القائمة الرئيسية

الصفحات



النقد القانوني لتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة إعداد الدكتور عبد الله الكرني




النقد القانوني لتنفيذ الأحكام
الصادرة ضد الدولة
إعداد الدكتور عبد الله الكرني



مقدمة:
اتجه الفقه الحديث إلى تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص، أما القانون العام فهو الذي يضم مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم علاقة الدولة بغيرها  من الدول أو بمواطنيها باعتبارها صاحبة السلطة والسيادة والمسؤولة على تحقيق المصلحة العامة، والقانون الخاص هو الذي ينظم العلاقة الناشئة بين الأفراد أو بينهم وبين إحدى جهات الحكومة عندما تتصرف هذه الجهة كالإفراد دون الاستناد إلى ما تتوفر عليه من سيادة كان تفوت عقارا، مثلا.  
ومن الأكيد أن كلا القانونين المذكورين يعملان على تكريس الاحترام الواجب للحق واقتضاء هذا الحق ذاته وتوفير الحماية الضرورية له في مفهوم الحماية الواسع: أي الحماية القانونية والحماية الموضوعية والحماية التنفيذية حتى ذهب البعض الى حد القول بأن وجود الحق رهين بوجود الحماية الواجبة له وذلك بتنفيذ محل هذا الحق وتمكين صاحبه منه في أسرع وأحسن الظروف.  
إن أهمية النقد القانونـي لنظـام تنفيـذ الأحكام بصفة عامة تمليها دقـة الـمرحلة التـي يجتـازها الـمغرب – مـحليا ودوليـا- شـأنه شـأن باقي دول المعمـور الـتي تسـابق زمـن العـولمة لإصـلاح هـيكلهـا وإعادة النظر فـي نوع خدماتهـا، تحقيقـا للتنميـة المنشـودة فلـم يتـوان الـمغرب في إحداث بعـض التغيـيرات فـي المـراكز القـانونية للـدولة ولباقي شـخوص القانـون الـعـام، مـن ذلك التعديـل الـذي عـرفه الـدستور سنة 1996 وجديد الميثاق الجماعي رقم: 78.00 لسنة: 2002، وقانون تنظيم العمالات والأقاليم رقم: 79.00 لسنة 2002، وما لحق مدونة الانتخابات من تعديلات وتتميمات منذ سنة: 1997 إلى سنة: 2006 والقانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية رقم: 80.03 لسنة: 2006.
إن كـل الـمحاولات  التـي يـقوم بـها الـمشرع تـدخل فـي إطار التأثيـر الإيجابـي فـي العلاقـة القانونيـة الناتجـة عـن تنفـيـذ الأحكـام الصـادرة في مواجهـة الإدارة التي تربط بين هـذه الأخيرة باعتبارها طرفا منفذا عليه وبين الـمنفذ له سواء كان شخصا طبيعيـا، أو شخصا اعتباريـا سواء تعلق الأمر بمجال القانـون الإداري أو القانون الـمدني، ذلك أن لكـل مـن القانون الإداري والقانون المدني خصائصه المستقلـة والمتميـزة فـي مـواجهة الآخـر، فـالقانون المدنـي يعامـل الخاضعيـن لأحكامـه على قـدم الـمسـاواة، فـلا تميـيز بين أطـراف عـلاقة التنفيذ تبعا لاحترام مبدأ سلطان الإرادة الفـردية القائمة على إرادة الأفراد الحرة في إنشاء الحقوق والالتزامات وتحديد آثــــارها حماية لمصالح الأفراد الخاصة، أمـا القـانون الإداري فهـو علـى عـكس ذلك   يعطي للإدارة امتيازات وحقوقا تتميز بها على الأفراد قصد تمكينها من أداء الـمهام المنوطة بها لتسيير المرفق العام بصورة حسنة ودائمة تحقيقا للمصلحة العامة.
إن مشكلتنا في المغرب تتجلى في عدم قدرة الشرع والفقه والقضاء  على التخلص من الأساليب الكلاسيكية في التعامل مع المنظومات والصيغ القانونية وجعلها خاضعة للعديد من النظريات الكلاسيكيـة الـتي أصبحـت متجـاوزة، فعـلى سبـيل المثال، لازال الفقه والقضاء المغربيان يتعامـلان مع نظريـة المسـؤولية في إطـار أركانـها المـتحجرة وهـي الخطـأ والضـرر والعـلاقة السـببية، مـع العلـم بـأن التأميـن أصبـح إجباريـا لجبـر الضـرر، وأن الخطـأ أصبـح مفتـرضا سـواء توفـرت الأركان التقليدية للمسؤولية أم لا، وفـي نفـس الإطـار لازال القـضاء والفقه يصـران على أن الإدارة لا تسـأل أمـام القضـاء على أفعالهـا الـضارة وغيـر المشـروعـة إذا صـدرت منهـا بوصفهـا صاحبـة السيادة وإنما مساءلتها تكون على أساس اعتبارها شخصا عاديا، لاعتبارات تتعلق بسلطة الضبط الإداري وحق الإدارة فــي إصـدار قواعـد تـنظيميـة أو قـرارات فـرديـة مـلـزمـة لـلأفراد ودون حاجـة لموافقتهـم المسبقـة، وحقهـا فـي تنفيـذ قـراراتها تنفيـذا مبـاشـرا وسلطتهـا فـي نـزع الملكيـة والإستيـلاء جبـرا علـى أموال الأفـراد وسلطـاتهـا الإستثنـائيـة في مجـال العقـود الإداريـة إلـخ... وكـل ذلك يجعلهـا فـي مـأمن مـن كـل الـدفوع التي يتمسك بها الطرف المستفيـد مـن تنفيـذ الحكـم الصـادر فـي مـواجهة الإدارة سـواء تعلـق الأمـر بمنـازعات التنفيـذ المـوضوعية بصحـة إجـراءات التنـفيـذ أو ببطـلانها أو بـوجود الحـق فـي التنفيـذ أو بانعـدامه  أو سـواء تعـلق الأمـر بمنـازعات التنفيـذ الـوقتية الـمتعلقة بتـأجيل التنفيـذ أو بإيقـافـه فـي حيـن أن عمـل المحاكـم – الأحكـام القضائيـة القابلـة للتنفيـذ، أصـبح منتوجا Produit، يخضع لمقـاييـس سـوق الخـدمات وعلـم الماركوتينك مـن حيـث ضـرورة أن يسـاهم نظـام هـذا التنفيـذ في الزيادة في قيمة الحق موضـوع التنفيـذ لإغـراء وتشـجيع المستثمـر الوطنـي والأجنبي الذي هـو جبـان بطبعه ولن يغامر برأسماله في بلد لا يحترم الأحكام الصادرة عن محاكمـه و يـحتقرها، سـواء كانت صادرة ضد الدولة أو غيـرها، بالـرغم من أن الـحكم القضائي عنـوان الحقيقـة وفـي تنفيذه حفاظ للنظام وضمانة لاستقرار المعاملات . 
