القائمة الرئيسية

الصفحات



النظــام القانوني لبيــع العقـــارات في المغــرب و إشكالاته القاضي عبد الرحمان اللمثوني

النظــام القانوني لبيــع العقـــارات في المغــرب و إشكالاته القاضي عبد الرحمان اللمثوني



مقال كتب  قبل صدور مدونة الحقوق العينية، إلا أنه مهم ويتمضن معلومات قيمة.




تمـهــيـــــد :
مما لا شك فيه أن الملكية العقارية لم تعد ترتبط فقط بالوظيفتين الطبيعية و الاستثمارية، و إنما أصبحت لها وظيفة اجتماعية، فلم تعد الملكية الخاصة حق مطلق كما كانت عليه في الماضي بحيث تطغى عليها النزعة الفردية و إنما أصبحت حقا مقيدا باعتبارات العدالة الاجتماعية والصالح العام(1) .
و لعل أكبر تجسيد لهذا التحول الذي تأثرت به التشريعات الحديثة هو الربط بين ملكية العقار و بين الحاجة إلى التنمية (2)، ذلك أن النشاط الاقتصادي يقوم في مجمله على الثروة العقارية إذ أن المقاولة التي أضحت قطب الرحى في الاقتصاد الحديث لا يمكن تصورها بمعزل عن عقار يحتضن نشاطها سواء في الميدان الفلاحي أو الصناعي أو في الميدان الحرفي و المهني، دون أن نغفل دور الملكية العقارية في تحقيق الاستقرار للعنصر البشري و تحكمها في توزيع السكان عبر أرجاء البلاد بشكل متوازي مع دورها في الرفع من مستوى التمدن و ما ينجـم عن ذلك مــن بــروز الكثير من الأنشطة الاقتصادية التي تقتضيها حاجات الإنسان وحاجات المدينة (3).
و لعل هذه الأهمية الاقتصادية و الاجتماعية للملكية العقارية هي التي تفرض الاهتمام بالجوانب القانونية المرتبطة بها، لاسيما فيما يخص نقل ملكية العقار عن طريق البيع، فلا قيمة للعقار من الناحية الاقتصادية إلا بالنظر إلى قابليته للتفويت بنقل ملكيته من شخص لآخر سواء كان هذا الشخص طبيعيا أو معنويا، غير أن تعدد النظم القانونية التي تحكم نقل ملكية العقار و صعوبة التوفيق بينها كثيرا ما يشكل قطيعة بين الثروة العقارية و التنمية المنشودة، طالما أنها تحول دون استقرار المعاملات في المجال العقاري وتمنع من انتقال الملكية انتقالا هادئا، فبيع العقار في المغرب يخضع لمجموعة من النظم القانونية نذكر منها على سبيل المثـال لا الحصـر : الفـــقـه الإسلامي، ظهيـــر الالتزامات و العقــــود، ظهيــر التحفيــظ العقـــاري،


----------------------------
1)                              لحسن خضيري :" الوظيفة الاجتماعية للملكية العقارية الخاصة في التشريع المغربي " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص جامعة محمد الخامس سنة 1985 ص 1.
2)                              محمد الراجي " التسجيل و التشطيب بالرسوم العقارية بين القواعد العامة و النصوص الخاصة" عرض ألقي ضمن سلسلة ندوات محكمة الاستئناف ببني ملال.
3)                              مع ملاحظة أن هذه الفكرة و إن كانت قد تجلت بشكل واضح في العصر الحديث، فإنها مع ذلك فكرة قديمة قدم مؤسسة الملكية العقارية، أنظر في هذا المعنى مقدمة ابن خلدون، الفصل الأول من الباب الرابع من المجلد الثاني الطبعة الرابعة سنة 1426هـ/2005م ص 5.




القانون رقم 44.00المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز (4)، القانون رقم 18.00 الخاص بالملكية المشتركة للعقارات المبنية (5)، القانون المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار (6)، القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية، أحكام مدونة الأسرة و أحكام قانون المسطرة المدنية فيما يخص بيع العقارات المملوكة لأشخاص قاصرين ... الخ.
و مع ذلك فإن معظم هذه النظم القانونية و على كثرتها فإنها لا تطرح كلها مشكلة نطاق التطبيق، إما لكونها تنظم مجالا محددا أو محصورا يتم تسطيره مسبقا من طرف المشرع، و إما لكون المشرع تدخل صراحة وحدد نطاق تطبيق هذا القانون أو ذاك، ليبقى أهم إشكال يطرحه النظام القانوني لبيع العقار ما يتعلق بالازدواجية بين أحكام الفقه الإسلامي و أحكام قانون الالتزامات و العقود.
و في معرض معالجة المشاكل الناجمة عن هذه الازدواجية في التنظيم سوف لن نتعامل معها وفق التقسيم الكلاسيكي(عقار محفظ/ عقار غير محفظ)، طالما أن قانون العقد و كما سنوضح ذلك لاحقا يجب أن يطبق بغض النظر عن طبيعة العقار أكان محفظا أم غير محفظ،و إنما سنحاول بحث الازدواجية القائمة بين الفقه الإسلامي و بين ظهير الالتزامات و العقود فيما يخص بيع العقار من خلال استعراض الكيفية التي تعامل بها الفقه والقضاء مع الموضوع (أولا) كأرضية تسمح بفهم الاشكال و محاولة رسم الحدود الفاصلة بين مجال تدخل كل من الفقه الإسلامي و ظهير الالتزامات و العقود، باعتماد ما يمكن تسميته بمعيار " قانون العقد وقانون الحق" (ثانيا) و ذلك من خلال القواعد المستنتجة من الاجتهاد القضائي للمجلس الأعلى و قضاء الموضوع سواء تعلق الأمر بقضاء الدائرة الاستئنافية لبني ملال أو قضاء باقي محاكم المملكة.

أولا : ازدواجية التنظيم في مادة البيوع العقارية و الحاجة إلى التوحيد.
رغم كون الفقه الإسلامي من المصادر التاريخية لقانون الالتزامات و العقود المغربي (7) فإن ذلك لم يمنع من وجود اختلافا في الأحكام بينهما (أ) على نحو جعل مشكلة التنازع من حيث نطاق التطبيق تزداد أهمية وتتمظهر بجلاء من خلال أحكام القضاء وآراء الفقه في الموضوع (ب).


----------------------------
4)                              ظهير شريف رقم 1.02.309 بتاريخ 25 رجب 1423 (13 اكتوبر 2002) ج ر بتاريخ 23 أكتوبر 2002.
5)                              ظهير شريف رقم 1.02.298 صادر في 25 رجب 1423 (13 اكتوبر 2002) ج ر (عدد 5056 بتاريخ 07/11/02.
6)                              ظهير شريف رقم 1.03.302 صادر في 16 رمضان 1424 (11 نونبر 2003).
7)                              أحمد ادريوش " أصول قانون الالتزامات و العقود" بحث في الأصول الفقهية و التاريخية" أطروحة دكتوراه، ط 1996 ص 9 و ما بعدها.



أ- مظاهر الاختلاف بين أحكام الفقه الإسلامي و قانون الالتزامات و العقود.
يعتبر الاختلاف في بعض الأحكام المتعلقة بالبيوع العقارية بين الفقه الإسلامي و ق. ل. ع من أهم دواعي بحث الموضوع إذ لو كانت أحكام هذين الإطارين القانونيــيــن متطابقة بشكل تــام لما طرحت أصلا مشكلة التنازع بينهما.
و يأتي على رأس الاختلاف القائم بين الفقه الإسلامي و ق. ل. ع في مادة بيع العقار ما يتعلق بإثبات عقد البيع، ذلك أن البيع في الفقه الإسلامي هو عقد رضائي يكفي أن يستجمع أركانه و شروط صحته حتى يرتب كافة آثاره لقول الشيخ خليل " ينعقد البيع بالمرضاة و إن بمعاطاة" (8) كما يمكن إثباته تبعا لذلك بكافة وسائل الإثبات بما في ذلك شهادة الشهود و القرائن و الإقرار (9)، و ذلك خلافا لما هو عليه الحال في ق. ل. ع بحيث استهل المشرع الفرع المتعلق بتمام البيع بالفصل 488 من ق. ل.ع الذي يجعل الأصل في البيع أنه عقد رضائي، ثم أورد عليه استثناء من خلال الفصل 489 الذي يليه، فتطلب توفر شكلية الكتابة متى كان موضوع البيع عقارا أو حقوقا عقارية(10) أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا.
و من مظاهر الاختلاف أيضا بين أحكام الفقه الإسلامي و ق. ل. ع في مادة البيوع العقارية، أنه في ظل الفقه الإسلامي يشترط أن يكون المثمن (المبيع) معلوما، و لا يجوز بيع المجهول مطلقا، بخلاف بيع الجزاف الذي يجوز بشرطين و هما أن يكون مما يكال أو يوزن و أن يستوي البائع و المشتري في العلم بمقداره و في الجهل به (11)، و هي القاعدة التي أكدها مجلس الاستئناف الشرعي الأعلى من خلال الحكم الصادر بتاريخ 09 ربيع الثاني 1347 (12)، حيث اعتبر البيع فاسدا لكون المثمن غير معلوم. أما في ظل ق. ل. ع فلا نجد حكما من هذا القبيل بحيث سمح المشرع بموجب الفصل 61 من ق. ل. ع بأن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا أو غير محقق، كما جاء في الفصل 486 مــن نفس القانون أن البيع يمكن أن يرد على شيء غير محدد إلا بنوعه، و إن كان ذلك لا يعني أن البيع يمكن أن يتم دون محل بل يجب تعيين المبيع و تحديد مواصفاته على الأقل (13).

