القائمة الرئيسية

الصفحات



السرية المصرفية بين الحماية القانونيةوعمليات غسيل الأموال -دراسة قانونية مقارنة- عصام ماجد زايد الحموري

السرية المصرفية بين الحماية القانونيةوعمليات غسيل الأموال -دراسة قانونية مقارنة-  عصام ماجد زايد الحموري




السرية المصرفية بين الحماية القانونيةوعمليات غسيل الأموال -دراسة قانونية مقارنة-  عصام ماجد زايد الحموري


السرية المصرفية بين الحماية القانونيةوعمليات غسيل الأموال
-دراسة قانونية مقارنة-

عصام ماجد زايد الحموري

المقدمة

تعد السرية المصرفية ثروة وطنية ثمينة للاقتصاد الوطني، وهي من اهم المبادىء التي يقوم عليها العمل المصرفي حيث تبث الثقة والطمأنينة لذوي رؤوس الأموال على سرية أعمالهم المصرفية وكافة المعلومات ذات الصلة بثرواتهم فيعد ذلك حافزا قانونيا مناسبا وبيئة تشريعية ملائمة للاستثمار داخل حدود الوطن وتشجيع الإدخارات الوطنية بدلا من تهريبها لبلد آخر، فهي تجذب رؤوس الأموال والرساميل والاستثمارات الأجنبية، فتنعكس عندئذ آثارها الإيجابية على الاقتصاد الوطني الأردني، وللوصول الى ذلك ينبغي تحقيق الحماية القانونية للسرية المصرفية وتفعيلها لضمان الدخل والأمن والاستثمار لكافة العملاء الذين يتعاملون مع البنوك الأردنية.

لقد كانت الجريمة في العصور القديمة بمثابة السلوك الإجرامي الذي يعتدي به الشخص على القيم والعادات الاجتماعية الثابتة التي قبلها المجتمع في تلك العصور معتمدا على القوة والعضلات وهي ما يطلق عليه بالجرائم التقليدية أو الطبيعية.

ومع تطور الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية وفي مختلف نواحي الحياة وبإنتشار الحضارات تنوعت الجرائم فلم تعد مقتصرة على الجرائم التقليدية مما أدى هذا التطور الهائل الى ظهور أنواع جديدة من الجرائم القائمة على العلم والعقل ومنها جرائم غسيل الأموال التي لا تقع على فرد بعينه وإنما تقع على المجتمع بأسره وبذلك فهي تعتبر جرائم ضارة بالمصلحة العامة وتقوم العصابات التي تتعامل بمثل هذه الجرائم بتجارة المخدرات والأسلحة وتجارة الرقيق والتزييف مخترقة الأجهزة المالية الدولية والقوانين والأنظمة في تلك الدول ومتوارية عن أنظار الأجهزة الأمنية الدولية وفارة من وجه العدالة الجنائية.

إن الأموال القذرة المتحصلة من الجرائم المنظمة أو أي مصدر غير مشروع يدار من خلال خبراء ملمين بالاقتصاد والمال ضمن الأنظمة المالية العالمية لديهم الخبرة والكفاءة والمعرفة في آلية إدارة هذه الأموال وفي دورات اقتصادية متعددة الجوانب والاتجاهات والمواضيع بحيث يصعب اكتشافها وتتبعها، وأن التحدي يزيد شيئا فشيئا أمام القائمين على محاربة عمليات غسيل الأموال بسبب اتساع عملية العولمة وإحاطتها مختلف أشكال المعاملات المالية، أضف لذلك التسارع التكنولوجي في مجال الاتصالات حيث التعاملات المعلوماتية والمالية تتم في لحظات، وحيث التزايد الكبير في حجم التجارة الإلكترونية المنجزة التي لها تأثير في كفاءة التقنيات العاملة لكشف الجرائم المالية فتح ذلك الباب على مصراعيه لعمليات غسيل الأموال على نطاق واسع لا مثيل له. ومما يزيد الأمر خطورة هو أن كل جهد يبذل لمكافحة عمليات غسيل الأموال يقابله عمل مضاد حيث يدخل في هذه العمليات عصابات إجرامية خطيرة تحوي على عناصر من حملة المؤهلات العلمية العليا وقانونيين وفنيين ومهندسي أنظمة حاسوب ومعلومات يعملون كشبكة واحدة أو كخلية نحل في غسيل الأموال القذرة وتحويلها الى أموال شرعية قانونية، وأصبحت هذه العملية "جريمة" خطيرة من ضمن الإجرام الدولي المنظم ومن أخطر الجرائم التي تهدد الأمن العالمي والإنسانية جمعاء، ومن أهم الجرائم الاقتصادية التي تهدد خطط الإصلاح الاقتصادي والتنمية وغيرها في عصر العولمة. وتؤثر سلبا على استقرار أسواق المال الدولية وتهدد بإنهيار الأسواق الرسمية التي تعتبر الأساس في بناء الاقتصاديات.


الفصل الأول
السرية المصرفية في التشريعات الأردنية

لقد اعترفت الشريعة الإسلامية بحرمة الأموال، حيث يقول "صلى الله عليه وسلم": "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" وعليه لمالك هذه الأموال حرية التصرف فيما يملك داخل حدود الشريعة، ولا يجوز للغير الاعتداء عليه، حيث نصت المادة -1192- من مجلة الأحكام العدلية:
"كل يتصرف في ملكه كيف يشاء ولكن اذا تعلق حق الغير يمنع به فيمنع المالك من تصرفه على وجه الاستقلال"، كما نصت المادة -119- من المجلة على أنه: "لا يمنع أحد من التصرف في ملكه ما لم يكن فيه ضرر فاحش للغير"، كما يحق لصاحب المال إخفاء أمواله عن الغير ووضعها في المكان الذي يريد وكتمانها حيث لا يستطيع أن يصل إليها الغاصب أو السارق، فيزول حقه. كما أن الشريعة الإسلامية ذمت المتفاخرون بأموالهم والمتظاهرون بها، حيث يقول تعالى في سورة القصص، آية(76): "إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وءاتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين"، إلى أن قال تعالى في ذات السورة، آية(81): "فخسفنا به وبداره الأرض"، وأيضا منع الآخرين من الإطلاع على المال سدا للذرائع ولضمان سلامة المال وسريته، نهت الشريعة الإسلامية عن الدخول الى بيوت الغير بدون الاستئذان، حتى قال القرطبي: "أما بيوت التجار فإنه ليس لأحد دخولها إلا بإذن أربابها وسكانها"، ووضح الثعالبي ذلك بأنه الخوف من الكشف على المحرمات كالدفاتر والحسابات ولا يجوز دخول المتجر حال غياب صاحبه، ولهذا فإن السرية المصرفية تأكيد لحرمة المال وسريته(1)، فيقول الباري عز وجل في سورة الإسراء، آية (34): "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا".

وعليه، وبإعتبار السرية المصرفية هدفا يحقق نتائج اقتصادية في اتجاهات مختلفة(2) أهمها تشجيع الادخار والاستثمار وجلب رؤوس الأموال واسترداد رؤوس الأموال التي هاجرت في وقت كان يخشى عليها أصحابها أن لا تكون مصانة من أمور كثيرة كعدم السرية المصرفية وحيث أن مشرعنا الأردني قنن هذه الأحكام، كما سنرى، فيكون حقق المصلحة العامة العليا والمصلحة الخاصة للمتعاملين مع البنوك وحيث وجد مشرعنا أنه من الضروري تضمين أحكام قانون البنوك ذلك أساسا قانونيا لحماية أمن المستثمرين من كشف حساباتهم وأسرار تجارتهم على أنه اذا كانت العمليات المصرفية كعلاقات فيما بين البنك وعملائه تمثل الخدمة التي تقدمها المصارف للعملاء مقابل التزاماتهما بحيث ينفذ كل طرف ما اتجهت إرادته الى تحقيقه، وإذا كانت المصارف قد تعهدت لعملائها بأن تحافظ على سرية حساباتهم معتمدة على النص القانوني، حتى وإن لم تتضمن عقودها مع هؤلاء العملاء شرطا للمحافظة على السرية فإنها بذلك مطالبة بإحترام هذه التعهدات، وستكون هدفا لمقاضاتها إن لم تنفذ التعهدات، وحيث أن العلاقات العقدية بين المصارف قائمة على احترام السر المصرفي بما يجسد احترام حرية الفرد وحياته الخاصة، بحيث لا يجوز أن يفسر هذا الاحترام لهذا المبدأ على وجه يهدد المصالح العليا للبلاد حيث لا يجوز أن يستخدم مبدأ المحافظة على سرية حسابات العملاء شعارا لإخفاء عمليات مشبوهة على نحو تنعكس السرية المصرفية لتصبح أداة تلحق الضرر بالمصالح العليا للدولة والمجتمع حيث يصح خرق هذه السرية وتجميد حسابات عملاء المصارف إذا كانت هذه الحسابات مشبوهة إذ لا بد من اعمال حكم القانون.

ونقول بأن هناك بعض الدول تفرض قيودا صارمة على سرية الحسابات في البنوك ولا تسمح بإفشاء أي معلومات عن حسابات العملاء مثل سويسر(3) بحيث تكون مرتعا خصبا لغسيل الأموال بسبب السرية الشديدة المفروضة على حسابات العملاء في بنوكها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن البلدان التي لا تقوم بفرض رقابة مشددة وإجراءات رقابية صارمة على عمليات إدخال وإخراج العملات من والى مصارفها ومؤسساتها المالية تعتبر مكانا مناسبا لعمليات غسيل الأموال الملوثة، ولهذا خففت هذه الدول من مبدأ السرية المصرفية المطلق (سويسرا) بهدف الحفاظ على سمعة بنوكها حيث انحسر هذا المبدأ إزاء عمليات غسيل الأموال حيث ضرورة التعأون الدولي مع دول العالم لمساعدة وملاحقة جرائم غسيل الأموال القذرة بات أمرا لا غنى عنه.

المبحث الأول
 ماهية السر المصرفي وفلسفته والاعتبارات التي يقوم عليها

يعتبر العمل المصرفي مهنة هامة وضرورة للاقتصاد الوطني والدولي ولأفراد المجتمع في كل منها، حيث يأتمن العميل المصارف على أسراره المالية والتجارية والتي يتعين عليها الحفاظ على كل أسراره من خلال الثقة التي يفترض دوما أن تكون أهلا لها حيث من تدلي إليه بسر يعتبر سيدا لحريتك، فإفشاء السر فيه اعتداء على الحرية الشخصية للعميل وحقه في حفظ أسراره، ولهذا سنحدد ماهية السر المصرفي وفلسفته والاعتبارات التي يقوم عليها، باختصار، من خلال هذين المطلبين:


المطلب الأول ماهية السر المصرفي

السرية المصرفية (Banking Secrecy) من القواعد المستقرة ذات الصلة بعمل البنوك، حيث تلتزم البنوك بموجب القواعد القانونية والأعراف المصرفية بحفظ أسرار العملاء وعملياتهم المصرفية؛ إلا إذا نص القانون أو تم الاتفاق على خلاف ذلك(4)، ويتمثل السر المصرفي بكل أمر أو معلومات أو وقائع تتصل بعلم البنك من خلال عملية مصرفية أو بسببها سواء أفضى بها العميل وودائعه وقيمة مبالغه والتسهيلات المصرفية والقروض الممنوحة له وضماناتها والشيكات التي يسحبها العميل على البنك وغيرها(5)، وعليه فتستند السرية المصرفية على المسؤولية التي تقع على عاتق البنوك بأجهزتها وموظفيها وكل من له علاقة معها بلزوم التكتم على كل الأعمال الاقتصادية والشخصية المتعلقة بعملائهم(6). ولهذا فإن السرية المصرفية تقضي بأن لا يعلم أحد عن أسرار عملاء البنك سوى الأشخاص الذين تحتم طبيعة عملهم ذلك، بحيث تحاط كافة المعلومات المقدمة منهم بالكتمان في غير علانية بعيدا عن كل شخص لا علاقة له بها(7). إذ يلتزم موظفو المصارف بالمحافظة على أسرار عملائهم وعدم الافضاء بها للغير بإعتبار المصرف مؤتمنا عليها بحكم مهنته فعلاقة المصرف مع عملائه تقوم على الثقة التي يكون عمادها كتمان المصرف لأسرار عملائه المالية(8). وتكييف الواقعة بأنها سر يستند الى معيار موضوعي وليس معيارا شخصيا فالمرجع الى المقاييس العامة المتعارف عليها في المجتمع وقد يتدخل المشرع لاضفاء السرية ومداها حيث تستمد عندئذ من إرادة المشرع(9)،كما سنرى.

المطلب الثاني فلسفة السر المصرفي والاعتبارات التي يقوم عليها

تلعب العوامل الاقتصادية دورا هاما في مجال الأخذ بمبدأ السرية المصرفية في سبيل جذب الرساميل الأجنبية في مشاريع استثمارية لدعم الاقتصاد الوطني إضافة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية ومنع هروب رأس المال الوطني خارج حدود الدولة بل تشجيع الإدخارات الوطنية، وحيث تدفع الظروف الاقتصادية والسياسية الدول بالعمل على اجتذاب رؤوس الأموال لديها والاستثمار في مختلف المشاريع داخل الاقتصاد الوطني فيجب رغم المخاطر التي قد ترافق عند الأخذ بالسرية المصرفية، العمل في سبيل الحد من السلبيات بالخروج عن هذه السرية إذا تحققت شروطا محددة مسبقا بالنص القانوني(10). ومن أهم الاعتبارات التي تقوم عليها السرية المصرفية هي حماية الحرية الشخصية للإنسان حيث تنص المادة (7) من دستورنا الأردني على "أن الحرية الشخصية مصونة"، ونلاحظ بذلك أن مشرعنا الدستوري قد كفل للمواطن الأردني الحماية الدستورية من خلال الحرية الشخصية له بإعتباره إنسانا كرمه الباري عز و جل، وحيث يعد السر المصرفي من أهم جوانب هذه الحرية الشخصية وإن حمايتها تقوم على إعتبارات سياسية وإقتصادية وإجتماعية إلى جانب الأسس القانونية فكتمان المركز المالي يقع على قدم المسأواة مع كتمان الأمور التي تتعلق بخصوصيات الفرد الشخصية والعائلية التي يميلها شعوره بإستقلاله الذاتي وحرصه على إخفاء ما يعد من صميم حياته الخاصة(11)، ولا شك أن للعميل مصلحة أدبية أو مادية في حفظ السر، فإفشاء السر الخاص به يترتب عليه إلحاق ضرر به أدبيا كان أو ماديا(12). الى جانب ذلك فإن السرية المصرفية مقررة كذلك لحماية مصلحة البنك في كتمان أعماله حيث أن سمعة أي بنك وقوته وتطوره وثقة الجمهور به تستند بشكل رئيسي على مصلحة العملاء، وفي عدم الإلتزام بالسرية المصرفية تؤدي الى اهتزاز هذه الثقة حيث تنعكس النتائج بشكل سلبي على البنك فيهتز كيانه ماليا وتجاريا. أضف لذلك بأن كتمان المعاملات المصرفية تؤدي الى تحقيق المصلحة العامة حيث يؤثر ايجابيا على الاقتصاد الوطني بما يوفره من ثقة للائتمان العام بإعتباره مصلحة عليا للدولة ويتجلى ذلك في عدم الثقة في النظام المصرفي للبلد وتشجيع لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية على الاستقرار في البلد التي تحمي قوانينها السرية المصرفية(13).

المبحث الثاني
 الملتزمون بكتمان السر المصرفي والمصادر القانونية له

إن طرفا الإلتزام بالسرية المصرفية هما العميل والبنك، كما أن السرية المصرفية عندنا في الاردن تتعدد مصادرها القانونية، حيث نجدها مبعثرة في ثنايا النصوص التشريعية المختلفة، وهذا ما سنخوض به على النحو الآتي:

المطلب الأول الملتزمون بكتمان السر المصرفي

تعرض البنوك على عملائها تشكيلة من المنتجات والخدمات التي تقوم بإخفاء ملكية العميل(14) للأموال والحسابات مثل شركات الظل والواجهة، حسابات الأسماء الخاصة وعمليات الترميز للحسابات وللعمليات المصرفية ذاتها وحتى العملاء، وتشكل شركات الظل أو الواجهة احد مصادر الاهتمام للسلطات الأمنية وأجهزة التدقيق والمراجعة، حيث تحظر قوانين ذات السرية المصرفية الكشف عن أسماء الأشخاص المالكين لهذه الشركات وتفتح الحسابات بإسم هذه الشركات وتقوم بعض دوائر الخدمات الخاصة بإنشاء الشركات وفتح الحسابات بإسمها وإدارة هذه الحسابات إلا أن معظم الدوائر الخاصة الأخرى تفتح حسابات لشركات واجهة تم إنشاؤها من قبل بنوك أخرى مما يضيف مستوى جديد من السرية ويزيد خطر استغلالها لتنفيذ عمليات غسيل الأموال حيث ان الدائرة القائمة على إدارة الشركة لا تعلم بمصادر الأموال أو طبيعة العمليات المالية المنفذة بل وتقوم بعض البنوك الخاصة بفتح حسابات الشركات الواجهة والتي تم امتلاكها بموجب أسهم وحصص لحاملها ويستحيل على البنك معرفة المالك الحقيقي للحصص والأسهم مما يزيد بدرجة كبيرة من قابليتها لعمليات غسيل الأموال.
إن إلتزام البنك بكتمان سر العميل هو إلتزام سلبي أي إلتزام بالامتناع عن عمل بشأن(15) كافة المعلومات التي وصلت لعلم البنك بحكم مهنته كونه مؤتمنا عليها حيث اتجهت إرادة العميل بأن تبقى أعماله وعلاقاته المصرفية مكتومة، فموضوع إلتزام البنك هو الكتمان أما طرفا الإلتزام هما البنك من جهة والعميل من جهة أخرى.


أولا: البنك أو المصرف The Bank

لقد عرف مشرعنا الأردني البنك في المادة (2) من قانون الشركات رقم (22) لسنة 1997 وتعديلاته، على أنه: "البنك المرخص أو الشركة المالية المرخصة بتعاطي الأعمال المصرفية وفق أحكام التشريعات المعمول بها"، كما ألزم مشرعنا أن تقوم بأعمال البنوك شركة مساهمة عامة، حيث نصت المادة (93) من ذات القانون، على: "لا يجوز القيام بأي عمل من الأعمال التالية إلا من قبل شركة مساهمة عامة يتم تأسيسها وتسجيلها وفقا لأحكام هذا القانون:
‌أ- أعمال البنوك والشركات المالية والتأمين بأنواعه المختلفة.
‌ب-  الشركة ذات الامتياز.

ومن الملاحظ أن مشرعنا الأردني يستعمل مصطلح المصارف للدلالة على كلمة البنك حيث تنص المادة (6) من قانون التجارة على:
1. تعد الأعمال التالية بحكم ماهيتها الذاتية أعمالا تجارية ... أ.. ب.. ج.. د. أعمال الصرافة والمبادلة المالية ومعاملات المصارف العامة والخاصة). كما إستخدم مشرعنا مصطلح المصارف في أكثر من موضع في هذا القانون(16).

في حين عرف مشرعنا البنك في المادة (2/أ) من قانون البنوك رقم (28) لسنة 2000، على أنه: (الشركة التي يرخص لها بممارسة الأعمال المصرفية وفق أحكام هذا القانون بما في ذلك فرع البنك الأجنبي المرخص له بالعمل في المملكة)، كما عرف الأعمال المصرفية في هذا القانون من ذات المادة: (قبول الودائع من الجمهور واستخدامها بصورة كلية أو جزئية لمنح الائتمان واي اعمال اخرى يقرر البنك المركزي اعتبارها اعمالا مصرفية بموجب أوامر يصدرها لهذه الغاية). وعليه فإن البنك أو المصرف ملزم بالمحافظة على السرية المصرفية وهو إلتزام بالامتناع عن القيام بعمل وعدم إفشاء أية معلومات مالية تتعلق بشؤون العميل.

ثانيا: العميل أو الزبون The Client or the Customer

لم يعرّف مشرعنا الأردني العميل بل اكتفى الى ذكر المقصود بالشخص في المادة (2) من قانون البنوك، المشار إليه أعلاه، فهو: "الشخص الطبيعي أو الاعتباري"، ومن الملاحظ كذلك فإن مشرعنا لم يستخدم لفظ الزبون، بل يستخدم كلمة "الشخص"(17) أو العميل(18). وإزاء عدم وجود تحديد للمفهوم القانوني لعبارة العميل، الأمر الذي فتح الباب أمام الاجتهاد، حيث نجد رأيين:
الرأي الأول: يأخذ بالمفهوم الواسع لمصطلح العميل، حيث يتمتع بوصف العميل كل من يتعامل مع البنك حتى بطريقة غير مباشرة وبغض النظر عن طبيعة وعدد مرات التعامل ودون وجود تعامل سابق كالمستفيد الذي يتقدم بصرف شيك من البنك.
أما الرأي الثاني: فيتبنى المفهوم الضيق للعميل، حيث يتمتع بوصف العميل كل من يتعامل مع البنك بشكل سابق ودوري فالمستفيد الذي يتقدم للبنك لصرف قيمة الشيك لا يعد عميلا بل متعاملا عرضيا حيث لم تتجه إرادته الى ان يكون عميلا مع البنك المسحوب عليه.

لهذا فالعميل هو الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يدخل في معاملات أو عمليات مصرفية مع البنك بإرادته ويقبل البنك بما إتجهت إليه إرادة هذا الشخص، ويخرج من نطاق صفة العميل المساهمين والموظفين وأعضاء مجلس الإدارة وبالتالي لا تشملهم حماية السرية المصرفية إلا إذا استظلوا بمظلة السرية كونهم عملاء بإعتبارهم مساهمين أو موظفين، كما لا يعد عميلا السائح أو المسافر، بينما يعتبر عميلا من يدخل في مفأوضات مع البنك لإتمام عمليات مصرفية وإن لم تتم لأي سبب(19). وعلى هذا فنرى أن نوفق بين الرأيين أعلاه، تحقيقا للعدالة، وهذا واضح من خلال تعريف العميل المذكور آنفا.

المطلب الثاني المصادر القانونية للسر المصرفي

لم تحظ السرية المصرفية عندنا في الأردن، بتنظيم قانوني خاص، مستقل، إلا أن البنوك تلتزم بها من خلال تعدد المصادر القانونية لها، على النحو الآتي:

أولا: الدستور الأردني لسنة 1952
لقد أورد مشرعنا الدستوري الأردني العديد من الحقوق الدستورية للمواطنين الأردنيين(20)، ومن أهم هذه الحقوق، هو ما ورد في المادة (7) منه، التي تقول: "الحرية الشخصية مصونة"، ومن الملاحظ ان هذه المادة وضعت قاعدة دستورية مطلقة إذ تستوعب كافة جوانب الحياة الخاصة للأردني والتي تعد الذمة المالية والسرية المصرفية جزءا لا يتجزأ منها، ومن الجدير بالذكر في هذا المقام، أن الدستور يأتي على قمة الهرم التشريعي إذ لا يجوز أن يخالفه قانون أو نظام أو تعليمات أو قرارات وإلا يتم الطعن بعدم دستوريتها. وحيث أن البنك يأخذ على عاتقه بالمحافظة على السرية المصرفية لكافة عملائه، فيتوجب عليه إحترام الدستور الأردني والتشريعات النافذة المعمول بها؛ لأن احترام الدستور والقانون يشكل اهم مقومات الدولة القانونية.




