القائمة الرئيسية

الصفحات



المعايير القضائية بشأن حسن النية وسوءها في التصرفات العقارية

المعايير القضائية بشأن حسن النية وسوءها في التصرفات العقارية


الدكتــور حـســـن فتـــوخ

مستشـــار بمحكمـــة النقــــض

رئيس مكتب الودادية الحسنية للقضاة بمحكمة النقض

أستـــــــــــــــاذ بالمعهـــــــــــــد العالـــــــــي للقضــــــــــــــــاء

الكاتب العام للمرصد القضائي المغربي للحقوق والحريات




تقــديــم:

صحيح أن حسن النية في تنفيذ الالتزامات[1] هو الأصل المفترض تشريعيا في التصرفات القانونية المبرمة من طرف المتعاقدين[2]. وصحيح أيضا أن المشرع حصن جميع التقييدات الواردة بالرسم العقاري لفائدة هذا الغير من أي طعن أو احتجاج في مواجهته بحقوق غير مقيدة. غير أنه إذا ثبت للمحكمة خلاف الأصل المذكور في طرفي العلاقة التعاقدية أو أحدهما، من قبل المدعي الملزم بالإثبات وفقا للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود[3]، أو عن طريق سلوك وممارسة مساطر قانونية خاصة لهدم الأصل أعلاه، فإن التقييد المدون بالرسم العقاري يصبح هو والعدم وسواء، نتيجة لفقدان الأساس القانوني.

غير أن الادعاء بخلاف الأصل، قيده المشرع بضرورة توافر مجموعة من المعايير التشريعية أمام القضاء الذي له سلطة تقديرية في هذا المجال لاستخلاص سوء النية من عدمه في طرفي العلاقة التعاقدية أو أحدهما. ومن ثم فإن الوقوف على هذه المعايير، وكيفية تعامل القضاء معها، وبيان القرائن القانونية والقضائية المعمول بها في هذا الشأن، يجعلنا نشير إلى أهمية التقييدات المؤقتة في دحض قرينة حسن النية المفترضة من طرف المشرع، ودورها في إثبات سوء نية الغير، وبالتالي إبطال التصرفات القانونية المبرمة بين الطرفين، والتشطيب عليها من الرسم العقاري[4].

لذلك، فإن تناول هذه النقط المتعلقة بإثبات سوء نية الغير، يتطلب منا تقسيم هذا الموضوع إلى محورين على الشكل التالي:

المحور الأول: التقييد الاحتياطي والحجز العقاري كمعيارين لإثبات سوء النية.

المحور الثاني: الصورية والإعلان عن الشفعة كمعيارين لإثبات سوء النية.

المحور الأول:

التقييد الاحتياطي والحجز العقاري كمعيارين لإثبات سوء النية

إن إعمال مفهوم المخالفة لمقتضيات الفصل 66 من ظهير 12 غشت 1913، يوحي بإمكان التمسك بإبطال التقييد في مواجهة الغير ذي النية السيئة. وأن إثبات سوء النية يقع على مدعيه، ويتم من خلال ثبوت العلم اليقيني بالتواطؤ الواقع بين المشتري الثاني والبائع للإضرار بالمشتري الأول، وإمكانية تحصين حقه عن طريق التمسك بالأسبقية في التقييد بالرسم العقاري[5]. إذ إن المبدأ في التشريع العقاري يقضي أنه لا يجوز للمشتري الأول غير المقيد المطالبة بالتشطيب على عقد شراء المشتري الثاني بعلة أنه الأسبق تاريخا، على اعتبار أن الأسبقية في التقييد هي التي تنشئ الحق في مواجهة الأطراف والغير.

وقد سبق لمحكمة النقض أن استقرت على تكريس هذه القاعدة معتبرة أنه:"لا يكون أثر حتى بين المتعاقدين للاتفاقات الرامية إلى إنشاء أو نقل حق عيني عقاري إلا من تاريخ تقييدها في الرسم العقاري، ولا يمكن حصول حماية الحق العيني حتى بين المتعاقدين إلا عن طريق إشهاره بتقييده في الرسم العقاري المخصص لكل عقار، كما يستفاد ذلك من الفصل 67 من الظهير العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 والفصل الثاني من ظهير 2 يونيو 1915 المنظم للعقارات المحفظة. وعليه فإن محكمة الاستئناف تكون قد خرقت هذه المبادئ عندما قضت بقبول مطلب شركة كان يرمي إلى الحكم بشطب ما قيد في الرسم العقاري في 7 يوليوز 1949 من عقد متضمن لتفويت حقوق عينية، محرر في 7 يونيو 1949 وذلك ليتأتى للشركة الطالبة أن تقوم بتقييد عقد شرائها المحرر في تاريخ فاتح يونيو 1928".[6]

ونظرا لأهمية التقييد الاحتياطي والحجز العقاري كمعيار في إثبات سوء النية لدى الغير المقيد بالرسم العقاري، إضافة إلى أن العمل القضائي دأب على اعتمادهما لهدم قرينة حسن النية، فقد ارتأينا تقسيم هذا المحور إلى فقرتين على الشكل التالي:

الفقرة الأولى: التقييد الاحتياطي كمعيار لإثبات سوء النية

الفقرة الثانية: الحجز العقاري كمعيار لإثبات سوء النية

الفقرة الأولى:

التقييد الاحتياطي كمعيار لإثبات سوء النية

 إذا كان التقييد الاحتياطي يهدف إلى المحافظة مؤقتا على ضمان الحق بأثر رجعي منذ تاريخ إجرائه بالرسم العقاري، فإن آثاره القانونية تمتد إلى الغير الذي يفترض فيه أنه على علم به، ولو كان هذا الغير المدعي لحقوق غير مقيدة هو المشتري الأول بمقتضى عقد سابق في التاريخ على شراء المشتري الثاني.

فكيف يمكن إذن هدم قرينة حسن النية المفترضة في المشتري الثاني سيء النية المقيد بالرسم العقاري، ودحض الحجية التي يتمتع بها هذا الأخير؟ أو بعبارة أخرى ما هو المعيار القضائي لتحديد سوء النية من عدمه في الطرف المالك وفق بيانات الرسم العقاري؟

جوابا عن ذلك، وبالرغم من الخلاف الفقهي القائم حول هذه المسألة[7]، فإن العمل القضائي أكد أنه لا يمكن اعتبار المشتري الثاني لعقار محفظ سيئ النية ما دام التقييد الاحتياطي للمشتري الأول تم في نفس اليوم الذي وقع فيه الشراء الثاني[8].

ويستفاد من هذا القرار أن قيام المشتري الأول بإجراء تقييد احتياطي لضمان الحق مؤقتا على الرسم العقاري، يعتبر قرينة قانونية قاطعة على ثبوت سوء نية المشتري الثاني الذي تعامل بشأن العقار المحفظ محل النزاع رغم كونه مثقلا بالتقييد أعلاه، ويكون بالتالي معفى من إثبات سوء نية هذا الأخير إعمالا لمقتضيات الفصل 453 من ق.ل.ع التي تنص على أن: "القرينة القانونية تعفي من تقررت لمصلحته من كل إثبات. ولا يقبل أي إثبات يخالف القرينة القانونية".

وقد أكدت محكمة النقض[9] هذا الاتجاه معتبرة أن الشهادة الصادرة عن المحافظ والتي تشير إلى وجود تقييد احتياطي كافية لاعتبار المشتري سيء النية، بحيث إن هذه الشهادة تفيد وجود نزاع حول العقار المثقل به. وبما أن المشتري قام بتحديد المسطرة الجارية فإنه يعتبر سيئ النية ويتحمل عواقب سوء نيته.

وترتيبا على ما أشير إليه أعلاه، يتضح أن إجراء تقييد احتياطي بالرسم العقاري يعتبر دليلا كافيا على سوء نية المشتري الثاني الذي تعامل بشأن العقار المحفظ مثقلا بالتقييد المذكور، في حين أن هذا التوجه القضائي غير سليم من الناحية القانونية، على اعتبار أن هذه القرينة القضائية ليست مطلقة في إثبات سوء النية، وإنما نسبية فقط، لأن الأمر يتوقف على تحديد طبيعة التقييد الاحتياطي المشار إليه في الرسم العقاري وما إذا كان مؤسسا على سند أو على أمر قضائي، أو مقال للدعوى.

ومعنى ذلك، أنه إذا تعلق الأمر بتقييد احتياطي بناء على سند أو على أمر قضائي، فإن مفعول التقييد المذكور ينقضي وبقوة القانون، بانصرام أجل عشرة أيام بالنسبة للأول، وثلاثة أشهر بالنسبة للثاني. ويترتب عن ذلك لزوما انتفاء سوء نية الغير المقيد لاحقا للتقييد الاحتياطي بمجرد انتهاء الأجل، وبعد أن يتعذر على المستفيد منه إنجاز التقييد النهائي لحقه داخل الأجل أعلاه. بل قد يكون سوء النية غير موجود أصلا منذ تقييد الغير لحقه في تاريخ لاحق للتقييد الاحتياطي الذي انقضت مدة صلاحيته، وزال بالتالي مفعوله القانوني في حفظ الحق بأثر رجعي.