----------------------------
8)                              أنظر أيضا ابن جزي الغرناطي " القوانين الفقهية" ط 2003 ص 270 و ما بعدها.
9)                              مع ملاحظة أن الاقرار لا تجوز تجزئته إذا كان هو الحجة الوحيدة في ظل ق.ل.ع في حين يمكن تجزئة الإقرار في الفقه الإسلامي .
10)                          دون أن يميز المشرع بهذا الخصوص بين العقار المحفظ و العقار غير المحفظ.
11)                          ابن جزي المرجع السابق ص 271.
12)                          الحكم عدد 13 الصادر بتاريخ 09 ربيع الثاني 1347 القضية رقم 32 و رد ضمن الأحكام الصادرة عن مجلس الاستئناف الشرعي الأعلى، المجلد الثاني الأحكام ذات الأعداد الوثرية المضمنة في السجلين الثالث و الرابع (1346-1356 هـ) موافق (1928-1933 م) طبعة 1423 هـ 2002 م مع تعليق للمرحوم ذ/ محمد بوزيان ص65.
13)                          قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 03/11/1982 ملف مدني 90812 منشور ضمن قرارات المجلس الأعلى، المادة المدنية ج 2 ص 41.




كما تختلف أحكام بيع العقار بين الفقه الإسلامي و بين ق. ل. ع فيما يخص بيع ملك الغير، ذلك أن سكوت المالك مدة سنة من تاريخ العلم بالبيع يجعل البيع تاما صحيحا، و بهذا الخصوص جاء في حكم لمجلس الاستئناف الشرعي في القضية رقم 1284 الحاكم فيها قاضـي بني مــلال (آنذاك) أنه " إذا بيع ملك الغير- على فرض ثبوت الملك له – مع علمه و سكوته مدة تزيد على سنة بدون مانع، سقط حق المالك فيه ولا يكفي لنفي السكوت إعلامه المشتري بألا يشتري" (14)، في حين لا نجد شيئا من هذا القبيل في ظل ق. ل. ع بحيث اشترط المشرع بموجب الفصل 485 من القانون المذكور لتمام بيع ملك الغير إقراره من طرف المالك دون أن يعتد في ذلك بمرور أي أجل.
و فيما يخص أحكام العربون، فإن جمهور الفقهاء يذهب إلى منع التعامل بالعربون (15)، و قد أجازه بعض المالكية و الشافعية بشرط أن لا يكون الهدف من ذلك هو حبسه عند البائع من أجل تغريم المشتري على عدم إتمام البيع (16)، بينما في ظل ق. ل. ع و بموجب الفصل 290 فإن العربون هو وسيلة لإجبار الطرف الذي قدمه على تنفيذ تعهده، و إذا أخل بذلك كان للطرف الآخر أن يحتفظ بالعربون و لا يلزم برده إلا بعد أخذه التعويض الذي تمنحه له المحكمة إن اقتضى الأمر ذلك.
و عموما فإن نقط الاختلاف بين أحكام الفقه الإسلامي وبين أحكام ق. ل. ع متعددة و يمكن مصادفتها في عدة مواضع، غير أننا اقتصرنا على ذكر بعض النماذج فقط للتدليل على أن التنازع بين هذين الإطارين القانونيين هو تنازع إيجابي، بحيث أن كل واحد منهما يتدخل لتنظيم نفس الموضوع مع اختلاف في الأحكـام، الأمر الذي يجعل حسم مسألة الازدواجية في تنظيم بيع العقار مسألة ذات أهمية بالغة تفاديا لتطبيق قواعد مختلفة على نوازل متشابهة تبعا لاختلاف الرؤية و التفسير فيما يخص إعطاء الأولوية في التطبيق لهذا الإطار القانوني أو ذاك على النحو الذي سنوضحه في النقطة الموالية من خلال موقف الفقه والقضاء من المسألة.
ب- موقف الفقه و القضاء من ازدواجية التنظيم في البيوع العقارية.
ترجع مشكلة ازدواجية التنظيم فيما يخص البيوع العقارية بالأساس إلى معطى تاريخي، ذلك أن  مغرب ما قبل الحماية لم يكن يعرف كتشريع يحكم كافة التصرفات التي ترد على العقار سوى أحكام الفقه الإسلامي و الأعراف المحلية، غير أنه و منذ بسط الحماية على المغرب أصبح نظام الملكية العقاريــة ينقسم إلى

----------------------------
14)                          الحكم عدد 43 الصادر بتاريخ 28 ذو القعدة 1348 في القضية رقم 1248 منشور ضمن الأحكام الصادرة عن مجلس الاستئناف الشرعي الأعلى، المرجع السابق ص 173 و قد تم الاستناد في هذا الحكم إلى قول ابن رشد الذي جاء فيه " و إن لم يعلم لا بعد وقوعه فقام حين علم، أخذ حقه، و إن لم يقم إلا بعد العام و نحوه لم يكن له إلا الثمن و إن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة لم يكن له شيء و استحقه الحائز بما ادعاه بدليل حيازته إياه".
15)                          عبد القادر العرعاري " النظرية العامة للعقود المسماة" - عقد البيع- ط 1999 ص 60.
16)                          ابن جزي المرجع السابق ص 282، مع ملاحظة أن الإمام احمد بن حنبل و عدد من التابعين هم فقط من أجاز التعامل بالعربون دون شرط.



عقار محفظ يخضع لأحكام التحفيظ العقاري و يختص به القضاء الفرنسي و عقار غير محفظ تحكمه قواعد الفقه الإسلامي و الأعراف المحلية و ينعقد الاختصاص بشأنه للقضاء الشرعي ما لم يكن طرفي النزاع فرنسيين أو أجانب (17).
وبعد استقلال المغرب تم إدخال مجموعة من التعديلات على التنظيم القضائي بالمملكة توجت بصدور قانون 1965 المعروف بقانون توحيد القضاء ومغربته وتعريبه، والذي تم التصويت عليه بالإجماع مــن طرف أول برلمان منتخــب (18) وصـدر الأمــر بتنفيــذه بالمرســوم الملكــي الصــادر في 26 يناير 1965.
 و قد جاء في الفصل الثالث منه ما يلي:" إن النصوص الشرعية والعبرية وكذا القوانين المدنية والجنائية الجاري بها العمل حاليا تصبح إلى أن تتم مراجعتها مطبقة لدى المحاكم المذكورة في الفصل الأول".
و إذا كان قانون 1965 قد حل ثلاث اشكالات قضائية كانت قائمة منذ عهد الامتيازات، وهي توحيد المحاكم المغربية، و مغربة القضاء و تعريبه، فإن هذا القانون لم يكن موفقا تماما فيما يخص توحيد التشريع (19)،ذلك أن ازدواجية التنظيم في مادة العقار بالخصوص ضلت قائمة على نحو ما أفرزته الممارسة القضائية سواء تعلق الأمر بقانون الشكل أو قانون الموضوع، بحيث استمر المجلس الأعلى طيلة خمس سنــوات ( من 1965 إلى 1970) يقضي بعدم قابلية ق. ل. ع و ظهير 1913 المتعلق بالمسطرة المدنية للتطبيق بخصوص القضايا الشرعية التي ضلت خاضعة للفقه الإسلامي كقانـون للموضوع وظهير 16 دجنبر 1957 القاضي بتعميم المسطرة الواجبة لدى المحاكم الشرعية كقانون للإجراءات أمام محاكم القضاة (آنذاك)(20).
وقد بقى الموقف مستقرا على النحو المذكور سواء في التفسير القضائي (21) أو التفسيـر الإداري(22)، رغم وجود بعض أحكام قضاء الموضوع التي كانت تطبق قانون المسطرة المدنية لسنة 1913 على القضايـا الشرعية،  

----------------------------
17)                          محمد الكشبور " بيع العقار بين الرضائية و الشكل" سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة رقم 1 طبعة أولى سنة 1997 مطبعة النجاح الجديدة ص 19 و ما بعدها.
18)                          أحمد ادريوش " تأويل المجلس الأعلى للفصل الثالث من قانون التوحيد و أثره على قانون العقود" مداخلة ضمن أشغال الندوة المنعقدة بمناسبة تخليد الذكرى الأربعين لتأسيس المجلس الأعلى حول عمل المجلس الأعلى و التحولات الاقتصادية و الاجتماعية الرباط 18-20 دجنبر 1997 طبعة 1999 ص 288.
19)                          عبد القادر الرافعي : " القانون المطبق على العقارات غير المحفظة" أشغال الندوة الوطنية التي نظمها مركز الدراسات القانونية المدنية و العقارية بكلية الحقوق بمراكش يومي 27 و 28 فبراير 2004 ص 62.
20)                          أحمد ادريوش مداخلته السابقة ص 289.
21)                          انظر بهذا الخصوص قرار المجلس الأعلى عدد 391 بتاريخ 21 مارس 1967 منشور بمجلة القضاء و القانون عدد 9988 ص 398 و أشار إليه ذ/ احمد ادريوش مداخلته السابقة.
22)                          منشور وزير العدل عدد 423 بتاريخ 14/12/1968 مجلـة قضـاء و القانون عدد 90/91 ص 597-598 أورده ذ/ احمد ادريوش ضمن مداخلته السابقة.




