القائمة الرئيسية

الصفحات



اعادة المحاكمة في قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني د. محمد سعيد نمور





اعادة المحاكمة في قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني

د. محمد سعيد نمور
مقدمة

يقتضى النظام العام، تحقيقا للطمأنينة بين الافراد وضمانا للعدالة، وضع حد للخصومة الجنائية بصدور حكم قطعى فى الدعوى(1) يكون له حجية وقوة الشيء المحكوم فيه(2) وهذا يعنى ان يكون لهذا الحكم القطعي الفاصل فى الدعوى الجنائية اثاره فى انهاء هذه الدعوى، من حيث كونة عقبة قانونية تعترض طريق اى اجراء يراد به اعادة البحث فيما فصل فيه الحكم، وايضا من حيث كونة سندا لاجراءات تنفيذ العقوبة بحق من قضى عليها بها(3)، ليتحقق بذلك مبدأ الاستقرار القانونى داخل المجتمع(4) ذلك ان الحكم الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه يصبح رمزا للصواب وعنوانا للحقيقة، بحيث لايجوز بعد ذلك البحث عن حقيقة اخرى
غير التى عبر عنها(5) وبهذا فان الحكم القطعى والحائز لقوة الامرالمقضي به ينطوي على مبدأين : اولهما سلبي ويتمثل في عدم جواز نظر الدعوة امام محكمة اخرى وثانيهما ايجابي، وهو افتراض الحقيقة فيما قضى بة الحكم(6) والحكم القضائي(7) الحائز لقوة الامر المقضي به، وهو الحكم القطعى(8) الصادر عن سلطة الحكم المختصة قانونا، ويفصل فى موضوع الدعوى الجزائية المرفوعة بشأن ارتكاب جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات او القوانين الجزائية المكملة له، يستوى فى ذلك ان يكون هذا الحكم صادرا عن المحكمة العادية او المحاكم الاستثنائية او الخاصة(9). ومن ناحية اخرى، فانة يقصد بتعبير الحكم القطعى الحكم الغير قابل للطعن فيه inattaquable  او الحكم البات irrevocable، وهو الحكم الذى استنفدت فى شأنه او سدت فى سبيله كافة طرق الطعن(10) فيصبح ذا قوة من حيث التنفيذ نظرا لانة غير قابل للطعن فيه، وهو يحوز بذلك قوة الشئ المحكوم فيه، وتنقضى به الدعوى الجزائية، واذا صدر حكم قطعي بالادانة، كان هذا الحكم سندا تنفيذيا ينشئ للدولة سلطة توقيع الجزاء على من ادين بارتكاب الجريمة وحكم عليه بالعقوبة الملائمة لها، وفى نفس الوقت فان الحكم يرتب التزاما على المحكوم عليه بتلقي العقوبة المحكوم عليه بها(11) وعلى ذلك فان، توقيع العقوبات المقررة قانونا بالنسبة لمختلف الجرائم يكون غير جائز الا بمقتضى حكم صادر من المحكمة المختصة بذلك، شريطة ان يكون ذلك الحكم واجب التنفيذ(12) وهو لا يكون كذلك الا حين يكتسب قوة الشئ المقضي به(13) واذا ما اصبح الحكم قطعيا او مبرما فانة لايجوز التعرض له مرة اخرى لان القضية المبرمة حرمتها، وأن ما جاء فى القرار القطعي هو القول الفصل الذى يضع نهاية لخصومة، فلا يظل باب النزاع مفتوحا الى مالانهاية، ولاشك ان اقفال باب الخصومة لصدور حكم قطعي، هو امر تقتضية المصلحة الاجتماعية التى تستوجب ان يأتى على الدعوى العامة وقت ينتهي فيه كل خلاف حولها(14) وهذه المصلحة الاجتماعية التى تتحقق من الاستقرار القانوني الناجم عن صدور حكم قطعى او مبرم وبات، هى نفسها التى تقتضي حماية المجتمع من وضع تأباه العدالة عند ثبوت خطأ موضعى شاب هذا الحكم(15) لذا، فقد رأى المشرع، بأن المبالغة فى احترام الحكم المبرم _ رغم ثبوت خطئة _ فيه اساءة للمحكوم عليه وذويه، لانه يفقدهم الشعور بالثقة فى العدالة التى يجب ان تكون دوما صوتا للحق(16) وهكذا فقد ترك المشرع منفذا للمحكوم عليه الذى صدر بحقه حكم مبرم شابه خطأ، لكى يتخلص من اثار هذا الحكم الظالم عن طريق اعادة المحاكمة. وعلى ذلك فأساس اعادة المحاكمة هو "ابراز الحقيقة الموضوعية، وتغليبها على الحقيقة الشكلية المستفادة من حجية الاحكام، حيث توجب العدالة هذا التغليب(17) وهذا يعني بأن اعادة المحاكمة بعد صدور حكمم قطعي وحائز لقوة الامر المقضى به، فيه اهدار لحجية هذا  الحكم، وذلك لغايات صلاح الخطأ القضائى فى حالة وقوعة، ولاشك أن هذه الغاية تقوم على اعتبارات اقوى من تلك التى توجبها حجية الاحكام القطعية(18) اذ ان ترك الحكم القطعى على حالة، رغم ما يشوبة من خطأ، فيه عدوان على العدالة واهدار لها، ولايجوز التذرع بالقول بأن الحكم اصبح قطعيا فلم يعد من الممكن النظر فى القضية مجددا، لذا فقد شرع نظام اعادة المحاكمة، لاصلاح الخطا القضائي المتجسم فى ذلك الحكم(19) ولا محل للقول بأن نظام اعادة المحاكمة يودي بيهبة الحكم القطعى، فالسماح باصلاح الاخطاء القضائية الجسيمة هو على العكس من ذلك. اذ يقوى من احترام الاحكام ويضاعف من الثقة التى يجب ان تتمتع بها(20) هذا بالاضافه الى الحكم القضائي المشوب بخطأ، من شأنه ان يلهب مشاعر الجمهور(21) نظرا لما فيه من تجريح للشعور بالعدالة مما يستوجب طريقة لازالة اثار هذا الخطأ القضائي الذى يشوب الحكم القطعي، وهو خطأ محتمل دائما، لان الحكم الضائى من صنع البشر(22) لذا فقد اجاز المشرع _ تحقيقا للعدالة والانصاف طلب اعادة المحاكمة بالنسبة للاحكام الصادرة بالعقوبة بعد صيرورتها قطعية , لاصلاح ما يشوبها من خطا موضعي(23) والمشرع بهذه الطريقة يكون قد غلب الاعتبارات الاجتماعية لارضاء الشعور العام بالعدالة الذي تأذى من الحكم القضائي الخاطئ بالادانة، على الاعتبارات التى تستوجب احترام الحكم القطعي وما يحمله من قرينة الحقيقة لان ارضاء الشعور بالعدالة لدى الناس هو السند الحقيقي للاستقرار القانونى والاطمئنان الاجتماعى الى ثبات المركز القانونية(24) ولان العدالة فى رفع الغبن عن المحكوم عليه اولى من التمسك بقوة الحكم(25) وفي هذا المعنى قد بينت محكمة التمييز قصد المشرع من وراء ايجاد نظام اعادة المحاكمة بقولها :"ان قصد المشرع من اعادة المحاكمة هو اثبات براءة المحكوم عليه والحكم ببراءته واعلان ذلك بنشر حكم البراءة على الملأ(26).
وتمشيا مع الروح السائدة فى التشريعات الحديثة، فقد تعرض المشرع الاردنى لنظام اعادة المحاكمة باعتباره احد الطرق غير العادية للطعن فى الاحكام الجزائية(27) وعالج قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 9 لسنة 1961 موضوع اعادة المحاكمة فى المواد من 292 الى 298. ولم يقتصر المشرع الاردنى على نظام اعادة المحاكمة بل انه اوجد طريقا اخر للطعن في الاحكام الجزائية القطعية وهو النقض بأمر خطي الذى ورد فى المادة 291 من قانون اصول المحاكمات الجزائية نفسة. كما ان موضوع اعادة المحاكمة يكتسب اهمية خاصة فى الوقت الراهن، لانه وتنيجة لانهاء الاحكام العرفية فى الاردن. فقد صدر القانون رقم 2 لسنة 1992 الذى يجيز اعادة المحاكمة فى احكام المحاكم العرفية العسكرية الصادرة بصورة قطعية، علما انة وقبل صدور هذا القانون لم تكن هذه الاحكام قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية والغير العادية. وبصدور القانون المشار اليه انفا اصبح من الممكن الطعن فى عشرات الاحكام التى صدرت عن المحاكم العرفية منذ عام1967الذى تقرر فية العمل بالاحكام العرفية.
ونظرا لاهميه هذا الموضوع وخطورته، وضرورته كأسلوب يلجأ اليه لتحقيق العدالة ورفع الظلم الذى يقع نتيجة لحكم قطعي خاطئ بالادانة، ونظرا لانه يستحق عناية اكبر تتناسب مع ما هو جدير به من بحث وتحليل عملي، مما دفعني لطرق موضوع اعادة المحاكمة والكتابة فيه من اجل ابراز معالمة، وتوضيح كافة جوانبه من النواحى الفقهية والقضائية لالقاء مزيد من الضوء عليه وبيان موقف المشرع الاردنى من هذا الاسلوب غير العادي من اساليب الطعن بالاحكام الجزائية وكذلك موقف بعض القوانين العربية الاخرى والقانون الفرنسي فى هذا الصدد.
خطة البحث
يجرى تقسيم هذه الدراسة الى فصل تمهيدي يتبعه اربعة فصول اخرى حيث يخصص الفصل التمهيدي لبيان التطور التاريخى لاعادة المحاكمة، بينما تتم دراسة ماهية اعادة المحاكمة فى الفصل الاول، ثم حالات اعادة المحاكمة فى الفصل الثاني، وفى حين يخصص الفصل الثالث لبيان اجراءات اعادة المحاكمة، اما فى الفصل الرابع والاخير فنبين فيه اثار الطعن باعادة المحاكمة، ثم ننهي البحث بخاتمة له.


