القائمة الرئيسية

الصفحات



تجليات سلطة الإدارة في العقد الإداري (الفسـخ كجـزاء نموذجـا) الاستاذ محمد نميري






تجليات سلطة الإدارة في العقد الإداري
(الفسـخ كجـزاء نموذجـا)
الاستاذ محمد نميري 




المقدمـــة: 

إن الإدارة باعتبارها الساهرة على تحقيق المصلحة العامة وإشباع رغبات المواطنين تلجأ من أجل تحقيق ذلك إلى عدة وسائل من بينها وسيلة إبرام العقود  وتتنوع هذه العقود بما تتطلبه أهدافها، ولا يهمنا منها إلا الإدارية وخاصة صفقات الأشغال و التوريدات والخدمات .
وقد اعترف لها المجتمع بسبب ذلك بعدة امتيازات غير مألوفة في العلاقات التعاقدية العادية، وتكمن هذه الامتيازات في السلطة العامة التي تحكم علاقاتها بالمتعاقد سواء قبل إبرام العقد (الباب الأول)، أو أثناء تنفيذه (الباب الثاني)، وتتجلى بصورة أكثر وضوحا في استقلالها بفسخ العقد (الباب الثالث)، وسنحاول من خلال هذا العرض أن نركز على هذا الإجراء باعتباره جزاء بتبيان خصائصه، وكيفية المنازعة فيه.
* البـاب الأول  :    سلطة الإدارة قبل إبرام العقد .                                                           

انطلاقا من تجاربها في مجال التعاقد مع الغير، اهتدت الإدارة إلى وسيلة احترازية تتجلى في دفع كل أشكال التظلمات المحتملة، فتبنت شروطا تتضمن كيفية إبرام العقد (المبحث الأول)، كما تتجلى في هذه المرحلة بحريتها في اختيار من تتعاقد معه (المبحث الثاني).
- المبحث الأول :    الإدارة هي التي تضع شروط العقد . 
إن هذه المقتضيات التي تضعها الإدارة كشروط لإبرام الاتفاق يصطلح عليها بدفاتر تحملات الشروط وتتألف من دفاتر الشروط الإدارية العامة ودفاتر الشروط المشتركة ودفاتر الشروط الخاصة (المادة 10).
* الفقرة الأولى:     دفاتر الشروط الإدارية العامة.
تحدد دفاتر الشروط الإدارية العامة المقتضيات الإدارية التي تطبق على جميع صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات أو على صنف معين من هذه الصفقات، وتتم المصادقة على هذه الدفاتر بمرسوم.
ولقد صدر مرسوم رقم 2.99.1087 بتاريخ 29 من محرم 1421 (04 مارس 2000) بالمصادقة على دفتر الشروط .
 ويشتمل هذا المرسوم على 73 مادة، وقد نسخ بموجبه المرسوم الملكي رقم 209.65 الصادر بتاريخ 23 جمادى الآخرة 1385 (19/10/1965) بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب وزارة الأشغال العمومية والمواصلات، والمرسوم الملكي رقم 151.66 الصادر بتاريخ 29 من صفر 1386 (18 يونيو 1966) المطبق على الإدارات العمومية للدولة.   
ويتضمن هذا الكناش في بابه الأول مجموعة أحكام عامة لتحديد المصطلحات والوثائق المكونة للصفقة والوثائق التعاقدية لما بعد إبرام الصفقة .
كما يشمل الباب الثاني على ضمانات الصفقة ، أما الباب الثالث فيتعلق بالتزامات المقاولة العامة ، فيما ينص الباب الرابع على كيفية تحضير الأشغال وتنفيذها ، أمــا البـــاب الخامس فيتطرق إلى مسألة توقيف الأشغال .
ويتعرض الباب السادس إلى كيفية تحديد الأثمان وتسوية الحسابات ، أما الباب السابع فيتضمن كيفية تسليم الأشغال إلى صاحب المشروع ، أما الباب الأخير فيتظمن الإجراءات القسرية .
* الفقــرة الثــانيـة :   دفاتــر الشــروط المشتــركــة .
إن هذه الدفاتر تكتسي طابعا تقنيا، فهي تتعلق بالمقتضيات التقنية التي تطبق على جميع الصفقات المتعلقة بنفس الصنف من الأشغال والتوريدات أو الخدمات، أو جميع الصفقات التي تبرمها نفس الوزارة أو نفس المصلحة.
وليس معنى ذلك أنها تنظم فقط الجوانب التقنية للصفقة، بل يمكن أن تتضمن أية مقتضيات عامة ومشتركة بين جميع صفقات الصنف الذي تطبق عليه هذه الدفاتر أو بين جميع صفقات الوزارة أو المصلحة التي تعنيها هذه الدفاتر.
إلا أن هذه المقتضيات الأخيرة يجب أن لا تتعارض مع مقتضيات دفاتر الشروط الإدارية العامة التي سبق الكلام عنها .
كما يمكن أن تتضمن تحت طائلة نفس الشرط كيفية حساب الثمن وتطبيق شروط مراجعة هذا الثمن إذا بدى من الضروري إدراجها في الصفقة، وذلك طبقا للنظام المتعلق بالمحاسبة العمومية.
وقد أشار الفصل العاشر من المرسوم رقم 2.98.482. الصادر بتاريخ 11 رمضان 1419 (30 دجنبر 1998) المتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة في فقرته ما قبل الأخيرة، إلى أن هذه الدفاتر يجب أن تتم المصادقة عليها بقرار للوزير المعني بالأمر، أو بقرار مشترك للوزير المعني بالأمر والوزير المكلف بالمالية إذا كانت هذه الدفاتر تتضمن شروطا لها انعكاس مالي. 
* الفقــرة الثالثــة :    دفتـــر الشـــروط الخـــاصة .

أما دفاتر الشروط الخاصة فتتعلق بالشروط الخاصة بكل صفقة، ويمكن أن تتضمن بعض الشروط المضمنة بدفاتر الشروط المشتركة، وتم المصادقة عليها من طرف السلطة المختصة.
فإذا كانت هذه الدفاتر من صنع الإدارة، وتستقل بوضعها، فهل هي ملزمة، أم يمكن الاتفاق على خلاف ما ورد فيها ؟.
لقد تم الإجماع على أن هذه المقتضيات ذات صبغة تعاقدية، ويترتب على كونها كذلك النتائج التالية: 

1)- إن توقيع المتعاقد عليها يعني قبولها بها، فقد يحرر العقد الإداري كتابة، ويشار من دباجتـــه كمــا هو الغالب إلى المراجع والوثائق المعتمدة ومن بينها هذه الدفاتر، وبمجرد توقيع المتعاقد عليهــــا يقترن قبوله بإيجاب الإدارة وينشأ العقد، وبالتالي يصبح العقد شريعة المتعاقدين.

2)- إلا أن هذه النتيجة لا تكون قاعدة مطلقة، فقد تلجأ الإدارة حيادا عن مقتضيات هذه الدفاتـــر إلـــى 
      تطبيق قواعد أخرى تستمدها من طبيعة العقد الإداري وامتياز السلطة العامة ولو لم يشر إليها في 
      العـقــــد.

3)- وأخيرا يترتب على كونها تعاقدية أيضا أنه يمكن لطرفي العقد أن يتفقا على خلاف مــا ورد فــي 
      بعضهـــا.

إن سلطة الإدارة لا تقتصر في هذه المرحلة على استقلالها في وضع شروط التعاقد بل تمتد إلى أبعد من ذلك، وتكون حرة في اختيار المتعاقد معها .