إلى أن تدخل المجلس الأعلى و هو مكون من الغرفة الأولى بقسميها و الغرفة الاجتماعية و أصدر قراره رقم 144 بتاريخ 11/04/1970 الذي قضـــى فيـــه " أن قانــون المسطرة المدنيـــة الــذي تضمنه ظهيــر 12/08/1913 أصبح منذ نفاذ قانون توحيد المحاكم مطبقا لدى محاكم السدد و المحاكم الإقليمية التي آل إليها النظر في القضايا الشرعية، و بمقتضــى ذلك أصبحـــت المسطــرة التــي ينظمهـــا الظهــير المؤرخ في 16/12/1957 غير ذات موضوع (23)، و هو التوجه القضائي الذي كرسه المشرع بموجب ظهير 1974 المتعلق بقانون المسطرة المدنية بحيث أصبح قانون الشكل قانونا موحدا بغض النظر عن طبيعة النزاع.
غير أن مشكلة الازدواجية فيما يخص قانون الموضوع ضلت قائمة إلى يومنا هذا نتيجة اختلاف التفسيرات الفقهية و القضائية في الموضوع و التي يمكن تصنيفها إلى ثلاثة اتجاهات كما يلي :

1- الاتجاه الأول (تطبيق الفقه الإسلامي) :
يعتمد أنصار تطبيق الفقه الإسلامي في البيوع العقارية على معيار تاريخي بحيث يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الفقه الإسلامي هو الذي كان يطبق في جميع الميادين منذ دخول الإسلام إلى المغرب، و حتى في عهد الحماية فإنه و إن كان الاختصاص ينعقد للمحاكم العصرية فيما يخص العقار المحفظ و الذي في طور التحفيظ، فإن الفقه الاسلامي كان مع ذلك هو المطبق أمام هذه المحاكم إلى حين صدور ظهير 19 رجب 1333 الذي حدد التشريع المطبق على العقارات المحفظة و أبقى على الفقه الإسلامي كإطار قانوني للعقارات غير المحفظة و يستنتج هذا الرأي (24) تبعا لذلك أن " ظهير الالتزامــات و العقــــود لـــم يطبق في يوم من الأيام على العقارات لأن الفقـــه الإسلامي هــو الذي كان يطبق عليها سواء كانت مــن اختصــاص القضـاء الشرعـي أو المحاكم العصرية" (25) كما يرى أنصار هذا الاتجاه  أن المعيار التاريخي المعتمد عليه لترجيح كفة الفقه الإسلامي يجد سنده في قانون التوحيد و الفقه القضائي الذي فهم به القضاء المغربي هذا النص و كذا الفقه الإداري المتمثل في مناشير وزارة العدل لتفسير قانون التوحيد، دون إغفال المعطى السوسيولوجي الذي اعتمده المجلس الأعلى في إحدى قراراته معتــبرا أن " القضايــــا الشرعيــة المتعلقــة بالبيوع و الأشريــة في المبادلات

----------------------------
23)                          قرار منشور بمجلة القضاء و القانون العدد 112/113 ص 106.
24)                          محمد ابن معجوز " الحقوق العينية في الفقه الإسلامي و التقننين المغربي " ط 1990 ص 5 و ما بعدها.
25)                          يعتبر ذ/ محمد الكشبور من بين من قالوا بالمعيار التاريخي في ترجيح كفة الفقه الإسلامي، و ذلك قبل أن يغير موقفه على النحو الذي سنوضحه لاحقا، حيث يقول : " إن القاعدة بالنسبة للقانون المغربي هو أن العقار غير المحفظ يخضع لمبادئ الفقه المالكي، فمنذ قيام الدولة المرابطية و مرورا بالمرينيين و السعديين و انتهاء بالشرفاء العلويين، فإن القضاء بالمغرب و مسايرة لما كان سائدا بالأندلس المسلمة، كان ملزما بأن يحكم بالراجح والمشهور و ما جرى به العمل في مذهب الإمام مالك" أنظر بهذا الخصوص، محمد الكشبور رقابة المجلس الأعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية ط 2001 ص 136.



والمخارجات و المقاسمات و غيرها تخضع للقواعد الشرعية و النصوص الفقهية و لا تطبق عليها فصول ق. ل. ع إذ أن سكان البوادي يتعاملون فيما بينهم على مقتضى الثقة و حضور الجماعات للهروب من الصوائر حتى إذا ظهر نزاع أو خصام عند ذلك يسرعون لاستشهاد الشهود" (26)، ليخلص إلى أن الفقه الإسلامي يطبق على الحقوق الشخصية المتعلقة بعقار غير محفظ، كما يطبق على الحقوق العينية والحقوق المختلطة (27)، و على مستوى القضاء نجد مجموعة من الأحكام و القرارات القضائية التي تنتمي لهذا الاتجاه الذي يعطي الاختصاص للفقه الإسلامي عندما يكون العقار غير محفظ، فقد جاء في قرار للغرفة الشرعية بالمجلس الأعلى أن " المطبق حيــث كــان العقـــار غــير محفــظ هـو الفقــه الإسلامي، وأنه لا يكون هناك مجال لتطبيـق الفصل 974 من ق.ل.ع" (28) كما جاء في قرار المجلس الأعلى بتاريخ 25/07/1990 : " لماكان موضوع عقد البيع المبرم بين الطرفين هو 25 دقيقة من الماء الجاري التابع لعقار غير محفظ، فإنه لا مجال لتطبيق الفصل 433 من ق.ل.ع، و ذلك لأن قواعد الفقه المالكي هي الواجبة التطبيق في هذا المجال" (29)، كما استبعد المجلس ق.ل.ع رغم أن الأمر يتعلق ببيع الثنيا المنظم بموجب القانون المذكور في الفصول 585 إلى 600 حيث جاء في قرار المجلس الأعلى " لكن، فلا محل للاستدلال بقانون الالتزامات و العقود ما دام أن الأمر يتعلق بعقارات غير محفظة تخضع لأحكام الفقه المالكي الذي لا يشترط لإقامة دعوى استرداد المبيع "بيع ثنيا" أن تكون مسبوقة بأي إنــذار..." (30).
        و في نفس السياق طبق المجلس الأعلى الفقه الإسلامي بخصوص إثبات عقد البيع حيث جاء في القرار الصادر بتاريخ 04/12/1991 (31) " و من جهة أخرى فإن الأمر يتعلق ببيع عقار و إن كان غـــير محفــظ


----------------------------
26)                          قرار عدد 129 بتاريخ 09 فبراير 1982 مشار إليه من طرف ذ/ عبد القادر الرافعي مداخلته السالفة الذكر ص 67.
27)                          المرجع السابق ص 65 و ما بعدما.
و انظر في نفس الاتجاه عبد الكريم الطالب "  العرف في القانون المدني المغربي" التأصيل النظري و الواقع العرفي- أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، جامعة القاضي عياض كلية الحقوق بمراكش سنة 99/2000 ص 247.
28)                          قرار شرعي صادر بتاريخ 22 ماي 1979 تحت رقم 261، ملف شرعي عدد 25980 غير منشور أشار إليه ذ/ الكشبور في مقاله "التنازع بين قانون الالتزامات و العقود و الفقه الإسلامي في مجال العقارات غير المحفظة " المجلة المغربية لقانون و اقتصاد التنمية العدد 7 ص 50.
29)                          قرار عدد 1650 ملف مدني 3940 منشور بمجلة المعيار العدد 17 ص 98.
30)                          قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 29 يونيو 1988 منشور بمجلة نظرات في الفقه و القانون العدد 4 ص 11.
31)                          القرار عدد 2950، ملف مدني 1230-85 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ص 32.





فإنه يخضع في الجوهر لأحكام الفقه المالكي التي تقرر كما أشار إلى ذلك الشيخ ميارة، أنه حتى بالنسبة لشهادة اللفيف فإنه لا يلجأ إليها فيما يخص المعاملات إلا عندما قد تدعو إلى ذلك الضرورة " (32).

2- الاتجاه الثاني (تطبيق قانون الالتزامات و العقود).
يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن قانون الالتزامات و العقود هو الواجب التطبيق على البيوع العقارية، وذلك لكون هذا القانون هو الذي يطبق على الالتزامات و الحقوق الشخصية و هو يمثل الشريعة العامة بالنسبة لباقي فروع القانون الأخرى، لاسيما و أن أحكامه لا تتعارض مع قواعد الفقه الإسلامي (33)، و من تم يطبق ق.ل.ع من باب أولى و لا يتم اللجوء إلى الفقه الإسلامي إلا في حالة قصور فصول ظهير الالتزامات و العقود عن تغطية النازلة المعروضة على المحكمة (34).
و من القرارات و الأحكام القضائية التي تسير في هذا الاتجاه ما جاء في قرار للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى من أن قواعد الفقه الإسلامي هي أحكام ذات طابع مكمل يمكن الاتفاق على ما يخالفها و بالتالي تطبيق ق.ل.ع عن طريق شرط مضمن في العقد(35)،و أيضا ما جاء في قرار المجلس الأعلى : " تكون المحكمة على صواب حين استبعدت تطبيق قواعد الفقه الإسلامي المتعلقة بالنزاع حول أداء الثمن و ألزمت المشتري بإثبات ادعائه عملا بالفصلين 400 و 443 من ق.ل.ع" (36).


