القائمة الرئيسية

الصفحات



الإثبات في النزاع الجبائي

الإثبات في النزاع الجبائي 







الإثبات في النزاع الجبائي 

"إن المواطنين مدعوون إلى التقيد الدقيق بالأداء الجبائي بصفته واجبا مقدسا يعتبر أي إخلال به انتهاكا لحق المجتمع كله وإضعافا لروح المواطنة.
وإن إدارتنا ومؤسسات الدولة مدعوة أن تكون مثالا للتفاني في خدمة  الصالح العام وفي الحرص على صيانة مكاسب الشعب"().
تعبر هذه القولة التي وردت في مقدمة ميثاق المطالب بالضريبة عن طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بين المطالب بالأداء وبين إدارة الجباية. وهي علاقة تقوم على فرض احترام الواجب الجبائي مع الحفاظ على حقوق الخاضع للأداء ودون التعدي على حقه المشروع في الملكية.
على أن فرض احترام الواجب الجبائي قد يلاقي تصديا من المطالب بالأداء إما بغية التهرب من دفع الضريبة , وإما لكون هذا الأخير يرى أنه قد أدى واجبه الجبائي, فيثور تبعا لذلك نزاع بينه وبين إدارة الجباية.
يمر هذا النزاع بمرحلة مراقبة إدارية حيث يتم النظر في ملف المطالب بالأداء وتنطلق عمليات المراقبة الجبائية لمراجعة وضعيته الجبائية وتنتهي بحفظ الملف أو باعتراف يصحح الوضعية أو بصدور قرار التوظيف الإجباري للأداء متى اتضح للإدارة أنه لم يحترم واجبه الجبائي.
وفي حالة عدم اقتناع المطالب بالأداء بقرار التوظيف الإجباري, يتم بسط النزاع من قبله أمام القضاء للحسم فيه. وفي هذه المرحلة القضائية يكون الإثبات وسيلة المطالب بالأداء للحصول على إعفاء أو تخفيض الأداء الموظف عليه.
 ذلك أن قرار التوظيف الإجباري الذي أوجب المشرع أن يكون مؤسسا ومعللا قد تكون به ثغرات   تمكن المطالب بالأداء من إثبات ما يخالفه أو إثبات  عدم صحة الأسانيد الواردة فيه,  معتمدا في ذلك على كل وسائل الإثبات المخولة له قانونا .  وهي النتيجة المرجوة من إقامة الدليل أمام القضاء, فكرة إقناع الحاكم().
ذلك أن الإثبات القضائي هو إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون على وجود واقعة أو تصرف قانوني ترتبت آثارها().
و يجمع الفقه على أن للإثبات أهمية  بالغة في حسم النزاع , فبانعدام الحجة يصبح الحق مجردا من كل نجاعة ملموسة . فأول ما  يطالب به الخصوم عند المنازعة في الحق هو التدليل عليه. إذ لا يستطيع الشخص أن يصل إلى حقه عند المنازعة فيه إلا بأن يطلب من القضاء حماية هذا الحق. وإذا رفع النزاع إلى القضاء فإنه لا يستطيع أن يأخذ الشخص ما يدعيه من حق لنفسه ما لم يتحقق من أن ما يدعيه موافق للحقيقة إذ يحتمل أن يكون مخالفا لها. وفي هذا يقول ابن حزم: " لو أعطي كل امرئ بدعواه المعراة لما ثبت حق, ولا بطل باطل, ولا استقر ملك أحد على مال..."().
وتتدعم أهمية الإثبات بكونها حاضرة في جميع المواد وبخصوص جميع النزاعات على اختلاف مواضيعها وأطرافها.
وتثير مسألة الإثبات في النزاعات الجبائية عدة مسائل هامة. وذلك نظرا لتعلق موضوعها بمجال حساس وهو الجباية. ونظرا لوجود خصوصية في أطراف النزاع حيث يشمل طرفين أحدهما الدولة صاحبة السيادة من جهة والخاضع للأداء من جهة ثانية.
