القائمة الرئيسية

الصفحات



اعتراف المتهم وتقدير حجيته اعداد : الاستاذ عباسيد عبد الرحيم






" اعتراف المتهم وتقدير حجيته"

                                                                                                                                                          




اعداد : الاستاذ  عباسيد عبد الرحيم 
مقدمة :
يعتبر الكثير ان لم نقل الكل ان الاعتراف سيد الادلة لانه شهادة المتهم على نفسه باقترافه جرما معينا، وان من خلاله  وحده  يمكن التثبت من الجريمة والحسم فيها، مع اطمئنان القاضي لذلك ولكن هذه القولة يجب ان لا تؤخذ على اطلاقها، وانما يجب التنبه الى ان الاعتراف  الذي  ينعت بانه سيد الادلة، هو ذلك الاعتراف الذي توفرت فيه شروط معينة، وتم في ظروف معينة، ووفق اجراءات معينة، ولكي نتاكد من هذا لابد من  معرفة  هذه  الشروط وهذه الاجراءات …. ونعرف هل بمجرد وجود اعتراف، تم وفق ما خطه القانون يلزم القاضي، ام ان لهذا الاخير العدول عنه والركون  الى  ادلة اخرى اطمأن اليها، وهل من قيود ترد على هذه الحرية في الاقتناع.

وقديما كانت الشعوب لا تطمئن الا للاعتراف الصادر من المتهم، دون سواه من الادلة، وكانت تستعمل في الحصول عليه كافة الوسائل، شرعية كانت او غير شرعية، لان السائد انذاك كان هو نظام الاثبات القانوني، ولست هنا بصدد وضع كرونولوجيا للاعتراف وكيفية اخذه، وغير ذلك مما عرفته الشعوب والامم. وانما تجدر الملاحظة فقط الى ان الشريعة الاسلامية تعد من التشريعات القديمة، التي وان كانت تجعل من الاعتراف سيد الادلة، ولا زالت، فانها كانت تحاول البحث والتحري، في الظروف التي تم فيها هذا الاعتراف، وهل صدر عن حرية واختيار او لا ؟ وهل احترمت فيه شروطه ام لا ؟

وقد روي ان رجلا مثل امام الرسول صلى الله عليه وسلم واعتراف له بواقعة الزنا، فقال ( ص) أشربت  خمرا؟  فقام رجل فاستنكهه،  فلم  يجد منه ريح خمر، وامر به فرجم. وهنا فحتى ان الرجل اعترف، فان اعترافه لم يؤخذ على عواهنه واطلاقيته، بل تم التاكد من تحقق شروطه، اهمها الارادة ومن هنا كان تساؤله، صلى الله عليه وسلم، عن شربه الخمر. وقد حكي عن الاصمعي انه قال : دخلت البصرة وكان عليها خالد بن عبد الله القسري، فدخلت عليه يوما، فوجدت قوما متعلقين بشاب ذي جمال، عليه سكينة ووقار، فقدموه الى خالد قائلين، هذا لص اصبناه البارحة في منازلنا، فساله عن قصته، فقال ان القول ما قالوه، فال ما حملك على ذلك، قال حملني على ذلك الشره في الدنيا، فقال له خالد ثكلتك امك، اما كان لك في جمال وجهك وكمال  عقلك  وحسن ادبك زاجر لك عن السرقة قال دع عنك هذا ايها الامير، ونفذ ما امرك الله به، فذلك بما كسبت يداي، وما لله بظلام للعبيد، فسكت خالد يفكر في امر الفتى، ثم قال له : ان اعترافك على رؤوس الاشهاد قد رابني، وما اظنك سارقا، فال انني دخلت دار هؤلاء، فسرقت منها مالا، فأدركوني واخذوه مني وحملوني اليك، فامر خالد بحبسه، فلما استقر في الحبس تنفس الصعداء ثم انشد :
هددني خالد بقطــــع يــــــدي      * ان لم ابح عنده بقصتهـــا
فقلت هيهات ان ابــــوح بما      * تضمن القلب من محبتها
فقطع يدي بالذي اعترفت به     * اهدى للقلب من فضيحتها
فاستحضره خالد ثم قال له، قد علمت ان لك قصة غير السرقة، فاذا كان غدا وحضر الناس والقضاة وسألتك عن السرقة فانكرها، واذكر فيها شبهات تدرأ عنك القطع، فقد قال رسول الله ( ص) " ادرؤوا الحدود بالشبهات".  وفي الغد قال له خالد، ان هؤلاء القوم يزعمون انك دخلت دارهم، وسرقت مالهم. قال صدقوا ايها الامير، قال خالد لعلك سرقت دون النصاب. قال بل سرقت نصابا كاملا، قال فلعلك سرقت من غير حرز مثله، قال لا، قال فلعلك شريك القوم في شيء منه، قال بل هو جميعه لهم، فامر خالد بقطع يده، واذا بجارية تخترق الجمهور، تنادي باعلى صوتها لا تعجل بالقطع ايها الامير، حتى تقرأ هذه الرقعة .
أخالــــد هـــذا مستهــــام متيـــم رمته لحاظي من قسى الحمالـــــــــق
فاصماه سهم اللحظ منــي فقلبه حليف الجوى من دانه غير فــــــائـق
اقـــر بمـــا لــــم يقترفـــــه لانه راي ذلك خير من هتيكــــــــة عاشق
فمهلا على الصب الكئيب لانه كريم السجايا في الهوى غير سارق
ثم اخبرته بقصتها معه فاحضر والدها وقال له يا شيخ، انا كنا قد عزمنا على انفاذ الحكم في هذا الفتى بالقطع، وان الله عصمني من ذلك، واستأذنه في تزويجها منه فقبل" (1) .

وهنا نلاحظ كيف ان خالد لم يامر بانفاذ الحكم بالقطع الا بعد ان حاول ان يدرأه بالشبهات، وبعد ان طرح الكثير من الاسئلة التي يحاول من خلالها توضيح الاعتراف والبحث عن دوافعه، فهل بلغت السرقة النصاب، وهل المتهم مشترك مع الضحايا في المسروق، الى غير ذلك، وهذا نموذج لقضاة الشريعة الذين يحاولون عدم الاخذ بالاعتراف هكذا، وكيفما كان، بل يبحثون  فيه ويتحرون بشانه.
----------------------
1- وردت هذه التحفة في كتاب تطبيقات جنائية لصاحبه ادريس طارق السباعي في الصفحة 57 و58 .
---------------------
ولمعرفة الاعتراف كدليل بين باقي الادلة في الاثبات الجنائي، وللتمييز بين الاعتراف الذي يعتبر سيد الادلة من ذلك الذي لا يعتد به، ولمعرفة حجيته بين باقي الادلة عند القاضي، نرى انه يجب التطرق اليه في فصلين نخصص الاول لمعرفة ماهية الاعتراف، بينما نفرد الثاني لحجية الاعتراف.

- الفصل الأول -
ماهية الاعتراف
ان تحديد ماهية الشيء، تعني عموما، التطرق الى كل الجوانب التي يمكن ان تفيدنا في معرفته، والإلمام به والتعمق في معناه، وهكذا فخاصية هذا الفصل في ماهية الاعتراف، تتطلب منا بالضرورة، البحث في تعريفه، وخصائصه من جهة، وفي شروطه وانواعه من جهة ثانية، علما انه سيتجلى لنا كذلك ماهيته بشكل افضل في الفصل الثاني، وعليه فاننا سنقسم هذا الفصل الى مبحثين، نخصص الاول للحديث عن تعريف الاعتراف وخصائصه، ونفرد الثاني للتكلم عن شروطه وانواعه.

المبحث الاول : تعريف الاعتراف وخصائصه 
ولتناول هذا المبحث بشكل افضل نرى تقسيمه الى فقرتين نجعل الاولى لتعريف الاعتراف ونترك الثانية لتناول خصائصه وستكون على التوالي كالاتي :

الفقرة الاولى : تعريف الاعتراف :
الاعتراف في اللغة، من مصدر عرف، وتعني الاقرار بالشيء على النفس، ونسبته اليها، وفي الاثبات الجنائي هو اقرار المتهم على نفسه باقتراف جرم معين، وهو دليل من بين الادلة،  والتشريع المغربي الجنائي، كباقي التشريعات الاخرى، لم يضع تعريفا خاصا بالاعتراف، بل ترك مهمة ذلك الفقه الذي تناط به عادة مثل هذه المسائل، وهكذا نجد ان معظم الفقه لم يختلف في وضع تعريف للاعتراف، وان اختلفت التسمية، حيث ياخذ البعض بتسمية الاقرار بدل الاعتراف، رغم ان لهما نفس المدلول، وهكذا فقد درج الفقه المغربي على تعريف الاعتراف بانه "اقرار المتهم عن نفسه بارتكاب الجريمة او بمشاركته فيها" (2) .
---------------------
2- احمد الخمليشي. شرح ق م ج. جزء II الطبعة الثالثة. دار نشر المعرفة 1990، ص 149.
--------------------
كما ورد عند الاستاذ احمد الخمليشي، وهو نفس التعريف الذي اتى به الاستاذ ابو المعاطي ابو الفتوح، كما ذهب الاستاذ محمد عياط الى وضع مدلول للاعتراف، جاء فيه : " الاعتراف هو شهادة المتهم على نفسه، بكونه قد اقترف الجريمة المنسوبة اليه، او كان له ضلع في ارتكابها، من قريب او بعيد، وبعبارة اخرى، فانه هو التصريح الصادر عن المتهم الذي يحمله صراحة مسؤولية اقتراف الجريمة، كليا او جزئيا" (3) .
اما الفقه المصري فقد سار على نفس المذهب الذي سلكه نظيره المغربي، حيث يعرف الاعتراف بانه "اقرار المتهم على نفسه بصحة ارتكابه للتهمة المسندة اليه" (4) .

كما ان فقهاء الشريعة الاسلامية،  ساروا في نفس هذا الاتجاه، حيث عرفوا الاعتراف، او الاقرار، بانه اعتراف المدعى عليه بالطلبات المتضمنة في دعوى المدعي، حيث يشهد على نفسه بان ذمته مشغولة بحق الغير، او بانه مسؤول عن الجريمة المدعى عليه بها" (5)

يتضح مما سبق، ان الاعتراف هو باختصار، شهادة المتهم على نفسه بما نسب اليه من اتهامات، كليا او جزئيا، وهو بهذا يشكل تصرفا صادرا عن المتهم، يتحمل الاثار المتركبة عليه، ولذلك فهو تصرف قانوني، يلزم توافر الاركان المتطلبة عادة في التصرفات القانونية، وكثير من الفقهاء سواء المغاربة او المصريين او فقهاء الشريعة ذهبوا الى اعتبار الاقرار والاعتراف بانه تصرف قانوني، فالاستاذ محمد الحبيب التجكاني اعتبر الاقرار بانه تصرف بارادة منفردة وحصر اركانه في المقر والمقر له والمقر به والصيغة ونفس المذهب ذهب اليه ابن معجوز،  حيث تناول اركان الاعتراف في اربعة كذلك، نوجز مقتضياتها في ما يلي :

1) المقر،  وهو الشخص الذي يعترف بالتهمة المنسوبة اليه ويتحمل تبعتها ان كليا او جزئيا ونظرا لكون الاقرار تصرف ارادي فينبغي ان تتوفر في " المقر" ما يجب توفره في هذا التصرف حيث ينبغي ان يكون ذا أهلية كاملة وصادر عن ارادة حرة سليمة ولا يقبل الاقرار الصادر عن مجنون او صبي غير مميزا او مكره (6)، وان كانت تشريعات وضعية لا تنظر في الاعتراف الى سن المعترف على اساس انه وان كان غير مسؤول جنائيا فان هذا لا يمنع من اتخاذ تدابير وقائية في حق الصغير.
----------------------------
3- محمد عياط. دراسة في ق م ج الجزء I الطبعة الاولى ص 246.
4- مصطفى مجدي هرجة - المسطرة الجنائية ص 219. 
5- الحبيب التجكاني. النظرية العامة للقضاء والاثبات في الشريعة الاسلامية مع مقارنات بالقانون الوضعي، الطبعة الاولى ص 207.
6- محمد الحبيب التجكاني مرجع سابق ص 210.
--------------------------
2) المقر له، وهو الشخص المدعي وقد يكون متمثلا في شخص النيابة العامة او المطالب بالحق المدني في الميدان الجنائي، بحيث هو الذي يتلقى الاعتراف، ويشترط فيه اهلية الاستحقاق والتملك، ولا يهم ان يكون شخصا طبيعيا او معنويا (7).
3) المقر به، وهو الواقعة موضوع الاقرار الذي عادة ينصب على الركن المادي للجريمة موضوع الاتهام.
4) الصيغة او هي الطريقة التي تم بها الاقرار، وتكون عادة باللفظ، وان كان لا مانع من قبوله بالاشارة او الكتابة، كما ان السكوت الدال على الاقرار يؤخذ به، ويجب ان يكون واضحا دالا دلالة واضحة على ما يريد الاقرار به (7) .