----------------------------

32)                          و هناك عدة قرارات للمجلس الأعلى و أحكام قضاء الموضوع تسير في نفس الاتجاه، نذكر على سبيل المثال : قرار المجلس الأعلى عدد 97 بتاريخ 02/07/1985 ملف عقاري عدد 88901 منشور بمجلة القضاء و القانون عدد 138 ص 208.
-          قرار الغرفة الشرعية بالمجلس الأعلى 04/12/1985 منشور بمجلة رسالة المحاماة العدد 5 ص 212.
-          قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 13/01/1998 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 52 ص 139.
-          قرار محكمة الاستئناف بفاس الصادر بتاريخ 30 مارس 1993 تحت رقم 574، انظر محمد الكشبور " بيع العقار ...."  مرجع سابق ص 9 و ما بعدها.
33)                          محمد الكشبور " بيع العقار ... "  المرجع السابق ص 66 و ما بعدها.
34)                          محمد الكشبور " التنازع بين الفقه الإسلامي و ق.ل.ع ...." المرجع السابق ص 72.
- و انظر أيضا مامون الكزبري " التحفيظ العقاري و الحقوق العينية الأصلية و التبعية " ص 189 و ما بعدها.
35)                          قرار صادر بتاريخ 26/01/1973 منشور بالمجلة المغربية للقانون و السياسة و الاقتصاد العددان 13 و 14 ص 119 و ما بعدها.
36)                          قرار صادر بتاريخ 18/04/1978 تحت رقم 717 ملف مدني عدد 62586 منشور بمجلة محكمة الرماني عدد 3 ص 199.




 و لقد سايرت المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة هذا الاتجاه حيث طبقت أحكام ق.ل.ع على البيع المنصب على العقار و لو كان هذا العقار غير محفظ، من ذلك اشتراط وكالة خاصة في بيع العقار، حيث جاء في حكم صادر عن هذه المحكمة بتاريخ 11/04/2005 أنه : " بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 894 من ق.ل.ع فإنه لا يجوز للوكيل أيا كان مدى صلاحياته بغير إذن صريح من الموكل تفويت عقار و هذا يعني أنه بخصوص تفويت عقار لا بد من التنصيص على ذلك في الوكالـــة بالإشارة و بدقـــة إلى العقـار موضوع التفويت" (37)، كما ناقشت هذه المحكمة في الحكم الصادر عنها بتاريخ 19/07/2004 مسألة الغبن بشأن بيع عقار غير محفظ في ظل أحكام الفصل 56 من ق.ل.ع و لم تستند في ذلك على أحكام الفقه الإسلامي واستنتجت تبعا لذلك أن موجبات إعمال مقتضيات الغبن الناتج عن تدليس غير متوفرة في النازلة " (38).

3- الاتـجـــــاه التوفـيــقـــي :
بينما ينحاز كل اتجاه من الاتجاهين السابقين إلى إحدى الإطارين القانونيين و يستبعد تبعا لذلك الإطار القانوني الآخر من مجال البيوع العقارية، فإن هناك اتجاها لم يستبعد أيا من الإطارين القانونيين بل جعل كل واحد منهما يطبق بحسب ظروف النازلة، ليبقى المعيار المعتمد هو معيار النص الاصلح لفض النزاع وتحقيق العدل سواء كان هذا النص يوجد ضمن أحكام الفقه الإسلامي أو ضمن مقتضيات ق.ل.ع و لكن مع اعتبار الفقه الإسلامي هو الأصل فيما يخص المنازعات المتعلقة بالعقار غير المحفظ، و بهذا الخصوص يقول الأستاذ الخمليشي (39) " يطبق مذهب مالك على العقار غير المحفظ اعتمادا على ما جرى به العمل، و ما كانت تتضمنه ظهائر تسمية القضاة من الأمر بتطبيق الراجح أو المشهور أو ما جرى به العمل من مذهب الإمام مالك"ويضيف قائلا " و في رأينا الشخصي (40) ليس ظهير الالتزامات و العقود مصدرا تكميليا، يلــزم القاضــي


----------------------------
37)                          حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة تحت رقم 54/05  ملف مدني عدد 127/1/2004 غير منشور.
38)                          حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة تحت رقم 131/04 بتاريخ 19/07/2004 ملف مدني عدد 16/1/2004 غير منشور.
-          و هناك قرارات أخرى للمجلس الأعلى ترجح كفة ق. ل.ع من ذلك مثلا:
·         قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 06/10/1981 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 30 ص 71.
·         قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 09/02/1982 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 30 ص 81.
39)                          أحمد الخمليشي " وجهة نظر" مطبعة النجاح الجديدة، طبعة أولى ص 56.
40)                          مع ملاحظة أن هذا الرأي أورده ذ/ الخمليشي بخصوص قضايا الأحوال الشخصية التي تعتبر من القضايا الشرعية و إن كانت لا تطرح مشكلة الازدواجية بشأنها بنفس الحدة التي يعرفها مجال المنازعات العقارية.




 بالرجوع إليه عند انعدام النص في الفقهّ، كما أنه ليس نصا أجنبيا لا يجوز الرجوع إليه و لو انعدم النص... وإنما نعتقد أنه مصدر استثنائي للمحكمة تطبيقه و لو مع وجود النص في الفقه متى كان الحكم الفقهي غير ملائم للتطبيق".
و نجد تطبيقــا لهــذا الــرأي في ظـل العمـل القضائـي مـن خلال قــرار المجلس الأعلى المؤرخ في 19 ماي 1998 الذي طبق في نفس النزاع أحكام الفقه الإسلامي و أحكام ق.ل.ع، حيث قرر من جهة أن عقود البيع التي لا تثبت أصل الملك للبائع لا تكون حجة ضد الغير و لا ينزع بها من يد حائز إعمالا لقواعد الفقه الإسلامي، و لكنه استبعد في نفس النازلة اللفيف فيما يخص إثبات البيع الوارد على العقار و تطلب إثباته كتابة إعمالا لأحكام ق.ل.ع (41)، كمـــا مـــزج المجلـــس الأعلـــى مــن خلال قـــراره الـمؤرخ في 29/09/1993 بين أحكام الفصل 443 من ق.ل.ع و أحكام الفقه الإسلامي ليصل إلى نتيجة واحدة و هي أن البيع غير ثابت في النازلة لكونه من جهة لا يمكن إثباته بشهادة الشهود إعمالا للفصل 443 المذكور، ولكونه من جهة ثانية لا يثبت في ضل الفقه الإسلامي إلا بشهادة عدلين أو ما يقوم مقامها من شهادة اثني عشر شاهدا، و الحال أن المحكمة الابتدائية كانت قد اعتمدت شهادة أربعة شهود فقط (42).
و في نفس الاتجاه فقد قرر المجلس الأعلى أن دعاوى التحفيظ تطبق فيها قواعد الفقه الإسلامي التي تجيز إثبات الملك بالبينة الشرعية و نص في نفس القرار على أنه إذا أثبت الخصم أن الملك لنفسه لم يعد خلفا للبائع بالمفهوم الوارد في الفصل 288 من ق.ل.ع" (43).
و على مستوى قضاء الموضوع فقد طبقت محكمة الاستئناف ببني ملال من خـلال قرارهـا المؤرخ في 30/11/2005 قواعد الفقه الإسلامي فيما يخص ضرورة توفر شروط الملك الخمسة في رسم التركة مستشهدة بقول الشيخ الزقاق، كما طبقت في نفس النزاع مقتضيات الفصل 414 من ق. ل.ع بشأن عدم جواز تجزئة الإقرار إذا كان هو الحجة الوحيدة في الملف " (44).

----------------------------
41)                          قرار المجلس الأعلى عدد 3273 بتاريخ 19/05/98 ملف مدني 1310/96، عبد العزيز توفيق " قضاء المجلس الاعلى في الاحوال الشخصية والعقار من سنة 1975 الى سنة 2002 طبعة اولى ص 298.
42)                          قرار المجلس الاعلى المؤرخ في 29/09/1993 المنشور بمجلة الاشعاع العدد 11 ص 124.
43)                          قرار المجلس الأعلى عدد 453 الصادر بتاريخ 28/02/1990 ملف رقم 2049/87 عبد العزيز توفيق " قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ خلال أربعين سنة" طبعة أولى 1999.
44)                          قرار محكمة الاستئناف ببني ملال صادر بتاريخ 30/11/2005 عن الغرفة العقارية تحت رقم 706 في الملف رقم 443/05 غير منشور.