* المبحث الثاني :  سلطة الإدارة في اختيار المتعاقد معها .
إن إبرام العقود الإدارية يتم بموجب مسطرة محددة تراعى فيها مبدأ الشفافية والمساواة واللجوء إلى المنافسة قدر الإمكان وفعالية النفقة العمومية، وبعد تقديم ملفات المتنافسين وإيداع أظرفتهم تدعى لجنة طلب العروض لفحص العينات والوثائق والبيانات الموجزة، ثم بعد ذلك يتم فتح أظرفة المتنافسين في جلسة عمومية وتتم عملية الفحص في جلسة مغلقة ، وتحصر اللجنة بعد ذلك لائحة المتنافسين الممكن قبولهم قبل أن تتم عملية فتح الغلافات التي تتضمن العروض المالية في جلسة عمومية ، وبعد تقييم عروض المتنافسين 
في جلسة مغلقة تقترح اللجنة على السلطة المختصة قبول العرض الذي ارتأت أنه الأفضل، وبعد ذلك يتم إعلان النتائج، إلا أن الصفقة لا تتم إلا بعد المصادقة عليها من طرف السلطة المختصة.
ويجب أن تتم المصادقة على الصفقات قبل أي شروع في تنفيذ الأعمال موضوع الصفقة، ويجب أن تبلغ المصادقة على الصفقة إلى نائلها خلال أجل أقصاه 90 يوما يحسب ابتداء من التاريخ المحدد لفتح الأظرفة أو تاريخ التوقيع من طرف نائلها إذا كانت هذه الصفقة تفاوضية، وإلا فيرفع اليد عن ضمانه المؤقت.
إلا أن تراجع الإدارة بعد قرار المصادقة يعد غلوا في استعمال الحق، يحق معه للمقاولة المطالبة بتعويض إن كان له محل.
ولقد ذهب بعض الفقهاء ، إلى اعتبار هذه السلطة بمثابة حق الاعتراض  Droit de Vito تستقل بها الإدارة ويشكل مظهرا من أهم مظاهر سلطتها قبل إبرام العقد، وإذا كانت الإدارة تتمتع بهذا الحق في إبعاد نائل الصفقة، فهل يجب عليها أن تعلل قرارها ويخضع قرارها هذا إلى المراقبة القضائية، أم لا ؟، وبعبارة أخرى هل سلطتها في ذلك سلطة تقديرية أم سلطة مقيدة ؟.
إن المشرع المغربي لم يتطرق إلى ذلك في قانون الصفقات، بل فقط تطرق إلى حالة الإقصاء من المشاركة في الصفقات العمومية، وحتم على الإدارة أن تعلل قرار الإقصاء، كما أكد على احترام حقوق الدفاع قبل اتخاذ هذا القرار ، وتطرق في المادة 44 من نفس القانون إلى تبرير الإقصاءات حيث أقر حق كل متنافس يرغب في الاطلاع على أسباب إقصائه أن يتقدم بطلب بواسطة رسالة مضمونة يوجهها إلى صاحب المشروع في أجل 7 أيام كاملة ابتداء من تاريخ استلام الرسالة المضمونة المشار إليها من المقطع 2 من الفقرة 2 من المادة 42.
ويتعين على صاحب المشروع في أجل 15 يوما كاملة ابتداء من تاريخ استيلام الطلب أن يبلغ المتعهد المعني بأسباب إقصاء عرضه.
ولا شك أن هذه التبريرات تكون موضوع مراقبة قضائية، وبالتالي فإن القضاء الإداري يمكنه التأكد من مطابقة أو عدم مطابقة العروض موضوع مقرر الإقصاء من المقاييس المعمول بها.
وهي نفس المراقبة القضائية التي ينبغي في نظرنا أن تشمل كذلك مقررات إقصاء المتعهدين (انظر 25-26-27-28-29-30-32-79).
إن سلطة الإدارة لا تتجلى في مرحلة تهيئ العقد فقط بل تمتد أيضا إلى مرحلة بعد إبرامه وبصورة أكثر جلاء ووضوحا في مراقبتها للمتعاقد وتوجيهه، وكذلك في تعديل بنود العقد كلما أملت ذلك ضرورة المصلحة العامة.
* البـاب الثانـي :   سلطـة الإدارة بعـد إبـرام العقـد .

إن الإدارة بعد أن تختار المتعاقد لا تتركه يقوم بتنفيذ العقد كيف شاء، فالتنفيذ يشكل خطوة مهمة وكبيرة، فالمتعاقد يصبح مساهما في تسييره المرفق العمومي الذي يشكل العقد الإداري أحد صوره، وبالتالي كان من اللازم أن تباشر الإدارة مراقبتها أثناء هذه العملية وما تتطلبه كذلك من توجيه.
* المبحث الأول : المراقبة والتوجيه.

- الفــرع الأ ول :    المراقـبــة 
ويقصد بها تحقق الإدارة من أن المتعاقد معها يقوم بتنفيذ العقد وفق ما اتفق عليه، ويدخل في هذا المجال تأكدها من أنه يتواجد بورش العمل في صفقات الأشغال مثلا، وبأن المواد المستعملة هي المتفق عليها في كناش الشروط الإدارية العامة، وأنها تستجيب للمعايير المتطلبة، وبأن اليد العاملة مؤهلة، وبأنها مؤمنة ، ومراقبة الأشغال وتنظيم الأوراش والعلاقات بين مختلف المقاولات في نفس الورش، وتدابير السلامة والنظافة الصحية والاسعافات والتعويضات والأجور المقدمة للعمال والمستخدمين، ومسك السجلات الضرورية وتنظيمها .
أما بالنسبة لعقود التوريد والخدمات فإن مجال الرقابة يضعف كثيرا لأن المورد أو الخدمات يبقيا سيدا نفسهما في طريقة تنفيذ العقد الذي يربطهما بالإدارة.
- الفـــرع الثــانـي  :    التـوجــيــــه 
وقد تقف الإدارة أثناء عملية المراقبة على عدة أوضاع غير قانونية، وصعوبات في تنفيذ العقد. وذلك بسبب سوء التنظيم أو بسبب تدخل الإدارة في تعديل بعض بنود العقد مما يستلزم تدخلها مرة أخرى لتسهيل مهمة المتعاقد فتعمل على توجيهه على نحو يتجــاوز معـه العقبــات ويدلل بــه الصعوبــات، فتصدر الأوامر بإيقاف الأشغال أو بتأجيلها لفترة معينة من أجل إعداد البرامج والتصاميم أو من أجل إصلاح العيوب إلى غير ذلك مما قد يطرأ على عملية التنفيذ من طوارئ تستلزم دائما تدخلها.
وكما سبق ذكره فإن الإدارة باعتبارها سلطة ساهرة على تسيير المرفق العمومي والذي يشكل العقد الإداري أحد أدواته تقوم كلما استوجبت المصلحة العامة بتعديل بنود العقد أثناء التنفيذ، ولا يحق للمتعاقد أن يتعرض على هذا الإجراء إلا في الحدود التي يقررها القانون، كما أن الإدارة لا يمكنها أن تمارس هذا الحق بشكل يؤدي إلى تغيير بنود العقد . 
* المبحث الثاني : سلطة الإدارة في تعديل بنود العقد .