ثانيا: القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976

1. العقد كمصدر للالتزام بالسرية المصرفية
يعد العقد مصدرا من مصادر الإلتزام بالسر المصرفي إذ أن جميع عمليات البنوك يتم إبرامها من خلال العقود وبإرادة العميل والبنك، حيث تتجه الإرادة الى إحداث الأثر القانوني، فالعقد كما عرفه مشرعنا الأردني في المادة (87) من القانون المدني: (هو ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر وتوافقهما على وجه يثبت أثره في المعقود عليه ويترتب عليه إلتزام كل منهما بما وجب عليه للآخر). فالعقد هو المصدر الرئيسي لإلتزام البنك بحفظ الأسرار المعهودة إليه عند الاتفاق مع العميل بشأن أية عملية مصرفية فتتجه إرادة العميل الى كتمان المعلومات ذات العلاقة بهذه العملية(21).
فهنا يأخذ البنك على عاتقه بالمحافظة على السرية المصرفية من خلال هذا الالتزام التعاقدي، وهذا الالتزام قد يكون صريحا وواضحا من خلال نماذج العقود التي يقدمها البنك أو الاتفاق عليه مع العميل، كما قد يكون ضمنيا ونابعا من الإرادة المفترضة لإرادة العميل التي اتجهت لكتمان السر المصرفي عند تعاقد العميل مع البنك(22)، حيث يعد السر المصرفي هنا من مستلزمات العقد الذي يجب تنفيذه بحسن نية، حيث نصت المادة (202) مدني أردني على: (1- يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية. 2- ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتنأول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون والعرف وطبيعة التصرف). وبهذا فإن السر المصرفي مصان وفق القواعد العامة في القانون المدني الأردني حيث العقد من مصادر الحقوق الشخصية بغض النظر عن نوع هذا العقد كأن يكون عقد قرض أو عقد وديعة أو فتح حساب وغير ذلك.
2. الفعل الضار كمصدر للإلتزام بالسرية المصرفية
يمكن لنا أن نتصور عدم وجود رابطة عقدية بين العميل والبنك كإستعلام المصرف من البنوك الأخرى عن الوضع المالي للعميل بموجب الأخطار المصرفية، أو أن لا تصل المفأوضات العقدية الى المراحل النهائية بعد ان يعطي العميل كافة المعلومات للبنك أو ان يحصل البنك على المعلومات بأية طريقة، أو وجود هذه الرابطة لكن يشوبها إحدى حالات عيوب الرضا كالإكراه أو التغرير مع الغبن الفاحش أو الغلط في ماهية العقد مثلا، فهنا لا يستطيع العميل ان يرجع على البنك الذي لم يلتزم بالمحافظة على سره المصرفي استنادا للعقد وإلا ردت دعواه وخسر ما ادعى به، ولهذا فيمكن للعميل عندئذ ان يرجع على البنك بموجب القواعد العامة في القانون المدني الأردني المتعلقة بالفعل الضار، حيث ينص مشرعنا المدني الأردني في المادة (256) من هذا القانون على: (كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر)، فالفعل الضار هو ايضا من مصادر الحقوق الشخصية والتي تعد الذمة المالية والسرية المصرفية جزءا لا يتجزأ منها.


ثالثا: قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 وتعديلاته

عرفت المادة (2) من قانون العمل العامل بأنه: "كل شخص ذكرا كان أو انثى يؤدي عملا لقاء أجر ويكون تابعا لصاحب العمل وتحت إمرته ويشمل ذلك الأحداث ومن كان قيد التجربة والتأهيل"، كما عرفت ذات المادة العمل بأنه: "كل جهد فكري أو جسماني يبذله العامل لقاء أجر سواء كان بشكل دائم أو عرضي أو مؤقت أو موسمي"، في حين عرفت عقد العمل بأنه: "اتفاق شفهي أو كتابي صريح أو ضمني يتعهد العامل بمقتضاه ان يعمل لدى صاحب العمل وتحت إشرافه أو ادارته مقابل أجر ويكون عقد العمل لمدة محدودة أو غير محدودة أو لعمل معين أو غير معين"، كما نص مشرعنا الأردني في المادة (28) من ذات القانون على: "لصاحب العمل فصل العامل دون إشعار وذلك في أي من الحالات التالية: أ.. ب.. ج.. د.. هـ.. و.. اذا أفشى العامل الأسرار الخاصة بالعمل"، وبناء على هذه النصوص القانونية، فعلى عاملي البنوك الخاصة – وهي التي تم تأسيسها برأسمال خاص يعود للأفراد على شكل شركة مساهمة عامة، ويستثنى من ذلك فروع البنوك الأجنبية، وتم السماح لها بالعمل وفق قانون الشركات ورخص لها بتعاطي الأعمال المصرفية واستنادا لأحكام قانون البنوك: كبنك الإسكان وبنك القاهرة عمان وبنك الأردن والخليج والبنك العربي والبنك الإسلامي وبنك كرندليز وسيتي بنك وغيرها – الذين يخضعون لقانون العمل، بصرف النظر عن طبيعة عملهم ويؤدون عملا لقاء أجر تحت رقابة وإشراف وإدارة صاحب العمل سواء كان عقد العمل كتابيا أو شفهيا، صريحا أو ضمنيا وكان عملهم محدد المدة أو غير محدد، معين أو غير معين، الإلتزام بالمحافظة على السرية المصرفية تحت طائلة المسائلة القانونية، وهي الفصل من دون إشعار، وعلى هذا الأساس فقد نص مشرعنا الأردني في المادة (814) من القانون المدني على: "يجب على العامل 1.. 2.. 3.. 4.. 5.. أن يحتفظ بأسرار صاحب العمل الصناعية والتجارية ولو بعد انقضاء العقد وفقا لما يقتضيه الاتفاق أو العرف".

رابعا: قانون البينات الأردني رقم (30) لسنة 1952 وتعديلاته

نص مشرعنا الأردني في المادة (37) من هذا القانون، على:"من علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء عن طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو بمعلومات لا يجوز له ان يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها مقصودا به ارتكاب جناية أو جنحة ويجب عليهم ان يؤدوا الشهادة عن تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم من أسرّها إليهم على ان لا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم"، يلاحظ من خلال هذا النص القانوني أن مشرعنا أورد الملتزمون بالسرية على سبيل الحصر لا المثال، ولهذا فإننا نرى بأن البنك يدخل ضمن هؤلاء الملتزمون بالسرية المصرفية وذلك من خلال محاميه أو وكلائه الذين تصل إليهم المعلومات المصرفية بحكم عملهم أو موقعهم في البنك.



خامسا: نظام الخدمة المدنية رقم (55) لسنة 2002

جاء في المادة (66) من هذا النظام، مايلي: "يحظر على الموظف تحت طائلة المسؤولية التأديبية الإقدام على أي من الأعمال التالية: أ.. ب. الافضاء بأي بيانات أو معلومات عن المسائل التي صدر بشأن سريتها تعليمات أو قرارات أو تشريعات خاصة، أو يجب ان تظل مكتومة بطبيعتها. ج. الاحتفاظ لنفسه بأي وثيقة أو مخابرة رسمية أو نسخة منها أو صورة عنها أو تزويد الصحف والمجلات ووكالات الأنباء بها أو بأي معلومات عنها دون ان يكون ذلك من صلاحياته .." ومن الجدير بالذكر أن هذا النص يطبق على البنوك العامة في الاردن التي تعود للدولة والتي أسست برأسمال كامل من الدول أو تم تأسيسها على شكل شركات مختلطة تملك الدولة أكثر من (50%) من رأسمالها: كالبنك المركزي الأردني وبنك الإنماء الصناعي ومؤسسة الإقراض الزراعي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذا النص يخاطب كل موظف عام يطلع على معاملات وأوراق البنوك بحكم مهنته، فيجب عليهم جميعا الإلتزام بالسرية المصرفية.

سادسا: قانون الشركات الأردني رقم (22) لسنة 1997 وتعديلاته

كما ذكرنا، لا يجوز القيام بأعمال المصارف إلا من قبل شركات مساهمة عامة، وذلك بموجب المادة(93) من قانون الشركات، وعليه فقد نص مشرعنا الأردني في المادة (158) من ذات القانون،على: "يحظر على رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة المساهمة العامة ومديرها العام أو أي موظف يعمل فيها أن يفشي الى أي مساهم في الشركة أو الى غيره أي معلومات أو بيانات تتعلق بالشركة وتعتبر ذات طبيعة سرية بالنسبة لها وكان قد حصل عليها بحكم منصبه في الشركة أو قيامه بأي عمل لها أو فيها وذلك تحت طائلة العزل والمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالشركة، ويستثنى من ذلك القوانين والأنظمة المعمول بها ونشرها، ولا تحول موافقة الهيئة العامة على إبراء رئيس وأعضاء مجلس الإدارة من هذه المسؤولية"، وبموجب هذا النص القانوني فإن رئيس واعضاء مجلس الادارة والمدير العام وكل موظف يعمل بالبنك مؤتمنون على مصالح البنك وتقتضي هذه الأمانة أن يمتنع كل منهم عن أية فعل من شأنه الإضرار بمصالح البنك أو المساهمين، والالتزام بالسرية المصرفية واجب وإلتزام قانوني عليهم جميعا. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد استثنى مشرعنا الأردني في المادة (276) المعدلة بالقانون المؤقت رقم (40) لسنة 2002 من ذات القانون البنوك وشركات التأمين من مراقبة مراقب الشركات عند تكليف الدائرة أو أي لجنة خاصة للقيام بتدقيق حسابات الشركة المساهمة العامة وأعمالهم والإطلاع على سجلاتها ودفاترها ومستنداتها وتدقيقها في مقر الشركة وتوجيه الاستيضاحات لموظفيها ومدققي حساباتها.
بقي أن نقول أن على مدقق الحسابات أن لا يذيع عن اسرار البنك في مقر اجتماع الهيئة العامة أو أي مكان وفي أي وقت أو الى غير المساهمين والتي عملها بسبب قيامه بعمله كما جاء في المادة (202) من ذات القانون، وإلا وجب عزله ومطالبته بالتعويض. وأكدت على هذا الواجب المادة (33) من نظام جمعية مدققي الحسابات الأردنيين رقم (47) لسنة 1987 حيث لا يجوز لمدقق الحسابات أن يفشي أسرار عمله أو اية معلومات اطلع عليها للغير إلا في الحالات التي يجيزها القانون، كما جاء في المادة(22) من قانون مهنة تدقيق الحسابات (يحظر على مدقق الحسابات تحت طائلة العقوبات التأديبية المنصوص عليها في هذا القانون ما يلي: أ.. ب.. ج.. د.. هـ.. و. إفشاء المعلومات أو الأسرار التي اطلع عليها من خلال عمله كمدقق إلا في الحالات التي يجيزها القانون وللجهات التي يسمح أو يوجب تقديم تلك المعلومات أو الأسرار إليها).

سابعا: قانون الأوراق المالية رقم (23) لسنة 1997

يعد التعامل بالأوراق المالية بناء على معلومات سرية ذات تأثير على أسعار هذه الأوراق"التعامل المحظور بالأوراق المالية) جريمة إقتصادية لما فيه من اعتداء على عدالة السوق المالي(23)، حيث نصت المادة (166) من قانون الشركات، على: "يحظر على رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة المساهمة العامة والمدير العام للشركة وأي موظف فيها أن يتعامل بأسهم الشركة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بناء على معلومات اطلع عليها بحكم منصبه أو عمله في الشركة كما لا يجوز ان ينقل هذه المعلومات لأي شخص آخر بقصد إحداث تأثير في أسعار أسهم هذه الشركة أو أي شركة تابعة أو قابضة أو حليفة للشركة التي هو عضو أو موظف فيها أو اذا كان من شأن النقل إحداث ذلك التأثير، ويقع باطلا كل تعامل أو معاملة تنطبق عليها احكام هذه المادة ويعتبر الشخص الذي قام بذلك مسؤولا عن الضرر الذي احدثه بالشركة أو بمساهميها أو بالغير اذا أثير بشأنها قضية".

 ومن الملاحظ أن هذه المادة وضعت جزاءات مدنية، إلا أن قانون الأوراق المالية جرّم هذه الأفعال، حيث نصت المادة (67) من هذا القانون، على: "أ- يقصد بالمعلومات الداخلية لغايات هذا القانون أي معلومات غير معلن عنها قد تؤثر على سعر أي أوراق مالية في حالات الإعلان عنها، ولا يشمل ذلك الاستنتاجات المبنية على الدراسات والبحوث والتحاليل الاقتصادية والمالية. ب- يقصد بالشخص المطلع لغايات هذا القانون الشخص الذي يطلع على المعلومات بحكم منصبه أو وظيفته"، وقد حظرت المادة (68) من ذات القانون على أي شخص مطّلع بما في ذلك أعضاء مجلس ادارة كل من البورصة والمركز والمدير التنفيذي وموظفيها استغلال أي معلومات داخلية أو سرية لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية له أو لغيره أو إفشاء هذه المعلومات لغير المرجع المختص أو القضاء، ويشمل الحظر أي شخص غير مطّلع علم من شخص مطّلع، ويسري ذات الحظر على أي شخص روّج أو بث الشائعات أو اعطاء معلومات أو بيانات أو تصريحات مضللة أو غير صحيحة قد تؤثر على اسعار أي أوراق مالية أو على سمعة أي جهة مصدرة، كما يحظر التعامل بالأوراق المالية منفردا أو بالتآمر بقصد إيهام الجمهور بوجود تعامل حقيقي بأي أوراق مالية أو حثه على التعامل بها أو التأثير على اسعار الأوراق المالية أو التأثير سلبا بأي صورة على سوق رأس المال.




ثامنا: قانون البنك المركزي الأردني رقم (24) لسنة 1971

يعد البنك المركزي الأردني بنكا عاما، كما أشرنا آنفا، ومن أهدافه المحافظة على الاستقرار النقدي في المملكة وكذلك ضمان قابلية تحويل الدينار الأردني، ويهدف كذلك الى تشجيع النمو الاقتصادي المطرد في المملكة وفق السياسة الاقتصادية العامة للحكومة، ومن أهم الوسائل التي يقوم بها البنك المركزي لتحقيق أهدافه إصدار أوراق النقد والمسكوكات في المملكة والاحتفاظ بإحتياطي المملكة من الذهب والعملات الأجنبية ومراقبة البنوك المرخصة بما يكفل سلامة مركزها المالي وضمان حقوق المودعين والمساهمين والعمل كبنك للحكومة والمؤسسات العامة ووكيل مالي لها وتقديم المشورة للحكومة في رسم السياسة المالية والاقتصادية وكيفية تنفيذها. وفي موضوعنا نصت المادة (19/1) من هذا القانون على: (لا يجوز للمحافظ أو نائب المحافظ أو العضو ان يفشي لأي شخص غير مفوض أية معلومات سرية يحصل عليها بحكم عمله في البنك المركزي إلا إذا تم خلال القيام بواجباته وإذا طلب إليه ذكرها في المحكمة وفق أحكام القانون)، ولهذا ونظرا للدور الذي يقوم به البنك المركزي الأردني بمراقبة أعمال البنوك المرخصة والشركات المالية فهو يكون على علم ومعرفة بجميع أسرارها، ولهذا، إضافة للنص أعلاه، فقد ألزم الملحقين (1، 2) من ذات القانون – كل من محافظ البنك المركزي ونائبه وكافة موظفيه بالالتزام بالسرية المصرفية من خلال القسم القانوني، الذي يؤدونه قبل قيامهم بوظائفهم.

تاسعا: قانون البنوك الأردني رقم (28) لسنة 2000

لقد أفرد مشرعنا الأردني في هذا القانون موادا تعالج السرية المصرفية، وهي المواد (72، 73، 74، 75) ولهذا فقد نصت المادة (72) منه: "على البنك مراعاة السرية التامة لجميع حسابات العملاء وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم لديه، ويحظر إعطاء أي بيانات عنها بطريق مباشر أو غير مباشر الا بموافقة خطية من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزانة أو من احد ورثته أو بقرار من جهة قضائية مختصة في خصومة قضائية قائمة أو بسبب احدى الحالات المسموح بها بمقتضى احكام هذا القانون، ويظل الحظر قائما حتى ولو انتهت العلاقة بين العميل والبنك لأي سبب من الأسباب"، كما نصت المادة (73) من ذات القانون على انه: "يحظر على أي من إداري البنك الحاليين أو السابقين اعطاء أي معلومات أو بيانات عن العملاء أو حساباتهم أو ودائعهم أو الأمانات أو الخزائن الخاصة بهم أو أي من معاملاتهم أو كشفها أو تمكين الغير من الاطلاع عليها في غير الحالات المسموح بها بمقتضى احكام هذا القانون، ويسري هذا الحظر عل كل من يطلع بحكم مهنته أو وظيفته أو عمله بطريق مباشر أو غير مباشر على تلك البيانات والمعلومات بما في ذلك موظفي البنك المركزي ومدققي الحسابات". ومن الملاحظ ان مشرعنا يضع التزاما قانونيا على عاتق كافة البنوك وموظفيها بالمحافظة على السرية المصرفية بهدف تشجيع الاستثمار ودعم الاقتصاد الوطني الأردني وتنمية النشاطات الاقتصادية وغيرها من الجوانب الهامة والتي تنعكس في النهاية على المواطن الأردني.



عاشرا: قانون العقوبات الاردني رقم (60) لسنة 1960 وتعديلاته

لقد جرّم مشرعنا الاردني في قانون العقوبات افشاء الأسرار حيث تعد السرية المصرفية جزءا لا يتجزأ منها، نظرا لعموم نص المادة (355) منه، وحيث تعد سندا قانونيا للالتزام بالسرية المصرفية، ومصدرا هاما من مصادر التشريع الاردني، حيث نصت على:
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من:
1. حصل بحكم وظيفته أو مركزه الرسمي على اسرار رسمية واباح هذه الاسرار لمن ليس له صلاحية الاطلاع عليها أو الى من لا تتطلب طبيعة وظيفته ذلك الاطلاع وفقا للمصلحة العامة.
2.  كان يقوم بوظيفة رسمية أو خدمة حكومية واستبقى بحيازته وثائق سرية أو رسوما أو مخططات أو نماذج أو نسخا منها دون ان يكون له حق الاحتفاظ بها أو دون ان تقتضي ذلك طبيعة وظيفته.
3.  كان بحكم مهنته على علم بسر وافشاء دون سبب مشروع.
 فموظفو البنوك العامة كالبنك المركزي الأردني ومؤسسة الاقراض الزراعي وبنك الانماء الصناعي، وموظفو البنوك الخاصة كبنك الاسكان وبنك القاهرة عمان وغيرها ملزمون جميعا بأية معلومات مصرفية وصلت إليهم بحكم مهنتهم، حيث يستوعب هذا النص القانوني جميع العاملين في البنوك سواء كانوا موظفين عامين أو موظفين خاصين.


المبحث الثالث
 الآثار القانونية المترتبة على افشاء السر المصرفي
والاستثناءات الواردة على الالتزام بالسرية المصرفية

لا يوجد أي مانع قانوني يحول دون اجتماع وتحريك الدعوى التأديبية والدعوى المدنية والدعوى العمومية استنادا لذات الواقعة "إفشاء السر المصرفي" إذ أن الدعأوى القضائية الثلاثة مستقلة عن بعضها البعض هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك حالات مستثناه من الالتزام بالسرية المصرفية حيث تزول الأسباب الموجبة للحفاظ عليها، حيث ان التزام البنك بالحفاظ على السرية المصرفية حيث تزول الأسباب الموجبة للحفاظ عليها، حيث ان التزام البنك بالحفاظ على السرية المصرفية ليس مطلقا فقد تتعارض مع مصالح عامة أو خاصة تبرر الخروج عليها لاعتبارات تفوق في اهميتها مصلحة العميل، ويعفى البنك من اية مسائلة قانونية "تأديبية، مدنية، جنائية". وهذا ما سنراه في المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: الآثار القانونية على افشاء السر المصرفي

يترتب على إفشاء السر المصرفي في ثلاثة أنواع من المسؤولية: تأديبية، مدنية، وجزائية، وهذا ما نبينه على ضوء المصادر القانونية للسرية المصرفية.

أولا: المسؤولية التأديبية

الجريمة التأديبية هي كل مخالفة مسلكية للواجبات الوظيفية التي يقترفها الموظف أو العامل عند القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل مما يجعله يستحق العقاب التأديبي.

ولهذا فتعد المسؤولية التأديبية دعامة أساسية للحماية القانونية للسرية المصرفية بما قد يوقع من جزاء تأديبي على الأمين على السر نتيجة تقصيره في المحافظة على السر المصرفي بإعتباره تصرفا من شأنه الإخلال بواجبات الوظيفة أو المهنة(24).

وبناء على ذلك فإن عاملي البنك الخاص يتحملون الجزاء التأديبي إذا لم يحتفظوا بالأسرار المصرفية الصناعية والتجارية ولو بعد انقضاء العقد، وفقا لما يقتضيه الاتفاق أو العرف م(814/1) مدني، وقد فرض مشرعنا الأردني في قانون العمل م(28) أشد العقوبات التأديبية حيث يفصل العامل ومن دون اشعار اذا افشى الأسرار المصرفية الخاصة بالبنك أو اية عميل. اضف لذلك فإن التعامل المحظور بالأوراق المالية بناء على معلومات سرية ذات تأثير على أسعار هذه الأوراق يرتب العزل والمطالبة بالتعويض م(158) شركات وهذا ايضا جزاء تأديبي شديد يتحمله رئيس واعضاء مجلس ادارة البنك والمدير العام والموظفين الملزمين بحفظ أسرار البنك والذين يحصلون على المعلومات بحكم مهنتهم، كما يتحمل البنك الجزاءات التأديبية كالتنبيه والإنذار وسحب الترخيص من قبل البنك المركزي إذا كشف أسرار أي من العملاء م(46) بنك مركزي.

أما بالنسبة لموظفي البنوك العامة فهم موظفون عامون يخضعون لنظام الخدمة المدنية كموظفي البنك المركزي الأردني، وعليه يحظر عليهم بموجب المادة (66) من نظام الخدمة المدنية تحت طائلة المسؤولية التأديبية بعدم افضاء اية معلومات تعتبر سرية، والتي أشرنا إليها آنفا، وعليه فإن إفشاء السر المصرفي يستحق مقترفه أي من العقوبات التأديبية الواردة في م(142/أ) من نظام الخدمة المدنية: الانذار، الحسم من الراتب الشهري الأساسي بما لا يتجأوز النصف، تأخير الزيادة السنوية لمدة لاتزيد على ثلاث سنوات، تخفيض العلأوات كليا أو جزئيا لمدة لا تزيد على سنة واحدة وتستثنى العلأوة الشخصية والعائلية من هذه العقوبة، تنزيل الراتب، تنزيل الدرجة، الاستغناء عن الخدمة، والعزل وهي اشد العقوبات التأديبية.

ثانيا: المسؤولية المدنية، وهي نوعان:
1. المسؤولية العقدية

حتى تقوم مسؤولية البنك العقدية يجب ان يكون هناك عقدا صحيحا واجب التنفيذ أي نافذ ولازم ان البنك لم ينفذ التزامه بالسرية المصرفية قبل العميل أو نفذه تنفيذا جزئيا أو معيبا وبغض النظر عن نوع هذا العقد، وسواء نص العقد على هذا الاتفاق صراحة أو يفهم ضمنيا، كما ذكرنا، وان يترتب على ذلك ضرر مادي أو معنوي، والضرر بنوعيه ينشأ عن إخلال البنك بتنفيذه لالتزامه هذا، أي يجب توافر كافة اركان المسؤولية العقدية(25). وحيث أن البنك شخصا معنويا يمارس اعماله المصرفية من خلال موظفيه فيتحمل الجزاء المدني والمتمثل بالتعويض عما لحق العميل عن ضرر جراء إفشاء سّره على أساس مسؤولية المتبوع (البنك) من أعمال تابعة (الموظف) طبقا للمادة (288) من القانون المدني الأردني، والتي تقول: (لا يسأل أحد عن فعل غيره، ومع ذلك فللمحكمة بناء على طلب المضرور اذا رأت مبررا ان تلزم بأداء الضمان المحكوم به على من أوقع الضرر: أ..ب. من كانت له على من وقع منه الأضرار سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه ولو لم يكن حرا في اختياره اذا كان الفعل الضار قد صدر من التابع في حال تأدية وظيفته أو بسببها)، وبعد ذلك يستطيع البنك أن يرجع على الموظف المسؤول عن الضرر الذي لحق بالعميل، حيث جاء في الفقرة (2) من ذات المادة أعلاه (ولمن ادى الضمان ان يرجع بما دفع، على المحكوم عليه به).

2. المسؤولية التقصيرية:

قد لا يوجد عقد بين العمل والبنك حيث قد يقتصر الأمر مثلا على حد المفأوضات العقدية والتي يعلم البنك من خلالها على اسرار العميل وغير ذلك، وحيث أن مشرعنا المدني الأردني وضع قاعدة قانونية عامة في المادة (256) والتي تقضي بـ: (كل إضرار بالغير يلزم فاعل ولو غير مميز بضمان الضرر) فإن إفشاء هذا السر المصرفي من قبل الموظف وترتب عليه وجود ضرر لحق بالعميل ماديا كان أو معنويا ومرتبطا بفعل الإضرار برابطة السببية فإن هذا يوجب الضمان على البنك على اساس مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعة، والبنك بعد ذلك يرجع على الموظف المسؤول سواء كان الموظف قاصدا أو مهملا. ويقع عبء الإثبات على العميل ويتحمل البنك المسؤولية إلا إذا أثبت أن الضرر نشأ عن سبب أجنبي ليس للبنك أو موظفيه يد فيه(26) كفعل العميل المتضرر كأن يترك كشف حسابه في مكان ما.