وتجدر الملاحظة الى ان الاعتراف الذي تم تحديد مفهومه اعلاه يشبه تمام الشبه الاقرار المدني من حيث الاركان، ومن حيث التعريف الا انه يختلف اختلافا جذريا عنه في نفس الوقت في الواقعة التي ينصب عليها ومن حيث تجزئته ومن حيث حرية الاقتناع به، فنجد ان الاعتراف في الاثبات الجنائي ينصب على جرم او جرائم تشكل حقا عاما بينما ينصرف الاقرار في الاثبات المدني الى مصلحة خاصة قد لا تتعلق بجريمة معينة، وانما قد تنصرف الى اموال وحقوق اخرى. كما ان امكانية تجزئة الاعتراف في الاثبات الجنائي تعد قاعدة عامة لدى معظم التشريعات، بينما الاعتراف في المادة المدنية غير قابل للتجزئة بحيث يلزم القاضي المدني باخذه او طرحه كليا واما من حيث الحجية فاننا نجد ان الاعتراف وان كان سيد الادلة فهو لا يعدو ان يكون في الاثبات الجنائي وسيلة من بين الوسائل التي قد يعتمد عليها القاضي في تكوين اقتناعه، وقد لا يعتمد عليها، اما في الميدان المدني، فهو حجة قاطعة تلزم القاضي بالاخذ بها(8) .

ولقد دأب الكثير من الفقهاء على تخصيص لفظ الاعتراف بالاثبات الجنائي، ولفظ الاقرار بالميدان المدني وان كانا في الحقيقة لا فرق بينهما من حيث المدلول حيث نجد فقهاء الشريعة الاسلامية لا ياخذون بهذه التفرقة اذ ياخذون بكلتا اللفظين في الاثبات سواء كان مدنيا او جنائيا، فالاعتراف اقرار، وانطلاقا من هذا التعريف تتجلى لنا خصائص الاعتراف، وهو ما سوف يكون موضوع الفترة التالية.
----------------------
7- محمد ابن معجوز وسائل الاثبات في الفقه الاسلامي. الطبعة الاولى ص 36، وص 27.
8- عبد العزيز توفيق. وسائل الاثبات. مجلة المحاكم المغربية عدد 11 ص 8.
---------------------
الفقرة الثانية : خصائص الاعتراف :
تاتي اهمية الاعتراف في الميدان الجنائي، انطلاقا من الخصائص التي يتميز بها عن باقي الادلة الاخرى، بحيث ان خصائص كثيرة ينفرد بها ويمكن التطرق لأهمها  فيما يلي :
1- يمتاز الاعتراف بانه قابل للتجزئة بحيث يجوز للقاضي تجزئة الاعتراف اذا كان يقبل ذلك، وهذه التجزئة تطرح اساسا اذا كان الاعتراف مركبا او موصوفا، اما اذا كان بسيطا فان التجزئة لا تطرح مادام المتهم قد اعترف بالتهمة المنسوبة اليه بدون تحفظ، وهكذا فللقاضي الجنائي كامل الحرية في الاخذ بجزء من الاعتراف او بكامله، ولا رقابة عليه من طرف المجلس الاعلى في هذه النقطة، لان التجزئة من المسائل الموضوعية التي تدخل ضمن سلطة القاضي التقديرية، وقد جاء في قرار للمجلس الاعلى ما يلي : " لقضاة الموضوع كامل السلطة في تقدير قيمة الاعتراف الصادر عن المتهم، ومن حقهم ان ياخذوا بجميع ما ورد فيه او ببعضه في حدود ما يطمئنون الى صدقه، ولا ترد عليهم قاعدة عدم تجزئة الاقرار" (9) وقد ذهبت محكمة النقض المصرية في نفس اتجاه المجلس الاعلى حيث جاء في كثير من قراراتها ان لمحكمة الموضوع ان تجزئ اي دليل ولو كان اعترافا والاخذ بما تطمئن اليه وطرح ما عداه (10) .

2- يختص الاعتراف بانه حجة قاصرة على المتهم وحده، بحيث انه ذو طابع شخصي ولا دخل للمحامي فيه كما ان اثاره لا تسري الا على المتهم المعترف دون غيره، " فلو اقر على الغير فان اقراره عليه لا يجوز بخلاف البينة فانها حجة متعدية الى الغير" (11). وهكذا اذا اعترف احدهم - اي احد المشبوه فيهم  - بانه قام هو والمتهم الاخر بارتكاب الفعل، فان هذا الاعتراف يعد اعترافا بالنسبة للمعترف فقط، اما بالنسبة للاخر فانه يعد مجرد شهادة. وللمحكمة ان تاخذ بها او لا تاخذ بها ….." (12).

3- كما يمتاز الاعتراف بكون النية فيه لا دخل لها في ترتيب الاثار التي تترتب عليه بحيث توكل لحكمة المحكمة قصد تكييفها وفق القانون فبمجرد اعترف المتهم بالواقعة الاجرامية والتاكد من نسبتها اليه يفسح المجال للمحكمة قصد تطبيق القانون الواجب عليها سواء اتجهت ارادته الى ترتيب هذه الاثار ام لم تنصرف الى ذلك.
----------------------------
9- قرار رقم 313، ملف جنائي عدد 61792. مجموعة قرارات المجلس الاعلى ص 168.
10- مصطفى مجدي هرجة. مرجع سابق ص 231. ( نقض جنائي).
11- الشيخ سابق السيد، فقه السنة، المجلد الثالث الطبعة الرابعة 1983، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ص 330 .
12- عبد العزيز توفيق مجلة المحاكم المغربية، مرجع سابق ص 13.
----------------------------
4- ويمتاز الاعتراف كذلك بانه متروك لارادة المتهم ان شاء ادلى به وان شاء التزم الصمت، فله الحرية في ذلك، لان الاعتراف له علاقة وطيدة بنفسية المتهم، واذا كانت القاعدة ان صمت المتهم لا يعني انه مدان حفاظا على مبدا قرينة البراءة المعمول بها في الميدان الجنائي فان السكوت قد يشكل قرينة على ادانة المتهم. وهذا تطبيق للقاعدة الفقهية التي تقول " لا ينسب الى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة الى البيان بيان". مع ملاحظة ان الصمت لا يشكل قرينة قاطعة تكفي وحدها لادانة المتهم بل لابد من وجود دلائل اخرى تساند هذا الصمت.

5- ايضا فان الاعتراف يتميز بتعدد مصادره، فقد ياتي في شكل تصريح شفوي يدلي به المتهم، وهذا هو المصدر الطبيعي والغالب للاعتراف، الا انه قد ياتي من مصادر اخرى كالاستجواب الذي تقوم به الشرطة القضائية، وكالاستنطاق الذي يقوم به قاضي التحقيق والذي قد ينطوي على الاعتراف، وكالمحاضر التي تحرر من طرف الموظفين المؤهلين لذلك، فقد تتضمن هي الاخرى اعترافات للمتهم الىغير ذلك من  المصادر، ولا يهمنا الان دراسة هذه المصادر، الا ان الذي تجدر الاشارة اليه هو ان للمتهم كامل الحرية في العدول او الرجوع عن الاعتراف المضمن في احد هذه المصادر امام هيئة المحكمة، وهذا الرجوع يعتبر ميزة اخرى تكون محور النقطة التالية.

6- يتميز الاعتراف كذلك بامكانية العدول عنه، حيث يؤخذ هذا العدول محل الجد، ويدخل في حساب سلطة المحكمة التي توازنه بالاعتراف الصادر اول مرة من المتهم، وهذا بخلاف ما نجده في القانون المدني الذي نجد ان " الاصل فيه هو عدم جواز العدول عن الاعتراف على اعتبارات الاقرار حجة قاطعة على المقر، وهذه القاعدة تنبع عن دور الاعتراف في القانون المدني وكونه نزولا والنزول لا رجوع فيه" (13). غير انه في الاجراءات الجنائية فان هذه القاعدة تطرح جانبا على اعتبار ان الاعتراف "هو مجرد دليل وتقديره يخضع لمبدا الاقتناع القضائي" (14). وهذا التقدير ينصب على موضوع الاعتراف ذاته كما ينصب على العدول نفسه وامام هذا " فللقاضي ان يرجح العدول فيهدر الاعتراف وله كذلك ان يرفض الاعتداد بالعدول ويبقى على الاعتراف" (15). ولكي تتضح صورة الاعتراف في الذهن لابد من التطرق الى شروطه وانواعه وهو ما سيكون صلب المبحث الموالي.
---------------------------------
13- عبد الحميد الشوارجي الاثبات الجنائي على ضوء الفقه والقضاء الطبعة الاولى. ص 223.
14- عبد الحميد الشوارجي. مرجع سابق ص 223
15- عبد الحميد الشوارجي. مرجع سابق ص 223 
--------------------------------

المبحث الثاني : شروط الاعتراف وانواعه :
ولتناول هذين المحورين نرى من الافضل تقسيم هذا المبحث الى فقرتين نخصص الاولى لدراسة شروط الاعتراف والثانية نفردها لانواعه .