تشمل النزاعات الجبائية بالمعنى الواسع جملة الخلافات أو الخصومات الناشئة عن تطبيق قانون الضريبة أو هي جملة الطرق القانونية التي وضعها المشرع على ذمة المطالب بالأداء للمنازعة في شرعية تطبيق القانون الجبائي من طرف الإدارة(). 

غير أن هناك من يرى أن النزاع الجبائي لا يشمل إلا النزاعات المتعلقة بتحديد أساس الضريبة ومبلغها والنزاعات المتعلقة باستخلاص الضريبة(). وهو التعريف الذي سنعتمده في إطار بحثنا وذلك نظرا لشساعة المادة إذا اعتمدنا التعريف الأول مع حصر موضوعنا في النزاعات المتعلقة بتحديد أساس الضريبة ومبلغها نظرا لتعلق النزاعات الخاصة باستخلاص الضريبة بمسائل التنفيذ وهو ما يفترض صدور حكم في النزاع.
ولما كان موضوع النزاع الجبائي يتمحور حول الضريبة باعتبارها جوهر النظام الضريبي ككل, فالاقتطاع  الضريبي هو تعبير عن العلاقة الكائنة بين الدولة والمواطن وله طبيعة مالية وجب تأطيرها وتنظيمها من حيث أنها التزام جبائي يستوجب تقنية قانونية ومن حيث أنها تقيم علاقة جبائية تستهدف جوانب تمويلية وسياسية واقتصادية واجتماعية فإنه من اللازم توضيح مفهومها ().
الضريبة هي مبلغ من النقود تقتضيه الدولة مباشرة من الأشخاص الطبيعيين والمعنويين بطريق الجبر وبصورة نهائية دون أن يقابله نفع معين وذلك من أجل تغطية النفقات العمومية().
إن هذا التعريف يسمح باستخراج العناصر الأساسية للضريبة.
فالضريبة هي اقتطاع نقدي, إذ الاقتطاع يتم نقدا ذلك أن المشرع التونسي استبعد فكرة
الاقتطاع العيني في شكل مساهمات عينية( كالسلع أو الخدمات أو مساهمات في شكل أيام               عمل).
والضريبة اقتطاع إجباري, وهذا الطابع الإجباري للضريبة يوضح أن أساسها ليس إراديا

أو تعاقديا فالضريبة تصبح ملزمة وإجبارية الاقتطاع بموجب القانون(), وبواسطة المؤسسات التي تحتكر سلطة إجبار المطالب بالأداء على دفعها لفائدة خزينة الدولة.
كما تتميز الضريبة بأنها اقتطاع نهائي, فهي تصبح بعد تحصيلها ملكا للخزينة العامة       ولا يمكن استرداد مبلغها إلا في حالات جد معينة بموجب القانون.
والضريبة اقتطاع بدون مقابل إذ لا يمكن أن نتصور أن الضريبة المؤداة من طرف الخاضع لها هي ثمن أو مقابل خدمة معينة تقدمها السلطات العمومية. فالمواطن وإن لم يؤد       ما عليه من ضرائب يمكنه دائما أن يستفيد من مجموع خدمات المرافق العامة.
إن غياب المقابل في الضريبة هو ما يميزها عن باقي الإقتطاعات الأخرى كالرسم وشبه الجباية.
 فالرسوم هي مبالغ تؤخذ لفائدة الخزينة من الأفراد مقابل خدمة عامة, كالمعلوم على الموازين والمكاييل مثلا().
أما شبه الجباية فهي مبالغ تؤخذ زائدة عن الجباية تخصص لأغراض معينة ولا تشملها قاعدة وحدة الميزانية().
إن الضريبة تقوم على أساس فكرة التضامن الاجتماعي بغية تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وسياسية.
فمن المعلوم أن الجباية تمثل أحد أهم الموارد العمومية للدولة وبها يتم تمويل المالية العامة  لتوجيهها لخدمة المصالح الاقتصادية .
