القائمة الرئيسية

الصفحات



الرقابة القضائية على قرارات سلطة الوصاية في مواجهة المنتخب المحلي ذ. ولد البلاد حميد قاض بالمحكمة الإدارية بالرباط

الرقابة القضائية على قرارات سلطة الوصاية في مواجهة المنتخب المحلي     ذ. ولد البلاد حميد قاض بالمحكمة الإدارية بالرباط








مداخلة القيت في ندوة" المنازعات الانتخابية والجبائية  من خلال توجهات  المجلس الأعلى


المركب الرياضي والاجتماعي لبنك المغرب
حي الرياض –مدينة العرفان
10-11 مايو 


الرقابة القضائية على قرارات سلطة الوصاية في مواجهة المنتخب المحلي     ذ. ولد البلاد حميد قاض بالمحكمة الإدارية بالرباط


الرقابة القضائية على قرارات سلطة الوصاية في مواجهة المنتخب المحلي     ذ. ولد البلاد حميد قاض بالمحكمة الإدارية بالرباط


المقدمة :
لقد قاد التطور التاريخي والسياسي إلى التخلي عن فكرة الدولة المركزية التي تدبر الشؤون نحو تبني نظام اللامركزية قصد تقاسم جزء من الاختصاصات مع وحدات ترابية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي ويسيرها أشخاص منتخبون مباشرة من طرف المواطنين [1] ، ويطلق على هذه الوحدات الجماعات المحلية ، وقد نص الفصل 100 من الدستور على أن " الجماعات المحلية هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية" ، كما تنص جميع القوانين المحدثة للجماعات المحلية على أنها تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي .
وأمام الاعتراف باستقلالها المالي وبشخصيتها المعنوية بما يسمح لها بتسيير الشؤون المحلية باعتبارها جزءا من الشؤون الوطنية ، فقد كان لزاما الاعتراف للسلطة المركزية بحق الرقابة الذي يتخذ عدة صور ؛ تعتبر الوصاية la tutelle صورتها التقليدية التي تعرضت خلال العشر سنوات الأخيرة لانتقادات نحو تبني نماذج أخرى تقوم على رقابة المشروعية من طرف السلطة المركزية من خلال الإحالة على القضاء الإداري [2]  .
والوصاية حسب مقتضيات المادة 68 من الميثاق الجماعي هي مجموع الصلاحيات المخولة للسلطة الإدارية بمقتضى نفس القانون من أجل السهر على تطبيق المجلس وجهازه التنفيذي للقوانين الجاري بها العمل وكذا ضمان حماية الصالح العام وتأمين دعم ومساعدة الإدارة .
وقد دأب الفقه الإداري إلى تقسيم الوصاية على المجالس المحلية إلى وصاية على الأعمال ووصاية على الأشخاص ؛ وهذه الأخيرة هي التي تهمنا في هذه الدراسة باعتبارها منصبة على قرارات سلطات الوصاية الصادرة في مواجهة المنتخبين المحليين ( أعضاء مجالس الجهات ومجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجماعات الحضرية والقروية ) في محاولة لضبط قواعد النظام التأديبي لهذه الفئة قصد مواجهة كل سلوك يخل بالانتداب المحلي أو يمس بالصالح العام .
وتمارس هذه الوصاية في شكل نظام تأديبي يخضع له المنتخب المحلي ويمس وضيعته تلك , إذ رغم أن المنتخب المحلي يكتسب تلك الصفة بمجرد إعلان انتخابه لتستمر معه طيلة مدة ست سنوات أو إلى غاية استكمال تلك المدة إذا انتخب في إطار انتخابات جزئية أو في إطار مسطرة التعويـــض ( المادة 75 من مدونة الانتخابات ) ، فإن تلك المدة ليست آلية ولا مطلقة ، بل قد تعرف بعض العوارض بتدخل من سلطة الوصاية في صورتين : التجميد المؤقت للانتداب الانتخابي المحلي ( المبحث الأول ) والإنهاء المبكر لذلك الانتداب ( المبحث الثاني ) . لذلك فإن الفكرة الجوهرية إذن تقتضي الإجابة عن أسئلة محورية من قبيل : هل الانتداب الانتخابي المحلي يكون لفترة لا تتخللها أي عوارض ؟ كيف يمكن التوفيق بين حرية الناخبين في اختيار من يمثلهم وحق سلطة الوصاية في وضع حد للانتداب الانتخابي أو تعطيله كوسيلة للدفاع عن مصالح الناخبين ؟ أليس القضاء هو تلك الوسيلة التي تضمن التوازن في هذه الحالات ؟
إن الإجابات عن هذه الأسئلة وغيرها، تقتضي مناقشة قرارات سلطات الوصاية في مواجهة المنتخب المحلي على مستويين :

أولا : على مستوى قرارات التعطيل المؤقت للانتداب الانتخابي المحلي.
ثانيا : على مستوى قرارات الإنهاء المبكر للانتداب الانتخابي المحلي.
وذلك من خلال رصد الحالات الخاصة بكل مجال والسند القانوني مع تفكيك شروط التدخل وشكلياته ورصد الاجتهاد القضائي الصادر بخصوص هذه النزاعات وتحليل حدود دوره في إقامة التوازن المتطلب.
المبحث الأول : التجميد المؤقت للانتداب الانتخابي المحلي :
تنتج هذه الوضعية عن تدخل مباشر لسلطة الوصاية في شكل قرار إداري يتضمن عقوبة التوقيف لمدة معينة ، قد تشمل منتخبا محليا بصفة فردية أو المجلس المنتخب بصفة جماعية .
المطلب الأول : توقيف المنتخب المحلي :
قد يوجد هذا التوقيف على صورتين :
الفقرة الأولى : - توقيف الرئيس أو النواب :
وقد نصت على هذه العقوبة الخاصة كل من المواد 17 من القانون المتعلق بالجهات و 34 من القانون المتعلق بتنظيم العمالات والأقاليم والمادة 33 من الميثاق الجماعي .
ويلاحظ أن المادتين  33 و34  المشار إليهما متطابقتان من حيث الصياغة ، كما يلاحظ أنه أمام  نصهما على سبب اتخاذ القرار ( مسؤولية الرئيس أو النواب عن ارتكاب أخطاء جسيمة ) فإن المادة 17 من قانون الجهات لم تحدد سبب اتخاذ ذلك الجزاء وإنما عبرت عنه بصيغة أكثر عموما ( الأفعال المنسوبة إليهم ) .