اختلف الفقه الفرنسي  حول إمكانية الإدارة في مباشرة هذا الحق بالنسبة للعقود الإدارية،  إلا أن الرأي الراجح اعتبر أن سلطة التعديل توجد كمبدأ عام في جميع العقود الإدارية دونما التنصيص عليها في العقد.
ويجد هذا الحق أساسه القانوني باعتباره من أعمال السلطة في امتياز السلطة العامة الذي تملكه الإدارة نفسها، وباعتباره من النظام العام.
وقد أرجعه البعض إلى الامتياز التعاقدي للإدارة في العقود الإدارية، كما أن البعض الآخر أرجعه إلى مفهوم المرفق العمومي Service public) ) .
 وبتتبع القضاء الفرنسي يتبين أن هذا الأخير أرجع الأساس القانوني لهذا الحق إلى فكرة السلطة العامة وفكرة المرفق العام معا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحق لا يمكن للإدارة أن تستعمله على إطلاقه، فقد قيده القضاء وجعل له قيودا يمكن إجمالها فيما يلي: 
أولا:   إن الإدارة لا يمكنها تحت غطاء هذا الحق أن تمس بشروط العقد الأجنبية عن المرفق والتي لا صلة لها بموضوعه، بل يجب أن يقتصر قرار التعديل الانفرادي على شروط العقد المتصلة بالمرفق العمومي، وإلا اعتبر القرار لاغيا، ويحق للمتعاقد أن يمتنع عن تنفيذه إن شاء أو أن يستصدر قرارا قضائيا لإلغائه.
ثـانيـا:  إن الإدارة لا يمكنها أن تمارس هذا الحق إلا في الظروف التي يتبين فيها أن شروط العقد أصبحت غير ملائمة مع مقتضيات سير المرفق العمومي وغير محققة للمصلحة العامة.
ثـالثـا:  أن تمارس هذه السلطة في إطار المشروعية باحترام الشكليات الأساسية في اتخاذ القرار والمقتضيات الموضوعية المعتمدة في هذا المجال.
وما دمنا في الكلام على سلطة الإدارة في تعديل العقد الإداري يجدر بنا الكلام على أهم صور هذا التعديل في مجال عقد الأشغال العامة وهو الأشغال الإضافية التي تأمر بها الإدارة أثناء تنفيذ العقد.
* الأشغـــال الإضافيـــة : 
إن تنفيذ العقد الإداري يستند على الأساس التعاقدي الذي يلزم الطرفين، وبما أن هدف العقد المذكور هو إشباع رغبات المواطنين وحاجة المصلحة العامة في إطار المرفق العام، قد ترى الإدارة نفسها، إن عملية التنفيذ لا تروم هذا المبتغى لسبب ما ، وفي إطار حق المراقبة والتوجيه الذي تملكهما تصدر أمرا إلى المتعاقد بإضافة أشغال أخرى  في حدود معينة غير متفق عليها أصلا وهو ما يصطلح عليه في الغالب بالأشغال الإضافية .
وقد اعترف القضاء الإداري للإدارة بحقها في إلزام المتعاقد بإضافة أشغال إلى الأشغال موضوع العقد، كما اعترف للمتعاقد بحقه في المطالبة بقيمة الأشغال إلا أنه اختلف في تحديد مفهوم هذه الأشغال، وذلك على مستوى الإثبات.
فلقد اعتبرت المحكمة الإدارية بمراكش   أن الأشغال المنجزة تعتبر أشغالا إضافية ولو لم تنجز الإدارة في شأنها عقدا ملحقا لعقد الصفقة الأصلي، مادامت هذه الأشغال مرتبطة بموضوع العقد الأصلي، ومادامت الإدارة أصدرت أوامر بالخدمة بإنجاز هذه الأشغال ووثائق تتضمن اقتراحات بشأن الأشغال خارج الصفقة، وأنجزت أعمال العبر والتمتيز بالنسبة لهذه الأشغال .
كما أخذت نفس المحكمة بطلبات المدعية واعتبار الأشغال الإضافية قائمة لما ثبت لديها من وثائق الملف وخاصة من محضر اللجنة التقنية التابعة للجماعة والحامل لتوقيعات رئيس المجلس البلدي ومهندس الجماعة، والمهندس المعماري إن الأشغال الإضافية كانت ضرورية لإنجاز الصفقة، وبما تم الاتفاق عليه وعلى الثمن ولما ثبت أخيرا من صدور أمر كتابي بالبدء فيها وتبليغه للمقاولة.
ونفس الاتجاه سارت عليه المحكمة الإدارية بالدار البيضاء  حيث اعتبرت " أن المتعاقد معها نفذ أشغالا إضافية غير منصوص عليها في عقد الصفقة ، وإن الأشغال كانت  من مستلزمات حسن التنفيذ للمشروع ، وإن فائدة قد نتجت للإدارة منها يعطيه حق المطالبة بمقابله المالي ..." ، واعتبرت المحكمة المذكورة أن الكشف الحسابي المنجز من قبل مكتب الدراسات التقنية والمصادق عليه من طرف المهندس المعماري يشكل اعترافا من طرف الإدارة بوجود هذه الأشغال.
وذهبت المحكمة الإدارية بالرباط  إلى أبعد من ذلك حينما حملت الإدارة مسؤولية عدم اللجوء إلى مسطرة الاتفاق على انجاز  الأشغال الإضافية ، حيث اعتبرت أن أي تجاوز حصل بخصوص مسطرة الاتفاق على انجاز الأشغال الإضافية كما ينص على ذلك دفتر الشروط الإدارية العامة يجعل مسؤولية الإدارة المدعى عليها استنفاذ تلك المسطرة قبل أن تقوم بتكليف المدعية بإنجاز تلك الأشغال.
واستنتجت المحكمة الإدارية لفاس  من خلال ورقة التقديرات DEVIS   موقع ومصادق عليها من طرف الجماعة المدعى عليها من خلال توقيع ومصادقة تقنينها وجود أشغال إضافية أكدتها الخبرة المنجزة في الملف .
وذهب المجلس الأعلى الغرفة الإدارية  في أحد مقرراته " إنه بالرجوع إلى عقود الصفقات المبرمة بين الطرفين يتبين أن الإدارة أخضعتها لمجموعة من القوانين والمراسيم منها مرسوم رقم 2.76.479 بتاريخ 14/10/1976 بشأن صفقات الأشغال والأدوات والخدمات المبرمة لحساب الدولة نجد مقتضيات الفصل 47 منه - يضيف المجلس الأعلى – حددت الاستثناءات التي يمكن فيها إبرام الصفقات بالاتفاق المباشر والفقرة 13 منه تنطبق على نزاع الطرفين وجاء بصيغة إمكانية إبرام عقد ملحق وليس بصيغة الوجوب، بحيث بانعدامه لا يفقد الاتفاق آثاره القانونية ... ، كما استند المجلس في إثبات هذه الأشغال على وجود مراسلات صادرة عن الإدارة والتي تحيل المقاولة على المهندس المعماري التي منحته صلاحية مراقبة الأشغال وتتبعها .



 * الباب الثالث : الفسـخ كجــزاء .