فصل تمهيدي
التطور التاريخى لنظام اعادة المحاكمة

لابد قبل دراستنا لموضوع اعادة المحاكمة من القاء الضوء على التطور التاريخي لهذا النظام، لان فهم اي موضوع فهما جيدا  لايتم الا من خلال معرفة تاريخة.
يرجع نظام اعادة المحاكمة في جذورة الاولى الى القانون الروماني، حيث وجدت في هذا القانون بعض النظم التي تسمح الى _ حد معين _ باصلاح الاخطاء القضائية في الاحكام، وهذه النظم كانت في حقيقتها طرق طعن في الاحكام الجزائية الصادرة بالادانة(28) اذ ظهر في عهد الامبراطورية طريق الطعن بالاستئناف، وكان الامبراطور هو قاضي الاستئناف، وفيما بعد فوض الامبراطور وظيفتة الى بعض الحكام في العاصمة واصبح هو قاضي الاستئناف الاعلى. وكان يمكن اللجوء الى الامبراطور(قاضي الاستئناف الاعلى) لإلغاء بعض احكام الادانة الصادرة عن الحكام الذين فوضهم، حتى ولو كانت هذه الاحكام غير قابلة للاستئناف مثل جرائم القتل والتسمم والزنا اذا وجد اعتراف كامل من المتهم او كانت الادلة واضحة(29) حيث ان  هذه الاحكام كانت تصدر باسم الامبراطور، ومن ثم فان الامبراطور نفسه هو الذي يستطيع الغاءها بناء على التماس supplication من المحكوم عليه. وهكذا، فان اعادة النظر في الاحكام الجزائية كانت ترجع دائما لارادة الامبراطور وتدخل ضمن سلطاتة المطلقة(30) وذلك بهدف اصلاح ما بهذه الاحكام من اخطاء ان وجدت.
وفي ظل القانون الفرنسي القديم، كانت طرق الطعن في الاحكام هي نفسها في القضايا الجزائية والقضايا المدنية، وكان يمكن الطعن بالحكم الجزائي مختلفا عن الطريق الطعن بالاستئناف. اذ لم تكن التفرقة معروفة بين طرق الطع العادية وطرق الطعن الغير العادية، ولا بين الطعن بسبب الخطأ في الوقائع وطرق الطعن بسبب الخطا في القانون. وبصدور الامر الملكى سنة 1670، اختفى هذا الخلط حيث اوجد هذا الامر طرق الطعن باعادة النظر بمعناه الحقيقى(31) اذا استخدم الامر الملكى المذكور عبارة(خطابات اعادة النظر letters de revision) وهي عبارة عن خطابات يمنحها الملك لاعادة فحص الخصومة الجزائية من جديد بقصد الغاء الحكم بالنسبة لشخص قضى عليه حضوريا بموجب حكم صادر من اخر درجة(32). ولم يكن نظام اعادة النظرفي ذلك الحين يضع اي قيود على حق منح اعادة النظر. وكان التماس اعادة النظر يقدم الى الملك حيث يتم تحويل الطلب الى مجلس الملك. وقد كانت اعادة النظر في الحكم في حالة الموافقة عليها تعتبر نوعا من العفو الخاص يمنحة الملك (32) وكان يجوز طلب اعادة النظر حتى بعد وفاة المحكوم عليه، كما لم تكن هنالك مدة لتقادم هذا الطلب. ولم تكن هناك حالات محددة لطلب اعادة النظر كما هو الحال في التشريعات الحديثة وعلى هذا فان نظام اعادة النظر كان يعتبر في الفترة الواقعة من عام 1670 وحتى قيام الثورة الفرنسية في عام 1789، احد طرق الطعن في الاحكام الجزائية القطعية ويقصد منة اصلاح الخطأ القضائي الذي يشوب هذه الاحكام(34).
اما في ظل تشريعات الثورة الفرنسية فقد الغي طريق اعادة النظر من طرق الطعن بالاحكام، وكان ذلك يعود لاسباب منها:ان كثرة الاخطاء القضائية قبل الثورة كان مردها الى فساد الاجراءات الجنائية وانة وبعد الثورة واثر ما تم من اصلاحات تشريعية، فان حالات الخطأ الجزائي قد اختفت كما كان يعتقد مشرعو الثورة الفرنسية. وهنالك سبب اخر دعا الى الغاء نظام اعادة النظر وهو ان مبدا شفوية المرافعة الذي اخذت به الثورة لايتفق مع فكرة اعادة النظر، لان معرفة الخطأ الجزائي يصبح امرا مستحيلا طالما ان اسباب الحكم لا تبنى على ما هو ثابت بمحاضر الاجراءات. ومن اجل هذه الاسباب وغيرها(35) فان الجمعية التأسيسة قد الغت الطعن باعادة النظر ضمنا، حيث ان المرسوم الصادر في 19/8/ 1792 جعل من غير الجائز قبول اي طلب لاعادة النظر باستثناء بعض الحالات التي قدم فيها طلب اعادة النظر قبل العمل بهذا المرسوم وذلك احتراما لمبدا عدم رجعية القوايين، بل انة وحين صدر تقنين  الجرائم والعقوبات في السنة الرابعة للثورة لم يتضمن اي اشارة الى الطعن بطريق اعادة النظر(36).
وقد اظهر العمل فيما بعد حاجة ماسة الى نظام اعادة النظر في الاحكام، اذ ان الاخطاء القضائية التي حدثت كان لابد لها من طريق لاصلاحها لذا وحين صدر قانون تحقيق الجنايات الفرنسي في سنة 1807 نص على اعادة النظر كطريق  من طرق الطعن في الاحكام في المواد من 443 – 447 اوجد ثلاث حالات يمكن فيها الطعن باعادة النظر وهذه الحالات هي حالة تناقض الاحكام التي نص عليها مرسوم 15/5/1793، وحالة اكتشاف وجود المدعي بقتلة حيا، واخيرا حالة الحكم بادانة احد شهود الاثبات لارتكابة جريمة شهادة الزور.
وبعودة قانون تحقيق الجنايات الفرنسي الى الاخذ بنظام اعادة النظر، فانة قد حاول ان يوفق بين اتجاهين متعارضين كان المشرع قد تبناهما كلا على حده، وكان الاتجاه الاول يتمثل بنزعة المشرع الفرنسي القديم الذي فتح باب اعادة النظر على مصراعية واجازة في جميع الحالات، بينما يتمثل الاتجاة الثاني بنزعة مشرع الثورة الفرنسية الذي الغي هذا الطرق من طرق الطعن(37)
وقد تدخل المشرع الفرنسي، لتلافي بعض جوانب النقص في نظام اعادة النظر، فصدر قانون 9/6/ 1867 الذي سمح باعادة النظر بعد وفاة المحكوم عليه، وكان ذلك بسبب ما يسمى قضيه ساعي بريد ليون(38) كما صدر بعد ذلك قانون 8/6/1895 الذي اضاف حالة جديدة الى حالات طلب اعادة النظر وهي حالة حدوث او ظهور واقعة جديدة.
وحين صدر قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي في 31/12/ 1957 قد نص على طلب اعادة النظر في المواد من 622- 626، وهي نفس حالات واجراءات اعادة النظر التي تضمنها قانون تحقيق الجنايات الملغى(39).
وفي مصرفان قانون تحقيق الجنايات المصري الصادر في سنة 1883 وكذلك قانون تحقيق الجنايات الصادر سنة 1903قد اخذ باحكام قانون تحقيق الجنايات الفرنسي، الان هذان القانونين قد اقتصر كل منهما في نصوصة على ثلاث حالات فقط(40) من حالات اعادة المحاكمة التي يسميها (اعادة النظر)واغفل الحالة الرابعة وهي حالة حدوث او ظهور واقعه جديدة ومن اجل ذلك وحين صدور قانون الاجراءات الجنائية المصري بالقانون رقم 105 لسنة 1950 فقد اضيف الحالة الرابعة "الواقعة الجديدة "التي اخذ بها المشرع الفرنسي، كما اضيفت حالة خامسة لم ينص عليها المشرع الفرنسي، وهي حالة اذا كان الحكم مبنيا على حكم صدر من محكمة مدنية او من احدى محاكم الاحوال الشخصية والغى هذا الحكم(41).
اما في العراق فقد ادخل نظام اعادة المحاكمة في قانون اصول المحاكمات الجزائية البغدادي الملغى بقانون معدل للقانون المذكور وهو القانون رقم 63 لسنة 1950 وقبل هذا التعديل لم يكن من الممكن اصلاح الخطأ القضائي، لمن حكم عليه خطأ بالادانة بحكم بات الا عن طريق الحصول على عفو ملكي خاص(42) وقد نص قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي الحالي رقم 23 لسنة 1971على نظام اعادة المحاكمة. وكذلك فعل المشرع اللبناني والسوري كما ان المشرع الليبي قد نقل بدورة موضوع اعادة المحاكمة حرفيا عن القانون المصري وسماة الاسم نفسة فاطلق عليه تسمية اعادة النظر(43).
 وفي الاردن فقد صدر القانون رقم 76 لسنة 1951 وتم تطبيقة كقانون مؤقت حتى عام 1961 حيث صدرقانون اصول المحاكمات الجزائية السوري المأخوذ عن قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي(44).
بعد ان استعرضنا التطور التاريخي لنظام اعادة المحاكمة او اعادة النظر في الاحكام الجزائية القطعية، وبعد ان بينا كيف ظهر هذا النظام، لابد لنا من ان نفرق بينة وبين طرق الطعن الاخرى والنظم القريبة والشبة به لتحديد ماهيتة بصورة ادق، وما سنتناولة في الفصل الاول من هذه الدراسة.


الفصل الاول
ماهية اعادة المحاكمة

اعادة المحاكمة عبارة عن نظام يستهدف رؤية الدعوة الجزائية التي حكم بها سابقا مرة اخرى بعد ان يكون الحكم قد استنفذت فيه جميع طرق الطعن او بعد فوات المدة القانونية للطعن فيه. وطلب اعادة المحاكمة وهو طريق غير عادي للطعن في الاحكام القطعية الصادرة بعقوبة جزائية لغرض تصحيح الاخطاء القضائية التي تشوب الحكم الذي اكتسب قوة الامر المقضي به واصبح قطعيا(45) لاثبات براءة المحكوم عليه(46). ولان نظام اعادة المحاكمة احد الطرق الغير عادية، كما اسلفنا فانه يتميز بطبيعة الحال عن طرق الطعن الاخرى التي نص عليها المشرع، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فانة يجب التفرقة بين اعادة المحاكمة وبين النظم التي قد تتشابه معه، وسنوضح هذه التفرقة في المبحثين التاليين، لنتمكن من تحديد ماهية اعادة المحاكمة.
المبحث الاول
التفرقة بين اعادة المحاكمة وطرق الطعن الاخرى

يتمتع افراد الخصومة الجزائية بكثير من الضمانات في جميع مراحل الدعوى حتى لابد ان برئ او يفلت مجرم من العقاب. وبالرغم من ذلك، فقد يصدر حكم ويكون مشوبا بخطأ. لذا فقد  اوجد القانون طرقا للطعن في الاحكام وهذه الطرق ماهي الا وسائل يستطيع صاحب الشأن اللجوء اليها للتظلم من الحكم امام المحكمة ذاتها التي اصدرت هذا الحكم، او امام محكمة اعلى منها، وذلك بقصد ابطاله او الغائة لمصلحتة(47).
وقد اوجد المشرع الاردني طرقا متعددة للطعن بالاحكام الجزائية، وهذه الطرق تنقسم الى قسمين طرق طعن عادية، وطرق طعن غير عادية اما طرق الطعن العادية بالاحكام فهي الاستئناف والمعارضة. في حين ان طرق الطعن الغير العادية هي الطعن تمييزا، والنقض بأمر خطي، واعادة المحاكمة(48). وعلى هذا فان اعادة المحاكمة تعتبر الطريق الثالث من طرق الطعن الغير عادية في الاحكام الجزائية في القانون الاردني(49)، وتتميز طرق الطعن الغير عادية في انها لاتقبل الا في الاحوال التي يحددها القانون على سبيل الحصر، في حين ان طرق الطعن العادية يجيزها القانون ايا كان سبب الطعن فهي تقبل في جميع الاحوال اذا قدمت في الميعاد القانوني، اذ ان المقصود منها هو تجديد النزاع او الحكم به من جديد(50).


المطلب الاول
الفرق بين اعادة المحاكمة وطرق الطعن العادية

بينا انفا ان طرق الطعن العادية هي الاستئناف والاعتراض ويختلف كل طريق من هذين  الطريقين من طرق الطعن عن طلب اعادة المحاكمة، وذلك على النحو التالي :

اولا :اعادة المحاكمة والطعن والاستئناف
ان طلب اعادة المحاكمة يختلف عن الطعن  بالاستئناف L’Appel من حيث القواعد التي يخضع لها كل منهما. فالطعن بالاستئناف يجوز حين يشوب الحكم خطأ واقعي او خطأ قانوني(51)، اما اعادة المحاكمة فتفترض خطأ واقعيا يشوب الحكم، وتفترض ايضا ظهور واقعة جديدة ظهرت بعد صدور الحكم المطعون فيه وكانت هذه الواقعة مجهولة لدى القضاة الذين اصدرو الحكم. اما في حالة الاستئناف فانه يجوز ان يستند الى واقعة كانت معروضة على هؤلاء القضاة وقالو فيها رأيهم ولكن المستأنف يعيد عرضها على قضاة الاستئناف لعدم قناعتة بما حكم به قضاة الدرجة الاولى(52) كما ان الاستئناف يجوز في جميع الاحكام سواء كانت صادرة بالبراءة او بالادانة. اما اعادة المحاكمة فلا تجوز الا في حالة الحكم الصادر بالادانة. كما ان اعادة المحاكمة تفترض دائما صدور حكم قطعي بالادانة في حين يفترض الاستئناف صدور حكم ابتدائي(53). اي صدور حكم نهائي لم يكتسب الدرجة القطعية. فان اصبح هذا الحكم قطعيا بفوات الميعاد الذي حدده المشرع للطعن بالاستئناف فان الاستئناف يرد شكلا (54).

ثانيا : اعادة المحاكمة والطعن بالاعتراض على الحكم الغيابي
يختلف طلب اعادة المحاكمة عن الطعن بطريق الاعترض opposition I الذي يخول للمحكوم عليه غيابيا الطعن بالحكم الصادر ضده اما نفس المحكمة التي اصدرت  الحكم فقد نصت المادة /184 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني على ان للمحكوم عليه الذي صدر بحقة حكم غيابي ان يعترض على هذا الحكم في ميعاد عشرة ايام من تاريخ تبليغة الحكم، وذلك باستدعاء يرفعة الى المحكمة التي اصدرت الحكم اما مباشرة واما بواسطة محكمة موطنة. والحكمة من ايجاد طريق الاعتراض هو ان المحكوم عليه بحكم غيابي لم يدل باقوالة ولا دفاعه امام المحكمة(55). لذا فان من العدل ان يتاح للمحكوم عليه طريق الاعتراض وهو بمثابة تظلم يقدم لنفس المحكمة التي فصلت في الدعوى(56). لتعيد النظر فيها مرة اخرى(57). اما في حالة طلب اعادة المحاكمة، فان الامر يختلف تماما، اذ ان المحكوم عليه يكون قد صدر بحقة حكم بالادانة اكتسب الدرجة القطعية، ولكن ولخطأ في الوقائع ولظهور واقعة جديدة، فقد اوجد  المشرع طريق الطعن بطلب اعادة المحاكمة، ايا كانت صفة الحكم الصادر بالادانة، سواء كان واجاهيا او بمثابة الوجاهي او كان غيابيا، فهذه الاحكام جميعها تقبل الطعن باعادة المحاكمة شريطة ان تكون قطعية اي غير قابلة للطعن بطريق اخر كالاعتراض او الاستئناف او التمييز.