أما إذا تعلق الأمر بتقييد احتياطي بناء على مقال، فإن قرينة سوء النية تكون قاطعة طالما أن الغير قد قيد حقه في وقت لازال القضاء لم يفصل في المقال المبني عليه بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وتكون تلك القرينة نسبية في حالة وقوع التقييد بعد صدور الحكم المذكور بعدم الاعتراف بالحق المدعى به من قبل المستفيد من التقييد الاحتياطي، لأن مجرد بقاء هذا الأخير مقيدا بالرسم العقاري لا يعني أن الغير المقيد بعد ذلك سيء النية، ما دام أن التقييد المذكور أصبح هو والعدم وسواء من الناحية الواقعية استنادا لقوة الشيء المقضي به.

ونعتقد أن المعيار الذي يتعين اعتماده لإثبات سوء نية الغير المتلقي للحق العيني بالرسم العقاري يتجلى في ضرورة توافر التواطؤ لدى المشتري الثاني، أو نية الإضرار بالدائن، انطلاقا من القرائن القوية والمنضبطة مع ظروف ووقائع كل نازلة على حدة، والذي يجب أن تستخلصه المحكمة المعروض عليها النزاع بما لها من سلطة تقديرية في هذا المجال دون رقابة عليها من طرف محكمة النقض في هذا الإطار[10].





الفقرة الثانية :

الحجز العقاري كمعيار لإثبات سوء النية

تجدر الإشارة إلى أن العمل القضائي قد اعتبر الموهوب لها سيئة النية لكون الهبة المنجزة لفائدتها قد جاءت بعد علم الطرفين الواهب والموهوب له بوقوع الحجز على الدار محل الهبة. ولا يمكنها تبعا لذلك الاستفادة من حجية التسجيل بالاستناد إلى أن التصرف قد تم تقييده وأنه لا يمكن إبطاله، لأن قاعدة ثبات التصرف وعدم إبطاله مقررة لصالح الغير حسن النية إعمالا لمفهوم المخالفة لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري.

ويتعلق الأمر بكون زوجة استصدرت حكما ضد زوجها قضى لها بالنفقة، وباشرت إجراءات التنفيذ ضده، وحصلت على حجز تحفظي أنصب على دار موضوع رسم عقاري، ثم قامت بتحويله إلى حجز تنفيذي، ووقع تبليغ المحجوز عليه بمحضر الحجز التنفيذي دون تبليغ المحافظ بذلك، الشيء الذي جعل مالك العقار يبادر إلى إنجاز هبة إلى زوجته الثانية، ويقوم بتقييد عقد الهبة في الرسم العقاري الخالي من أي إشارة إلى الحجز المذكور.

وقد جاء في معرض حيثيات قرار محكمة النقض[11]التي استندت عليها في تعليله ما يلي:

"... لكن ردا على الوسائل أعلاه مجتمعة، فإنه لا مجال للاحتجاج بالفصل 440 من قانون المسطرة المدنية والفصول 1 و2 و64 و65 من قانون التحفيظ العقاري، ما دام أن الانتقاد موجه للإجراءات السابقة للحجز التنفيذي التي لا صفة للطاعنة في إثارة ذلك لأنها ليست منفذا عليها. وأن الثابت من مستندات الملف وعلى الخص رسم الهبة أن هذا الأخيرة انصبت على الرسم العقاري عدد 6991/11 أي على عقار محفظ وبالتالي يترتب عن ذلك قابلية التشطيب على الحق المسجل إذا توفرت شروط ذلك، وأن القرار المطعون فيه حين أيد الحكم الابتدائي يكون قد تبنى تعليلاته التي جاء فيها :

"إن عقد الهبة أنجز في الوقت الذي كان فيه المنزل موضوع الهبة محجوزا حجزا تحفظيا ووقع تحويله إلى حجز تنفيذي. وأن التفويت تبرعا أو بعوض مع وجود الحجز يكون باطلا وعديم الأثر طبقا للفصلين 453 و475 من قانون المسطرة المدنية طالما أن تبليغ الحجز للمنفذ عليه قد وقع صحيحا. وأنه لا يلتفت إلى تقييد الهبة في الرسم العقاري لكونها باطلة للسبب المذكور من جهة ولأن الهبة المنجزة لفائدة المدعية قد جاءت بعد علم الطرفين الواهب والموهوب له بوقوع الحجز على الدار محل الهبة وبذلك تعتبر الموهوب لها سيئة النية ولا يمكنها تبعا لذلك الاستفادة من حجية التقييد بالاستناد إلى أن التصرف قد تم تقييده وأنه لا يمكن إبطاله، ذلك لأن قاعدة ثبات التصرف وعدم إبطاله مقررة لصالح حسن النية فقط وهو ما يستفاد من المفهوم المخالف للفقرة الثانية من الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري".

ويلاحظ من خلال حيثيات القرار أعلاه أنه اعتمد أساسين قانونيين لإبطال عقد الهبة والتشطيب عليه من الرسم العقاري. الأول يتمثل في كون الهبة أنجزت بعد إجراء الحجز، والثاني يتجلى في علم الواهب والموهوب لها بالحجز، واعتبر بالتالي هذه الأخيرة سيئة النية.

ونعتقد أن إعمال مقتضيات الفصل 475 من ق.م.م[12] وحده كاف لترتيب أثر البطلان على عقد الهبة المنجز بعد تبليغ المحجوز عليه بالحجز التنفيذي، ولا حاجة للبحث في علم الموهوب لها بالحجز من عدمه حتى يمكن اعتبارها سيئة النية، طالما أن هناك منعا تشريعيا للمنفذ عليه من إجراء أي تفويت في العقار بمجرد تبليغه بالحجز تحت طائلة البطلان. إذ إن تحقق العلم الخاص بالحجز التنفيذي لدى المدين المحجوز عليه يجعل جميع التفويتات التي يجريها بشأن العقار المحجوز باطلة بنص القانون. وأن الغير الذي تلقى الحق من المحجوز عليه، وقام بتقييد عقد الشراء، أو الهبة بالرسم العقاري لا يحق له التمسك بحسن نيته في اكتساب الحق لتحصين حقوقه، على اعتبار أن العقد الرابط بينه وبين المدين باطل منذ تاريخ إنشائه، وأن الباطل باطل لا يصحح بالتقييد تأكيدا لقاعدة المعدوم حسا كالمعدوم شرعا، ومن ثم فإن اعتبار القرار أعلاه أن الموهوب لها سيئة النية استنادا إلى علمها بالحجز العقاري هو تعليل زائد ومنتقد في النازلة المذكورة، بدليل أن هذا الاستنتاج الذي خلصت إليه المحكمة يترتب عنه الإبطال، وليس البطلان. وأنه مادام قد ثبت سبب من أسباب البطلان المنصوص عليه في الفصل 475 من ق.م.م، فإن ذلك يغني المحكمة عن البحث عن القرائن القضائية من ظروف ووقائع النازلة المعروضة عليها لاستخلاص سبب من أسباب الإبطال المتمثلة في حصول علم الموهوب لها بوقوع الحجز التنفيذي قبل إنجاز عقد الهبة.

وغني عن البيان أن ترتيب جزاء "البطلان" الوارد ضمن مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 453 من ق.م.م قد أثار جدلا فقهيا وقضائيا، حيث ذهب البعض[13] إلى القول إن الجزاء المشار إليه في آخر الفصل 453 يحدد علاقة التصرف بالحاجز لا بأطراف التصرف في حد ذاتهم، وأن مفهوم الباطل يعد لفظا زائدا، لأن مناط إعماله يقتضي إنشاء التزام بين طرفين على الأقل واعتبر أن التصرفات الواردة على العقار المحفظ صحيحة وقائمة بين أطرافها ولكنها غير نافذة في مواجهة الحاجز، ويتعين على المحافظ على الأملاك العقارية تسجيلها ويبقى العقار مثقلا بالحجز إلى حين تحويله إلى حجز تنفيذي أو رفعه من طرف المحجوز عليه. في حين ذهب البعض الآخر[14] إلى اعتبار أن هذا الرأي غير سليم استنادا إلى مقتضيات الفصل 87 من ظهير 12 غشت 1913 التي توجب تبليغ كل أمر رسمي بحجز عقاري إلى المحافظ العقاري الذي يقيده بالرسم العقاري، وابتداء من تاريخ التبليغ المذكور لا يمكن أن يباشر بشأن العقار أي تقييد جديد خلال مدة جريان مسطرة نزع الملكية، مضيفا أن هذا النص صريح في منع المحافظ من إجراء أي تقييد جديد بعد الحجز.