الفقرة الاولى : شروط الاعتراف :
لكي يعتد بالاعتراف كدليل من بين ادلة الاثبات الجنائي لابد وان تتوافر فيه شروط صحة تجعل الاعتراف يسمو ليكون الدليل القوي والمتساند مع الادلة الاخرى ان كانت، وهكذا فقد تناول الفقهاء بالدرس والتحليل الشروط الواجب توافرها في الاعتراف ونجدهم في الغالب الاعم متفقين على معظم هذه الشروط، وان اختلفوا في ادراج بعضها كصدوره امام المجلس القضاء، او نتيجة اجراءات صحيحة ومشروعة، …. وسنحاول توضيح هذه الشروط كالاتي :
1) يجب ان يصدر الاعتراف عن المتهم نفسه، وهذا شرط بديهي لانه لا يمكن تصور اعتراف دون صدوره من صاحبه، لان اعتراف الغير يؤخذ على انه شهادة، لا يدخل ضمن الاعتراف، وهذا الشرط لم يختلف حوله احد من الفقهاء، وقد عبر عنه الاستاذ محمد عياط بانه " ينبغي ان يكون الاعتراف صادرا من المتهم على نفسه، اما اذا كان الذي ينسب الجريمة الى المتهم شخص اخر غيره بفاننا نكون امام شهادة لا اعترف" (16). وان كان هناك من يعتبر ان الاعتراف الصادر من المتهم على متهم اخر لا يسموا الى الشهادة على اعتبار انه لا يؤدي اليمين التي تكون لازمة في اداء الشهادة، وعلى اعتبار ان المدلي بها مشكوك في امره بحيث " ان هذا التصريح لا يرقى الى درجة الشهادة لان الشاهد يجب ان يؤدي اليمين القانونية، وان تتاكد المحكمة من سلوكه وعدم سوابقه وعداوته للمتهم ولكن ليس هناك ما يمنع المحكمة من تكوين قناعتها من هذه الشهادة، وهذا التصريح ما دامت هناك قرائن اخرى تعضد هذه الشهادة" (17). ومن هنا نفهم لماذا اعتبرها الاستاذ مصطفى مجدي هرجة "مجرد استدلال لا تزيد قيمته عن قيمة اي استدلال اخر في الدعوى. ولا يصح بالتالي ان يكون سببا في عدم سماع الشهود" (18). واعتبرها ذ/ ابو المعاطي ابو الفتوح مجرد اقوال لا ترقى الى مرتبة الاعتراف" (19) .
-------------------------------
16- محمد عياط. مرجع سابق ص 247 .
17- عبد العزيز توفيق، مجلة المحاكم المغربية، مرجع سابق عدد 11 ص 13 
18- مصطفى مجدي هرجة مرجع سابق ص 220 .
19- ابو المعاطي ابو الفتوح شرح ق م ج الطبعة الاولى 1982 ص 291 .
-------------------------------
2) ان يكون الاعتراف صادرا عن طواعية واختيار، وهذا الشرط لم يكن كذلك مثار خلاف فالكل يتفق على ان الاعتراف الذي يعتد به كدليل يجب ان يكون صادرا عن ارادة حرة واعية، غير مكرهة اي اكراه ماديا كان او معنويا بحيث " ينبغي ان يصدر الاعتراف عن المتهم طوعا بمحض ارادته …. ولا يجوز الحصول عليه عن طريق تحايل لا اخلاقي"(20)، ذلك ان الحرية والاختيار شرط لازم في المقر كما راينا سابقا وقد ذهب الى التركيز على هذا الشرط ذ/ محمد الحبيب التجكاني حيث قرر ان " اقرار المكره غير ملزم واورد قولا لعمر ابن الخطاب (ض) " ليس الرجل بامين على نفسه اذا جوعته او ضربته او أوثقته" (21)، وعليه فالاكراه يشكل عيبا يعتري الاعتراف ويؤدي به الى البطلان والى عدم الاعتداد به او على الاقل الى التقليل من حجيته، لو كانت باقي الشروط صحيحة.

الا ان هناك من الفقه ما ياخذ بالاعتراف ولو كان نتيجة اكراه اذا كان هذا الاكراه لازما وشرعيا كما ذهب الى ذلك ابن معجوز حيث اكد اولا ان المقر يجب ان يكون طائعا وحرا " غير مكره على الاقرار فان اكره لم يعتبر اقراره الا اذا كان قد اكره اكراها شرعيا ليقر بما اقترف من الجرائم، فان الاكراه لا يؤثر حينئذ، ويكون الاقرار صحيحا عندئذ ….."(22)، او اذا لم تكن هناك علاقة بين الاكراه والاعتراف، كما ذهب الى ذلك ذ/ مصطفى مجدي هرجة، الذي اكد انه لا قيمة للاعتراف الذي ياتي نتيجة اكراه، ويجب ان تكون هناك علاقة بين الاكراه والاعتراف لان المتهم غالبا عند وجود الاكراه يسعى لتحقيق نفع ودرء ضرر، واذا انتفت هذه العلاقة يمكن للقاضي الاعتماد على الاعتراف ولو كان ناتجا عن اكراه او اغراء (23). وبطبيعة الحال على القاضي ان يعلل وجود الرابطة من عدمها في حالة الاخذ بالاعتراف او عدم الاخذ به، ونحن نميل للاخذ بهذا الراي على اعتبار ان الاكراه اذا كان شرعيا ولازما لا ضرر منه على الحقيقة مع مراعاة حق المجتمع في العقاب بالنظر الى شخصية المجرم. واذا كان الاعتراف لا علاقة للاكراه به يكون صحيحا ومقبولا خاصة اذا علمنا انه من النادر حاليا ان يعترف المرء بالجريمة التي اقترفها عن طواعية فان على المحكمة ان تحتاط في هذه الاعترافات. "وللقاضي ان يستعمل كل الطرق التي تؤدي الى اقرار المرء وان يحتال الى ذلك بكل الوسائل التي توصله الى اعتراف من يظن انه ارتكب جريمة او ان عليه حقا …. ولا يقف حق القاضي في استعمال الحيل ….. بل يجوز له ان يضرب المتهم المشتبه في سيرته ويستعمل معه بعض انواع العنف ليجعله يقر بما ….. اقترفه من جرائم" (24) .
-----------------------
20- محمد عياط مرجع سابق ص 248 .
21- محمد الحبيب التجكاني، مرجع سابق ص 210 .
22- ابن معجوز محمد. مرجع سابق ص 27 .
23- مصطفى مجدي هرجة مرجع سابق ص 221 . 
24- ابن معجوز مرجع سابق ص 42.
---------------------
ويستوي الاكراه المادي بالاكراه المعنوي في الاثر بحيث كيفما كان هذا الاكراه وكيفما كانت وسيلته فان الاعتراف الصادر بموجبه يكون باطلا وغير صحيح اذ لا حد على مكره، وقد درجت معظم الدول في تشريعاتها ودساتيرها على حظر تعذيب المتهمين لحملهم على الاعتراف بل جعلت منه جريمة معاقبة.

3) ان يكون الاعتراف صريحا واضح الدلالة، وهذا شرط منهم وضروري للاخذ بالاعتراف كدليل اثبات ذلك ان الاعتراف المشوب بعيب الابهام والغموض، لا يصح التعويل عليه في اصدار الحكم، لانه يحتمل اكثر من تاويل، بالاضافة الى انه يجعل الشك يحوم حوله، مما يفقد القاضي شرط الاطمئنان ويهز قناعته، مما يفسح المجال لتبرئة المتهم طبقا لقاعدة الشك، يفسر لصالح المتهم، وهكذا " ينبغي ان يكون الاعتراف واضحا غير مبهم، كما يحبذ ان يكون مفصلا بقدر الامكان" (25). وعليه لا ينبغي ان يستنتج الاعتراف من تصرفات المتهم وسلوكه، بل يجب ان يصدر منه صراحة، اذ لا يكفي الاعتراف على واقعة غامضة او لا تمت بصلة الى الواقعة، وان كان يمكن اتخاذها كقرينة تستنبط منها الحقيقة.
الا انه يلزم ان يصدر الاعتراف بالفاظ معينة في صيغة اعتراف بل يكفي ان ياتي في شكل لا يحتمل اكثر من تاويل كما يعتد بالاشارة في الاخذ بالاعتراف شريطة ان تكون كافية للدلالة عليه بوضوح.

4) ان يكون الاعتراف معبرا عن الحقيقة. وهذا شرط اساسي كذلك اذ لا فائدة من الاعتراف اذا كان يتضمن امرا زائفا ومخالفا للحقيقة بحيث ان الاعتراف لا يكفي ان تتوافر فيه الشروط السابقة بل يجب ان يكون مطابقا لحقيقة الواقع بشكل يجعل المحكمة تقتنع بصدقه وتطمئن اليه، اذ انه كما يمكن ان يقتنع الانسان بان الشخص لا يتهم باقراره على نفسه الا ان هذا الاقرار  - خاصة اذا كان يعرضه للعقاب - يدعو الى التشكك في صحة هذا الاقرار والدوافع التي حدت بالمتهم للاقدام عليه، اذ كثيرا ما يقر اشخاص على انفسهم بارتكاب جريمة رغبة في تخليص المجرم الحقيقي من العقاب او رغبة في تجنب الاتهام في جريمة اشد خطورة (26)، وعليه فعلى القاضي ان لا يعتد بالاعتراف دون تمحيص 
---------------------
25- محمد غياط. مرجع سابق ص 248 .
26- ابو المعاطي ابو الفتوح. مرجع سابق ص 292 .
--------------------
وتحقيق فيه بل لابد من البحث عن الدافع الذي الجا المتهم الى الاقرار وعن مدى مشروعية هذا الدافع ثم يراعي الانسجام والتوافق بين مضمون الاقرار وبين الوقائع المعرف بها (27). لذا يجب  ان يكون مطابقا للواقع ومنصبا على وقائع ليست مستحيلة" (28) .

هذه في نظرنا هي الشروط الاساسية اللازم توافرها في الاعتراف لكي يعتد به، ولم يقع فيها خلاف بين معظم الفقه وان كان من بينه من يضيف شروطا اخرى تعتبر ثانوية او مكملة، وعليه فهناك من يشترط ان يقدم الاعتراف امام هيئة المحكمة او مجلس القضاء معتبرا ان الاعتراف الصادر امام هيئة غير مجلس القضاء لا يعتد به او لا يسموا  الى مرتبة الاعتراف الصادر امام هيئة الحكم الا اننا نرى ان هذا الشرط لا يمت بصلة الى صحة الاعتراف، وذلك من عدة اوجه، فالاعتراف سواء صدر امام هيئة الحكم وهيئة قضائية اخرى او امام هيئة غير قضائية يشكل دائما اعترافا يجب ان تاخذه المحكمة بعين الجد وان تناقشه لترى مدى صحته والظروف والملابسات التي صدر فيها، كيفما كان مصدره، علاوة على ان للقاضي كمبدا حرية الاقتناع، حيث انه حر في تكوين عقيدته بالاستناد الى اي دليل يراه صالحا لذلك، وعليه فمتى الاعتراف الصادر امام المحكمة، لا يلزم القاضي بل يخضع لسلطته التقديرية كذلك، ويشاطرنا الراي ذ/ احمد الخمليشي الذي لما تحدث عن شروط الاعتراف لم يذكر من بينها صدوره امام هيئة الحكم وان كان قد ميز بين الاعتراف القضائي والاعتراف غير  القضائي اللذين وان كانا يختلفان من حيث اطمئنان القاضي اليهما، لكنهما يخضعان لسلطته التقديرية معا (29) .

كما نجد ان الكثير من الفقهاء (30) يضيف شرط صدور الاعتراف وفق اجراءات صحيحة ومشروعة، وهذا مجرد شرط تاكيدي ذلك ان الاصل في الاعتداد باي اجراء من الاجراءات كيفما كانت يجب ان تتم في اطار من المشروعية حيث ان هذا الشرط يفترض بداهة كما ان الاعتراف الذي استجمع اركانه وصدر عن المتهم من طواعية واختياره مطابقا للحقيقة وصريحا واضح الدلالة الا يعد اعترافا صحيحا وصادرا في اطار من المشروعية ووفق اجراءات صحيحة مادام انه خال من اي شيء يؤثر على ارادة المتهم ؟
--------------------------------
27- محمود محمود مصطفى شرح الاجراءات الجنائية، ص 431 و432 .
28- عبد العزيز توفيق، مجلة المحاكم المغربية، مرجع سابق ص 13 .
29- احمد الخمليشي مرجع سابق، ص 150 و155 وما بعدها .
30- مصطفى مجدي هرجة سابق ص 222، وابو المعاطي ابو الفتوح مرجع سابق ص 292 .
------------------------------
بالاضافة الى اننا نجد كثيرا من الفقهاء كذلك وخاصة منهم فقهاء الشريعة الاسلامية (31) يضيفون شرط تمتع المتهم المعترف بقواه العقلية، وكونه مميزا لما يقوله ويفعله، ولكن في الحقيقة هذا الشرط يدخل ضمن الشروط اللازم توافرها في اركان الاعتراف لا في شروط صحته وهو ما فطن له ابن معجوز حيث انه لما تكلم عن اركان الاقرار اشترط في المقر ان يكون رشيدا وذا اهلية (32) .
وهكذا فالشروط اللازم توافرها لصحة الاعتراف بعد توافر اركانه هي التي سبق ذكرها اعلاه، وبتوافرها يمكن الحديث عن انواع الاعتراف التي ستكون محل دراسة في الفقرة التالية.

