ حسنت سلوكھ وأھلتھ للاندماج من جدید في وسطھ الطبیعي، مما
2 یجعل العقوبة تفقد معناھا لنسیان المجتمع لظروف صدورھا
.
وھناك من یجد مبررات أخرى لفكرة التقادم مثل :
- الحفاظ على حسن سیر العدالة وقدسیتھا، ذلك أن قیام العدالة من سباتھا بعد مدة
(ھي المدة المفترضة للتقادم) لمتابعة الجاني ومحاكمتھ أو لتنفیذ العقاب علیھ
یوحي بوجود خلل في سیر العدالة التي تأخرت في القیام بواجبھا. ویؤدي تھاون
القائمین بھا في تفعیل الإجراءات في الوقت المناسب، إلى تكریس صورة سلبیة
عنھا تفقدھا ثقة المجتمع وتھز عرش قدسیتھا الذي ھو أساس اعتبار العدالة
واحترامھا في المجتمعات.
- وھناك من یبرر فكرة التقادم بوجوب استقرار الأوضاع والمراكز في المجتمع،
ذلك أن أوضاع الناس تستقر بعد حین من الزمان، وأن تھدیدھم بالدعاوى
الزجریة باستمرار یجعل ھذه الأوضاع غیر مستقرة. والاضطراب یضر بأحوال
المجتمعات ویمنع تقدمھا، ولذلك تقضي المصلحة الاجتماعیة إنھاء الخصومات
الجنائیة في أسرع الأوقات.
- وھناك من یعلل فكرة التقادم بضیاع أدلة إثبات الجریمة، حیث تضیع بمرور
الوقت ذاكرة الشھود أو یموتون أو ینتقلون إلى أماكن بعیدة، كما تندثر بعض
3 أدوات الإثبات بمرور المدة، مما یبرر ترك الدعوى العمومیة
.

أن فلسفة التقادم تجد تبریرھا في فكرة
العقاب المعنوي والتكفیر عن الجریمة حیث یكون المجرم الھارب من ملاحقة
العدالة في وضع نفسي سيء، ویبقى طیلة فترة التقادم مطاردا بشبح الجریمة
ویعتریھ الندم والخوف والقلق والاضطراب، مما یجعل ھذه المعاناة النفسیة كافیة
لمعاقبة الجاني الذي ظل مختفیا عن الأنظار طیلة الفترة المقررة للتقادم.
وإذا كانت ھذه المبررات منتجة في تبریر الأخذ بفكرة التقادم، فإنھا لم تسلم من
انتقادات كبار الفقھاء كسیزار بیكاریا وبنتام وكرارا الذین رأوا فیھا تشجیعا على الإفلات من
العقاب من جھة، وعدم الحد من خطورة المجرم الذي یظل حرا وغیر مقید، مما یجعل
خطورتھ على المجتمع قائمة باستمرار. بالإضافة إلى اتسام ھذه الأفكار برومانسیة قانونیة
تتجاھل الأوضاع النفسیة المتباینة للمجرمین.
غیر أن المشرع وإن كان قد سلم بسقوط الدعوى العمومیة بالتقادم انسجاماً مع فكرة
نسیان الفعل أو نسیان الحكم من طرف المجتمع، فإنھ وضع في الاعتبار فرضیتین أوجد لھما
آلیة مناسبة للحیلولة دون سقوط الدعوى العمومیة أو تقادم الحكم:
 الفرضیة الأولى تقضي أن الضحیة أو المجتمع قد لا ینسى أولا یتناسى بعض
الأفعال خلال الفترة المفترضة للنسیان وآنذاك یكون من المصلحة أن تمضي
العدالة في ملاحقة الجاني، كما أن بعض الجرائم الفظیعة لا یمكن تركھا دون
عقاب فقط بسبب مرور الوقت لذلك أوجد لھا المشرع أسباباً تقطع التقادم أو توقفھ.
وقطع التقادم یتم بكل إجراء من إجراءات التحقیق أو من إجراءات المتابعة تقوم بھ
السلطة القضائیة أو تأمر بھ. ویؤدي إلى انطلاق أجل جدید للتقادم، مساو للمدة الأصلیة،
ابتداء من تاریخ آخر إجراء انقطع بھ التقادم.
وتوقف مدة التقادم یتأتى من استحالة إقامتھا بسبب القانون نفسھ. وفي ھذه الحالة
یتوقف احتساب أجل التقادم طیلة الفترة التي یكون فیھا المانع القانوني قائماً، وینطلق
احتساب ما تبقى منھا بزوال المانع.
 والفرضیة الثانیة اعتبر فیھا المشرع أن بعض الجرائم - نظرا لخطورتھا
وفظاعتھا- لا یمكن تناسیھا أبدا مھما مضى من الوقت. وفي ھذه الحالة ینص على
عدم تقادمھا، كما ھو الشأن لما جاء في الفقرة الثانیة من الفصل 150 من قانون
العدل العسكري بشأن الجریمة المنصوص علیھا في الفقرة الأولى من الفصل
147 من نفس القانون التي لا تقادم فیھا سواء فیما یخص الدعوى العمومیة أو
العقوبات، ویتعلق الأمر بفرار جندي في صفوف العدو أو لجوء جندي عاص إلى
الخارج أو یبقى بالخارج في زمن الحرب لكي یتخلص من أعبائھ العسكریة، حیث
تصادر المحكمة العسكریة جمیع أموالھ الموجودة أو التي ستوجد في المستقبل
لفائدة الأمة. مع الإشارة أن الجریمة معاقبة بمقتضى الفصول من 141 إلى 149
من قانون العدل العسكري.



تعليقات