ونؤيد ما ذهب إليه الرأي الأول خاصة وأن اجتهاد محكمة النقض يؤيده كذلك حيث جاء في قرار له ما يلي:

 "بناء على الفصل 453 من ق.م.م، فإن التصرفات التي يجريها المحجوز عليه والضارة بالغير هي التي تكون باطلة، أما التصرفات التي لم يتضرر منها الغير فتبقى صحيحة وتنتج آثارها بين الطرفين، ولهذا فإن المحكمة لما اعتبرت أن بيع المحجوز يعد باطلا حتى بالنسبة للعلاقة بين طرفي العقد تكون قد عللت قضاءها تعليلا فاسدا موازيا لانعدام التعليل وعرضت قضاءها للنقض"[15].

ومن جهة أخرى، فإن استناد الرأي الثاني إلى مقتضيات الفصل 87 للتمسك بالبطلان المنصوص عليه في الفصل 453، يفتقر إلى المنطق القانوني، ويحمل مقتضيات الفصل المستدل به أكثر مما يحتمل في صياغته التشريعية التي جاءت واضحة الدلالة لا من حيث الألفاظ والمباني، ولا من حيث المقاصد والمعاني، بدليل أن المنع التشريعي الوارد في الفصل 87 هو منع إداري يمنع المحافظ فقط من إجراء أي تقييد جديد بعد تبليغه بالحجز، ولا يمكن أن يرقى بأي حال من الأحوال إلى اعتبار التفويتات التي وقعت بعد التبليغ بالحجز باطلة.

ومؤيدنا في ذلك، أن قضاء محكمة النقض قد تواتر في العديد من قراراته على اعتبار أن: "البائع أو خلفه العام ملزم بتطهير الرسم العقاري من الحجز العقاري المثقل به وتقييد عقد شراء المشتري لنقل الملكية، مؤكدا على صحة العقد الرابط بين الطرفين طالما أن أحدا من الغير لم يتضرر من تصرف المدين المحجوز عليه".[16]

المحور الثاني:

الصورية والإعلان عن الشفعة كمعيارين لإثبات سوء النية

يطرح إثبات سوء النية لدى الغير المكتسب لحقوق عينية على الرسم العقاري إشكالا يتعلق بأحقية الدائن في طلب إبطال التصرفات التي يجريها مدينه من أجل تهريب أمواله التي تعتبر ضمانا عاما لدائنيه. فهل يعتبر الخلف الخاص (المفوت له) للمدين (البائع) غيرا سيء النية تطبيقا لمقتضيات الفصل 1241 من ق.ل.ع ؟ ومتى يصبح المشفوع منه سيء النية وتطبق عليه أحكام الباني والغارس بسوء نية طبقا لمدونة الحقوق العينية؟

إن الجواب على ذلك، يقتضي منا استعراض موقف العمل القضائي حول هذه المسألة، ورصد موقف محكمة النقض من خلال قراراتها الصادرة في هذا الشأن، ومدى افتراض الصورية[17] في مثل هذه التصرفات، أو وجوب الإثبات من طرف مدعيها تطبيقا للقاعدة العامة القائلة أن إثبات الادعاء يقع على عاتق مدعيه، وتحديد طبيعة الدعوى المرفوعة من طرف الدائن باعتباره غيرا[18] - (الفقرة الأولى)، ثم الحديث عن الآثار القانونية للإعلان عن الرغبة في الشفعة إلى المشفوع منه على ضوء مدونة الحقوق العينية - (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:

دعوى الصورية وإثباتها

سوف نتناول في هذه الفقرة نقطتين قانونيتين وهما طبيعة دعوى الصورية التي يرفعها الدائن (أولا)، والطريقة المعتمدة قضاء لإثبات الصورية (ثانيا).

أولا: طبيعة دعوى الصورية

يثار الإشكال حول الطبيعة القانونية للدعوى الواجب على الداين رفعها في مواجهة أطراف التصرف الذي أضر بحقوقه الثابتة تجاه المدين. فهل يقتصر الدائن على رفع دعوى عدم نفاد التصرف في مواجهته، أم يجب عليه رفع دعوى إبطال التصرف المبرم من طرف المدين بهدف تنظيم إعساره والإضرار بحقوق الدائن؟

نورد في هذا السياق وقائع نازلة تتعلق بكون بنك الوفاء سبق له أن تقدم إلى المحكمة التجارية بالدار البيضاء بطلب يرمي إلى إبطال عقد البيع وبعدم مواجهته به بوصفه غيرا عن أطرافه ودائنا للطرف البائع، والحكم على المحافظ العقاري بالتشطيب عليه، فأصدرت بشأنه حكما برفض الطلب، وتم تأييده من محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء[19] بعد إجرائها بحثا حول موضوع العقار المبيع، على أساس أن هناك فرقا شاسعا بين دعوى الإبطال من أجل الصورية، والدعوى البوليانية[20]، وأن الفصل 1241 من ق.ل.ع لا ينص على الإبطال، وأنه كان على البنك أن يطالب بعدم نفاذ تصرف المدين في حقه بدل أن يطالب بإبطال البيع.

غير أن محكمة النقض[21] قضت بنقض قرار محكمة الاستئناف بناء على التعليل التالي: " حيث التمس البنك الطالب من المحكمة التصريح بإبطال عقد البيع المبرم بين المطلوبين، وبعدم مواجهته به، لما لهذا التصرف من إنقاص للذمة المالية لمدينه البائع، ولكون البنك غيرا بالنسبة لهذا العقد الصوري تبعا للفصلين 22 و1241 من ق.ل.ع، فأصدرت محكمة الاستئناف قرارها بتأييد الحكم الابتدائي القاضي برفض الطلب، ودون أن تناقش توفر عناصر الصورية من عدمها معتبرة "أن الإبطال لا يكون له محل طبقا لمقتضيات الفصل 311 من ق.ل.ع إلا في الفصول 4 و39 و55 و56 منه أو في حالات أخرى يحددها القانون، والفصل 1241 المتمسك به لا ينص على الإبطال حتى يعتبر من حالاته التي نص عليها القانون، فكان على البنك المستأنف أن يطالب بعدم نفاذ تصرف المدين في حقه كدائن، لا أن يطالب بإبطال البيع"، في حين، وما دام الفصل 311 المذكور يشير إلى الحالات الأخرى التي يحددها القانون، فإن الفصل 1241 المذكور، وإن لم ينص صراحة على إبطال التصرفات المؤدية لإضعاف الذمة المالية للمدين تجاه دائنيه، لما اعتبر أن جميع أموال المدين تشكل ضمانا عاما، فإن مؤداه هو المطالبة بإبطال هذه التصرفات، إن أثبت الدائن صوريتها، أما ما أتى به القرار من لزوم المطالبة بعدم نفاذ تصرف المدين في حق دائنه، فإنه علاوة عن أن البنك التمس في مقاله الافتتاحي الحكم كذلك بعدم مواجهته بعقد البيع الصوري، فإن ما ذكر يهم الدعوى البوليصية التي هي دعوى عدم نفاذ التصرف المدين في حق دائنه، غير المنظمة من طرف المشرع المغربي، وبذلك جاء قرارها متسما بفساد التعليل المنزل منزلة انعدامه مما يعرضه للنقض".

وترتيبا على ذلك، يبقى نفس السؤال مطروحا بخصوص وجوب إعداد زوج المدين الخاضع للتسوية أو التصفية القضائية جردا بأمواله الشخصية وفق قواعد نظام الزواج الذي يطبق عليه[22]، لا سيما أن مدونة التجارة قد خولت للسنديك أن يطلب بعد إثباته بكل الوسائل أن الأملاك التي يملكها زوج المدين أو أبناؤه القاصرون قد اشتريت بقيم دفعها هذا الأخير، ضم تلك الممتلكات إلى باب الأصول[23]، الشيء الذي يطرح إشكالية الحماية القانونية لحقوق الأغيار المسجلين بحسن نية بالرسم العقاري. فهل يمكن للسنديك طلب إجراء تقييد احتياطي للدعوى الموجهة ضد الولي الشرعي الخاضع لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية حتى تتأتى له المحافظة على حقوق الدائنين بأثر رجعي؟ وما هي الآثار المترتبة عن تفويت القاصرين لعقاراتهم المحفظة بعد الحكم المذكور؟

نعتقد أن دعوى السنديك الرامية إلى ضم أموال القاصرين إلى أصول المدين الخاضع لمسطرة التسوية أو التصفية شأنها شأن باقي الدعاوى العقارية الرامية إلى استحقاق حق عيني عقاري، ولا يمكن أن يحتج بها في مواجهة الأغيار إلا من تاريخ تقييدها احتياطيا عملا بمقتضيات الفصل 202 من ظهير 2 يونيو 1915. ومن ثم فإن إغفال القيام بهذا الإجراء يترتب عنه إهدار حفظ الحق بأثر رجعي عند التقييد النهائي للحكم الذي يمكن أن يصدر وفق طلب السنديك، الأمر الذي يلحق بالتالي الضرر بالدائنين الذين يعولون على قيمة أصول المدين.