ثالثا: المسؤولية الجزائية

بداية نقول حتى تقوم المسؤولية الجزائية لا بد من تحديد أركان جريمة إفشاء السر المصرفي(27)، حيث يجب أن يتوافر الركن المادي المتمثل بإفشاء السر المصرفي أي اطلاع الغير عليه بأي طريقة كانت كتابة أو شفاهه على كل السر أو حتى على جزء منه، الى جانب ذلك يشترط القانون صفة الجاني وهو المؤتمن على السر وقت ايداعه دون وقت افشائه حيث ان الالتزام بعدم الافشاء يستمر الى ما بعد زوال هذه الصفة، فموظفو البنوك يطلّعون على اسرار عملائهم المصرفية بحكم عملهم بإعتبارهم من (أهل الثقة الاضطرارية)، وكذلك يجب ان يتوافر القصد الجرمي العام دون الخاص، بركنيه العلم والإرادة، أي اننا امام جريمة عمدية والشروع هنا غير معاقب عليه؛ لأننا بصدد جنحة ولا تقوم هذه الجريمة بمجرد الخطأ أو الاهمال، حيث أن مشرعنا الأردني نص في المادة (71/1) المعدلة من قانون العقوبات على: (لا يعاقب على الشروع في الجنحة إلا في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة)، حيث لم تنص المادة (355) عقوبات  من ذات القانون بالعقاب على الشروع في هذه الجريمة، ومن الملاحظ على نص هذه المادة الأخيرة ان الفقرتين (1+2) منها تتعلق بموظفي البنوك العامة الذين يقع على عاتقهم المحافظة على السرية المصرفية كموظفي البنك المركزي، اما الفقرة (3) تتعلق بموظفي البنوك الخاصة والذين يقع على عاتقهم ذات الالتزام القانوني. وينعقد الاختصاص القضائي لمحكمة البداية بصفتها محكمة جنح. كما اننا نلاحظ بأن قانون البنوك الأردني فرض في المادة (75) بالجنس من 6 أشهر – 3 سنوات أو بالغرامة المالية لا تقل عن (10 آلاف دينار – 50 ألف دينار) أو بكلتا العقوبتين على كل من لم يلتزم بالسرية المصرفية بموجب المادتين (72، 73) من ذات القانون، والتي ذكرناها سابقا، والملاحظ هنا أننا أمام نصين قانونيين يجرمان ذات الأفعال تقريبا إلاّ أن الحد الأدنى يختلف، ففي قانون العقوبات فهو أسبوع أما في قانون البنوك هو القانون الواجب التطبيق اذا كان موضوع النزاع إفشاء سرا مصرفيا. كما ان قانون الأوراق المالية فرض في المادة (70) الغرامة على ألا تزيد على (20) ألف دينار إضافة لغرامة لا تقل عن ضعف ما ربح أو ما تجنب من خسارة ولا تزيد على خمسة أضعاف ذلك، والحبس لمدة لاتزيد على (3) سنوات "التعامل المحظور بالأوراق المالية بناء على معلومات سرية"، ويعفى من الحبس اذا دفع المبالغ المذكورة قبل اكتساب الحكم الدرجة القطعية، ونلاحظ بأن مشرعنا الأردني سأوى في عقاب الفاعل والشريك والمتدخل والمحرض باعتبارنا امام جريمة اقتصادية.

وبناء على ما تقدم يتحمل موظف البنك المسؤولية الجزائية الشخصية حيث ارتكب جريمة إفشاء السر المصرفي عن وعي وارادة كما تقتضي المادة (74/1) عقوبات هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فتقوم المسؤولية الجنائية للبنك باعتباره شخصا معنويا حيث يعبّر عن ارادته من خلال وكلائه وممثليه وموظفيه والذين يعملون باسم البنك ولحسابه حيث ان جريمة افشاء السر المصرفي من الجرائم التي يمكن تصور ارتكابها من قبل البنك، الا اننا نلاحظ بان المسؤولية الجزائية تتحملها البنوك الخاصة دون البنوك العامة بإعتبارها شخصا معنويا إلا أن هذا لا يمنع من قيام المسؤولية الجزائية الشخصية لموظفي البنوك العامة كالبنك المركزي على ضوء ما بينّا، ولهذا جاء في المادة (74) من قانون العقوبات المعدلة، ما يلي: (2001 – تعتبر الهيئات المعنوية باستثناء الدوائر الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة الرسمية مسؤولة جزائيا عن الجرائم التي يرتكبها مديروها أو ممثلوها أو وكلائها بإسمها أو لحسابها. 3- لا يحكم على الأشخاص المعنوية الا بالغرامة والمصادرة. واذا كان القانون ينص على عقوبة اصلية غير الغرامة استعيض بالغرامة عن العقوبة المذكورة وأنزلت بالأشخاص المعنويين في المواد من 22 الى 24)، هذا ويمكن وقف البنك الخاص عن العمل اذا اقترف المدير أو أي عضو في الادارة، أو ممثلة أو عماله بإسمه أو بإحدى وسائله جناية أو جنحة مقصودة يعاقب عليها بسنتي حبس على الأقل م(36) عقوبات، كما أجاز مشرعنا حل البنك اذا خالف الأحكام القانونية المنصوص عليها وهذا ما يستفاد من المادة (37/ج) عقوبات، كما يجوز بإيقاف البنك عن العمل من (شهر – سنتين)، كما يوجب الحل تصفية أموال البنك، ويفقد المدير واعضاء الادارة وكل مسؤول شخصيا عن الجريمة الأهلية القانونية لتأسيس بنك مماثل أو ادارته م(38) عقوبات.

المطلب الثاني الاستثناءات الواردة على الالتزام بالسرية المصرفية

الأصل هو ضرورة احترام السرية المصرفية حيث يلتزم البنك بالحفاظ على سرية جميع العمليات والوقائع التي تدخل في مجال النشاط المصرفي والتي اتصل علم المصرفي بها اثناء ممارسته لمهام مهنته، إلاّ أن الالتزام بمبدأ السرية المصرفية ليس مطلقا وإنما نسبي ترد عليه القيود والضوابط حيث تزول الأسباب الموجبة للحفاظ على السرية المصرفية، في الحالات الآتية:

أولا: الأشخاص الذين لا يحتج بالسرية المصرفية في مواجهتهم

بالنسبة للأزواج الأصل هو استقلال الذمة المالية لكل من الزوج والزوجة حيث يحظر على البنك الإدلاء بأية معلومات سرية عن حسابات ومعاملات أي منهم المالية اذا تم ذلك بمقتضى تفويض أو توكيل من احدهما للآخر أو كان حسابهما مشتركا، وبناء عليه فقد نص مشرعنا الاردني في المادة (38) من قانون البينات على: (لا يجوز لأحد الزوجين ان يفشي بغير رضى الآخر ما ابلغه اياه اثناء الزوجية ولو بعد انفصالهما الا في حالة رفع دعوى من احدهما على الآخر أو اقامة دعوى على احدهم بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر). وكذلك الوكيل القانوني أو ممثل العميل كأن يكون العميل شركة فهنا يقتضي الأمر اطلاع هؤلاء على السر المصرفي وذلك بموجب توكيل خاص يجيز ذلك حيث ان ارادة العميل هي التي منحت حق الاطلاع على اسراره، اما الولي أو الوصي أو القيم فلا يستطيع البنك ان يحتج بالسرية المصرفية في مواجهتهم عندما يكون العميل صغيرا قاصرا أو مجنونا أو معتوها أو سفيها أو ذي غفلة أو صاحب عاهة مزدوجة فلهم الاطلاع على كافة حسابات هؤلاء يبلغ الصغير سن الرشد أو ان يرفع الحجر عنهم، وكذلك الورثة حيث يعدوا من الخلف العام بموجب المادة (206) مدني اردني حيث يخلفوا مورثهم في جميع الذمة المالية من حقوق والتزامات فشخصية الوارث استمرار لشخصية المورث ولهذا تثبت لهم حقوق العميل المتوفى ولا يحق للبنك ان يحتج بالسرية المصرفية في مواجهتهم الا اذا تعلق بأمر خاص جدا بالعميل، أما الموصى له لا يحق له الاطلاع على اسرار العميل المصرفية في حين ان منفذ الوصية له الحق في ذلك حتي يقوم بعمله بشكل كامل، اما وكيل التفليسة وهو وكيل قانوني عن المفلس حيث يقوم مقام العميل قانونا فله حق الاطلاع على كافة المعاملات المصرفية للعميل المفلس، وهو كما تقول المادة (316) تجارة أردني "كل تاجر يتوقف عن دفع ديونه التجارية وكل تاجر لا يدعم الثقة المالية به الا بوسائل يظهر بجلاء أنها غير مشروعة".

وأخيرا الشركاء في الشركة حيث تنقسم الشركات الى شركات اموال كالشركة المساهمة العامة والشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات التوصية بالأسهم التي تقوم على اعتبار مالي فشخصية الشركة مستقلة عن شخصية الشركاء، والى شركات اشخاص كشركات التضامن وشركات التوصية البسيطة التي تقوم على ان شخصية الشريك محل اعتبار وتندمج الذمة المالية للشركاء مع الذمة المالية للشركة، وعليه فالبنك يحتج في مواجهة الشركاء في شركات الأموال بالسرية المصرفية دون شركات الأشخاص حيث لا يستطيع البنك ذلك.


ثانيا: حالات الإعفاء من الالتزام بالسرية المصرفية

يجب على البنك ان يراعي السرية المصرفية التامة لجميع حسابات العملاء والودائع والأمانات والخزائن ويحظر اعطاء أي بيانات عنها بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلاّ أن موافقة العميل الخطية بأن يجيز للغير بالاطلاع على معاملاته المصرفية اللاحقة يعفي البنك من التزامه بالسرية المصرفية طالما ان هذا الرضا صادر من نفس العميل لا من الغير، بإرادة حرة مدركة لا يشوبها أي عيب سواء كان ذلك صريحا أو ضمنيا وعلى البنك ان يتقيد بذلك. كما يحق لأي من الورثة إباحة افشاء السرية المصرفية طالما لهم مصلحة مشروعة، حسب ما جاء في المادة (72) قانون بنوك، وكذلك الاستعلام المصرفي عن حالة العميل عن طريق تبادل المعلومات المتعلقة بالعملاء سواء بشأن مديوناتهم لتوفير البيانات اللازمة لسلامة منح الائتمان أو بشأن الشيكات المرتجعة بدون تسديد أو أي اعمال اخرى يراها البنك المركزي لازمة لتعلقها بسلامة العمل المصرفي وذلك فيما بين البنوك والبنك المركزي واي شركات أو جهات اخرى يوافق عليها البنك المركزي لتسهيل تبادل هذه المعلومات، وهذا ما جرى عليه العرف المصرفي إلا أن نص عليه مشرعنا الأردني في المادة (74/د) وبذلك فإن الاستعلام المصرفي يعد خروجا على مبدأ السرية المصرفية إلا أنه ينحصر نطاقه بين البنوك فحسب.
كما لا يجوز للبنك ان يتمسك بمبدأ السرية المصرفية إذا صدر قرار من جهة قضائية مختصة في خصومة قضائية قائمة ويشمل ذلك بالإدلاء بالشهادة أمام المحاكم الجزائية أو المدنية، وكذلك عند كشف البنك عن كل أو بعض البيانات الخاصة بمعاملات العميل اللازمة لاثبات حقه في نزاع قضائي نشأ بينه وبين عميله بشأن هذه المعاملات، وايضا فإن البنك ملزم بمسك الدفاتر التجارية بإعتباره تاجرا والتي يدون فيها كل ما يتعلق بتجارته من حقوق والتزامات، حيث يمكن للمحكمة إلزامه بموجب المادة (25) ببينات بتقديم ورقة أو سند تحت يده كما لها ان تأمره بأن يبرز ما في حوزته أو تحت تصرفه من مستندات ترى انها ضرورية للفصل في الدعوى بمقتضى المادة (100) أصول مدنية.

كذلك يمكن وبأمر من المحكمة حجز أموال العميل لدى البنك بإعتبار ان جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه، وهنا لا يجوز للبنك ان يتمسك بالسرية المصرفية بل يعفى من ذلك، كما يحق لمدير ضريبة الدخل أو أي موظف مفوض الإطلاع على حسابات العميل ولا يجوز للبنك الاحتجاج بالسرية المصرفية في مواجهته الا انه يقع عليه التزام المحافظة على هذا السر لغايات معينة، كما يحق للبنك المركزي بموجب الأعمال والاجراءات التي يقوم بها الإطلاع ومراقبة العمليات المصرفية. كذلك يعفى البنك من السرية المصرفية بشأن الواجبات المنوط أداؤها بمدققي الحسابات الذين تعينهم الهيئة العامة للبنك أو البنك المركزي، كما يعد خروجا على مبدأ السرية المصرفية حالات الابلاغ عن الجرائم كجريمة اصدار شيك لا يقابله رصيد، فإذا أصدر العميل شيكا وليس له مقابل وفاء قائم وقابل للصرف أو اذا سحب بعد اصدار الشيك كل المقابل لوفائه أو بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمته، المادة (421) عقوبات، حيث ان الحامل ملزم بقبول الوفاء الجزئي اذا كان مقابل الوفاء اقل من مبلغ الشيك، المادة (251) تجارة، فإصدار شهادة أو بيان بأسباب رفض صرف أي شيك بناء على طلب صاحب الحق يعد استثناء على مبدأ السرية المصرفية فإفصاح البنك عن رصيد العميل له ما يبرره حيث ينكسر عندئذ الالتزام بالسرية المصرفية، ومن الجرائم الاقتصادية التي يتوجب البنك عن الابلاغ عنها والتعامل معها بحذر هي جريمة غسيل الأموال حيث جاء في المادة (93) من قانون البنوك ما يلي: أ- اذا علم البنك ان تنفيذ أي معاملة مصرفية أو ان تسلم أو دفع أي مبلغ يتعلق أو يمكن ان يتعلق بأي جريمة أو بأي عمل غير مشروع، فعليه ان يقوم فورا بإشعار البنك المركزي بذلك. ب- اذا تسلم البنك المركزي الإشعار المنصوص عليه في الفقرة (أ) من هذه المادة أو اذا علم من مصدر آخر انه قد طلب من البنك تنفيذ معاملة مصرفية أو تسلم أو دفع مبلغ يتعلق أو يمكن ان يتعلق بجريمة أو بعمل غير مشروع، فعلى البنك المركزي، وعلى الرغم من احكام أي تشريع آخر، اصدار امر الى ذلك البنك بالامتناع عن تنفيذ تلك المعاملة أو عن تسلم أو دفع ذلك المبلغ لمدة اقصاها ثلاثون يوما وعلى البنك المركزي اشعار أي جهة رسمية أو قضائية بذلك. ج- لا يعتبر افصاح البنك عن أي معلومات بموجب احكام هذه المادة إخلالا بواجب الالتزام بالسرية المصرفية، كما لا يتحمل البنك المركزي أو البنك أي مسؤولية نتيجة لذلك). وحيث ان جريمة غسيل الأموال جريمة عالمية تقوم بها العصابات الإجرامية الدولية غالبا من خلال البنوك، فإننا سنعالجها من الناحية القانونية ومن حيث تشريعاتنا الوطنية الأردنية، من خلال الفصلين التاليين، بإعتبارها أهم وأخطر استثناء يرد على مبدأ السرية المصرفية.

الفصل الثاني
 ماهية جريمة غسيل الأموال من الناحية القانونية

إن حقيقة غسيل الأموال، التي اتفقت غالبية رجال الفكر المعاصر على اعتبارها جريمة جديدة على العالم تدخل ضمن جرائم "الجريمة المنظمة" التي بدأت تتجأوز حدود الدولة الواحدة بعد اتساع دائرة الاتصالات وبعد سيطرة فكرة "المصلحة" كهدف للعصابة الإجرامية تجمعها "مهما تباعدت مقار أنشطتهم الإجرامية، وبعد أن أصبحت النظرة المعاصرة للإجرام تتحول من الاقليمية الى الدولية وبالذات في مجال جرائم الاعتداء على الأموال، بعد ان كانت الجريمة فردية وتتسم بالطابع المحلي أي لا تتجأوز حدود الدولة ولا تتعدى الحدود السياسية للدولة، فأصبحت الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية ذات الطابع الاقتصادي والعالمي سمة من سمات العصر وعنصرا من عناصر الدمار والتخريب الاقتصادي بعد ان تمكنت الجريمة المنظمة من اختراق المؤسسات المالية والاقتصادية بقدراتها الهائلة ومكتسباتها غير المشروعة فيجب تجريم عمليات غسيل الأموال جنائيا وتكون عقوبتها بقدر أضرارها المدمرة للاقتصاد الوطني من خلال الاستعانة بعلماء القانون والفلسفة والاجتماع وبنتائج الدراسات العلمية الجادة في مجالات علم الإجرام وعلم العقاب والسياسة الجنائية وفلسفة القانون الجنائي، فعملية غسيل الأموال تتم عندما يحصل المجرم على المال "القذر" من مصدر غير مشروع، ويخشى ان يضع هذا المال في بنوك دولية فيعمد الى تهجيرها الى دولة أخرى ينتقاها وعصابته من بين الدول النامية التي تحتاج الى رؤوس اموال اجنبية دون ان تعنى ببحث مصدر هذه الأموال فهي تبتغي القضاء على مشكلة البطالة وتشجيع الاستثمار فيصبح المال بعد هذه العملية المالية "نظيفا" بعيدا عن رقابة الدولة الأجنبية، في حين أنه في نظر الدولة التي أخذ منها هذه الأموال بطريق حرام هاربا من العدالة الجنائية حيث ارتكب جريمة جنائية، وهذا على المدى البعيد يؤدي الى نتائج ضارة ابرزها تحكم اصحاب رؤوس الأموال الأجنبية، وهم مجرمون دوليون أو مجرمو حرب في أوقات الحرب، التي تم غسلها في إدارة الدولة وتوجيه دفة الحكم نحو ما يحقق مصالحها(28).

وعليه، فتكمن علة تجريم عمليات غسيل الأموال من خلال الآثار الاقتصادية لغسيل الأموال كإنخفاض الدخل القومي للدولة التي هربت الأموال منها وانخفاض قيمة العملة الوطنية وانخفاض حجم الأموال المدخرة وارتفاع حجم معدل التضخم وإفساد مناخ الاستثمار، الى جانب الآثار الاجتماعية كزيادة معدل الجريمة وزيادة معدل البطالة وتدني مستوى المعيشة واستغلال اليد العاملة في بعض دول العالم الثالث وتولى بعض الأشخاص لمراكز قيادية رغم عدم كفاءتهم، وايضا الآثار السياسية لغسيل الأموال حيث التدخل في بعض النظم السياسية وإفسادها وتمويل النزاعات الدينية والعرقية وكذلك تأثيرها على وسائل الإعلام وعلى القضاء احيانا(29)، وأن عملية غسيل الأموال دون أية مراعاة للاعتبارات الرسمية تؤدي الى المنافسة غير المتكافئة مع المستثمر الجاد الوطني والأجنبي وتطرد العملة الرديئة العملة الجيدة من التعامل.


المبحث الأول
 التعريف بجريمة غسيل الأموال ومراحلها ومصادر الأموال غير المشروعة
وخصائص الجريمة وأنواعها وطرق ارتكابها وحالاتها

سنتعرف على المقصود بجريمة غسيل الأموال والمراحل التي تمر بها هذه الجريمة ومصادر الأموال غير المشروعة والخصائص التي تتميز بها جريمة غسيل الأموال وأنواع جريمة غسيل الأموال والطرق التي يتم من خلالها ارتكاب الجريمة وحالات غسيل الأموال، من خلال المطالب الأربعة الآتية:

المطلب الأول: التعريف بجريمة غسيل الأموال

جريمة غسيل الأموال (Money Laundering) من الجرائم الاقتصادية (الجرائم المنظمة Organized Crime) التي ترتكبها جماعات وعصابات وتنظيمات ذات تشكيل خاص بالأنشطة والعمليات الإجرامية المختلفة بما فيها استخدام العنف والقوة وأنماط أخرى من الأساليب غير المشروعة بهدف تحقيق أرباح طائلة من مصادر غير مشروعة(30). حيث يتم تحويل الأموال المتحصلة من الأنشطة الإجرامية إلى أموال تتمتع بمصدر قانوني سليم عن طريق طمس المصدر الحقيقي لتلك الأموال وغسلها من القذارة وضخها عبر قنوات في الدورة الاقتصادية المشروعة خلف نسيج جديد للصفقات النقدية بإيداعات بنكية أو شراء أوراق حوالات مصرفية وشيكات سياحية، واستخدام خدمات الأنشطة التجارية والمالية، والقطاع المصرفي هو أحد قطاعات عمليات غسيل الأموال؛ لأن موضوع غسيلها هو فن توظيف الوسائل المشروعة في ذاتها وخاصة المصرفية لتأمين حصاد وإخفاء المتحصلات غير المشروعة لإحدى الجرائم، ومن ثم ضخها في أنبوب الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية المشروعة على المستويين الوطني وعبر الوطني على نحو يكسبها صفة المشروعية لتتجذر من جديد في وسط اقتصادي طبيعي مشروع(31). وغسيل الأموال عملية يتم بمقتضاها اتخاذ أي سبيل لإخفاء مصدر الأموال المتحصلة من أعمال غير مشروعة ويجرمها القانون، ومحأولة اخفاء طابع المشروعية على تلك الأموال واستخدامها في الحياة العامة أو تمويل تجارة غير مشروعة ايضا، أو هو استعمال النقود الناتجة عن نشاط غير مشروع مع إخفاء هوية الأشخاص الذين يحصلون على النقود ويحولونها الى اصول تبدو كما لو أنها من انتاج مصدر مشروع ونشاط قانوني ويتم ذلك في العادة بإستخدام القنوات المصرفية والمؤسسات المالية وذلك لتغيير الصفة غير المشروعة للأموال وصعوبة تعقبها بواسطة السلطات الأمنية وصعوبة التعرف على مصدرها ثم اعادة الأموال غير المشروعة الى البلاد القادمة منها مرة أخرى بصفة جديدة ومشروعة زالت عنها بصمات الاتهام وأصبحت مغايرة لحقيقتها الأولى(32).

إذن يتم اخفاء أو تمويه المصادر غير المشروعة للأموال المنقولة وغير المنقولة المتأتية عن الجرائم المنظمة كتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة واختلاس المال العام... وغيرها، ومن ثم ادخالها ضمن نطاق الدورة الاقتصادية الشرعية بهدف تدأولها بصورة شرعية(33). وعملية غسيل الأموال بهذا المعنى أية عملية من شأنها اخفاء المصدر غير المشروع الذي اكتسبت منه الأموال المراد غسلها(34)، أو تمويه هذا المصدر وهذا التعريف يغطي كافة الأفعال التي يلجأ إليها المجرمون لتمويه المصادر غير المشروعة لايراداتهم(35). وغسيل الأموال هو وضع أموال من أصول مشبوهة، من عائدات النشاط الإجرامي عادة، في المجرى المالي لعجلة الاقتصاد في المجتمع، لإخفاء أصولها الملوثة وإظهارها بمظهر قانوني نظيف وكأنها عوائد استثمارات شرعية، ومكتسبات ربحية نظيفة(36).

وعليه نقول بأن جريمة غسيل الأموال هي تلك التدابير التي تقوم بها الأطراف الجرمية بقصد إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو مصدرها أو مكانها والتي تكون ذات منشأ جرمي مما يكسبها مظهرا قانونيا تحت ستار الاستثمارات في الأنشطة المختلفة وغيرها. وبالتالي الإفلات من دائرة العدالة الجنائية.
نعرف أن هناك أشخاص يهربون المخدرات ويتقاضون ارباحا طائلة، وعملية غسيل الأموال وبنسبة 80% تأتي من خلال عملية تهريب المخدرات وقد تأتي هذه الأموال القذرة من خلال مصادر أخرى غير المخدرات كالأنشطة السياسية غير المشروعة والاختلاس من المال العام والتهريب وتزوير الشيكات المصرفية والزنا ومحلات الدعارة وغيرها، ومن المعلوم ايضا ان مهربي المخدرات هم من فئة الأغنياء ولذلك يحأول رجال الشرطة متابعتهم وتتبعهم في قضايا التهريب ومثال ذلك في كولومبيا يمتلك مهربو المخدرات فللا جميلة وأماكن ترفيهية وقد لا يريد المهربون شراء الفلل والسيارات بل يريدون شراء سلطة سياسية ومثال ذلك ما حدث في كولومبيا سنة 1986 حيث قام بأولو باسكوبا وهو رئيس عصابة تهريب المخدرات بترشيح نفسه لعضوية المجلس التشريعي ونجح في ذلك بعد ان قام بشراء اصوات الناخبين الا انه بعد عام قام بترشيح نفسه لمنصب نائب الرئيس في كولومبيا إلا أنه اغتيل عام 1987 نتيجة لطموحه في الوصول الى سلطة أعلى وكذلك الحال بالنسبة الى نوريغا في بنما حيث كان يروج لمهربي المخدرات ويتوسط لهم.