غير أنه إذا كانت عمومية الصياغة الواردة في المواد المذكورة تسمح للإدارة بتقدير مدى تحقق موجبات تدخلها ، فإن سلطتها تلك تبقى خاضعة لرقابة القضاء الإداري على مستوى الصحة المادية للوقائع من جهة ، وكذا على مستوى التكييف القانوني لها .
وفي هذا الإطار ، سبق للمجلس الأعلى أن بسط رقابته على التكييف القانوني للوقائع وما إذا كان ذلك يشكل سببا يدعو إلى اتخاذ عقوبة التوقيف في حق رئيس المجلس الجماعي ، إذ بعد تأكده من الصحة المادية للواقعة المنسوبة إلى ذلك الرئيس ، عمل المجلس الأعلى على إعطائها التكييف القانوني السليم وإحلاله محل التكييف القانوني الخاطئ الذي كانت الإدارة قد اعتمدته ، ليخلص إلى نتيجة مفادها أن التكييف الخاطئ لا يؤثر على سلامة قرار التوقيف طالما أن الوقائع ثابتة وأن إعادة تكييفها من طرف القاضي يدخل في إطار سلطاته المتعرف له بها [3] .
غير انه إذا كانت القاعدة أن ثبوت الخطأ في التكييف القانوني للواقعة التي تشكل عنصر السبب ، قد يؤدي إلى إلغاء القرار الإداري ، فإن مجال تطبيق هذه القاعدة ينحصر في الحالات التي تتوفر فيها الإدارة على سلطة اختيار محل القرار ، بأن يكون لديها الخيار بين إيقاع عقوبات على درجات مختلفة ، بما يجعل من عقوبة بذاتها لا تناسب إلا وصفا معينا من الفعل المنسوب للمخاطب بالقرار ، الشيء الذي يؤدي إلى القول بضرورة التراجع عن القرار نحو اتخاذ عقوبة أخف كلما ثبت أن التكييف القانوني الصحيح يجعل الفعل أقل خطورة مما ذهبت إليه الإدارة .
وعلى العكس من ذلك ، فإن سلطة الإدارة في نطاق قرار التوقيف ، إذا كانت تقديرية على مستوى التدخل من عدمه وكذا على مستوى التكييف القانوني للواقعة – تحت رقابة القضاء – فإنها مع ذلك مقيدة على مستوى نوع الجزاء ، طالما أن المشرع هو الذي تكلف بتحديد الجزاء (التوقيف) ، ومن ثم لا مجال للحديث عن التناسب بشكله المطلق التي تعرفه باقي جوانب العقاب الإداري متى كان هذا الأخير يمنح الإدارة حق الاختيار بين عقوبات مختلفة .
والواقع أن القضاء يراقب ملاءمة العقوبة من خلال التكييف القانوني للوقائع ، بتأكده من أن الأفعال المنسوبة إلى الطاعن من خلال وصفها القانوني تبرر إنزال عقوبة التوقيف به [4] .
وفضلا عن رقابة السبب في شقيه ، الوجود المادي للوقائع وتكييفها القانوني ، فقد يمارس القضاء رقابته على ثلاث مستويات ذات أهمية بالغة :
1- على مستوى الجهة المختصة بإصدار قرار التوقيف :
فالمواد المشار إليها سابقا تسند اختصاص إصدار قرار التوقيف إلى وزير الداخلية ، ومن ثم فإن أي قرار متخذ في نطاق تلك المواد من طرف جهة إدارية أخرى يصبح معرضا للإلغاء القضائي لعيب عدم الاختصاص الذي يمكن أن يثيره القضاء تلقائيا .
وقد يثور التساؤل عن مدى إمكانية تفويض وزير الداخلية لغيره في اتخاذ مثل هذه القرارات ؟
في حقيقة الأمر ، إن إعمال القواعد العامة للتفويض قد يصطدم في هذه الحالة بعدم وجود نص صريح يسمح بذلك بالنسبة لتفويض السلطة أو الاختصاص ، لتبقى إمكانية التفويض في التوقيع قائمة في نطاق ضوابطها .

2- على مستوى الانضباط لقواعد قانونية محددة :
ذلك أنه لا يمكن اتخاذ العقوبة المذكورة إلا بعد استنفاذ شكلية جوهرية تتعلق بحق الدفاع باعتباره مبدأ عاما يسبق كل إجراء ذي طبيعة عقابية .
وحق الدفاع في هذه الحالة تجسده إحدى الضمانتين :
أ - الاستماع إلى المعني بالأمر حول الأفعال المنسوبة إليه :
والملاحظ أن المشرع لم ينظم كيفيات وشكليات تحقق هذا الاستماع ، مع أن المبدأ يقتضي توثيق مضمونه في محضر يوقعه المعني بالأمر ، أو يشار فيه إلى رفضه التوقيع [5] .
ب - استدعاء المعني بالأمر قصد الإدلاء بإيضاحات مكتوبة حول الأفعال المنسوبة إليه :
وعلى هذا المستوى أيضا ، فإن المشرع لم ينظم شكليات الاستدعاء ولا الجهات التي تقوم به ولا آجاله .
فالأصل أن ما لم يتم تنظيمه من طرف المشرع – على مستوى الإجراءات الإدارية – أن الإدارة تملك حرية اختيار الإجراء المناسب شريطة أن يضمن حق الدفاع من خلال توجيه رسالة واضحة إلى المعني بالأمر تتضمن الأفعال المنسوبة إليه وتدعوه إلى إبداء موقفه منها داخل أجل معين ، ولا حرج أن يكون قصيرا [6] ، وهذه مسطرة تذكر بتلك المنصوص عليها في الفصل 66 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية [7] .
3- على مستوى الشكليات المرتبطة بالقرار :
يخضع قرار التوقيف لشكليتين هامتين :
أ‌-     التعليل :
يعتبر التعليل من المظاهر الخارجية لمشروعية القرار الإداري ، وينطوي على إبراز الأسباب الداعية إلى اتخاذ القرار في صلب الوثيقة التي تجسده متى تعلق الأمر بقرار كتابي .
وقد ظل التعليل لمدة طويلة محل جدال فقهي وتردد قضائي حول مدى تأثيره على مشروعية القرار الإداري ، رغم الإجماع على أهميته على مستوى شفافية الأعمال الإدارية وارتباطه بحق المخاطب بالقرار الإداري في معرفة الأسباب الحقيقة التي دعت إلى مواجهته بالقرار .