ذلك أن القاصرين المالكين المقيدين بالرسم العقاري يمكنهم تفويت حقوقهم إلى الأغيار الذين يسجلون بحسن نية بعد الحكم بالتسوية أو التصفية القضائية، فتتحصن حقوقهم من الطعن فيها طبقا للمادة 678 من مدونة التجارة. إذ إن صلاحية السنديك في طلب ضم أموال القاصرين إلى الأصول، لا يمكن أن تمتد إلى الغير الذي انتقلت إليه تلك الحقوق طالما أنه يجهل وضعية سلفه، ويتمسك بقرينة حسن النية المفترضة فيه تشريعيا.

لذلك، فإن تحقيق الحماية للمقاولة وللدائنين يقتضي من السنديك الإسراع بضرورة تقييد مقال الدعوى المذكورة احتياطيا بالرسم العقاري، حتى تتأتى الاستفادة من مزية الأثر الرجعي في حفظ الحقوق من جهة، وهدم قرينة حسن النية المفترضة في الغير الذي يقيد حقوقه في رتبة لاحقة على التقييد الاحتياطي المنجز من طرف السنديك.

ثانيا: إثبات الصورية

لقد اعتبرت محكمة النقض[24] أن الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد المنشئ لها، فهي لا تنتج أي أثر في مواجهة الغير إلا في الأحوال المحددة قانونا. أو بعبارة أخرى، فإن التصرفات التي يبرمها المدين قصد تفويت حقه إضرارا بالغير (الدائن)، تخول هذا الأخير الطعن فيها أمام القضاء، والمطالبة بإبطالها استنادا إلى الصورية.

ومعنى ذلك، أن الدائن الطاعن في الاتفاقات المبرمة من طرف المدين مع الغير الذي اكتسب بمقتضاها حقا عينيا بالرسم العقاري، ملزم بإثبات الصورية التي يدعيها بجميع الوسائل وفق القواعد العامة للإثبات بما فيها القرائن[25] القوية المنضبطة المتلائمة مع ظروف ووقائع النازلة المعروضة على المحكمة عملا بمقتضيات الفصل 419 من ق.ل.ع[26]. وهذا ما أكدته محكمة النقض في نازلة أخرى معتبرا أن إبرام عقد الهبة بعد صدور الحكم على المدينة الأصلية بحكم نهائي يشكل قرينة قوية على أن إرادة الواهب الكفيل للمدينة المذكورة انصرفت إلى إبعاد الملك من ذمته المالية للظهور بمظهر المعسر والتهرب من المتابعات القضائية ضده، مؤكدا من خلال حيثياته ما يلي: " إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عندما ألغت الحكم الابتدائي الذي أبطل عقد الهبة وقضت من جديد برفض الطلب معتبرة أن الهبة المذكورة تمت قبل وقوع مطالبة الدائن الكفيل بالدين وأن على البنك الطاعن إثبات أن المطلوب تصرف في عقاره إضرارا به، في حين أن الفصل 1241 من ق.ل.ع ينص على أن أموال المدين ضمان عام لدائنيه وأن إبرام عقد الهبة بعد صدور الحكم على المدينة الأصلية ابتدائيا واستئنافيا يستشف منه أن إرادة الطاعن كانت تهدف إلى إبعاد الملك من ذمته المالية للظهور بمظهر المعسر والتهرب من المتابعات القضائية ضده بصفته كفيلا للمدينة الأصلية، تكون قد جعلت قرارها الذي رفض الطلب بالعلة المذكورة فاسد التعليل الموازي لانعدامه وغير مرتكز على أساس وعرضته للنقض".[27]

ويستفاد من القرار أعلاه أنه أعفى الدائن من إثبات الضرر المنصوص عليه في الفصل 228 من ق.ل.ع، واعتبر أن الهبة المنجزة بين الكفيل وابنه بعد الحكم على المدين الأصلي قرينة كافية على نيته لإخراج أمواله من الضمان العام المخول لدائنيه طبقا للفصل 1241 من ق.ل.ع، ورتب على ذلك القول بصوريتها.

ومن جهة أخرى طرح السؤال حول مدى إمكانية تقييد دعوى الدائن الرامية إلى إبطال التفويت للصورية تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري؟

نعتقد أن تحقق الحماية الكاملة للدائن في المحافظة على أملاك المدين باعتبارها ضمانا عاما طبقا للفصل 1241 من ق.ل.ع، يقتضي وجوبا تقييد مقال هذا النوع من الدعاوى تقييدا احتياطيا، على اعتبار أن مصلحة الدائن هي وحدة لا تتجزأ بين رفع الدعوى وإجراء التقييد الاحتياطي، إذ لا يعقل أن تكون له المصلحة في التقاضي ضد المدين والمفوت إليه، دون أن تتوفر لديه عند تقييد مقال الدعوى احتياطيا. ومن ثم فإن الدائن تكون له المصلحة في طلب تقييد منطوق الحكم القضائي ببطلان التفويت المبرم بين المدين والمفوت إليه، وممارسة كافة المساطر المخولة إياه قانونا على عقار المدين بعد جعله في اسمه من أجل استيفاء حقه الشخصي من منتوج بيعه بالمزاد العلني.

الفقرة الثانية:

سوء نية المشفوع منه بمجرد الإعلان عن الشفعة

عرف المشرع المغربي الشفعة[28] بمقتضى المادة 292 من مدونة الحقوق العينية بأنها: "أخذ شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات العقد اللازمة والمصروفات الضرورية والنافعة عند الاقتضاء ".

وأضاف مقتضيات المادة 308 من نفس المدونة على أنه: "إذا أضاف المشفوع منه شيئا في الحصة المشفوعة من ماله بأن بنى أو غرس فيها فإن قام بذلك قبل إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة طبقت الأحكام المتعلقة بالبناء والغرس في أرض الغير بإذنه أو شبهة ملك، أما إذا قام بذلك بعد إعلان الرغبة في الشفعة فتطبق الأحكام المتعلقة بالبناء والغرس في أرض الغير دون إذن".

ويستفاد من هذا المقتضى التشريعي، أن المشفوع منه يصبح سيئ النية من تاريخ توصله بالإعلان عن الشفعة وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 304 من نفس المدونة أعلاه، ويخضع بالتالي للأحكام المنصوص عليها ضمن المادة 237 من نفس المدونة.[29]

ومعلوم أن الإعلان عن الرغبة في ممارسة الشفعة من طرف الشفيع يعتبر من الإجراءات الأساسية التي تنبني عليه بقية الإجراءات الأخرى التي لا يمكن اتخاذها في غيبته، وهو تعبير عن إرادة الشفيع في أن يأخذ الحصة المبيعة من مشتريها.






وبما أن الإعراب عن الإرادة المنفردة لا يكون له أي أثر في مواجهة الطرف الآخر في عملية الشفعة إلا إذا بلغ له بصورة قانونية، فإن الإعلان عن الشفعة يجب أن يتم داخل الآجال ووفق الشكلية المحددة قانونا حتى يمكن اعتبار الشفيع قد مارس حق الشفعة في مواجهة المشفوع منه بطريقة صحيحة من الناحية القانونية عملا بمقتضيات المادة 306 من مدونة الحقوق العينية التي يجري سياقها على أنه: "يجب على من يرغب في الأخذ بالشفعة أن يقدم طلبا إلى رئيس المحكمة الابتدائية المختصة يعبر فيه عن رغبته في الأخذ بالشفعة، ويطلب فيه الإذن له بعرض الثمن والمصروفات الظاهرة للعقد عرضا حقيقيا ثم بإيداعهما في صندوق المحكمة عند رفض المشفوع منه للعرض العيني الحقيقي، وأن يقوم بذلك داخل الأجل القانوني وإلا سقط حقه في الشفعة ".

ومع ذلك، فإن تاريخ الإعلان عن الشفعة لازال يطرح أكثر من تساؤل على مستوى الواقع، فهل تاريخ هذا الإعلان - الذي يترب عنه سوء نية المشفوع منه - يبتدئ من تاريخ تقديم طلب الإذن بالعرض العيني للثمن والمصروفات الظاهرة لعقد شراء المشفوع منه ؟ أم تاريخ رفض العرض العيني من طرف المشفوع منه ؟ أم من تاريخ طلب الإذن بفتح حساب بصندوق المحكمة لإيداع المبالغ المذكورة ؟ أم من تاريخ الإيداع الفعلي لتلك المبالغ بصندوق المحكمة ؟

وجوابا على ذلك، فإننا نعتقد أن الصياغة التشريعية للمادة 304 أعلاه توحي بأن المشفوع منه يعتبر سيء النية ابتداء من تاريخ تقديم الشفيع لطلب يعبر فيه عن رغبته في الأخذ بالشفعة والإذن له بعرض الثمن والمصاريف الظاهرة للعقد على المشفوع منه، وبالتالي فإن هذا الأخير إذا أضاف شيئا في الحصة المشفوعة من ماله بأن بنى أو غرس فيها بعد تقديم الشفيع للطلب المومأ إليه تطبق في حقه أحكام الباني والغارس في أرض الغير بدون إذن، مع إعفاء الشفيع من أداء قيمتها كشرط شكلي للحكم باستحقاقه للشفعة. وهذا ما أكدته المحكمة الابتدائية بمراكش قبل دخول مدونة الحقوق العينية حيز التنفيـذ[30] معتبرة أن الشفيع غير ملزم بإيداع المبالغ المضمنة بالفواتير الحاملة لتاريخ لاحق على تاريخ طلب الإذن بالعرض العيني للشفعة، ورتبت على ذلك صحة العرض العيني والإيداع الفعلي واستحقاق المدعي لشفعة الحصة المبيعة.