الفقرة الثانية : انواع الاعتراف :
ان الاعتراف اذا استجمع اركانه وتوافرت شروطه، يشكل وحدة اثباتية متكاملة تخضع لتقدير القاضي، الا اننا نجد الكثير من الفقهاء من درج على  تقسيمه من حيث الجهة التي صدر فيها الى قضائي وغير قضائي فقط، وادرجوا تحت هذا التقسيم تقسيمات فرعية، ككونه جزئيا او كاملا، وبسيطا او مركبا، ونحن سوف نتحدث عن هذه التقسيمات كل على حدة، فيكون  الاعتراف قضائيا او غير قضائي من حيث الجهة التي صدر فيها ويكون جزئيا او كليا من حيث انصرافه الى كافة وقائع التهمة المنسوبة الى الحكم او الى بعض منها، ويكون بسيطا او مركبا / موصوفا من حيث الوقائع والظروف المصاحبة للتهمة، علما ان هذه التقسيمات قد تتداخل فيما بينها فقد يكون الاعتراف مثلا قضائيا وجزئيا او كليا وبسيطا او مركبا في ان واحد .

1- الاعتراف القضائي والاعتراف غير القضائي، ويؤسس هذا التقسيم على الجهة التي تلقت الاعتراف، فيكون قضائيا اذا كانت الجهة قضائية، ويكون غير قضائي اذا لم تكن الجهة كذلك، الا ان المشكل الذي يطرح هو متى نقول بان الاعتراف صادر عن جهة قضائية ؟ بحيث نجد الفقهاء مختلفين حول تحديد هذه الجهة فمنهم من يحصرها  في قاعة الحكم فقط. ومنهم من يجعلها تشمل قاضي التحقيق والنيابة العامة والشرطة القضائية ومنهم من يجعلها في قاعة الحكم وقاضي التحقيق فقط دون النيابة العامة وغيرها.
وهكذا نجد ذ/ احمد الخمليشي يعتبر ان الاعتراف الصادر في جلسة الحكم قضائيا والاعتراف الصادر خارج جلسة الحكم غير قضائي حيث قال : " واخيرا فان الاعتراف قد يصدر من المتهم امام القاضي اثناء المحاكمة
------------------------
31- محمد الحبيب التجكاني مرجع سابق ص 210، ومحمد عياط مرجع سابق ص 248 .
32- محمد ابن معجوز مرجع سابق ص 27.
----------------------
وهو الاعتراف القضائي وقد يصدر عنه في غير جلسة المحاكمة اما اثناء اجراءات المتابعة ذاتها كالاعترافات المدلى بها امام ضابط الشرطة القضائية او عضو النيابة العامة او قاضي التحقيق، واما خارج اجراءات المتابعة كالادلاء بها امام موظف عمومي اثناء ادائه لوظيفته او امام شهود عاديين او في محرر مكتوب، ويسمى في هذه الحالة "بالاعتراف غير القضائي"(33) بل انه جعل الاعتراف الصادر امام قاضي البحث التكميلي ليس باعتراف قضائي " فالاعتراف الصادر امام القاضي القائم بالبحث التكميلي فهو ان كان يتم في مرحلة التحقيق النهائي الا انه لا يصدر في جلسة قضائية بالمعنى الدقيق للمصطلح وانما يصدر في جلسة بحث خاضعة للمسطرة السرية وهي "الصفة المميزة عن الجلسة القضائية" (34) وقد سار في نفس الاتجاه كل من ذ/ ابو الفتوح وذ/ مصطفى مجدي هرجة (35).

في حين نجد ان ذ/ عبد العزيز توفيق يقول بان الاعتراف يكون قضائيا متى صدر في قاعة القضاء ولو امام قاض غير مختص وجعل الاعتراف الصادر امام قاضي التحقيق قضائيا ولو خارج قبة القضاء في حين جعل الاعتراف الصادر امام غير هذه الجهات غير قضائي، فالاعتراف القضائي هو الذي يصدر عن المتهم في مجلس القضاء حتى ولو كان امام قاض غير مختص بالنظر في القضية ( الفصل 405 ق ل ع) والاعتراف غير القضائي هو الذي يصدر من المتهم خارج ساحة القضاء كامام الشهود او امام الشرطة. ولكن ما هي قيمة الاعتراف الصادر امام ممثل النيابة العامة ؟ هل يعد اعترافا قضائيا ام غير قضائي ؟ الواقع ان النيابة العامة هي المقيمة للدعوى العمومية وبالتالي فانها تعد طرفا في النزاع بالاضالة الى ان ممثل النيابة العامة عند استنطاقه للمتهم يتسم بصفة ضابط سام للشرطة القضائية، وبذلك فان الاعتراف الصادر امامه يكون اعترافا غير قضائي. اما الاعتراف الصادر امام قاضي التحقيق فانه يعد اعترافا قضائيا سواء في الاستنطاق الابتدائي او التفصيلي" (36) .

ونحن نذهب الى ان الاعتراف يكون قضائيا كلما كان داخل قبة القضاء او المحكمة سواء صدر امام قاض الحكم او قاضي التحقيق او قاضي النيابة العامة او القاضي القائم بالبحث التكميلي على اعتبار انهم كلهم قضاة ويزاولون مهامهم داخل حرم المحكمة التي تتميز بان كل ما يجري فيها له صبغة القضاء، واما غيره الصادر امام اناس غير قضاة او خارج قبة المحكمة فانه يكون غير قضائي كما اذا صدر امام موظف عمومي او ضابط شرطة او  امام شهود.
---------------------
33- الخمليشي. مرجع سابق ص 150 ( الطبعة الثانية 1990).
34- الخمليشي. مرجع سابق هامش 36 ص 171 ( الطبعة الاولى لسنة 1980، المعارض الرباط II I).
35- ابو الفتوح ابو المعاطي مرجع سابق 292. ومصطفى مجدي هرجة مرجع سابق 222.
36- عبد العزيز توفيق - مجلة المحاكم المغربية. مرجع سابق ص 12 .
---------------------
2- الاعتراف الكلي والاعتراف الجزئي، ويقوم هذا التقسيم بناء على انصراف الاعتراف الى كافة وقائع التهمة موضوع البحث او الى جزء منها حيث يكون الاعتراف كليا اذا اعترف المتهم بالجريمة المنسوبة اليه بكافة ظروفها الواقعية ويكون جزئيا اذا اعترف المتهم ببعض اجزاء الجريمة او ببعض ظروفها مع العلم ان الاعتراف الكلي قد يكون بسيطا حيث يعترف بالتهمة بدون ابداء اي اعتراض على الوقائع او تكييف النيابة العامة، وقد يكون موصوفا حيث يضيف الى الاعتراف وصفا يؤثر على نسبة التهمة اليه، وقد يكون مركبا حيث يعترف بوقائع اخرى تؤثر في حكم الواقعة الاولى محل الاعتراف، ونفس الامر يمكن تصوره اذا كان الاعتراف جزئيا

3- الاعتراف البسيط والاعتراف الموصوف او المركب، ويقوم هذا التقسيم على نوع الوقائع المعترف بها وكذلك الظروف والملابسات التي ترافقها، فالاعتراف البسيط هو ذلك الاعتراف الذي فيه يعترف المتهم بما نسب اليه دون ابداء اي ملاحظة او اعذار وقد يكون بدوره اما كاملا كما لو اعترف المتهم بالجريمة المنسوبة اليه بكافة ظروفها كما قدمتها النيابة العامة، وهذا هو النوع نادر الوقوع في الحياة العملية، وقد يكون جزئيا يعترف فيه المتهم بالفعل المنسوب اليه ولكنه ينكر بعض العناصر او الظروف المرافقة له، وهنا يجب على النيابة اثبات ما انكره، وطبعا للمحكمة كامل سلطتها في البحث والتمحيص (37).

اما الاعتراف المركب " فهو الاقرار بواقعتين، الواقعة المتابع من اجلها بواقعة اخرى يترتب على ثبوتها نتائج تؤثر في الواقعة الاولى"(38) حيث يمكن ان تعفيه من العقاب او تجرده منه، انطلاقا من سرده للواقعة الاخرى التي اتاها المتهم " فاعتراف المتهم هنا ينصب على واقعتين متميزتين من شان ثبوت الواقعة الثانية تجريد الواقعة الاولى من الصفة الاجرامية والتخفيض من عقوبتها على الاقل كالاعتراف بتسلم شيء في جنحة خيانة الامانة وادعاء سرقة الشيء المتسلم" (39)
--------------------
37- المعطي القدوري. تجزئة الاعتراف في  المادة الجنائية مادة مجلة الملحق القضائي عدد 15 ص 55 .
38- المعطي القدوري. مجلة الملحق القضائي مرجع سابق ص 55 .
39- المعطي القدوري. مجلة الملحق القضائي مرجع سابق ص 55 .
-------------------
واما الاعتراف الموصوف فهو ذلك الذي يقر فيه المتهم بالواقعة المنسوبة اليه ولكنه يضيف اعذارا او ظروفا من شان ثبوتها ان تخفف العقاب او تمنع المسؤولية (40) كأن يعترف المتهم بالفعل ولكن يضيف انه كان في حالة دفاع شرعي او يدعي توافر عذر مخفض للعقوبة، علما ان هناك الكثير من الفقهاء من يدمج الاعتراف المركب بالموصوف ويجعل لهما نفس المدلول ذ/ مصطفى محمود ومحمود ذ/ المعطي القدوري .

وبهذا نكون قد ألممنا بماهية الاعتراف بشكل بسيط وشكلي، وستتضح لنا هذه الماهية بشكل اكثر عمقا انطلاقا من تناولنا لحجية الاعتراف وامكانية تجزئته وحرية المتهم في الادلاء به وهو ما يكون صلب الفصل الثاني.


- الفصل الثاني -
حجية الاعتراف
المقصود بحجية الاعتراف هي قيمته في الاثبات ووزنه في اقناع القاضي ومكانته ضمن وسائل الاثبات الاخرى، ويلاحظ غالبا على الفقهاء حيث يتناولون حجية الاعتراف انهم يقرنونه بحرية اقتناع القاضي في تقديره والاخذ به دون ان يهتموا بجانب الحرية التي للمتهم قبل النطق بالاعتراف ودون ان يراعوا حريته في اختيار الشكل الذي يريده المتهم كقالب يصوغ فيه اعترافه.

وهذا شيء طبيعي مادام ان الاثبات المعمول به في المغرب هو الاثبات الوجداني، فكما ان للقاضي حرية الاخذ بالاعتراف نجد بالموازنة حرية المتهم في الادلاء به، واختيار الشكل الذي يريده للاعتراف ومن هنا يتضح الاطار الذي سنعالج فيه هذا الفصل حيث سنقسمه الى مبحثين، ندرس في الاول حرية المتهم في الادلاء بالاعتراف، وفي الثاني حرية القاضي في الاقتناع به.

المبحث الأول : اعتراف المتهم، ومبدا حرية الاثبات :
ان مبدا حرية الاثبات من بين اهم النتائج التي تترتب على الاخذ بالاثبات الوجداني او الى حيث يجوز للاطراف اثبات ما يدعون بكامل الحرية وبكل الوسائل المتاحة التي تؤدي الى ذلك فقط ان يتم ذلك في اطار من المشروعية ووفق اجراءات صحيحة. والاعتراف كباقي الادلة الاخرى يخضع لهذا المبدا حيث ان المتهم حر في ان يدلي بالاعتراف او لا يدلي به، ولا يعتد باي اعتراف ياتي نتيجة اكراه، كما للمتهم حتى بعد ارادته  الاعتراف ان يختار الشكل الذي يريد فيه الاعتراف وسنتناول هنا المبحث في فقرتين، الاولى سنهتم فيها بحرية المتهم في الادلاء بالاعتراف والثانية سنتناول فيها حرية المتهم في اختيار الشكل الذي يتم فيه الاعتراف.
--------------
40- محمود محمود محمود مصطفى، مرجع سابق ص 433.
-------------

الفقرة الاولى : حرية المتهم في الادلاء بالاعتراف:
نص المشرع في الفصل 288 من ق م ج على ما يلي : " يمكن اثبات الجرائم باية وسيلة من وسائل الاثبات ما عدا الاحوال التي يقضي القانون فيها خلاف ذلك …." ويستفاد من هذا النص ان للاطراف كامل الحرية في اختيار وسيلة الاثبات التي تؤدي الغرض المطلوب. وعليه فالمتهم حر في الادلاء بالاعتراف، حيث لا يجوز اكراهه على البوح به، وهذا المبدأ مثلما هو صالح للمتهم،  فهو في صالح النيابة العامة كذلك الشيء التي يكون كمبدا هي المدعي العام، لانه يفتح لها المجال للاستناد الى ادلة اخرى غير الاعتراف.