وقد حسم ذلك الجدال نسبيا من خلال تبني المشرع المغربي لقاعدة إلزام السلطات الإدارية بتعليل قراراتها في نطاق الضوابط الواردة في القانون 03.01 الذي ظل بدوره محل عدة تعاليق وانتقادات شملت مضمونه وطريقة تعامل المشرع مع القرارات الواجبة التعليل وتلك المستثناة من الخضوع له ، رغم الإقرار بأهميته في تجاوز واقع قضائي استثنى إخضاع الإدارة لرقابة التعليل بالنظر إلى عدم وجود نص عام يفرض عليها ذلك الالتزام [8] ، وكان يكتفي بإخضاعها لتلك الرقابة متى وجد نص خاص يفرض شكلية التعليل .
ومن بين النصوص التي تفرض التعليل ، تلك المتعلقة بتوقيف رئيس المجلس المنتخب أو نوابه وفقا لما تضمنته المواد المشار إليها أعلاه ، لذلك فإن كل قرار متخذ في نطاقها دون تعليل يصبح عرضة للإلغاء القضائي . والتعليل في هذه الحالات ، يمكن من التعرف على السبب الذي تتمسك به الإدارة لإيقاع هذا الجزاء ، ويسعف من خلال ذلك في فرض رقابة القضاء على الصحة المادية للسبب المتمسك به دون إمكانية تعويضه بأسباب أخرى ، كما أن التعليل يضمن حق الدفاع من خلال تمكين المخاطب بالقرار من الاطلاع على أسباب القرار المتضمنة في صلبه وتحديد موقفه منها .
ب- النشر :
إن النشر في الجريدة الرسمية في نطاق عقوبة التوقيف لا يعدو أن يكون مجرد إجراء شكلي يترتب عنه دخول القرار حيز التنفيذ من الناحيتين القانونية والفعلية ، غير أنه بالنسبة للمخاطب به لا يشكل تاريخ النشر بداية احتساب أجل الطعن ، طالما أن الأصل أن احتساب الأجل المذكور بالنسبة للقرار الفردي كما هو الشأن في هذه الحالة ، يتوقف على تاريخ التبليغ .
وختاما ، فإن القضاء يفرض رقابته على كل تلك الجوانب وكذا على مدة التوقيف التي لا ينبغي أن تتجاوز شهر واحدا .
  الفقرة الثانية : توقيف باقي أعضاء المجلس المنتخب :
  إن هذا الإجراء لا يخضع له أعضاء مجالس الجهات (المستشارون بالجهات) بصفتهم هذه ، لعدم وجود نص يسمح به ، وإنما يخضع له المستشارون بمجالس العمالات والأقاليم  (المادة 23 ) والمستشارون بمجالس الجماعات الحضرية أو القروية (المادة 21 ) .
  إن القراءة الأولية لمقتضيات المادتين المشار إليهما توحي بالملاحظات التالية:
- تطابق صياغة المادتين من حيث السبب الداعي إلى اتخاذ القرار ، ونوع العقوبة ومدتها ، والجهة التي خولها المشرع اختصاص إصداره وشكليات ذلك ، وهي نفس الشكليات التي تمت دراستها في الفقرة السابقة، مع ملاحظة أن هاتين المادتين اكتفتا في إطار حقوق الدفاع بشكلية الاستدعاء للإدلاء بالإيضاحات الكتابية دون شكلية الاستماع .
- عمومية المصطلحات المعبرة عن حالة قيام السبب ، بما يسمح للإدارة بتقدير الوقائع التي تصلح سببا لاتخاذ القرار (أفعال أو أعمال مخالفة للقانون ولأخلاقيات المرفق العام ) تحت الرقابة القضائية على مستوى الوجود المادي للوقائع ولتكييفها القانوني وفقا للقواعد المشار إليها سابقا .
  غير أن ما قد يثير النقاش على مستوى هذه المادة ، هو تحديد نطاق الأشخاص المخاطبين بها ، وما إذا كانت تشمل جميع أعضاء المجلس بدون استثناء أم أنها تخاطب الأعضاء وتستثني الرئيس والنواب ؟
  قد يذهب تفسير أول إلى أن المادتين 21 و23 المومإ إليهما أعلاه تستثني الرئيس والنواب بدليل إمكانية تعرضهما لنفس الجزاء (التوقيف لمدة شهر ) من طرف نفس الجهة ووفقا لنفس الشكليات التي تم تفصيلها في البند السابق  (المادة 34 من قانون العمالات  والأقاليم والمادة 33 من الميثاق الجماعي ) .
  عير أننا نفضل تفسيرا آخر ، بمقتضاه تنطبق المادتان على جميع أعضاء المجلس المنتخب بمن فيهم الرئيس والنواب ، وذلك لعدة أسباب أهمها :
- الصياغة العامة لنص المادتين ، باعتبارهما استعملتا عبارة "كل عضو" وهي العبارة التي تفيد استغراق جميع الأعضاء بمن فيهم الرئيس والنواب .
- اختلاف العبارات المستعملة للتعبير عن السبب في كل من المادة 21 من الميثاق الجماعي والمادة 23 من القانون المتعلق بتنظيم العمالات والأقاليم عن تلك الواردة في المادتين 33 من الميثاق الجماعي و34 من القانون المتعلق بتنظيم العمالات والأقاليم .
  فالطائفة الأولى تقتضي تدخل الإدارة كلما ثبتت مسؤولية العضو في ارتكاب أعمال أو أفعال مخالفة للقانون ولأخلاقيات المرفق العام ، مما يسمح لها بحرية واسعة للتدخل بغض النظر عن خطورة الأفعال ، بينما  يتوقف تدخلها في الطائفة الثانية على تحقق جسامة الأخطاء المنسوبة للرئيس والنواب .
  لذلك فأمام اختلاف الأسباب وعمومية مقتضيات الطائفة الأولى ، فإننا نرجح إمكانية تطبيقها على جميع أعضاء المجلس المنتخب بمن فيهم الرئيس والنواب ، استقلالا عن الحالات السابقة .
  والملاحظ أن التعابير التي استعملها المشرع في المادتين 21 من الميثاق الجماعي و23 من تنظيم قانون العمالات والأقاليم تستدعي وقفة خاصة حول حدود وتجليات مضمون الأعمال أو الأفعال المخالفة للقانون والأخلاقيات المرفق العام .