[1]- جاء في قرار لمحكمة النقض  عدد : 16/7 مؤرخ في : 21/1/201 ملف مدني عدد : 515/1/7/2013 غير منشور ما يلي:

" إن دعوى إتمام إجراءات البيع عن طريق إجبار البائعة على تقييد عقد البيع بالرسم العقاري تشكل بالنسبة للمشتري السبيل الأوحد لاكتسابه صفة المالك للعقار المبيع. والمحكمة لما اعتبرت أن البيع لم يتم قانونا مادام العقار المبيع محفظا ويتطلب تبعا لوصفه هذا إجراءات مسطرية لحمل مشتريه لصفة المالك، لم تبرز معه العراقيل التي حالت بين المشتري وتقييد شرائه بالرسم العقاري وما إذا كانت إزالتها تدخل ضمن الالتزامات التي تقع على البائعة في إطار الالتزام بنقل ملكية المبيع وما دام العقد نفسه تضمن طلب الطرفين من المحافظ تقييده بالرسم العقاري الشيء الذي كان معه القرار ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه وعرضة للنقض ".

[2]- ينص الفصل 477 من ق ل ع على ما يلي:

"حسن النية يفترضدائما مادام العكس لم يثبت ".

[3]- تنص مقتضيات الفصل 399 من ق.ل.ع على ما يلي:

 " إثبات الالتزام على مدعيه ".

وتضيف مقتضيات الفصل 400 من نفس القانون ما يلي:

 " إذا أثبت المدعي وجود الالتزام، كان على من يدعي انقضاءه أو عدم نفاذه تجاهه أن يثبت ادعاءه".

- للتوسع في الموضوع راجع:

- قدري الشهاوي: " آثار الالتزام ونتائجه وتوابعه " – منشأة المعارف – الطبعة الأولى - 1996.

[4]- جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:

"... إنه بمقتضى الفصل 1241 من ق.ل.ع، فإن أموال المدين ضمان عام لدائنيه، كما أنه بمقتضى الفصل 228 من نفس القانون، فإن الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون، ومن ثم فإن الغير الذي أضرت الاتفاقيات التي يبرمها مدينه قصد تفويت حقه يبقى من حقه الطعن قضائيا في تلك الاتفاقيات بالصورية".

-        ( قرار عدد 529 - بتاريخ 19 أكتوبر 1987 - ملف اجتماعي رقم 5482/85 - منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى - عدد 41 - السنة العاشرة - 1988. )

-        وجدير بالإشارة إلى أن المشرع نظم أحكام الصورية بمقتضى الفصل 22 من ق.ل.ع الذي ينص على ما يلي: "الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرهما من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر إلا في ما بين المتعاقدين ومن يرثهما. فلا يحتج بها على الغير إذا لم يكن له علم بها. ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل".

وانظر حول الموضوع:

- عبدالرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني - آثار العقد بالنسبة إلى الأشخاص في الفقه الإسلامي - " الخلف العام والخلف الخاص والدعوى البوليصية والإعسار والتعهد عن الغير والاشتراط لمصلحة الغير والنيابة في التعاقد في الفقه الإسلامي" - الجزء الخامس - سنة 1958.

- سعيد الناوي: "الدعوى البوليانية ودعوى الصورية وموقف القضاء المغربي" - مجلة المناهج - مجلة قانونية فصلية - عدد مـزدوج 5-6 - سنة 2004 - ص 112 وما بعدها.

-محمد شعيبي: "نظرية الصورية في ضوء قانون الالتزامات والعقود " - منشور بالمجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية - العدد 7 سنة 1984 - عدد خاص بالأيام الدراسية حول قانون الالتزامات والعقود والمجتمع بعد مضي سبعين سنة - 20- 21 أبريل 1984.

- انظر في هذا السياق:

- طلعت محمـد دويدار: "طرق التنفيذ القضائي" - 1994 – منشأة المعارف بالإسكندرية - ت. ط. غ. م - ص 65.

[5]- للتوسع في موضوع الأسبقية في التسجيل راجع:

- الشعيبية سموح: "محاذير التراخي في تسجيل الحقوق العينية في السجل العقاري" – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة – نوقشت بكلية الحقوق بمراكش – سنة 1999 – 2000.

[6]- قرار رقم 233 صادر بتاريخ 15 ماي 1968 - منشور بمجلة القضاء والقانون – العدد 1 – السنة الأولى – أكتوبر 1968 – ص 30.

[7]- هناك ثلاثة اتجاهات فقهية بشأن مسألة إثبات سوء نية الغير المكتسب لحق عيني متعلق بعقار محفظ كالتالي:

الاتجاه الأول: يعتبر أن مجرد علم المشتري الثاني أن عقده لاحق من حيث الزمن لعقد بيع آخر سبق وأن أجراه مالك العقار، فإن ذلك يشكل قرينة كافية على توافر سوء النية وترتيب أثر عدم الاحتجاج بتسجيله.

- انظر:

- سعاد عاشور : - م س - ص 185.

- شمس الدين الوكيل: "أثر الغش على الأسبقية في التسجيل" - مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية - العدد 12 - السنة الثامنة - 1959 - ص 86.

الاتجاه الثاني: يعتبر أن مجرد علم المشتري بوجود عقد سابق بين البائع وبين مشتر آخر لا يثبت سوء نيته، بل إن المشتري الأول هو الذي أهمل وتراخى في تسجيل حقه بالرسم العقاري. إلا أنه يشترط لثبوت سوء النية لدى المشتري الثاني تحقق العلم عند تسجيل حقه العيني بالعيوب والشوائب التي تشوب سند أو رسم من تلقى الحق عنه.

- راجع:

- مأمون الكزبري - م س - ص 186.

أما الاتجاه الثالث: يعتبر أن مجرد العلم وحده بسبقية الشراء غير كاف لثبوت سوء نية المشتري الثاني، بل يجب أن يقترن هذا العلم بوسائل تدليسية، أو وجود تواطؤ بين المشتري والبائع من أجل الإضرار بحقوق المشتري الأول.

انظر:

- محمد خيري: "حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ.." - م س - ص 491.

- مازن الجم: "م س" – ص 304.

[8]- قرار عدد 2740 صادر بتاريخ 13/7/87 منشور بمجلة المحامي العدد 8 السنة السادسة - 1986.

[9]- قرار عدد 337 صادر بتاريخ 13 نونبر 1981 - منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 31- سنة 1983 - ص 137 وما بعدها.

[10]- نشير إلى أن إدخال المشتري الثاني في الدعوى الذي يقيمها ضد البائع لهما، يشكل وسيلة لإعلامه بأسبقية شرائه، وينفي عنه حسن النية المفترض فيه طالما أنه توصل بمقال الدعوى قبل تسجيل شرائه بالرسم العقاري، ودون حاجة من المشتري الأول إلى تقييد مقال الدعوى احتياطيا من قبل المشتري الأول.

ومع ذلك، فإن الدور الحمائي لمؤسسة التقييد الاحتياطي يظهر بشكل جلي في حفظ الحق من خلال رتبته بأثر رجعي في مواجهة جميع التقييدات اللاحقة مؤقتة كانت أو نهائية.

[11]- قرار عدد 1577 المؤرخ في 25/05/2005 في الملف المدني عدد 3549/1/1/2004 - منشور بمجلة المنازعات العقارية - دلائل عملية 3 - ص 15.

 [12]- تنص مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 475 من ق.م.م على ما يلي:

"يمنع على المنفذ عليه بمجرد تبليغه بالحجز أي تفويت في العقار تحت طائلة البطلان".

وتضيف مقتضيات الفصل 306 من ق.ل.ع على ما يلي:

"الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر، إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له.

 ويكون الالتزام باطلا بقوة القانون:

1- إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه.

2- إذا قرر القانون في حالة خاصة بطلانه".

[13]- عمر أزوكار: " آثار التصرفات على العقار المحفظ المرهون أو المحجوز" - مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية - العدد 96 - شتنبر- أكتوبر 2002 – ص 160.

[14]- عبدالرحمان حموش: " التقييدات المؤقتة على العقار في التشريع المغربي" - رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني – نوقشت بكلية الحقوق – جامعة القاضي عياض – مراكش – سنة 2002- 2003 – صفحة 107.

[15]- قرار رقم 528 بتاريخ 28 يوليوز 1982- منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد - 31 - ص 58.

[16]- جاء في حيثيات هذا القرار ما يلي:

"لكن حيث إن التصرفات التي يجريها المحجوز عليه والضارة بالغير هي وحدها التي تكون باطلة، أما إذا لم يتضرر أحد من الغير من تصرف المحجوز عليه فيبقى التصرف صحيحا وينتج مفعوله بين الطرفين. وبما أن الطالبين هم خلفاء للهالك في العقار محل النزاع فلا حق لهم في التمسك بالحجز كسبب لإبطال العقد لأنهم ليسوا من الغير وحلوا محل الهالك كطرف في العقد، ولا يمكنهم التحلل من موروثهم بدعوى الحجز على العقار المبيع ".