سنتكلم عن الفسخ كجزاء  والذي توقعه الإدارة على المتعاقد بسبب عدم احترامه لالتزاماته التعاقدية كسلطة تمارسها أثناء تنفيذ العقد الإداري وذلك لخطورة هذا الإجراء ، وباعتباره مظهرا من مظاهر السلطة .
وليس ضروريا أن نتكلم في هذه المداخلة عن أنواعه وصوره بل سنقتصر الكلام على مبررات الفسخ و خصائصه والمسطرة القضائية في المطالبة بإلغائه.
* المبحث  الأول :  مبررات وخصائص الفسخ كجزاء 
- الفــرع الأول  :   مبـررات الفسـخ 

مما لا شك فيه أن العقد الإداري من حيث المبدأ العام هو من العقود التي تتضمن الالتزامات والالتزامات المقابلة،  وأنه لا يمكن المطالبة أو اللجوء إلى فسخ هذا العقد إلا إذا أخل أحد المتعاقدين بالتزاماته، والالتزامات التي تثقل كاهل المتعاقد مع الإدارة كثيرة ومتنوعة، وليس كل إخلال بهذه الالتزامات يبرر اللجوء إلى هذا الإجراء، بل لا بد أن يكون الإخلال على قدر من الجسامة، والإدارة هي التي تملك سلطة تقدير مدى جسامة الخطأ، والقاضي يلعب دورا كبيرا في مراقبة هذه السلطة.
ومن بين الإخلالات المبررة لاتخاذ قرار الفسخ الحالات التالية: 
 - الحالة الأولى : إذا اكتشف المقاول أو المتعـــاقدون معـــه من البـــاطن عمــلا عدوانيـــا                       موصوفا، وجب عليهم إخبار صاحب المشروع بذلك ، في الحيــن تحت  طائلة المتابعات القضائية المحتملة ، زيــادة علـى فرض التنفيذ المبـاشر دون إشعار سابق أو الفسخ بلا شرط للصفقة .

- الحالة الثانية :  حالات عدم كثمـان الســر المنصوص عليـه فـي المقاطع الأربعـــة من الفقرة الثانية من المادة 28 من ك.ش.د.ع. ، وتتعلق هذه الحالات بعدم حماية المواقع الحساسة وعدم اتخاذ التدابير الاحتياطية اللازم اتخاذها في هذا الباب وعدم حفظ وحماية الوثائق السرية التي تسلم إلى المتعاقد ، وعدم الحفاظ على سرية المعلومات ذات الطابع العسكري .