المطلب الثاني
الفرق بين اعادة المحاكمة وطرق الطعن الغير عادية

ان طرق الطعن الغير عادية في قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني هي الطعن بالتمييز او النقض بأمر خطي واعادة المحاكمة، وتبدو اهمية التفرقة بين بين طرق الطعن العادية والغير العادية هو انه لا يمكن اللجوء الى هذه الاخيرة مباشرة بل يجب اللجوء الى الطرق العادية اولا، لان التمييز والنقض بامر خطي واعادة المحاكمة لا يلجأ اليها الا  اذا فشلت الطرق العادية في اصلاح الحكم(58). كما ان الطرق العادية يمكن اللجوء اليها في الميعاد القانوني المحدد لها دون قيد ولا شرط ويترتب عليها حتما تجديد النزاع واعادة الحكم فيه. اما طرق الطعن العادية فهي لاتقبل من المحكوم عليه الا اذا توافرت حالات معينة وردت في القانون على سبيل الحصر(59)

اولا: اعادة المحاكمة والطعن بالتمييز
بالاضافة الى كلا من اعادة المحاكمة والطعن بالتمييز La cassation طريق غير عادي للطعن بالاحكام (60) وان محكمة التمييز هي المختصة بالنظر فيهما، الا ان الفرق بينهما يكمن في ان الطعن بالتمييز يقصد منه اصلاح خطأ قانوني، او خطأ في تكييف الواقعة. اذ ان وظيفة محكمة التمييز هي مراقبة محكمة الموضوع في تطبيقها للقانون ومراقبة صحة الاجراءات التي اتبعتها في نظر الدعوى وفي الحكم فهيا والتي اوجب القانون مراعتها(61) اما طلب اعادة المحاكمة فمن شأنة اعادة النظر في الدعوى بناء على ظهور عنصر جديد او واقعة جديدة بعد صيرورة الحكم قطعيا او باتا، اذ يمكن بناء على هذا العنصر او هذه الواقعة، تغيير الحكم الذي توصل القضاء تغييرا تاما. كما ان هناك فارقا اخر يميز الطعن بالتمييز عن اعادة المحاكمة وهو ان الطعن بالتمييز لا يجوز الا في حكم اخر درجة شريطة  ان لايكون هذا الحكم قد اصبح قطعيا بعد. اما في حالة اعادة المحاكمة فانة يمكن ان يطعن به في حالة الحكم البات الصادر بالادانة ان توافرت شروطة(62) كما ان للطعن بالتمييز مواعيد محددة يتعين في خلالها استعمالة، في حين ان اعادة المحاكمة لاتخضع لمثل هذا القيد ولايقيد الطعن فيها باي ميعاد(63).

ثانيا : اعادة المحاكمة والنقض بامر خطي
هذا الطريق الغير عادي من طرق الطعن بالاحكام هو اقرب الطرق واكثرها شبها بطريق الطعن باعادة المحاكمة. فقد اجاز المشرع الاردني الطعن بامر خطي بالنسبة للقرارات والاحكام التي اكتسبت الدرجة القطعية لوقوع اجراء فيها مخالف للقانون او لصدور حكم او قرار مخالف للقانون، شريطة ان لا تكون محكمة التمييز قد سبق لها التمييز التدقيق في الاجراء او القرارالمطعون فيه(64). والنقض بأمر خطي هو كاعادة المحاكمة طريق خاص واستثنائي، فلا يجوز اللجوء لأي منهما الا اذا سدت جميع ابواب الطعن العادية(65) حيث لايجد الطاعن من سبيل امامة للطعن بالرغم من الضرر الذي اصابة من جراء حكم غير صحيح او ظالم تعرض له دون وجه حق، فاوجد المشرع بابا ينفذ منه ليصل الى العدالة المنشودة التي يبتغيها. واذا كان طلب اعادة المحاكمة محددا بحالات وردت على سبيل الحصر، فان النقد بامر خطي جائز حين لاتنطبق الحالة المطعون فيها على اي من الحالات الاربع في اعادة المحاكمة، وعندئذ يجوز للطاعن اللجوء لطريق النقض بأمر خطي، بشرط ان لاتكون محكمة التمييز قد نظرت في الموضوع نفسة ومعنى هذا  ان النقد بأمر خطي قد وجد للطعن بالاحكام النهائية التي اكتسبت الدرجة القطعية بعد فوات ميعاد الطعن فيها، وان تكون اصلا غير قابلة للطعن فيها باي طريق من طرق الطعن، كما هو الحال بالنسبة لاحكام المحاكم الاستثنائية التي تصدر احكاما تصبح قطعية بمجرد المصادقة عليها من جهه معينه، وعندئذ لايجد المحكوم عليه من سبيل امامة الا نقض الحكم بأمر خطي ان وجد فيه خطأ في الاجراءات او كان الحكم مخالفا للقانون، فيلجأ لمحكمة التمييز وهي المحكمة العليا التي اعطاها المشرع صلاحية النظر بهذا النوع من الطعون، وهي بهذا تمارس تفسيرها لنصوصة، اذا يقصد من النقض بامر خطي المحافظة على  حكم القانون وسلامة وتأويله وتفسيره، دون المساس بالحقوق المكتسبة للمتهم(66).
مماسبق بيانة، نجد ان الذي يجمع بين اعادة المحاكمة والنقض بأمر خطي هو ان كلا النظامين قد وجد بهدف تغليب الحقيقة الموضوعية على الحقيقة الشكليه المستفادة من حجية الاحكام، وذلك انتصارا للعدالة التي ينبغي ان تكون دوما الهدف الاكبر من وراء تطبيق القانون، والتي تقدم دائما وابدا على اي اعتبار اخر وحتى على مبدأ الاستقرار القانوني الذي ينجم على صيرورة الحكم قطعيا واكتسابه لحجية وقوة الامر المقضي به(67).

المبحث الثاني
التفرقة بين اعادة المحاكمة والنظم المشابهة له

اوجد المشرع بعض النظم التي من شأنها اما الغاء العقوبة كالعفو الخاص عن العقوبة او من شأنها الغاء الصفة الجزائية عن الفعل كالعفو العام، ام من شأنها الغاء الحكم بالادانة كنظام اعادة الاعتبار، وهي جميعها تختلف عن نظام اعادة المحاكمة الذي يعتبر – كما قلنا انفا- طريقا من طرق الطعن بالاحكام والذي قد يترتب عليه الغاء الحكم ومحو اثاره بالنسبة للماضي والمستقبل(68) لثبوت خطأ قضائي. اما العفو الخاص والشامل وكذلك اعادة الاعتبار فسيتفيد منها المتهم الذي صدر بحقة حكم صحيح وعادل لايشوبه اي خطأ(69).

اولا: اعادة المحاكمة والعفو الخاص عن العقوبة
ورد النص على العفو الخاص عن العقوبة في المادة / 51 من قانون العقوبات الاردني، حيث يعطي القانون لجلالة الملك صلاحية منح العفو الخاص بناء على تنسيب مجلس الوزراء مشفوعا برأية، حيث يمكن أن يمنح العفو الخاص عن العقوبة بالنسبة لمن صدر بحقة حكم مبرم، ومن شأن العفو ان يسقط العقوبة كلها او ابدالها بعقوبة اخرى كليا او جزئيأ. والعفو الخاص هو نوع من الرحمة بالمحكوم عليه يمنحة رئيس الدولة للمحكوم عليه، فيعفيه من العقوبة كلها او بعضها، وهو لايؤثر في حكم الادانة. فالعفو الخاص لايمحو هذا الحكم ولا يؤثر في الصفة الجرمية للفعل الذي صدر بسببة الحكم بالادانة(70)، اذ هو حق تملكة السلطة التنفيذية في حين ان نظام اعادة المحاكمة، هو عمل قضائي، لانة طعن في حكم اكتسب الدرجة القطعية، ومن شأنة طرح هذا الحكم مرة اخرى امام القضاء ليقول فيه رأية. ومن شأن الطعن باعادة المحاكمة، في حالة قبولة، الغاء حكم الادانة والحكم ببراءة المحكوم عليه(71).


ثانيا : اعادة المحاكمة والعفو العام
العفو العام او الشامل هو عمل تشريعي، وليس عملا قضائيا كما هو الحال قي اعادة المحاكمة، وقد ورد  النص عليه في المادة /50 من قانون العقوبات الاردني، حيث جاء فيها ان العفو العام  يصدر عن السلطة التشريعية ومن شأنه ان يزيل حكم الاجرام من اساسها، اي انه يمحو عن الفعل صفته الجرمية، ويعطل احكام قانون العقوبات فلا تنطبق على هذا الفعل، والذي يجمع بين نظام اعادة المحاكمة والعفو العام وان كلا منهما يزيل حكم الادانة(72) وهما يختلفان من انه في حالة العفو العام، فان محو الصفة الجرمية عن الفعل المسند للمتهم لايعني ان الحكم الصادر بأدانتة كان نتيجة خطأ قضائي والهدف منها صلاح هذا الخطأ، في حين ان العفو العام يكون الهدف منه هو اعتبارات اجتماعية او سياسية، لاسدال ذيول النسيان على جرائم من المصلحة حذفها من ذاكرة المجتمع، وذلك اثر مرور هذا المجتمع بظروف معينة واستثنائية، فيكون من المفيد بعد زوال هذه الظروف اصدار عفو عام يكون من شأنة نسيان احداث الماضي واعادة الاستقرار الى المجتمع(73)

ثالثا : اعادة المحاكمة واعادة الاعتبار
نظام اعادة الاعتبار عبارة عن وسيلة قانونية تهدف الى محو اثار الحكم القضائي بالادانة، وهو يرمي الى ان يعاد الى الفرد وضعة القانوني والاجتماعي الذي فقد اثر ادانته والحكم عليه بسبب ارتكابة لجناية او جنحة(74). ويختلف نظام اعادة الاعتبار عن نظام اعادة المحاكمة في ان الاساس الذي يقوم عليه كل من النظامين مختلف عن الاخر. فاساس اعادة الاعتبار مبني على ثبوت اهتداء المحكوم وصلاحه وجدارته بان ينظر اليه كمواطن صالح تماما كما كان من قبل الحكم عليه بالادانة، اما اعادة المحاكمة فانه يهدف الى اصلاح الخطأ القضائي. كذلك فان اعادة المحاكمة تزيل اثار الحكم بالادانة بالنسبة للماضي والمستقبل فقط(75) وما يجمع بين هذين النظامين هو ان كلا منهما يزيل حكم الادانة وما يرتبط به من اثار قانونية (76).
بعد هذا العرض لماهية نظام اعادة المحاكمة، من حيث التعرفة به واعطاء لمحة تاريخية عنه، والتفرقة بينه وبين النظم الشبيه به، ننتقل في (لفصل الثاني) لدراسة حالات اعادة المحاكمة.


الفصل الثاني
حالات اعادة المحاكمة

تنص المادة /292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني على انه:يجوز طلب اعادة المحاكمة في دعاوي الجنائية والجنحة ايا كانت المحكمة التي حكمت بها العقوبة التي قضت بها وذلك في الاحوال التاليه :
‌أ. اذا حكم على شخص بجريمة القتل وقامت بعد ذلك ادلة كافية تثبت ان المدعى قتله وهو حي.
‌ب. اذا حكم على شخص بجناية او جنحة وحكم فيما بعد على شخص اخر بالجرم نفسه وكان الحكمان لايمكن التوفيق بينهما وينتج عن ذلك ما يؤيد براءة احد المحكوم عليهما.
‌ج. اذا حكم على شخص وبعد صدور الحكم قضى بالشهادة الكاذبة على من كان قد شهد عليه بالمحاكمة فلا تقبل شهادة هذا الشاهد في المحاكمة الجديدة.
‌د. اذا وقع او ظهر بعد الحكم حدث جديد او برزت مستندات كانت مجهولة حين المحاكمة وكان من شان ذلك اثبات براءة المحكوم عليه.
ومن هذا النص يتبين ان نظام اعادة المحاكمة يخضع لشروط عامة محددة وذلك من حيث الاحكام التى يجوز الطعن فيها باعادة المحاكمة وايضا فان لكل حالة من الحالات التي يجوز فيها اعادة المحاكمة شروطها الخاصة بها، لذا فاننا فى هذا الفصل نرى ان نبدأ بدراسة الاحكام التى يمكن ان يطعن فيها باعادة المحاكمة فى مبحث تمهيدى وبعد ذلك ننتقل لدراسة كل حالة من حالات اعادة المحاكمة فى مبحث مستقل.


مبحث تمهيدي
الشروط اللازم توافرها في الاحكام التي يجوز الطعن فيها باعادة المحاكمة

يلزم لقبول طلب اعادة المحاكمة ان تتوافر عدة شروط في الحكم القابل للطعن فيه بهذا الطريق الغير العادي من طرق الطعن بالاحكام، إذ لابد وان يكون الحكم فاصلا في دعوى جزائية وصادر بالعقوبة اثر الادانة بارتكاب جناية او جنحة، وان يكون هذا الحكم باتا.

- الشرط الاول: ان يكون الحكم فاصلا في دعوى جزائية

الاحكام عموما هي القرارات الصادرة عن المحاكم المشكلة تشكيلا قانونيا حيث تقول هذه المحاكم كلمتها بالنسبة للنزاع المطروح امامها(77).
والحكم الجزائي، هو القرار الذي صدر عن المحكمة للفصل في موضوع الخصومة الجزائية التي رفعت اليها بالطرق القانونية(78).
وبهذا المعنى، فان الحكم الفاصل في موضوع الدعوى الجزائية، هو قرار المحكمة المتضمن اعلان ارادتها بتبرئة او بادانة المشتكى عليه في هذه الدعوى(79).
وقد عبر المشرع الاردني عن هذا الشرط باستعمال عبارة" يجوز طلب اعادة المحاكمة في دعاوي الجناية والجنحة"، ومن البديهي ان دعاوي الجناية والجنحة انما ترفع امام المحكمة المختصة لاصدار حكمها في موضوع النزاع. وهو بلا شك نزاع يصطبغ بالصبغة الجزائية.
ولا ينظر عند  تحديد  طبيعة الخصومة الجزائية الى طبيعة الجهة القضائية التي تصدر الحكم. اذ ان الحكم حين يصدر بشأن الدعوى الجزائية يكون حكما جزائيا لو نطقت به محكمة مدنية ما دام انه صدر بمناسبة الدعوى الجزائية المطروحة امامها. وعلى العكس من ذلك. لايعتبر الحكم جزائيا ولو كان صادرا عن محكمة جزائية، اذا كان غير متعلق بالخصومة الجزائية، ومثال ذلك الحكم الصادرمن المحكمة الجزائية في الدعوى المدنية التي رفعت اليها تبعا للدعوى الجزائية. اذ ان الحكم مدني بلا شبهة على الرغم من صدوره عن المحكمة الجزائية. وبالتالي فانه ياخذ بالمعيار المادي لتحديد الصفة الجزائية اوالمدنية للحكم الصادر بغض النظر عن صفة المحكمة التي اصدرتة(80).