 - قرار رقم 528 صادر بتاريخ 21/9/1977 - منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 25 - سنة مايو 1980 - ص 41.

وقد أكد في قرار آخر ما يلي:

 ".. ومن جهة ثالثة فإن المحافظ لا يلتجأ إليه لتسجيل الحقوق إلا عند خلوها من النزاع، في حين أن العقار موضوع الدعوى مثقل بحجز عقاري ومسجل باسم الموصى له مما لا بد معه من الالتجاء أولا إلى القضاء لتطهير العقار من الحجز، والإذن بتسجيل الحق عليه".

 - قرار عدد 911 مؤرخ في 1997.2.11 ملف مدني عدد 4939/91 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 53- 54- السنة 21 – ص 84.

[17]- ينص الفصل 22 من ق.ل.ع على ما يلي:

 " الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر إلا في ما بين المتعاقدين ومن يرثهما. فلا يحتج بها على الغير إذا لم تكن له علم بها. ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل ".

للاطلاع على نظرية الصورية ومفهومها انظر:

- محمد شعيبي: " نظرية الصورية في ضوء قانون الالتزامات والعقود " - منشور بالمجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية - العدد 7 سنة 1984 - عدد خاص بالأيام الدراسية حول قانون الالتزامات والعقود والمجتمع بعد مضي سبعين سنة – 20 - 21 أبريل 1984 - ص 127.

 [18]- تنص مقتضيات الفصل 926 من ق.ل.ع على ما يلي:

"يلتزم الموكل مباشرة بتنفيذ التعهدات المعقودة لحسابه من الوكيل في حدود وكالته.

التحفظات والعقود السرية المبرمة بين الموكل والوكيل والتي لا تظهر من الوكالة نفسها، لا يجوز الاحتجاج بها على الغير، ما لم يقع الدليل على أنهم كانوا يعلمون بها عند العقد".

للتوسع في هذا الشأن راجع:

- أنور العمروسي: "الصورية وورقة الضد في القانون المدني" – دار محمود للنشر والتوزيع – الطبعة الثانية – السنة 1998.

[19]- قرار عدد 2576/1 الصادر بتاريخ 17/04/03 في الملف عدد 7520/00 (غير منشور).

 [20]- وتسمى أيضا بالدعوى غير المباشرة، وتعني تلك الدعوى التي يرفعها الدائن على مدين مدينه للمطالبة بحق مدينه. ولعل العلة القانونية التي تسمح بقبول مباشرة هذا النوع من الدعاوى هي اعتبار الدائن نائبا عن مدينه في مقاضاة مديني المدين، مع العلم أن مصدر هذه النيابة هو القانون.

وتجدر الملاحظة أن المشرع المغربي لم ينص على الدعوى البوليصية أو البوليانية خلافا لباقي التشريعات المقارنة كفرنسا (المادة 1167 من ق.م.م ف) ومصر(المادة 143 من ق.م). ونشير إلى أن هذه الدعوى تسمى أيضا بدعوى عدم نفاذ التصرف في حق الدائن الذي يتضرر من تصرفات مدينه الرامية إلى إضعاف ونقص الضمان العام بسوء نية.

- للمزيد من التوسع حول تأصيل الدعوى البوليصية انظر:

- عبدالرزاق أحمد السنهوري:"آثار العقد بالنسبة إلى الأشخاص في الفقه الإسلامي"الخلف العام والخلف الخاص والدعوى البوليصية والإعسار والتعهد عن الغير والاشتراط لمصلحة الغير والنيابة في التعاقد في الفقه الإسلامي.م س.

- سعيد الناوي: " الدعوى البوليانية ودعوى الصورية وموقف القضاء المغربي " - مجلة المناهج - مجلة قانونية فصلية - عدد مزدوج 5- 6 - سنة 2004 - ص 112 وما بعدها.

- يوسف الفاسي الفهري: " الدعوى البوليانية في التشريع المغربي على ضوء الإجتهاد القضائي " – مجلة المحاكم المغربية – عدد 97 – نونبر – دجنبر – سنة 2002.

- J.WOOG: La protection du créancier – Revue de jurisprudence commerciale – 1999 n doctrine.

[21]- قرار عدد 101 المؤرخ في 2/2/2005 في الملف التجاري عدد 1642/3/2/2003 - منشور بمجلة المنازعات العقارية - سلسلة دلائل عملية - عدد 3 - ص 117.

[22]- عبدالعزيز تريد: " آثار الحكم بالتسوية أو التصفية القضائية في المتابعات الفردية " – مجلة القسطاس – عدد 4.

- Jean–Francois Martin et Alin Lienhard: Redressement et Liquidation judiciaire – Delmas – 8 éme éd – 2003.

[23]- تنص المادة 677 من مدونة التجارة على ما يلي:

"يعد زوج المدين الخاضع لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية جردا بأمواله الشخصية وفق قواعد نظام الزوجية الذي يطبق عليه".

وتضيف المادة 678 من نفس المدونة:

" يمكن للسنديك أن يطلب، بعد إثباته بكل الوسائل أن الأملاك التي يملكها زوج المدين أو أبناؤه القاصرون قد اشتريت بقيم دفعها هذا الأخير، ضم هذه الممتلكات إلى باب الأصول ".

[24]- قرار عدد 529 بتاريخ 19/10/1987 الصادر في الملف الاجتماعي عدد 5482/85 ـ منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 41 - سنة نونبر 1988 - ص 171 جاء فيه ما يلي:

"إنه بمقتضى الفصل 1241 من ق.ل.ع فإن أموال المدين ضمان عام لدائنيه كما أنه بمقتضى الفصل 228 من نفس القانون فإن الالتزامات لا تلزم من كان طرفا في العقد فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون، ومن ثم فإن الغير الذي أضرت الاتفاقيات التي يبرمها مدينه به قصد تفويت حقه يبقى من حقه الطعن قضائيا في تلك الاتفاقيات بالصورية ".

[25]- تنص مقتضيات الفصل 449 من ق.ل.ع على ما يلي:

"القرائن دلائل يستخلص منها القانون أو القاضي وجود وقائع مجهولة".

ويضيف الفصل 454 من نفس القانون ما يلي:

"القرائن التي لم يقررها القانون موكولة لحكم القاضي. وليس للقاضي أن يقبل إلا القرائن القوية الخالية من اللبس أو القرائن المتعددة التي حصل التوافق بينها، وإثبات العكس سائغ، ويمكن حصوله بكافة الطرق".

- وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى ما يلي:

 "إن القرائن القضائية التي لم يقررها القانون هي دلائل يستخلص منها القاضي وجود وقائع مجهولة - الفصل 449 من ق.ل.ع - أي أن القاضي في نطاق سلطته لتقدير الوقائع يستنبط من الوقائع المعروضة عليه ما يكون قناعته لإثبات أمر مجهول والإثبات بالقرائن لا ينصب على الواقعة المتنازع فيها وإنما يتناول وقائع أخرى يدل ثبوثها بصفة غير مباشرة على صحة ما أثبتته المحكمة".(قرار عدد 159 بتاريخ 28/3/1988 صادر في الملف الاجتماعي عدد 8347/87 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 41 - سنة نونبر 1988 - ص 179).

[26]- ينص الفصل 419 من ق.ل.ع على ما يلي: "الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور. إلا أنه إذا وقع الطعن في الورقة الرسمية بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أو صورية أو خطأ مادي، فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود وحتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة دون احتياج إلى القيام بدعوى الزور. ويمكن أن يقوم بالإثبات بهذه الكيفية كل من الطرفين أو الغير الذي له مصلحة مشروعة".

ونشير إلى أن ادعاء الصورية طبقا للفصل أعلاه يجب أن يثار أمام محكمة الموضوع، ولا يقبل إثارته لأول مرة أمام المجلس الأعلى. إذ ورد في قرار لهذا الأخير ما يلي: "الوسيلة الثالثة... كما وقع خرق الفصل 419 من ق.ل.ع المتعلق بإثبات الصورية بواسطة الشهود والقرائن القوية المنضبطة، فعقد الهبة والبيع والوكالة كلها صورية الهدف منها حرمان الورثة من حقهم في الإرث يدل على ذلك أداء الضرائب من طرف الواهب، والشهادة الإدارية أنه يسكن بالمنزل إلى أن توفي، واللفيف المستفسر المدلى به، وإسناد التوكيل للواهب بعقد عرفي قصد إجراء البيع لفائدة بنت أخت الموهوب لها إنما هو احتيال، وتحرير إشهاد عدلي بحصول البيع قصد إثبات الهبة يدل على تواطؤ العدلين، والقرار المطعون فيه لم يشر إلى الحجج المدلى بها ولم يرد عليها إعمالا ولا إهمالا وذلك يجعله معرضا للنقض.