إن الأهميـة العمليـة لتنفـذ الأحكـام الصـادرة فـي مـواجهة الـدولة تطغـى علـى غيرهـا مـن الحمايـات القانونيـة، لأنـه إذا كانـت الحمايـة القانونيـة للحـق هـو الاعتـراف بهـذا الحـق والإقـرار بـه، فـإن الحمايـة التنفيذيـة تهـدف إلى تمكيـن المحكـوم لـه مـن هـذا الحـق المعتـرف بـه تمكينـا عمليـا يجعلـه ينعـم ويتـذوق حـلاوة الانتصـار لحقـه ويلمـس – عـن قـرب وبشكـل ملمـوس- أهميـة سلطـان القضـاء فتطمئـن نفسـه وتـزداد ثقتـه فيـه.
لـذلك فهـل استطـاع نظـام تنفيـذ الأحكام الصـادرة ضد الدولة وشـخوص القـانون العـام تحقيـق التـوازن فـي المراكز القانونيـة للعـلاقة التنفيذيـة؟
إن الجواب عـن هـذا السـؤال يجب مقـاربته فـي الـمعنى الشمولي والـواسع لنظام تنـفيذ الأحكام القضائية ما دام أن الـقواعد الإجرائية وخاصة مقتضيات قـانون المـسطـرة المدنـيـة هـي الواجبـة التطبيق، ومن جهة ثانية يجب القول بأن مجرد هذه المداخلة المتواضعة لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تـشـفي الغليل وان تستطيع الإلمام بإشكالية واستراتيجية نظام التنفيذ سـواء تعلق الأمر بالقواعد القانونية أو بسلطات التنفيذ، ومع ذلك سنحاول إلقاء الـضوء على بعض جوانب هذا الموضوع من خلال تبيان مشاكل التنفيذ واقتراح الحلول المناسبة لها وذلك من خلال الإحتكام الى العمل القضائي والفقهي، وسنحاول تحقيق ذلك من خلال تصميم يتضمن فصلين أساسيين:
الفصل الأول نخصصه لنظام الأحكام الإدارية نتناول من خلاله اختصاص المحاكم الإدارية بجميع درجاتها مع تبيان الإمكانيات والمقتضيات القانونية التي يضعها القانون في يد هذه المؤسسات من أجل تنفيذ الأحكام الصادرة عنها والسلطات المساهمة في عملية التنفيذ وتأثير هذه المقتضيات القانونية والسلطات المشاركة في التنفيذ –سلبا وإيجابا- في المراكز القانونية لأطراف علاقة التنفيذ، والفصل الثاني سنخصصه لمدى فعالية ونجاعة وسائل حمل الدولة على تنفيذ الأحكام.
مع الإعلان منذ البداية بان نظام تنفيذ الأحكام – كما يؤكد الواقع- نظام معطل ومتجاوز في جل مكوناته وبالتالي لن يستطيع-والحالة هذه- أن يحقق التوازن المنشود في المراكز القانونية لأطرافه  .
لكنه من الجدير بالملاحظة بأن هذا التصميم المذكور الـذي سبـق إرسـاله إلـى اللجنـة المشرفـة علـى تهييء الندوة عرف تعديلا وذلك تمشيا مع اقتراحات اللجنة خلال اجتماعها المنعقد برئاسة السيد الرئيس الأول والسيد الوكيل العام للملك بمقر محكمة الاستئناف لمراكش ويتعلق الأمر بعدم تكرار محاور المداخلة حيث تم التنسيق مع الأستاذ عبد الوهاب رفيع والأستاذ رشيد الناصري المشاركين بعرضهما في موضوع التنفيذ أن توزع المحاور.