و هكذا و من خلال هذا الجرد للاتجاهات الثلاثة فيما يخص مشكلة التنازع بين الفقه الإسلامي وظهير الالتزامات و العقود في مادة البيوع العقارية، و التي أوردناها من أجل فهم عميق للإشكال كخطوة تساعد على اقتراح معيار ضابط و فاصل بين حدود تطبيق كل واحد من الإطارين القانونيين، يبقى السؤال المطروح هو: أي الاتجاهات الثلاثة المذكورة يساعد أكثر على تجاوز مشكلة الازدواجية في تنظيم بيع العقار؟
إن الجواب عن هذا السؤال فضلا عن صعوبته، فإنه يقودنا حتما إلى بحث معيار ضبط الحدود الفاصلة بين نطاق كل من ق.ل.ع و الفقه الإسلامي و هو ما سنتطرق إليه في الجزء الثاني من هذه الدراسة.
ثانيا : ضرورة التمييز بين قانون العقد و قانون الحق في البيوع العقارية.
يمكن القول أن المجال الخصب لتنازع الفقه الإسلامي مع قانون الالتزامات و العقود، هو ذلك المتعلق بالبيوع العقارية، طالما أن النزاعات التي تثور بهذا الصدد غالبا ما تكون دعاوى شخصية و لكنها ذات صلة وثيقة بحق عيني ينقل الدعوى إلى دعوى عقارية محضة، أو يرجع ذلك بالأساس إلى أن البيوع العقارية تفرغ من جهة في إطار عقدي و من جهة أخرى هي وسيلة لنقل ملكية حق عقاري من شخص لآخر.
و الملاحظ أن الفقه عندما تعرض لمشكلة التنازع بين الفقه الإسلامي و ق.ل.ع أعطى للمسألة حكما مطلقا و جعل المعيار الفاصل بين مجال تطبيق ق.ل.ع و مجال تطبيق الفقه الإسلامي هو معيـار طبيعـة العقــار( عقار محفظ و عقار غير محفظ) في حين أن هذا المعيار أثبتت الممارسة أنه معيار غير منضبط و لا يسعف في كثير من الأحيان في حل بعض الاشكالات التي يطرحها موضوع البيوع العقارية كما أنه أدى إلى تطبيق ق.ل.ع ثارة و الفقه الإسلامي ثارة أخرى رغم تشابه النوازل.
و نعتقد أن مطالعة العمل القضائي ابتداء من تاريخ صدور قانون التوحيد إلى يومنا هذا و ما وازى ذلك من تراكمات فقهية، من شأنه أن يسعف في وضع معيار بديل لمعيار طبيعة العقار، و هكذا يستنتج من مجموع القواعد القضائية التي وضعها القضاء في مادة بيع العقار أن هناك قانون للعقد يطبق عندما يتعلق الأمر بالالتزام سواء في الشق المتعلق بتكوين العقد و صحته و إثباته أو في الشق المتعلق بآثاره و لا سيما نقل ملكية العقار، وهناك قانون للحق يطبق عندما يتعلق الأمر بالنازعات المرتبطة بالحق العيني من حيث وجوده و إثبات ملكيته و قسمته والشفعة فيه و غير ذلك، و عندما نقول قانون العقد فإننا نقصد ق.ل.ع كإطار قانوني أصلي و الفقه الإسلامي كمصدر احتياطي، و عندما نقول قانون الحق فإننا نقصد الفقه الإسلامي عندما يكون العقار غير محفظ و ظهير التحفيظ العقاري عندما يكون العقار محفظ.
و من أجل اختبار معيار " قانون العقد و قانون الحق" سنتطرق إلى نموذجين تطبيقيين يتعلق الأول بشرط الكتابة في البيوع العقارية(أ) و يتعلق الثاني بتسجيل العقار و علاقته بقانون العقد (ب)، ثم بعد ذلك نتطرق الى مشكلة المصدر الاحتياطي لقانون العقد و قانون الحق (ج).



أ- شرط الكتابة في البيع الوارد على عقار.
كما سبقت الإشارة إلى ذلك يعتبر البيع من العقود الرضائية في الفقه الإسلامي في حين يتطلب فيه المشرع بموجب ق.ل.ع شرط الكتابة متى انصب على عقار أو حقوق عقارية، و من تم كانت مشكلة الكتابة في بيع العقار من أهم المواضيع التي اختلف بشأنها الفقه و القضاء كتطبيق من تطبيقات مشكلة ازدواجية التنظيم في البيوع العقارية، فبينما يرى البعض أن بيع العقار تشترط فيه الكتابة بغض النظر عن طبيعة العقار أكان محفظا أم غير محفظ لكون الفصل 489 جاء بصيغة عامة و دون تمييز من حيث نوعية العقار، فضلا عن أنه يشكل استثناء من القاعدة العامة المنصوص عليها في الفصل 488 من ق.ل.ع (45) و التي تجعل البيع عقدا رضائيا، ومن تم إذا كان الأصل هو الرضائية فإن هذا الأصل يرد عليه استثناء هو شرط الكتابة متى اقترن البيع بعقار أو حقوق عقارية، و هذا الاستثناء مقيد للقاضي و لا يجوز له التوسع في تفسيره،  لا سيما و أن الفصل 66 و 67 من ظهير 12 غشت 1913 يقرران أن الاعتراف بوجود الحق العيني أو بالاتفاقات المنشأة لهذا الحق لا يعتد بها إلا من تاريخ تسجيلها بالرسم العقاري و هو ما لا يتأتى إلا إذا كان البيع مكتوبا (46).
و بالمقابل يرى البعض الآخر أنه و إن كان يجب إثبات البيع بالكتابة فإنه متى تعذر ذلك يمكن استثناء اعتماد بداية الحجة المعززة بوسائل الإثبات المقبولة شرعا شريطة أن يقتنع القاضي بمبررات هذا الاستثناء و أن يثبت لديه حصول البيع بالوسائل المقنعة (47) و من ذلك اعتماد الإقرار القضائي في إثبات البيع الوارد على عقار أو حقوق عقارية (48)، بل اكثر من ذلك هناك من ذهب الى حد القول باستبعاد أحكام الفصل 489 المذكور الذي يتطلب الكتابة من التطبيق على بيع العقار غير المحفظ لكونه يتعارض مع أحكام الفقه الإسلامي والأعراف المحلية التي تكتفي في العقود عامة بمبدأ الرضائية و الثقة المتبادلة بين الأطراف (49).
و لم يكن العمل القضائي بمنأى عن هذا الخلاف حول شرط الكتابة في البيوع العقارية حيث اشترطت بعض القرارات القضائية الكتابة لقيام البيع الوارد على عقار كما هو الشأن بالنسبة لقرار المجلس الأعلى المؤرخ
----------------------------


45)                          محمد بونبات " شرط الكتابة في بيع العقار وفقا لقانون الالتزامات و العقود و القوانين الخاصة" مداخلة ضمن أشغال ندوة- العقار المحفظ إلى أين المشار إليها سلفا ص 83 و ما بعدها
      - محمد خيري " التعاقد في الميدان العقاري" أشغال ندوة " النظام العقاري الإنعاش العقاري و التعمير" المجلة المغربية لقانون و اقتصاد التنمية – العدد 12-1986 ص 31.
46)                          عبد الحق صافي " عقد البيع" طبعة أولى 1998 ص 173 و ما بعدها.
47)                          نور الدين الجزولي " بيع العقار المحفظ بين الرضائية و الشكل" (الفصل 489 من ق. ل.ع) مجلة المحامي، العدد 17 ص 25.
48)                          عبد الرحمان بلعكيد " وثيقة البيع بين النظر و العمل" الطبعة الثانية 1995 ص 285.
49)                          عبد الكريم الطالب أطروحته السابقة ص 259.



في 19 ماي 1998 حيث لم يقبل إثبات بيع العقار باللفيف و اشترط أن يرد البيع في محرر ثابــت التاريـــخ (50) في حين أجازت قرارات قضائية أخرى إثبات البيع بغير الكتابة و من ذلك ما ذهب إليه المجلس الأعلى في القرار الصادر عنه بتاريخ 25/07/1990 أنه " لما كان موضوع عقد البيع المبرم بين الطرفين هو 25 دقيقة من الماء التابع لعقار غير محفظ ... فإن شهادة الشهود مع اليمين المتممة تكون كافية في الإثبات، و لا محل لتطبيق الفصل 443 من ق.ل.ع " (51) كما سارت بعض أحكام قضاء الموضوع في نفس الاتجاه كما هو الشأن بالنسبة لقرار محكمة الاستئناف بالرباط المؤرخ في 10/07/2001 الــذي جـــاء فيـه " وحيث ان عقد البيع في مجال العقارات غير المحفظة ينعقد بالمراضاة و هو ما أشار إليه الشيخ خليل بقوله : " ينعقد البيع بالمراضاة و إن بمعاطاة" (52).
و قد أخذت المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة بالإقرار لإثبات البيع في الحكم الصـادر عنها بتاريـخ 26/07/2004 (53)، كما اكتفت في حكم آخر صادر عنها بتاريخ 27/10/2005 (54) بالقرائن المستنتجة من وضع البائعة للوثائق اللازمة لإبرام عقد البيع لدى الكاتب العمومي و عضدتها بتوجيه اليمين للمشتري واعتبرت البيع تبعا لذلك قائما.
و الحقيقة أن الاعتماد على أحكام الفصل 488 من ق.ل.ع أو على أحكام الفقه الإسلامي لاستبعاد شرط الكتابة من البيوع العقارية لا يستقيم قانونا، فمن جهة يبقى (الفصل 488) إطارا خاصا بالبيوع الواردة على المنقولات، طالما أن المشرع خصص الفصل الذي يليه للبيوع العقارية، فضلا عن أن الفصل 489 يعتبر تخصيصا لما ورد في الفصل 488 و المعلوم أن القاعدة تقضي بأن الخاص مقدم على العام، يضاف الى ذلك أنه لا مجال لإعمال قواعد الفقه الإسلامي لأن قيام عقد البيع و إثباته هو مجال خاص بقانون العقد الذي يفترض أنه قانون موحد وفق ما أوضحناه سلفا،لاسيما و أن العدل يقتضي توحيد وسائل لإثبات فيما يخص البيوع العقارية، فلا يعقل أن يستفيد البعض من حرية الإثبات و يواجه البعض الآخر بشرط الكتابة، فقط لأن هذا اشترى عقارا غير محفظ و الآخر اشترى عقارا محفظا مع أنه لا يوجد سند في القانون يسمح بهذه التفرقة.