فاستعمال المتهم لحق الاعتراف او عدم استعماله، هو قي حقيقة الامر استعمال لمبدا الحرية في الاثبات الذي خوله له القانون، وهنا نلاحظ دائما حرص المشرع على المحافظة على التوازن بين مصالح المتهم اي الفرد، وضمان حقوقه، وبين مصالح المجتمع وعدم تفويت الفرصة امامه لاثبات الادعاء باية طريقة كانت .

ويتصل بمبدا الحرية هذا، احترام الشروط والاركان التي يجب توافرها في الاعتراف، فلا يعتد ولا يجوز الاخذ بالاعتراف المنزوع بالقوة، او الاكراه كيفما كان، فالاصل في المتهم البراءة " كما ان من شروط الاعتراف ان يصدر من المتهم اختياريا، ويتحقق ذلك بتمتعه بالادراك والتمييز، وبان الاعتراف نتيجة اكراه مادي او معنوي او باستعمال وسائل التدليس والمغالطة لا يسمو الى الاعتراف" (41). حيث ان المعول عليه في الاعتراف هو المعترف الذي يجب ان يكون مختارا وحرا، فهو - الاعتراف - كتصرف قانوني يجب توافر عنصر الرضى فيه كما سبق قوله.

وقد كان الاعتراف في القديم ينتزع بالقوة عن طريق تعذيب المتهم بشتى وسائل التعذيب للحصول على الاعتراف بشكل سريع - وان كان حتى في الوقت الحاضر تستعمل وسائل التعذيب في سبيل ذلك - ونظرا لبشاعة هذا الاسلوب في التعامل مع المتهم، فاننا نجد الفقهاء انهالوا عليه بالنقد والتجريح، ودعوا الى الغائه وترك الحرية للمتهم في الادلاء بالاعتراف عن طواعية واختيار، وقد ساير المشرعون راي هذا الفقه بعد ان تبين لهم صدقه، وهكذا تم الاعراض عن التعذيب بشكل واضح في النصف الثاني من القرن 18. الا انه انطلاقا من هذا التاريخ تم اختراع وسائل علمية حديثة تمكن من تحصيل الاعتراف رغما عن ارادة المتهم دون تعذيبه، غير ان القاسم المشترك لهذه الوسائل هي سيطرتها على الارادة والتحكم فيها. وهنا يجب طرح موقف الفقه والقضاء من هذه الوسائل ؟ ان موقف الفقه والقضاء عموما ظل وفيا لراي الفقه الذي حرم اخذ الاعتراف بالقوة عن طريق التعذيب، حيث ادان هذه الوسائل وعبر عن لا مشروعيتها وجعل الاعتراف المتحصل بواسطتها اعترافا باطلا لا قيمة له، بل اعتبرها بمثابة اكراه مادي (42). وهكذا درج الفقه على تحريم استعمال العقاقير في انتزاع الاعتراف لانها تجرد الانسان من قدراته الذهنية (43). وتسلبه حريته كما نجد نفس الرأي حول التنويم المغناطيسي الذي يعد نوعا من التنويم لبعض ملكات العقل الظاهر بوسائل خارجية وهو اقرب الى اليقظة من النوم الطبيعي حيث يحجب الذات الشعورية للنائم فيتم استدعاء الافكار والمعلومات بطريقة تلقائية دون تحكم من صاحبها، ونفس الامر ينصرف الى جهاز كشف الكذب. بل هناك من الفقهاء من ادرج الاستجواب المطول ضمن وسائل انتزاع الاعتراف بالقوة، لانه يرهق المتهم ويفقده السيطرة على اعصابه وافكاره مما يضطره الى قول ما لا يريده .

والسؤال الذي يطرح هو هل هذه الوسائل تصبح مشروعة اذ وافق عليها المتهم ؟ الواقع ان تحريم هذه الوسائل يعتبر ضمانا لا يجوز التهاون فيه، فالمتهم حر في اصدار أقواله، لكونه لا يملك الموافقة على مصادرة حريته، واباحة الاكراه على قول الحقيقة. اذ انه من غير المتصور صدور هذه الموافقة عن ارادة حرة، لان الموافقة ترد على عمل غير مشروع ولذا فلا يعتد بها(44) .

على ان الاعتراف الصادر عن ارادة حرة او مكرهة له اتصال وثيق جدا بحجية الاعتراف وتاثيره في قناعة القاضي الذي اثناء تقديره له، ينظر الى توافر اركانه والى صحة شروطه ثم الى الظروف والوقائع المعترف بها، والجو العام الذي خرج فيه الى الوجود ليشكل حجة على المتهم، ومن هنا تتضح لنا خطورة الاعتراف كوسيلة اثبات فهو سيف ذو حدين، ويشكل وسيلة اثبات يستند اليها القاضي، كاي وسيلة اخرى تثبت على المتهم اقترافه الجرم، ويشكل وسيلة صادرة من المتهم على نفسه. فالاعتراف يصدر من المتهم وعليه واليه. 
-----------------------
41- احمد الخمليشي. مرجع سابق ص 149.
42- محمود محمود مصطفى. مرجع سابق ص 303 .
43- مصطفى مجدي هرجة، مرجع سابق ص 34 .
44- مصطفى مجدي هرجة، مرجع سابق ص 43 .
---------------------
ويتصل بمبدا حرية المتهم في الاعتراف، امكانية اضافة اية واقعة او وصف، يمكن ان ينفعه او يخفف عنه او يعفيه من العقوبة، وعليه فاعتراف المتهم يجب ان يؤخذ ككل ويكون محل دراسة من طرف المحكمة، قبل القول بتجزئته او بتبعيضه …. وهذا يؤثر في اقتناعها مما يحتم ادراجه ضمن حجية الاثبات والاخذ به في تقدير الاعتراف.

ويدخل في هذا الباب أي حرية المتهم في الادلاء بالاعتراف امكانية الرجوع في اعترافه. فللمتهم مطلق الحرية في العدول عن اعترافه، وهذا العدول يؤثر بشكل كبير في اقتناع القاضي حيث يزعزع ثقته في الاقتناع بالاعتراف الاول، مما يحتم عليه اعادة دراسته في ضوء التراجع الصادر عن المتهم، وفي كثير من  الاحيان ينجم عن التراجع وجود شك في نسبة التهمة الى المتهم مما يضطر معه القاضي الى تبرئة ساحته لفائدة الشك، وعلى كل حال فاذا كان " للمتهم كامل الحرية في التراجع عن اعترافه، فان ذلك لا يقيد المحكمة فيما لها من سلطة تقديرية بحيث تبقى هي ايضا حرة لاخذ التراجع عن الاعتراف او عدم اخذه بعين الاعتبار" (45).

ويمكن للمتهم ان يستغل اعترافه بالجرم ليقيم الدليل على وجود محرم اخر او المجرم الحقيقي، وان كان المالوف هو استغلال الاخرين الاعتراف ضد المتهم، حيث تستند اليه النيابة العامة لتقيم ادعاءها على اسس صحيحة، كما يعتمد عليه القاضي لادانة المتهم، ومن تم كان الاعتراف سيد الادلة واوضحها بحيث بمجرد صدوره في اطار صحيح الا وتضعف قوة باقي الادلة وتفقد مكانتها امامه، وان كان غالبا ما يتم الوقوف عند الاعتراف فقط دون اللجوء الى شهادة الشهود او القرائن او ادلة اخرى والتي لابد من الاهتمام بها وتدعيم وجهة نظر القاضي انطلاقا من قاعدة تساند الادلة وتدعيم بعضها بالاخر .

وهكذا فالمتهم حر في اختيار و سيلة الاثبات والاعتراف من ضمنها، وان كان فيه مجازفة بحيث قد يلجأ الى الاعتراف اذا كان متاكدا ان التهمة ستنسب اليه من طرق اخرى، فيختار الاقرار كي يتخلص من طول الاجراءات او ينال عطف المحكمة او ليعبر عن ندمه ليحظى بظروف تخفيف قضائية الى غير ذلك من الاسباب التي  تدفع الى الاقرار، وان كان الاقرار غالبا ما يخفي وراءه الكثير من الامور التي يفضل المتهم تركها بعيدا عن متناول المحكمة.

وبما ان الاثبات في التشريع المغربي هو الاثبات الوجداني، فعلى القاضي ان يقتنع في اطار من الحرية التامة، فله قبول الاعتراف كليا او جزئيا وهذا شيء منطقي مادام يوجد امام هذا المبدا،
-----------------------
45- محمد عياط. مرجع سابق ص 249.
----------------------
مبدا حرية الاثبات الذي يخول لكل من المتهم او النيابة او المطالب بالحق المدني اثبات ما يريدون بكافة الوسائل (46). واذا كان  الاصل هو حرية المتهم في الادلاء بالاعتراف فانه يقيد باتباع الاجراءات الصحيحة اللازمة للاخذ به، حيث لا يعتد مثلا بالاعتراف الكاذب او الذي يتستر به المتهم على مجرم خطير او يريد تضليل العدالة، وهذا القيد له علاقة باقتناع القاضي الذي له عند التاكد من الكذب او التضليل ان يبحث عن ادلة اخرى لادانة المتهم، والا فيحكم ببراءته.
كما يدخل افي اطار حرية المتهم في الادلاء بالاعتراف، حريته في اتخاذ الشكل الذي يراه ملائما لصب الاعتراف فيه، وهو محل الفقرة التالية : 

الفقرة الثانية : حرية المتهم في اختيار الشكل الذي يرد فيه الاعتراف :
بالاضافة الى حرية المتهم في الادلاء بالاعتراف فانه حر في اختيار الشكل الذي يرد فيه، وعليه فيمكن له ان يدلي به لاول مرة امام محكمة شفويا او يدلي به كتابة كما له ان يدلي به امام الشرطة القضائية التي تدونه في محاضر خاصة، وهنا تطرح حجية المحاضر التي تختلف بين ما اذا كانت تتعلق بجناية او جنحة او مخالفة، كما يمكن له ان يدلي به امام شهود او امام كاتب عمومي او امام اي موظف رسمي.

فمبدا حرية الاثبات وان كان يتعلق كاصل بانواع الادلة اي اختيار الدليل الذي يؤدي الى الغرض المطلوب منه فانه ينصرف كذلك الى حرية اختيار الشكل الذي يرد فيه، وان كانت هناك عدة قيود ترد على كل دليل على حدة. وهذه المسالة - شكل الاعتراف - تثير الكثير من المشاكل خاصة فيما يتعلق بصحة الاعتراف وقيمته الاثباتية، فاذا كان الاعتراف يبقى اعترافا كيفما كان مصدره وشكله، فانه تطرح امامنا مسالة حجية كل شكل من هذه الاشكال بالمقارنة مع باقي الاشكال الاخرى، حيث نطرح السؤال حول اي اشكال الاعتراف اقوى حجية، اذاك الذي يقال شفويا امام المحكمة ان ذاك الذي يدلي به الشهود ام ذاك الذي يدون في محرر كتابي ام ماذا ؟ ….