لذلك وللاعتبار المذكور من جهة ونظرا لكون مشاكل التنفيذ  واضحة، فإن الذي يهم علاقة أطرافه هو إيجاد الحلول الملائمة والحقيقية التي تحسن أداء هذا النظام لذلك سـوف تقـتصر هـذه المداخلة على الفصل الثاني والذي نتناول من خلاله بلورة وسائل حمل  الدولة وشخوص القانون العام على تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتها، وسنحاول أن يكون العرض مركزا وواضحا ضمن استراتيجية هدفها تحصيل الفائدة والخروج بحلول ملموسة نتمنى أن تشكل لبنة أولى لنظام تنفيذي حديث وصلب بعد أن أصبح النظام الحالي آيلا للسقوط.
وسائل حمل الدولة وشخوص القانون العام على تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتها.
المبحث الأول:  الحلول المقترحة في المرحلة الانتقالية .
تأسيس لجنة وطنية ولجان جهوية للإشراف على التنفيذ.
إذا كانت القاعدة الأصلية تقتضي بأن جميع الأحكام القضائية عندما تكون قابلة للتنفيذ يجب تنفيدها كيفما كانت الأطراف التي صدرت في مواجهتها، فإن هذا المبدأ اختلفت الآراء الفقهية حول إطلاقه عندما يكون المحكوم عليه الدولة او احد أشخاص القانون العام وحول إمكانية مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري في مواجهتها  .
ومما لا شك فيه أن التنفيذ ينشيء مراكز قانونية لأطرافه الذين يتأثرون به - إيجابا أو سلبا – بمعنى أن التنفيذ يولد حقا على بعض أطرافه مقابل التزامات على البعض الآخر.




ولذلك يرى الفقه بأن التنفيذ يؤدي إلى وجود رابطة قانونية شبيهة بتلك التي تنتج عن الدعوى . وهذه الرابطة التي تنشيء عن التنفيذ ليس مصدرها إرادة أطرافها وإنما هي رابطة إلزامية تقوم على قواعد آمرة معتبرة من قبيل النظام العام مصدرها المشرع نفسه، لكن هذا المفهوم باستقراء المواد القانونية المنظمة للتنفيذ في بلادنا يبدو بأنه مفهوم غير واضح وغير قوي مما يترتب عنه ضعف أداء التنفيذ وعدم فعالية مما تضطر معه الوزارة الوصية لبذل جهود خاصة قصد تحريكه ومده بالحرارة التي يفتقدها عن طريق الدوريات  والمناشر.
إن التنفيذ ينشيء روابط مختلفة تختلف باختلاف الأطراف وباختلاف الالتزامات والحقوق محل التنفيذ وتختلف من حيث الأسباب التي تقوم عليها هذه الالتزامات والحقوق ومن يجري التنفيذ ضده – سواء كان من أشخاص القانون الخاص أو أشخاص القانون العام – يعتبر الطرف السلبي في هذه العملية، لأنه إذا تحققت صفة المديونية فيه فان التنفيذ ضده يكون جائزا وضروريا ونتيجة حتمية لحكم قضائي قابل التنفيذ يستمد مشروعيته من سيادة الدولة التي تمثلها المحاكم المصدرة له ، لذلك فان الاقتراح المتعلق بإنشاء لجنة دائمة ولجان جهوية للسهر على تنفيذ هذه الأحكام – في مرحلة انتقالية – تمليها نفس اعتبارات السيادة الوطنية والمشروعية القانونية والأخلاقية.
ويجب أن تتشكل هذه اللجان من جميع الجهات المعنية بالتنفيذ من مسؤولين قضائيين ورؤساء المؤسسات العمومية والجماعات المحلية والهيآت المهنية، وأن تنعقد اللجنة الوطنية الدائمة واللجان الجهوية في مكان وزمان معلومين، وأن تتوفر الإرادة والإمكانيات اللوجيستيكية من أجل القيام بالمهام الآتية:
بالنسبة للجنة الوطنية:
 أولا: وضع لائحة تتضمن عدد الأحكام الصادرة في مواجهة الدولة وشخوص القانون العام التي تمت إجراءات التنفيذ بشأنها دون أن تثار بشأنها أي مشاكل. 
 ثانيا: وضع لائحة بعدد الأحكام الغير المنفذة مع تبيانه الصعوبات المادية التي حالت دون تنفيذها (أما الصعوبات القانونية فتبقى من اختصاص القضاء)
 ثالثا: خلـق قنـاة تـواصل مـع مـراكز الـبحث العلمـي لكليـات الحقـوق التابعـة لسـائر الـجامعات المغربيـة قصـد الحصـول علـى البحـوث والأطـروحات المتعلقة بتنفيذ الأحكام.
 رابعا: عند نهاية الفترة الانتقالية التي تكون اللجنة الوطنية قد حددت وعاءها الزمني، يتعيـن علـى هذه الأخيرة الدعوة لتنظيم مناظرة وطنية يستدعى لها اللجان الجهوية والقضاة والمحامون والخبراء والأساتـذة الباحثـون، يكون الموضوع الرئيسي في جدول أعمالها إصدار توصيات ومقترحات تتعلق بتنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهة الدولة وأشخاص القانون العام تسلم إلى لجنتي العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب بغرفتيه.
 خامسا: دعوة لجنة تحضيرية لوضع مشروع نظام تنفيذ يأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية التي تشكل المبحث الثاني من هذه المداخلة.
المبحث الثاني: اقتراح تعديل المقتضيات القانونية المتعلقة بالتنفيذ بتأسيس. مؤسسة قاضي التنفيذ وصندوق وطني للتنفيذ.