لقد تنبهت الدول الأوروبية الى هذه المشكلة الخطيرة على اثر ذلك اجتمعت الدول السبع الكبرى عام 1989 حيث طالبت هذه الدول بوضع تشريعات وقوانين خاصة بمكافحة جرائم غسيل الأموال حيث قدرت الأموال المتحصلة من هذه الجرائم بحوالي (200 – 300) مليار دولار أمريكي ومن هنا ظهر مدى حجم القوة التي يتمتع بها مهربو المخدرات بمعنى ان هذه المبالغ تعادل ما تنتجه الولايات المتحدة الأمريكية من صناعة السيارات. والسؤال الذي يمكن أن يطرح إن هذه المشكلة تهم الدولة العربية والولايات المتحدة الأمريكية فلماذا الحديث عنها في دول ليست معنية بجرائم غسيل الأموال وليست لديها منظمات اجرامية؟

الجواب نقول ان عمليات غسيل الأموال تتعرض للمكافحة الشديدة في الدول الغربية وامريكا  ولذلك يلجأ المهربون الى اماكن بديلة يبيعون فيها أموالهم وقد يكون الأردن إحدى هذه الأماكن ودول أخرى لا توجد بها مثل هذه الجرائم وبالتالي تكون إجراءات المكافحة فيها قليلة.

المطلب الثاني: المراحل التي تمر بها جريمة غسيل الأموال

تتم عملية غسيل الأموال(37) بهدف اخفاء مصدر النشاط الإجرامي المرتبط بهذه الأموال القذرة، ولقد قام مكتب التحقيقات الفيدرالي بتعداد ما يزيد على (177) نشاطا إجراميا مختلفا والتي تنتج ايرادات وعوائد يتم غسلها فيما بعد بأساليب ووسائل بدءا من الايداع النقدي في البنوك، وذلك ابسط اشكال غسيل الأموال مرورا بإستخدام خدمات القطاعات غير المصرفية مثل بوالص التأمين وانتهاء بغسيل الأموال بإستخدام شبكة الإنترنت والبطاقات الذكية إضافة الى استخدام احدث المنتجات المصرفية مثل المشتقات وخدمات الدوائر البنكية الخاصة.

ولهذا فإن عملية غسيل الأموال ليست فعلا واحدا(38)، ولكنها عملية تنطوي على مرحلة وسلسلة من الاجراءات، من هنا يمكن لإدراك مراحلها أهمية في تحديد ما ينشأ من صور جرمية ترتبط بهذه المراحل. وعليه فإن جريمة غسيل الأموال تمر بالمراحل الآتية:

أولا: مرحلة التوظيف والايداع (Placement) وهي مرحلة الغسيل المبكرة، قلنا أن تهريب المخدرات يشكل 80% من الأموال التي يتم غسلها فعندما يقوم شخص بشراء مخدرات من الشارع فإنه يدفع نقدا أو بواسطة شيكات أو أوراق مالية ثم يقوم البائعون بأخذ هذه الأموال وإيداعها في البنوك من اجل دفع المبلغ الكلي لتاجر الجملة ثم يقوم تاجر الجملة بجمع الأوراق النقدية التي يتلقاها من فائض المفرق ويشتري كميات أخرى من المخدرات وهكذا دواليك وبتطبيق ذلك على تجارة مادة الكوكايين فإننا نتصور فائضا هائلا من الأموال النقدية وهذا دليل واضح أن هذه الأموال من جراء تهريب المخدرات؛ لأن المهرب لا يستطيع إثبات مشروعية الأموال وقد نجد في بعض الحالات أن هناك آثارا على بعض الأوراق النقدية مثل البودرة وهذا دليل واضح على أن هذه الأموال متحصلة من تهريب المخدرات.

وتبدأ عملية غسيل الأموال بأن يقوم تاجر المخدرات بأخذ حقائبه المملوئة بالنقود والذهاب بها الى البنك ووضعها في حساب لديه أي يقوم بتحويل الأموال النقدية الى بعض اشكال الأوراق المالية وهذه الخطوة يطلق عليها مرحلة استبدال الأموال (القذرة ) أو الغسيل المبكر. ثم بعد ذلك تتم مرحلة اكساب الأموال القذرة صفة المشروعية (القاعدة). وتتم عندما تصبح الأموال القذرة في البنوك تصبح وكأنها أموالا مشروعة ويطلق عليها اسم القاعدة؛ لأنه تبنى عليها الخطوات التالية في غسيل الأموال.

ثانيا: مرحلة التغطية (Layring) وهي مرحلة استعمال هذه الأموال في أغراض مشروعة بعد غسلها تعتبر هذه المرحلة أسهل المراحل ذلك أن الخطوة الأولى تعتبر الأصعب؛ لأنه عندما يكون لدى المهرب مبلغ كبير من المال على شكل نقد ويذهب الى البنك ويطلب ايداعه في حسابه وهذا ليس بالأمر السهل اذ ان هناك تشريعات تنص على انه عندما يتم ايداع مبالغ نقدية فوق مستوى معين على البنك الاتصال بالشرطة لمعرفة مصدر هذه الأموال تحت طائلة المسؤولية.

ولتفادي ذلك يقوم المهربون باستئجار عدة أشخاص لايداع هذه الأموال في عدة حسابات بنكية بحيث لا يصل المبلغ المودع الى المستوى الذي يوجب البنك الى اعلام الشرطة بذلك وفي النهاية تذهب هذه المبالغ الى الحساب الرئيسي للمهربين وهذه الخطوة قد لا تكون مضمونة اذ ان البنوك قد يرتابها الشكوك لدى المودع خاصة اذا لم يكن لديه تجارة أو عمل.

وهناك طرق أخرى لغسيل الأموال وهي عملية استبدال هذه الأموال بأموال اخرى كالذهب والشيكات السياحية أو نقل هذه الأموال الى بلد آخر ليس فيه تشريعات توجب السؤال عن مصدر هذه الأموال ومن هنا تكمن اهمية الموضوع بالنسبة للدول الأخرى التي لا تعاني من هذه المشكلة ومنها الأردن.
وقد يتم استخدام وكلاء السفر والشحن لنقل هذه الأموال الى البلد المستقبل ويتم ايداعها بدون شكوك؛ لأن تشريعاتها تجيز ذلك وتبقى الأموال في البنوك بشكل طبيعي الى ان يتم تحويلها الى خارج الدولة بالوسائل الالكترونية مثل الدولة الأوروبية.

وتعتبر الدولة الافريقية ودول شرق أوروبا هدفا جيدا بالنسبة للمهربين لتحويل الأموال الى بنوكها نظرا لأوضاعها الاقتصادية وجهل هذه الدول بطبيعة هذه الأموال وأنها لن تدوم طويلا في بنوكها دائما وسوف يتم استخدامها، وعليه يقوم المهربون بتحويلها الى الخارج وفي الدول المستقبلة يعاد استخدام الأموال وكأنها أموال مشروعة وهذه المرحلة الثانية يصعب تعقبها من قبل الشرطة؛ لأن البنوك غير ملزمة بالإبلاغ عن هذه الأموال.

ولذلك يلجأ المهربون الى وضع الأموال في بلد ليس لديه تشريعات لضبط عملية الايداع مثل لوكسمبرغ ومن ثم يتم تحويلها الى جزرالكاريبي وهناك يقوم المهربون بخلق شركات وهمية حيث تقوم هذه الشركات بتحويل الأموال لهم تحت غطاء ثمن خدمات أو رسوم جمركية.

ثم يقوم صاحب الحساب البنكي بدفع قيمة الفواتير الى صاحب الشركة وبالتالي اذا وجدت اية شبهات للشرطة وسألت الشركة عن مصدر هذه الأموال فإنها ستقول أنها تدفعها بدل خدمات بموجب فواتير وما تجهله الشرطة ان صاحب الحساب البنكي والشركة الوهمية هو ذات الشخص وهكذا تستمر العملية من حساب الى آخر ومن شركة لأخرى ويكون ذلك تحت سيطرة المهرب.

ثالثا: مرحلة التكامل (Integration) حيث يتم استعمال الأموال بإستثمارها من جديد مثل شراء قارب أو شراء فلل أو استئجار نساء لغايات غير مشروعة ومن الطبيعي ان يكون جزء من هذه الأموال يستخدم في استثمارات مشروعة وقانونية للحصول على ربح مشروع مثل شراء شركات أو مؤسسات وتتم بالتعامل النقدي مثل المطاعم، الكازينوهات، غسل الملابس ومن هنا جاءت تسمية غسيل الأموال.

وقد يلجأ المهربون الى شراء شركات خاسرة كونها رخيصة حيث يقوم المهرب بضخ الأموال فيها وتظهر وكأنها تحقق ربحا أو انها شركات عادية ليست عليها ضرائب ومثال ذلك غينا بيسأو حيث ان ليست بلد سياحي الا ان هناك العديد من المنتجعات السياحية فيها التي لا تقوم بأي عمل.

المطلب الثالث مصادر الأموال غير المشروعة والخصائصالتي تتميز بها جريمة غسيل الأموال

أولا: مصادر الأموال غير المشروعة لجريمة غسيل الأموال:

إن عمليات غسيل الأموال ترتبط بأنشطة غير مشروعة عادة ما تكون هاربة خارج سريان القوانين المناهضة للفساد المالي ثم تحأول العودة مرة أخرى بصورة مشروعة معترف بها من قبل ذات القوانين التي كانت تجرمها، ولم يكن على أصحاب الأموال غير المشروعة أو الناتجة على معاملات قذرة ان يعودوا بأموالهم الى داخل البلاد الا بعد الاطمئنان الى عدم وجود مخالفات قانونية ومخاطر مرتبطة بأجهزة الأمن أو السيادة(39)، وتتعدد مصادر الأموال غير المشروعة بتعدد الأفعال الجرمية والتي يصعب حصرها في إطار أو عدد معين(40)، وأهمها تجارة المخدرات والتهريب عبر الحدود للسلع والرشوة والاتجار في العملات الأجنبية وجمعيات الأشرار والإرهاب والاختلاس والفساد الإداري في الوظائف العامة والتهرب الضريبي والأنشطة السياسية غير المشروعة والاقتراض من البنوك دون ضمانات كافية، وجرائم اصحاب الياقات البيضاء التي ترتكب من أشخاص لهم مكانة عالية في المجتمع (الاخلال بواجبات الوظيفة، استثمار الوظيفة، اساءة استعمال السلطة،...) والاحتيال والغش التجاري وتقليد العلامات التجارية وتزوير النقد والعملات والبنكنوت وتزوير الشيكات المصرفية والمضاربة غير المشروعة في الأوراق المالية ... وغيرها.

ثانيا: الخصائص التي تتميز بها جريمة غسيل الأموال:

تعد جريمة غسيل الأموال جريمة حديثة بوصفها اسلوبا وطريقة يتم بها الاستفادة من متحصلات أو نواتج الأعمال الإجرامية أو غير المشروعة لتجارة المخدرات أو السلاح من أو الى العصابات الإجرامية المنظمة أو اعمال السطو المسلح المنظم أو الاتجار في الأشياء المحرمة أو الرقيق الأبيض(41). كما تعد جريمة غسيل الأموال من الجرائم المنظمة حيث يوجد هيكل تنظيمي على شكل جماعة أو عصابة هرمية السلطة يتسم بنوع من الاستمرارية في حالة اعتقال احد قادته أو وفاته، ويتكون هذا الهيكل من عدد محدود من الأعضاء يتم تدريبهم جيدا، ويتعرض المنشق عنهم لمصير أسود وفقا لتقاليد وأعراف تحكم آلية عملهم، ويمارسون نشاطاتهم الإجرامية من خلال قدرتهم على تحدي السلطات المختصة في الدولة واختراق اجهزتها ومؤسساتها الرسمية باستخدامهم أحدث الأساليب والتقنيات والتكنولوجيا الحديثة المعقدة فضلا عن القوة والعنف والخداع كالقتل والخطف واحتجاز الرهائن ... وتقديم الرشوة المغرية لموظفي الدولة وغيرها من وسائل الافساد بهدف إضعاف تلك الأجهزة والمؤسسات الرسمية والتغلغل فيها كأدوات لتمرير مخططاتهم الإجرامية وتحقيق أهداف غير مشروعة، والجريمة المنظمة هي جريمة مخططة تحتاج الى اساليب واجراءات وقواعد مكافحة غيرتلك التي تحتاجها الجريمة التقليدية(42). وجريمة غسيل الأموال تتعدى الطابع الفردي أو الشخصي (Non Personal) سواء في الدافع أو الضحية أو العلاقة بين المجرم والضحية ولها طابع جماعي، وتتم بتظافر جهود عدة أشخاص، ولهذا فأساليب مكافحتها أصعب، كما أن جميع هذه الجرائم ترتكب بقصد الحصول على المال، ويحصل المجرمون من ورائها على مبالغ طائلة، ولهذا نجد المصروفات التي تصرف على ارتكابها وعلى مقأومة كشفها مصروفات كبيرة، وعليه فإن هذا يشكل عبئا على المنظمات الإجرامية وهي كيفية التصرف بالعائدات المالية لهذه الجرائم، حيث ان الأصول القذرة لهذه الأموال تعيق الاستفادة منها بصورة عادية في المجتمعات النظيفة مما يجعل هذه العصابات تلجأ لغسيل الأموال(43). فهذه الجريمة إذن ليست جريمة عادية بل هي جريمة يحتاج القيام بها الى شبكات منظمة تمتهن الإجرام وعلى درجة عالية من التنسيق والتخطيط والانتشار في كافة ارجاء العالم(44).
وإن جريمة غسيل الأموال، هي جريمة اقتصادية لها تأثير خطير على الاقتصاد الوطني والدولي، وهي جريمة مقصودة إذ لا يمكن تصور وقوعها عن غير قصد، ويمكن اعتبارها من الجرائم ضد الانسانية نظرا لآثارها الخطيرة على الاقتصاد الوطني والعالمي بل على البشرية جمعاء التي بدأت تتجأوز الحدود الجغرافية للدولة الواحدة بعد اتساع دائرة الاتصالات، وبعد سيطرة فكرة المصلحة كغاية للعصابات الإجرامية وهي غاية مشتركة لها مهما تباعدت اماكن أنشطتهم الإجرامية الخطيرة فهي جريمة عالمية. فوفقا لاحصائيات صندوق النقد الدولي فإن حجم عمليات غسيل الأموال يترأوح ما بين (590) مليارا ويصل الى (1,5) تريليون دولار سنويا حيث يعادل من (2% - 5%) من اجمالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حيث يعادل اجمالي الدخل المتحقق من عمليات المخدرات غير القانونية (688) مليار دولار سنويا (23) مليار لأوروبا. (150) مليار للولايات المتحدة الأمريكية، (5) مليارات لبريطانيا (500) مليار دولاؤ امريكي لباقي بقاع العالم.

المطلب الرابع: أنواع جريمة غسيل الأموال وطرق ارتكابها وحالاتها

أولا: انواع جريمة غسيل الأموال(45):

1. جريمة غسيل الأموال ذاتها باعتبارها الجريمة الرئيسية والأساسية التي تنشأ عن امتلاك شخص طبيعي أو اعتباري اموالا غير مشروعة جراء جريمة جنائية اخرى، وان يتوافر القصد الاجرامي (العلم + الارادة) لهذا الشخص لمباشرة عمليات غسلها وإبرام الاتفاق لتنفيذ هذا مع الجهات الوسيطة والمنفذة والمساهمة.

2. جريمة المساعدة في أنشطة عمليات غسيل الأموال مع توفر العلم بأن المال غير مشروع. حيث تشمل ملاحقة المؤسسات المصرفية والمالية؛ لأن هذه الجريمة تمتد الى كل شخص طبيعي أو اعتباري ساهم في أي فعل من افعال الاجراءات والترتيبات في أي مرحلة من مراحل عملية غسيل الأموال، ويجب ان يتوافر القصد الجرمي (العلم + الإرادة).

3. حيازة أو امتلاك أو الاحتفاظ بالأموال محل عملية الغسيل أو متحصلاتها مع العلم بالطبيعة غير المشروعة لها على نحو يساهم في اخفاء أو تمويه حقيقة الأموال، ولا بد ايضا من توافر القصد الجرمي (العلم والإرادة).

4. جريمة تحويل أو نقل الأموال من دولة الى اخرى أو من بنك لآخر من قبل شخص طبيعي أو اعتباري مع توافر العلم والإرادة بحقيقة هذه الأموال ومصدرها.

5. جريمة عدم الابلاغ عن انشطة غسيل الأموال المشبوهة، أو الاخفاق في منعها أو الاهمال في كشفها أو مخالفة متطلبات الابلاغ عنها أو الاخلال بإلتزامات الابلاغ عن الانشطة المصرفية أو المالية المقررة بموجب تقارير الرقابة الداخلية أو الخارجية وتقارير المؤسسات ذات العلاقة، وهذه من جرائم الإهمال والخطأ ويترتب عليها مسؤوليات قانونية (جزائية، مدنية، تأديبية).

ثانيا: طرق ارتكاب جريمة غسيل الأموال:

تتم عملية غسيل الأموال بطرق وأشكال متعددة تندرج من البساطة الى التعقيد، وبحسب ظروف وطبيعة العملية، وقد كان للتكنولوجيا دور خطير في تطوير الأساليب التي تستخدم لغسيل الأموال(46)، ونذكر منها التهريب (Smuggling) حيث يقوم المتورطون في العمليات الإجرامية بتهريب المتحصلات النقدية من جرائمهم بأنفسهم أو مع آخرين خارج البلاد أو ايداعها في احد المصارف أو مؤسسة مالية في حساب جار، ورغم قدم وبساطة هذا الأسلوب ورغم التقدم التكنولوجي والأمني إلا أنه ما يزال مستخدما على نطاق واسع، وقد يتم غسيل الأموال من خلال الشراء نقدا للعقارات والذهب واللوحات الفنية النادرة ثم يتم بيعها مقابل شيكات مصرفية، ثم تتم التحويلات المصرفية من خلال تلك البنوك. ومن الملاحظ أن وكلاء العقارات والذهب وغيرها نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة لا يهمهم مصدر الأموال ولايبلغون الجهات الأمنية. وقد يتم تحويل النقد الى سندات قابلة للتدأول (Smurting)(47) مثل الشيكات والكمبيالات وسندات الدين التي تطرحها الدولة لبيعها وغيرها حيث يتم ايداعها لدى المصارف أو نقلها لبلد آخر لإيداعها فيه. أو أن يتم نقل الأموال عن طريق المؤسسات المالية غير المصرفية (Non – Bank Financial institution) كشركات الصرافة ودور السمسرة لشراء أسهم وسندات وتسجيلها بإسم أي شخص أو بإسم شركة وهمية. أو عن طريق شركات الواجهة (Front Companies) أو الشركات الوهمية والصورية (Shell Companies) كشركات التأمين أو شركات الاستيراد والتصدير، حيث يتم تأسيس هذه الشركات بمجرد اعداد وثائق التأسيس واستخدام أحد مواطني تلك الدولة ويتم بعد ذلك تحويل الأموال .. أو شراء الشركات الخاسرة أو على وشك الإفلاس. أو عن طريق التحويل البرقي للنقود (Wire Transfer) فالبنك الذي يحول النقود لا يعلم بالغرض من وراء ذلك حتى ان البنوك الأجنبية تكون خالية من اسم العميل. أو استغلال الدول ذات الجنات الضريبية أو المالية حيث لا يكون هناك ضريبة على الدخل أو انخفاضها، أو تأخذ بمبدأ السرية المصرفية وتتمتع بإستقرار سياسي ونقدي وتمتاز بموقعها الجغرافي، وهذه الدول تحأول جذب الاستثمارات الأجنبية. أو استخدام فواتير مزورة أو مبالغ في قيمتها، حيث يؤسس غاسلو الأموال أعمالا تجارية في بلدين مثلا، فيشتري سلعا من أحدها ويرسل لها الأموال، فيزور قيمة السلع في الفاتورة، فالفرق هو المبلغ المغسول، أو تزوير كامل الفاتورة فيكون المبلغ الإجمالي هو المبلغ المغسول. أو عن طريق الكازينوهات أو المقامرة والنوادي الليلية حيث يتم ايداع مبالغ كبيرة بحجة المقامرة، فإما أن يقامر بمبالغ ضئيلة أو لا يقامر بتاتا ثم يفلت حسابه ويطلب تسليمه شيكا بإسمه أو بإسم شخص آخر، ويكون بذلك ربح الأموال من المقامرة، أو استخدام القطاع السياحي من خلال الاستثمار في هذا المجال كإمتلاك الفنادق أو إنشاء مدن سياحية وضخ أموال غير مشروعة فيها لإضفاء الطابع الشرعي عليها أو عن طريق البورصات العالمية، حيث انفتاح اسواق المال العالمية في ظل العولمة وانتعاش بورصات الأوراق المالية وشراء الأسهم والسندات في هذه البورصات وتوسع حركة انتقال رؤوس الأموال فساعد ذلك عمليات غسيل الأموال.
ومن الوسائل التكنولوجية في مجال الخدمة البنكية والمصرفية التي استفاد منها غاسلو الأموال بطاقات الائتمان (البطاقات الذكية Smart Cards)، وهي أداة للوفاء بثمن السلع والخدمات يحصل عليها غاسل الأموال من مصرف يكون أودع فيه مبالغ كبيرة حيث يجري الدفع من حساب البنك الوطني في الدولة الأجنبية الى المصرف الأجنبي المانح الحقيقي لبطاقة الائتمان أو يتم تحويل وصرف اموال من أي جهاز صراف آلي من أي بلد أجنبي ومن ثم يعتمد الفرع الذي تم الصرف من جهاز والى طلب تحويل المال إليه من الذي سبق. أو بالحصول على بطاقة اعتماد من مصرف في احد البلدان لاستخدامها في دفع ما يستحق عليه في البلد الأجنبي. حيث تودع الأموال في موقع وتسحب في مواقع اخرى حيث يخفي المودع والساحب هويته. وكذلك عن طريق بنوك الإنترنت (Internet Banking) حيث ساهم في ظهور التجارة الإلكترونية، فالأشخاص والمعارف لهم مواقع خاصة على هذه الشبكة، حيث يتم الدخول على الحسابات المصرفية وإجراء العمليات المالية والنقدية ويتم تغطية الحسابات والدفع بسرعة كبيرة مع المحافظة على السرية فهي بعيدة عن الرقابة. أو استخدام الهاتف للقيام بالخدمات المصرفية، وهذا سهل عمليات غسيل الأموال، ومن الجدير بالذكر أن أسلوب التواطىء الداخلي الفردي أو الجماعي مع موظفي المصارف أو الأجهزة الأمنية أو موظفي الجمارك، وكذلك أسلوب التركيب حيث يتم تقسيم عمليات الإيداع الكبيرة الى صغيرة وتكليف عدد من الأفراد بتنفيذها كل ذلك يساهم الى حد كبير بعمليات غسيل الأموال(48) أو عن طريق أجهزة الصراف الآلي (Automated Teller Machines) حيث يتم استخدام هذه الأجهزة للسحب والإيداع بشكل كبير ومتكرر حيث يتم تقسيم العمليات النقدية تحاشيا للمتطلبات القانونية للإبلاغ عن العمليات النقدية التي تزيد عن حد معين. أو عن طريق الخدمات البنكية الالكترونية (Online Banking) حيث يتم استخدام الإنترنت كقناة لتوصيل هذه الخدمات لعملاء البنك، وهي عملية تساهم في غسيل الأموال، وكذلك التشفير والنقود الإلكترونية (Encryption and Electronic Money) فأدى التشفير الى ظهور النقود الالكترونية (E-money) وتتيح حماية معلومات المصرف والعميل والعمليات المالية عند استخدام مفاتيح التشفير، وتكون العملية المالية ممكنة التعرف عليها وعلى المعلومات الخاصة لهوية الساحب، وقد تكون مجهولة فتصبح النقود الالكترونية كأنها نقود ورقية أي ملك لحائزها التي يمكن سحبها وانفاقها ويمكن غسيلها .. وايضا الاتصالات الإلكترونية (Electronic Communication) كالبريد الإلكتروني حيث يتم تزويد معلومات مغلوطة حول اسعار الأسهم والسندات لتوفير معلومات أولية للجمهور حول أسعار لتضليل المستثمر بوجود وسيلة استشارية مجانية عبر الانترنت، ويدفعهم إما لشراء أو بيع الأسهم في السوق المالي، ويستفيد غاسلو الأموال فيحققوا أرباحا كبيرة وتتم عمليات غسيل الأموال بإستخدام سوق الأسهم. أو من خلال احتيال الإنترنت (Internet Fraud)، حيث تنشىء شركات مواقع على الإنترنت لعرض منتجاتها فيتم سرقة المعلومات الشخصية وتلك الخاصة ببطاقات الائتمان فيتم تسهيل عمليات الشراء عبر الانترنت ويتم غسيل الأموال مع حجم المبيعات على الشبكة.