وعلى ذلك، فان الحكم الجزائي الصادر بعقوبة اثر الادانة بارتكاب جناية او جنحة يقبل الطعن فيه بطلب اعادة المحاكمة، سواء صدر هذا الحكم عن محكمة جزائية او محكمة مدنية ان كان لهذة المحكمة سلطة الفصل في الموضوع(81).
اما اذا كان الحكم لايفصل في دعوى جزائية، انما كان فاصلا في خصومة مدنية، فان نص المادة/292 لاينطبق عليه، ولايجوز طلب اعادة المحاكمة بموجبة، الا ان هذا لايمنع الخصوم من اللجوء للطعن بطلب اعادة المحاكمة المنصوص عليها في المواد من 312- 222 من قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني ان توافرت الشروط لاتباع هذا الطريق الغير عادي من طرق الطعن في الاحكام(82).
ويقبل الحكم الجزائي الطعن بطلب اعادة المحاكمة سواء كان صادرا من احدى المحاكم العادية – مدنية كانت او جزائية – او كان صادرا من محكمة خاصة او استثنائية. ونص المادة /292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية جاء واضحا، حيث ورد فيه بكل صراحة ووضوح انه " لايجوز طلب اعادة المحاكمة في دعاوى الجناية والجنحة ايا كانت المحكمة التي حكمت بها(83).
وبالرجوع الى قانون العقوبات العسكري الاردني رقم 43 لسنة 1952 نجد ان المادة/ 8 من هذا القانون قد نصت على انه لاينفذ القرار او الحكم الصادر من مجلس عسكري قبل التصديق عليه من قبل القائد العام او الضابط المفوض من قبله، الذي له اما ان  يصادق على الحكم او ان يلغيه او ان يصادق عليه مع تنزيل العقوبة، ويثور تساؤل حول امكانية طلب اعادة النظر بالنسبة للاحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية التي تختص بالنظر في الدعاوي الجزائية حين يكون المتهم فيها فرد او ضابط او ضابط صف او مستخدم في القوات المسلحة بموجب شروط الاستخدام القانونية. فالمحاكم العسكرية هي محاكم خاصة بفئة معينة من فئات المجتمع، وهي فئة العسكريين وفي حالة صدور حكم بالادانة لارتكاب جنايةاو جنحة، فان هذا الحكم لاينفذ الابعد ان يصادق عليه قائد الجيش، او الضابط الذي يفوضه. وبعد تصديق هذا الحكم يصبح قطعيا، ولكن هذا لايمنع من الطعن فيه بطلب اعادة المحاكمة، اذ نص المادة /292 يتسع للقول بجواز طلب اعادة المحاكمة بالنسبة لاحكام المحاكم العسكريه.
اما المحكمه العرفية العسكرية، وهي محكمة استثنائية شكلت بموجب تعليمات الادارة العرفيه لسنة 1967، فان احكامها حسب ظاهر النص وقبل صدور القانون رقم 2 لسنة 1992 كانت غير قابلة للطعن فيها باعادة المحاكمة، لان المادة / 19 من تعليمات الادارة العرفية الملغاه تنص على ان احكام المحكمة العرفية العسكرية تعتبر بعد التصديق عليها قطعية وتنفذ على الفور ولاتخضع للطعن امام اي محكمة، ولاتتبع اية طريقة من طرق الطعن القانونية(84)   ولاشك ان  مثل هذا النص الذي كان يحول دون الطعن بطلب اعادة المحاكمة بالنسبة لاحكام المحاكم الاستثنائية هو امر غير مستساغ، لان احكام المحاكم الإستثنائية هي الاخرى بالطعن فيها بطلب اعادة المحاكمة(85)، وذلك بالنظر للاجراءات السريعة التي يتسم فيها قضاؤها مما يجعل احتمال الخطأ في الحكم وارد بدرجة اكبر من احتمال الخطأ في المحاكم العادية. واذا كانت طرق الطعن في الاحكام قد شرعت في العدالة الجزائية العادية، فانها تكون حيوية بالنسبة لاحكام القضاء الاستثنائي بالنظر الى السرعة في الاجراءات التي يتميز بها هذا القضاء(86). بل ان المحكمة العرفية العسكرية لم تكن تتقيد في جميع اجراءتها بقانون اصول المحاكمات الجزائية، كما ورد في نص المادة/ 15 من تعليمات الادارة العرفية لسنة 1967، مما يجعل من الطعن باعادة المحاكمة في احكام هذه المحكمة امرا في غاية الاهمية، وذلك انتصارا للعدالة، حيث يجب ان يبقى السبيل امام تحقيقها سالكا من خلال نافذ طلب اعادة المحاكمة التي ينبغي ان تظل مشرّعه لانصاف كل من لحقه حيف او ظلم من حكم قضائي خاطئ ايا كانت المحكمة التي اصدرته. وهذا الراي ينسجم مع نص المادة/ 292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي يجيز طلب اعادة المحاكمة في دعاوى الجنايه والجنحة ايا كانت المحكمة التي حكمت بها، ولان نص القانون هو الاولى بان يعمل به من نص ورد في تعليمات الادارة العرفية، خاصة بعد الغاء هذه التعليمات وبعد انهاء العمل بالاحكام العرفية، مؤخرا بموجب قانون 1992 المشار اليه انفا. وبزوال تعليمات الادارة العرفيه، تزول نصوص المواد التي تجعل من احكام المحكمة العرفيه العسكرية احكاما قطعية لاتخضع للطعن فيها باي صورة من الصور. بل ان هذا القانون الجديد قد نص صراحة على انه لايجوز اعادة المحاكمة في احكام المحاكم العرفية الصادرة بصورة قطعية وفقا للاسس والشروط المبنية في الباب التاسع من قانون اصول المحكمات الجزائية. وهو يشير بذلك الى النصوص المواد من 292 الى 298 من قانون اصول المحاكمات الجزائية. وعليه فقد اصبح من الجائز طلب اعادة المحاكمة بالنسبة لجميع الاحكام الجزائية القطعية ايا كانت المحكمة التي حكمت بها، ولو كانت المحكمة العرفية العسكرية. ولاشك ان ذلك ينسجم تماما مع المحكمة التي شرع من اجلها نظام اعادة المحاكمة، ويتفق مع ارادة المشرع وهدفة فى تغليب الحقيقة الموضوعية على الحقيقة الشكلية المتمثلة في بحكم قطعى يفترض انه عنوان للحقيقة وله حجية الامر المقضي به. فان ظهر خطأ هذا الحكم فلابد من التنازل عن هذه الحقيقة الشكلية والتضحية باعتبارات الاستقرار القانونى وتقديم اعتبارات العدالة ووضعها فوق اي اعتبار اخر. كما ان نص المادة 190 من تعليمات الادارة العرفية الملغاه، انما قصدت منه احكام المحكمة العرفية العسكرية تصبح احكاما قطعية بمجرد المصادقة عليها من الحاكم العسكري العام، وهي تصبح بعد هذا التصديق كأي حكم عادي اخر بعد استنفاذ طرق الطعن او بعد فوات ميعاد الطعن فيه  ولكن هذه الصفة القطعية لا تحول دون الطعن بطلب اعادة المحاكمة بالنسبة لهذا الحكم فيفترض ان تسري نفس القاعدة على احكام المحكمة العرفية العسكرية. ولم يعد هناك مجال للقول بأن احكام هذه المحكمة غير قابلة للطعن فيها بطلب اعادة المحاكمة، لان هذا الطريق من طرق الطعن يجب ان يكون مفتوحا بالنسية لجميع الاحكام القطعية او الباتة بالعقوبة، دون النظر للمحكمة التي اصدرتها. فالحكم ان ثبت خطؤه، انعدم الاساس القانوني الذي يقوم عليه، وجب ان يكون قابلا للطعن فيه عن طريق طلب اعادة المحاكمة(87)

- الشرط الثاني : ان يكون الحكم صادر بعقوبة اثر الادانة بارتكاب جناية او جنحة
تتجه عالبية التشريعات، ومنها التشريع الادرني(88)، الى اقتضاء عدم جواز الطعن بطلب اعادة المحاكمة الا اذا كان الحكم قطعيا وصادرا بعقوبة. لان اعادة المحاكمة قد شرعت لمصلحة المحكوم عليه من اجل ازالة حكم بالادانة مخالف للعدالة. فان كان الحكم صادرا بالبراءة، فهو في مصلحة المتهم ومن ثم لايجوز الطعن فيه باعادة المحاكمة ولو ثبت بادلة قاطعة خطأ هذا الحكم(89) فالمتهم الذى حصل على حكم نهائي بالبراءة، يكون من حقه ان يحظى بمركز قانوني مستقر والااصبح حكم البراءة عديم الجدوى بالنسبة له، وذلك حين يجيز القانون اعادة المحاكمة بالنسبة لكافة الاحكام حتى ولو كانت بالبراءة، ويبقى من حكم ببراءته فى وضع قلق وغير مستقر لانه مهدد بزوال براءته الى ان تسقط الدعوى بالتقادم(90). لذا فان نطاق طلب اعادة المحاكمة يجب ان يقتصر على الاحكام القطعية الصادرة بالادانة دون احكام البراءة(91).
ويفهم من نص المادة /292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردنى ان الحكم الذي يجوز فيه طلب اعادة المحاكمة يجب ان يكون صادرا بالادانة، وبعقوبة معينه ايا كان نوع هذه العقوبة، شريطة ان تكون قد تقررت بسبب الادانة بارتكاب جناية او جنحة. اذا لايقبل طلب اعادة المحاكمة في المخالفات، وذلك نظرا لتفاهة هذا النوع من الجرائم ولبساطة العقوبات الصادرة بشأنها، وايضا ان المخالفات لا تسيء الى سمعة وشرف المحكوم عليه بها، فلا يكون له مصلحة جديدة فى اعادة المحاكمة(92).
ويرى البعض ان العبرة فى تكييف الواقعة هي بالوصف القانوني الذي تنتهي اليه المحكمة التي نظرت الدعوى دون التقيد بالوصف الذي رفعت به تلك الدعوى. فلو ان الدعوى رفعت باعتبار ان الواقعة جنحة، ولكن المحكمة رأت انها مخالفة وصدرت حكم بالعقوبة فانة لايجوز طلب اعادة المحاكمة بالنسبة لهذا الحكم(93) بينما يرى اخرون(94). ان العبرة بوصف الواقعة كما رفعت بها الدعوى لا بما تقضي المحكمة به في موضوعها. وهذا الرأى فى تقديرنا هو محل نظر، لان اعادة المحاكمة تنصرف الى حكم الادانة وهو الحكم الذي يجب ان يؤخذ به في جواز او عدم جواز قبول الطعن باعادة المحاكمة، فاذا رفعت الدعوى على اعتبار ان الواقعة مخالفة، ورأت المحكمة ان هذه الواقعة تعتبرجنحة، ثم اصدرت حكمها بالادانة على هذا الاساس، فان الحكم القطعي بالعقوبة يجوز فيه طلب اعادة المحاكمة(95).
ولايقتضي المشرع الاردني توافر شروط معينة بالعقوبة المحكوم بها، لا من حيث نوعها ولا من حيث جسامتها. فيجوز طلب اعادة المحاكمة ولو كانت العقوبة المحكموم بها هي غرامة ضئيلة المقدار. وقد نص قانون العقوبات على انواع العقوبات فى المواد من 14- 27 في فصل خاص تحت عنوان "في العقوبات" اما التدابير الاحترازية فلم يوردها ضمن هذا الفصل وافرد لها فصلا مستقلا تحت عنوان"التدابير الاحترازيه بصورة عامة ". وبناء عليه فان الحكم الصادر بتدبير احترازي كالحجز فى مأوى او مستشفى للعناية به حسبما تقتضي حالته، فان مثل هذا الحكم لايجوز طلب اعادة المحاكمة بالنسبة له ولو تبين ان هذا الحكم ينطوى على خطأ واقعي(96). ومع ان علة اعادة المحاكمة قائمة في مثل هذه الحالة، لان التدابير فيه ايلام لمن ينزل به، ومن مصلحته ان يرفع هذا الالم الا ان نصوص قانون العقوبات لاتدرج التدابير الاحترازية ضمن العقوبات، وبالتالي فلا يمكن طلب اعادة المحاكمة لمن حكم عليه بتدبير احترازى ولا يبقى امام المحكوم عليه سوى اللجوء لطريق النقض بأمر خطي ان توافرت شروطه.
كذلك لا يجوز طلب اعادة المحاكمة فى حالة الحكم بعدم المسؤولية، لان مثل هذا الحكم لايتضمن اي عقوبة. فهو يختلف عن الحكم بالبراءة في انه يلزم المدعى عليه بالتعويضات المدنية ومن مصلحة هذا الاخير ان يتخلص من هذه الاعباء التى قد تثقل كاهله(97). ولكنه يشبة الحكم بالبراءة من حيث ان كلا الحكمين ليس فيهما اى عقوبة وما دام الامر كذلك، فلا يجوزطلب اعادة المحاكمة فى حالة الحكم بالبراءة وكذلك في حالة الحكم بعدم المسؤولية.
ويجوز طلب اعادة المحاكمة ولو نفذت العقوبة كليا بحق المحكوم عليه، لان مصلحة المحكوم عليه في هذا الطعن تبقى قائمة فى ازالة الحكم بالادانة الذي يظل قائما بالنسبة له، والذي قد تكون له اثار سلبية عليه.
وبناء عليه. فانه اذا تداخلت اسباب تحول دون تنفيذ العقوبة لصدور عفو خاص، او لو فاة المحكوم عليه مثلا، فلا يمنع ذلك من طلب المحاكمة، لان مثل هذه الاسباب لا تزيل حكم الادانة ويبقى من مصلحة المحكوم عليه الغاء هذا الحكم. ويستخلص من هذا ان جواز طلب اعادة المحاكمة يرتبط ببقاء حكم الادانة قائما. لان الطعن بكافة صوره، يفترض حكما ينصرف اليه، فان زال الحكم فلا يبقى مجال للطعن فيه. وعلى ذلك فان صدر عفو عام او شامل واستفاد منه المحكوم عليه، لايكون له ان يطلب اعادة المحاكمة، لان العفو الشامل يزيل حالة الاجرام من اساسها بتعطيل نص التجريم(98).
اما فيما يتعلق بالاحكام الجزائية القطعية الصادرة بعقوبة مع وقف التنفيذ، فانه يجوز فى كل الاحوال طلب اعادة المحاكمة لمن حكم عليه بعقوبة مع وقف التنفيذ سواء كانت مدة الاختبار قد مضت دون الغاء وقف التنفيذ (99). او كان وقف التنفيذ قد الغي لاي سبب كان. بل يجوز طلب اعادة المحاكمة لمن حكم عليه بعقوبة مع وقف التنفيذ وكانت مدة الاختبار لم تزل سارية ولم تنته بعدم، لان الحكم القطعي بالادانة فى مثل هذه الاحوال يكون مازال قائما(100)، فالمهم فى اعادة المحاكمة ان يكون الحكم الصادر بالعقوبة قطعيا او باتا، ولا يهم بعد ذلك ان يكون هذا الحكم نفذ او لم ينفذ لاي سبب كان، كأن تنقضي العقوبة بالتقادم او بوفاة المحكوم عليه. او ان تسقط هذه العقوبة بانقضاء مدة ايقاف التنفيذ دون ان يصدر خلالها حكم بالغائة.
ولاتعد الجزاءات التأديبية عقوبات جنائية، لذا فانه لايجوز الطعن فيها بطلب اعادة المحاكمة(101)، ولو كان الجزاء التأديبي صادرا عن محكمة مختصة. ومثال على ذلك ما نصت عليه المادة 141/ 4 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني التى تعطي للمحكمة سلطة توقيع جزاء تأديبي على احد موظفى المحكمة ان وقع منه اخلال بنظام الجلسة.
كما انه لايجوز طلب اعادة المحاكمة فى حالة الحكم با لالزامات المدنية الذي يصدر عن محكمة جزائية فى معرض الفصل فى الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجزائية، لان الالزامات المدنية او الحكم بالتعويض، لاتعد جزاء جنائيا، فهو لايهدف الى ايلام المحكوم عليه به، كما هو الحال بالنسبة للعقوبة، انما يهدف الى تعويض الضرر الناجم عن وقوع الجريمة (103).
ومما ينبغى الاشارة اليه اخيرا، ان المحكوم عليه بعقوبة لادانته بارتكاب جناية او جنحة يستطيع طلب اعادة محاكمته حتى لو رد اعتباره اليه وفقا للقواعد المتعلقة با عادة الاعتبار – كما نص عليها القانون لان اعادة الاعتبار ينصرف اثرها الى المستقبل ولا ينسحب الى الماضي، بينما اعادة المحاكمة وازالة حكم الادانة، فان اثره يمتد الى الماضي والمستقبل معا، فيكون من مصلحة من رد اعتباره ان يطعن باعادة المحاكمة(103).