مما لا شك فيه بان الحماية التنفيذية تعتبر الصورة النهائية التي صاغها المجتمع الإنساني لصيانة الحقوق، وهذه الحماية لا يكتفى فيها بالنص على الحق في التنفيذ، بل إن الدولة باعتبارها ملزمة بان توفر الأمن القضائي لأفرادها Sécurité Judiciaire هي التي يتعين عليها تحمل تبعات ونتائج بطء أو انعدام العدالة بسبب عدم التنفيذ، لأن هذا الأمن القضائي لا يعدو أن يكون إلا اعترافا بالحق والتصريح به لدى العموم ، ومن أجل ذلك نادى الفقه بالحماية التنفيذية التي غايتها إحقاق هذا الحق المنصوص عليه علـى مستوى العلاقات المالية والعلاقات الإدارية والعلاقات الاجتماعية تسخر الدولة في نطاقها جميع وسائل التنفيذ ليكون القانون مرتبطا ارتباطا سليما بتنمية المجتمع ومحتضنا لمشاكله الادارية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق وظيفته الأساسية  لأنه في عالم سريع ومتقلب أصبح عمل المحاكم منتوجا شأنه في ذلك شأن باقي المنتوجات والخدمات التي تعتمد عليها الدول في التسويق وفـي جلب رؤوس الأموال الأجنبية ويقاس نجاحها في ذلك بمدى جودة عمل محاكمها وأداء نظام التنفيذ الذي يترجم مظهرا من مظاهر سيادتها، ولأن الحماية القضائية – بهذا المعنى – تهدف إلى إقرار حق سبق  إن إنشأته القاعدة القانونية وقررت الحماية اللازمة له والتي تشكل ردعا عاما يمنع الغير من الاعتداء على الحق موضوع التنفيذ تطبيقا للقاعدة القائلة : " القانون يطبق في المجتمع من تلقاء نفسه طواعية واختيارا " ومن البديهي ان المنفذ عليه إذا رفض الانصياع إلى الوفاء بالدين المترتب في ذمته يتوقف مبدأ سيـادة الـخصوم، فـلا يجد صاحب الحق مفرا مـن اعتماد الوسائل الكفيلة بتمكينه من الوصول الى حقه رغما عن المدين وجبرا له مستمدا الشرعية في ذلك من أحد سندات التنفيذ التي يتوفر عليها.
والواقع ان الأحكام القضائية  تعتبر أهم السندات التنفيذية وأعلاها مرتبة كالأوراق الموثقة والمحاضر والعقود والأحكام الأجنبية رغم تذييل هذه الأخيرة بالصيغة التنفيذية ، لأن القضاء – في حد ذاته – كما عرفه الفقهاء المسلمون هو بمعنى الأمر ، كما أن الغاية من تنفيذ الحكم القضائي هو إزالة الاختلال الحاصل في التطابق بين المركز المادي والمركز القانوني أو بمعنى أوضح هو تغيير الواقع من واقع مادي إلى واقع قانوني يستمد قوته من الحكم نفسه وهو أمر لا يتحقق من سندات التنفيذ الأخرى.
لذلك وبالنظر لأهمية الأحكام القضائية وتميزها عن باقي السندات التنفيذية تقترح إضافة باب جديد في القسم التاسع من القانون رقم 447 – 1.47 المصادق على نص قانون المسطرة المدنية المتعلق بطرق التنفيذ وان يتضمن الباب المقتـرح مقتضيات قانونية صريحة تتناول بالخصوص تنظيم إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية دون غيرها كما يأتي:
المطلب الأول: منع حجز المنقولات والعقارات المملوكة للدولة وأشخاص القانون العام وإنشاء صندوق وطني للتنفيذ.
أولا: إن عدم خضوع الأموال العامة لإجراءات التنفيذ الجبرية تبرره مقتضيات المصلحة العامة التي تقوم فكرة الدولة وأشخاص القانون العام على تحقيقها من جهة، كما يبرره كون الذمة المالية للدولة غير مهددة بالعسر وان من شأن إخضاع المرفق العام إلى أحكام التنفيذ الجبري أن يعطل سير هذا المرفق وبالتالي يتعذر عليه تلبية الخدمات في إطار المصلحة العامة . 
ويرى جانب من الفقه ضرورة التمييز بين الأموال العامة للدولة ولأشخاص القانون العام وبين أموالها الخاصة فبالنسبة للأموال العامة لهؤلاء الأشخاص لا يجوز بأي حال من الأحوال التصرف فيها أو الحجز عليها فقد تناولت بعض القوانين المقارنة هذا المنع بصريح النص، من ذلك القانون الفرنسي والقانون التونسي المتعلق بالمرافعات المدنية والتجارية الصادر سنة 1957.
ونسجل هنا فراغا تشريعيا – فـي المغرب – ولعل اقتراح نص مقتضيات إجرائية لتحريم إيقاع الحجز على منقولات وعقارات الدولة وأشخاص القانون العام من شأنه أن يضع حدا للاضطراب القضائي  لعدم وضوح الرؤيا، ولأننا نعتقد بأن أموال الدولة وأشخاص القانون العام لا يمكن أن تكون موضوع أي حجز لافتراض يسرها ولكونها معدة لتسيير المرفق العام كالطرق والموانئ والحدائق العمومية والبنايات الإدارية وأدواتها وسياراتهـا، وأنـه اعتبار تمليـه ضرورة تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في الترتيب والأولوية.