  والواقع أنه إذا كانت الأعمال المخالفة للقانون قد تبدو واضحة باعتبارها تعكس أي مخالفة للقانونين مهما كانت درجة تلك المخالفة ، ومن ثم إعطاء مجال واسع لتدخل الإدارة ، فإن الأعمال المخالفة لأخلاقيات المرفق العام قد لا تجد لها تحديدا تشريعيا ، وتعتمد أساسا مفهوما مجردا حول السلوكات التي ينبغي أن يتحلى بها رجل الإدارة[9] ، غير أن تكييفها يبقى خاضعا لرقابة القضاء الإداري .
  المطلب الثاني : توقيف المجلس المنتخب :
  قد تتدخل الإدارة لإصدار قرار بتوقيف مجلس محلي ، بما يؤدي إليه ذلك من تجميد الانتداب الانتخابي بصفة جماعية .
  وقد نصت على هذه الإمكانية كل من المواد 19 من القانون المتعلق بتنظيم الجهات و26 من القانون المتعلق بتنظيم العامالات والأقاليم و25 من الميثاق الجماعي .
  وإذا كانت كل تلك المواد تتحد على مستوى تحديد جزاء التوقيف لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر ، وكذا على مستوى الجهة التي خولها المشرع إصدار هذا القرار (وزير الداخلية ) وعلى مستوى شكليتي تعليل القرار ونشره في الجريدة الرسمية ، فإن هناك اختلافا جوهريا بينها على مستوى تحديد السبب الذي يكون مستندا واقعيا يوجب تدخل الإدارة .
  ففي الوقت الذي لم تحدد فيه المادة 19 من قانون الجهات أي سبب يستدعي تدخل الإدارة لإصدار قرار بتوقيف المجلس الجماعي ، اللهم إشارتها إلى حالة الاستعجال ، فإن المادة 26 من قانون تنظيم العمالات والأقاليم والمادة 25 من الميثاق الجماعي قد حددتا الحالات التي توجب إصدار قرار بالتوقيف في حق المجلس المنتخب وهي : تهديد مصالح العمالة أو الإقليم أو الجماعة لأسباب تمس بحسن سير المجلس إضافة إلى شرط الاستعجال .
  وإذا كان شرط الاستعجال من الأمور التي قد يتفق حول مضمونها (حاجة ملحة يلعب عنصر الزمن دورا حاسما فيها ، مع اتحاده مع شرط الاستعجال بمفهومه القضائي باعتباره حالة واقعية يصعب تدارك نتائجها لاحقا إن لم يتم التدخل في إبانه) ، فإن مسألة تهديد مصالح العمالة أو الإقليم أو الجماعة لأسباب تمس بحسن سير المجلس قد يختلف حول مضمونها وتجلياتها ، غير أن الراجح أن الإدارة قد تستقل بتقديرها تحت رقابة القضاء الإداري (رقابة السبب على مستوى الوجود المادي والتكييف القانوني ) .
  المبحث الثاني : الإنهاء المبكر للانتداب الانتخابي المحلي :
  إن حالات إقدام الإدارة على إصدار قرار إداري بالإنهاء المبكر للانتداب الانتخابي المحلي قد توجد في عدة صور منها ما هو منصوص عليها في مدونة  الانتخابات ( المواد 167 و195    و212 )، وهي حالات تخرج عن نطاق الوصاية التقليدية على الأشخاص ، وإنما  يمارسها العامل في إطار اختصاصاته المنصوص عليها في مدونة الانتخابات ، ورغم أنها تشكل إحدى صور عوارض الانتداب الانتخابي المحلي بمفهومه العام [10]، غير أننا هنا نركز على حالات الإنهاء المبكر للانتداب الانتخابي المحلي في إطار ممارسة الإدارة لسلطات الوصاية انطلاقا من القوانين المنظمة للجماعات المحلية .
  إن الإنهاء المبكر للانتداب الانتحابي المحلي في إطار سلطات الوصاية ، هو ذلك القرار الإداري الذي يقضي بمنع المنتخب المحلي من مواصلة انتدابه الذي لم تنته مدته القانونية .
  وقرار الإنهاء المبكر للانتداب الانتخابي المحلي قد يشمل المنتخب المحلي بصورة فردية ، كما قد يشمل المجلس المنتخب كهيئة جماعية ، كما أنه – على مستوى تحديد الاختصاص الوظيفي للجهة القضائية – قد يصدر في شكل قرار عن وزير الداخلية (اختصاص المحاكم الإدارية ) أو في شكل مرسوم عن الوزير الأول (اختصاص المجلس الأعلى ) .
  المطلب الأول : إنهاء انتداب المنتخب المحلي :
  إن تتبع مواد القوانين المنظمة للجماعات المحلية يكشف عن وجود ثلاث صور لهذا الإنهاء : العزل والإعلان عن الاستقالة والإعلان عن الإقالة .
  الفقرة الأولى : العزل :
  إن إمكانية إصدار عقوبة العزل في مواجهة المنتخب المحلي قد تم تنظيمها بموجب المواد 17 من قانون تنظيم الجهات و23 و24 و34 من القانون المتعلق بتنظيم العاملات والأقاليم و21 و22 و23 و33 من التنظيم الجماعي .
  والقاسم  المشترك بين كل تلك المقتضيات أنها نصت بصفة صريحة على اتخاذ عقوبة العزل بموجب مرسوم معلل ينشر في الجريدة الرسمية بعد تمكين المعني بالأمر من الحق في الدفاع عن طريق تخويله حق الإدلاء بالبيات الكتابية حول ما تنسبه إليه الإدارة أو الاستماع إليه في شأن ذلك .
  وطالما أن عقوبة العزل تصدر في شكل مرسوم ، فإن المجلس الأعلى يظل مختصا ابتدائيا وانتهائيا حسب مقتضيات المادة 9 من القانون 90.41 المحدثة بموجبه محاكم إدارية  بالنظر في طلبات إلغائها .
أ‌-     عزل الرئيس والنواب
غير أن ما يميز تلك المقتضيات أن بعضها يتعلق بعزل الرئيس والنواب والبعض الآخر يتعلق بعزل باقي الأعضاء .