----------------------------
50)                          قرار رقم 3273 مشار إلى مراجعه سلفا و انظر في نفس السياق :
-  قرار عدد 817 صادر بتاريخ 27 ابريل 1983 ملف مدني عدد 90228 منشور ضمن قرارات المجلس الأعلى في المادة المدنية الجزء الثاني ص 75.
-          قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 14/12/1978 منشور بمجلة المحاماة عدد 17 ص 115.
-          قرار المجلس الأعلى عدد 1486 صادر بتاريخ 06/12/1988 منشور بمجلة قضايا المجلس الأعلى عدد 42-43 ص 32 و ما بعدها.
51)                          قرار عدد 1650 ملف مدني عدد 3940 منشور بمجلة المعيار العدد 17 ص 98 و انظر في نفس السياق :
            -   قرار المجلس الأعلى عدد 184 بتاريخ 16/11/1988 ملف عقاري عدد 6015/86 أشار إليه ذ/ احمد ادريوش في مداخلته السابقة ص 293.
52)                          قرار عدد 109 ملف رقم 7205/2000/12 غير منشور.
53)                          حكم رقم 138 بتاريخ 26/07/2004 ملف رقم 168/1/03 غير منشور.
54)                          حكم رقم 101 ملف رقم 10/07/05 غير منشور.


كما أنه وبمطالعة القضاء المقارن و خاصة القضاء التونسي، باعتبار أن مجلة الالتزامات و العقود التونسية مصدرا تاريخيا لقانون الالتزامات و العقود المغربي، يتضح أن شرط الكتابة شرط لازم لوجود البيع المنصب على عقار بغض النظر عن طبيعة هذا العقار فقد جاء في قرار صادر عن محكمة التعقيب التونسية " إذا كان النزاع يتعلق ببيع عقار لم يحرر فيه كتب وجب على المحكمة القضاء بعدم وجود البيع" (55).
و مع ذلك فإن اشتراط الكتابة في البيوع العقارية و بغض النظر عن طبيعة العقار لا يعني أن الكتابة هي شرط صحة بانعدامها يبطل عقد البيع، و ذلك لأن المشرع استهل الفرع المتعلق بتمام البيع بالفصل 488 الذي يجعل البيع منعقدا بمجرد تراضي طرفيه على الثمن و المثمن و باقي عناصر العقد و لو لم يوثق كتابة، الأمر الذي يجعل الكتابة الواردة في الفصل 489 هي للإثبات فقط (56)   لاسيما و أن معظم الفقه يرى أنه إذا كانت الرضائية هي الأصل فإنه متى قام الشك حول مدلول النص الذي يستلزم الشكلية، و هل قصد بها أن تكون للانعقاد أم للإثبات وجب اعتبارها متطلبة للإثبات (57) فإن التسليم بكون الكتابة الواردة في الفصل 489 هي للإثبات يجعلنا نقول أنه إذا كان لا يجوز إثبات البيع الوارد على عقار طبقا للفصل 489 من ق.ل.ع بحجة أضعف من الكتابة، فإنه ليس هناك ما يمنع دون اعتبار الإثبات بما هو أقوى من الكتابة كالإقرار، ما دام  الاقرار هو سيد الأدلة و الكتابة ما هي في نهاية المطاف إلا إقرار مكتوب (58) ،مع ملاحظة أن استحضار مفهوم المصلحة و مفهوم العدل يجعل إثبات البيع بالإقرار يحقق العدل و لا يضر بمصلحة أي طرف مادام أن أحد الطرفين يدعي وقوع البيع و الطرف الآخر يقره على ذلك، إلا أن استحضار المفهومين السابقين يقتضي في نفس الوقت اعتبار البيع موجودا استنادا للإقرار بين طرفيه فقط و لا يجب أن يحتج به على الغير إلا إذا ثبت كتابة، تفاديا لتواطئ شخصين في مال شخص ثالث، كما أنه لا يجوز إثبات البيع بحجة أقل قيمة من الكتابة كشهادة الشهود أو القرائن أو اليمين (59) و ذلك لأن وسائل الإثبات هذه تبقى حجج نسبية و قد تكون مع توافرها تثبت أمورا مخالفة للواقع، إما لأن الاستنتاج لم يكن سليما فيما يخص القرائن أو أن الشهادة لم تكن دقيقة أو كانت زورا فيما يخص شهادة الشهود.
----------------------------
55)                           قرار تعقيبي عدد 9291 مؤرخ في 09/07/1974 أورده محمد الفطناسي في مؤلفه : " فقه القضاء المدني التونسي " ط 2002 ص 132.
56)                           محمد الكشبور " بيع العقار ...." مرجع سابق ص 57 و ما بعدها.
57)                           محمد حسن قاسم " أصول الإثبات في المواد المدنية و التجارية" بيروت 2003 ص 110-111.
58)                           عبد الرحمان بلكعيد مرجع سابق ص 295.
مع ملاحظة أن المجلس الأعلى استبعد الإقرار المدلى به أمام المحكمة الجنحية و اعتبره غير كاف لإثبات البيع انظر بهذا الخصوص قرار المجلس الأعلى عدد 817 بتاريخ 17/04/1983 ملف مدني عدد 90228 منشور ضمن مجموعة قرارات المجلس الأعلى في المادة المدنية ج 2 ص 75.
و إن كان المجلس الأعلى في قراراته الحديثة اصبح يميل نحو الأخذ بالإقرار في إثبات البيع حيث ذهب إلا أن " إذا أقر المطالب بالشفعة بالشراء وجب أن يؤاخذ بإقراره لتترتب آثار هذا الإقرار فيما بينه و بين طالب الشفعة" انظر قرار المجلس الأعلى رقم 34 صادر بتاريخ 27/01/1981 في الملف الشرعي عدد 49458، عبد العزيز توفيق " قضاء المجلس الأعلى في الشفعة" ص 202.
59)                           و بهذا الخصوص يبدو ان ما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة في الحكم الصادر عنها بتاريخ 27/10/2005 تحت رقم 101 المشار إليه سابقا من الاكتفاء بالقرائن المستنتجة من وضع البائعة للوثائق اللازمة لإبرام البيع لدى الكاتب العمومي و تعضيدها باليمين لإثبات البيع مخالف تماما لأحكام الفصل 489 من ق.ل.ع لأن القرائن أقل قوة من الكتابة في الإثبات، و من جهة أخرى فإن الفقه الإسلامي يعتبر مستندات العقد مجرد وسيلة تسمح بتفسير إرادة الأطراف بعد قيام العقد و لا تكون قرينة على وجوده فعلا، أنظر بهذا الخصوص :" مجلة الحقوق الكويتية العدد 3 السنة 25" نحو نظرية عامة لصياغة العقود : دراسة مقارنة في مدى القوة الملزمة للعقد " ص 180.



و بالإضافة إلى الآراء الفقهية و القرارات القضائية السالف ذكرها بخصوص اشتراط الكتابة لإثبات البيع الوارد على العقار، فإن الحركة التشريعية في المغرب و كما يتضح من المقتضيات الجديدة المتعلقة ببيع العقار تسير نحو تكريس الكتابة كشرط لقيام البيع الوارد على عقار، و من ذلك على سبيل المثال القانون المتعلق بالتجزءات العقارية، و القانون المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز الذي اعتبر بموجب الفصل 618 منه بأن عقد بيع العقار في طور الإنجاز يكون باطلا ما لم يتم تحريره في شكل محرر رسمي، كما أن المادة 12 من قانون الملكية المشتركة للعقارات تتطلب تحرير جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية المشتركة، بشكل يؤكد أن الاتجاه سواء  في الفقه أو العمل القضائي الحديث أو التشريع يتجه نحو تكريس الكتابة كشرط لقيام البيوع العقارية و بغض النظر عن طبيعة العقار، و هو ما يخدم فكرة  وحدة قانون العقد، هذا القانون الذي يتميز عن قانون الحق و ينفصل عنه رغم مجالات التداخل بينهما وفق ما سنوضحه في النقطة الموالية.
ب- تسجيل العقار و علاقته بقانون العقد.
لقد اشترط المشرع تسجيل البيع الوارد على العقار من خلال الفصل 489 من ق.ل.ع و كذا الفصل 67 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بتحفيظ العقار، و لقد ذهب بعض الفقه (60) إلى أن التسجيل المنصوص عليه في الفصل 489 المذكور هو نفسه التسجيل المنصوص عليه في الفصل 67 من ظهير التحفيظ العقاري، أي تسجيل عقد البيع بالرسم العقاري،غير أن الحقيقة خلاف ذلك، فالتسجيل المنصوص عليه في الفصل 489 من ق. ل.ع لا يتعلق بتسجيل البيع بالرسم العقاري، و إنما يتعلق بتسجيله لدى مصلحة الضرائب ( التسجيل و التنمبر) و الدليل على ذلك تنصيص المشرع على ضرورة تسجيل عقد الكراء الذي تزيد مدته عن سنة ( الفصل 629 من .ق.ل ع) مع أن الكراء لا يشترط تسجيله بالرسم العقاري  إلا إذا زادت مدته عن ثلاث سنوات (الفصل 68 من ظهير التحفيظ العقاري) (61).
و ما يهمنا من هذا التمييز هو أن التسجيل المنصوص عليه في الفصل 489 من ق.ل.ع يعتبر من مقتضيات قانون العقد، في حين أن التسجيل المنصوص عليه في الفصل 67 من ظهير التحفيظ العقاري هو مقتضى ينتمي لقانون الحق أي القانون المنظم للحقوق العينية المتعلقة بعقار محفظ، و مع ذلك و على النحو الذي سنوضحه في هذه الفقرة فإن القضاء المغربي و على رأسه قضاء المجلس الأعلى قد استند إلى قانون العقد من أجل تفسير قانون الحق تفسيرا مرنا بغية تحقيق العدل.
----------------------------

60)                          محمد بونبات :" شرط الكتابة في بيع العقار ..." مداخلته السابقة ص 87.
61)                          نور الدين الجزولي :" بيع العقار المحفظ بين الرضائية و الشكل" مقاله السابق.
و قد جاء في قرار لمحكمة التعقيب التونسية صادر تحت رقم 21353 بتاريخ 01/06/1989 ما يلي : " المقصود من عبارة " التسجيل " ليس الادراج بالسجل العقاري و إنما التسجيل بالقباضة المالية" ، محمد الفطناسي، مرجع سابق ص 152.