إن وضع نص صريح سيضع حدا للجدل الفقهي والتضارب القضائي الذي يحاول إيجاد حلول -غالبا- ما تفتقد إلى الأساس القانوني، فمثلا: الرأي الفقهي القائل بأن استحالة إجراء التنفيذ الجبري على أموال أشخاص القانون العام الممتنعة عن التنفيذ يجعل مسؤوليتها قائمة ويعطي للمحكوم لفائدته الحق في المطالبة بالتعويض على أساس الضرر الذي لحق به وليس على أساس نظرية المخاطر  رأي لا يرتكز على أساس قانوني سواء باللجوء إلى القواعد العامة في إطار الفصلين 79 و80 من قانون الإلتزامات والعقود أو بالرجوع إلى القانون الخاص المحدث للمحاكم الإبتدائية الإدارية رقـم: 4190 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.91.225 بتاريخ: 10/9/1993 خاصة الفقرة الثانية مـن المادة الثامنة التي تنص بالحرف "... دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببهـا أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام".
وأما جانب آخر من الفقه فيرى بأن مسألة حمل الدولة وأشخاص القانون العـام علـى تنفيـذ الأحـكام القـضائية يمكـن مناقشتـها فـي إطـار الأمـوال الخاصة التي تملكها الدولة وشخوص القانون العام حيث يعتبر انه من الممكن مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري على أموالها الخاصة شريطة ألا يؤثر ذلك على السير العادي للمرفق العام، مع العلم انه يتعذر إيجاد معيار موضوعي دقيق للتمييز بين الأموال العامة والأموال الخاصة، فمثلا السيارة التي يستعملها مدير مؤسسة عمومية ويتنقل عليها لقضاء مآربه والالتحاق بأوراش المؤسسة –في وقت واحـد- هـل تعتبر من الأموال العامة؟ أم من الأموال الخاصة ؟. 
إن حجتنـا في وضع نص صريح لمنع إجراء الحـجز ضد الدولة وأشخاص القانون العام يعززها القانون والقضاء المقارنان وخير مثال على ذلك ما يأخذ به التشريع في فرنسا باعتباره المصدر التاريخي والمادي للقانون المغربي الذي ومنذ 03 يناير 1973 وضع القانون رقم 60/73 لتنظيم الجهاز المسمى (الميدياتور)Médiateur ويعتبر من بين اختصاصاته الأساسية التدخل لتسهيل عملية تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة وضد اشخاص القانون العام وقد تدعمت  سلطة هذا الجهاز بعد ان تدخل المشروع –مرة اخرى- بموجب المادة 1211 من القانون الصادر بتاريخ 24 دسمبر 1976 فأضاف فقرة جديدة للمادة 11 من القانون رقم 60/73 المذكور تجيز للمدياتور –  في حالة عدم تنفيذ حكم نهائي- بأن يضرب للجهة الإدارية المسؤولة عن تنفيذه موعدا يحدده تحت طائلة إصدار أمر خاص بوجوب التنفيذ ينشر بالجريدة الرسمية كيفما كانت العراقل والصعوبات . 
ومـن ناحيـة أخرى نجد ان المشرع المصري ادرك بـدوره بأن السماح بإيقاع الحجوز على الأموال العامة من شأنه ان يعرقل السير العادي للمرفـق العام وألا يحقـق التوازن المنشود فـي المراكز القانونيـة لأطـراف عـلاقة التنفيـذ علـى اعتبـار بـان المـستفيد مـن الحكـم قـد يلحقـه ضـرر بسـبب تعـطل سيـر الـمرفق العـام فـحرص المشرع المصـري علـى إيجـاد الصيـغة المثاليـة التـي تضمـن تنفيـذ الأحـكام الصـادرة فـي مـواجهة الـدولة وأشخـاص القانون العام وتمنع من إيقاف الحجز على أموالها فنص فـي المـادة 8-72 مـن دستـور سنـة 1971 علـى انـه: "تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب، ويكون الإمتناع عن تنفيذها من جانب الموظفيـن العمـوميين المـختصين جـريمة يعاقب عليها القانون وللمحكوم عليه في هذه الحالة رفع الدعوى الجنائية المباشرة الى المحكمة المختصة".
إن المشرع المصري حسم امره من مسألة ايقاع الحجز على أموال الدولة بعد ان اقتنعت اللجنة التي حضرت القانون المذكور بان التضاربات القضائية الكثيرة حول الموضوع والمحاولات الفقهية المختلفة لم تستطع ان تتفق على صيغة ممكنة تحقق توازنا بين ضرورة تنفيذ الأحكام بواسطة إجراءات التنفيذ العادية المطبقة في مجال القانون الخاص وبين مستلزمات المصلحة العامة التي يحققها المرفق العام.
ونعتقـد انـه يتعيـن علـى المشـرع –امـام هذا الوضع الشاذ-   أن يتدخل تدخـلا غيـر محـتشم عـلى غيـر عـادة المـشرع الإجـرائي لإضـافة بـاب إلـى الـقسم التـاسع مـن قـانون رقم 447-47-1 المتعلق بقانون المسطرة المدنية ينص على :"عدم جواز الحجز على أموال الدولة وشخوص القانون العام".
ثانيا: الصندوق الوطني لتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة وشخوص القانون العام: غني عن البيان ان الدول الأنكلوسكسونية  تعتبر رائدة في إيجاد الميكانزمات والآليات الناجـعة لحمـاية المـال العام واتخاذ هذا المال وسيلة اقتصادية فعالة من أجل تحقيق الأرباح والإستقلال المالي وفقا لروح النظام الليبرالي المفتوح.