إن قراءة المادة 17 من قانون الجهات تبين أنها لم تشمل سوى الرئيس ونوابه دون باقي أعضاء المجلس الجهوي ، كما أنها لم تحدد الأفعال التي من شأنها أن تسمح للإدارة بإصدار قرار العزل في حقهم ، مما يعطيها سلطة تقديرية واسعة في تكييفها للأفعال واعتبارها موجبة لإصدار مرسوم العزل ، غير أنها تبقى خاضعة لرقابة القضاء الإداري (رقابة التكييف القانوني للوقائع في إطار نظرية الخطإ البين في التقدير ... . [11]
أما المادتان 34 من قانون تنظيم العمالات الأقاليم و33 من الميثاق الجماعي ، فرغم إشارتهما إلى سبب اتخاذ قرار العزل في حق الرئيس أو نوابه من خلال واقعة ثبوت مسؤوليتهم عن ارتكاب أخطاء جسيمة ، غير أنهما تركتا للإدارة سلطة تقدير تلك الجسامة ، لتبقى هذه المسألة بدورها خاضعة لرقابة الغلط البين في التقدير .
ويبقى أن نشير على مستوى شكلية الحق في الدفاع أنه يمكن الاستغناء عن الاستماع إلى المعنيين بالأمر وعن استدعائهم للإدلاء بالإيضاحات الكتابية متى كان العزل مسبوقا بالتوقيف ومؤسسا على نفس الأفعال شريطة اقتران التوقيف المذكور بسلوك تلك الإجراءات ، فتصبح هذه الأخيرة معتمدة في القرارين معا [12] وفي هذه الصورة قد يصبح قرار التوقيف رغم صبغته التنفيذية إجراءا تمهيديا لإصدار مرسوم العزل رغم استقلال كل قرار عن الآخر ، وإذا كان قرار التوقيف قابلا للطعن عن طريق دعوى الإلغاء بصفة مستقلة عن مرسوم العزل ، فإن صدور هذا الأخير استنادا إلى نفس الأسباب والمسطرة المعتمدة في قرار التوقيف قد تجعل الطعن في هذا الأخير غير ذي موضوع ، دون أن يشكل اتخاذ القرارين معا أي ازدواج في العقاب طالما أن الواقعة التي استند إليها من الخطورة التي تبررهما معا ...[13]
ب-  عزل باقي الأعضاء :
كما أشير إلى ذلك سابقا ، فإن القانون المنظم للجهات لم يرس مسطرة خاصة بعزل أعضاء مجلس الجهة – من غير الرئيس والنواب – لذلك فالأصل أنه لا يمكن إصدار قرار بعزلهم لعدم وجود السند القانوني الذي يسمح باتخاذ هذه العقوبة .
بينما تعتبر كل من المادتين 23 و24 من القانون المنظم للعمالات والأقاليم والمادتين 21 و22 من الميثاق الجماعي ،متطابقة إن على مستوى الصياغة الحرفية أو على مستوى الإجراءات والشكليات التي تسبق إصدار مرسوم العزل أو على مستوى الأسباب الداعية إلى اتخاذ تلك العقوبة ، (وهي نفس المسائل التي تمت مناقشتها أثناء دراسة قرار التوقيف في الفقرة الثانية من المطلب الأول من البحث الأول ) .
كما أننا نساند الرأي القائل بأن مقتضيات هذه المواد تنطبق حتى على الرئيس والنواب استنادا إلى العلل الواردة في الفقرة الثانية من المطلب الأول من المبحث الأول ويخضع مرسوم العزل لنفس أوجه الرقابة القضائية .
ج -  العزل في إطار المادة 23 من الميثاق الجماعي :
  وبدورها حددت المادة 23 من الميثاق الجماعي عقوبة العزل بموجب مرسوم معلل يتم نشره في الجريدة الرسمية بعد استدعاء المعني بالأمر للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه . غير أن هذه المادة لا تنطبق على الرئيس ونوابه، بل تشمل فقط باقي أعضاء المجلس الجماعي (خارج مكتب المجلس[14] ، كما أنها حددت الحالات الموجبة لاتخاذ هذه العقوبة (مزاولة المهام الإدارية أو التوقيع على الوثائق الإدارية أو إدارة أو التدخل في تدبير المصالح الجماعية) .
الفقرة الثانية : الإعلان عن الاستقالة .
هناك حالة فريدة تضمنتها المادة 30 من القانون المنظم للعمالات والأقاليم تقضي بإمكانية الإعلان عن استقالة رئيس مجلس العمالة أو الإقليم في حالة تواجده ضمن إحدى حالات التنافي المنصوص عليها حصرا في الفقرة الأخيرة من تلك المادة (الجمع بين رئاسة جماعتين محليتين ) .
إذ يصدر الوالي أو العامل قرار الإعلان عن الاستقالة من مهام  رئيس مجلس العمالة أو الإقليم بالنسبة لكل شخص يجمع بين هذه المهمة ورئاسة جماعة محلية أخرى (مجلس جهوي أو مجلس جماعي ) ، طالما أن المعني بالأمر  لم يعرب عن رغبته في التخلي عن واحدة من المهام المتنافية داخل أربعة أيام الموالية للانتخاب .
والملاحظ أن هذه المادة لم تقيد العامل أو الوالي بضرورة احترام شكلية بذاتها أو تعليل قراره أو استدعاء المعني بالأمر للانضباط لهذه المادة تفاديا لحالة التنافي ، لذلك فإن الأصل أن هذا النوع من القرارات لا يخضع للشكليات المتحدث عنها سابقا، بل يكفي صدوره عن الجهة المختصة (الوالي أو العامل ) متى تحقق سببه (الجمع بين مهام رئيس مجلس العمالة أو الإقليم ورئيس مجلس جهوي أو جماعي) .
  الفقرة الثالثة : الإعلان عن الإقالة [15]
  إن العقوبة المتعلقة بالإعلان عن الإقالة جاءت متضمنة في المادة 22 من القانون المنظم للعمالات والأقاليم والمادة 20 من الميثاق الجماعي المتطابقين من حيث الصياغة والمحتوى . وقد اعتبرها جانب من الفقه إجراءاً زجريا لحث المستشارين على المواظبة والحضور[16].
  وبتفكيك مقتضياتهما يتبين أنهما أقرتا عقوبة الإعلان عن الإقالة متى تحققت إحدى الحالتين :
-        التغيب لثلاث دورات متتالية دون سبب يقبله المجلس .
-        الامتناع بدون عذر عن القيام بالمهام المنوطة بموجب النصوص المعمول بها .
وينبغي أن يكون هذا الإجراء مسبوقا بالشكليات التالية :
-           استفسار المعني بالأمر عن أحد السببين .
-           تقديم طلب الإقالة من طرف رئيس المجلس أو السلطة الإدارية المحلية .