ومن هنا, فإن الضريبة تعتبر أداة أساسية للتنمية الاقتصادية على عدة مستويات كعنصر تجميع وتعبئة للموارد المالية لتمويل التنمية, وكعنصر أساسي لتوفير الادخار, وكعنصر محث ومشجع على الاستثمار.. 
إن تعبئة الموارد المالية وتوجيهها إلى النفقات الاستثمارية تشكل إحدى الاهتمامات الأساسية للسلطات العمومية. كما أن تجميع الموارد المالية للدولة عبر الضريبة من شأنه أن يقلص درجات تبعية الاقتصاد الوطني للمؤسسات المالية الدولية, ومن شأنه أن يجنب الدولة اللجوء إلى الحلول الآنية والسهلة كالاقتراض الخارجي والمشاكل المترتبة عنه خاصة من تهميش للموارد المحلية, ومن مضاعفة التبعية الاقتصادية والمالية للمراكز الدولية, ومن تحميل الأجيال القادمة أعباء القروض المستهلكة. هذا علاوة على أن سلوك الفاعلين الاقتصاديين ( أسر, شركات, مقاولات .....) يتغير أمام الحدث الضريبي لأن الضريبة تؤثر على الاختيار ما بين الاستهلاك وبين الادخار, وكثيرا ما يتم تفضيل الادخار لمزاياه العديدة, ومنها أنه لا يخضع للضريبة, وهكذا فالضريبة تلعب دورا كبيرا في تعبئة الادخار وتنميته وتوجيهه بعد ذلك نحو الأنشطة الاقتصادية في شكل استثمار.
أما على المستوى الاجتماعي, فإن الضريبة تعتبر أساسا لتحقيق السلم الاجتماعية. فالإفراط في التضريب يعد من ضمن العوامل التي تؤدي بالخاضع للضريبة إلى الامتناع عن أداء واجبه الجبائي وبالتالي إلى قصور الدولة عن التدخل في المجال الاجتماعي وعن تحقيق السياسات الاجتماعية كالتربية والتشغيل والصحة...() وهو ما يورث لدى أفراد المجتمع شعورا بعدم الرضا قد ينقلب إلى ثورات.
لذا كانت الجباية من أكثر أسباب التوتر والصراع بين السلطة العامة والأفراد في كل البلدان والأزمان. فالمال كان ولا يزال كما يقول مثلنا الشعبي: " قطعة من الكبد". وكانت الزكاة في الإسلام سببا في أولى حروب الردة بعد وفاة الرسول, وكان الخليفة أبو بكر الصديق قد تحمل مخاطر الحروب ورفض التنازل عن أي جزء من الزكاة" ولو كان عقال بعير" , ومن جهة أخرى كان القضاء على مر العصور أداة تعديل وعدل يحد من إفراط سلطة الجباية, ومن مظاهر ذلك ما قام به القاضي أبو يوسف من إعداد وتطبيق أول مجلة عامة للأداءات وهي كتاب الخراج(). 
إن سبب النزاع الجبائي ككل نزاع يتمثل في تضارب مصالح طرفيه, فالإدارة تسعى من جهتها إلى فرض الضريبة التي يقتضيها القانون تحقيقا للمصلحة العامة ولأهداف الضريبة التي سبق لنا التعرض لها بإيجاز, والمطالب بالأداء الذي يسعى إلى الحفاظ على ممتلكاته. وهنا يأتي دور القاضي الجبائي الذي من خلال قيامه ببسط الرقابة على أعمال الإدارة , بمناسبة قيامها بإصدار قرار التوظيف الإجباري للأداء وبالتالي تحقيق حد أدنى من الضمانات للمطالب بالأداء من جهة وعلى مدى وجاهة وسائل الإثبات المعتمدة في نفي الدين الجبائي أو إقراره.