و نقصد بذلك التحول الذي طرأ على قاعدة الأثر التطهيري للتحفيظ، فبعدما كان المجلس الأعلى يعطي لهذه القاعدة أثرا مطلقا يواجه به جميع من يدعي وجود حق سابق على عملية التحفيظ بما في ذلك الخلف الخاص (62) ،فإنه و بموجب القرار الصادر عنه بتاريخ 29/12/1999 استثنى المشتري ( الخلف الخاص) من قاعدة التطهير المنصوص عليها في الفصل 62 من ظهير 12 غشت 1913 ،حيث جاء في حيثيات القرار المذكور " حيث ثبتت صحة ما عاب به الطاعن القرار المذكور ذلك أن الطالب بصفته مشتريا (أي خلف خاص) من نفس طالب التحفيظ المطلوب الذي تحول مطلبه للتحفيظ إلى رسم عقاري، لا يواجه كالخلف العام ( الورثة) بمقتضيات الفصل 62 من ظهير التحفيظ العقاري، و لذلك فإن القرار المطعون فيه عندما واجهه بالفصل المذكور يكون غير مرتكز على أساس سليم و معرضا بالتالي للنقض و الإبطال" (63) ،وهو التوجه الذي سيكرسه المجلس الأعلى من خلال قراره الصادر بتاريخ 05/06/2003 عندما قرر أن المشتري لحقوق مشاعه في عقار محفظ الذي لم ينازعه البائع له فيما باعه له يعتبر خلفا خاصا للبائع...و أن عدم تسجيله رسم شرائه لا يجعله محتلا بدون سند، و إنما يبقى محتلا لحقوق البائع لــه على الشيــاع و بإذنـه إلا أن يسجل عقد شرائه (64).
كما ساير قضاء الموضوع هذا التوجه كما يتضح من الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة (65) و المحكمة الابتدائية ببني ملال (66) و كذا محكمة الاستئناف ببني ملال، حيث قضت هذه المحكمة بتاريخ 19/05/2003 بإلغاء الحكم الابتدائي فيما قضى به من رفض الطلب و تصديا الحكم على المستأنف عليهم بالتوقيع للمستأنف على عقد بيع ملحق يفيد أن القطعة الأرضية موضوع مطلب التحفيظ هي نفسها التي أصبحت بعد عملية التحفيظ موضوع الرسم العقاري عدد 18870/10 و ذلك قصد تمكين المشتري من تسجيل شرائه بالرسم العقاري معللة قرارها بأن الدعوى شخصية وليست دعوى عينية (67).


----------------------------

62)                          انظر على سبيل المثال قرار المجلس الاعلى المؤرخ في 29 يناير 1992 ملف مدني 2075/7/8 منشور بمجلة الاشعاع العدد 7.
63)                          قرار المجلس الاعلى عدد 5925 ملف مدني عدد 1151/94 منشور بمجلة قضاء المجلــس الاعلى العــدد 61 ص 451 مـع تعليق للأستاذ حسن البكري.
64)                          قرار المجلس الاعلى عدد 1729 ملف مدني عدد 3178/1/4/02 منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى العدد 61 ص 53.
65)                          حكم المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة بتاريخ 25/07/2001 تحت رقم 68/01 ملف عدد 20/2001 غير منشور.
66)                          الاحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية ببني ملال في الملفات العقارية عدد : 40/04، 43/04، 45/04 و 46/04 غير منشورة أشار إليها ذ/ الراجي في مداخلته المذكورة سلفا.
67)                          قرار محكمة الاستئناف ببني ملال في الملف عدد 80/03 غير منشور.


و رغم أن بعض (68) من تناول قرار المجلس الأعلى الذي كرس الأثر النسبي لقاعدة التطهير بالدراسة، اعتبر أن القاعدة التي قررها المجلس الأعلى في قراره المذكور ليس لها في ظهير التحفيظ العقاري أي نص يؤيدها و أن استناد المجلس الأعلى على الفصل 62 من الظهير المذكور رغم عدم تنصيصه على أي تمييز في آثار التحفيظ من حيث مصدر الحقوق و من حيث أصحابها فيه نوع من التكليف الذي يحمل النص ما لا يحتمل، فإنه و إعمالا لمعيار " قانون العقد و قانون الحق" الذي نحاول أن نختبره من خلال هذه الدراسة، يتضح أن المجلس الأعلى في قراره المؤرخ في 29/12/1999 استثنى الخلف الخاص من قاعدة الأثر التطهيري للتحفيظ ليس استنادا على قانون الحق، و إنما استنادا على قانون العقد و اعتبر الأمر يتعلق بدعوى شخصية و ليس دعوى عينية على النحو الذي أكدته محكمة الاستئنــاف بــبي مــلال في قرارهـا المؤرخ في 19/05/2003، ذلك أن اجتهاد المجلس الأعلى المذكور و قضاء الموضوع الذي سايره لم يخرق قانون الحق (الفصل 62 من ظهير التحفيظ العقاري) و إنما كان بصدد تطبيق قانون العقد (الفصل 498 و ما يليه من ق.ل.ع)، طالما أن الدعوى هي دعوى شخصية تهدف إلى الحكم على المدعى عليه البائع بإتمام البيع تنفيذا للالتزام التعاقدي المتخلذ بذمته بمقتضى عقد البيع.
ج- مشكلة المصدر الاحتياطي لقانون العقد و قانون الحق.
 إذا كنا قد أوضحنا من خلال شرط الكتابة في البيوع العقارية أن قانون العقد هو قانون موحد، و إذا كنا قد وقفنا من خلال موقف القضاء من مسألة أثر التحفيظ في مواجهة الخلف الخاص على وجود حدود فاصلة بين قانون العقد و قانون الحق، فقد بقي أن نؤكد على أن لكل من قانون العقد و قانون الحق مصدر احتياطي يساعد على إيجاد الحل للمشكلة المطروحة متى لم يوجد نص في القانون الأصل.
و بهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى أنه على مستوى قانون الحق فإن الفقه الإسلامي يبقى هو القانون الذي يحكم الحقوق العينية المتعلقة بعقار غير محفظ  حسب الرأي القار للفقه و القضاء (69)، و ذلك خلافا لما  ذهب إليه قرار محكمة الاستئناف ببني ملال المؤرخ في 30/11/2005 تحت عدد 706 من تطبيق مقتضيات الفصل 414 من ق.ل.ع المتعلقة بعدم جواز تجزئة الإقرار عندما يكون هو الحجة الوحيدة في الملف، مع أن الدعوى كانت تتعلق بقسمة عقار غير محفظ، و قد تمسك أحد الأطراف في المرحلة الابتدائية بوجود قسمة رضائية في حين أنكر الطرف الآخر ذلك، فطبقت المحكمة المركزية بزاوية الشيخ في حكمها الصادر في الملف العقاري عدد 03/2002 بتاريخ 09/03/05 القاعدة الفقهية التي تقضي بأنه في حال عجز مدعـــي

----------------------------
68)                          حسن البكري تعليق على قارار المجلس الاعلى عدد 5925 منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 61 ص 454 و ما بعدها.
69)                          انظر بهذا الخصوص – أحمد ادريوش مداخلته السابقة ص 297.
-          محمد الكشبور " التنازع بي الفقه الاسلامي و ق.ل.ع...." المرجع السابق ص 42 و ما بعدها.
-          عبد الكريم الطالب، اطروحته السابقة ص 244.



قسمة الرضى عن إقامة الحجة على إدعائه، فإن القول يكون قول منكر القسمة الرضائية بيمينه (70)، إلا أن محكمة الاستئناف في قرارها المذكور استبعدت هذه القاعدة و طبقت مقتضيات الفصل 414 من ق. .ل.ع معتبرة أن ادعاء المستأنفين وجود قسمة رضائية وقعت منذ 20 سنة و إن كان يتضمن إقرارا ضمنيا بوجود متروك فإنه يتضمن كذلك وجود قسمة، و هو بذلك إقرار مركب لا تجوز تجزئته خاصة و أنه هو الحجة الوحيدة في الملف، و إذا كان هذا التكييف القانوني لادعاء المستأنفين تكييفا سليما فإنه لا مجال لتطبيقه على النازلة لكون دعوى القسمة الواردة على عقار غير محفظ تبقى من المجالات الخاصة بقانون الحق ( الفقه الإسلامي) و لا مجال لإعمال قانون العقد بشأنها خاصة و أن النازلــة تجد قاعــدة فقهيــة قابلــة للتطبيق على النـزاع.
وفيما يخص العقار المحفظ فـــإن قانــون الحـــق يبـــقى هــو ظهير التحفيــظ العقــاري و ظهـير 02 يونيه 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة، و في حالة عدم وجود نص في هذين القانونين يعتبر ق.ل.ع المصدر الاحتياطي لهما بالإضافة إلى الفقه الإسلامي عند وجود إحالة مباشرة أو عند عدم وجود النص في ظهير التحفيظ العقاري و في قانون الالتزامات و العقود، و هذا هو الرأي المستقر عليه من قبل أغلب الفقه و العمل القضائي (71) من منطلق أن " التضارب الحاصل بين قواعد القانون العقاري المبنية على الإجراءات الشكلية و قواعد الفقه الإسلامي المبينة على الرضائية يجعل الرجوع إلى قواعد الفقه الإسلامي كمصدر مكمل للتشريع العقاري أمرا خطير النتائج، و على العكس من ذلك يسهل الرجوع إلى ق.ل.ع لكونه مؤسسا على شكليات تقارب شكليات القانون العقاري، هذا طبعا إلى جانب التضارب الحاصل بين الفقه الإسلامي و القانون العقاري من حيث المصدر و الفلسفة إذ لا سبيل لتكملة بعضهما البعض (72).
و أما الجانب المتعلق بقانون العقد فإنه و كما أوضحنا سلفا فإن ظهير الالتزامات و العقود يبقى في نظرنا هو القانون الأصل باعتباره وحدة لا تتجزأ تطبق على جميع النزاعات التي لها ارتباط بالعقد و بغض النظر عن الحق موضوع هذا العقد أو الذي يشكل محلا لهذا العقد أكان عقارا محفظا أم غير محفظ، غير أنه عند فقدان النص في ظهير الالتزامات و العقود فإنه ليس هناك ما يمنع من الرجوع للفقه الإسلامي و ذلك لكون ظهير الالتزامات و العقود أحال بدوره في عدة مواضع على الفقه الإسلامي (73) و لكون قواعد الفقـــه الإسلامي
----------------------------