-           إبداء المجلس رأيا معللا في شأن طلب الإقالة .
كما أن قرار الإعلان عن الإقالة يصدر عن وزير الداخلية أو الوالي أو العامل بالنسبة للجماعات القروية، ويكون معللا وينشر بالجريدة الرسمية .
ولنا وقفة خاصة مع هذا الإجراء باعتباره الأكثر مثارا للمنازعات القضائية .
ففي البداية نتساءل عن نطاق الأشخاص المشمولين بهذا الإجراء ؟ إن الصياغة التي تبنتها المادتان معا تفيد الاستغراق الذي يجعل النص منطبقا على جميع أعضاء المجلس الجماعي  أو مجلس العمالة أو الإقليم ، بمن فيهم الرئيس ، وذلك لمجموعة من الاعتبارات التي تضاف إلى الاعتبار اللغوي الذي انصرفت إليه صياغة النص ، ومنها :
* إمكانية تصور امتناع رئيس الجماعة أو رئيس مجلس العمالة أو الإقليم دون عذر مقبول عن القيام بإحدى المهام المنوطة به بموجب القوانين ، فتتدخل السلطة الإدارية المختصة في إطار مسطرة الحلول المنصوص عليها في المادة 44 من قانون تنظيم العمالات والأقاليم والمادة 77 من الميثاق الجماعي ، الشيء الذي يجعله في هذه الحالة مخاطبا بمقتضيات المادتين 22 من قانون العمالات والأقاليم و20 من الميثاق الجماعي .
* تبني المشرع إمكانية توجيه طلب الإعلان عن الإقالة إلى وزير الداخلية أو إلى العامل أو الوالي من طرف السلطة الإدارية المحلية المختصة ، وهذه الإمكانية بالذات هي التي تجعل الإعلان عن إقالة الرئيس من طرف سلطة الوصاية أمرا ممكنا من الناحيتين الواقعية والقانونية .
وعلى مستوى آخر ، غالبا ما تثار نزاعات بخصوص توصل المعني بالأمر بالاستدعاءات لحضور دورات المجلس التي ترجع بعبارة "غير مطلوب " ليتمسك بأنها لا تفيد التوصل حسب ما استقر عليه الاجتهاد القضائي .
غير أن المحاكم كانت متشددة تجاه هذه الوسائل ، إذ اعتبرت أن رجوع الاستدعاء بعبارة غير مطلوب تنطوي على عدم التواجد بالعنوان وبالتالي قطع الصلة بالجماعة[17] ، كما اعتبرت أن رجوع الاستدعاء بعبارة غير مطلوب رغم أن المعني بالأمر سبق أن توصل باستدعاءات في نفس العنوان يعتبر قرينة على إحجامه العمدي عن تسلم الاستدعاء ولا يؤثر على مشروعية قرار الإعلان عن الإقالة[18] ، بينما لم تبحث المحكمة في نازلة أخرى في مدى التوصل بالاستدعاء رغم أنه كان محل منازعة من طرف الطاعن[19].
ويلاحظ أن المشرع لم ينظم شكليات معينة لتوجيه الاستدعاء للأعضاء لحضور دورات المجلس ، وإنما اكتفى بالتأكيد على الدعوة الكتابية المصحوبة بجدول الأعمال ، غير أنه حدد الأجل الأدنى الفاصل بين توجيه الاستدعاء وعقد الدورة في ثلاثة أيام كاملة على أقل تقدير .
وأمام عدم تنظيم المشرع للجهة المكلفة بالتبليغ ، فالأصل أنه يمكن توجيه الاستدعاء بجميع الطرق بما فيها البريد أو أعوان السلطة المحلية أو المفوضين القضائيين .
وقد تتمسك الإدارة في أحيان كثيرة بتوفر علم الطاعن بتاريخ عقد دورات المجلس طالما أن المشرع هو الذي تولى تحديد ذلك التاريخ (المادة 49 من قانون تنظيم العمالات والأقاليم ، والمادة 58 من الميثاق الجماعي) .
غير أن هذا الدفع قد لا يصمد أمام النقاش القانوني ، ذلك أن مسألة استدعاء الأعضاء لحضور دورات المجلس تعتبر التزاما قانونيا يقع على عاتق الرئيس ، كما أن المشرع لم يحدد سوى عدد الدورات العادية للمجلس والأشهر المقررة خلالها دون أن يتكفل بتحديد اليوم الذي تفتتح فيه تلك الدورات ، مع التذكير بأن مدة الدورة لا ينبغي أن تتجاوز 15 يوما (مع مراعاة إمكانية التمديد لمدة أسبوع) ، مما يدحض إمكانية التعرف أو التنبؤ باليوم الذي ستفتتح فيه الدورة ، هذا فضلا عن إمكانية عقد دورات استثنائية بين الدورات العادية .
كما تتمسك الإدارة في حالات عديدة بكون النظام الداخلي للمجلس يفرض على العضو إخبار الرئيس بتغيبه عن الدورات مع تحديد مبرر ذلك التغيب ليتمكن الرئيس من عرض الأمر على أنظار المجلس قصد البت في مدى قبول العذر من عدمه ، وتعتبر الإدارة أن إخلال العضو بهذا الالتزام يبرر اتخاذ قرار الإعلان عن إقالته .
غير أنه يجدر التذكير أن مثل هذه المقتضيات فضلا عن عدم سموها على المقتضيات القانونية، فهي تنطوي على قلب مسطرة الإعلان عن الإقالة رأسا على عقب ، إذ بدلا من جعل عبء إثبات الاستدعاء لحضور دورات المجلس ملقى على الإدارة ، تود هذه الأخيرة قلب قواعد الإثبات بتحميل العضو عبء إثبات إخباره المجلس بتغيبه وبسبب ذلك ، مع العلم أن في ذلك خلط واضح مع مسطرة استفسار المعني بالأمر عن أسباب التغيب التي هي مسطرة لاحقة للاستدعاء ولواقعة التغيب .