وتأسيس صندوق من هذا القبيل كمؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية وبالإستقلال المالي وبحق التملك والتقاضي من شأنه ان يؤمن تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهة الدولة وشخوص القانون العام كما هو عليه الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية.  ويبقى للخبراء المختصين في مجال المؤسسات والصنادق العموميـة وفـي مجـال الأسـواق المالية الدور الأساسي في صياغة الـمقتضيات القـانونيـة الـلازمة لإنشـاء هـذا الـصندوق الذي يتعين ان تسـاهم في أصوله ورأسمـالية الـدولة والـمؤسسات الـعمومية والـجماعات المحـلية وغـيرها من أشخاص القانون الـعام وان يتوفر على آليـات حـديثة مـن حـيث الـجانب التـجاري والـمالي ليحـقق أرباحا ، لأن التجربة التي عرفتها التشريعات المقارنة التي أخذت بهذا النظام اثبتت بأن مثل هذه الصناديق تحل إشكالية التنفيذ وفي نفس الوقت تساهم في التنمية والإقتصاد.
واعتقد أن تضارب  الأراء الفقهية والإجتهادات القضائية حول إخضاع أموال الدولة وأشخاص القانون العام إلى إجراءات التنفيذ الجبري إنما يعقد مسألة التنفيذ ولا يساهم في حلها وانه بات من اللازم إيجاد آلية لوضع حد لمشاكل التنفيذ على غرار ما فعلته فرنسا ومصر وغيرهما، لأن المغرب وبفضل طموح جلالة الملك الذي فتح أوراشا كبرى قل نظيرها في الدول النامية لم يعد قادرا على مواجهة آثار وتداعيات عدم تنفيذ الأحكام القضائية خاصة وان الحماية التنفيذية تدخل في إطار مكونات سيادة الدولة وتعتبر امتدادا للمنظومات المؤسساتية اللازمة لبناء دولة الحق والقانون والمجتمع المنتج والاقتصاد الفاعل.
إن وضع نظام كامل لإنشاء صندوق لتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة وأشخاص القانون العام مسـألة أساسية للتغلب على مشاكل التنفيذ ما دام ان الوسائل المعتمدة في مجال القانون الخاص لا يمكن ان تـحل المشاكل التنـفيذية لأنها لا تنسجم مع طبيعة نظام الـتنفيذ في حقل الـقانون الـعام رغم المحاولات التي يبدلها القضاء  من أجل ذلك.
وتجدر الملاحظة بأن مجال تدخل الصندوق المقترح يجب أن يحدد –حصرا- في الحالة التي تمتنع فـيها الدولة أو شخوص القانون العام عن تنفيذ حكم نهائي او قابل للتنفيذ قبل صيرورته كذلك، وفي الحالة التي يكون فيها التنفيذ مستحيلا، أما في غير هاتين الحالتين فيتعين على المستفيد من الحكم ان يمارس الإجراءات السابقة على التنفيذ وإجراءات التنفيد بصورة عادية ضد المنفذ عليه الذي يعتبر طرفا سلبيا في العملية التنفيذية ويتخذ صفة المدين.




المطلب الثاني: إنشاء مؤسسة قاضي التنفيذ: 
إن الحاجة أصبحت ملحة لإنشاء مؤسسة قاضي التنفيذ سواء تعلق الأمر بتنفيـذ الأحكام الصادرة في نطاق القانون العام او في نطاق القانون الخاص، ذلك ان المشرع المغربي لم يخصص للقاضي المكلف بالتنفيذ إلا فقرة واحدة بمناسبة تعديل المادة 429 من قانون المسطرة المدنية بتاريخ: 03 فبراير 2004 بمقتضى القانون رقم: 03/72 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم: 104-23 الصادر بموازاة مع القانون رقم 70-03 المتعلق بمدونة الأسرة بقوله فـي الفقرة الثالثة "... يكلف قاض بمتابعة إجراءات التنفيذ يعين من طرف رئيس المحكمة الابتدائية باقتراح من الجمعية العامة" لذلك فإننا لا نتوفر عل مؤسسة قاض التنفيذ كما هو متعارف عليها في أغلب التشريعات وبما لها من اختصاصات واسعة وواضحة ومعينة في مجال الـتنفيذ سـواء تعـلق الأمر بالإجراءات التنفيذية منذ وضع طلب التنفيذ وأداء الرسوم مرورا بمشاكل التنفيذ ومنازعاته الموضوعية والمنازعات الوقتية او إشراف مباشر على مأموري إجراءات التنفيذ وعلى مراقبة أعمالهم اعتباره رئيسهم المباشر وما يترتب عن ذلك من مسؤولية أو إهمال  أو غيره.