... وما يتعلق بخرق الفصل 419 من ق.ل.ع بشأن الصورية فإنه لم يثر أمام محكمة الموضوع، ثم أن الصورية تقتضي وجود عقدين أحدهما حقيقي والآخر صوري والطاعن لم يبين في طعنه وجود عقدين، مما جعل ما ورد في هذا الوجه غير مقبول...". (قرار عدد 526 صادر بتاريخ 10يوليوز2002 في الملف العقاري عدد 404/ 2 يناير2001 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد مزدوج 59-60، السنة 24 - ص 202).

غير أن ما يلاحظ على هذا القرار أنه اعتبر أن الصورية تقتضي وجود عقدين أحدهما حقيقي، والآخر صوري، في حين أن الأمر ليس كذلك، بدليل أن الفصل 22 من ق.ل.ع لا يشترط ذلك، وإنما يشمل جميع التصريحات المكتوبة بصرف النظر عن وجود اتفاقات معارضة لها من عدمها.

وقد تبنت المحكمة الابتدائية بمراكش هذا التأويل كما يلي:

"... وحيث إنه وفي جميع الأحوال فإن الفصل 1241 من ق.ل.ع يجعل الضمان ساريا على جميع أموال المدين وليس بعضها دون البعض، وبالتالي فما دامت المدعى عليها لم تثبت أداء الشركة المديينة الأصلية لكافة الديون المترتبة عليها، فإنه ليس من حقها التصرف في جزء من أموالها بعلة أنه غير مشمول بالضمان.

وحيث دفعت المدعى عليها من جهة أخرى بأن قيام الصورية يقتضي وجود عقدين أحدهما ظاهر والآخر خفي وهو العقد الحقيقي وهذه الحالة غير متوفرة في النازلة. ذلك أن الأمر يتعلق بعقد واحد هو عقد الهبة وهو صحيح ومنتج لآثاره وتم تسجيله بالصك العقاري.

لكن حيث إن الفصل 22 من ق.ل.ع لا ينحصر مجاله على الاتفاقات السرية المعارضة أي التي تقتضي وجود اتفاق عليه مخالف لها، بل يشمل جميع التصريحات المكتوبة سواء كانت اتفاقات معارضة له أم لا، مما يعني أن وجود عقدين في نفس الوقت ليس ضروريا بل يكفي أن يكون ثمة عقد يضر بمصالح الغير الذي لم يكن له علم به.

وحيث إن المدعى عليها مادامت قد فوتت حصتها في الصك العقاري عدد.. بأن تبرعت بها لفائدة ابنها القاصر فإن عقد الهبة لا يلزم إلا طرفيه ولا يمكنه الإضرار بمصالح المدعية التي تعتبر أجنبية عن ذلك العقد ويكون من حقها بالتالي الطعن فيه بالصورية...

وحيث إن الصورية ثابتة من خلال إقدام المدعى عليها على التبرع بحصتها في العقار المذكور لفائدة ابنها القاصر والتي تعتبر ولية شرعية له وقائمة على شؤونه وإدارة أمواله. وذلك تهربا من الالتزامات الملقاة عليها بموجب عقد الكفالة وإضرارا بمصالح دائنيها ومن بينهم المدعية مما يتعين معه الاستجابة إلى طلب هذه الأخيرة الرامي إلى إبطال عقد الهبة والتشطيب عليه من الصك العقاري...".(حكم رقم 3558 بتاريخ 23 شتنبر 2003 في الملف رقم 1384/1/2002 غير منشور) .

[27]- قرار عدد 638 صادر بتاريخ 26/05/2004 في الملف التجاري عدد 967/12/2002 منشور بمجلة المنازعات العقارية - سلسلة " دلائل عملية " - العدد 3 - ص 150.

- ونظرا لأهمية هذا القرار من حيث طبيعة النقاش القانوني في مختلف المراحل القضائية، فإننا نورد وقائعه لتقريب الفكرة المتعلقة بالرابطة التي تجمع بين المدين الأصلي والكفيل العيني، وكيفية استخلاص الصورية من خلال القرائن المحيطة بالقضية كالتالي:

"حيث يستفاد من أوراق الملف ومن القرار المطعون فيه الصادر عن استئنافية مراكش بتاريخ 13/12/2001 تحت عدد 3662 في الملف عدد 3634/01/2000 أن البنك المغربي للتجارة والصناعة تقدم بمقال لدى ابتدائية مراكش بتاريخ 09/02/2000 يعرض فيه أنه استصدر حكما عن ابتدائية مراكش بتاريخ 15/06/1995 ملف عدد 0168/94 قضى على مؤسسة (...) بأدائها له مبلغ 362.738،04 درهم الذي يمثل الدين المترتب بذمتها إلى غاية حصر حسابها بتاريخ 01//01/1994 مع تحميلها الصائر في حدود المبلغ المذكور. وبمقتضى القرار الاستئنافي الصادر عن استئنافية مراكش بتاريخ 15/01/1996 ملف رقم 3332/95 تم إلغاء ذلك الحكم جزئيا والحكم من جديد بأداء المؤسسة المذكورة له تعويضا قدره 2000 مع شمول الحكم الابتدائي بالفوائد القانونية من 02/01/1994 لتاريخ التنفيذ، وأن السيد (...) قدم لفائدة المدعي كفالتين شخصيتين بصفة ضامنة ومتضامنة مع التنازل عن الدفع بالتجريد والتجزئة لضمان أداء جميع المبالغ التي ستصبح بذمة مؤسسة طونيال في حدود مبلغ 200.000 درهم وذلك بمقتضى عقدي كفالة مصادق على توقيعهما في 12/06/1978 و 04/06/1982 وقد تقدمت بمقال من أجل الأداء في مواجهته موضوع الرسم العقاري عدد 6462/99 وأن الكفيل المذكور كان يملك العقار المسمى النخيل الكائن بمراكش جليز موضوع الرسم العقاري عدد 20617/ م ولاستبعاد ذلك الملك عن المتابعات القضائية وقصد تنظيم إعساره فإنه أبرم عقد هبة مصادق على توقيعه في 7 و 11/3/1997 باع بموجبه العقار لابنه السيد (...) وهي هبة صورية لم يلجأ لها إلا لإبعاد الملك من المتابعات القضائية وذلك ثابت لتزامنه مع توقفه عن الوفاء بالتزاماته وبديونه تجاه البنك وكذا إجراء حجوز تحفظية في مواجهته وأن التفويت الصوري لا يمكن أن يضر البنك بوصفه غيرا عن أطراف العقد ودائنا للمدين البائع وفقا للفصل 22 من ق.ل.ع الذي ينص على " أن الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يحتج بها على الغير " ويمكن للدائن أن يقوم عن طريق ما يعرف بالدعوى البوليانية بالمطالبة بإبطال العقد ملتمسا الحكم بإبطال عقد الهبة المذكور واعتبار أن ذلك العقد باطل ولا يواجه به البنك بوصفه غيرا عن أطرافه ودائنا للطرف الواهب وأن الملك لم يخرج من الذمة بنسخة من الحكم العمل على التشطيب على العقد وأن يقيد السيد (...) بوصفه مالكا للعقار. فأصدرت المحكمة حكما قضى بإبطال عقد الهبة والتشطيب عليه من الصك العقاري عدد 20617/م وتسجيل العقار في اسم السيد (...) واستأنفه المدعى عليهما فألغته محكمة الاستئناف بمقتضى قرارها المطعون فيه وقضت من جديد برفض الطلب.