وعلى مستوى تقدير مدى كفاية الوقائع التي يدفع بها العضو المعلن عن إقالته لتبرير عدم تلبية استدعاء الحضور لثلاث دورات متتالية للمجلس ، فإن القضاء يبسط رقابة واسعة تشمل الصحة المادية للواقعة المتمسك بها ومدى كفايتها لتبرير التغيب ، إذ في نازلة تم البت فيها مؤخرا ، اعتبرت المحكمة "أن واقعة التواجد خارج أرض الوطن لا تصلح أن تكون مبررا لعدم حضور جلسات المجلس الجماعي إلا متى اقترنت بظرف طارئ يرتبط إما بالعلاج أو بمباشرة مهمة رسمية أو الدراسة " ، وأوضحت أن "المدعي لم يثبت أن تواجده خارج أرض الوطن كان فعلا بهدف تسجيل بناته قصد الدراسة بإسبانيا حتى يمكن للمحكمة أن تقيم مدى توقف التسجيل المذكور على انتقاله إلى هناك وإهمال حضور جلسة المجلس الجماعي رغم علمه بانعقادها" [20] لتضيف بأن "التذرع بتضمين جدول أعمال الدورة نقطا تمس الطاعن بصفته رئيسا سابقا لا يقوم مبررا للتغيب عن حضورها"[21] .
وفي نازلة أخرى ، قد يتذرع العضو المعلن عن إقالته من مجلس جماعي مبررا تغيبه خلال دورتين متتاليتين بحضوره أشغال إحدى لجان مجلس النواب باعتباره عضوا فيه، لتصبح المحكمة ملزمة بمناقشة هذا المبرر وما إذا كان الانشغال بالانتداب الوطني يبرر إهمال الانتداب المحلي [22] .
ومن جانب آخر ، فإن عقوبة الإعلان عن الإقالة ، لا يمكن اتخاذها – على فرض توفر سببها – إلا بعد تمكين المعني بالأمر من تقديم إيضاحاته ضمانا لحقه في الدفاع ، ويؤدي عدم تمكينه من ذلك إلى جعل القرار غير مشروع[23] .
غير أننا نتساءل عن الآثار القانونية المترتبة عن موقف المعني بالأمر من طلب الإدلاء بإيضاحاته ومن شكليات ذلك .
في حقيقة الأمر ، لم يتضمن التشريع المغربي أية شكلية معينة يفرغ فيها حق الدفاع بخصوص هذه الحالة ، لذلك يتصور إما بعث رسالة إلى المعني بالأمر لاستفساره حول أسباب التغيب أو أسباب الامتناع عن ممارسة المهام وحثه على الجواب داخل أجل تحدده الإدارة ، أو الاستماع إليه خلال إحدى دورات المجلس اللاحقة للدورات الثلاث التي تغيب عنها أو اللاحقة لواقعة الامتناع عن القيام بالمهام مع تضمين ذلك بمحضر الجلسات ، أو تمكينه من الإدلاء بتبريرات مكتوبة موقع عليها من طرفه ، إلى غير ذلك من الصور التي من شأنها توثيق هذه الواقعة .
غير أنه متى تم تمكين المعني بالأمر من الإدلاء بإيضاحاته ، ولم يقدم أي مبرر بالمرة أو امتنع عن تقديمه أو قدم مبررات اعتبرها المجلس غير مقبولة ، فما مدى تأثير كل تلك المواقف على مشروعية قرار الإعلان عن الإقالة ؟
قد تختلف النظرة إلى القرار بحسب تقييم المحكمة لموقف المعني بالأمر من الاستفسار الموجه إليه ، ففي حالة عدم تقديم أي مبرر للمجلس أو الامتناع عن تقديمه بما يؤدي إليه ذلك من اعتباره الغياب أو الامتناع عن المهام غير مبرر للإدارة التي أقدمت على إصدار قرار الإعلان عن الإقالة ، ليستظهر أمام القضاء – في مرحلة الطعن القضائي – بتلك المبررات ، فهل ينبغي مناقشة القرار في ظل الوضعية السابقة لصدوره أم في ظل ما استظهر به الطاعن من مبررات ؟
إن الجواب عن هذا السؤال يقتضي الوقوف على ماهية هذا الإجراء (موقف الطاعن من طلب الإدلاء بالإيضاحات ) وما إذا كان إجراءاً جوهريا يضمن حق الدفاع بالنسبة للطاعن أم يشكل جزءا من بنيان السبب في اتخاذ قرار الإعلان عن الإقالة[24] .
وختاما ، فإن مسطرة الإعلان عن الإقالة بشكلها المنظم بمقتضى المادتين المشار إليهما سابقا،  تثير العديد من التساؤلات حول تداخل سلطات كل من رؤساء المجالس وسلطات الوصاية، واعتماد هذه الأخيرة في إصدار قرار إداري تسأل عن نتائجه في إطار القواعد العامة على تقرير يعده في غالب الأحيان أولئك الرؤساء بدعم من أغلبية معينة داخل المجلس ، مما قد يجعل ممارسة هذه المسطرة مجرد تصفية حسابات داخل المجلس يؤدي إلى توريط سلطات الوصاية في مستنقع تلك الحسابات مع ما ينتج عنها من تأويلات تمس بحيادها وتحملها المسؤولية الإدارية عن إصدار قرار الإعلان عن الإقالة متى ثبتت عدم مشروعيته بتوافر باقي أركان المسؤولية .
المطلب الثاني :  حل المجلس المحلي
يعتبر حل المجلس المحلي عقوبة تمس جميع أعضاء المجلس المنتخب وتنهي انتدابهم بصفة جماعية .
ويجد هذا الإجراء سنده القانوني في مقتضيات المادة 19 من قانون تنظيم الجهات والمادة 26 من القانون المتعلق بالعمالات والأقاليم والمادة 25 من الميثاق الجماعي .
والقاسم المشترك بين كل هذه المواد أن قرار الحل يصدر في شكل مرسوم معلل وينشر بالجريدة الرسمية ، ومن ثم فإن اختصاص البت في مشروعيته ينعقد للمجلس الأعلى طبقا لمقتضيات المادة 9 من القانون 90.41.
ومن جهة أخرى ، فقرار الحل لا يخضع لأي إجراء مسبق من قبيل الإدلاء بالإيضاحات[25] .
غير أنه من جانب آخر ، فالمادة 19 من قانون تنظيم الجهات لم تورد أي إشارة إلى الواقعة التي تشكل ركن السبب الذي يدعو إلى إصدار قرار الحل ، بينما أوردت المادتان 25 من الميثاق الجماعي و26 من قانون تنظيم العمالات والأقاليم الحالات التي تدعو إلى تدخل الإدارة وهي ؛ وجود تهديد لمصالح العمالة أو الإقليم أو المصالح الجماعية لأسباب تمس بحسن سير المجلس ، ومن شأن هذه الصياغة ترك المجال واسعا أمام الإدارة لتقدير الوقائع التي تجعلها تتخذ قرار حل المجلس ، غير أن تقديرها المذكور يبقى خاضعا لرقابة القضاء في نطاق نظرية الخطإ البين في التقدير[26] .