- الحالة الثالثة :  إذا لم يتقيـد المتعاقـد إمـا ببنـود الصفقــة أو بأوامر الخدمـة الصادرة إليــه من لدن صاحب المشروع ، تفسخ الصفقة على حسابه أو تفسخ بدون قيد أو شرط ، ويدخل في هذا الإطار عدم إنجاز المتعاقد مع الإدارة ما كلف به داخل الأجل المتفق عليه ، وعدم حضوره في أماكن الأشغال .
- الحالة الرابعة: إذا لم يتقيد الوكيل في حالة صفقة مبرمة مع تجمع بالالتزامـــات الملقاة على عاتقه .
  - الحالة الخامسة: إذا تعاقد المتعاقد من الباطن دون موافقة الإدارة.
  - الحالة السادسة: أفعال التدليس الصادرة عن المتعاقد.
- الحالة السابعة: في حالة فقدان المقاول للأهلية المدنية، ويسري مفعول الفسخ من تاريخ فقدان الأهلية المدنية، ولا يخول للمقاول أي حق في التعويض .
- الحالة الثامنة: في حالة التصفية القضائية لممتلكات المقاول ما عدا إذا قبلت السلطة المختصة الترخيص للسنديك لمواصلة استغلال المقاولة .
وفي حالة التسوية القضائية، تفسخ الصفقة بقوة القانون وبدون تعويض إذا لم ترفض السلطة القضائية المختصة للمقاول مواصلة استغلال مقاولته.
- الفـرع الثاني  :   خصائـص إجــراء الفـسـخ كجــزاء 
وقبل أن نتطرق إلى هذه الخصائص لا بد من الإشارة إلى هذه الملاحظات: 
* أ و لا:  إن طبيعة العقد الإداري وما يستهدفه هذا العقد من المصلحة العامة وما تملكه الإدارة من سلطات عامة من أجل تنفيذه في أحسن الظروف تجعل هذه الأخيرة تمتلك حق الفسخ أو قوة الفسخ بالنسبة لكافة العقود الإدارية دون استثناء.
* ثـانيــا:  إن الإدارة حتى في حالة عدم إخلال المتعاقد معها بالتزاماته قد تلجأ إلى هذا الإجراء، بمعنى أنها تملك سلطة لمباشرة هذا الحق، ولا يحد من سلطتها إلا حق المتعاقد في المطالبة بالتعويض، وأن سلطة القاضي الإداري في المراقبة تبقى ضئيلة (مجلس الدولة الفرنسي 53/7/27).
فإذا أمر صاحب المشروع بموجب أمر بالخدمة بتوقيف الأشغال، تفسخ الصفقة في الحين، ويمنح تعويض للمقاول إذا تمت معاينة حصول ضرر بصفة قانونية. . . الخ الفصل 45 من كناش الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة، مرسوم رقم 2.99.1087 الصادر بتاريخ 04 مايو 2000.
* ثـالثــا :  إن ممارسة هذا الحق من طرف الإدارة يجد سنده في فكرة النظام العام ، وبعبارة أخرى، فإن اللجوء إليه ليس رهينا بالتنصيص عليه في العقد الإداري ، كما أنها لا يحق لها أن تتنازل عليه.
أما الخصائص التي يتميز بها جزاء الفسخ فإنه يمكن إجمالها في أربعة خصائص: 
1) - حق الإدارة في أن توقع الفسخ بنفسها.
2) - الزامية توجيه إنذار قبل توقيع الفسخ.
3) - خضوع هذا الإجراء للرقابة القضائية.
وستعالج هذه الخصائص مع التركيز على الاجتهادات القضائية الصادرة في هذا المجال.
* أولا: حق الإدارة في أن توقع الجزاء بنفسها .
ومعنى ذلك أنها كلما قررت إنهاء العلاقة التعاقدية للأسباب التي تراها مشروعة تقوم بتوقيع هذا الجزاء دون الرجوع بشأنه إلى القضاء، لأن القاضي لا يستطيع أن يقضي بالفسخ من تلقاء نفسه، وهو إن فعل فإنه يكون قد تدخل نيابة عن الإدارة في إدارة المرفق العمومي.
وذهب جانب من الفقه في فرنسا إلى أنه يمكن في حالة عدم التنصيص على الفسخ الجزائي في العقد، وفي دفتر الشروط الإدارية العامة أن تلجأ الإدارة إلى القضاء للمطالبة بفسخ العقد استنادا إلى مقتضيات المادة 1184 من القانون المدني الفرنسي.
إلا أنه قد يحدث أثناء مسطرة التقاضي في دعوى مرفوعة من طرف المتعاقد ضد الإدارة                أن تتقدم هذه الأخيرة أمام المحكمة بطلب مضاد تطلب بموجبه تقرير الفسخ لوجود مبرراته، فهل في مثل هذه الحالة تستجيب المحكمة للطلب، وإذا كان الأمر كذلك فبأي صفة تبت المحكمة؟، وهل في الأمر مساس بحقوق الدفاع خاصة أن الإدارة في حالة ا لفسخ الانفرادي تكون ملزمة بتبرير هــذا الإجراء وقبلــه بتـــوجيه الإنذار؟، وهل يعتبر ذلك تنازلا منها في ممارسة هذا الحق؟.
في كثير من الحالات العملية ، ونظرا لظروف معينة تتعلق بالمقاول أو بمراحل تنفيذ العقد ، كأن تكون الأشغال قطعت شوطا كبيرا في الانجاز ، تستنكف الإدارة عن ممارسة حقها في الفسخ بالرغم من وجود مبرراته ، إلا أنها تكون ملزمة أمام القاضي بأن تطلب منه معاينة هذه المبررات وترتيب جزاء الفسخ بدلا عنها ، ونعتقد أن ليس في الأمر أي تنازل عن هذا الحق بقدر ما تهدف إليه من خلال ذلك من حماية أكثر لموقفها عن طريق القضاء .
ولقد قضت المحكمة الإدارية بمراكش في حكمها الصادر في الملف 110/2000 ش بتاريخ 10/10/2001 بفسخ عقد الصفقة الرابط بين مقاولة الوراق للهندسة المدنية والبنائية، وبين غرفة التجارة والصناعة العصرية والخدمات بولاية مراكش، بناء على طلب الإدارة.
ومعلوم أن المحكمة حينما تتولى تقرير الفسخ لا تتدخل في تنفيذ العقد، وإنما تقوم فقط بترتيب الآثار القانونية على الإخلال بالتزامات الطرفين.
وبطبيعة الحال فإن إجراءات التقاضي التي يسهر عليها القاضي المقرر تخول للمتعاقد مع الإدارة في هذه الحالة نفس الضمانات لمناقشة الإخلالات المنسوبة إليه.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أنه إذا كان في مقدور المحكمة أن تقرر الفسخ استنادا إلى مطالب الإدارة، فإنه من جهة أخرى يمنع عليها أن تلغي قرار الفسخ الصادر عن الإدارة بالرغم من توافر دواعيه، وهذا ما سار عليه العمل القضائي   في المغرب، وكذا في فرنسا، وكل ما يمكن فعله هو أن تجنب المتعاقد النتائج المالية المكلفة.
* ثــانيـا :  إلزاميــة توجيــه إنذار قبل توزيع الفسخ  : 
إن سلطة الفسخ إن كانت مقررة للإدارة بموجب القواعد العامة للقانون الإداري، فإنه لا ينبغي لها من حيث المبدأ أن تطلق يدها في استعمالها دون أن تمكن المتعاقد معها من معرفة وجهة نظره حول المؤاخذات التي تؤاخذه عليها والإخلالات التي تزعم أن المتعاقد ارتكابها أثناء تنفيذه للعقد.
وبعبارة أخرى فلا بد أن تمكنه من الدفاع عن نفسه احتراما لمبدأ حقوق الدفاع الذي يعتبر مبدأ عاما، وذلك بتوجيه أعذار له أولا.
وهذا الاعذار يجب أن يوجه إلى المتعاقد بشأن قضية أو قضايا معينة، وهي أن ركنت إلى جواب المتعاقد واقتنعت به اتفقت معه من جديد على كيفية إيجاد حلول للمشاكل بموجب اتفاق جديد، وشرع المتعاقد في استئناف الأشغال على ضوء ما اتفق عليه، ووقع خلاف من جديد فعلى الإدارة أن توجه إنذارا جديدا ولا يكفيها أنه سبق لها أن وجهت له إنذارا من قبل ، ولقد طرحت أمام المحكمة الإدارية بمراكش واقعة من هذا الصنف، ( انظر وقائع قضية ERAC  ضد ماكديل  الحكم الابتدائي وقرار المجلس الأعلى الذي أيده قرار عدد : 1087 وتاريخ 24/10/2002 ملف إداري 196/96/7/4/1/2002 ، المكتب الوطني للبريد والمواصلات السلكية  ضد شركة مادكيل).
ولقد أكدت ذلك الغرفة الإدارية بوضوح مؤيدة اتجاه المحكمة الإدارية بقولها : 
" ومن جهة أخرى حيث إن الثابت من وقائع النزاع أن اتصالات المغرب أنذرت الشركة               بإتمام الأشغال بالرسالة المؤرخة 12/04/1997 وعلى إثر التوصل بها انتهى الطرفان إلى الاتفاق            على مواصلة الأشغال، كما يثبت ذلك محضر الاجتماع المؤرخ 15/5/97 وهو ما نفذته المستأنف            عليهــا المدعيـة بدليــل المحضر المنجـز من طرف اللجنــة التي انتقـلت إلــى الورش بتــاريخ 02/06/97
مما أصبح معه الطرفان في مركز قانوني جديد بعدم آثار الرسالة المؤرخة في 12/04/1997 (الإنذار)، ويرتب الجزاء في حق المستأنفة من أجل عدم احترامها لمقتضيات الفصل 35 من دفتر الشروط الإدارية العامة الذي يفرض توجيه إنذار إلى المقاولـة وتوصلها بــه، وانصرام الأجل الممنوح لها لاستئناف الأشغال وعدم استجابتها لذلك وكان الحكم المستأنف على صواب عندما استخلص عدم قانونية الفسخ المتمسك به من طرف اتصالات المغرب لعدم مراعاة ما ذكر وعدم نفاذ مقتضيات الفصل 41 من عقد الصفقة في حق الشركة المتعاقد معها " .
وهو نفس الاتجاه الذي سلكه في قرار عدد: 355 المؤرخ 10/05/2006 ملف إداري عدد: 2067/4/1/2005 مكتب استغلال الموانئ ومن معه ضد شركة حفيان حيث ورد في تعليل القرار المذكور ما يلي: " وحيث إنه بالرجوع إلى دفتر الشروط الإدارية العامة المطبق على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة ، خاصة الفصل 70 منه ، يتبين أن حق الإدارة في الفسخ مقيد بشرط الإعذار، مع منح أجل لا يقل عن 15 يوما من تاريخ تبليغه لامتثال المقاولة له الشيء الذي لم يحترمه المكتب ، وتمسكه بحالة الاستعجال لا يعفيه من منحه أجل معقول لأن الأجل الوارد بإعذاره تستلزمه حالة الاستعجال القصوى ، الشيء الذي لم يبرره المكتب علما بأن التأخير في الانجاز مشفوع بالغرامة المحددة في 500 درهم عن كل يوم تأخير الأمر الذي يجعل قرار الفسخ المتخذ مخالفا للقانون... ".
ولقد تشدد الفقه في فرنسا  في هذا الإجراء واعتبر أن عدم مراعاة الإدارة للإجراءات الشكلية السابقة على توقيع جزاء الفسخ يترتب عنه إعفاء المتعاقد من النتائج المكلفة الناجمة عن الفسخ مهما كانت جسامة الأخطاء المرتكبة من طرفه .
ومعلوم أن قاضي العقد حينما يتولى البت في طلب الفسخ لا يتدخل في تنفيذ العقد، ولا يمكنه رد الطلب بعلة عدم اختصاصه لأن مهنته هنا قضائية صرفة، ويتعين عليه القيام بكافة إجراءات البحث اللازمة لتقرير الجزاء إن كان له محل.
ومعلوم أن الجهة التي تصدر قرار الفسخ الإنفرادي هي الجهة التي تكون قد أبرمت العقد، وأنه حتى لو كانت المصادقة على العقد المذكور من سلطة الوصاية إجراء ملزما، فإن قرار الفسخ يخضع لنفس المصادقة طبقا لمبدأ توازي الشكليات.
* ثــالـثــا  :  المراقبــة القضائـيــة لقــرار الفـســخ 