ثالثا: حالات غسيل الأموال:

1. قد تقع الجريمة في دولة واحدة، ويشمل ذلك أي جريمة كمصدر للأموال غير المشروعة وعمليات غسيل الأموال المتأتية من هذه الجرائم، فالجريمة محلية وتخضع للاختصاص القانوني والقضائي لهذا البلد، ولها إجراء الحجز على الأموال والمتحصلات المتأتية من هذه الأنشطة وإلقاء القبض على المشتبه بهم والمتورطين ومنعهم من السفر.
2. ان تقع الجريمة كمصدر للأموال غير المشروعة في دولة، وأن تتم عمليات الغسيل في دولة أخرى، فهنا لا بد من التعأون الدولي للتحقق من نوع الجريمة وعناصر اتمامها واسلوبها، وإجراء الحجز على الأموال بشكل فوري والمنع من السفر.
3. أن تقع الجريمة كمصدر للأموال غير المشروعة في دولة ويتم نقل الأموال المتأتية عنها للخارج فيجب إضافة لما تقدم من الحجز على أرصدة المتهمين والتحقق في كيفية خروج الأموال من أجل الحجز والمصادرة وفقا للاتفاقيات الدولية.
4. أن تقع الجريمة بكاملها خارج الدولة (المصدر وعمليات الغسيل) ويتم إدخال الأموال المتأتية منها للدولة وإخراجها منها "دولة المرور"، فقد تكون المؤسسات المالية والتجارية استخدمت لأغراض التمرير، فيجب متابعة القضية مع الأطراف الدولية(49). ومن الجدير بالذكر أن هناك موادا عالجتها اتفاقية فيينا لعام 1988 تتعلق بالتعأون الدولي وتسليم المجرمين والمساعدة القانونية المتبادلة حيث يمكن الاحتكام إليها أو لأي اتفاقيات اخرى سارية المفعول وهي تخرج عن نطاق دراستنا.

المبحث الثاني
 الطبيعة القانونية لجريمة غسيل الأموال، والتكييف القانوني لها

تصنف جريمة غسيل الأموال حسب جسامة الفعل الى جناية أو جنحة أو مخالفة. وتصنف حسب الركن المادي الى جرائم وقتية وجرائم مستمرة، وحسب الركن المعنوي للفعل الى جرائم مقصودة وجرائم غير مقصودة، وحسب النتيجة الجرمية الى جرائم ضرر وجرائم خطر، وان التكييف القانوني التقليدي لا يستوعب جريمة غسيل الأموال بإعتبار هذه الجريمة حديثة، وهذا ما سنعالجه في هذا المبحث.


المطلب الأول: الطبيعة القانونية لجريمة غسيل الأموال
هناك عدة معايير يمكن الاستناد إليها لتحديد الطبيعة القانونية لجريمة غسيل الأموال، والتي يمكن إجمالها على النحو الآتي:
أولا: تصنيف جرائم غسيل الأموال حسب جسامة الفعل:

لقد نص مشرعنا الأردني في المادة (55) من قانون العقوبات، على انه: (1- تكون الجريمة جناية أو جنحة أو مخالفة حسبما يعاقب عليها بعقوبة جنائية أو جنحية أو مخالفة. 3- يعتبر في الوصف القانوني الحد الأعلى للعقوبة الأشد المنصوص عليها قانونا). والعقوبات الجنائية كما حددها مشرعنا الأردني في المادة (14) من ذات القانون، هي (1- الاعدام. 2- الأشغال الشاقة المؤبدة. 3- الاعتقال المؤبد. 4- الأشغال الشاقة المؤقتة. 5- الاعتقال المؤقت). كما حدد مشرعنا في المادة (15) من ذات القانون العقوبات الجنحية، وهي: (1- الحبس. 2- الغرامة. 3- الربط بكفالة)، والمخالفة تشمل (1- الحبس التكديري. 2- الغرامة). وجاء في المادة (20): (إذا لم يرد في هذا القانون نص خاص، كان الحد الأدنى للحكم بالأشغال الشاقة المؤقتة والاعتقال المؤقت ثلاث سنوات، والحد الأعلى خمس عشر سنة). ومدة الحبس في العقوبة الجنحية، كما ورد في المادة (21) من ذات القانون (... تترأوح بين اسيوع وثلاث سنوات الا اذا نص القانون على خلاف ذلك) ومقدار الغرامة الجنحية كما ورد في المادة (22) من ذات القانون: ... تترأوح بين خمسة دنانير ومايتي دينار إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك... ) ومدة الحبس في الغرامة، كما جاء في المادة (23) من ذات القانون: (تترأوح مدة الحبس التكديري بين أربع وعشرين ساعة وأسبوع) أما الغرامة في المخالفة حددتها المادة (24) بين دينارين وعشرة دنانير، وبالنظر الى مصادر الأموال غير المشروعة لجريمة غسيل الأموال كتجارة المخدرات والتهريب والرشوة، والغش التجاري وتزوير البنكوت والطوابع والاحتيال وغيرها نجد ان العقوبة جنائية أو جنحية وعليه فتأخذ جريمة غسيل الأموال هذا الوصف القانوني.

ثانيا: تصنيف جرائم غسيل الأموال حسب الركن المادي للفعل:

لا بد لكل جريمة من حقيقة مادية لا تتم إلا بأفعال مادية نص القانون على تجريمها، ولهذا فإن الركن المادي يتكون من ثلاثة عناصر: سلوك إجرامي من الفاعل وتحقق نتيجة إجرامية وعلاقة سببية تربط بين الفعل والنتيجة(50). وعليه فتقسم جريمة غسيل الأموال حسب ركنها المادي الى: جرائم وقتية: وهي الجرائم الآنية التي تبدأ وتنتهي في لحظة واحدة ولا يستمر بعدها النشاط الإجرامي كجريمة السرقة والقتل والاحتيال والتزوير ... الخ(51).
والى جرائم مستمرة التي تتكون من فعل واحد يقبل بطبيعة صفة الاستمرار لفترة زمنية يتحدد مداها حسب إرادة الجاني كجريمة إخفاء مواد متحصلة من سرقة وحمل سلاح بدون ترخيص(52). وعليه اذا اعتبرنا جريمة غسيل الأموال وقتية مثل تحويل الأموال أو نقلها فيلزم ان يتوافر العلم بالمصدر غير المشروع وقت بدء النشاط ايا كانت صورته وإلا انتفى القصد لدى الغاسل حتى لو توافر سوء القصد في وقت لاحق، أما إذا اعتبرنا جريمة غسيل الأموال مستمرة كإخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو مصدرها أو مكانها. أو اكتساب أو حيازة أو استخدام هذه الأموال، فيكفي ان يعلم الغاسل بالمصدر غير المشروع للأموال في أي لحظة تالية على نشاطه(53).

ثالثا: تصنيف جرائم غسيل الأموال حسب الركن المعنوي للفعل:

تقسم الجرائم استنادا الى ركنها المعنوي الى جرائم مقصودة أو عمدية وهي التي لا يتحقق ركنها المعنوي الا بتوافر القصد أي بإتجاه إرادة الفاعل الى القيام بالفعل المكون للجريمة لهدف تحقيق النتيجة الجرمية التي يريدها أي توافر (الإرادة + العلم)، والى جرائم غير مقصودة أو غير عمدية أو جرائم الخطأ وهي التي لا تتطلب قصدا جرميا أو ارادة آثمة ويكفي لتحققها ان يرتكب الجاني فعلا إراديا لا يبغي منه تحقيق نتيجة جرمية ولكن النتيجة تتحقق رغم ذلك بسبب خطأ ارتكبه الجاني أو إهمال أو قلة احتراز(54). ومن الملاحظ ان جميع جرائم غسيل الأموال هي من الجرائم المقصودة أو العمدية اذ يجب ان يعلم الجاني بحقيقة الأموال ومصدرها غير المشروع، وأن تتجه إرادته الجرمية بإرتكاب السلوك الإجرامي كتحويل الأموال أو نقلها أو حيازتها أو اكتسابها .... الخ.

رابعا: تصنيف جرائم غسيل الأموال حسب النتيجة الجرمية:

جرائم الضرر أو المادية: هي التي يترتب على السلوك فيها نتيجة يجرمها المشرع ويعاقب عليها؛ لأنه رأى فيها عدوانا على حق أو مصلحة أضفى عليها الحماية الجنائية كالسرقة أي تتمثل النتيجة في عدوان فعلي وحال على الحق أو المصلحة.

أما جرائم الخطر أو السلوكية أو الشكلية فهي التي يجرم فيها المشرع السلوك في حد ذاته دون نظر الى ما يحدثه من آثار ضارة ويجرمها ويعاقب عليها كحمل سلاح ترخيص قانوني فالنتيجة تتمثل في مجرد تهديد هذا الحق أو تلك المصلحة(55).
وعليه، وكما لاحظنا من مصادر الأموال غير المشروعة لجريمة غسيل الأموال والخصائص التي تتميز بها هذه الجريمة وأنواعها وطرق ارتكابها وحالاتها، في المبحث الأول، فإن جريمة غسيل الأموال تعتبر من جرائم الخطر وجرائم الضرر على حد سواء؛ لأنها تمثل عدوان فعلي وحال على الحق أو المصلحة أو مجرد تهديد هذا الحق أو المصلحة التي يضفي عليها المشرع الحماية الجنائية تحقيقا للعدالة.

المطلب الثاني: التكييف القانوني لجريمة غسيل الأموال:

التكييف القانوني La Qualification Juridique هو عملية ذهنية هدفها إعطاء الفعل الواقع الوصف الذي ينطبق عليه من بين كافة الأوصاف التي يتضمنها قانون العقوبات، فدخول الفعل الواقع دائرة الأوصاف أو الكيوف الجنائية يسبغ عليه وصف الجريمة، وخروجه عنها ينفي عنه هذا الوصف(56). وهذا التكييف القانوني يؤدي الى قيام المسؤولية الجنائية للفاعل متى ما نص المشرع على تجريمه، حيث تقضي المادة (3) من قانون العقوبات الأردني: "لا يقضي بأية عقوبة لم ينص القانون عليها حين اقتراف الجريمة.."، إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بمقتضى نص قانوني.




أولا: الاشتراك الجرمي وعمليات غسيل الأموال:

يقصد بالاشتراك الجرمي ان يكون مرتكب الجريمة أكثر من شخص قام كل منها بدور رئيسي في تنفيذ الجريمة، أي تعدد الجناة ووحدة الجريمة المرتكبة، إذ يجب أن تقع الجريمة سواء أكانت تامة أو ناقصة في مرحلة الشروع وأن يوجد اتفاق بين المجرمين على ارتكاب الجريمة أي توافر القصد الجرمي أو نية جرمية لدى الشركاء(57)، وأنواعها الفاعل والشريك والمحرض والمتدخل(58). وتعد جريمة المساهمة جريمة مشروطة بوقوع جريمة أخرى أصلية لاحقة لها أو معاصرة لها، وعليه لا يعتد بالمساهمة الجنائية في كل فعل لا يشكل جريمة وفقا لقانون العقوبات، أو أي قانون آخر، أو كان كذلك ثم فقد صفته الجرمية بفعل سبب من الأسباب(59) كوفاة المحكوم عليه، العفو العام، العفو الخاص، صفح الفريق المتضرر، التقادم، وقف التنفيذ، اعادة الاعتبار(60).
ويلزم أن تتجسد المساهمة في فعل إيجابي، إذ لا يقوم المساهمة كقاعدة عامة بمجرد الامتناع(61).
ولهذا فإن وصف المساهمة الجنائية قاصر عن استيعاب عمليات غسيل الأموال أو استخدام عائدات الجرائم خاصة بالنسبة للمصرف الذي يقبل ايداع أو تحويل أو استثمار هذه الأموال غير النظيفة، لأن فعل المساهمة الجنائية يجب أن يكون سابقا أو معاصرا لوقوع الجريمة الأصلية لا لاحقا لها وأن فعل المساهمة لا يصح اختزاله في مجرد الامتناع بل يتعين أن يأخذ صورة الفعل الإيجابي، وان انتقال عمليات غسيل الأموال بين أكثر من دولة لا يمنح قانون الدولة التي تم فيها الغسيل أو استخدام عائدات الجريمة الاختصاص بنظر الجريمة لكونها مجرد فعل من أفعال المساهمة الجنائية التبعية وهي بهذا الوصف تتبع الجريمة الأصلية وان اخفاق المصرف في واجب التحري عن مصدر الأموال المشبوهة لا يكفي لاعتباره شريكا أو مساهما لأن سلوك المصرف توقف عند آثار الجريمة ولم يكن مؤثرا في نشأتها وإلا يعني ذلك اختزال كل الركن المادي للجريمة في احد عناصر الركن المعنوي وهو ما لا يستقيم مع المنطق القانوني(62). وعليه فإننا، في الأردن، بحاجة الى وجود قانون يجرم كافة عمليات غسيل الأموال انسجاما مع مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة، ونعتقد بإمكان قيام الاشتراك الجرمي بعد التجريم.

ثانيا: جريمة إخفاء أشياء ذات مصدر غير مشروع وعمليات غسيل الأموال:

نص مشرعنا الأردني في المادة (83) عقوبات، على:" كل من أقدم وهو عالم بالأمر على اخفاء الأشياء الداخلة في ملكية الغير التي نزعت أو اختلست أو حصل عليها بارتكاب جناية أو جنحة، عوقب بالحبس مدة لاتزيد على سنتين وبغرامة لا تتجأوز الخمسين دينارا ".
وجاء في المادة (84) من ذات القانون: "من أقدم على اخفاء شخص يعرف أنه اقترف جناية أو ساعده على التواري عن وجه العدالة عوقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين".
عندما يقبل المصرف ايداع الأموال فلا يحوزها بإسمه أو لحسابه وتبقى مملوكة بإسم ولحساب العميل، ولا يستطيع المصرف أن يفعل غير ذلك حتى لا يخالف مقتضيات عقد الحساب المصرفي، وعليه يتخلف السلوك المكون للركن المادي لجريمة الإخفاء "النشاط الإيجابي" والذي بدونه لا تقوم الجريمة قانونا ويترتب على أعمال قاعدة عدم قابلية تجزئة الحساب الجاري اختلاط الأموال غير النظيفة المتحصلة من نشاط إجرامي بالأموال النظيفة ذات المصدر المشروع فتذوب الأموال غير المشروعة في وعاء الأموال المشروعة حيث لا يمكن استخراج محل جريمة الاخفاء أو الحيازة، وحيازة المصرف للأموال غير المشروعة المتحصلة من الأنشطة المحظورة لا يمكن ان تندرج تلقائيا في وصف جريمة الإخفاء؛ لأن هذا يمثل اعتداء على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وان اعتبار غسيل الأموال أو استخدام عائدات الجرائم داخل في مفهوم جريمة الاخفاء يخالف قاعدة أخرى وهي وجوب التفسير الضيق للقاعدة الجنائية، وكذلك فإن جريمة الاخفاء عمدية تقع بمجرد الإهمال اما جريمة غسيل الأموال يتصور وقوعها بالعمد والخطأ اذ يختلف القصد الجنائي في كل من الجريمتين(63).
وإذا اعتبرنا وصف نشاط غسيل الأموال صورة من الإخفاء يحتمل إفلات الغاسل من الملاحقة أو المسؤولية الجنائية، فإذا صدر قانون عفو عام، بحيث زالت صفة غير المشروعة عن الجريمة التي تحصلت منها الأموال المخفاة، فإن الغاسل بإعتباره مخفيا سيفلت من المسؤولية الجنائية، فالعفو الشامل كأسباب الإباحة يؤثر على التكييف القانوني للفعل(64).
ولهذا وأمام عجز الكيوف الجنائية التقليدية عن استيعاب نشاط غسيل الأموال، فلا بد من تجريمه بنصوص قانونية صريحة حيث يحسم كل خلاف حول تفسير النصوص الجنائية التقليدية التي لم تكن صادرة لمواجهة هذه الظاهرة الحديثة، فالظاهرة اقتصادية مصرفية. كما يضمن التغلب على العقبات الموضوعية والإجرائية على الصعيدين الوطني وعبر الحدود وييسر اتمام الملاحقة وعدم افلات الجناة(65).

الفصل الثالث
المصادر القانونية الأردنية لجريمة غسيل الأموال

لقد أصبحت القوة الاقتصادية، في عالم اليوم، تنافس القوة العسكرية من حيث الأهمية وأصبحت الشركات متعددة الجنسيات أقوى بكثير من الدول النامية بل أكبر من دول متقدمة كالسويد وغيرها، وبإنتشار العوامة تجأوز الحدود السياسية وانتشار حرية تحريك الأموال فتعقدت عمليات اكتشاف ومكافحة الجرائم الاقتصادية، وساعد على نشر غسيل الأموال بعد عولمة الأسواق المالية والعمليات المصرفية، واستفادت الجرائم الاقتصادية من التطورات التقنية المستخدمة في المصارف والأسواق المالية حيث يمكن وضع الأسواق المالية في جهاز حاسوب صغير يمكن حمله الى أي مكان والدخول من خلاله الى أي سوق مالي أو مصرف مما سهل عملية نقل الأموال المتأتية من مصادر غير قانونية دون ان يتم ملاحقتها أو كشفها بسهولة(66). والمشكلة الرئيسية في مكافحة غسيل الأموال هي عدم وجود طرف مشتكي فالأمر محصور على الأجهزة الأمنية القضائية ومدى متابعتها لهذه العمليات، وكذلك فإن الدول الفقيرة التي تقوم بدور الوسيط تستفيد من هذه العمليات التي ينحصر دورها على غسيل الأموال القذرة فتغض النظر عنها، وعدم قانونية غسيل الأموال يستدعي استخدام الرشوة وتقديمها للمسؤولين لتمرير عمليات غسيل الأموال إذ أن أصحاب الأموال القذرة يتمتعون بالثراء والنفوذ الكبيرين وقد يؤدي ذلك الى عدم فاعلية الإجراءات المضادة لغسيل الأموال إلا أن التغطية على عمليات غسيل الأموال سيكلف الدول حيث تتكاثر هذه العمليات وحيث يؤدي ذلك الى انتقال الجريمة المنظمة الى تلك الدول وإحداث اختلالات اجتماعية وأمنية واقتصادية في تلك الدول، فيؤدي الى زعزعة الإستقرار الإقتصادي فيؤثر على اسعار الصرف للعملة المحلية والتهريب الضريبي والتأثير السلبي على الاستثمارات الأجنبية وعدم دقة الاحصاءات المالية والاقتصادية والإخلال بالجدوى الاقتصادية للمشاريع وزعزعة الثقة بالمؤسسسات المالية.

ويؤدي غسيل الاموال الى بروز مستثمرين جدد لهم قدرات كبيرة في مجالي الإدخار والاستثمار والجراءة على ولوج الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر، كما يؤدي غسيل الأموال الى تعطيل تنفيذ السياسات المالية العامة واضطرابات اجتماعية وسياسية كالإرهاب والانقلابات العسكرية والسياسية وعليه فإن الرقابة على الصرف من اهم ضوابط مكافحة غسيل الأموال من خلال تطوير نظم الرقابة المصرفية لرصد حركة الأموال غير المشروعة وتيسير اكتشافها مبكرا دون الإخلال بمبدأ سرية الحسابات واستحداث أجهزة تضمن شفافية مصادر رؤوس الأموال إذ تحرص على سرية المعاملات وللتدقبق بينهما وبين مقتضيات شفافيتها  وهذا يجهض عمليات غسيل الأموال، وإعادة صياغة القوانين التي تحكم أعمال البنوك المركزية والمصارف التجارية والصرف الأجنبي، بمساعدة فنية من صندوق النقد الدولي. ووضع قوانين ولوائح مصرفية مستقلة لذلك(67). وأن مجال مكافحة جريمة غسيل الأموال من ناحية كشفها ومن ثم ملاحقة المجرمين يكون افضل في أولى مراحل الغسيل، ويعطي نتائج أفضل، ففي أولى المراحل تكمن نقطة الضعف في عملية الغسيل التي من خلالها يمكن حصر العمليات المشكوك فيها ومن ثم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالكشف والملاحقة(68). وإن بناء إطار قانوني لمكافحة جرائم غسيل الأموال يجب أن يكون واضح المعالم متسما بالشمولية والإحاطة أي الوقوف على المحتوى الفني لعمليات غسيل الأموال والواقع القانوني ليتحدد لنا الصور الجرمية بشكل دقيق لاتخاذ آليات لمكافحتها سواء كانت قانونية أو إدارية أو مالية من خلال التعأون الوطني والاقليمي والدولي وإقامة التوازن بين اهمية وفعالية المكافحة والسيادة الوطنية والاقتصاد الوطني، فيتعين اتخاذ تدابير تشريعية (قوانين، انظمة، تعليمات) وعقد اتفاقيات دولية (ثنائية وجماعية)(69) بهذا الأمر. ونظرا لانتشار عمليات غسيل الأموال في العالم، فصدر تشريع عام 1994 في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يسمى (Money Laundering Suppression Act)، قانون محاربة غسيل الأموال حيث أصبحت جميع المؤسسات والبنوك وغيرها مجبرة على إخبار ال ((EN) Fin) عن أي حركة مشبوهة للأموال وعمل تقارير تتنأول حركة المبالغ الكبيرة، ونشأت مؤسسات مشابهة لها مثل (TRACFIN) في فرنسا و(CTIF) في البرتغال و(NCIS) في بريطانيا و(AUSTRAC) في النمسا، ونظرا لخطورة جريمة غسيل الأموال وتعقيدها بإعتبارها من الجرائم المنظمة فتحتاج الى تنظيم للقيام بها وتعأون أشخاص عدة في دول متعددة ومجالات مختلفة، فدرء ووقف هذه الجريمة يحتاج الى تشريع مختص يعالجها، ولما كان التشريع الأردني قاصر من هذه الناحية لعدة أسباب أهمها حداثة هذه الجريمة وعدم وقوعها بشكل كبير في الأردن، فيجب سن تشريع خاص بجرم هذه العملية(70)، إلا أن مشرعنا عالج في معظم المواد القانونية الآثار التي تترتب على الاتجار غير المشروع، كما نص في قانون البنوك الجديد على ضرورة إعلام البنك المركزي الأردني لمكافحة عمليات غسيل الأموال رقم (10/2001) سندا لأحكام المادة (99/ب) من قانون البنوك والتي تقول: (للبنك المركزي أن يصدر الأوامر التي يراها لازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون بشكل افرادي أو اجمالي)، إضافة الى دليل الإرشادات لمكافحة عمليات غسيل الأموال.
المبحث الأول
 جريمة غسيل الأموال والقوانين الخاصة

هناك خمسة قوانين خاصة في الأردن تتضمن الجرائم التي لها علاقة بعمليات غسيل الأموال بطريقة غير مباشرة، وذلك على أساس ان ارتكاب هذه الجرائم يحقق الجاني من خلالها أرباحا هائلة حيث يحأول إخفاء معالم هذه الأموال عن أعين الأجهزة التي تكافح عملية ارتكاب هذه الجرائم وذلك من خلال استثمارها في مشروعات تجارية مشروعة(71). وهذه القوانين سنعالجها من خلال المطالب الخمسة الآتية:

المطلب الأول: قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (11) لسنة 1988

نص هذا القانون على مجموعة من الجرائم ذات الصلة بالاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية كالاستيراد والتصدير والحيازة والنقل والانتاج والصنع والتعاطي والاتجار والزراعة وتسهيل الحصول عليها أو اخفائها وعاقب مرتكبيها بأشد العقوبات الجنائية التي تصل الى الإعدام(72).