حيث ينعى الطاعن على القرار المطعون فيه خرق الفصول 22 و 77 و 78 و 399 و 1241 من ق.ل.ع والفصل 345 من ق م م وقلب عبء الإثبات وفساد التعليل الموازي لانعدامه وعدم الارتكاز على أساس، ذلك أن محكمة الاستئناف اعتبرت أنه يحق للمستأنف أن يهب عقاره إلى ابنه سنة 1997 لأنه لم تقع مطالبته بالأداء إلا في 1999 وأن التصرفات يفترض القيام بها بحسن نية والحال أن الفصل 1241 ق.ل.ع صريح في أن أموال المدين تشكل ضمانا عاما لدائنيه وأن دعوى إبطال عقد الهبة هي دعوى بوليانية تجيز للدائن المتضرر من ذلك العقد الذي يتعارض مع الفصلين 77 و78 ق.ل.ع ويجيز ذلك أيضا الطعن فيه بالإبطال ويكفي الدائن أن يثبت بكل الوسائل القانونية أن العقد تتجسد صوريته في كون الإرادة المعبر عنها في صلبه لا تتطابق مع الإرادة الحقيقية للأطراف المبرمة له وأن الفصل 228 ق.ل.ع يمنع أن تضر الاتفاقات بالغير وأن الفصل 22 من نفس القانون لما يعتبر أن الصورية لايواجه بها الأغيار وتنحصر بين الأطراف لا يلزم الغير بتاتا بإثبات عقد ظاهري وعقد سري وإنما يكفي الإثبات بكل الوسائل القانونية أن عقد الصدقة المبرم من طرف المدين مع ابنه القاصر لا يطابق إرادته الحقيقية وإنما نتج عن إرادة صورية لإبعاد الملك من ذمته المالية لتنظيم إعساره والظهور أمام الدائنين بمظهر المعسر والتهرب من المتابعات القضائية التي تباشر ضده. والقرار بإلغائه الحكم الابتدائي يكون قد خرق النصوص القانونية المستدل بها كما أنه جاء مخالفا لاجتهاد المجلس الأعلى الذي يعتبر أن الدعوى البوليانية قد أجازها المشرع للدائن لمواجهة الوسائل التسويفية التي تنبئ عن سوء نية المدين فيما يسعى لإبعاد أمواله عن المتابعات القضائية والذي ذهب لضرورة تقيد قضاة الموضوع بالقاعدة المشار لها في الفصل 1241 ق.ل.ع واعتبر أن الغير الذي يتضرر من الاتفاقات المبرمة من طرف مدينه قصد تفويت الأموال للإضرار بحقوق الدائن يكون من حقه الطعن بإبطال الاتفاقات الصورية، وقضاء محكمة الاستئناف رغم ذلك بإلغاء الحكم الابتدائي ورفض الطلب تكون معه قد خالفت كذلك اجتهاد المجلس إضافة إلى أن القرار قلب عبئ الإثبات لما طلب من الطاعن إثبات سوء نية الواهب والحال أنها مفترضة وتتجلى من عدم وجود أي مبرر لهذه الهبة سوى نية الواهب في تنظيم إعساره ومنع دائنيه من إجباره على الوفاء بالتزاماته، وخلافا لما اعتبرته المحكمة فالعبرة بكون عقد الهبة تم بعد تقديم الكفالة وهو ما يعني كون الكفيل قام بتلك الهبة بعد أن تعهد بتقديم كفالته للبنك بأداء الديون التي تتخلد بذمة المدينة الأصلية والعبرة بكون الضرر حصل للدائن بمجرد وقوع الهبة ووقت المطالبة بالأداء وأن الاجتهاد القضائي المقارن دأب على اعتبار أن المديونية تصبح موجودة في مبدئها عند إبرام عقد الكفالة ولا يصح للمدين أن يقوم بتنظيم إعساره أو أن يزيد في تدهور ذمته المالية وكل ذلك يعرض القرار للنقض.

حيث إن البنك الطالب التمس إبطال عقد الهبة استنادا إلى أن السيد (...) منحه كفالتين شخصيتين في حدود مبلغ 200.000 درهم لضمان أداء جميع المبالغ التي ستصبح بذمة مؤسسة طونيال بمقتضى عقدين مصادق على توقيعهما في 12/06/1978 و 04/06/1982 وأن قام بصفة صورية بهبة الملك المسمى النخيل لفائدة ابنه في 7 و 11/03/1997 لتنظيم إعساره وإخراج ذلك الملك من المتابعات القضائية إلا أن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه ألغت الحكم الابتدائي الذي أبطل عقد الهبة وقضت من جديد برفض الطلب معتبرة أن الهبة تمت قبل وقوع مطالبة الدائن للكفيل بالدين في 05/08/1999 وأن على البنك الطاعن إثبات أن المطلوب تصرف في عقاره إضرارا به في حين أن الفصل 1241 ق.ل.ع ينص على أن أموال المدين ضمان عام لدائنية وأن إبرام عقد الهبة بعد صدور الحكم على المدينة الأصلية ابتدائيا بتاريخ 15/06/1995 واستئنافيا بتاريخ 15/01/1996 يستشف منه أن إرادة الطاعن كانت تهدف لإبعاد الملك من ذمته المالية للظهر بمظهر المعسر والتهرب من المتابعات القضائية ضده بصفته كفيلا للمدينة الأصلية مما يكون معه القرار الذي رفض الطلب بالعلة المذكورة فاسد التعليل الموازي لانعدامه وغير مرتكز على أساس وعرضه للنقض ".

[28]- الشفعة لغة - بضم الشين والسكون والفاء - مشتقة من لفظ شفع، بمعنى ضم. ويقال شفع الشئ يشفعه أي صيره زوجا إذا أضاف إليه مثله ويقال:كان وترا أي فردا، فشفعه بآخر أي قرنه به وضمه إليه فصار شفعا. أما الشفعة في الاصطلاح هي أخذ شريك على الشياع عقارا من شخص ملكه اللازم اختيارا بعوض بمثل الثمن أو القيمة، فقوله تجدد ملكه أي على الشفيع، فقول التعريف بعوض يتعلق بتجدد، وبمثل الثمن يتعلق بأخذ.

(راجع: كتاب البهجة للفقيه التسولي – ص 152).

- للمزيد من التفصيل حول تعريف الشفعة انظر:

- سليمان الحمزاوي: أحكام الشفعة والصفقة – سلسلة دروس المعهد الوطني للدراسات القضائية – منشورات تنمية البحوث والدراسات سنة 1983 – ص 7.

- أحمد الخريصي: أحكام الشفعة في التشريع المغربي- ص4.

[29]- تنص المادة 237 من مدونة الحقوق العينية على أنه: "إذا قام أحد بإحداث أغراس أو بناءات أو منشآت عن سوء نية وبدون علم مالك العقار، فلهذا الأخير الحق إما في الاحتفاظ بها مع أداء قيمة المواد وإما إلزام محدثها بإزالتها على نفقته مع إرجاع حالة الأرض إلى ما كانت عليه قبل إحداث الأغراس أو البناء أو المنشآت.

أما إذا أحدثت الأغراس أو البناءات أو المنشآت من طرف شخص انتزعت منه الأرض في دعوى استحقاق ولم يحكم عليه برد ثمارها نظرا لحسن نيته فإن مالك العقار لا يمكنه أن يطالب بإزالة المنشآت أو الأغراس أو البناءات المذكورة، غير أنه يمكن له الخيار بين أن يؤدي قيمة المواد مع أجرة اليد العاملة، أو أن يدفع مبلغا يعادل ما زيد في قيمة الملك ".

- حكم ابتدائي ملف ابتدائي رقم 617/1401/2011 بتاريخ 01/03/2012 غير منشور جاء فيه معرض حيثياته ما يلي: ".... وحيث في ملف النازلة فإن المدعي الشفيع يعتبر مالكا على الشياع في الرسم العقاري المشفوع فيه بنسبة 108/314، ومارس مسطرة الشفعة في البداية عندما قام بعرض ثمن البيع على المدعى عليه أعلاه حسب محضر المنجز من طرف العون القضائي عبد المجيد شحموط عبد المجيد شحموط بتاريخ 4/7/2011 بناء على الأمر الصادر عن السيد رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش بتاريخ 10/06/2011 ملف عقود مختلفة عدد 3577/1109/11, كما قام بإيداع الثمن والمصاريف بصندوق المحكمة بتاريخ : 14/07/2011 وقدرها 1.075.000،00 درهم بناء على إشهاد الموثق الذي أنجز عقد البيع، كما أودع بتاريخ 28/11/2011 مبلغ 600 درهم كتكملة للمصاريف بعدما نازع المدعى عليه في القيمة الحقيقية للمصاريف وأثبتها بإشهاد من نفس الموثق المحرر لعقد البيع المذكور.

وحيث من الثابت فقها وقضاء أنه يكفي لصحة العرض العيني أن يقوم طلب الشفعة بأداء الثمن والمصاريف التي تعرف عليها، وأن عدم أدائه المصاريف والنفقات التي لم يكن بوسعه التعرف عليها عند تقديمه العرض العيني لا يحول دون صحة طلبه حسبما أكدته محكمة النقض في قرارها رقم 144 صادر بتاريخ 1/3/1978 ملف مدني عدد 53403 منشور بمؤلف ذ عبد العزيز توفيق " قضاء المجلس الأعلى في الشفعة " ص 25 طبعة أولى سنة 1999.

 وحيث من جهة أخرى، فإن الفصل 25 أعلاه ولئن كان ينص على وجوب إيداع الثمن والمصاريف الظاهرة وقيمة التحسينات كشرط لممارسة حق الشفعة، فإن المدعى عليه لم يثبت أن الإصلاحات التي قام بها لها طابع التحسينات المشار إليها في الفصل 25 من ظهير 2/6/1915، والمنظمة بشكل دقيق في الفقه المالكي الذي يجري تطبيقه على العقارات المحفظة بمقتضى الفصل 34 من نفس الظهير المذكور. ومن ثمة فإن الشفيع غير ملزم بإيداع المبالغ المضمنة بالفواتير المحتج بها من قبل المدعى عليه والتي تحمل تاريخ 03/10/2011 وهو تاريخ لاحق على تاريخ العرض العيني لمبالغ الشفعة على المدعى عليه وهو 10/06/2011. وعليه فإن العرض العيني والإيداع الفعلي قد تمت مباشرتهما بصفة قانونية، مما يبقى معه طلب المدعي وجيها ويكون بالتالي حريا بالتصريح بالاستجابة له".

تعليقات