وقـد اعتمدت هذا النظام العديد من التشريعات بالنظر للأهمية والمزايا الناتجة عن الأخذ بـه مـن ذلـك القانون المصري والقانون العراقي والقانون السوري والقانون اللبنابي حيث خصصت داخل نـفوذ كل محكمة دائرة قضائيـة للتنفيذ، وتسمى هذه الدائرة – مثلا في لبنان- بدائرة الإجراءات، وفي سريا والعراق بدائرة التنفيذ، وأخذ به القانون المصري منذ سنة 1968 محتفظا – في الوقت نفسه- بجهاز المحضرين، وأخذ به المشرع الفرنسي منذ 05/07/1972 بواسطة القانون رقم 626-72 وتنص المادة 175 من قانون المرافعات المصري على أن قاضي التنفيذ يختص بالنظر في منازعات التنفيذ الموضوعية أيا كانت قيمة موضوع الدعوى وبالنظر في المنازعات الوقتية بصفته قاضيا للموضوع وقاضيا للأمور المستعجلة، كما يصدر الأوامر على العرائض وسائر الأوامر الولائية الضرورية لسير عملية التنفذ، ولا يكون تدخله في عملية التنفيذ معلقا على البيانات  التي يضمنها المحضر بالمحاضر التي ينجزها، إن اختصاص قاضي التنفيذ النوعي واختصاصه الترابي قائم الذات، وعلى سبيل المثال فان المادة 113 من قانون المرافعات المصري تتضمن مقتضيات امرأة تستلزم الحكم بعدم الاختصاص في حالة رفع نزاع يتعلق بالتنفيذ الى جهة أخرى، ونخص بالذكر هنا السيد رئيس المحكمة باعتباره مختصا للبت في منازعات التنفيذ، ولتوضيح المشاكل الحقيقة التي يعرفها نظام التنفيذ في هذا المجال وللقول بأن الأخذ بمؤسسة قاضي التنفيذ أصبحت ضرورة ملحة لا غنى عنها من أجل تحقيق نظام تنفيذي فعال ومتميز من حيث نوعية وجودة أدائه سوف نستشهد بدعوى الصعوبة الوقتية  للتنفيذ وما تثيره من تضارب  ومن اختلاف : تتسم دعوى العقوبة الوقتية بطابع ازدواجي   في مجال التشريع المغربي، ذلك أن قانون المسطرة المدنية تناولها في المادة 149 بمناسبة تنظيمه لقواعد القضاء الاستعجالي، كما تناولها في المادة 436 بمناسبة تنظيمه لإجراءات وقواعد التنفيذ الجبري للأحكام القضائية الوطنية ، ومن المعلوم أن القانون المحدث للمحاكم الإدارية الابتدائية وكذا الاستئنافية المشار إليهما سابقا يحيل على هذه المقتضيات.
إن الاختصاص النوعي في المنازعات الوقتية ينعقد لرئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه، وإذا كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف  مارس هذه المهام رئيسها الأول طبقا لمقتضيات المادة 149 المذكورة، وان القرارات التي يصدرها الرئيس الأول بصدد منازعات التنفيذ الوقتية يجب اعتبارها صادرة عن درجة ابتدائية حتى ولو كانت صادرة عن الرئيس الأول لمحكمــة الاستئنـاف التي تعتـبر درجـة ثانيـة فـي سلـم التقـاضي، وهـذا التـضارب لـم يكـن لـه مـحل فـي حـالة الأخـذ بنـظام قـضاء الـتنفيذ بـاعتبار حقوق الأطـراف مـن حيـث طـرق الطعـن وآجالـها، ولا نحتـاج إلـى القـول بـان الحكـم الصـادر عـن قاضـي الأمـور المستـعجلة – فـي دعوى الصعوبـة الـوقتية – يـكون قابـلا لـلاستئناف إذا كـان صـادرا عـن رئيـس المـحكمة الابتـدائية خـلال 15 يـوما مـن تـاريخ التـبليغ طبقـا لمـقتضيات الفـقرة 4 مـن المـادة 153 مـن ق.م.م، أمـا إذا كـان صـادرا عـن الـرئيس الأول لـمحكمة الاسـتئناف (الـعادية – الـتجارية- الإدارية) فـان الـفقرة الأولـى جـاءت عـامة وتقـتضي وجوب تـقديم الاسـتئناف داخـل أجـل 15 يـوما، وعـدم دقـة الـفقرة الـمذكورة قـد يـؤدي إلى حـرمان ذوي المصـلحة مـن درجة مـن درجـات التقاضـي  ، كـما أن المجلـس الأعـلى دأب علـى عـدم قـبول الـطلب بـالنقض فـي هـذه القـرارات وبـالتالي يـستعصي عـلى الـمتمـسك بالمـنازعة وجود حل تشـريعي أو "تخرجـة" قـضائية خاصـة إذا كـانت الـضـرورة مـلحـــة والخطر داهما يتطلب درؤهما استصدار أمر بإيقاف أو بتأجيل إجراءات التنفيذ تتعلق بنزاع في التنفيذ معروض على محكمة الاستئناف الإدارية مع العلم بأن القانون رقم: 80.03 المحدث للمحاكم الإدارية الاستئنافية لم يأت بجديد لذلك يبقى التفكير في خلق مؤسسة قضاء التنفيذ كفيلا بسد مثل هذه الثغرات.أما فيما يتعلق بالاختصاص المحلي بالنظر إلى الصعوبة الوقتية فانه –أمام عدم وجود قاضي التنفيذ-فانه يكون مختصا رئيس المحكمة التي يجري التنفيذ بدائرتها ، غير انه إذا كان النزاع في الأصل – معروضا على محكمة معينة، فان الاختصاص بشأن هذه المنازعات يرجع إلى هذه المحكمة طبقا للقاعدة القائلة بان قاضي الأساس هو قاضي الفرع  وما دام ان الاختصاص الترابي ليس من النظام العام ومادام أن الدعوى تقوم بطريقة وجاهية بين الخصوم في منازعات التنفيذ الوقتية فان المحكمة المعروض عليها النزاع لا تقضي بعدم الاختصاص من تلقاء نفسها بل يتعين على صاحب الشأن أن يدفع به قبل كل دفع أو دفوع ولا يمكن إثارته في المرحلة الاستئنافية.