ومن هنا تظهر أهمية الإثبات في النزاع الجبائي لكونه يمثل ضمانة أساسية للمطالب بالأداء يقيه مخاطر العشوائية الجبائية . ضرورة أن الإدارة عندما تدعي وجود الدين الجبائي عليها أن تقيم الدليل على وجوده ومقداره. هذا من جهة, ومن جهة ثانية يمثل الإثبات وسيلة هامة لمقاومة التهرب الضريبي طالما أن المطالب بالأداء عليه أن يقيم الدليل على عدم لزوم الدين الجبائي له أو انقضائه.
وبالتالي فإن أهمية الإثبات في النزاع الجبائي تبرز من خلال ضرورة تحقيق الموازنة بين ما تقتضيه المصلحة العامة من تعبئة خزينة الدولة وبين حماية حق الملكية وضمانات الخاضع للضريبة.
إن خصوصية النزاع الجبائي التي تضع المصلحة العامة في مواجهة مصالح الأفراد انعكست على الإثبات .
فلئن كانت القواعد العامة للإثبات الواردة بمجلة الالتزامات والعقود تعتبر مرجعا للإثبات في النزاع الجبائي فإن هذا الأخير يتميز عن نظام الإثبات في النزاع المدني من حيث عبء الإثبات ووسائل الإثبات.
فبخصوص عبء الإثبات, ولئن كانت قاعدة " البينة على من ادعى" التي تضمنها الفصل 420 م.ا.ع. وكذلك قاعدة الفصل 421 من نفس المجلة التي تقتضي أنه: " إذا أثبت المدعي وجود الالتزام كانت البينة على من يدعي انقضاءه أو عدم لزومه له" تنطبقان على النزاع الجبائي. إذ أنهما تحددان مراكز الأطراف إزاء الإثبات وبهما يكون عبء الإثبات وتبعته محمولين على أحد طرفي الدعوى الجبائية. فإن السلطات التي تتمتع بها إدارة الجباية في جمع الأدلة تشكل آليات تسهل على الإدارة جعل عبء الإثبات محمولا على المطالب بالأداء.
إن هذه السلطات في تجميع الأدلة ضد المطالب بالأداء قد توحي للأذهان بانعدام التوازن والمساواة بين طرفي الدعوى الجبائية بخصوص الإثبات, غير أن هذا القول لا ينسجم مع      ما تقتضيه خصوصية صفة الإدارة التي وإن كانت خصما للمطالب بالأداء فإنها يفترض فيها كونها خصما شريفا يدافع عن المصلحة العامة. فأعوان الإدارة ليست لهم مصلحة شخصية يمكن أن تدفعهم للاستيلاء على أموال الأفراد وتسليمها للإدارة علاوة على أنهم مراقبون من طرف رؤسائهم زيادة على رقابة القضاء.
ولعل هذا ما جعل المشرع يميل إلى تحميل المطالب بالأداء عبء الإثبات في النزاع القضائي, ويتضح ذلك من خلال ما جاء بالفصل 108 من م.ح.إ.ج. الذي جاء به أن " الإدارة هي التي تقيم الحجة في شأن تطبيق الفصول 94 و98و99 و101 من هاته المجلة", وهو          ما يعني أنه بالنسبة لبقية الفصول فإن المتهم هو الذي يطالب بإثبات البراءة.
فإن كان المشرع ألقى عبء الإثبات على المطالب بالأداء, بخصوص المخالفات المتعلقة بعدم التصريح بالأداء أو عدم مسك الحسابية, مخالفا بذلك قرينة البراءة التي يتمتع بها المتهم ,تطبيقا لمقتضيات الفصل 12 من الدستور, فما بالك إذا تعلق الأمر بالنزاع الجبائي في شقه المدني().