وختاما ، من خلال ما سبق ، تكون بعض ملامح النظام التأديبي للمنتخب المحلي قد أخذت صورها من خلال تفعيل سلطات الوصاية لاختصاصاتها في هذا المجال ، غير أن الوصول إلى نظريات متكاملة حول هذا النظام التأديبي يتوقف على وجود اجتهاد قضائي غزير حول جميع جوانب هذه الممارسة .
ومع ذلك ، فإن هذه المحاولة اكتفت بمجرد لفت الانتباه إلى مجال دقيق وبالغ الأهمية رغبة في الحث على الاهتمام به قصد تعميق النقاش حوله ، مع اعترافنا بعدم الجرأة في الحسم في مجموعة من الإشكالات التي لازالت مطروحة على أنظار القضاء التزاما بذلك بواجب التحفظ الذي يطوق عملنا .



[1] -  M’Faddel Smires , Centralisation et décentralisation : développement recent , REMALD  , N°32 Themes actuels , P 59 
[2] -  le contrôle de légalité des actes locaux en France , entre la mise en cause et la remise en ordre , l’actualité juridique – Droit administratif , 20 octobre 1999 , P 767 et suiv
[3] - قرار عدد 257 بتاريخ 07/08/1981 في الملف عدد 711 ، الوكيلي محمد لحسن ضد وزير الداخلية ، أورده أحمد البخااري ، وأمينة جبران ، في اجتهادات المجلس الاعلى ، الغرفة الإدارية ، المنشورات الجامعية المغاربية ، مراكش ، الطبعة الأولى 1996 ، ص 215 .
[4] - CE . ASS , 27 Fév 1981 , Wahnapo , Rec 111 , AJDA 1981 , 476 con . M Franc , Rev . adm . n 206 , 1982 , 159 , Note Paceau , cité par Laurent Touvet et autres , in les grands arrets du droit de la décentralisation , Dalloz Paris 1999 , P296 .
[5] -  Laurent Touvet et autres , OP . CIT , p 298
[6] -  Laurent Touvet et autres ,  op , p 298
[7] - تنص الفقرة 3 من الفصل 66 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على أنه : " ويقع الإنذار والتوبيخ بمقرر معلل تصدره السلطة التي لها حق التأديب من غير استشارة المجلس التأديبي بعد الاستدلال ببيانات المعني بالأمر ... " أنظر محمد الأعرج ، قاضي المحاكم الإدارية وحماية حقوق الموظف من خلال الرقابة على مسطرة حق الدفاع ، م م إ م ت ، عدد 47 مواضيع الساعة ص 105 .
[8] - أحمد البخاري وأمينة جبران ، مرجع سابق ، ص 78 .
-          عبد الله حداد  تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي ، منشورات عكاظ ، الرباط ، الطبعة الثانية 2002 ، ص 122 .
-          محمد الوزاني ، القضاء الإداري ، دار النشر الجسور ، وجدة 2000 ، ص 129 .
-          عبد القادر مساعد ، تعليل القرارات الإدارية : من الاختيار إلى الوجوب ، م م إ م ت ، عدد 37 ، ص 31 وما يليها .
[9] - مولاي إدريس الحلابي الكتاني ، الأخلاقيات في الإدارة العمومية ، م م إ م ت ، عدد 24 ، ص 11 .
-  Mohammed EL Yaagouri , le contrôle de la moralité admini stratif au Maroc , REMALD , N0 38/39 , P 9
[10] - قد يشكل ذلك موضوع دراسة مستقلة ، سنعمل على إعدادها متى سمحت الظروف إن شاء الله .
[11] - Laurent Touvet et autres op . cit , p 300 et 301
[12] -  C E , A SS F22vrier 1981 M zahnapo M op cit M p 296
[13] -  C E , A SS Février 1981 M zahnapo M op cit M p 296-

[14] - تنص المادة 6 من الميثاق الجماعي على أنه : " ينتخب المجلس الجماعي من بين أعضائه رئيسا وعدة نواب يؤلفون مكتب المجلس المذكور ...
[15] - أثرنا استعمال المصطلح العربي الإقالة الوارد في المادة 20 من القانون المتعلق بالعمالات والأقاليم والمادة 0 من الميثاق الجماعي في النسخة العربية رغم أن النسخة الفرنسية تضمنت عبارة déclaré demissionnaire  التي تقابل ترجمتها  الإعلان عن الاستقالة .
[16] - المصطفى دليل ، المجالس الجماعية وعلاقاتها العامة م م أم ت ، العدد 40 سلسلة مواضيع الساعة ، ص 174 .
[17] - المحكمة الإدارية بالدار البيضاء ، حكم عدد 2042 بتاريخ 10/12/1997 في الملف رقم 841/96 غ .
[18] - المحكمة الإدارية بوجدة ، حكم عدد 186 بتاريخ 12/09/2001 في المل فرقم 181/2000 .
[19] - المحكمة الإدارية بأكادير ، حكم عدد 12 بتاريخ 27/02/2003 في الملف رقم 31/02 غ .
[20] - المحكمة الإدارية بالرباط ، حكم عدد 1249 بتاريخ 12/10/2006 في الملف عدد 369/1/05 وكانت المحكمة قد رفضت طلب غيقاف تنفيذ نفس القرار بموجب حكمها الصادر بتاريخ 27/10/205 في الملف عدد 370/2/05 .
[21] - المحكمة الإدارية بالرباط ، الحكم السابق ذكره .
[22] - ملف رقم 314/1/05 لا زال معروضا أمام المحكمة الإدارية بالرباط في مرحلة البحث حول وقائع النزاع ، لذلك فإننا ننتظر ما ستقوله المحكمة بشأن هذه النقطة .
[23] - المحكمة الإدارية بفاس ، حكم عدد 447 بتاريخ 20/6/2000 في الملف عدد 275/99 غ .
[24] - تشكل هذه النقطة جزءا من المناقشة التي يثيرها الملف رقم 314/1/05 الذي لا زال معروضا على أنظار المحكمة الإدارية بالرباط .
[25] - Laurent Touvet et autres , op , cit , p 304 .
[26] -  C . E 19 Janv , 1990 , Bordin , Rec 605 , cité par Laurent Touvet et autres , op . cit . p 303

تعليقات