ويمـكن تلخيص الجدل الفقهي المثار حول اختصاص الرئيس في ثلاثة اتجاهات: فـالاتجاه الأول يعتبـر بـأن رئيـس المحـكمـة الابتدائية  هو صاحب الاختصاص أصلا للبت في الصعوبة الوقتية للتنفيذ، وان الرئيس الأول لا يكون مختصا إلا في حالة واحدة وهي الحالة التي يكون فيها الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل ومعروضا على محكمة الاستئناف، ودون هذه الحالة الوحيدة التي تناولتها المادة 149 من القانون المؤسس للمحاكم الإدارية الابتدائية تسند الاختصاص إلى الرئيس الذي يمكنه أن يتخذ تدابير لا تمس أية منازعات جدية، أما الاتجاه الثاني فيرى بان الرئيس الأول لا يكون مختصا في المنازعات الوقتية المشار إليها في المادة 149 وحجتهم في ذلك انه من المستبعد أن تثار الصعوبة أثناء التنفيذ وتحال على الرئيس الأول لينظر فيها  معللا رأيه بكون لفظة الرئيس المذكورة في المادة 436 تغني رئيس المحكمة الابتدائية دون غيره.
أما الاتجاه الثالث فيعتقد بان رئيس المحكمة الابتدائية عندما يفصل في المنازعات الوقتية في إطار المادة 436 فهو يبت فيها بصفته رئيس المحكمة الابتدائية وليس بصفته قاضيا للمستعجلات، وفي هذا الإطار فانه يكون قاضيا استعجاليا فقط طبقا للمادة 149 وإذا عرض النزاع على محكمة الاستئناف يكون رئيسها الأول هو المختص للبت في الصعوة.  
إن الاستـشهـاد بـهـذه الـتضاربـات والاختـلافات علـى مستــوى الفقه والقضاء في مادة منازعات التنفيذ يعطي الدليل بان نظام التنفيد في المغرب في حاجة إلى سن قانوني ينظم مؤسسة قاضي التنفيذ على غرار أغلب التشريعات المقارنة، لان في ذلك إزالة عبء ثقيل عن قضاء الموضوع وقضاء الاستعجال والذي أصبحت تشكل منازعات التنفيذ أكثر ضغطا واستنزافا لوقتهما ولم يعد القضاء كذلك قادرا على الاضطلاع بمستلزمات الدعوى ومستلزمات تنفيذ الأحكام الصادرة بشأنها، يضاف الى ذلك بان خلق جهاز القاضي المنفذ سوف يساهم في تعميق سياسة التخصص التي يعرفها المغرب على مستوى المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية والأعمال والمحاكم الاجتماعية، وان يضطلع القاضي المنفذ بالسهر على جهاز كتابة الضبط ومراقبة إعماله في مجال التنفيذ.

خـــاتـمـــــــــة
أتمنى أن تكون هذه المداخلة المتواضعة بداية لنقاش حقيقي وساخن من طرف كل المعنيين بالشأن القضائي وكذلك على المستوى الأكاديمي من أجل وضع نظام تنفيذي حديث خاص بالأحكام القضائية دون غيرها من سندات التنفيذ الأخرى سواء تعلق الأمر بالأحكام القضائية الصادرة في مجال القانون الخاص أو في مجال القانون العام.
إن المغرب كسائر دول العالم يعرف تغييرات عميقة على مستوى الاقتصاد والمجتمع والقانون في قواعده الموضوعية، وهذا التحول أو الانقلاب لم يواكبه تغيير جذري على مستوى القانون الإجرائي منذ سنة 1974 باستثناء بعض التعديلات كما هو الشأن بالنسبة للفقرة التي تنص على تكليف قاضي للقيام بمهام التنفيذ في المادة 429. 
ان العديد من المؤسسات القانونية المنظمة بمقتضى قانون المسطرة المدنية الحالي الذي تحيل عليه جميع فوع القانون الخاص والقانون الإداري أصبحت عجوزة ولم تعد قادرة على مواكبة ومصارعة هذا التغيير ونذكر منها المسطرة أمام المحكمة الابتدائية خاصة الباب المتعلق بإجراءات التحقيق والمساطر الخاصة بالاستعجال وكذلك طرف التنفيذ والقواعد العامة بشأن التنفيذ الجبري، وان هذه النظم القانونية أصبحت في حاجة لدماء جديدة حتى يتحقق الانسجام بين قواعد الشكل وقواعد الموضوع.
ونظام تنفيذ الأحكام إذا أتيحت له أسباب التجديد والابتكار سوف يساهم في إرساء الحماية التنفيذية للحقوق موضوع التنفيذ من خلال نظام متميز من حيث الجودة  والكيف يساهم في تثمين الحق وفي المحافظة على قيمته من خلال قواعد إجرائية بسيطة وثابة ومعلنة وغير معقدة يصعب على المنفذ عليه سواء كان الدولة أو غيرها- استغلالها لتعطيل التنفيذ أو إرجائه إلى أجل غير مسمى، لان في ذلك انتصـارا للحـق مـوضوع الـتنفـيذ وانتصارا لصاحبه وبالتالي فخرا للقضاء الذي هـو أسـاس المـلك وبـه يتحقـق التـوازن المنـشود فـي المراكز القانونية لأطراف علاقة التنفيذ الذي تحاول كل الأنظمة المقارنة تحقيقه بصورة تليق بمكانة وقدر القضاء وتعكس درجة رقي  هذه الأنظمة.
كل هذا، وكما قال الإمام الشافعي  رأيي صائب ولكنه يحتمل الخطأ ورأي الغير خاطئ ولكنه يحتمل الصواب.

تعليقات