- الشرط الثالث : ان يكون الحكم باتا
يجب ان يكون الحكم الجزائي باتا حتى يمكن حتى يمكن الطعن فيه بطلب اعادة المحاكمة، والحكم البات هو الحكم الذي لم يعد يقبل طعنا بطريق الاعتراض او الاستئناف او النقض، اما لانه صدر من الاصل غير القابل للطعن، واما لانه صار كذلك لاستنفاد او تفويت مواعيد الطعن دون حصوله(104). وعلى هذا فان الحكم البات يتمتع بقوة الامر المقضي به، ويترتب عليه انقضاء الدعوى الجزائية(105)، فلا يجوز اعادة طرحها مرة اخرى الا عن طريق الطعن بطلب اعادة المحاكمة. وبعبارة اخرى، فان اعادة المحاكمة لاتجوز الا بالنسبة للاحكاا الباتة، فان لم يكن الحكم باتا فمعنى هذا ان هناك طريق اخر مفتوح للطعن فيه ويجب اتباع هذه الطريقة قبل اللجوء الى طلب اعادة المحاكمة (106).
ولا يشترط ان يكون الحكم صادرا من محكمة اول درجه او صادرا من محكمة اخر درجة حتى يكون قابلا للطعن بطلب اعادة المحاكمة بل ان كل مايشترط هو ان يكون الحكم قطعيا وباتا، وبغض النظر عن المحكمة التى اصدرته. وهذا يعني انه وحتى الاحكام الصادرة عن محكمة التمييز تقبل الطعن بطلب اعادة المحاكمة، وذلك كما هو مستفاد من نص المادة 292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية(107).
وحيث ان الامر كذلك فانه لايجوز طلب اعادة المحاكمة بالنسبة لحكم ابتدائي قابل للطعن فيه بالاستئناف، ولا حكم غيابى يقبل الطعن فيه بالاعتراض، الا اذا انقضت مدة تقادم العقوبة المحكوم بها، كما لايجوز طلب اعادة المحاكمة فى حكم قابل للطعن فيه بطريق التمييز. ذلك ان اعادة المحاكمة هو طريق غير عادى للطعن، فلا يجوز اللجوء اليه ان كان هنالك سبيل اخر لاصلاح الخطأ(108). ولايشترط بقبول الطعن باعادة المحاكمة ان يكون الحكم قد تم تنفيذه، فالعبرة بصيرورة الحكم باتا بصرف النظر عما اذا كان قد نفذ ام لم ينفذ. فاذا انقضت العقوبة بالتقادم او لوفاة المحكوم عليه، وكان الحكم باتا، فان طلب اعادة المحاكمة يكون جائزا(109). كما يجوز طلب اعادة المحاكمة في الاحكام القطعية الصادرة بالعقوبة مع وقف التنفيذ في كل الاحوال سواء كان اثناء سريان مدة الاختبار او حتى بعد ان تنقضي المدة دون صدور حكم بالغاء وقف التنفيذ(110).
والحكم الجزائي القطعي او البات يقبل الطعن فيه عن طريق طلب اعادة  المحاكمة، ولو كان باطلا، لان الحكم البات يكتسب حجية وقوة الامر المقضى به، وهذه الصفة تجرد الحكم من عيوبه(حتى عيب البطلان)، وتمنحه قوة وتضعه في مكانة الحكم الصحيح. اما اذا كان الحكم منعدما، فهو حكم لاوجود له وبالتالى فانه لايجوز ان يطعن فيه بطلب اعادة المحاكمة، لانه رغم كل شيء يبقى غير موجود، ويرى البعض انه يجوز رفع دعوى بطلان اصليه لتقرير انعدام الحكم امام المحكمة التى اصدرته، وهو يرجع سبب عدم جواز الطلب اعادة المحاكمة بالنسبة للحكم المنعدم، وهو ان مثل هذه الاحكام لسيت احكاما بالمعنى القانوني، وهي بالتالي لاتتحصن بقوة الامر المقضي به او بحجية الشيء المحكوم فيه، وليست لها من حقيقة الاحكام الا اسمها(111).
بعد ان بينا الشروط اللازم توافرها في الاحكام التي يجوز طلب اعادة المحاكمة بالنسبة لها، فانه لابد من الاشارة الى أن باب اعادة المحاكمة ليس مفتوحا فى جميع الحالات (112) اذ لا يمكن اعادة المحاكمة الا في حالات محددة على سبيل الحصربينها المشرع في قانون اصول المحاكمات الجزائية فقد بينت المادة 292 من هذا القانون الحالات التى يجوز فيها اعادة المحاكمة وحصرتها (113)  في اربع حالات وهي :
أ‌- حالة الحكم على شخص بجريمة القتل، ثم قيام ادلة كافية بعد ذلك تثبت ان المدعى قتله حي.
ب‌- حالة ما اذا حكم على شخص بجناية او جنحة ثم حكم فيها بعد على شخص اخر بالجرم نفسه، وكان       الحكمان لايمكن التوفيق بينهما، مما يتنج عنه ما يؤيد براءة احد المحكوم عليهما
ج –  حالة ما اذا حكم على شخص، وبعد ذلك قضي بالشهادة الكاذبة على من كان قد شهد                عليه.
د‌- حالة ما اذا وقع او ظهر بعد الحكم حدث جديد او ابرزت مستندات كانت مجهولة وكان من شأنها      اثبات براءة المحكوم عليه.
وتفترض هذه الحالات جميعها ان هناك واقعة جديدة طرأت بعد صدور الحكم البات بالادانة وان هذه الواقعة من شأنها ان تظهر بوضوح الخطأ الموضوعي للمحكمة التى اصدرت الحكم، بحيث لو ان هذه المحكمة عملت بهذه الواقعة قبل اصدار حكمها لكان من المحتمل جدا أن تقضي بالبراءة بدلا من حكمها بالادانة(114).
ويلاحظ ان الحالات الثلاث الاولى تتضمن كل منهما واقعة بعينها حددها المشرع، حيث رأى في توافر اي من هذه الحالات وثبوتها ما يكفي للقول بخطأ الحكم. اما الحالة الرابعة فقد جاءت واسعة جدا، وهي لاتشتمل على واقعة بعينها، وتقوم هذه الحالة كلما حدث امرجديد او حين تظهر واقعة جديدة متى كان من شأنها ثبوت براءة المحكوم عليه(115). ولمزيد من التفصيل سوف نتناول كل حالة من هذه الحالات فى مبحث مستقل.





المبحث الاول
ظهور المدعى قتله حيا

اذا ادين شخص بتهمة ارتكاب جريمة القتل، وصدر بحقة حكم قطعي بالادانة ثم ظهر بعد ذلك ان المدعي قتله حي يرزق. ففي هذه الحالة يكون من العدل طلب اعادة المحاكمة لالغاء الحكم بالادانة الصادر بحق المحكوم عليه المظلوم. لان ظهور المدعى قتله حيا، يدل دلالة اكيدة بأن الحكم بالعقوبة قد صدر بحق شخص بريء (116).
ولا فرق ان يكون القتل مقصودا او غير مقصود، لان تعبير القتل يشمل جميع صور ازهاق الروح فقد يكون القتل مقصودا مع سبق الاصرار، كما قد يكون القتل قد وقع بطريق الخطأ، او بالضرب المفضي الى الموت (117). اما اذا لم يقع القتل او (ازهاق الروح )، فان ذلك لايصبح سببا لطلب اعادة المحاكمة كما لو كانت الجريمة هي الشروع في القتل، ثم ادين المتهم بها وصدر بحقه حكم بات (118).
وهذه الحالة تفترض عدم العثور على جثة المجني عليه، او تفترض العثور على جثة انسان قتيل ثم اتجه الظن بأنها لشخص المجني عليه الذي تبين فيما بعد انه حي (119).
ويكفي لتوافر هذه الحالة ان يثبت المدعى قتلة بناء على حكم الادانة قد ثبت انه حي فى تاريخ لاحق على هذا الحكم.
لذا فانه لايشترط ان يبقى المدعى بقتلة حيا حتى لحظة تقديم طلب اعادة المحاكمة، بل يكفي ان يثبت المذكور كان حيا وقت اقتراف الجريمة ولو مات بعد ذلك (120). ذلك ان الفقرة (أ) من المادة 292من قانون اصول المحاكمات الجزائية قد وردت بصيغة عامة ومطلقة، فهي تنص صراحة  - بالنسبة للحالة  الاولى – على ان طلب اعادة المحاكمة جائز اذا حكم على شخص بجريمة القتل وقامت بعد ذلك ادلة كافية تثبت ان المدعى  قتلة هو حى. ولا شك ان نص المشرع الاردني قد جاء اكثر مرونة واقل تشديدا من المشرع المصري الذي عبر عن هذه الحالة بقوله " اذا حكم على المتهم قي جريمة قتل ثم وجد المدعى قتلة حيا (121). فهو يستلزم وجود المدعى قتله حيا بالفعل (122).
خلاصة القول فانة لابد لقيام هذه الحالة من حالات طلب اعادة المحاكمة (123)، ان يصدر حكم بالادانة بشأن جريمة قتل، ثم تقوم ادلة كافية تثبت ان المدعى بقتله كان ما زال حيا عند الحكم بالادانة. وبناء عليه فأنه لايشترط حضور المجني عليه المدعى بقتله امام المحكمة عند النظر فى طلب اعادة المحاكمة، كان يكون قد مات بعد الحكم بالادانة او سافر الى جهه غير معروفة، وكل ماهو مطلوب هو اقامة الدليل على انه كان حيا عند الحكم بالادانة (124).
اما اذا ثبتت وفاة المدعى قتله فى وقت سابق على وقوع الجريمة، وبعد ذلك صدر حكم بالادانة على شخص بأنه قد قتلة، فأنه هذه الوفاة تعد واقعة جديدة يجوز من اجلها طلب اعادة المحاكمة (125).