إن لقرار الفسخ الذي قد تتخذه الإدارة له بمنظورها ما يبرر اللجوء إليه، وتختلف هذه المبررات باختلاف أنواع الفسخ كما سبق ذكره سابقا.
وبالتالي تكون الإدارة ملزمة بتعليل قرارها هذا وتبليغه إلى المتعاقد معها.
- أ) -   تعليل قرار الفسخ :  
ترتكز مقتضيات قانون الصفقات العمومية أساسا على الشفافية باعتبارها عاملا محفزا لدخول هذا المجال وضمانة لحماية المتعاقدين مع الإدارة، ويتعين على الإدارة في تعاملها أن تكون شفافة وواضحة، وبالتالي فإن قرار الفسخ الذي ينهي العلاقة التعاقدية لا ينبغي أن يكون أقل شفافية من إجراءات إبرام العقد، والقضاء الإداري بدون شك حين مراقبته لهذا الإجراء يكون ملزما بعدم اعتبار هذا القرار ما لم يكن معللا ، وبعبارة أخرى لا بد من التأكد من سلامة هذا الإجراء المتخذ .
إلا أن هذا الالتزام ليس بالإجراء المطلق بل ترد عليه بعض الاستثناءات:  

* 1)- فقد أكد مجلس الدولة الفرنسي   في حكمه الصادر بتاريخ 29/1/1909 أن الإدارة 
          تعفى من إنذار المتعاقد إذا ورد نص صريح في عقد الأشغال العامة يعفيها من اللجوء 
          إلى هذا الإجراء قبل توقيع الجزاء عليه.

* 2)- إن الإدارة تكون معفاة بحكم المنطق من تعليل قرار بفسخ العقد إذا صدر من المقاول 
           ما يفيــد بكل وضوح رفضه لتنفيــذ التزاماته، أو صدر عنه ما يفيد عدم قدرته على 
           مواصلة التنفيذ.

*3)- إذا صدر من المقاول أعمــال تدخل في حالات الغــش أثنــاء التنفيذ 

*4)-  في حالة الاستعجال .

*5)- إذا تنازل المتعاقد عن الصفقة إلى الغير.
وتجدر الإشارة في الأخير أن الإدارة ملزمة بتمكين المقاول من تقديم أوجه دفاعه وملاحظاته قبل اللجوء إلى قرار الفسخ، وذلك احتراما لمبدأ احترام حقوق الدفاع.
إن إلزامية تعليل قرار الفسخ تجد أساسها في المبادئ العامة للقانون الإداري، بالإضافة إلى القوانين والعقد الإداري نفسه.
فإذا لم يتطرق العقد الإداري إلى هذا الإجراء وكناش الشروط الإدارية العامة فإن مقتضيات قانون 01/03 حول إلزامية الإدارة لتعليل قراراتها، والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 01/03/2003 تلزم الإدارة بتعليل قراراتها الإدارية، ولكي يكون القرار الإداري سليما ومشروعا يجب أن يتضمن في صلبه تعليلا يرتكز على الأسباب القانونية أو الواقعية التي دفعت الإدارة لاتخاذه، ويترتب على ذلك أن يصدر القرار مكتوبا، كما أنه لا يجوز فصل التعليل عن مضمون القرار في وثيقتين مستقلتين، وبالتالي فإن صحة التعليل تقتصر كما جرى عليه القضاء أن يكون القرار مقنعا،  وبأن يفصح عن الوقائع المادية والأسباب القانونية التي دعت إلى اتخاذه.
وقد نصت المادة الثانية من القانون المذكور على أن تخضع للتعليل مع مراعاة أحكام المادتين              3 و 4 من هذا القانون، علاوة على القرارات الإدارية التي أوجبت النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل تعليلها القرارات الإدارية التالية: 