ان هذا الامر يتعلق بحرية اقتناع القاضي الذي يبقى هو الضابط الاخير في تقدير حجية أي اعتراف حسب القضية التي تعرض امامه، فقد ياخذ باعتراف متهم مدون في محرر ويطرح اعتراف متهم اخر قاله امام المحكمة، وقد ياخذ بالعكس في قضية اخرى، فيتساوى بذلك الاعتراف عند القاضي وياخذ بالذي رجحته سلطته التقديرية في هذا المجال. وتجدر الملاحظة الى ان القاضي عند مناقشة المتهم حول اعترافه فان هذه المناقشة تختلف باختلاف الشكل الذي تم فيه الاعتراف وباختلاف الوقائع التي انصب عليها، فاذا كان يمكن اثارة مناقشة حول حرية وظروف المتهم التي دفعته الى الاعتراف امام المحكمة، يمكن مناقشة صحة ما دون في محضر الشرطة القضائية اذا تضمن اعترافا، وهكذا دواليك في الاعتراف الصادر عن الشهود حيث تناقش سماعهم وكيف تم، وفي الاعتراف المدون في المحاضر هذه الاخيرة وان اضفى عليها المشرع حجية معينة فانها تناقش امام المتهم طبقا لنص المادة 289 من ق م ج كما سيتأتى لنا بيانه في المبحث الموالي .
--------------------
46- المعطي القدوري. مجلة الملحق القضائي مرجع سابق ص 57.
--------------------
ومما يمكن اضافته في هذه الفقرة هو هل صمت المتهم او سكوته يمكن ان يتخذ شكلا ينصب فيه الاعتراف ؟ وهل يمكن للقاضي ادراجه ضمن ميزان تقديره ام لا ؟ ان هذا الموضوع  وان كان يدخل في اطار حرية اقتناع القاضي فاننا نقول بان السكوت كاصل عام لا يترتب عليه اي اثر وقد حرص المشرع على تاكيد هذا، ولكن وكما ان لكل قاعدة استثناء، فان الصمت اذا كان يتم او يفصح عن شيء او حقيقة معينة دون لبس او غموض يمكن الاخذ بهذا الاثر، وهذه القاعدة ضمنها فقهاء الشريعة الاسلامية في قولهم " لا ينسب الى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة الى البيان بيان". بمعنى ان السكوت الذي يتم في موضع او في ظرف يحتاج فيه الى رد صريح يمكن ان يعد ردا حسب الاحوال اما بالايجاب او النفي … وهكذا اذا وجهنا الى متهم تهمة معينة ولم يتكلم ولم ينفها او يؤكدها يحمل سكوته على اقترافها، وتدعمه في ذلك العديد من القرائن وان كان يمكن ان يحمل على العكس من ذلك اذا كانت تعاضده قرائن او دلائل اخرى تسير في نفس الاتجاه.

اما الاعتراف بالاشارة سواء كان المتهم يستطيع الكلام او الكتابة او لا يستطيع، فاننا ناخذ به اذا كان صريحا كتحريك الراس من الاعلى الى الاسفل مع مراعاة الاركان والشروط الاخرى اللازمة للاعتراف، وبالطبع تجري احكام الاشارة التي يجوز الاخذ بها.

على ان المتهم الذي يريد ان يناقش الاعتراف المضمن سواء في المحاضر وفي محرر كتابي او في شهادة الشهود، فان مجرد الطعن في الشكل الذي انصب فيه الاعتراف تتزعزع قيمته بشكل كبير، ويؤثر ذلك في اقتناع القاضي الذي قد لا ياخذ به بعد ذلك، ولئن كان القاضي حر في تكوين اقتناعه فان ذلك يجب ان يتم في اطار من المشروعية محترما الاجراءات التي تؤدي الى  ذلك، فبمجرد ثبوت الزور مثلا في محضر للشرطة القضائية حول جنحة معينة الا وتصبح جميع المعلومات مزورة كذلك، ولا يؤخذ بها ويلزم طرحها جانبا، وكذلك الشان بالنسبة للاعتراف، ومن هنا نلاحظ اهمية التركيز على هذه النقطة ضمن هذه الفقرة وقد يقول قائل، بما ان القاضي ملزم بمناقشة اية وسيلة اثبات امام المتهم، وفي الجلسة، فان الاعتراف لا يعرف الا شكلا واحدا باعتبار انه يؤول في النهاية الى اعتراف شفوي امام المحكمة؟ قد نساير هذا الراي في حالة عدم السماح بمعارضة او بتراجع المتهم عن اقراره الذي تحمله وسيلة اخرى وتضمن فيها، ولكن لا نساير هذا الراي ما دام ان الاشكال يطرح في حالة التراجع عن الاعتراف، هل لهذا التراجع ان يمحي ويجب الاعتراف الذي صدر ؟  هل التراجع عن اعتراف قاله شهود له نفس تاثير التراجع عن اعتراف  مدون في محرر كتابي او في محضر؟ طبعا لا، والكل موكل لسلطة القاضي التقديرية خاصة اذا علمنا ان مجرد الرجوع في الاعتراف لا يكفي لمنع القاضي  من الاخذ به، وهذا ما يطرح مسالة حرية اقتناع القاضي، وكيف تتم، وهل للقاضي التصرف في اقتناعه، وهل هناك قيود يقف عندها القاضي اولا ؟ ان حل هذه الاسئلة واخرى ستكون محل المبحث الموالي.

المبحث الثاني : اعتراف المتهم ومبدا حرية اقتناع القاضي :
انطلاقا من محتوى الفصل 288 ق م ج الذي جاء فيه : " يمكن اثبات الجرائم باية وسيلة من وسائل الاثبات ماعدا الاحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك ويحكم القاضي حسب اعتقاده الصميم .
فاذا راى ان الاثبات غير قائم قرر عدم ادانة الشخص المتهم والحكم ببراءته".

يتبين ان المشرع ينص على مبدا مهم في ميدان الاثبات الجنائي يقابل مبدا حرية الاثبات، وهو مبدا حرية اقتناع القاضي الذي اعتنقته جل التشريعات الجنائية المعاصرة، وهو يخول للقاضي سلطة واسعة في تكوين عقيدته واطمئنانه انطلاقا من الادلة المعروضة عليه : " فله الحرية في تقدير جحية الاعتراف فله ان يعول على اعتراف المتهم في اية مرحلة من مراحل التحقيق متى اطمان الى انه يمثل الواقع وذلك على الرغم من جحوده امامه بجلسة المحكمة" (47) .

ورغم ان القانون المدني هو الذي نظم الاقرار فان " القاضي الجنائي يقدر وبكل حرية القيمة الاثباتية للاعتراف دون اي ارتباط بمقتضيات قانون الالتزامات والعقود" (48)، ولعل الحكمة من جعل حرية الاقتناع موكولة الى القاضي، هي تكريس الاثبات الوجداني 
-------------------
47- مصطفى مجدي هرجة مرجع سابق ص 224، وكذلك المعطي القدوري، مجلة الملحق القضائي مرجع سابق ص 54.
48- المعطي القدوري. مرجع سابق ص 54 .
------------------
دون التقيد باية وسيلة من وسائل الاثبات خاصة اذا علمنا ان معظم الجرائم تقع دون  ان يتوفر الوقت الكافي لتهييئ وسيلة من الوسائل، ذلك ان المجرم لما يقوم بجريمته لا يخلو الامر من حالتين اما ان يكون  عازما عليها ومهيئا لها حيث يرتكبها في ظرف لا تتوجه اليه الانظار مما تنعدم معه أية حجة مباشرة من شانها التدليل عليه، واما ان يتم ذلك على حين غرة قد لا يتسر فيها ضبط المجرم في تلك اللحظة، وعليه فاذا قيدنا القاضي بعدد من الادلة التي يجب ان يحرص على اتباعها فان العديد من المجرمين سيفلتون من العقاب، وبالتالي لا يستطيع المجتمع ممارسة حقه العام في العقاب .

ومن هذه الزاوية تظهر لنا اهمية التنصيص على مثل هذا المبدا، وبالتالي تظهر اهمية وسائل الاستدلال التي عددها المشرع كالتفتيش والمعاينة مثلا …. على ان حرية اقتناع القاضي لا تنصرف فقط الى تكوين عقدته بناء على دليل واحد، بل تنصرف الى امكانية تكوينها، بناء على عدد من الادلة، وان اختلفت في طبيعتها، شريطة ان تكون متساندة، ويعضض بعضها البعض الاخر، كما تنصرف هذه الحرية الى امكانية تجزئة الدليل الواحد، واذا كانت حرية الاقتناع هي الاصل، فانه يرد عليها استثناء، يتجلى في العديد من القيود التي تفرض على القاضي اتباعها، وانطلاقا من هذا الطرح سنقسم هذا المبحث الى فقرتين، نخصص الاولى لامكانية تجزئة الاعتراف والثانية للقيود الواردة علي حرية اقتناع القاضي .

الفقرة الاولى : امكانية تجزئة الاعتراف :
تدخل امكانية تجزئة الاعتراف ضمن مبدا حرية الاقتناع التي اتى بها المشرع المغربي واثر من اثاره، بل هي اهم وجوه مبدا حرية الاقتناع واقوى تطبيق عملي لها ويترتب على القول بالتجزئة انه ليس للاعتراف حجة مطلقة، فالقاضي غير ملزم بالاخذ به على اطلاقه بل عليه ان يبحث في هذا الاقرار ودوافعه والظروف التي تم فيها " فاذا كان الاقرار يلزم المقر ويكون حجة عليه فيما اذا توفرت فيه شروطه ويعتبر دليلا على الحق الذي اقر به المعترف لان الانسان لا ينسب الى نفسه ما لا يفعله ولا يلزمها ما لا يلزمها الا ان الانسان قد يكون مدفوعا في بعض الاحيان ان يعترف بما لم يقترفه وقد يتناول عن حقوقه بدوافع شتى كما انه قد تكون هناك ظروف تحمل الشخص على ان يقر بما لا يمت الى الحقيقة بصلة نظرا للظروف المحيطة به ولذلك يتعين على القاضي الا ينظر الى الاعتراف على انه حجة مطلقة وبينة قاطعة، وانما يجب عليه ان يتقصى الظروف والملابسات التي صاحبت الاعتراف"(49). " فما دامت القيمة الاثباتية للاعتراف مرتبطة بمدى اطمئنان المحكمة الى صدقه فان هذا الاطمئنان قد يتحقق بالنسبة بكل ما جاء في اعتراف المتهم وقد يتحقق بالنسبة لبعض الوقائع التي تناولها الاعتراف دون البعض الاخر ….. امام هذه المرونة التي يتسم بها الاثبات في الميدان الجنائي فانه من الطبيعي جدا ان يطمئن القاضي الى بعض اقوال المتهم دون بعهضا الاخر، وبعبارة اخرى القول بمبدا الاثبات الوجداني امام القضاء الجنائي يستلزم بالضرورة الاخذ بمبدا امكانية تجزئة الاعتراف امام هذا القضاء" (50). وقبل التطرق الى اهمية تجزئة الاعتراف كوسيلة من وسائل الاثبات تجدر الاشارة الى القول بان هذه التجزئة تطال بالخصوص الاعتراف المركب والاعتراف الموصوف، لان الاعتراف البسيط غالبا ما ينصب على مجموع الوقائع التي نسبت للمتهم الذي له ان يقر بها كلها اولا، وان كان من حق القاضي تجزئة اعترافه هذا اذا تبين له صدق المتهم في بعض ما نسب اليه دون الاخر، وهكذا يجب التفرقة في هذا الباب بين الاعتراف البسيط الكلي والاعتراف البسيط الجزئي .