المبحث الثاني
وجود حكمين متناقضين بالادانة

اورد المشرع الاردني هذه الحالة فى الفقرة (ب) من المادة 292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية(126)  التي تنص على انه " اذا حكم على شخص بجناية او جنحة وحكم فيما بعد على شخص اخر بالجرم نفسة وكان الحكمان لايمكن التوفيق بينهما ويتنج عن ذلك ما يؤيد براءة احد المحكوم عليهما " ويتضح من هذا النص ان هذه الحالة من حالات اعادة المحاكمة تفترض ان يصدر حكمان مبرمان بالادانة على شخصين مختلفين من اجل واقعة واحدة، دون ان تربط بين المحكوم عليهما اى صلة، اي دون ان يكون هذان الشخصان شريكين فى جريمة واحدة (127)، مما يتنج عنه – بالضرورة – براءة احد المحكوم عليهما، لان جميع الدلائل تشير الى ان الجريمة كانت قد وقعت بفعل شخص واحد فقط، وهذا يدل على براءة الاخر بطبيعة الحال (128)، مما يوجب اعادة المحاكمة لاظهار اي الشخصين هو البريء. والواقع ان المشرع الاردني قد اورد النص على تناقض الحكمين بصورة يمكن معها ان يستوعب كافة الصورالتي قد يتناقض فيها حكمان بالادانة على شخصين مختلفين ومن اجل واقعة واحدة، بحيث يتسع هذا النص لجميع الحالات التي قد يتناقض فيها حكمان بالادانة ومعنى هذا ان نص المادة 292 (ب) من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني لايقتصر على حالات الاخطاء التى لاينكشف امرها الا بعد صدور حكمين متناقضين بل يشمل كل الاحوال التى يصدر فيها حكمان متناقضان على شخصين مختلفين ومن اجل واقعة واحدة ويكون طلب اعادة المحاكمة مقبولا ايا كانت الظروف التى ادت الى صدرو هذين الحكمين على ان تتوافرباقى الشروط التي يتطلبها القانون في مثل هذه الحالة (129).
وتقتضي هذه الحالة لقيامها توافر شروط ثلاثة هي :
1- صدور حكمين مبرمين على شخصين او اكثر.
2- ان يصدر الحكمان بمناسبة واقعة واحدة.
3- ان يكون الحكمان متناقضين ولايمكن التوفيق بينهما.

وسوف نتناول كل شرط من هذه الشروط بالتوضيح كما يلى:
اولا: صدور حكمين مبرمين بالادانة على شخصين او اكثر
ومقتضى هذا الشرط ان يكون هناك حكمان متميزان صدرو فى دعويين جزائيين على شخصين مختلفين ومن اجل واقعة واحدة، فاذا صدر حكم بادانة شخص واحد فى جناية او جنحة و بعد ذلك  اعترف شخص اخر بأنة مرتكب لتلك الجريمة، فان هذا الاعتراف لايبرر طلب اعادة المحاكمة اذا لم يؤدي الى صدور حكم على المعترف كما لو ان النيابة قد قررت عدم وجه لاقامة الدعوى ضده لوفاته عقب اعترافة، او لما تبينته من سقوط الدعوى بالتقادم(130). ويلزم ان يكون هناك حكمان متناقضان قد استنفذت بشأنهما طرق الطعن العادية وغير العادية ويستوي بعد ذلك ان يكون الحكم الاخر قد صدرمن محكمة عادية او من محاكم استثنائية او عسكريه (131)
كما انه ليس هناك ما يبرر اعادة المحاكمة فى حال صدور حكم واحد على شخصين مختلفين، ولو كانت اسباب هذا الحكم متناقضة فيما بينهما، او كانت متناقضة مع منطوقة اذ يعد الحكم عندئذ مشوبا بالبطلان ممايجعلة حريا بالطعن فيه بطريقة النقض (132).
ويجب ان يصدر الحكمان بالادانة على شخصين مختلفين، وعلى اساس ان كل من المحكوم عليهما كان مستقلا في نشاطة عن الاخر بحيث لايرتبط معه بعلاقة الاشتراك الجرمي. وعلى هذا فان اعادة المحاكمة  لاتجوز اذا صدر حكمان بادانة شخصين على اساس ان احدهما كان فاعلا اصليا للجريمة، وساهم معه الاخر مساهمة مباشرة في تنفيذ هذه الجريمة او اذا صدر حكما بالادانه على شخصين احدهما بوصفه فاعلا والاخر بوصفه متداخلا في الجريمة او محرضا على ارتكابها، انما يشترط لجواز اعادة المحاكمة ان يصدر حكم على كل منهما على اساس انه الذي قام وحده بارتكاب الجريمة ذاتها (133).
ولايشترط ان يصدر الحكمان من محكمتين مختلفيتن، بل يجوز ان يكونا قد اصدرا عن محكمة جزائية واحدة (134). ولكن يشترط ان يكون كل من هذين الحكمين قد اصبح مبرما اي حائزا لقوة الامر المقضي به (135)، بحيث لايجوز الطعن في اي منهما بأي طريق من طرق الطعن، فاذا كان الحكمان او واحد منهما غير بات، بل يتعين اتباع طرق الطعن المتاحة لازالة التناقض بين الحكمين ولاصلاح الخطأ القضائي الناجم عن هذا التناقض (136).
كما يشترط ان يكون الحكمان المتناقضان صادرين بالادانة على شخصين مختلفين، فان صدر احد الحكمين بالادانة،  والاخر بالبراءة  فلا يجوز طلب اعادة المحاكمة، ولو كان هناك تناقض بين الحكمين، كما هو الحال عند صدرو حكم بادانة شخص عن واقعة معينة، وفي نفس الوقت يصدر حكم ببراءة شخص اخر بسبب الشك في حصول الواقعة نفسها او بسبب القطع بعدم حصولها (137)، لان النص جاء صريحا بوجوب ان يكون الحكمان بالادانة، وبالتالي لايكون هناك محل لطلب اعادة المحاكمة اذا كان احد الحكمين او كلاهما صادرا بالبراءة.
وقد يصدر حكمان بالادانة على شخصين مختلفين بالنسبة لواقعة واحدة ويكون احدهما قد صدر بالصورة الوجاهية واصبح مبرما، اما الاخر فقد صدر غيابيا، وهذا الحكم يكون قابلا للطعن فيه بالاعتراض، وبناء على ذلك فانه لايجوز طلب اعادة المحاكمة قبل صيرورة الحكم الغيابي قطعيا. واذا ما اخذنا بعين الاعتبار انه يتعين على المحكوم عليه ان ينتظر مدة قد تصل الى خمسة وعشرين عاما وهي المدة المقررة لسقوط عقوبة الجناية المعاقب عليها بالاعدام او الاشغال الشاقة المؤبدة (138)، مما يجعل طلب اعادة المحاكمة امرا غير يسير، ويكون انتظار المحكوم عليه طوال هذه المدة فيه حيف واضرار بحقه، لذا فقد رأى البعض انه يجوز للمحكوم عليه قطعيا طلب اعادة المحاكمة ان كان بين الحكمين تناقض حتى ولو لم يصبح الحكم الثاني (الغيابي) قطعيا (139). وفي حين يرى البعض الاخر انه اذا كان من شأن الحكم الذي صدر حضوريا ان يثبت براءة المحكوم عليه غيابيا، فانه يجوز اعادة المحاكمة لتناقض الحكمين، وعلى الرغم من ان الحكم الثانى لم يصبح نهائيا (140). وهذا الرأي على واجهته وعدالته، فأنه لايمكن الاخذ به لتعارضه مع نص القانون، الا انه يمكن القول بجواز اعادة المحاكمة استنادا لظهور واقعة جيدة تتمثل في الحكم الغيابي الصادر بحق المحكوم عليه، وليس على اساس وجود حكمين متناقضين (141). ويشترط ايصا وجود حكمين صادرين بالادانة ضد شخصين اثنين او اكثر، اما اذا كان الحكمان صادرين ضد شخص واحد، فنا ذلك لايجيز طلب اعادة المحاكمة ولو كان هذان الحكمان متناقضين. اذ ان صدور هذين الحكمين ضد شخص واحد يعني ان الحكم الثاني قد أخل بقوة الامر المقضي به بالنسبة للحكم الاول وهذا يشكل خطأ فى تطبيق القانون ومخالفة لنصوصة، مما يستوجب معه نقض هذا الحكم (142).

ثانيا : صدور الحكمين المتناقضين بمناسبة واقعة واحدة
يجب ان يكون الحكمان المتناقضان قد صدرا بمناسبة واقعة واحدة على شخصين او اكثر وهذا يعني ان يكون هذان الحكمان قد صدرا من أجل نفس الجناية او الجنحة (143)، اي من اجل نفس الفعل الجرمي، بحيث ينسب احد الحكمين هذا الفعل الى شخص في حين ينسب الحكم الاخر الفعل نفسة لشخص اخر. ولا يهم بعد ذلك ان يختلف الحكمان فى الوصف القانوني للفعل نفسه. اذ تتحقق وحدة الواقعة ولو اعطيت هذة الواقعة وصفا قانونيا مختلف في كل حكم من الحكمين، لان العبرة بالوصف الحقيقي للواقعة وليس بالوصف الذي اضفاه كل من الحكمين عليها (144).
ولا يمنع من طلب اعادة المحاكمة ان يكون احد الحكمين قد وصف الواقعة بوصف يختلف عن الوصف الذي خلعه عليها الحكم الاخر. كما لو كان احد الحكمين قد وصف الواقعة بأنها سرقة في حين وصفها الحكم الاخر بأنها اساءة ائتمان، فيجوز عندئذ طلب اعادة المحاكمة (145). كذلك اذا صدر حكمان من اجل واقعة واحدة ضد شخصين ووصفها احد الحكمين بأنها جنحة في حين وصفها الحكم الثاني بأنها مخالفة، فانه يجوز لمن صدر بحقة الحكم الاول ان يطلب اعادة المحاكمة طبقا لما تقرره نصوص القانون(146).

ثالثا :  وجود تناقض بين الحكمين بحيث لا يمكن التوفيق بينهما.
تقضي هذه الحالة ان يصدر على شخصين حكمان يقوم بينهما تناقض، فلا يمكن التوفيق بينهما، مما ينتج عنه براءة احد المحكوم عليهما ( المادة 292 /ب ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية، وهذا يعني ان التناقض بين الحكمين هو الذي يستنتج منه وبالضرورة خطأ احد الحكمين، مما يستوجب معه الغاؤه وتقرير براءة المحكوم عليه الذي ادين بهذا الحكم الخاطئ (147)، ولا يتم هذا الا عن طريق اعادة المحاكمة.
ومثال التناقض بين الاحكام ان يتهم شخص بارتكاب جريمة ويصدر حكم بادانتها على اعتبار انه الفاعل الوحيد للجريمة، ثم يصدر حكم اخر يقضي بوقوع الجريمة نفسها و يدان بها شخص اخر على اعتبار انه ايضا الفاعل الوحيد للجريمة نفسها، مما يجعل هناك تناقض بين الحكمين وان التوفيق بينهما غير ممكن Deux Condamnations Inconcilia bles (148).  ذلك ان سند الادانة في الحكم الاول لا يمكن ان ينسجم مع سند الادانة في الحكم الاخر، بمعنى ان هناك تناقض بين الحكمين، بحيث يستحيل – من الناحية المنطقية – الاخذ بكلا الحكمين وذلك لعدم الاتساق بينهما(149).
وبناء على ما تقدم، فان التناقض بين الحكمين يعني ان سند الادانة في كل منهما لا يتفق مع الاخر، بحيث يهدم كل منهما الاخر، ومعيار التناقض انه لو اجتمع منطوق الحكم الاول مع منطوق الحكم الاخر في حكم واحد لكان هذا الحكم معيبا(150).
ومما تجدر الاشارة اليه ان مجال تطبيق هذه الحالة من حالات اعادة المحاكمة يقتصر على حالات الاخطاء الاجرائية التي لا ينكشف امرها الا بعد صدور حكمين متناقضين(151).
ويجب صدور حكمين مختلفين بينهما تناقض، علي ان يكون كلا الحكمين قد اكتسب الدرجة القطعية واصبح حائزا لقوة الامر المقضي به، فاذا كان احد الحكمين باتا، بينما كان الاخر قابلا للطعن فيه، فان حالة التناقض هنا لا تجيز طلب اعادة المحاكمة، اذ من المحتمل رفع التناقض بين الحكمين عن طريق اخر غير اعادة المحاكمة (152).
ولا يكون هناك تناقض بين الحكمين اذا كان احد الحكمين يدين المتهم باعتباره فاعلا للواقعة، ثم صدر الحكم الثاني بادانة شخص اخر باعتباره فاعلا لها معه او باعتباره شريكا له، متى كانت هذه الواقعة لا تأبى تعدد الفاعلين او الشركاء (153). واذا كان كل من المحكوم عليهما مستقلا عن الاخر، اي لم يكونا فاعلين اصليين، او لم يكن احدهما فاعلا والاخر شريكا، او لم يكونا شريكين في جريمة واحدة، وكان هناك تناقض بين الحكمين، فان هذا التناقض لا يبرر اعادة المحاكمة (154).
ويجب حتى يقوم التناقض بين الحكمين، ان يقع بين منطوقي الحكمين، او بين الاسباب الضرورية التي يقوم عليها منطوق الحكم، اما ان وقع التناقض بين احد الحكمين والمستندات المقدمة في الدعوى الاخرى، فلا يصلح مثل هذا التناقض ليكون اساسا في طلب اعادة المحاكمة (155). اذ العبرة ان يثبت التناقض بين منطوق كل من الحكمين، وليس بين منطوق احد الحكمين والادلة التي قام عليها الحكم الاخر، او بين منطوق احد الحكمين واسباب الحكم الاخر طالما ان ذلك التناقض لم ينعكس على منطوقي الحكمين، بحيث افضى الى التناقض بينهما (156).
واخيرا فانه لا يكفي ان يكون الحكمان متناقضين، بل يجب ان يستنتج من هذا التناقض براءة احد المحكوم عليهما في حالة صدور حكمين على شخصين في واقعة واحدة(156).