أ -  . . . . .
ب- القرارات الإدارية القاضية بإنزال عقوبة إدارية أو تأديبية.
ج - . . . . .
د- القرارات القاضية بسحب أو إلغاء قرار منشئ لحقوق. . . ".
وبإلقاء نظرة حول مقتضيات القانون المذكور يتبين أن غاية المشرع من وضعه هو إخضاع كل الأجهزة الإدارية المتعاملة مع العموم لمقتضياته.
ولا شك أن قرار الفسخ كجزاء يجب أن يدخل في إطار مقتضيات القانون المذكور الذي استمد مجمل أحكامه من قانون 11/7/1979 الفرنسي، وقد صدر بفرنسا منشور بتاريخ 10/01/1988 يدخل قرارات الفسخ المتعلقة بالعقود الإدارية ضمن القرارات الواجب تعليلها.
- ب)-  وجوب تبليغ قرار الفسخ إلى المتعاقد مع الإدارة .
إن لهذا الإجراء أهميته القصوى، فالتبليغ هو الوسيلة لحمل مضمون القرار إلى المعني بالأمر ليرتب آثاره القانونية، ويقتضى تنفيذ هذا الإجراء أن تكون الإدارة متوفرة على عنوان المعني بالأمر، وبطبيعة الحال فإن هذا الأخير يكون ملزما بموجب كناش الشروط الإدارية العامة موافاة الإدارة بكل جديد يطرأ على عنوانه أو محل المخابرة معه ، ولقد اعتبرت المحكمة الإدارية بمراكش  أن الإنذار الموجه من الإدارة إلى المقاول في العنوان المدلى به من طرفه إنذارا قانونيا بالرغم من عدم التوصل به بسبب تغيير العنوان وعدم إشعار الإدارة بذلك، ويقوم مقام التبليغ طبقا للقواعد العامة العلم اليقيني بشروطه المتفق عليها فقها وقضاء .
وقد يحدث أن تعلل الإدارة قرار الفسخ بمسوغات يتبين فيما بعد عدم صحتها وواقعيتها أثناء الدعوى، فهل يمكن لها أن تستبدل العلل المضمنة بأخرى؟ 
فقبل الجواب على السؤال يجدر بنا أن نلقي نظرة على المسألة في القضاء المقارن وبخاصة قضاء مجلس الدولة الفرنسي لنرى موقف هذا الأخير سواء قبل قانون 1979، المتعلق بإلزام الإدارة بتعليل قراراتها أم بعد ذلك، مع الإشارة إلى أن مقتضيات القانون المغربي تكاد تكون نفس مقتضيات القانون الفرنسي.
فقبل قانون 1979 طرحت أمام مجلس الدولة الفرنسي هذه الإشكالية فقضى في قرار له بتاريخ 23/7/1976 بأنه إذا أتى القرار معللا سواء كان ذلك بموجب القانون أم ارتأت الإدارة تضمين القرار سببا معتمدا، فلن يصبح للإدارة أمام قاضي الإلغاء إمكانية استبدال السبب المعتمد بسبب آخر.
وقد أكد هذا الاتجاه في قرار له بتاريخ 23/11/2001 الشركة الوطنية الفرنسية للطيران إلا أنه قيد من هذا الاتجاه بتقريره للتحفظات التالية: 
- أن تكون الإدارة قد طالبت بهذا الإجراء أثناء التحقيق.
- وأن يكون الشخص المعاقب قد استفاد من نفس الضمانات المسطرية.
- وأن لا يؤدي قرار المحكمة إلى تشديد العقوبة.
إلا أن اجتهــاد مجلــس الدولـة تحول بعــد ذلــك فــي قضيــة (السيــدة هــلال –  240560.6/Fev /04)  
حيث أصدر قرارا بقبول الأسباب الجديدة التي تثار أمامه من طرف الإدارة، وذلك بالرغم من عدم التنصيص على هذه الأسباب في القرار موضوع الطعن الذي يتضمن سببا أو أسباب محددة ومحصورة، إلا أن مجلس الدولة الفرنسي اشترط بأن يكون : 
- السبب الجديد المثار لاحقا من طرف الإدارة موجودا يوم اتخاذ القرار.
- وأن يثار أمام قاضي الموضوع وليس أمام قاضي النقض
- وعلى القاضي أن يتأكد من أمرين: 
            * أ –  مما إذا كان السبب من " طبيعة " الأسباب التي ينبني عليها القرار بصفة 
                     مشروعة.
* ب-  قبل أن ينتقل إلى مرحلة ثانية يتأكد من أن الإدارة كانت ستتبناه باعتباره سببا 
                      وحيدا، بالإضافة إلى احترام حقوق الدفاع.
أما في المغرب وعلى حد علمنا فإنه لم تصدر أحكام لحد الساعة تقعد لهذه النظرية، ويصعب معه الأخذ بنفس النظرية، ولأنه وكما جاء في العرض الذي تقدم به السيد وزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري عند تطرقه لأحد منطلقات مشروع القانون 01/2003 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية، "إن هذا الأخير جاء لدعم شفافية القرارات الإدارية من خلال فرض مسطرة شكلية للقرارات الإدارية يضمن أن يكون التعليل مكتوبا مطابقا للقانون مرتبطا بالواقع مقنعا مزامنا ومصاحبا للقرار".
والمراقبة القضائية لا تقتصر فقط على الوجود المادي لأسباب الجزاء وتكييفها القانوني وإنما تشتمل هذه المراقبة أيضا مدى ملائمة الجزاء لخطورة الإخلالات التعاقدية الصادرة عن المتعاقد.
ويكون قرار الفسخ غير مشروع متى ثبت للمحكمة أن الإدارة لم تحترم مسطرة إصدار جزاء الفسخ، وأن العقوبة الموقعة على المقاول لا تتناسب مع الإخلالات المنسوبة إليه (حكم إدارية الدار البيضاء عدد: 232 وتاريخ 23/9/1996 شركة تنظيف صناعي ضد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)  .
ومن خلال هذا الحكم يتبين أن المحكمة الإدارية قد بسطت رقابتها على قرار الفسخ واستنتجت من خلال المذكرات والوثائق أن العقوبة المتخذة في حق الشركة عقوبة غير ملائمة زيادة على أن الإدارة لم تحترم مسطرة الفسخ ولم تمنح المقاول الأعذار لمدة عشرة أيام لكي يصلح الاخلالات أو الإعطاب التي تنسبها إليه، وبالتالي اعتبرت أن قرار الفسخ جاء مشوبا بالشطط وقضت بإلغائه.
و نفس الاتجاه سار عليه حكم إدارية مراكش الذي انتهى إلى التصريح بعدم قانونية قرار الفسخ بسبب عدم إنذار المقاولة طبقا للقانون ولعدم ارتكاز قرار الفسخ على سبب جدي، ولعدم مراعاة جميع الأشغال المنجزة في الصفقة (حكم عدد: 261 وتاريخ 28/11/2001 شركة شوكليما ضد المكتب الوطني للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية والمؤيد استئنافيا من طرف المجلس الأعلى الغرفة الإدارية قرارها عدد: 427 وتاريخ 25/5/2005 في الملف الإداري عدد: 200/2008/4/1/2002).
ونفس الاتجاه سارت عليه المحكمة الإدارية بمكناس، (حكمها عدد: 39/2001 غ وتاريخ 10/5/2001 شركة زيان ضد وزير المياه والغابات ).
وعلى العكس من ذلك قضت المحكمة الادارية بمراكش برفض طلب إلغاء قرار الفسخ في قضية شركة نور افريقيا ضد الدولة المغربية ملف 223/2001 ش حكم بتاريخ 11/6/2003 ، لما تبين لها مشروعيته المستمدة من تراضي الطرفين، وهو الحكم الذي أيده المجلس الأعلى الغرفة الإدارية 1278 المؤرخ  22/12/2004 ملف إداري عدد: 3023/4/1/2003، وكذلك في قضية المقاولة المغربية للبناء والتجهيز ضد المديرية الإقليمية للفلاحة والتنمية القروية والصيــد البحــري عــدد : 159/99 ش ، والمؤيد استئنــافــيـا بموجب قـرار المجلــس الأعلــى عدد: 222 المؤرخ 29/3/2006 في الملف الإداري عدد: 2052/4/1/2004، وحيث جاء في القرار المذكور فيما يخص مشروعية قرار الفسخ ما يلي: 
" وحيث إن الإدارة أنذرت المستأنفة بمواصلة الأشغال وفق ما تقتضيه مسطرة الفسخ وأمهلتها مدة 10 أيام وفق ما تم الاتفاق عليه بالعقد (الفصل 20 منه) وأمام عدم استجابة المقاولة للإنذار أصدرت قرارها بفسخ عقد الصفقة بعد أن سلكت المسطرة الواجب اتباعها بهذا الشأن ، ومما تتمسك به المقاولة عن صدور رسالة عنها بتاريخ 17/7/98 تعبر فيها عن استعدادها للتعاون مع الإدارة لإنجاح المشروع ، لا يكفي لأن السبب الوحيد المبرر لوقع جزاء الفسخ هو البدء في الأشغال، والتنفيذ داخل أجل مهلة الإنذار، وهو أمر لم يقع بإقرار المستأنفة".
ومن ذلك أيضا حكم إدارية وجدة الصادر بتاريخ 16 مايو 2006 في الملف 247/2004 ع حكم رقم 116، والذي جاء في قاعدته: " إن فسخ الصفقة من طرف صاحب المشروع بعدما قام بإنذار الشركة المستفيدة منه مواصلة الأشغال طبقا للمادة 70 من المرسوم المتعلق بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبق على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة ، ولم تمتثل بجعل قرار الفسخ المذكور مشروعا، وبالتالي لا يبقى من حق المدعية إلا المطالبة بالتعويض عن قيمة  الأشغال المنجزة إلى تاريخ اتخاذ قرار الفسخ المذكور".
وكذلك حكم إدارية فاس عدد: 744 ملف إداري عدد: 162 ت/ 03 الذي قضى بعدم مشروعية إجراء الفسخ لأنه تبين لها أن الفسخ تعسفيا، وذلك بسبب رفض المجلس الجماعي لمدينة صفرو أداء مستحقات مكتب الدراسات المكلف بتتبع الأشغال، وهو ما دفع بالمقاولة المدعية إلى التوقف عن إنجاز الأشغال مادام إن دفتر الشروط يفرض عليها ذلك، وإلا تعذر على القابض التأشير عليها.
ونفس الاتجاه سارت فيه نفس المحكمة في حكمها عدد: 374/2005 في الملف الإداري عدد:     136 ت /2003، فيما اعتبرت أن الفسخ لم يبن على أي خطأ من المقاولة، وأن السبب المستند عليه غير حقيقي وغير واقعي.