الى جانب مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية المضبوطة ومصادرة الأرباح والأموال الناجمة عن الاتجار غير المشروع بهذه المواد، حيث نصت المادة (15) من القانون المذكور على: (أ- يحكم بمصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والنباتات التي ينتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية وبذورها والأجهزة والآلات والأوعية المستعملة ووسائل النقل المستخدمة في ارتكاب الجريمة وذلك دون إخلال بحقوق الغير حسني النية. ب- للنيابة العامة أن تحقق في المصادر الحقيقية للأموال العائدة للأشخاص الذين يرتكبون الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، للتأكد عما اذا كان مصدر هذه الأموال عائد لأحد الأفعال المحظورة بموجبه، وللمحكمة أن تقرر القاء الحجز عليها ومصادرتها).

ومن الملاحظ أن هذا النص القانوني(73) يقتصر على الأشخاص الذين يتم إلقاء القبض عليهم وإحالتهم للمحاكم فيما يتعلق بالمخدرات دون الجرائم الأخرى حيث لم تعط أي جهة أخرى الحق في البحث عن الأساس القانوني للأموال التي في حيازة أي شخص بغض النظر عن الجريمة التي ارتكبها، وكذلك لم يلزم النيابة العامة بالتحقيق في مصادر الأموال لمرتكب الجرائم الواقعة عليه، فهو أمر تقديري لها، وعليه فإن هذه المواد القانونية غير كافية للحد من مكافحة عمليات غسيل الأموال المتأتية من الاتجار غير المشروع بالمخدرات، ولهذا نتمنى تعديل هذا النص بحيث تلزم النيابة العامة بالتحقق من مصادر الأموال العائدة للأشخاص الذين يرتكبون هذه الجرائم الوارد النص عليها، واذا ثبت عدم مشروعيتها يجب على المحكمة بمصادرة هذه الأموال بعد إلقاء الحجز التحفظي عليها لمنع تهريبها أو إخفائها وأن يشمل كل ذلك الأموال العائدة لأسرة الجاني والعاملين معه اذا ثبت تورطهم بالمساهمة في ارتكاب هذه الجرائم.
المطلب الثاني: قانون صيانة اموال الدولة رقم (20) لسنة 1966

على الرغم من ان قانون صيانة أموال الدولة لم يبحث موضوع غسيل الأموال بشكل مباشر إلا أنه من حيث النتيجة يؤدي الى ذات الغرض من حيث مكافحة عمليات الأموال المتحصل عليها من الجرائم حيث جاء في المادة (4/ب) من القانون المذكور على انه تلاحق أسرة الجاني وأقاربه في حال تهريب الأموال المتحصل عليها من الجريمة المرتكبة، وذلك بهدف حرمان المجرم من التصرف في المال ونزع أقوى سلاح من يده الذي يمكن أن يستخدمه ومتابعة هذه الأموال في حال التصرف فيها للغير بهدف إخفائها أو اظهارها وكأنها اموال مشروعة(74).

والأشخاص الذين يخضعون لهذا القانون هم الموظفون العامون المعينون في املاك أو ملاّك إدارة عامة وذلك كما ورد في المادة (29) من ذات القانون، ومن الجدير بالذكر أن مشرعنا الأردني عرّف الموظف في المادة (169) من قانون العقوبات والتي تنص: (يعد موظفا بالمعنى المقصود في هذا الباب كل موظف عمومي في السلك الإداري أو القضائي، وكل ضابط من ضباط السلطة المدنية أو العسكرية أو فرد من افرادها، وكل عامل أو مستخدم في الدولة أو في ادارة عامة). ومن الملاحظ ان مشرعنا الأردني في القانونين اعلاه، صيانة أموال الدولة والعقوبات، أخذ بالمفهوم الواسع للموظف العام (75). ومن ناحية أخرى فقد اقتصر مشرعنا الأردني الحماية القانونية في المادة (2) من قانون صيانة أموال الدولة على الأموال المنقولة فقط كالنقود والسندات والتحأويل ذات القيمة المالية والتي تعود ملكيتها للدولة أو للأفراد أو الادارات والمؤسسات المتفرعة عنها أو الصناديق المالية الخاضعة لإشرافها كصناديق الادخار أو صناديق الضمان الاجتماعي.

وتشكل محكمة خاصة، كما جاء في المادة (3) من ذات القانون التي تتألف من رئيس محكمة استئناف عمان رئيسا وعضوية موظفين يختار احدهما رئيس ديوان المحاسبة والثاني يختاره وزير المالية على أن لاتقل درجة كل منهما عن الثانية ولا تنعقد هذه المحكمة الا بناء على طلب خاص من رئيس الديوان المحاسبة وتصدر قراراتها بالإجماع أو بالأكثرية، وتتحقق المحكمة من أية أموال تم تهريبها لأي شخص من جهة الموظف المدان بإرتكاب الاختلاس أو السرقة أو الاحتيال أو اساءة الائتمان أو استثمار الوظيفة وكان الموظف قد تصرف بها بقصد الحيلولة دون الحجز عليها ومصادرتها من قبل الدولة وهذا ما ورد في المادة (4) من ذات القانون وتتحقق المحكمة في أموال المدان أو أسرته أو أقاربه أو أي شخص آخر للتأكد من أنه لم يحصل عليها بسبب ممارسته لعمله أو بسبب الجرائم التي ارتكبها، وعند ثبوت أن الأموال التي حصل عليها بطريق غير مشروع فيحكم بإعادتها وتسجل بإسم الموظف المدان حتى يتم مصادرتها واستردادها لصالح خزينة الدولة، والملاحظ أن مشرعنا الأردني استثنى في المادة (5) من ذات القانون الشخص الذي يثبت أنه احتصل على الأموال بحسن نية ولقاء عوض تعتبره المحكمة عادلا. ولم يشترط مشرعنا في المادة (4) من ذات القانون أن يلاحق الموظف جزائيا حتى يمكن التحقيق في مشروعية أمواله وأموال أسرته وأقاربه ومصادرتها وفقا لأحكام القانون.

المطلب الثالث: قانون الجمارك رقم (16) لسنة 1983

نصت المادة (235) من قانون الجمارك على: (مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد تقضي بها نصوص نافذة أخرى يعاقب على التهريب وما في حكمه وعلى الشروع في أي منهما، بما يلي: أ- بغرامة لا تقل عن (50) دينارا ولا تزيد عن (1000) دينار، وعند التكرار الحبس من شهر الى ثلاث سنوات بالإضافة الى الغرامة المذكورة أو بإحدى هاتين العقوبتين. ب- غرامة جمركية بمثابة تعويض مدني للدائرة على النحو الآتي: 1- من ثلاثة أمثال القيمة الى ستة امثال القيمة على البضائع الممنوعة المعينة. 2- من مثلي القيمة والرسوم الى ثلاثة امثال القيمة والرسوم معا عن البضائع الممنوعة أو المحجوزة. 3- من مثلي الرسوم الى اربعة امثال الرسوم عن البضائع الخاضعة للرسوم اذا لم تكن ممنوعة أو محجوزة على ان لا تقل عن مثل قيمتها. 4- من (10-25) دينارا عن البضائع غير الخاضعة للرسوم وهي التي لا تكون ممنوعة أو محجوزة. ج- مصادرة البضائع موضوع التهريب، أو الحكم بما يعادل قيمتها مشتملة على الرسوم عند عدم حجزها أو نجاتها من الحجز، والحكم بمصادرة وسائط النقل والأدوات والمواد التي استعملت في التهريب وذلك فيما عدا السفن والطائرات والقطارات ما لم تكن قد أعدت أو استؤجرت لهذا الغرض أو الحكم بما يعادل قيمتها عند حجزها أو نجاتها من الحجز). ومن الملاحظ أن مكافحة التهريب الجمركي وآثاره انحصرت على الجرائم التي يتم اكتشافها واقتصرت على البضائع موضوع التهريب فقط حيث لم(76) يبحث مشرعنا الأردني في مصادر الأموال التي يمتلكها المهرب وما اذا كان مصدرها مشروعا أم لا، بل انحصر اهتمامه فقط في الجريمة التي تم إلقاء القبض على مرتكبيها، وتفرض عليهم العقوبات الواردة اعلاه حيث يبقى للمهرب الفرصة من جديد لتكرار الجريمة فالأموال التي حصل عليها من الجرائم التي لم يتم اكتشافها تبقى في منأى عن الحجز والمصادرة، وعليه نتمنى تعديل هذا النص ليشمل الحجز والمصادرة لأموال المهرب الجمركي؛ خاصة أن الجرائم الجمركية تساهم في تفشي الفساد المالي والإداري بين العاملين في الدولة وارتكاب جرائم الرشوة والاختلاس واستثمار الوظيفة وغيرها.

المطلب الرابع: قانون الجرائم الاقتصادية رقم (11) لسنة 1993

جاء في المادة (3) من هذا القانون: (تشمل الجريمة الاقتصادية الجرائم التي تسري عليها احكام هذا القانون أو التي تعتبر كذلك وفقا لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر وتتعلق بالأموال العامة، وتلحق الضرر بالمركز الاقتصادي للبلاد، أو بالثقة العامة بالاقتصاد الوطني أو العملة الوطنية أو بالأسهم أو السندات أو الأوراق المالية المتدأولة). وأورد مشرعنا الأردني الجرائم التالية في المادة (4) من ذات القانون، وهي الجنايات والجنح والتي ينطبق عليها الوصف القانوني في المادة السابقة، وهي: جرائم المتعهدين وجرائم النيل من مكانة الدولة المالية والجرائم المخلة بواجبات الوظيفة (الرشوة والاختلاس واستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة)، والجرائم المتعلقة بالثقة العامة (تزييف النقود والمسكوكات والطوابع) والجرائم التي تشكل خطرا شاملا (الحريق وطرق النقل والمواصلات والغش) وجرائم السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان وجرائم الغش في نوع البضاعة والمضاربات غير المشروعة والإفلاس وجرائم تخريب إنشاءات المياه العمومية. وإذا تم ارتكاب أي هيئة معنوية جرما وثبت أنه تم بموافقة أو تواطؤ أو اهمال المدير أو الموظف فيعتبر المدير أو الموظف أو الهيئة انه ارتكب جرما ويعاقب على ذلك وهذا ما ورد في المادة (6). أما في المادة (7) فيجب على النيابة العامة والضابطة العدلية مباشرة إجراءات التحقيق على وجه الاستعجال تحت طائلة المسؤولية عن أي تأخير أو تباطؤ لا مبرر له، وعلى المدعي العام إصدار قرار الظن خلال (7) ايام من تاريخ إقفال التحقيق، وايداعها للمحكمة أو للنائب العام، حسب مقتضى الحال، خلال (3) أيام من إصدار قرار الظن. والنائب العام يصدر قرار الاتهام ويعيدها للمدعي العام خلال (7) ايام من ايداعها لديه، وعلى المدعي العام إحالتها الى المحكمة بلائحة اتهام خلال (3) ايام من إعادتها إليه. وتباشر المحكمة، كما جاء في المادة (8) النظر في القضية خلال (10) أيام من ورودها إليها، ولا يجوز تأجيلها أكثر من (3) أيام الاعند الضرورة ويجوز عقد جلساتها خارج أوقات الدوام الرسمي، وتصدر قرارها خلال (3) اسابيع من تاريخ ختام المحاكمة فيها ولها تأجيل إصدار القرار مرة واحدة ولمدة لا تزيد على (10) أيام. وإذا تبين المدعي العام أو للمحكمة اثناء التحقيق أو المحاكمة في أي قضية ان هناك ما يكفي من الأدلة لاعتبارها من الجرائم الاقتصادية تحيلها الى الجهة المختصة لإجراء التحقيق أو المحاكمة على هذا الأساس واستنادا لهذا القانون (المادة9).

المطلب الخامس: قانون البنوك رقم (28) لسنة 2000

أصدر مشرعنا الأردني هذا القانون الذي يتضمن احكاما هامة، وتنأول مواضيع تراخيص البنك وادارة البنك وتنظيمه ومتطلبات عمل البنك وشروطه والبنوك الإسلامية والحسابات والبيانات المالية والتفتيش والتدقيق والسرية المصرفية واندماج البنوك والتصفية وإجراءات التصويب والعقوبات بالإضافة الى احكام ختامية.

وما يهمنا في هذا المقام، في موضوع عمليات غسيل الأموال، هو ما نص عليه مشرعنا الأردني في المادة (93) من هذا القانون. (أ- اذا علم البنك ان تنفيذ أي معاملة مصرفية أو ان تسلم أو دفع أي مبلغ أو يمكن ان يتعلق بأي جريمة أو بأي عمل غير مشروع، فعليه أن يقوم فورا بإشعار البنك المركزي بذلك. ب- اذا تسلم البنك المركزي الإشعار المنصوص عليه في الفقرة (أ) من هذه المادة أو اذا علم من مصدر آخر أنه قد طلب من البنك تنفيذ معاملة مصرفية أو تسلم أو دفع مبلغ يتعلق أو يمكن ان يتعلق بجريمة أو بعمل غير مشروع، فعلى البنك المركزي، وعلى الرغم من أحكام أي تشريع آخر، اصدار أمر الى ذلك البنك بالامتناع عن تنفيذ تلك المعاملة أو عن تسلم أو دفع ذلك المبلغ لمدة اقصاها ثلاثون يوما وعلى البنك المركزي اشعار أي جهة رسمية أو قضائية بذلك. ج- لا يعتبر افصاح البنك عن أي معلومات بموجب احكام هذه المادة إخلالا بواجب الالتزام بالسرية المصرفية، كما لا يتحمل البنك المركزي أو البنك أي مسؤولية نتيجة لذلك).

وحسنا ما ورد في هذا النص القانوني إذ يعد سندا قانونيا لمكافحة عمليات غسيل الأموال، وبموجب هذه المادة أصدر البنك المركزي تعليمات مكافحة عمليات غسيل الأموال، سنتحدث عنها بعد قليل.

المبحث الثاني
جريمة غسيل الأموال وقانون العقوبات الأردني
رقم (16) لسنة 1960 وتعديلاته

على الرغم من أن قانون العقوبات الأردني يتضمن نصوصا تجريمية من آثارها حصول الجاني على أموال غير مشروعة إلا أنه بداية يخلو من الإشارة الى عمليات غسيل الأموال المتحصل عليها من الجرائم حيث ميز مشرعنا بين ثلاث مجموعات من الجرائم التي يكون من آثارها حصول الجاني على مبالغ مالية كبيرة نتيجة لارتكابه أيا منها(77)، إلا أن تداعيات الحادي عشر من ايلول لعام 2001 وما نجم عنها من أعمال إرهابية في واشنطن ونيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية ادى الى اتخاذ قرارا هاما من قبل مجلس الأمن الدولي رقم (1373) الخاص بمكافحة الإرهاب وتجميد أموال المنظمات الإرهابية، واستجابت الأردن لهذا القرار بإعتبارها عضوا في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي فأصدرت القانون المؤقت رقم (54) لسنة 2001 المعدل لقانون العقوبات ونعالج جميع ذلك من خلال المطالب الأربعة الآتية:

المطلب الأول: جرائم الاتصال بالعدو لمقاصد غير مشروعة

نص مشرعنا الأردني في المادة (127) من قانون العقوبات، على: (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تنقص عن ماية دينار كل اردني وكل شخص ساكن في المملكة اقدم أو حأول ان يقدم مباشرة أو بواسطة شخص مستعار على صفقة تجارية أو اية صفقة شراء أو بيع أو مقايضة مع احد رعايا العدو أو مع شخص ساكن في بلاد العدو)، ونص في المادة (128) من ذات القانون، على: (يستحق العقاب الوارد في المادة السابقة من ذكر فيها من الأشخاص إذا ساهموا في قرض أو اكتتاب لمنفعة دولة معادية أو سهل اعمالها المالية بوسيلة من الوسائل)، اما المادة (129) من ذات القانون تقول: (من اخفى أو اختلس أموال دولة معادية أو اموال احد رعايا المعهود بهما الى حارس عوقب بالحبس مدة لا تزيد على مائة دينار أو بكلتا العقوبتين).

ومن الملاحظ أن مشرعنا فرض العقاب على التعامل التجاري مع العدو سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير ذلك، وبصرف النظر عن الطريقة التي استخدمها الجاني في ارتكاب جريمته، إلا أن هذا العقاب ناقصا؛ لأن المنفعة الاقتصادية التي جناها الجاني باهضة ولم يراع المصلحة الوطنية اقتصاديا وأمنيا، كذلك جاء الوصف القانوني للتعامل التجاري مع العدو ناقصا فإعتبره مشرعنا جنحة ونتمنى تعديل المواد السابقة ليصبح الوصف القانوني للفعل جناية.



المطلب الثاني: جرائم الغش في المواد الغذائية

نص مشرعنا الأردني في المادة (386) عقوبات، على: (1- يعاقب بالحبس من شهر الى سنة وبالغرامة من خمسة دنانير الى خمسين دينار وبإحدى هاتين العقوبتين: أ. من غش مواد مختصة بغذاء الإنسان أو الحيوان أو عقاقير أو اشربة أو منتجات صناعية أو زراعية أو طبيعية معدة للبيع. ب. من عرض إحدى المنتجات أو المواد السابقة ذكرها أو طرحها للبيع أو باعها وهو على علم بأنها مغشوشة وفاسدة. ج. من عرض منتجات من شأنها إحداث الغش أو طرحها للبيع أو باعها وهو عالم بوجه استعمالها. د. من حرض بإحدى الوسائل التي نصت عليها المادة (80) على استعمال المنتجات أو المادة المذكورة آنفا. 2- وعند التكرار يمنع المجرم من ممارسة العمل الذي كان واسطة لارتكاب الجرم)، كما نص في المادة (387) من ذات القانون على: (إذا كانت المنتجات أو المواد المغشوشة أو الفاسدة ضارة بصحة الانسان أو الحيوان، قضى بالحبس من ثلاثة اشهر الى سنتين وبالغرامة من خمسة دنانير الى خمسين دينارا، تطبق هذه العقوبات ولو كان الشاري أو المستهلك على علم بالغش أو الفساد الضارين).

ومن الملاحظ من تجريم مشرعنا الاردني الغش في المواد الغذائية والأدوية(78) أنه لم يعالج الأرباح الناتجة عن بيعها، وعليه فيستطيع الجاني الاحتفاظ بالأرباح غير المشروعة التي حصل عليها ويحولها الى اصول ثابتة أو للغير أو استثمارها من جديد بطريق مشروع أو غير مشروع وهذا لا يشكل جريمة غسيل لهذه الأموال غير المشروعة، إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، ومن الملاحظ أن العقوبات تافهة جدا، وبحاجة الى اعادة النظر بها.

المطلب الثالث: الجرائم الواقعة على الأموال (الاختلاس واستثمار الوظيفة)

نص مشرعنا الأردني في المادة (174) عقوبات على: (1- كل موظف عمومي أدخل في ذمته ما وكل إليه بحكم الوظيفة أمر ادارته أو جبايته أو حفظه من نقود واشياء أخرى للدولة أو لأحد الناس عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة تعادل قيمة ما اختلس. 2- كل من اختلس أموالا تعود لخزائن أو صناديق البنوك أو مؤسسات الإقراض المتخصصة أو الشركات المساهمة العامة وكان من الأشخاص العاملين فيها (كل منهم في المؤسسات التي يعمل بها) عوقب بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة. 3- اذا وقع الفعل المبين في الفقرتين السابقتين بتزوير الشيكات أو السندات أو بدس كتابات غير صحيحة في القيود أو الدفاتر أو السجلات أو بتحريف أو حذف أو اتلاف الحسابات أو الأوراق وغيرها من الصكوك وبصورة عامة بأية حيلة ترمي الى منع اكتشاف الاختلاس عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة تعادل قيمة ما اختلس. 4- يعاقب الشريك أو المتدخل تبعيا بالعقوبة ذاتها).

كما نصت المادة (175) من ذات القانون على: (من وكل إليه بيع أو شراء أو إدارة أموال منقولة أو غير منقولة لحساب الدولة أو لحساب إدارة عامة، فاقترف غشا في أحد هذه الأعمال أو خالف الأحكام التي تسري عليها إما لجر مغنم ذاتي أو مراعاة لفريق أو أضرار بالفريق الآخر أو اضرارا بالإدارة العامة عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة تعادل قيمة الضرر الناجم).

ومن الملاحظ أن الموظف الجاني في كل من جريمة الاختلاس أو استثمار الوظيفة يحصل على منافع اقتصادية مالية ضخمة، ولهذا فرض مشرعنا عقوبة الغرامة، الى جانب عقوبة الحبس السالبة للحرية، وجعلها تعادل المال المختلس أو قيمة الضرر الناتج عن الفعل الجرمي، وبذلك يتحقق الردع العام لجميع الموظفين الى جانب تعويض الحكومة والأجهزة التابعة لها والمؤسسات والشركات والمصارف وغيرها من الخسارة اللاحقة بها؛ لأن ما حصل عليه الموظف لا يستند الى اساس قانوني ومشروع.

المطلب الرابع جرائم الإرهاب

على أثر الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها أمريكا في 11 أيلول سنة 2001، تصدر موضوع تمويل الإرهاب قائمة القضايا الدولية التي كان على المجتمع الدولي التعامل معها لإيجاد الحلول المناسبة لها، وعليه عقدت مجموعة الدول الصناعية السبع اجتماعها في واشنطن لتقييم الأوضاع بعد هذه الأحداث ووضع السياسة المناسبة والتي تتضمن فرض عقوبات مشددة على تمويل الإرهاب، وتعهدت المجموعة في بيانها على العمل من أجل إعطاء نتائج حقيقية في مكافحة تمويل الإرهاب لقطع شريان الحياة عن الإرهاب، وتوجهت الأفكار الى قوة العمل المالية لتتعقب الجماعات المشتبه بها في هجمات 11 أيلول من خلال تعقب عمليات غسيل الأموال التي تقوم بها عصابات الإجرام من خلال النظام المالي العالمي، وحث(79) البيان صندوق النقد الدولي على الإسراع بتقويم مدى كفاية الإشراف على المراكز المالية للمعاملات الخارجية وتوفير المساعدة الفنية اللازمة لتعزيز تكاملها، ويعد القرار رقم (1373) الصادر عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع بتاريخ 28/9/2001 بشأن مكافحة الإرهاب وتجميد أموال المنظمات الإرهابية قد صدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حيث يترتب عليه التزام جميع الدول بمضمون القرار تحت طائلة العقوبات التي من ضمنها الأعمال العسكرية ضد أية دولة لا تتقيد بتنفيذ البنود الواردة فيه.