المبحث الثالث
ادانة احد شهود الاثبات بجرم الشهادة الكاذبة

وردت هذه الحالة في الفقرة (ج) من المادة 292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، ومقتضى هذه الحالة انه اذا صدر حكم بالادانة على شخص بارتكاب جناية او جنحة، وبعد ان اكتسب هذا الحكم الدرجة القطعية، لوحق شاهد الزور الذي شهد ضد المحكوم عليه، ثم قضي على هذا الشاهد بادانته لارتكابه جرم الشهادة الكاذبة(158).
ويلاحظ ان المشرع الاردني قد حذا حذو المشرع الفرنسي بالنسبة لهذه الحالة من حالات اعادة المحاكمة، اما المشرع المصري فقد اضاف الى هذه الحالة، وهي حالة الحكم على بعض شهود الاثبات من اجل الشهادة الكاذبة، حالة الحكم علي الخبير من اجل التزوير في رأية، وحالة الحكم بتزوير ورقة قدمت اثناء نظر الدعوى، وذلك لانه لا معنى للتفرقة بين حالة شهادة الزور وهاتين الحالتين، كما جاء في المذكرة الايضاحية لمشروع قانون الاجراءات الجنائية المصري الذي يضيف بأن اثر الورقة المزورة او راي الخبير في عقيدة القاضي الجنائي غالبا ما يكون اشد من اثر الشهادة الشفوية، وقد تلافى النص المصري بذلك نقد الفقه لعدم التسوية بين ادانة الشاهد وتزوير الورقة (159).
وينبغي لقيام هذه الحالة من حالات اعادة المحاكمة، توافر شرطين هما صدور حكم بات بالادانة ثم اكتشاف الشهادة الكاذبة وادانة الشاهد بها والحكم عليه بحكم قطعي، كما يتعين ان يكون للشهادة الكاذبة تأثير في الحكم بالادانة.

الشرط الاول : اكتشاف الشهادة الكاذبة بعد صدور حكم مبرم بالادانة.
ومقتضى هذا الشرط ان يصدر حكم بالادانة وان يصبح هذا الحكم باتا، وبعد ذلك يتم اكتشاف ان احد الشهود الذين شهدوا على المحكوم عليه كاذبا، فيلاحق وفقا لقانون العقوبات (160)  ويحكم عليه بالشهادة الكاذبة بحكم بات، وعندئذ يجوز لمن يحكم عليه بناء على هذه الشهادة الكاذبة طلب اعادة المحاكمة، واما اذا اكتشفت الشهادة الكاذبة قبل صدور الحكم بالادانة او قبل صيرورته نهائيا، فان للمحكوم عليه اثبات كذب هذه الشهادة امام المحكمة نفسها التي تنظر القضية، او عن طريق الطعن بالحكم، ومن ثم لا يكون هناك مجال لطلب اعادة المحاكمة، كما انه لا تعتبر هذه الحالة متوافرة ولا يجوز بالتالي طلب اعادة المحاكمة، اذا اعترف الشاهد بكذبه ولم يؤخذ باعترافه، او اذا رفعت دعوى ضده ولم يصدر فيها حكم بات بالادانة بسبب وفاته اثناء نظر الدعوى او قبل رفعها او ضده ولم يصدر فيها حكم بات بالادانة بسبب وفاته اثناء نظر الدعوى او قبل رفعها، او لعدم قبولها بسبب التقادم او لصدور عفو عام (161)، او اذا كان الحكم بادانة الشاهد قد صدر وطعن به ولم يتم الفصل في الطعن، فلا يجوز عندها طلب اعادة المحاكمة (162).
ويقصد بالشهادة الكاذبة Faux temoignage الشهادة الزور التي يدلي بها الشخص امام سلطة قضائية بعد ان يحلف اليمين القانونية(163). فينكر الحقيقة او يكتم بعض او كل ما يعرفه من وقائع القضية التي يسأل عنها، وينبغي ان يكون الشخص احد شهود الاثبات الذين شهدوا على المحكوم عليه، فاذا كان الشاهد قد استمع اليه على سبيل الاستدلال، وكذب في شهادته، فان شهادة الزور لا تكون قد استوفت اركانها(164)، وبالتالي فانه لا يوجد ما يبرر اعادة المحاكمة، لان النص جاء واضحا وصريحا، حيث ورد فيه عبارة" قضي بالشهادة الكاذبة على من كان قد شهد عليه بالمحاكمة" ومعنى هذا انه اذا كان الشاهد الذي قضى عليه بالشهادة الكاذبة من شهود الدفاع ولم يكن قد شهد على المحكوم عليه بل شهد لمصلحته، فانه لا يجوز طلب اعادة المحاكمة.

الشرط الثاني :  ان يكون للشهادة الكاذبة تأثير في الحكم بالادانة :
ومعنى هذا الشرط انه يلزم لشهادة الشاهد التي تبين كذبها تأثير في الحكم بالادانة، اي ان تؤثر في المحكمة وفي عقيدة القاضي، فتستند المحكمة في حكمها الى اقوال الشاهد الذي ثبت كذبه فيما بعد، ولا يؤثر في قيام هذا الشرط ان تكون المحكمة قد استندت الى ادلة اخرى عند حكمها بالادانة، ذلك ان قناعة المحكمة لا تتولد من دليل واحد، بل تتكون من جماع الادلة التي طرحت امامها (165). لذا فان بطلان احد هذه الادلة قد يؤثر في مجموعها (166).
واذا تبين ان شهادة الشاهد لم يكن لها تأثير في الحكم الصادر بادانة المتهم ولم تأخذ بها المحكمة وانها طرحتها جانبا ولم تؤسس حكمها بالادانة على هذه الشهادة، وانما اسسته على ادلة اخرى، فلا يجوز عندئذ اعادة المحاكمة (167).


المبحث الرابع
ظهور واقعة او مستندات جديدة

تعد هذه الحالة انها الاهم والاشمل بين حالات اعادة المحاكمة، وهي من العموم بحيث تشمل الحالات الثلاث الاخرى(168). بل يمكن القول بأنه ومع وجود هذا الوجه من اوجه الطعن باعادة المحاكمة، لا محل لوجود الاوجه الاخرى، اذ ان كل حالة من حالات اعادة المحاكمة التي سبق بيانها، ما هي الا واقعة جديدة(169). وعلى هذا فان حالات اعادة المحاكمة الثلاث الاولى تعتبر كأنها تطبيقات محددة للحالة الرابعة(170). وقد عبرت المادة 292/د من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردنية عن هذه الحالة بالنص على انه اذا وقع او ظهر بعد الحكم حدث جديد او ابرزت مستندات كانت مجهولة حين المحاكمة، وكان من شأن ذلك اثبات براءة المحكوم عليه، فانه يجوز طلب اعادة المحاكمة(171).
ولم يبين المشرع ما هو المقصود بالوقائع او الاحداث او المستندات ولكنه اشترط ان تكون مجهولة وقت المحاكمة اي غير معلومة  وان يكون من شأن هذه الوقائع او المستندات ان تثبت براءة المحكوم عليه، فقد تكون مجرد وقائع مادية او شهادة شاهد، او تقرير طبي او وثيقة رسمية او رسالة خطية(172)، ويكون المشرع بهذا قد فتح مجالا واسعا يستوعب اي دليل جديد من شأنه ان يثبت براءة المحكوم عليه، دون التقيد بواقعة بعينها او بدليل بعينه حتى يمكن اعادة المحاكمة، ومن هنا يمكن ملاحظة مدى عموم هذه الحالة التي يمكن ان تنطوي تحتها جميع الحالات السابقة(173).
ونظرا لما تتصف به هذه الحالة من المرونة والاطلاق، فقد حظيت باهمية خاصة، لان التوسع في تطبيقها قد يؤدي الى خطر العبث بحجية الاحكام اذا ما اسيء استعمالها، ودفعا لهذا الخطر، فانه ينبغي تحديد شروط تطبيق هذه الحالة بدقة بالغة، حتى يكون ذلك ضمانا اكيدا لحسن تطبيق قواعد الطعن باعادة المحاكمة، دون افتئات على حجية الاحكام من جهة ودون انحراف عن الغاية التي استهدفها المشرع من وراء هذه الطريقة من طرق الطعن من جهة اخرى(174).
كما ان صياغة هذه الحالات في عبارات واسعة ضمن النص التشريعي، يجعلها شاملة لجميع الحالات السابقة لها – كما اسلفنا – وعليه فان تحديد نطاقها الصحيح ورسم حدودها التي تميزها عن باقي الحالات الاخرى انما يكون باستبعاد هذه الحالات، وقصر نطاق الحالة الرابعة على ما دون ذلك(175). ويتضح من قراءة نص الفقرة (د) من المادة 292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني انه يلزم لتطبيق هذا النص توافر شروط ثلاثة هي :
1. ظهور حدث جديد او ابراز مستندات كانت مجهولة.
2. ان يكون الحدث او هذه المستندات مجهولة حين المحاكمة.
3. ان يكون من شأن هذا الحدث او هذه المستندات اثبات براءة المحكوم عليه.

وسوف ندرس كل شرط من هذه الشروط في مطلب مستقل.
المطلب الاول : ظهور حدث جديد او ابراز مستندات كانت مجهولة.
ان وجود حدث جديد او ابراز مستندات كانت مجهولة يعد من قبيل الواقعة الجديدة التي تصلح لان تكون احدى حالات اعادة المحاكمة، وهذه الحالة من المرونة بمكان بحيث يستطيع الاجتهاد ان يتوسع فيها اكثر فاكثر، لان اشتمالها على عنصرين " الحدث الجديد "و" المستندات المجهولة " يمكن ان يتضمن كل منهما امورا كثيرة(176) :
‌أ. الحدث الجديد :
هو الواقعة او الوقائع المادية التي تنفي توافر الركن المادي للجريمة التي صدرت بشأنها الحكم الجزائي محل طلب اعادة المحاكمة(177)، كأن يثبت من خلال هذا الحدث الجديد ان الفعل الجرمي لم يقع اصلا، او ان المحكوم عليه كان غائبا وقت ارتكاب الجريمة، او ان يتم العثور على الشيء  المدعى بسرقته في حوزة المجني عليه.

وقد ذهب الرأي السائد في الفقه الفرنسي فيما مضى الى القول بأن الحدث الجديد او الواقعة الجديدة التي تجيز طلب اعادة المحاكمة يجب ان تكون من الوقائع المادية Un fait materiel(178) التي يمكن ادراكها بالحس، اما اذا كانت الواقعة ذات قيمة معنوية غير محسوسة، فانه لا يجوز طلب اعادة المحاكمة تأسيسا عليها، لانها موضع خلاف في التقدي(179).