اما في الاعتراف المركب فان المتهم يعترف بالواقعة المنسوبة اليه الا انه يقرنها بواقعة اخرى مادية او قانونية من شانها التاثير على الواقعة الاولى في حالة صحتها. وهنا قد ياخذ القاضي باعتراف المتهم بالواقعة الاولى ويطرح اعترافه بالواقعة الثانية الى ارضية البحث والتمحيص والنقاش، وبناء على النتيجة التي يصل اليها بخصوص الواقعة المضافة يمكن للقاضي ان يضعها في ميزان تقديره اذا كانت صحيحة او يتركها جانبا اذا ثبت كذبه فيها، حيث في هذه الحالة يتجلى لنا تدخل القاضي في تجزئة اعتراف المتهم، فيبني ادانته للمتهم على الواقعة الاولى، دون الواقعة الثانية، التي صار بموجبها الاعتراف مركبا، ونفس الامر يقال فيما يتعلق بالاعتراف الموصوف، حيث يضيف المتهم الى اعترافه بالواقعة المنسوبة اليه، ادعاءه بوجود وصف يرد عليها، فيجعلها مباحة، او يجعل العقاب مخففا، اذا كان من اعذار التخفيف مثلا، ويجب على القاضي ان يبحث في الوصف ويتحرى الدقة في صحة وجوده او عدمه.

كما ان الفقه يساير هذا المبدا ويؤكد على اهميته، نظرا لما له من فوائد في ادانة المتهم، عن حق وصواب، بناء على صميم اعتقاد القاضي الذي يعد مكلفا باقرار العدل، ويكاد ان يحصل اجماع الفقهاء حول القول بتجزئة الاعتراف في الميدان الجنائي كالاستاذ الخمليشي وابو الفتوح ومحمد عياط، وان كان النزر القليل منهم يقول بعدم تجزئته، وخاصة من الفقهاء المسلمين، الا اننا نرى ان هذا الاختلاف نابع من اختلاف انظمة الاثبات، بين نظام الاثبات القانوني ونظام الاثبات الوجداني .
--------------------
49- ابن معجوز. مرجع سابق ص 45 .
50- الخمليشي. مرجع سابق ص 160 و161 .
-------------------
قد سار القضاء في نفس هذا الاتجاه، حيث اكد امكانية تجزئة الاعتراف، بان جعل لقضاء الموضوع كامل الحرية في تقدير قيمة الاعتراف الصادر عن المتهم، ولهم الاخذ به كله، او في جزئه، بناء على الاخذ القضاء بمبدا حرية القاضي في الاقتناع، لان الاصل في الاثبات المغربي هو الاثبات الوجداني، وهكذا فقد جاء في قرار للمجلس الاعلى ما مضمونه " لقضاة الموضوع كامل السلطة في تقدير قيمة الاعتراف الصادر عن المتهم، ومن حقهم ان ياخذوا بجميع ما ورد فيه، او ببعضه، في حدود ما يطمئون الى صدقه، ولا ترد عليهم قاعدة عدم تجزئة الاعتراف ….

" وحيث انه كان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير قيمة الاعتراف الصادر عن المتهم، ومن حقها ان تاخذ ما ورد فيه، او تجزئته، وتاخذ بما تطمئن الى صدقه، وهي غير ملزمة بتجزئته او بالاخذ به ككل، فانه ما دامت المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه لم تجزئ الاعتراف الصادر عن المتهم وصرحت بان عناصر جريمة خيانة الامانة المنصوص عليها في الفصل 547 من مجموعة القانون الجنائي غير متوفرة في النازلة، تكون قد بررت ما قضت به على كل حال …." (51) .

يتضح من خلال طرح تجزئة الاعتراف وراي الفقه والقضاء فيها، بصفة عامة، انها تدخل في عموم صلاحيات القاضي الجنائي، بل من الواجبات التي يجب التقيد بها، ذلك انه اذا مال القاضي الى الاخذ بفحوى الاعتراف، فان له ان يقبل محتواه، كلا او جزءا، ومعنى ذلك، ان له الحق في تجزئة اعتراف المتهم، وهذا مخالف للقاعدة التي تمنع القاضي من ان يجزئ الاعتراف في الميدان المدني (52) .

---------------------------
51- قرار رقم 313 س 22 بتاريخ 22/2/79، ملف جنائي عدد 61792، مجموعة قرارات المجلس الاعلى ص 168.
52- محمد عياط. مرجع سابق ص 249 .
---------------------------
فالقاضي في الميدان الجنائي هو المحك الاخير والرئيسي في تقدير الاعتراف وفي الاخذ بتجزئته من عدمها بحيث ان القيمة الاثباتية للاعتراف موكولة لحكمة القاضي وحريته، وقد جاء في قرار للمجلس الاعلى بهذا الخصوص ما يلي : " لكن حيث ان الفصل 288 من ق م ج المستدل به في الوسيلة اعطى  لمحكمة الموضوع الصلاحية لتكوين قناعتها منن جميع وسائل الاثبات ولم يقيدها بوسيلة اثبات معينة الا في حالات استثنائية منصوص عليها في القانون على سبيل الحصر، والمحكمة عندما استخلصت من الوقائع المعروضة عليها بما في ذلك اعتراف المتهمين المحكوم عليهم في نفس القضية كون الطاعنة ومن معها قاما ببيع الخمر للمسلمين دون رخصة، استعملت سلطتها التقديرية التي لا تخضع لرقابة المجلس الاعلى عملا بالفقرة الثانية من الفصل 568 من ق م ج " (53) .

واذا كان القاضي حرا في استعمال سلطته التقديرية كما يتضح ذلك من القرار المذكور اعلاه ولا يخضع لرقابة المجلس الاعلى، الا انه لا يستفاد من ذلك ان القاضي يفعل ما يشاء في اصدار الاحكام او في تكوين قناعته بل هناك العديد من القيود التي تفرض نفسها عليه ويفرضها القانون كذلك، وهو ما سيكون محور الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية : القيود التي ترد على حرية القاضي في الاقتناع بالاعتراف :
اذا كان القاضي الجنائي حرا في تكوين اقتناعه، فانه رغم ذلك يخضع للعديد من القيود التي فرضها عليه المشرع احترامها، وعدم تجاوزها لتشكل بذلك استثناء على هذه الحرية تحد من شساعتها، وبهذا يكون المشرع قد غل حرية القاضي وضيق منها في العديد من النواحي وسنحاول في هذه الفقرة بسط اهمها وبشكل سريع لان الغرض هو التلميح الى هذه القيود، دون الدخول في تفصيلاتها، ومن هذه القيود نجد ما ذكره المشرع في ق م ج الجنائية، ومنها ما ذكره في اماكن وقوانين اخرى كقيود عامة على جميع وسائل الاثبات والاعتراف منها. الا انه تجدر الملاحظة بداية ان هذه القيود جاءت بصفة عامة لضمان حقوق المتهم من عسف وجور القاضي في اصدار احكام اعتباطية.

وهكذا وبالرجوع الى مقتضيات الفصل 288 من ق م ج اشار الى وجود استثناء على حرية اقتناع القاضي عندما اعرب عن وجود حالات يقضي فيها القانون بخلاف قاعدة اثبات الجرائم باية وسيلة " يمكن اثبات الجرائم باية وسيلة من وسائل الاثبات ما عدا الاحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك، ويحكم القاضي حسب اعتقاده الصميم" .
---------------------
53- قرار رقم 7931 بتاريخ 5/12/1982 ملف جنائي عدد 8942 مجموعة قرارات المجلس الاعلى ص 87 .
--------------------
كما يدخل في باب القيود التي ترد على حرية اقتناع القاضي وجوب مناقشة هذه الادلة داخل المحكمة مع المتهم وبحضور الاطراف، فلا يكفي ان يقتنع بالاعتراف الموجود في محرر دون عرضه ومناقشته على المتهم وعلى الاطراف فهو ليس حر في ذلك، وهكذا فالاعتراف الذي تنبني عليه الادانة يجب ان يناقش فيه المتهم للتعرف على ظروفه وعلى الوقائع المنصبة عليه، ولمراقبة توافر شروطه واركانه فان عدم احترام القاضي لهذه المسالة يعرض حكمه للنقض وعليه فقد جاء في احد قرارات المجلس الاعلى انه بمقتضى الفصل 289 من ق م ج فان القاضي لا يمكن له ان يبني مقرره الا على حجج عرضت اثناء الاجراءات ونوقشت شفاهيا وحضوريا امامه ولهذا يتعرض للنقض المقرر الذي بني على علم رئيس الجلسة عندما قام بالتحقيق في قضية سابقة" (54) .

ويدخل ضمن هذه النقطة ان الدليل الذي يستند اليه القاضي يجب ان يكون " ضمن اوراق الدعوى تحت بصره والتي اتيح للخصوم الاطلاع عليها ومناقشتها في الجلسة سواء ناقشوها ام لم يناقشوها بالفعل والا جاء الحكم معيبا يتعين نقضه"(55)، وهذا يستلزم عدم اعتماد ادلة اتى بها من مصادر اخرى غير الحجج التي تم عرضها امامه. ويدخل في هذا النطاق عدم السماح للقاضي ببناء الادانة على معلومات حصل عليها بصفة شخصية خارج المحكمة " فالتشريع الفرنسي والأردني والليبي والمغربي لا يجيز لقاضي الموضوع ان يبني قضاءه في الدعوى على المطروحة امامه على معلوماته الشخصية التي حصل عليها خارج مجلس القضاء او على ما راه او سمعه باعتباره فردا من الافراد، والا جاء الحكم الصادر منه معيبا متعينا نقضه ولو لم يكن لهذه المعلومات صدى باهرا في اسباب الحكم الصادر منه، والمشرع قصد بها حماية الخصوم من كل تاثير على قاضي الموضوع وناتج عن معلوماته خارج الدعوى المطروحة امامه كما انه راى ان قضاء القاضي بهذه الكيفية قد يعرضه للتهمة وتدعو الى سوء الظن به والريبة هذا فضلا على ان حياء القاضي ونزاهته يوجبان عليه متى توافرت لديه معلومات شخصية في الدعوى المطروحة امامه ان يتنحى عن نظرها وان يتقدم كشاهد ..."(56).

ويدرج ايضا ضمن القيود التي نحن بصدد تعدادها اتباع القاضي الجنائي القيود الواردة في المسائل المدنية في الحالات التي يتم فيها اثبات واقعة مدنية، وهذا القيد وارد بصريح العبارة في الفصل 290 من ق م ج الذي جاء فيه. " اذا كان اثبات الجريمة متوقفا على حجة جارية عليها احكام القانون المدني فيراعي القاضي في ذلك قواعد القانون المذكور". وهنا يتقيد القاضي بوسائل الاثبات المدنية المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود  بالاساس حيث تغل حرية القاضي وتفقد في مواجهتها عكس ما كان يتمتع به في الميدان الجنائي ولو كانت المسالة عارضة او تابعة في قضية جنائية كان لا يقتنع  مثلا بوجود الدين او ثبوته اذا كان يتجاوز 250 درهما الا بالدليل الكتابي دون غيره من وسائل الاثبات كما ورد في الفصل 443 من ق ل ع، وهكذا فالاعتراف الوارد في ورقة مدنية وحررها عدلان او موثق لها حجية مطلقة ولا يجوز الحكم بما يخالفها الا بعد الطعن فيها بالزور…
----------------------
54- قرار رقم 49 ( س14) بتاريخ 19/11/1970 مجموعة قرارات المجلس الاعلى ص 46 م جنائية.
55- محمد عطية راغب، النظرية العامة للاثبات في التشريع الجنائي العربي المقارن ص 157 و158.
56- محمد عطية راغب، مرجع سابق ص 165 الى 169.
--------------------
ويضاف الى سلسلة هذه القيود ايضا تقيد القاضي بتعليل حكمه الذي يبنيه عند اخذه بدليل معين والاعتراف يدخل ضمن هذه الادلة، فعلى القاضي تبيان مختلف الاسباب التي استنتجها من الاعتراف والتي بنى عليها حكمه بالادانة او البراءة، خاصة اذا علمنا ان رقابة المجلس الاعلى في هذا الباب جد صارمة، فقد جاء في احد قراراته ما يلي : " يجب ان يكون الحكم معللا من الناحيتين الواقعية والقانونية، والا كان باطلا، وان نقصان التعليل يوازي انعدامه، وان المحكمة لما عللت قضاءها بالادانة من اجل عرقلة تنفيذ اشغال امرت بها السلطة والحاق خسائر مادية بملك الغير، بالقول بان الاظناء اعترفوا بان المتهم الطاعن هو الذي حرضهم على القيام بكسر المواد وان اشعاره ما هو الا محاولة للتملص من العقاب، من غير ان تبين العناصر الواقعية والقانونية التي اعتمدتها في الادانة، يكون قضاؤها ناقص التعليل" (57)، وجاء في قرار اخر، انه " يجب ان يكون كل حكم معللا من الناحيتين الواقعية والقانونية والا كان باطلا، وان نقصان التعليل يعادل انعدام التعليل، ولهذا يتعرض للنقض الحكم القاضي بادانة المتهم من اجل جريمة المس بالعرض بعنف، دون ان يبين الوقائع المادية المكونة لتلك الجريمة وكيفية ارتكابها، الامر الذي يحول دون تحقق المجلس الاعلى من سلامة الوصف القانوني المعطى للوقائع ومدى انطباق القانون المطبق عليها" (58) .