وعليه فقد جاء في قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1373)(80) على جميع الدول منع ووقف تمويل الأعمال الارهابية وتجريم قيام رعايا هذه الدول عمدا بتوفير الأموال أو جمعها، بأي وسيلة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو في اراضيها لكي تستخدم في اعمال ارهابية أو في حالة معرفة انها سوف تستخدم في اعمال ارهابية والقيام بدون تأخير بتجميد الأموال واي اصول مالية أو موارد اقتصادية لأشخاص يرتكبون اعمالا ارهابية، أو يحأولون ارتكابها، أو يشاركون في ارتكابها أو يسهلون في ارتكابها، أو لكيانات يمتلكها أو يتحكم فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة هؤلاء الأشخاص والكيانات أو بتوجيه منهم بما في ذلك الأموال المستمدة من الممتلكات التي يمتلكها هؤلاء الإرهابيون ... ويلاحظ مع القلق الصلة الوثيقة بين الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة عبر الوطنية والاتجار غير المشروع بالمخدرات وغسيل الأموال والاتجار غير القانوني بالأسلحة، والنقل غير القانوني للمواد النووية والكيميائية والبيولوجية وغيرها من المواد التي يمكن أن تترتب عليها آثار مميتة، وضرورة تعزيز وتنسيق الجهود الدولية ... وعليه فقد استجاب مشرعنا الأردني لذلك، وأجرى تعديلا جوهريا على المادة (147) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 من خلال القانون المؤقت رقم (54) لسنة 2001، حيث جاء فيها: (1- يقصد بالإرهاب: استخدام العنف أو التهديد باستخدامه ايا كان بواعثه واغراضه يقع تنفيذا لعمل فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أمنه للخطر اذا كان من شأن ذلك إلقاء الرعب بين الناس وترويعهم أو تعريض حياته وأمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو المرافق أو الأملاك العامة، أو الأملاك الخاصة أو المرافق الدولية والبعثات الدبلوماسية أو بإحتلال أي منها أو الاستيلاء عليها أو تعريض الموارد الوطنية للخطر أو تعطيل تطبيق احكام الدستور والقوانين. 2- يعد من جرائم الإرهاب أي فعل يتعلق بأي عملية مصرفية وبصورة خاصة ايداع أموال لدى أي بنك في المملكة أو أي مؤسسة مالية تمارس اعمال البنوك أو تحويل هذه الأموال من قبلها الى أي جهة كانت اذا تبين أنها اموال مشبوهة ولها علاقة بنشاط إرهابي، وفي هذه الحالة تطبق الإجراءات التالية: أ. الحجز التحفظي على هذه الأموال بقرار من النائب العام وحظر التصرف بها الى حين استكمال إجراءات التحقيق بشأنها. ب. قيام النائب العام بالتنسيق والتعأون مع البنك المركزي واي جهود ذات علاقة محلية كانت أو دولية، بالتحقيق في القضية، واذا ثبت له ان لتلك العملية المصرفية علاقة بنشاط إرهابي فيتم إحالة القضية الى المحكمة المختصة. ج. يعاقب من يرتكب هذه الجرمية بالأشغال الشاقة المؤقتة، ويعاقب الإداري المسؤول في البنك أو المؤسسة المالية الذي اجرى العملية وهو عالم بذلك بالحبس وتتم مصادرة الأموال التي تم التحفظ عليها).


المبحث الثالث
 تعليمات وإرشادات مكافحة غسيل
الأموال الصادرة عن البنك المركزي الأردني

رغبة من البنك المركزي الأردني إسهاما منه بدعم الجهود المبذولة لمكافحة عمليات غسيل الأموال، وفي ظل التطور التكنولوجي المتسارع في العمل المصرفي والمالي والذي أتاح التنوع في أساليب غسيل الأموال، كما رأينا، وحرصا على سمعة الجهاز المصرفي داخل المملكة وخارجها، وسندا لأحكام المادة (93) من قانون البنوك الأردني رقم (28) لسنة 2000، ولأحكام قانون أعمال الصرافة رقم (26) لسنة 1992، فأصدر البنك المركزي الأردني التعليمات التي يتعين على البنوك وشركات الصرافة اتباعها بهدف مكافحة عمليات غسيل الأموال كما ألحق ذلك بدليل إرشادات.



المطلب الأول: تعليمات مكافحة عمليات غسيل الأموال رقم (10) لسنة 2001 صادرة عن البنك المركزي الأردني سندا لأحكام المادة (99/ب) من قانون البنوك

حيث حددت هذه التعليمات المقصود بعملية غسيل الأموال، وهي: (إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة (المتأتية من عمل غير مشروع) أو إعطاء معلومات مغلوطة عن هذا المصدر بأي وسيلة كانت وتمويل الأموال أو استبدالها لغرض إخفاء أو تمويه مصدرها، أو تملك الأموال غير المشروعة أو حيازتها أو استخدامها أو توظيفها بأي وسيلة من الوسائل لشراء اموال منقولة أو غير منقولة أو للقيام بعمليات مالية)، وتسري هذه التعليمات على البنوك العاملة في المملكة وعلى فروع البنوك الاردنية العاملة في الخارج وعلى البنك التابع لبنك اردني الى المدى التي تسمح به تشريعات تلك الدول ويتعين اخطار البنك المركزي بأية قيود أو موانع تحول دون تطبيقها، كما تسري على شركات الصرافة بالقدر المتعلق بالأعمال المرخص لها بممارستها.

كما أقرت هذه التعليمات قاعدة هامة (اعرف عميلك) حيث يجب على البنك التحقق من هوية الشخص عند فتح الحساب، فإذا كان شخصا طبيعيا فيجب الحصول على كافة المعلومات اللازمة لإثبات الشخصية من الوثائق الرسمية والاحتفاظ بنسخة طبق الأصل، وضرورة الحصول على عنوانه ومكان إقامته ومحل عمله، والحصول على عنوان الشخص في بلد الإقامة الدائم لغير الأردنيين، أما إذا كان شخصا اعتباريا فيجب التحقق من وجوده وكيانه القانوني من خلال المستندات كالشهادات الصادرة من وزارة الصناعة والتجارة والغرف التجارية والصناعية وضرورة الحصول على شهادة رسمية صادرة من الجهات المختصة كون الشركة مسجلة في الخارج، وكذلك يجب الحصول على اسماء وعنأوين الشركاء، اما الشركات المساهمة العامة فيجب الحصول على اسماء وعنأوين المساهمين الذين تزيد ملكيتهم عن 5% من رأسمال الشركة، أما بالنسبة للجمعيات الخيرية وما في حكمها فيتم التحقق من كيانها القانوني عن طريق المستندات اللازمة، وعند فتح الحساب بالنيابة فيجب وجود وكالة عدلية خاصة، ووثائق رسمية لإثبات الشخصية للأصيل والوكيل، وضرورة تحديث كافة المعلومات المقدمة بشأن أصحاب الحسابات والمفوضين بالتوقيع.

وللوقاية من عمليات غسيل الأموال فقد حظرت التعليمات فتح حسابات لأشخاص وهميين وأي شكل لا يدل بصورة قاطعة على هوية فاتح الحساب، كما حظرت فتح حسابات بالمراسلة لأشخاص مقيمين في ذات البلد، ويجب على البنك التأكد من هوية أي شخص ليس لديه حسابات في البنك ويرغب بالدفع نقدا مقابل حوالات (10) آلاف دينار فأكثر وما يعادلها، بالعملات الأجنبية، كما يجب التأكيد من هوية المودع عند ايداع مبالغ نقدية أو شيكات مسافرين في حساب قائم بواسطة شخص أو اكثر لا تظهر اسماؤهم في عقد توكيل بشأن هذا الحساب، أو أنهم غير مخولين قانونا بإيداع ذلك.

كما أوجبت التعليمات بذل عناية خاصة، أي أكثر من العناية الاعتيادية، عند طلب تسهيلات مقابل حجز ودائع أو عند تأجير صناديق الأمانات أو عند تحصيل شيكات أطراف ثالثة غير معروفة من الخارج أو عند طلب تنفيذ عمليات أو صفقات معقدة أو كبيرة أو غير عادية التي لا يتوافر لها مقاصد مالية واضحة والمتصلة بنشاط الأفشور أو المرتبطة بأشخاص معنوية ليس لها وجود قانوني أو غير مسجلة أصوليا، وأوجبت على البنك أيضا وضع إجراءات داخلية لمكافحة عمليات غسيل الأموال كإجراءات رقابة داخلية قابلة للتطوير بإستمرار وتسمية ضابط ارتباط للتنسيق مع البنك المركزي وبرامج تدريبية للموظفين المعنيين بإستلام النقد ومراقبة الحسابات لإحاطتهم بالمستجدات في مجال غسيل الأموال والعمليات المشبوهة، وعلى جهات التدقيق الداخلي فحص أنظمة الضبط والرقابة الداخلية للتصدي لعمليات غسيل الأموال.

كما ألزمت التعليمات البنك بتطوير نظام معلومات متكامل لحفظ السجلات والبيانات والمراسلات المتعلقة بالمعاملات المصرفية اللافتة في ملفات خاصة أو بصورة مصغرة عنها (ميكروفيلم أو اية اجهزة تقنية حديثة) وذلك لمدة لاتقل عن (5) سنوات من تاريخ إجراء المعاملة، ومن تاريخ إغلاق الحساب بشأن وثائق فتح الحساب. والتي تزيد عن (10) آلاف دينار أو ما يعادلها للتعأون مع السلطات المختصة، ويجب على كل إداري أن يبلغ إدارته فورا في حال اشتباهه أو اكتشافه لعملية غسيل أموال، ولا يجوز للبنك أو إدارية لفت نظر العميل بأي صورة كانت بأن العملية المطلوب إجراؤها تنطوي على شبهة غسيل أموال، ولا يجوز للبنك أو إدارية لفت نظر العميل بأي صورة كانت بأن العملية المطلوب إجراؤها تنطوي على شبهة غسيل أموال، وإذا علم البنك أن تنفيذ المعاملة المصرفية أو دفع أي مبلغ يتعلق أو يمكن أن يتعلق بجريمة أو عمل غير مشروع فيجب عدم التنفيذ  والتحفظ على الأموال وإشعار البنك المركزي فورا، وإذا ثبت مشروعية هذه الأموال المتحفظ عليها فيجب على البنك أن يرد للعميل كامل الفوائد التي يستحقها.

المطلب الثاني: دليل الإرشادات لمكافحة عمليات غسيل الأموال

بهدف تثقيف العاملين في البنوك حول عملية غسيل الأموال والتعرف على الأنماط المشتبه بأنها تقع ضمن هذه العمليات، فألحق البنك المركزي التعليمات، الوارد ذكرها أعلاه، بدليل إرشادات كمرفق لها، فورد في الدليل المراحل التي تمر بها عملية غسيل الأموال، والتي سبق وعالجناها، وهي مرحلة الإحلال حيث يقوم غاسل الأموال بمحأولة إدخال الأموال النقدية المتأتية من نشاط غير مشروع كتجارة المخدرات والاحتيال والسرقة الى النظام المصرفي، ثم تأتي مرحلة التغطية حيث يتم طمس علاقة تلك الأموال مع مصادرها غير المشروعة من خلال القيام بالعمليات المالية والمصرفية المتتالية، ثم أخيرا مرحلة الدمج حيث تدمج الأموال المغسولة في الاقتصاد بحيث يصعب التمييز بينهأوبين الأموال من مصادر مشروعة.

وقد ورد في الدليل ايضا طرق غسيل الأموال، والتي تتمثل من خلال تنفيذ المعاملات المالية والمصرفية التي تتم نقدا والتي تتم عن طريق ايداعات نقدية كبيرة من أفراد أو شركة تبدو غير منطقية من خلال الشيكات أو أدوات الدفع الأخرى أو ازدياد ضخم في الودائع النقدية لأي شخص دون سبب واضح خلال فترة قصيرة الى جهة لا يبدو لها ارتباط واضح أو ايداع مبالغ نقدية على مراحل متعددة بغض النظر عن قيمتها لكن مجموعها كبير جدا أو التركيز على السحوبات والايداعات النقدية بدلا من استخدام الحوالات المصرفية أو غيرها من طرق التدأول أو تبديل كميات كبيرة من الأوراق النقدية من فئات صغيرة بأوراق نقدية من فئات كبيرة دون أسباب واضحة أو تحويل مبالغ كبيرة الى خارج المملكة أو استلام حوالات واردة من الخارج مصحوبة بتعليمات بالدفع نقدا أو ايداعات نقدية كبيرة غير عادية باستخدام أجهزة الصراف الآلي لتجنب الاتصال المباشر مع موظف البنك حيث لا تتناسب الايداعات مع الدخل الاعتيادي لهذا الشخص.

وقد تتم عمليات غسيل الأموال من خلال حسابات الاشخاص كالاحتفاظ بحسابات متعددة نفس الشخص وايداع مبالغ نقدية فيها تشكل جميعها مبلغا كبيرا ولا يتناسب ذلك مع طبيعة العمل للشخص باستثناء المؤسسات التي تقتضي طبيعة عملها الاحتفاظ بأكثر من حساب، أو وجود حسابات لا تبدو طبيعية الحركات المنفذة من خلالها في ظاهرها منسجمة مع طبيعة نشاط العميل أو توزيع مبالغ كبيرة لغرض غير واضح أو لا علاقة له بصاحب الحسابات أو نشاطه، أو فتح حسابات لدى عدة بنوك ضمن منطقة جغرافية واحدة ثم تحويل أرصدة تلك الحسابات الى حساب واحد ثم تحويلها للخارج، أو ايداع شيكات اطراف ثالثة تكون بمبالغ كبيرة ومجيرة لصالح صاحب الحساب ولا تنسجم مع العلاقة يصاحب الحساب أو بطبيعة عمله، أو تنفيذ سحوبات نقدية كبيرة من حساب تتصف السحوبات الاعتيادية المنفذة من خلاله بأنها صغيرة نسبيا أو من حساب تسلم أموالا كبيرة غير متوقعة من الخارج، أو قيام عدد كبير من الاشخاص بإيداع مبالغ في حساب معين بدون تفسير مقبول.

ومن طرق غسيل الأموال التي جاء بها دليل الارشادات هي ان تتم عمليات غسيل الاموال من خلال الحوالات كتحويل الايداعات في الحساب الى الخارج مباشرة (Immediate Tumaround/in out) سواء على دفعة واحدة أو على دفعات أو التحويلات بمبالغ متماثلة يوميا أو اسبوعيا تكون في مجملها كبيرة.

وقد تم عمليات غسيل الأموال من خلال تعاملات ذات صلة بالاستثمار كشراء أوراق مالية للاحتفاظ بها في صناديق الأمانات لدى البنوك ولا يتلائم مع المكانة الظاهرة للشخص، أو اجراء صفقات اقتراض مقابل حجز ودائع شركة أو شركات في الخارج خاصة انها معروفة بإنتاج أو مسوقة للمخدرات أو ادخال مبالغ مالية كبيرة من الخارج للاستثمار في العملات الاجنبية أو الأوراق المالية حيث يكون حجم الاستثمار لا يتناسب مع طبيعة الوضع المالي للعميل، أو شراء أو بيع أوراق مالية بشكل متكرر وفي ظروف تبدو غير عادية.

وقد تتم من خلال المعاملات المصرفية والمالية الدولية كالإقرار بالتعريف على هوية شخص من جهات خارجية في بلدان تنتج أو تسوق المخدرات أو بناء أرصدة كبيرة لا تتناسب مع حجم النشاط الطبيعي للعميل والتحويل المتتالي لحساب مفتوح في الخارج أو الايداع المتكرر لشيكات بعملات اجنبية أو شيكات سياحية في حساب الشخص ولا يتناسب مع طبيعة حركة الحساب.

ومن الطرق الأخرى التسهيلات المصرفية كالتسديد بمبالغ أكبر من المتوقع لتسهيلات غير منتظمة بالأصل، أو طلب الحصول على قروض مقابل رهن أصول مملوكة من قبل طرف ثالث بحيث يكون مصدر الأصول غير معروف للبنك أو ان حجمها لا يتناسب مع الوضع المالي للعميل، وقد تتم أخيرا من خلال الخدمات المصرفية الالكترونية كتلقي الحساب عدة تحويلات مالية صغيرة بالطريقة الالكترونية ثم اجراء تحويلات كبيرة بذات الطريقة لبلد آخر أو ايداع دفعات كبيرة وبشكل منتظم بمختلف الوسائل كالإيداع الالكتروني أو تلقي دفعات كبيرة من بلدان معروف أنها منتجة أو مسوقة للمخدرات وهنا على البنك بتوفير برنامج على النظام الآلي حيث يرصد كافة المعلومات المصرفية غير العادية.

ثم ترك الدليل أخيرا للبنك بوضع إجراءات داخلية تتضمن الخطوات الواجب اتباعها من قبل الموظف عند الاشتباه بعملية غسيل الأموال.

وبناء على ما تقدم، نقول أنه يمكن مكافحة جرائم غسيل الأموال بوسائل وطنية عن طريق اصدار تشريعات خاصة بها، كما رأينا، أو بوسائل دولية عن طريق إبرام اتفاقيات دولية ثنائية وجماعية والتعأون الدولي(81)، ومكافحة هذه الجرائم وطنيا تستلزم تظافر وتعأون جميع مؤسسات المجتمع المدني الرسمية وغير الرسمية والتنسيق بين أداء الأجهزة الأمنية والمصرفية والتشريعية القضائية والتعليمية والاعلامية لمكافحة جريمة غسيل الاموال(82).

بقي أن نقول أن الدول ذات التشريعات التقليدية تعتبر بيئة خصبة لعمليات غسيل الأموال القذرة وارتكاب الجرائم الاقتصادية المدمرة(83)؛ لأن تشريعاتها التقليدية شرعت أصلا لمكافحة ومعاقبة الجرائم التقليدية، فالنصوص الجزائية التقليدية لا تستوعب جميع اساليب وأنماط الجرائم الاقتصادية المنظمة (وجرائم غسيل الأموال جزء منها)، نظرا لأساليب الاحتيال المتطورة وتقنيات تحويل الأموال والعوائق في تحديد التكييف القانوني لها، كما رأينا، ولهذا كان لا بد من قيام مشرعنا الأردني بوضع النصوص الجزائية الخاصة التي تتجأوز نطاق النصوص الجزائية التقليدية من حيث الملاحقة والمعاقبة في جريمة غسيل الأموال، وان لم تحصل الإدانة في الفعل الإجرامي الأصلي، ووضع عقوبة مستقلة لكل من جريمة غسيل الأموال والجريمة التي يشكلها الفعل الإجرامي الأصلي الذي تحصلت منه الأموال موضوعها، ومعاقبة من يرتكب جريمة من الجرائم المرتبطة بجريمة غسيل الأموال في حالات عديدة وتشديد عقوبة السجن والغرامة على مرتكب هذه الجرائم، الى جانب مصادرة الأموال والمتحصلات المستمدة من الجرائم وكذلك لا بد من النص عند تطبيق القانون الخاص بجريمة غسيل الأموال لا يجوز لأي مؤسسة الاحتجاج أمام النيابة العامة أو المحكمة بمبدأ سرية الحسابات المصرفية وهوية العملاء، أو المعلومات المسجلة عنهم لدى البنك.

ومن الجدير بالذكر أن هناك اهتماما كبيرا من معظم الدول العربية بشأن جرائم غسيل الأموال، حيث أصدر المشرع اللبناني قانون مكافحة تبييض الأموال رقم (318) في 20/4/2001م، وهو تشريع خاص بمكافحة جريمة تبييض الأموال، وذلك لسد الثغرات الموجودة في التشريع اللبناني، وانطلاقا من الوضع اللبناني الخاص حيث يعتبره البعض أرضا خصبة لن تتوانى الجهات الراغبة في تبييض الأموال من استغلالها لا سيما مع توافر مزايا خاصة تشجع على المحأولة كالتعامل بشكل كثيف بالنقد الأجنبي اكثر من العملة الوطنية، وحرية التعامل بالعملات الأجنبية في الحسابات المصرفية، وعمليات التمويل وكثرة التحويلات التي تتم الى لبنان من المغتربين التي تقدر بالمليارات ووجود ظاهرة تجيير الشيكات مرات متعددة كوسيلة لعمليات تبييض الأموال واعتماد قانون سرية المصارف(84). فحددت المادة الأولى من هذا القانون الجرائم التي تعتبر مصدرا غير مشروع (الأموال غير المشروعة) كزراعة المخدرات أو تصنيعها أو الاتجار بها والأفعال التي تقدم عليها جمعيات الأشرار والمعتبر دوليا جرائم منظمة وجرام الإرهاب والاتجار غير المشروع بالأسلحة وجرائم السرقة أو اختلاس الأموال العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها بوسائل احتيالية والمعاقب عليها بعقوبة جنائية وتزوير العملة والاسناد العامة، ويلاحظ ان هذه المادة وسعت من مفهوم الأموال القذرة ولم تقتصر على الأموال الناتجة عن جرائم المخدرات، ومن ناحية أخرى فقد حددت المادة (2) من القانون المذكور عمليات تبييض الأموال، وهي: (1- إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة أو اعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر بأي وسيلة كانت. 2- تحويل الأموال أو استبدالها مع العلم بأنها أموال غير مشروعة لغرض إخفاء أو تمويه مصدرها أو مساعدة شخص في ارتكاب الجرم على الإفلات من المسؤولية. 3- تملك الأموال غير المشروعة أو حيازتها أو استخدامها أو توظيفها لشراء أموال منقولة أو غير منقولة أو للقيام بعمليات مالية مع العلم بأنها أموال غير مشروعة).

كما تم وضع نظام يضبط عمليات المصارف والمؤسسات المالية من خلال احكام تحول دون تورطها بعمليات تخفي تبييضا للأموال كالتحقق من الهوية الحقيقية للعملاء الدائمين والعابرين اذا زادت العمليات عن مبلغ من المال وتحديد اصحاب الحق الاقتصادي عن الاقتضاء والاحتفاظ بالمستندات المتعلقة بما نفذ من عمليات لمدة (5) سنوات وإعلام حاكم مصرف لبنان عن أي مخالفة، وإلتزام المؤسسات غير الخاضعة للسرية المصرفية كمؤسسات الصرافة وشركات الوساطة المالية وشركات الإيجار التمويلي وشركات التأمين وغيرها بمسك سجلات بالعملات التي تزيد قيمتها عن حد معين والتحقق من هوية العملاء وعنأوينهم(85). وكذلك انشاء هيئة مستقلة لدى مصرف لبنان تتمتع بالشخصية المعنوية وذات طابع قضائي تدعى (هيئة التحقيق الخاصة) يرأسها الحاكم وتتكون من عضوية رئيس لجنة الرقابة على المصارف والقاضي المعين في الهيئة المصرفية العليا وعضو آخر يعينه مجلس الوزراء بناء على اقتراح الحاكم، ويكون عضو رديف لكل عضو أصيل، وتلزم جميع المؤسسات المعنية بالقانون بإبلاغ الهيئة فورا بتفاصيل العمليات المشتبه بأنها تخفي تبييضا للأموال، وتجري الهيئة التحقيق بذلك وتقرر مدى جدية الأدلة والقرائن على ارتكاب هذه الجرائم فور تلقيها أية معلومات من المؤسسات الخاضعة لهذا القانون أو من السلطات اللبنانية والأجنبية، ولها حق تقرير رفع السرية المصرفة لصالح المراجع القضائية المختصة والهيئة المصرفية العليا، وتتخذ الهيئة بعد التدقيق في المعلومات مهلة (3) أيام عمل قرارا مؤقتا بتجميد الحساب المشبوه لمدة (5) أيام قابلة للتجديد مرة واحدة اذا كان مصدر الأموال لا يزال مجهولا أو اذا ثارت شبهة بأنه ناجم عن جرم تبييض الأموال، وتحقق بسرية خلال مدة تجميد الحساب إما مباشرة أو بواسطة مفوض مراقبة تعينه لهذا الخصوص، وفي نهاية التحقيق تصدر قرارها إما بتحرير الحساب أو بمواصلة تجميده ورفع السرية عنه حيث تقوم بإبلاغ هذا القرار الى كل من النائب العام التمييزي والهيئة المصرفية العليا وصاحب الحساب وإدارة المصرف المعني والجهة الخارجية عند الاقتضاء وهذا القرار غير قابل للطعن بأية طريقة العادية وغير العادية والإدارية والقضائية، أما اذا انتهت مدة التحقيق ولم يصدر اية قرار فيعد الحساب الذي جمد أثناء مدة التحقيق محررا.

وكذلك فقد اصدر المشرع الإماراتي في دولة الامارات العربية المتحدة قانونا لتجريم غسيل الأموال لعام 2002م، حيث عرف غسيل الأموال بأنه كل عمل ينطوي على نقل أو تحويل أو ايداع أو اخفاء أو تمويه حقيقية تلك الأموال المتحصلة من إحدى الجرائم المنصوص عليها في البند الثاني من المادة (2) من القانون التي تشمل المخدرات والمؤثرات العقلية والخطف والقرصنة والإرهاب والجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام قانون البيئة والاتجار غير المشروع في الأسلحة النارية والذخائر وجرائم الرشوة، والاختلاس والأضرار بالمال العام، وجرائم الاحتيال وخيانة الأمانة وما يتصل بها، واي جرائم ذات الصلة التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية التي تكون الدولة طرف فيها، وجاء في الفصل الثاني من القانون المذكور التزامات ومهام الجهات الحكومية ذات الصلة كالمصرف المركزي والنيابة العامة والسلطات القضائية كما نص على تأسيس وحدة معلومات مالية بالمصرف المركزي بإسم (وحدة مواجهة غسيل الأموال والحالات المشبوهة)(86) ترسل إليها تقارير المعاملات المشبوهة من جميع المنشآت المالية والتجارية والاقتصادية ذات العلاقة، كما اجاز القانون لهذه الوحدة تبادل المعلومات بشأن المعاملات المشبوهة مع الوحدات المشابهة في الدول الأخرى عملا بالاتفاقيات الدولية التي تكون الدولة طرفا فيها أو بناء على قاعدة المعاملة بالمثل وذلك بهدف التعأون الدولي، كما حدد القانون العقوبات المناسبة لمرتكبي جرائم غسيل الأموال أو الذين يساعدون مرتكبي هذه الجرائم أو الذين يعملون بجرائم الغسل ولا يبلغون عنها، وبشأن التعأون القضائي أجاز القانون للسلطة القضائية المختصة بناء على طلب سلطة قضائية بدولة أخرى تربطها بالدولة اتفاقية مصدق عليها أو بشرط المعاملة بالمثل اذا كان الفعل الاجرامي معاقبا عليه في الدولة أن تأمر بتعقب أو وضع الحجز التحفظي على الاموال أو المتحصلات أو الوسائط الناتجة عن جريمة غسيل الأموال أو مستخدمة فيها، وايضا الاعتراف بأي حكم أو أمر قضائي ينص على مصادرة أموال أو متحصلات أو وسائط متعلقة بجرائم غسيل الأموال يصدر عن محكمة أو سلطة قضائية بالدولة باعتباره اتفاقية مصدقا عليها.