وذهبت المحكمة الإدارية بوجدة إلى أن سبب قرار الفسخ الذي اعتمدته الإدارة والمتجلي في عدم وجود مصادر تمويلية للعقد سبب غير واقعي، والفسخ المستند عليه فسخ تعسفي (ملف رقم: 117/2001 ش ع حكم رقم 57/2005 بتاريخ 07/03/2005 مقاولات رزقي للعمارات ضد المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للمنطقة الشرقية ) .
* الباب الرابع : المنازعـة القضـائيـة

من المجمع عليه، فقها وقضاء أن المنازعة المتعلقة بقرار الفسخ الجزائي من اختصاص القضاء الإداري، وأن دعوى القضاء الشامل من حيث المبدأ هي الوسيلة الوحيدة للطعن في القرار المذكور، حيث لا يجوز الطعن فيه بالإلغاء بواسطة دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة إلا إذا تعلق الأمر بعقود الامتياز، ومن ذلك أن قرار الفسخ يعتبر من العقود الإدارية المتصلة بالعقد، وليس من القرارات الإدارية المنفصلة عنه، وبالتالي فإن قاضي العقد هو الذي يملك ولاية البت في المنازعة المتعلقة به .
* شكليات رفع الدعوى  : التظلم الإداري ؟  
من المسلم به أنه تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك (الفصل 7 من قانون 41.90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية).
كما أن مقتضيات قانون المسطرة المدنية ومقتضيات قانون 41.90 المشار إليهما أعلاه تطبقان أمام محاكم الاستئناف الإدارية ما لم يوجد نص يقرر خلاف ذلك (الفصل 15 من قانون 2003.80 المحدثة بموجبه محاكم الاستئناف).
ومن المتفق عليه أيضا أن هناك كثيرا من المقتضيات المسطرية تتضمنها قوانين الموضوع كمرسوم 2.99.1087 وتاريخ 4/5/2000 بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة.
وليس المقصود في هذه المداخلة التطرق إلى كافة الإجراءات المتعلقة برفع الدعوى، وإنما فقط الوقوف قليلا على إشكالية التظلم الإداري المنصوص عليه في الفصول 71 و 72 و 73 من دفتر الشروط الإدارية، فهل هذا الإجراء ضروري ويترتب عن عدم سلوكه عدم قبول الدعوى شكلا ؟ .
لقد نصت المادة 71 على أنه " إذا نشأت صعوبات مع المقاول خلال تنفيذ الصفقة، وجه هذا الأخير إلى السلطة المختصة مذكرة مطالب يعرض فيها تظلماته، وتدلي السلطة المختصة بجوابها داخل أجل شهرين.
وفي الحالات المنصوص عليها في الفصول 38 و 39 و 41 إذا عارض المقاول الوقائع، يحرر محضر عن ظروف هذا الاعتراض ويبلغ إلى المقاول الذي يجب أن يدلى بملاحظاته داخل أجل 5 أيام، ويوجه المحضر إلى السلطة المختصة لاعتماد القرار الملائم بشأنه ".
والمواد المذكورة أعلاه تتعلق بضرورة احترام المواد والمنتجات للمواصفات التقنية أو للمعايير المغربية المعتمدة أو عند انعدامها مطابقتها للمعايير الدولية، وذلك وفقا لأحكام المادة 4 من مرسوم 30/12/1998، وضرورة احترام الأحكام التقنية المنصوص عليها في الصفقة، وضرورة إزالة المعدات والمواد غير المستعملة.
أما الفصل 72 فقد نظم مسطرة التظلم وهي مرحلة يطلب فيها المقاول من الوزير الوصي على القطاع بموجب مذكرة يبين فيها أسباب النزاع ومبلغ مطالبه.
وإذا رفض الوزير مطالب المتعاقد أو مر أجل الجواب الذي هو ثلاثة أشهر، فإن المقاول يمكنه أن يرفع مطالبه أمام القضاء، ولا يقبل منه أن يرفع أمام القضاء إلا التظلمات المذكورة في المذكرة المقدمة إلى السلطة المختصة.
وإذا لم يرفع المقاول مطالبه أمام المحكمة المختصة داخل أجل ستة أشهر من تاريخ تبليغ قرار الوزير حول المطالب التي نتجت عن الكشف التفصيلي العام والنهائي اعتبر كما لو قبل مضمون القرار المذكور وتسقط بالتالي جميع مطالبه.
ونصت المادة 73 على أن يعرض على المحاكم المختصة كل نزاع ينشأ بين صاحب المشروع والمقاول.
ولقد اتضح لنا من خلال دراستنا لكثير من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، أنه قلما تثار مثل هذه الدفوع من طرف الإدارة، وأن هذه المحاكم لم يسبق لها أن أثارتها من تلقاء نفسها.
إلا أنه يبدو أن هذه المحاكم تسير في اتجاه اعتبارها إجراء ضروريا لرفع الدعوى.
ففي حكم صادر عن المحكمة الإدارية بمراكش حكم رقم 547 وتاريخ 26/12/2005 ملف رقم 435/13/04 ش قضية مقاولة الوراق للهندسة المدنية والبنائية ضد غرفة التجارة والصناعة العصرية والخدمات بولاية مراكش، ردت المحكمة على الدفع المذكور بما يفيد أنه إجراء مسطري لا غنى عنه.
وهو نفس الإتجاه الذي أخذ به المجلس الأعلى الغرفة الإدارية في قراره عدد: 993 المؤرخ 29/09/2004 ملف إداري القسم الأول عدد: 1935/4/1/2002 السيد الوكيل القضائي ضد شركة مكسنيك و.م.م.
ونعتقد أن الفصلين 71 و 72 لا يتعلقان بحالات المنازعة في العقد بقدر ما يتعلقان ببعض الصعوبات وحول الاختلاف في وجهات النظر حول كيفية العمل، كما هو واضح من خلال مقتضيات المادة 38 و 39 و 40، وبالتالي فإننا نعتقد إمكانية اللجوء إلى القضاء طبقا للمادة 73 دون المرور من مساطر التظلمات الإدارية المنصوص عليها في المادة 71 و 72 لاعتبارين أساسيين: 
- أولا عدم وضوح النص وقصوره، وبالتالي فلا يمكن أن نحمله أكثر من دلالته الظاهرة خاصة، وقد تلاه نص واضح وصريح.
- ثانيا إن حرمان أي شخص من اللجوء إلى القضاء يتنافى وحق الإنسان في اللجوء إلى القضاء وهو حق من الحقوق الكونية.
ولابد من الإشارة هنا إلى أنه مثلا في فرنسا فإن المنازعات المتعلقة بالصفقات العمومية يمكن أن تكون موضوع تراضي بين الطرفين، أو عن طريق التحكيم، فلقد صدر مرسوم بتاريخ 25 فبراير 1991 نص على إنشاء لجنتين الأولى استشارية على الصعيد الوطني ولجان استشارية على الصعيد الجهوي.
وتكمن مهام اللجان الأولى في إيجاد الحلول الملائمة بالنسبة للمنازعات المتعلقة بتنفيذ الصفقات الإدارية المركزية، وبعض المؤسسات العمومية التابعة للدولة، أما اللجان الثانية فتختص بالمنازعات الناشئة عن صفقات الخدمات اللامركزية، وبعض المؤسسات العمومية الإدارية الأخرى التابعة للدولة، ومهمة هذه اللجان هي البحث عن العناصر القانونية والواقعية الممكن اعتمادها وتبنيها لحل هذه المنازعات بصفة عادية.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لدولة كفرنسا، ومجال الصفقات العمومية التي تعتبر المنازعات المتعلقة بها قضائيا ذات أولوية كبرى، قد تبت هذا الأسلوب حفاظا على حقوق الطرفين إلى جانب أحقيتها في اللجوء إلى التظلم إداريا، فإن حرمان الطرف الضعيف في اللجوء مباشرة إلى القضاء في غياب هذه اللجان يكون شيئا غير عادل على الإطلاق.               

تعليقات