للإثبات في النزاع الجبائي خصوصية كذلك بالنظر إلى وسائل الإثبات المعتمدة حيث أقصى المشرع صراحة الشهادة واليمين وذلك ضمن الفصل 64 من م. ح.إ.ج. الذي نص على أنه" لا يمكن للمحكمة اعتماد طرق الإثبات الواردة بالفصل 427 ثالثا وخامسا من مجلة الالتزامات والعقود لإثبات ادعاءات الأطراف المتعلقة بالقضية" . وهذا المنع لا يشمل النزاع الجبائي الإداري كما سنتبين ذلك لاحقا. وهو ما يعزز فكرة رغبة المشرع في إثقال كاهل المطالب بالأداء بالإثبات وذلك بغاية منع التهرب من الضريبة وتغليب المصلحة العامة إذ أن الإدارة بإمكانها استعمال جميع وسائل الإثبات في مرحلة النزاع الإداري حيث يكون عــبء 
الإثبات محمولا عليها. بينما يكون للمطالب بالأداء استعمال وسائل إثبات محددة ومحصورة في الإقرار والكتابة والقرائن.
إن الدور البارز لإدارة الجباية في جمع الأدلة حول عدم قيام المطالب بالأداء بواجبه الجبائي لا يقتصر على الجانب المدني وإنما يشمل كذلك الجانب الجزائي حيث يتضح دور الإدارة في إثبات الجريمة الجبائية . إذ أن هذه الأخيرة وعلاوة على حقها المطلق في إثارة الدعوى العمومية وفي إبرام صلح بشأنها تنقضي به الدعوى العامة. فقد مكن المشرع أعوان مصالح الجباية وغيرهم من الأعوان المؤهلين لمعاينة المخالفات الجبائية الجزائية, من معاينة المخالفات لأحكام التشريع الجبائي وباستثناء المخالفات المنصوص عليها بالفصول من 81 إلى 85 وبالفصل 88 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية وتحرير محاضر في شأنها( انظر الفصل 70 من م.ح.إ.ج. ).
ويتم تحرير المحاضر المتعلقة بالمخالفات الجبائية الجزائية من قبل عونين محلفين يكونان قد عاينا بصفة شخصية ومباشرة وقائع المخالفة. ويقع اعتماد هذه المحاضر ما لم يثبت خلاف ذلك ( الفصل 71 من م. ح.إ.ج).
فحجية المحضر الجبائي تقتضي توفر جملة من الشروط الشكلية تضمنتها الفصول 70       و71 و72 من م.ح.إ.ج إذ لابد أن يتم تحرير المحضر من قبل عونين محلفين من إدارة الجباية وحاملين لبطاقة مهنية. وأن يكونا قد عاينا بصفة شخصية ومباشرة وقائع المخالفة. فإن خلا المحضر من هذه الشكليات بطل طبقا للفصل 199 م اج.
وعلاوة على ذلك يجب أن يتضمن المحضر تاريخ وساعة ومكان تحريره ونوع المخالفة المرتكبة واسم المخالف ولقبه وحرفته إذا كان شخصا طبيعيا أو الاسم الاجتماعي والمقر إذا كان المخالف شخصا معنويا والأشياء التي شملها الحجز وهذه التنصيصات ضرورية لاحتساب التقادم والاختصاص الترابي وهوية المخالف ووسائل الإثبات التي تم حجزها.
كما يتضمن المحضر إمضاء المخالف أو من ينوبه في صورة حضوره عند تحرير المحضر أو التنصيص حسب الحالة على عدم حضوره أو امتناعه عن الإمضاء وختم المصلحة التي يرجع لها بالنظر العونان المحرران للمحضر واسميهما ولقبيهما وإمضاءيهما وكل هذه التنصيصات يمكن تداركها سواء بإضافتها أو مصادقة المظنون فيه على صحة ما ورد بالمحضر عند حضوره بالجلسة, وتبعا لذلك لا يمكن أن يترتب عنها إبطال المحضر كله ودحض ما تجمع به من أدلة().
إن المشرع لم يول حجية مطلقة للمحاضر المحررة من طرف أعوان إدارة الجباية. فهاته المحاضر لها حجية نسبية ولعل مرد ذلك يتمثل في إيجاد شيء من المعادلة بين سلطات الإدارة وحقوق المظنون فيه.
إن تركيز المشرع على المحاضر المتضمنة لمعاينة المخالفات الجبائية الجزائية كوسيلة لإثبات المخالفات المذكورة يجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية اعتماد بقية وسائل الإثبات الخاصة بإقرار أصل الأداء وتوابعه؟().