الى جانب ذلك صدر العديد من الأنظمة المتاحة لمواجهة عمليات غسيل الأموال في دولة الإمارات العربية المتحدة، إضافة الى التعاميم والتعليمات بهدف الحيطة والحذر في عملياتها اليومية والإبلاغ عن الشبهات فورا(87). وأهمها صدر عن اللجنة الوطنية لمواجهة غسيل الأموال إعلان تحذيري بشأن التحويلات المالية فيها خاطب فيه المواطنين والمقيمين على ارض الدولة عند تحويل الأموال النقدية خارج الدولة أو استلام الأموال النقدية من الخارج، عدم تحول الأموال الى اشخاص غير معروفين متواجدين خارج البلاد، وعدم استلام أموال محولة في الحساب أو لتسحب نقدا من أشخاص غير معروفين في الخارج، وعند تشغيل حسابات المنشآت التجارية يفضل ان يكون حق التوقيع على الشيكات والخصم من الحساب بيد المالك أو الملاك في حالة الشركات، واذا خول مدير مسؤول أو مدراء فيجب مطالبتهم بالتقارير الدورية عن تصرفاتهم خاصة بالتعاملات المالية للشركة مع الأطراف الأخرى وفي حال تحويل الأموال للاستثمار فيجب الاحتفاظ بالوثائق والثبوتات لبرهنة أن الأموال متأتية من مصادر مشروعة وأنها لا تستثمر لصالح أطراف مطلوبة للعدالة وان يتم التبرع خارج البلاد عن طريق جمعية الهلال الأحمر الاماراتية أو أي جمعية خيرية رسمية، واذا كان تحويل الأموال لسداد قيم بضائع للخارج فتحول باسم البائع والتأكد من ان الوثائق مكتملة وتحوي على الوصف الكامل للبضاعة. وعند فتح الاعتمادات المستندية للاستيراد من الخارج فيفتح الاعتماد لصالح الأطراف المصدرة والتأكد من اكتمال الوثائق مع الوصف الكامل للبضاعة والكميات وعدم تحويل الاستثمارات والأموال والتبرع عند عدم الحاجة الملحة خاصة أن بعض الدول تطبق أنظمة مراقبة صارمة على الأموال العابرة للحدود.

وقد لجأت بعض الدول العربية أخيرا الى اصدار قوانين وأنظمة تجأوبت الى حد بعيد مع المعايير الدولية التي ضجت بعد احداث 11 أيلول في نيويورك وواشنطن الى مزيد من التشدد في مكافحة تبييض الأموال(88)، نظرا لتداخلها مع مكافحة تمويل الإرهاب بحيث شكلت المملكة العربية السعودية في مطلع كانون الأول لعام 2001، وحدة مكافحة غسيل الأموال، تابعة لوزارة الداخلية تجأوبا مع الحملة الدولية المتعاظمة على محاربة الجريمة المنظمة ولا سيما لناحية تجفيف منابعها المالية، كما أوعزت السلطات المالية والنقدية في دول مجلس التعأون الخليجي الى المؤسسات المصرفية والمالية العاملة لديها على اتخاذ التدابير والاجراءات الحائلة دون تبييض الأموال أو تمويل عمليات الإرهاب بما فيه التدقيق والتحقيق في صحة المعلومات والتحويلات المالية التي يجريها الأفراد أو المجموعات التي تحوم حولهم الشبهات على اعتبار ان سرعة التعاملات والتحويلات النقدية الالكترونية في ظل إخفاء أسماء اصحابها من شأنها تشجيع القائمين بأعمال التبييض وتمويل الإرهاب، الأمر الذي يستوجب الوصول الى المصادر المالية لهذه الأنشطة غير المشروعة من خلال تجميد مئات الأرصدة والحسابات المشتبه فيها بغية منع الجهات القائمة بها أفراد كانت أو جماعات من استخدام آليات النظام المصرفي الدولي وتسهيلاته لارتكاب الجرائم المنظمة بمنأى عن قبضة العدالة، لكن يقتضي الإشارة هنا الى ان اموال الإرهاب لا تصبح غير شرعية الا بعد استخدامها في تمويل عملية من هذا القبيل وذلك على خلاف عملية تبييض الأموال التي يمكن تحديدها مسبقا سندا الى مصدرها غير المشروع، إضافة الى صعوبة الإمكانية حول تعريف قانوني لمفهوم الإرهاب يصح اعتماده دوليا.


الخاتمة

إن التصدي لجريمة غسيل الأموال بات أمرا ضروريا حيث يستطيع أصحاب الأموال القذرة شراء اقتصاد كامل لبلد معين وبإمكانهم إحداث اضطراب بالنظام الاقتصادي والديمقراطي فيه وبث الفساد بكافة اشكاله فيهتز كيانه المالي وبالتالي ينعكس ذلك على الأوضاع الأمنية في ذلك البلد.

هناك جهود دولية للحد من هذه الجرائم وهذه الجهود مثل اتفاقية فيينا لعام 1988 لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات حيث تنأولت الاتفاقية جرائم المخدرات والجرائم والمتفرعة عنها ومنها غسيل الأموال وقد وقعت سبعون دولة عليها وايضا في عام 1989 عقدت الدول السبع الصناعية قمة لها وقد شكلت هذه الدول ما يسمى بقوة العمليات (The Financialaction Task Force) وتم اصدار ميثاق يحكم مكافحة جرائم غسيل الأموال في سائر الدول ويتضمن الميثاق التزام على الدول ان تطبق معاهدة فيينا تطبيق كامل وكذلك التعأون القانوني والقضائي في مجال الاستعلام والتحريات عن غسيل الأموال بين الدول الى جانب جهود دولية أخرى مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000 الى جانب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1373) بشأن مكافحة الإرهاب وتجميد أموال المنظمات الإرهابية لعام 2001.

وفي ضوء ما قدمنا من دراسة متواضعة حول السرية المصرفي وجريمة غسيل الأموال في التشريعات الأردنية، فإننا نبدي الاقتراحات الآتية:
1. سن قانون خاص مستقل للسرية المصرفية يتم من خلاله الإحاطة بها بصورة متكاملة وبكافة جوانبها المتعددة.
2. إصدار قانون خاص يجرم عمليات غسيل الأموال ويضع عقوبات مناسبة لها.
3. تنظيم النشاط الاقتصادي في الدولة ومعاقبة الأشخاص الذين يخالفون هذا التنظيم.
4. إحكام الرقابة على المؤسسات الاقتصادية والمصرفية عند التحويلات وفتح الحسابات والتأكد من مصادر الأموال الأجنبية المستثمرة ومعرفة الأموال الداخلة والخارجة.
5. إعداد العناصر البشرية المكلفة بمكافحة جرائم غسيل الأموال والوقاية منها.
6. إعداد الجمهور ليشارك في تفادي وقوع مثل هذه الجرائم من خلال الندوات والمحاضرات والمؤتمرات عبر وسائل الإعلام بتنمية الشعور الوطني والقومي والديني وتبصيره بالقوانين والأنظمة التي تكافح هذه الجرائم.
7. تطوير التشريعات المعمول بها بما يتناسب مع عملية التكامل بين السياسة الاقتصادية والسياسة الجنائية.
8. أن يتعأون المواطن الأردني مع الأجهزة الأمنية الأردنية كدائرة مكافحة الفساد والتبليغ عن اية شبهة حول عمليات غسيل الأموال.
9. التوازن بين السرية المصرفية وعمليات غسيل الأموال، حيث تعد السرية المصرفية غطاء للمنظمات والعصابات الإجرامية لإخفاء الشخصية الحقيقية لهؤلاء المجرمين، ليبقوا خارج التحريات والعدالة الجنائية.
10. ابرام اتفاقيات دولية ثنائية ومتعددة الأطراف لتجريم عمليات غسيل الأموال طالما أن مصدر الأموال غير مشروع.




الهوامش

1. شريف بن أدول بن ادريس. كتمان السر وافشاؤه في الفقه الاسلامي، دار النفائس للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1997، ص56.

2. محمود الكيلاني، سرية أعمال المصارف والقانون الدولي، مجلة البنوك في الأردن، العدد الثامن، المجلد العشرون، تشرين أول، 2001، ص53، ايضا: محمود الكيلاني، سرية أعمال المصارف وغسيل الأموال الملوثة وتجميد الأموال، مجلة البنوك في الأردن، العدد العاشر، المجلد العشرون، كانون الأول، 2001، ص42.

3. محمد ابو سمرة، غسيل الأموال بين الحقيقة والخيال، عمان، 1997، ص37.

4. سميحة القليوبي، الأسس القانونية لعمليات البنوك، مكتبة جامعة عين شمس، القاهرة، مصر، 1992، ص224، وما بعدها.

5. علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 1987، ص928 وما بعدها.

6. هشام البساط، ادارة السرية المصرفية اجراءاتها التنظيمية والعملية في لبنان، كتاب السرية المصرفية، اتحاد المصارف العربية، 1993، ص144.

7. جمال الدقة، السرية المصرفية، مجلة البنوك في الاردن، العدد الثاني، المجلد العشرون، شباط / آذار 2001، ص32.

8. عبد القادر العطير، سر المهنة المصرفية في التشريع الاردني (دراسة مقارنة)، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 1996، ص14.

9. احمد كامل سلامة، الحماية الجنائية لأسرار المهنة، مطبعة جامعة القاهرة، مصر، 1988، ص38.

10. نائل عبد الرحمن صالح وناجح دأود رباح، الأعمال المصرفية والجرائم الواقعة عليها، الجزء الأول، التعريف بالمصارف والعمل المصرفي، التعريف بالجريمة، الجرائم المصرفية التقليدية، دار وائل للطباعة والنشر، عمان، الاردن، 2000، ص248-249.

11. حسين النوري، الكتمان المصرفي اصوله وفلسفته، اتحاد المصارف العربية، 1970، ص19 وما بعدها.

12. احمد كامل سلامة، المرجع السابق، ص58 وما بعدها.

13. عبد القادر العطير، المرجع السابق، ص27.
14. حسام العبد، غسيل الاموال في الخدمات البنكية الخاصة، الجزء الأول، مجلة البنوك في الاردن، العدد التاسع، المجلد العشرون، تشرين الثاني 2001، ص13.

15. حسين النوري، سر المهنة المصرفي في القانون المصرفي والمقارن، اتحاد المصارف العربية، ط3، ص10، انظر كذلك: علي جمال الدين عوض، المرجع السابق، ص625 وما بعدها.

16. انظر مثلا المواد (230، 257، 276) من قانون التجارة.

17. انظر مثلا المواد (3، 4، 40، 41، 45، 46) من قانون البنوك.
18.  انظر مثلا المادة (44/ب) من قانون البنوك.

19. عبد القادر العطير، المرجع السابق، ص16.

20. انظر الفصل الثاني من الدستور الاردني، المواد (5-23).

21. حسين النوري، سر المهنة المصرفي ...، المرجع السابق، ص9.
22.  هشام البساط، ادارة السرية المصرفية ...، المرجع السابق، ص10.

23. ابراهيم عطا العموش، التعامل بالأوراق المالية بناء على معلومات سرية ذات تأثير على اسعار هذه الأوراق (التعامل المحظور بالأوراق المالية) دراسة مقارنة، مؤتة للبحوث والدراسات، المجلد الثاني عشر، العدد الثالث، 1997، ص311.

24. محمد عبد الودود ابو عمر، المسؤولية الجزائية عن افشاء السر المصرفي دراسة مقارنة "دار وائل للطباعة والنشر، عمان، الاردن، 1999، ص133.

25. حول ذلك، انظر: عبد القادر الفار، مصادر الالتزام مصادر الحق الشخصي في القانون المدني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 1998، ص145، وما بعدها.
26.  انظر المادة (261) مدني اردني.

27. انظر في ذلك: عبد الحميد المنشأوي، جرائم القذف والسب وافشاء الاسرار، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، مصر، 1995، ص124، وما بعدها، ايضا معوض عبد التواب، القذف والسب والبلاغ الكاذب وافشاء الاسرار والشهادة الزور، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1987، ص306 وما بعدها. انظر ايضا: يعقوب يوسف صرخوه، سر المهنة المصرفية في القانون الكويتي – دراسة مقارنة، الكويت، 1989، ص135.

28. عبد الرحيم صدقي، غسيل الاموال القذرة: جريمة دولية في القرن الحادي والعشرين، بحث مقدم الى المؤتمر العلمي عن الجريمة الاقتصادية، المنعقد في جامعة جرش الاهلية / كلية الحقوق، خلال الفترة من 29-30/4/2002، ص1 وما بعدها.

29. عقل يوسف مقابلة، جريمة غسيل الاموال في عصر العولمة، بحث مقدم الى المؤتمر العلمي عن الجريمة الاقتصادية، المنعقد في جامعة جرش الاهلية / كلية الحقوق، خلال الفترة من 29-30/4/2002، ص19 وما بعدها.

30. غالب الدأودي، دور المؤسسة الشرطية في مكافحة جريمة غسيل الاموال، مجلة الشرطة، العدد(274)، محرم 1423هـ، الموافق نيسان 2002، الاردن، ص54.

31. غالب علي الدأودي، دور المؤسسات المالية والمصرفية في مكافحة جريمة غسيل الاموال، مجلة الشرطة، العدد (275)، صفر 1423هـ، الموافق ايار2002م، الاردن، ص52.

32. برهان الصمادي، دراسة حول تتبع الثروات وغسيل الاموال، مديرية الامن العام، ادارة مكافحة المخدرات، 1423هـ- 2002م، ص2 و 3.

33. احمد سفر، المصارف وتبييض الاموال تجارب عربية واجنبية، اتحاد المصارف العربية، دار بلال، 2001، ص19.

34. احمد بن محمد العمري، جريمة غسل الاموال نظرة دولية لجوانبها الاجتماعية والنظامية والاقتصادية، كتاب الرياض، العدد (74)، يناير، 1420هـ - 2000، ص11 و 12.

35. ابراهيم عيد نايل، المواجهة الجنائية لظاهرة غسيل الاموال في القانون الجنائي الوطني والدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999، ص6.

36. عبد الرحمن عطيات، مغهوم غسيل الاموال الغرض منها وطرق الغسل الحجم التقديري للأموال المغسولة في العالم، اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية بالتعأون مع مديرية الامن العام بالمملكة الاردنية الهاشمية، الحلقة العلمية (اساليب مكافحة غسيل الاموال) خلال الفترة من 3-6/4/1422هـ - الموافق 23-27/6/2001، عمان، ص3.

37. حسام العبد، دليل البنوك لمواجهة عمليات غسيل الاموال، مجلة البنوك في الاردن، العدد السابع، المجلد التاسع عشر، ايلول 2000، ص15.

38. يونس عرب، جرائم غسيل الاموال واتجاهات مكافحتها، الجزء الثاني، مجلة البنوك في الاردن، العدد العاشر، المجلد التاسع عشر، كانون الأول، 2000، ص19.

39. حمدي عبد العظيم، غسيل الاموال في مصر والعالم (الجريمة البيضاء، ابعادها، آثارها، كيفية مكافحتها)، مصر، 1997، ص5 وما بعدها.

40. نادر عبد العزيز الشافي، تبييض الاموال دراسة مقارنة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2001، ص112، وما بعدها.

41. برهان الصمادي، المرجع السابق، ص2.

42. غالب الدأودي، دور المؤسسة الشرطية....، المرجع السابق، ص54.

43. عبد الرحمن عطيات، المرجع السابق، ص2 و3.

44. احمد بن محمد العمري، المرجع السابق، ص12.

45. يونس العرب، المرجع السابق، ص20 و 21.

46. جلال وفاء محمدين، دور البنوك في مكافحة غسيل الاموال. دار الجامعة الجديد للنشر، الاسكندرية، 2001، ص17 وما بعدها.

47. يرجع استخدام مصطلح (Smutting) وهم السنافر الذين استخدمتهم العصابات الاجرامية في ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الامريكية حيث كانت تدفع لهم اجرا رمزيا مقابل ايداع النقود لدى المصارف.

48. حسام العبد، غسيل الاموال في الألفية الثالثة، مجلة البنوك في الاردن، العدد التاسع، المجلد التاسع عشر، تشرين ثاني، 2000، ص16 وما بعدها.

49. سعود عبد العزيز العثمان، الدور الاشرافي والرقابي للبنوك المركزية في مكافحة غسيل الاموال، اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية، بالتعأون مع مديرية الامن العام، الحلقة العلمية (اساليب مكافحة غسيل الاموال) خلال الفترة من 2-6/4/1422هـ- الموافق 23-27/6/2001، عمان، ص 5 و 6.

50. عبد الله خزنة كاتبي، البسيط في شرح قانون العقوبات، القسم العام، الكتاب الأول، النظرية العامة للجريمة، عمان، 2000، ص109.

51. واثبة دأود السعدي، الوجيز في شرح قانون العقوبات، القسم العام، النظرية العامة للجريمة والعقاب، مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية والنشر والتوزيع، اربد، 2000، ص66.

52. واثبة دأود السعدي، المرجع السابق، ص66.

53. ابراهيم عيد نايل، المرجع السابق، ص64.

54. واثبة دأود السعدي، المرجع السابق، ص68.

55. ابراهيم عيد نائل، المرجع السابق، ص67 وما بعدها.

56. سليمان عبد المنعم، دروس في القانون الجنائي الدولي، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2000، ص149.

57. عبد الله خزنة كاتبي، المرجع السابق، ص142 وما بعدها.

58. انظر المواد (75-82) عقوبات اردني.

59. سليمان عبد المنعم، دروس في القانون ....، المرجع السابق، ص152.

60. انظر المواد (47-54) عقوبات اردني.

61. انظر في ذلك، نظام المجالي، الاشتراك الجرمي، محاضرات ألقاها على طلبة الماجستير في كلية الحقوق، الجامعة الاردنية، الفصل الدراسي الثاني، عام 2001.

62. سليمان عبد المنعم، مسؤولية المصرف الجنائية عن الاموال غير النظيفة ظاهرة غسيل الاموال، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 1999، ص14 وما بعدها.

63. سليمان عبد المنعم، مسؤولية المصرف ...، المرجع السابق، ص53 وما بعدها. انظر خلاف ذلك، جلال وفاء محمدين، المرجع السابق، ص45 وما بعدها.

64. ابراهيم عيد نائل، المرجع السابق، ص60.

65. ابراهيم عيد نائل، المرجع السابق، ص62 وما بعدها.

66. هشام غرايبة، التأثير الاقتصادي لعمليات غسيل الاموال على المجتمع، اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية بالتعأون مع مديرية الامن العام بالمملكة الاردنية الهاشمية، الحلقة العلمية (اساليب مكافحة غسيل الاموال) عمان، خلال الفترة مكن 3-6/4/1422هـ/ الموافق 23-27/6/2001، ص1.

67. هشام غرايبة، المرجع السابق، ص2 وما بعدها.

68. محمد يحيى المحاسنة، جريمة غسيل الاموال في التشريعات العربية كشف وملاحقة جريمة غسيل الاموال، اكاديمية نايف للعلوم الامنية بالتعأون مع مديرية الامن العام بالمملكة الاردنية الهاشمية، الحلقة العلمية (اساليب مكافحة غسيل الاموال) خلال الفترة من 3-6/4/1422هـ/ الموافق 23-27/6/2001، عمان، ص6.

69. يونس عرب، المرجع السابق، ص22.

70. خالد السقاف، غسل الاموال، مجلة البنوك في الاردن، العدد الثامن، المجلد التاسع عشر، تشرين أول، 2000، ص64.

71. نائل عبد الرحمن صالح، جرائم تبييض الاموال وواقعها في القوانين الاردنية، محاضرات ألقاها على طلبة الماجستير في كلية الحقوق، الجامعة الاردنية، ضمن مساق الجرائم الاقتصادية، وذلك في الفصل الثاني، لعام 2001، ص28.

72. انظر المادتين (8/ب-9/ج) من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الاردني.

73. نائل عبد الرحمن صالح، المرجع السابق، ص29.

74. نائل عبد الرحمن صالح، المرجع السابق، ص31.

75. حول تعريف الموظف العام، انظر: علي خطار شطنأوي، دراسات في الوظيفة العامة، منشورات الجامعة الاردنية، عمادة البحث العلمي، عمان، الاردن، 1999، ص18 ومابعدها.

76. نائل صالح، المرجع السابق، ص30-31.

77. نائل عبد الرحمن صالح، المرجع السابق، ص33، وما بعدها.

78. انظر في ذلك، نائل عبد الرحمن صالح، الحماية الجزائية للمستهلك في القوانين الاردنية، مجلة الحقوق، مجلة فصلية محكمة تعنى بالدراسات القانونية والشرعية، الكويت، 2001، ص99، وما بعدها.

79. رمزي نجيب القسوس، غسيل الاموال جريمة العصر (دراسة مقارنة)، دار وائل للنشر، عمان، 2002، ص89 وما بعدها.

80. وهو القرار الخاص بمكافحة الإرهاب وتجميد أموال المنظمات الارهابية الذي اتخذه المجلس في جلسة رقم (4385)، المعقودة في 28/9/2001م.

81. حول الجهود الدولية لغسيل الأموال، انظر: هشام حسين النسور، التطور التاريخي لعملية غسيل الأموال وحراك الأموال أماكن الغسل، وعلاقة هذه الجريمة، بجرائم المخدرات والجرائم الأخرى، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية بالتعأون مع مديرية الأمن العام بالمملكة الأردنية الهاشمية، الحلقة العلمية (اساليب مكافحة غسيل الاموال) خلال الفترة من 3-6/4/1422هـ (الموافق 23-27/6/2001) عمان، ص7 وما بعدها. انظر ايضا، هشام النسور، وسائل الكشف عن عمليات تبييض الأموال المتأتية عن الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤتمرات العقلية، مديرية الأمن العام، الاردن، 1994.

82. غالب الدأودي، دور المؤسسات التعليمية في مكافحة الجرائم المنظمة، مجلة الشرطة، العدد (273)، ذي الحجة 1422هـ - الموافق آذار 2002م، الاردن/ص56.

83. غالب علي الدأودي، ماذا اعد المشرع الاردني من تشريعات لمكافحة وملاحقة الجرائم الاقتصادية المنظمة، مجلة الشرطة، العدد (276)، ربيع الأول 1423هـ، الموافق حزيران 2002، الاردن، 34 و 35.

84. منى الاشقر جبور، ومحمود جبور، تبييض الأموال تعقب الجريمة عبر القنوات المالية، لبنان، بيروت، 2002، ص22.

85. رياض سلامة، مجلة اتحاد المصارف العربية، شباط، فبراير، 2002، ص9، انظر ايضا جدول رقم (1) بشأن القوانين التي تتعلق بمكافحة تبييض الأموال، وجدول رقم (2) بشأن تعاميم مصرف لبنان التي تهدف الى مكافحة تبييض الاموال بصورة مباشرة أو غير مباشرة / وجدول رقم (3) بشأن اعلام هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال اتحاد المصارف العربية، المرجع السابق ص11، 12، 13.

86. أسست هذه الوحدة من قبل مصرف الامارات العربية المتحدة المركزي في يوليو/تموز عام 1999، وكانت تسمى (وحدة استخبارية مالية) الى ان غير اسمها عام 2000.

87. انظر، مجلة اتحاد المصارف العربية، شباط، فبراير، 2002، ص19 وما بعدها.

88. احمد سفر، تشدد المجتمع الدولي في مكافحة تبييض الأموال، اتحاد المصارف العربية، شباط/ 2002، ص25.

تعليقات