70)                          انظر في نفس السياق قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 31/01/1984 منشور بمجلة قرارات المجلس الأعلى – غرفة الأحوال الشخصية و الميرات لسنة 1997 ص 85.
71)                          انظر بهذا الخصوص عبد الكريم الطالب، أطروحته السابقة ص 244.
-          محمد الكشبور " رقابة المجلس الأعلى على قضاء الموضوع ..." ص 145 و ما بعدها.
72)                          عبد الكريم الطالب، المرجع السابق ص 245.
73)                          من ذلك مثلا ( بطلان اشتراط الفائدة بين المسلمين ف 870)، (بيع ما يعتبره من الناجسات ف 484)، (بطلان الوكالة ف 881).




تعتبر من المصادر التاريخية لظهير الالتزامات و العقود المغربي (74) و المعلوم أن من أهم قواعد التفسير الرجوع إلى المصادر التاريخية لتفسير النص الغامض (75) و من أهم الحالات التي استفاد فيها القضاء من الفقه الإسلامي كمرجع لتفسير ظهير الالتزامات و العقود ما يتعلق ببيع المريض مرض الموت، ذلك أن ظهير الالتزامات والعقود اكتفى بالتنصيص في الفصل 479 من ق.ل.ع على أن " البيع المعقود من المريض في مرض موته تطبق عليه أحكام الفصل 344 إذا أجري لأحد ورثته بقصد محاباته، كما إذا بيع له شيء بثمن يقل كثيرا عن قيمته الحقيقة أو اشترى منه شيء يجاوز قيمته، أما البيع المعقود من المريض لغير وارث فتطبق عليه أحكام الفصل 345" دون أن يحدد ما هو مرض الموت و دون أن يجيب عن الاشكالات التي يطرحها هذا الموضوع، غير أن القضاء تعامل مع مسألة مرض الموت من خلال أحكام الفقه الإسلامي، حيث ذهبت محكمة الاستئناف بمراكش (76) في القرار الصادر عنها بتاريخ 04/02/1997 إلى أن قواعد الفقه الإسلامي تطبق على النزاعات العقارية العادية فيما لم يرد من أحكام و تعريفات في ق.ل.ع و أضافت أنه إذا كان قانون الالتزامات و العقود لم يعرف مرض الموت فإن الفقه الإسلامي عرفه بالمرض الذي يغلب فيه خوف الموت وتعجز صحة المريض في رؤية مصالحه و يغلب فيه الهلاك و يتصل إلى الموت فعلا، كما جاء في قرار لمحكمة التعقيب التونسية بأن مرض الموت الذي يقيد تصرفات المريض و إن تعرضت له مجلة الالتزامات و العقود فإنها لم تتعرض إلى تحديده فوجب الرجوع لأحكام الفقه الإسلامي باعتباره أحد مصادر التشريع في القانون المدني واعتبرت أن مرض الموت الذي تكون تصرفات المريض خلاله قابلة للإبطال هو المرض الذي يغلب فيه الموت و يعجز معه المريض عن مباشرة مصالحه و ينتهي فعلا بالموت (77).
و يبقى أهم إشكال طرحه مرض الموت هو ما يتعلق بمسألة الاتمية، فقد استقر المجلس الأعلى على إعطاء الأولوية لقاعدة الاتمية لتبريــر صحـــة تصرفــات المريض مرض الموت و الحفاظ على استقرار المعاملات (78) من ذلك مثلا ما ذهب إليه في قراره المؤرخ في 10/09/2003 من أنه لا مجال لمناقشة موضوع المحاباة من حيث ثبوته أو عدم ثبوته، و يكون ما عللت به المحكمة صحيحا حيث نصت على أن موروث طرفي النزاع


----------------------------

74)                          احمد ادريوش " أصول قانون الالتزامات و العقود" بحث في الاصول الفقهية و التاريخية، أطروحة دكتوراه، ط 1996 ص 9 و ما بعدها.
75)                          رمضان أبو السعود " الوسيط في شرح مقدمة القانون المدني" – القاعدة القانونية ص 437 و ما بعدها.
76)                          قرار محكمة الاستئناف بمراكش رقم 122 بتاريخ 04/02/1997 ملف عقاري رقم 2761 منشور بمجلة المحامي عدد 34 ص 212.
77)                          قرار تعقيبي عدد 17768 مؤرخ في 30/11/1989، محمد الفطناسي المرجع السابق ص 154.
78)                          عبد القادر العرعاري " عقد البيع" المرجع السابق، ص 27 و ما بعدها.



باع لزوجته بعضا من أملاكه و حازت المشترية ما اشترته حوزا تاما و أن العدلين شهدا بأتمية البائع، و أن الطاعنين لم يثبتوا كون مورثهم كان على فراش الموت (79)، غير أن كثيرا من أحكام قضاء الموضوع رجحت كفة الشواهد الطبية على الإشهاد بالأتمية الذي يرد في الرسوم العدلية و ذلك استنادا على أحكام الفقه الإسلامي، فقد ذهبت محكمة الاستئناف بالجديدة في قرارها المؤرخ في 29/11/05 إلى أن مرض الموت واقعة مادية يصح إثباتها بكافة وسائل الإثبات الممكنة و أن الشهادة الطبية مقدمة على الاتمية استنادا لقول الشيخ خليل : " و على مرض حكم الطب بكثرة موته " (80) كما ذهبت المحكمة الابتدائية بآسفي في حكم صادر عنها بتاريخ 14/11/2000 إلى أن شهادة أهل الطلب أولي بالترجيح من شهادة اللفيف (81).
و ختاما نشير إلى أن هذا العرض يبقى مجرد مساهمة في تحديد معيار ضابط لرسم الحدود الفاصلة بين مجال تطبيق ق.ل.ع و مجال تطبيق الفقه الإسلامي في مادة البيوع العقارية من خلال معيار " قانون العقـد وقانون الحق" و نخلص تبعا لذلك و من خلال ما سبق إلا أن قانون العقد يعتبر قانونا واحدا و موحدا يتمثل في ظهير الالتزامات و العقود ويمكن تكملته بالفقه الإسلامي متى انعدم النص.
أما بخصوص قانون الحق فإنه لا مناص من اعتماد معيار طبيعة العقار لاسيما و أن مشروع مدونة الحقوق العينية ما زال يكرس الازدواجية في النظام العقاري بالمغرب، ليطبق بذلك الفقه الإسلامي على الحقوق العينية المرتبطة بعقار غير محفظ او في طور التحفيظ، و يطبق ظهير التحفيظ العقاري على الحقوق العينية المرتبطة بعقار محفظ مع إمكانية تكملته بقانون الالتزامات و العقود و الفقه الإسلامي.
و نتمنى أن يكون هذا المعيار المقترح أرضية تسمح بمزيد من النقاش حول إمكانية توحيد قانون العقد ورسم الحدود التي تفصله عن قانون الحق خاصة و أن الحديث عن ربط الثروة العقارية بالتنمية يقتضي مراعاة أهم المبادئ القانونية التي تقوم عليها التنمية الاقتصادية و هي الثقة التي ترتبط أشد ما ارتباط بمراعاة مبدأين آخرين هما مبدأ الاستقرار القانوني و مبدأ التوقع القانوني (82).


 ----------------------------

79)                          قرار المجلس الأعلى عدد 385، ملف عقاري عدد 215/2/1/2002 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 61 ص 110.
- و انظر تعليق ذ/ عبد السلام حدوش على موقف المجلس الأعلى بخصوص قاعدة الاتمية في مؤلفه " البيان و التحرير في التوليج و المحاباة و التصيير ط I 2000 ص 233 و ما بعدها.
80)                          قرار رقم 852/05 بتاريخ 29/11/2005 ملف رقم 583/05 منشور بمجلة الملف عدد 9.
81)                          حكم صدر في الملف رقم 84/99 منشور بمجلة الملف العدد 6.
82)                          أحمد ادريوش، مداخلته السابقة ص 295.


مداخلة ألقيت في الندوة الجهوية الخامسة في موضوع :النزاعات العقارية من خلال توجهات  المجلس الأعلى سطات، القاعة الكبرى لولاية الشاوية ورديغة 26-27 أبريل 2007

تعليقات