فالقانون يسمح للإدارة باعتماد وسائل إثبات مختلفة لإقرار الأداء. نجد منها ما جاء بالفصل 5 م ح إ ج  من أنه: " تراقب مصالح الجباية و تراجع التصاريح والعقود والكتابات والنقل والفواتير والوثائق المستعملة أو المثبتة لضبط الأداءات الخاضعة لأحكام هذه المجلة ودفعها أو المقدمة لغرض الانتفاع بامتيازات أو تخفيضات جبائية أو استرجاع مبالغ زائدة بعنوان هذه الأداءات كما تراقب احترام المطالب بالأداء لواجباته الجبائية". وما جاء بالفصل 6 من نفس المجلة من أنه" يمكن لمصالح الجباية في نطاق المراقبة أو المراجعة المنصوص عليها بالفصل 5 من هذه المجلة أن تطلب كل الإرشادات والتوضيحات والمبررات المتعلقة بالوضعية الجبائية للمطالب بالأداء.ويحق لها أن تضبط الأداء وتصحح التصاريح بالاستناد إلى القرائن القانونية أو الفعلية المتمثلة خاصة في مقارنات مع معطيات تتعلق باستغلالات أو مصادر دخل أو عمليات مماثلة".
بينما لم يشأ المشرع أن يصرح باعتماد هذه الوسائل بخصوص المخالفات الجبائية الجزائية واقتصر على اعتماد المحاضر فقط في معاينة هذه المخالفات وذلك حسبما يتضح من                        صياغة الفصل 70 من م.ح.إ.ج. الذي جاء فيه أنه:" تقع معاينة المخالفات لأحكام التشريع   الجبائي باستثناء المخالفات المنصوص عليها بالفصول من 81 إلى 85 وبالفصل 88 من هذه
المجلة بمحاضر تحرر من أعوان مصالح الجباية وغيرهم من الأعوان المؤهلين لمعاينة المخالفات الجبائية الجزائية...". وحتى لو قلنا بحرية الإثبات في المادة الجزائية الجبائية فإن وسائل الإثبات المعتمدة من طرف إدارة الجباية لها طابع مختلف إذ نجد من بينها القرائن القانونية التي لا تخضع لتقدير القاضي فلا يمكن قبولها جزائيا(). كما أن القرائن الفعلية         لا يمكن الأخذ بها بمناسبة إثبات المخالفات الجبائية الجزائية لوجود نسبة من الاحتمال فيها, وهو ما يتعارض مع المبدأ القائل بأن الحكم الجزائي يجب أن يبنى على اليقين لا على الشك والتخمين.
إن قلة النصوص المتعلقة بالإثبات في النزاع الجبائي يمكن تفسيرها بكون المشرع إنما أراد فسح المجال للقاضي الجبائي  قصد إعمال اجتهاده لملاءمة النظرية العامة للإثبات مع خصوصية القانون الجبائي(), ولإيجاد حلول للإشكاليات التي يطرحها الموضوع, ولعل أبرزها يتمثل في مدى انطباق قواعد الإثبات الواردة ضمن مجلة الالتزامات والعقود على النزاعات الجبائية؟. وغاية المشرع من عدم وضع نظام قانوني خاص بالإثبات في هذا الصنف من النزاعات؟. ومدى إمكانية التوفيق بين ضمانات المطالب بالأداء وبين حقوق الخزينة؟.
على أن هاته الإشكاليات يمكن إجمالها في السؤالين الرئيسيين اللذين تطرحهما مسألة الإثبات واللذين لا يختص بهما النزاع الجبائي وإنما يطرحان في كل نزاع وهما: من يتحمل عبء الإثبات؟ وما هي وسائل الإثبات؟.
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال تخصيص الجزء الأول لمسألة عبء الإثبات في النزاع الجبائي لنتطرق في الجزء الثاني إلى وسائل الإثبات.


الإثبات في النزاع الجبائي 

رابط التحميل من هنا

تعليقات