القائمة الرئيسية

الصفحات



المساكنة الحرة وثبوت الزوجية بين النص والواقع د محمد أمغار محام بهيئة الدارالبيضاء






المساكنة الحرة وثبوت الزوجية
بين النص والواقع
د محمد أمغار
محام بهيئة الدارالبيضاء



" يعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لاتتعدى خمسة عشر سنة ابتداءا من تاريخ دخول هدا القانون حيز التنفيذ 
الفقرة الأخيرة من المادة 16 من مدونة الأسرة تعديل 12يناير 2016 "
من بين الظواهر الاجتماعية التي ظهرت داخل المجتمعات التي تأثرت بمعطيات العولمة و آثارها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، نجد ظاهرة المساكنة الحرة من منظور القانوني الغربي او مايعرف بـ le concubinage او المعاشرة الغير الشرعية من منظور المقاييس الاجتماعية في البلدان الاسلامية.
ولقد ظهرت هذه الظاهرة وانتشرت الى حد ما في المجتمع المغربي نتيجة تاثير وتأثر بعض الأفراد والجماعات بالسلوك الليبرالي الغربي، كما ان الظاهرة ارتبطت من حيث المرفولوجيا الاجتماعية ببعض الاحياء داخل المدن الكبرى والتي تتميز بالتواصل الفيزيائي البشري اكثر من التواصل الاجتماعي الذي يميز البوادي والاحياء الشعبية، اي ان الظاهرة ظهرت بالأحياء التي تتوفر فيها الخصائص السوسيولوجية للحضارة الغربية،وتواجد ظاهرة المساكنة الحرة بهذه الأحياء بالذات مرتبط ببداية انتشار ظاهرة الأسرة النووية على النمط الغربي عوض الاسرة الممتدة والتي شكلت خاصية المجتمع التقليدي المغربي داخل البوادي والاحياء العتيقة بالمدن. هذا بالإضافة الى مساهمة السياسة السياحية الليبرالية في انتشار هذا النوع من السلوك الاجتماعي.غير انه ومع ذلك لا يمكن لحد الآن على الأقل الحديث عن استبطان هذه الظاهرة في المتخيل الجمعي للإنسان المغربي، وذلك لعدة أسباب من اهمها ان المعاشرة والمساكنة خارج إطار عقد الزواج الشرعي غير مباحة على المستوى القانوني.
وان كان من الصعب الحديث عن تجريم المساكنة الحرة المجردة في ظل القانون الوضعي لغياب الإطار القانوني المجرم حيث انه على المستوى الجنائي فان الفعل المجرم هو كل فعل او امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب بمقتضاه، وبالتالي لا يمكن الحديث عن التجريم الا بإثبات تواجد علاقة جنسية بين طرفي المساكنة الحرة خارج ميثاق الزواج وهو ما يعرف في القانون الجنائي المغربي بالفساد.
لذلك فخارج مجموعة القانون الجنائي فالظاهرة مرفوضة من منظور القانون الزجري بمعناه العام، حيث انه و داخل المجتمع لا تعتبر القواعد القانونية الوضعية هي وحدها التي تحكم تصرفات الإفراد وتحددها داخل المجتمع، بحيث هناك مجموعة أخرى من القواعد تشترك معها في تحديد سلوك الفرد وتقييد حريته بخصوص ظاهرة المساكنة الحرة وهذه القواعد يفترضها الدين والاخلاق وتفرضها كذلك قواعد السلوك العامة في المجتمع.


والحديث عن المساكنة الحرة كظاهرة اجتماعية مرتبط بتطوير بنية مجتمع المدينة وعلاقته بتأثيرات عولمة القيم والسلوكات والثقافات، لذلك فان تطور هذه الظاهرة وانتشارها او الحد منها مرتبط اشد الارتباط بعملية التثقيف الاجتماعي داخل المجتمع ومدى تاثره بقيم العولمة، وهذا ما يجعل اهداف الضبط الاجتماعي والتي تتمثل في المساعدة على التمثل، والتوافق مع الاوضاع والنظم القائمة في المجتمع عوض التماهي مع سلوكيات الغير، الشيء الذي يضمن استمرار قيم الجماعة والمجتمع.
واذا فقدت منظمات الضبط الاجتماعي قوتها وفعاليتها داخل المجتمع، فان هذا ادعى الى ان يكون سلوك الجماعة متقلبا وغير مستقر، ولايمكن التنبؤ باتجاهاته المختلفة وذلك على مستوى انتشار ظاهرة المساكنة الحرة والتي تعتبر ولحد الآن شيء ناشز، بحيث اذا كان المجتمع دائم التغيير فان الامر يقود الى اضطراب وقتي الى حين الانتقال من الاحكام والقواعد القديمة الى الأحكام و القواعد الجديدة واستقرارها في المجتمع.
واستقرار القواعد القانونية في ظل المساكنة الحرة يشوبه بعض الاضطراب فقط،ذلك ان هذه الظاهرة مرتبطة بالوسط الليبرالي داخل المجتمع بحيث ان الاضطراب مع المتخيل الجمعي لا يظهر إلا بعد حصول الحمل او الولادة في ظل المساكنة الحرة الشيء الذي يدفع طرفي العلاقة الى البحث عن الاطار الشرعي للعلاقة من خلال مسطرة ثبوت الزوجية الشرعية وهي مسطرة استثنائية داخل قانون الأسرة او مدونة الاسرة تمكن طرفي المعاشرة او المساكنة الحرة من إضفاء المشروعية على الظاهرة من خلال الاقرار بتواجد زواج شرعي سابق عن الحمل والولادة وعلى الرغم من التنصيص في المدونة على اجل 5 سنوات كأجل تنتهي معه إجراءات ثبوت الزوجية فان الظاهرة الاجتماعية كانت أقوى من التشريع بحيث مر على دخول المدونة 13 سنة بقيت معه مسطرة ثبوت الزوجية اصلا وليس استثناء بحيث تضفي على الظاهرة الاجتماعية المشروعية القانونية ، وفي هذا الإطار فان القضاء المغربي وفي توضيحه لحالة الاستثناء المرتبطة بثبوت الزوجية فقد عمد إلى التوسع في مفهومها بكيفية تكاد تستغرق جميع حالات عدم توثيق الزواج رسميا.
وهذا ما يؤكد انه وفي جميع الحالات فان الفرد ملزم في الأخير بالرجوع الى القيم والتراث الاجتماعي للجماعة والتي تحدد رغباتها الأساسية ودوافعها الأولية التي تقودها وتوجهها داخل الإطار الخارجي الذي يمثل نظامها الاجتماعي،بحيث وان لم يكن الفعل مجرم بالمعنى الوضعي اي بمعنى القانون الجنائي الوضعي الموضوع من طرف اجهزة الدولة وسلطاتها التشريعية، فان الجماعة التي يعيش إفرادها بعضهم مع بعض ويؤسسون فيما بينهم علاقات ذات أهداف مشتركة،تنشأ منها الضرورة الاجتماعية لضبط تصرفاتهم، ومن اجل ذلك تنشأ تلقائيا قواعد خاصة للسيطرة على الدوافع لتحقيق الرغبات الأساسية وسرعان ما تتبلور هذه القواعد وترسخ في بناء المجتمع وتكوينه وتصبح بعد ذلك عبارة عن قوانين وقواعد معيارية. وتطور المجتمع المغربي وعلاقته بالمحيط الثقافي الدولي هو الذي سوف يحدد جواب المشرع على ظاهرة المساكنة الحرة بشكل جازم.

تعليقات