------------------------
57- قرار رقم 4578 بتاريخ 19/7/1983 ملف جنائي عدد 14692 مجموعة قرارات المجلس الاعلى ص 93/م ق. 
58- قرار رقم 51 ( س15) بتاريخ 28/10/1971، مجموعة قرارات المجلس الاعلى ص 151 م جنائية.
------------------------
فتعليل الاحكام القضائية كيفما كان، يعد من المسائل الجوهرية التي يجب توافرها في وثيقة الحكم وبدون تعليل، بكون مآل الحكم هو البطلان والنقض، " ان تكوين القناعة من الاعتراف او طرحه وتجزئته يجب ان يعلل تعليلا كافيا، واذا كان تكوين القناعة من المسائل الموضوعية، فان كيفية وطرق هذا التكوين، من مسائل القانون التي تخضع لرقابة المجلس الاعلى، فالفصل 347 من ق م ج ينص في فقرته السابعة على انه يجب ان يحتوي كل حكم على الاسباب الواقعية والقانونية التي ينص عليها الحكم ولو في حالة البراءة". والفصل 352 من نفس القانون ينص في فقرته الثانية على ان الاحكام او القرارات تكون باطلة " اذا لم تكن معللة باسباب، او كانت تحتوي على اسباب متناقضة"، وذلك ليتمكن المجلس الاعلى من ممارسة مراقبته على الاحكام"(59).

كما يضاف الى هذه القيود، التزام القاضي بما ورد في بعض المحاضر، خاصة تلك التي حررت بشان جنحة او مخالفة وتمت وفق اجراءات صحيحة، من طرف ضباط الشرطة القضائية، او الدرك. وهذا ما نص عليه الفصل 291 ق م ج الذي كان فيه : " ان المحاضر والتقارير التي يحررها، في شان التثبيت من الجنح والمخالفات، ضباط الشرطة القضائية وجنود الدرك، يوثق بمضمنها ما لم يثبت ما يخالف ذلك". على ان المحاضر التي تتعلق بالجنايات وغيرها، لا تكون سوى بيانات لقضاة الموضوع ان يعتمدوها او يبعودها، حسب اقتناعهم، وهو ما جاء في الفصل 293 من ق م ج على ان حجية تلك المحاضر السالفة ليست ملزمة للقضاة الا في خصوص صدورها من اصحابها، اما ما يتعلق بمضمونها او فحواها، فان القاضي تبقى له الحرية في ذلك حسب سلطته التقديرية. وقد جاء في قرار للمجلس الاعلى ما يلي : " انه بالنسبة للتنصيصات الواردة في كل محضر يحرره رجال الدرك والذي يتضمن تصريحات ما. فانه يوثق بحقيقة صدور تلك التصريحات من اصحابها، لا بفحوى تلك التصريحات، وعليه فان قضاة الزجر لما تطرق اليهم الشك في صحة فحوى التصريحات التي افضت بها الضحية وتلقاها منها المحققون من رجال الدرك واثروا عليها الانكار الصريح الذي تمسك به الظنين، يكونون قد استعملوا - في مادة لا تقيد فيها الحجة بقيد- سلطتهم التقديرية، واضاف ان التصريحات التي افضت بها الضحية وتلقاها منها رجال الدرك، اثر وقوع الحادثة بقليل، لا يمكن ان تعتبر كاقرار من طرفها، اذ في الوقت الذي افضت فيه بتلك التصريحات، فانها لم تكن تنصبت بعد في الحقوق المدنية ولم يكن ليخطر ببالها، ولو على وجه الافتراض، ان اقوالها ستكون من شانها ان تضر بمصالحها في نزاع لا يقوم مباشرة بينها وبين الشركة المؤمنة للظنين، ومن هنا فان قضاة الاستئناف لما اقتصروا على الاشارة الى الصفة التي حصلت عليها الضحية، كمطالبة بالحق المدني، امكنهم اعتبار تصريحاتها مجرد اقوال، يسوغ لهم معها تقدير قيمتها بكل حرية، وبما ان النزاع الذي كان معروضا على قضاة الموضوع تناول وجود واقع قانوني، كان في امكانهم ان يقدروا بمطلق الحرية قيمة ومدى تصريحات الاطراف"(60)، وفي قرار جاء فيه: 
-------------------------
59- عبد العزيز توفيق، وسائل الاثبات، مجلة المحاكم المغربية عدد 11 ص 14 مرجع سابق.
60- عدد 24 ( س14) بتاريخ 12/11/1970 مجموعة قرارات المجلس الاعلى مادة جنائية ص 480.
-----------------------
" ان محاضر الضابطة القضائية التي يوثق بمضمونها ما لم يثبت ما يخالفها، هي تلك المحاضر التي يثبت فيها محرروها ما شاهدوه وعاينوه، اما المحاضر المتضمنة لاعتراف الشخص بالفساد او الخيانة الزوجية والموقع عليها من طرف صاحب هذا الاعتراف فهي، وان كانت منزلة بمنزلة الاعتراف الذي تتضمنه مكاتيب او اوراق صادرة عن المتهم، فان ذلك منوط باقتناع المحكمة بفحوى ذلك الاعتراف، فتبقى تلك المحاضر خاضعة للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع" (61).

الا  ان هذا القيد يزداد اثره في بعض الجرائم، التي الزم المشرع ثبوتها في قالب خاص، وبالتالي جعل لهذا القالب - المحاضر او المكاتب او غيرها - حجية معينة يلتزم بها القاضي، ولا يقبل غيرها وان اطمأن الى هذه الاخيرة كما جاء في جريمة الخيانة الزوجية التي اجبر فيها المشرع اتباع الطرق الواردة في الفصل 493 من القانون الجنائي الذي جاء فيه : " الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و491 من ق ج لا تثبت الا بناء على محضر رسمي، يحرره احد ضباط الشرطة القضائية، في حالة التلبس، او بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب او اوراق صادرة عن المتهم، او اعتراف قضائي". وهكذا فقد جاء في قرار المجلس الاعلى انه "بمقتضى الفصل 493 من القانون الجنائي فان الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و491 لا تثبت الا بناء على محضر يحرره احد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس او بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب او اوراق صادرة عن المتهم، او اعتراف قضائي، وان توقيع المتهم على مثل المحضر المشار اليه اعلاه، يعتبر بمثابة الاعتراف الذي تضمنته مكاتيب او اوراق صادرة عن المتهم دون اشتراط التلبس. ولهذا يتعرض للنقض الحكم الذي قضى ببراءة المتهم مما نسب اليه، من المشاركة في الخيانة الزوجية، لعلة ان اعترافه المسجل في المحضر السابق لا يعتبر حجة ضده، اذ ان الاعتراف المنصوص عليه في الفصل 493 يشترط ان يكون في حالة التلبس"(62) وفي قرار اخر يسير في نفس السياق جاء فيه : " ان المحضر الذي يعتد به لاثبات الخيانة الزوجية، هو المحضر الذي يحرره احد ضباط الشرطة القضائية، بمعاينة حالة التلبس، كما يشترط ذلك الفصل 493 من القانون الجنائي، لا المحضر المرتكز على شهادة الشهود الذين صرحوا " بان المتهمين وجدوا مختبئين في الدالية بقرب منزل والد المتهمة" (63) .
-------------------------
61- قرار رقم 1573 بتاريخ 28/12/1980 ملف جنائي عدد 53639. قرارات المجلس الاعلى مادة جنائية ص 540.
62- قرار عدد 140 ( س13) بتاريخ 4/12/1969 مجموعة قرارات المجلس الاعلى مادة جنائية ص 31.
63- قرار عدد 428 ( س13) بتاريخ 12/3/1970 مجموعة قرارات المجلس الاعلى مادة جنائية ص 31.
------------------------
ومن نافلة القول ان القضاة ملزمون بعدم تحريف الوثائق المعروضة عليهم وامامهم خصوصا التي تتضمن اعترافات للمتهم. فالقاضي اذا كان حرا في اقتناعه بالاعتراف الوارد امامه، كيفما كان الشكل الذي انصب فيه، فانه ملزم باحترام القيود التي يجب عليه احترامها، ويضاف الى انه يجب عليه ان يبني حكمه على الجزم واليقين، لا على الشك والتخمين، وما اعطاؤه الحرية في تقدير وسائل الاثبات الا ليبني احكامه على اليقين "فيجب ان يبني الاحكام على الحزم واليقين لا على الشك والتخمين، ولهذا يتعرض للنقض الحكم الصادر بالادانة، في حين ان المحكمة صرحت بانه لم يوضع بين يديها دليل مادي واضح يثبت الجريمة"(64) .

وهذه باختصار اهم القيود التي ترد على حرية القاضي في الاخذ بالاعتراف، ويلاحظ انها قيود عامة، تنصب على جميع انواع الادلة، وما الاعتراف الا واحد منها، وهنا تطرح مسؤولية القاضي الذي يوجد بين حجية الاعتراف وحرية الاقتناع، وانه بسلوك سبيل الانسان العادي والقاضي النزيه، فانه سيحصل على نتائج صحيحة ويصدر احكاما ممتازة، وهذا موضوع اخر سنتركه للمستقبل.

وبالرجوع الى ارضية الواقع، نجد العديد من القضاة ياخذون بالاعترافات الواردة في المحاضر دون تصحيحها وكانها عين الحقيقة، رغم ان الكثير منها - صدر تحت الضغط والاكراه والتعذيب، وهذا شيء غير غائب من اذهان الكثيرين فالشرطة بكافة انواعها، لا تزال تستعمل القوة في كل شيء، وهذا شيء يسيء الى حرية الافراد الذين يقاسون المر، في ظل الحراسة التنظرية التي تحاول فيها الشرطة انهاء البحث في القضية باسرع وقت، فيلجاون الى العنف لانتزاع اعتراف المتهم. كما نلاحظ العديد من قضاة يقبلون ما ياتي في المحاضر، رغم ان الكثير منها لم يستوف اجراءاته الصحيحة، ولا يناقشون المتهم في الادلة التي يبنون عليها احكامهم، كما ان المسؤولية يتحملها المحامي ايضا، الذي لا ينتبه الى مثل هذه الخروقات في الجلسات. بل نجد الكثيرين لا يعرفون كيفية سير الجلسات، فغرضهم هو القيام بمرافعتهم لانهاء الملف وحسب، فتهضم بشكل كبير حقوق المتهم في ان يحظى بحريته وكرامته ودفاع وضمانات هامة، كما تهضم حقوق المجتمع في العقاب العام، واقرار العدل والطمانينة .
                                     ذ. عباسيد عبد الرحيم 
                                                                                                                                                            تم في يوم 18/8/1994 
---------------------
64- قرار عدد 49 ( س14) بتاريخ 19/11/1970 مجموعة قرارات المجلس الاعلى مادة جنائية ص 46.
--------------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 71، ص 31 .

تعليقات