اما في الوقت الحاضر، فانه لا يشترط ان تكون الواقعة مادية يدركها الحس حتى يمكن طلب اعادة المحاكمة بل يكفي ان تكون واقعة تمثل  قيمة معنوية غير محسوسة طالما انها ثبتت على وجه قاطع بحيث لا يكون هناك مجال للمناقشة او اختلاف الراي حولها، وبناء عليه فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية الى القول بانه اذا ثبت المرض العقلي على وجه القطع واليقين وقت ارتكاب الجريمة، فان طلب اعادة المحاكمة يكون مقبولا، لان حالة الجنون تشكل واقعة جديدة(180).
ويثور التساؤل حول حكم الواقعة العلمية، وذلك عند ظهور اكتشاف علمي جديد يناقض فكرة علمية كانت سائدة واستندت اليها المحكمة عند حكمها بالادانة(181)، فهل يصح اعتبار هذه الواقعة بمثابة واقعة جديدة تجيز طلب اعادة المحكمة ؟ بالرجوع الى احكام محكمة النقض الفرنيسية، نجد ان هذه المحكمة قد تعرضت لبحث مشكلة في قضية اتهم فيها صيدلاني يدعى Danyal كان قد اتهم بقتل زوجته بالسم، وادانته محكمة جنايات السين في 10/5/1978 بعد ان ثبت من تشريح جثة المجني عليها ومن التحليل الكيميائي لاعضائها، وجود كميات من مادة الزرنيخ السامة بها، وبعد ان اكد الخبراء بوجود علاقة بين وفاة الزوجة وبين وجود مادة الزرنيخ في جثتها، حكم عليه بالوضع بالاشغال الشاقة المؤبدة، وكان الراي السائد علميا في ذلك الوقت ان مادة الزرنيخ لا يمكن تواجدها بصورة طبيعية في الجسم البشري وتأسيسا على هذه الواقعة، تقدم المحكوم عليه بطلب الى محكمة النقض لاعادة النظر في الحكم الصادر بادانته، ولكن محكمة النقض قضت برفض هذا الطلب في حكمها الصادر بتاريخ 8/3/1906(182)، وعللت رفضها بأن تقرير الخبراء كان قد اثبت ان مادة الزرنيخ الموجودة في جثة المجني عليها لا يمكن ان تكون قد وجدت بصورة طبيعية، لان الكمية التي عثر عليها في الجثة تزيد على الكمية التي تتواجد عادة في جسم الانسان، الا انه وبعد مرور حوالي سبعة عشر عاما، اكتشف العلم مرضا تتفق اعراضه مع اعراض التسمم بالزرنيخ، واستنادا الى هذا الاكتشاف العلمي الجديد، فقط طرح طلب اعادة النظر الصادر ضد الصيدلاني دانفال وفي هذه المرة قبلت محكمة النقض طلب اعادة النظر المبني على هذه الواقعة العلمية الجديدة، واستنادا الى ان هذه الواقعة تلقي  شكا كبيرا جدا حول الظروف التي توفيت فيها زوجة دانفال او تتولد عنها قرينة قوية تدل على براءة المتهم، مما يبرر اعادة النظر في الحكم الصادر بادانته(183).
ومما تجدر الاشارة اليه ان الواقعة العلمية يجب لاعتبارها واقعة جديدة تبرر اعادة المحاكمة، ان تكون بمثابة حقيقة علمية مستقرة وثابتة، بحيث لا يمكن التشكيك في صحتها لكونها من المسلمات التي لا تترك للمحكمة مجالا لتقديرها او اعمال الراي فيها(184). اما اذا كانت الواقعة جديدة بحاجة لاعمال الراي فيها، مما يؤدي الى اثارة الجدل حول صحتها، فان ذلك لا يبرر اعادة المحكمة(185). وتطبيقا لذلك فقد حدث ان رفضت محكمة النقض الفرنسية طلبا بالتماس اعادة النظر كان مبينا على شهادة مرضية تفيد بأن المتهم كان مصابا بمرض عقلي وقت ارتكاب الجريمة، وقد عللت المحكمة رفضها بأن واقعة الجنون قد سبق بحثها امام محكمة الموضوع، ومن ثم فان الشهادة المرضية لا تعتبر واقعة جديدة.

ومن المفروض ان يكون الحدث الجديد (الواقعة) متصلا بالواقع لا بالقانون، لذا فانه لا يعتبر حدثا جديا اي رأي او اي نظرية قانونية جديدة يخالف رأي او النظرية التي اعتمدت عليها محكمة الموضوع في قضائها الجنائي الصادر بادانة المحكوم عليه، لان القول بغير هذا سوف يفتح باب اعادة المحكمة للخطأ في تطبيق القانون، مما سيؤدي الى زعزعة مبدأ حجية الاحكام(186). وبناء عليه فان التفسير القضائي الجديد لمسألة قانونية لا يعد حدثا جديدا، لان القضاء الجنائي هو الذي يقع على عاتقه موضوع الفصل في كافة الامور التي يستند اليها توقيع العقوبة، وفي هذا الصدد، فقد قضت محكمة النقض الفرنسية برفض طلب اعادة المحاكمة الذي تقدم به الاب جاكو Jacqout تأسيسا على ان التفسير الجديد لمسألة قانونية لا يكون واقعة جديدة(187). كما قضت هذه المحكمة بأن التفسير الجديد الصادر عن القضاء الاداري للظروف المادية البحثتة لا يعد واقعة جديدة(188).
كما ان التفسير التشريعي الجديد الذي لا يتفق مع التفسير الذي اخذت به محكمة الموضوع لا يعد حدثا جديدا، لان طلب اعادة المحاكمة يبني على اساس اصلاح الخطأ الذي اصاب الحكم وذلك من جراء الخطأ في فهم واستخلاص الوقائع، وليس على اساس تصحيح الحكم الذي أخطأ في تطبيق القانون(189).
ولا يعد التعديل التشريعي واقعة جديدة، ولو كان هذا التعديل في مصلحة المحكوم عليه، كما لو الغى مثل هذا التعديل نص التجريم، لان مجال اعادة المحاكمة ينحصر في وقائع الدعوى دون جوانبها القانونية(190).

‌ب. المستندات التي كانت مجهولة :
بالنسبة للمستندات الجديدة التي يمكن ان تظهر بعد ان كانت مجهولة وتكون سببا يبرر طلب اعادة المحاكمة، فيقصد بها الاوراق او السندات الكتابية التي يستدل فيها على حصول واقعة معينة، ويستوي في ذلك ان تكون الورقة رسمية، او عرفية، كما يستوي ان تكون هذه الورقة موقعة او خالية من التوقيع.
ومفهوم المستند يؤخذ بمعناه الواسع، اذ يشمل على كل ما يمكن ان يكتب او ينقش او يرسم عليه، كالاوراق والرقاع والجلود والاخشاب والاحجار والمعادن، وعلى هذا فان عبارة مستندات " لا تقتصر في معناها على الاوراق بالمعنى الضيق، بل تشمل الاوراق وغيرها مما يصلح للكتابة عليه(191)، فهي ببساطة كل مستند مكتوب (192).
ومثال المستندات التي يمكن ان يؤدي ظهورها الى قبول طلب اعادة المحاكمة، ابراز وثيقة ملكية الاموال المسروقة للمحكوم عليه، او ابراز وصل يثبت ان المحكوم عليه قام برد الامانة في جريمة اساءة الائتمان، او ابراز وثيقة عقد زواج المحكوم عليه في جريمة الزنا لتبين قيام الزوجية بينه وبين شركته، او ابراز وثيقة خطية تثبت وجود المحكوم عليه في مكان بعيد عن مكان وقوع الجريمة وقت حدوثها(193).

المطلب الثاني : ان يكون الحدث الجديد او المستند مجهولا حين المحاكمة :
بالرجوع لنص الفقرة (د) من المادة 292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني، نجد ان المشرع قد اشترط في الواقعة (الحدث الجديد او المستند الجديد) ان تكون مجهولة حين المحاكمة، ولم يبين طبيعة مثل هذا الحدث الجديد، واستعمل عبارتي اذا (وقع) او (ظهر)، مما يوحي بأن الحدث الجديد او المستند قد يكون موجودا وقت صدور الحكم بالادانة ولكنه كان مجهولا للمحكمة انذاك، كما يوحي ايضا ان يقع الحدث او ينظم المستند بعد صدور الحكم بالادانة فيكون جديدا في نشوئه.
ومعنى هذا انه لا يشترط ان يكون الحدث (الواقعة) او المستند جديدا كل منهما في وجوده او نشوئه، بل يكفي ان يكون مجهولا وقت اصدار الحكم(194)، فالحدث الجديد هو الواقعة السابقة او اللاحقة على صدور الحكم بالادانة، وتوصف الواقعة بأنها " جديدة " لظهورها بعد صدور الحكم، ومعيار الجدة هو ظهور الواقعة، وليس الواقعة في ذاتها(195)، فاذا كانت المحكمة تجهل واقعة معينة من شأنها اثبات براءة المتهم، فان مثل هذه الواقعة تصلح لان تكون سببا في اعادة المحاكمة بغض النظر عن زمن حدوثها، لان جدة الواقعة لا تنصرف الى تاريخ حدوثها، بل تنصرف الى تاريخ كشفها، وظهورها(196)، ومثال ذلك ان تظهر على المحكوم عليه اعراض تثبت اصابته بالجنون، وان هذا الجنون يمتد الى وقت ارتكاب الجريمة(197).
اما اذا كانت الواقعة او المستند معلوما لدى المحكمة وقت اصدار الحكم بالادانة، فانه لا يجوز الاعتماد على مثل هذه الواقعة او المستند كسبب لاعادة المحاكمة(198).
ولقد ثار الخلاف حول تحديد نطاق الجهل بالواقعة حتى تعتبر واقعة مجهولة، فذهب راي الى القول بأن الوقائع او المستندات يجب ان تكون مجهولة من قبل المحكمة والمحكوم عليه، فاذا كان هذا الاخير عالما بها، ولم يتقدم بها الى المحكمة، فلا يصح له بعد ذلك ان يتقدم بطلب لاعادة المحاكمة استنادا اليها، وقد اخذ بها الراي جانب من الفقه في مصر(199)  وتسانده في ذلك بعض احكام محكمة النقض(200).
اما الرأي الاخر في الفقه(201) فيتجه الى القول بأنه يكفي ان تكون الواقعة غير معلومة لدى المحكمة وقت الحكم بالادانة لجواز طلب اعادة المحاكمة، ولو كان المتهم عالما بها واهمل في كشفها او تعمد اخفاءها(202).

ونحن نرى بأن الرأي الاخير هو الاجدر بأن يتبع، "لان علة اعادة المحاكمة هي اصلاح الخطأ الذي شاب الحكم، والغاء ادانة ظالمة اذت الشعور بالعدالة في المجتمع، وغني عن البيان ان الخطأ يظل قائما والحاجة لاصلاحه تظل قائمة كذلك، ولو علم به المتهم، وكان في وسعه ان يحول دون وقوع المحكمة فيه، ولكنه لم يفعل"(203).

يضاف الى ذلك ان الواقعة لو علمت بها المحكمة وتأكدت منها من خلال البينات، فسوف تأخذ بها ولو انكرها المتهم، ذلك ان الامر يظل في يد المحكمة، ويدخل ضمن نطاق سلطتها التقديريه، وهي لا تركن في حكمها الى ما يعرفه المتهم ويدلي به فقط، بل تستند الى مجموعة من الادلة التي تستقيها من خلال ما يعرض عليها من بينات، ولو تعمد المتهم اخفاء بعض الادلة او اهمل في تقديم بعض الوقائع التي تثبت براءته، وعليه فانه لا يجوز ان يقع المتهم ضحية اهماله في الدفاع عن نفسه، او ان يتحمل وزر تقديراته الخاطئة في اخفاء بعض الوقائع المثبتة لبراءته(204). والعبرة دائما هي ان طلب اعادة المحاكمة يجب ان ينصب على خطأ المحكمة وليس على خطأ المتهم في الاهمال او التقصير في تقديم ما يثبت براءته، بل ان مثل هذا الاهمال او التقصير لا يمكن ان يسلب المتهم حقه في طلب اعادة المحاكمة، لانه لا يجوز ان يبقى الحكم الصادر على بريء من اجل جريمة لم يقترفها قائما حتى ولو كان ذلك بارادته، فالمصلحة الاجتماعية في اصلاح الخطأ القضائي تقتضي اظهار الحقيقة ولو كان ذلك على حساب مصلحة المجتمع بعد المساس بمبدأ الاستقرار القانوني(205)، ذلك ان الاساس القانوني لنظام اعادة المحاكمة بعد صيرورة الحكم نهائيا هو تحقيق العدالة، وليس من العدالة في شيء ان يتحمل شخص بريء عقوبة جريمة لم يرتكبها لانه اهمل في الدفاع عن نفسه او تعمد ذلك.
اخيرا  فانه يجب لكي يعتبر الحدث جديدا، ان لا يكون قد عرض على المحكمة بأي وجه كان، فاذا كانت قد نوقشت بعض الوقائع امام المحكمة ولو من باب الجدل او الافتراض فانها لا تكون حدثا جديدا، ولا يجوز معها طلب اعادة المحاكمة(206).

المطلب الثالث : ان يكون من شأن الحدث الجديد او المستندات اثبات براءة المحكوم عليه
بالرجوع لنص الفقرة (د) من المادة 292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني، نجد ان المشرع يشترط ان يكون من شأن الحدث الجديد او المستند اثبات براءة المحكوم عليه، هذا يعني ان الواقعة الجديدة المتمثلة بحدث جديد او مستند جديد، يجب ان تكون على قدر من الاهمية بحيث تثبت براءة المحكوم عليه، وعندئذ يمكن ان تكون سببا وجيها يبرر تجاوز حجية الحكم الجزائي الصادر بالادانة واعادة المحاكمة، لذا فان الواقعة الجديدة التي يمكن ان تؤدي الى توقيع عقوبة اخف على المحكوم عليه، لا تصلح سببا لاعادة المحاكمة لانه ليس من شأنها اثبات براءته(207).
ويذهب رأي الى وضع معيار يضيق من مدلول الواقعة الجديدة او الحدث الجديد، بحيث يجب ان تكون هذه الواقعة الجديدة " دالة بذاتها على براءة المحكوم عليه، او يلزم عنها حتما سقوط الدليل على ادانته او على تحمله التبعة الجنائية "(207). ومعنى هذا ان الواقعة الجديدة اذا كانت لا تثبت البراءة على وجه اليقين وانما تفيد احتمالها او مجرد الشك في التهمة التي اسندت للمحكوم عليه، فان ذلك لا يكفي لطلب اعادة المحاكمة، ومبعث هذا التفسير الضيق انه ينسجم تماما مع مام ورد في منطوق الفقرة (د) من المادة 292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية "... وكان من شأن ذلك اثبات براءة المحكوم عليه ".
فالقانون يشترط الثبوت اليقيني للبراءة، وهذا يعني ان الحدث الجديد يجب ان يدل على معنى اكبر من مجرد الشك او مجرد احتمال البراءة، كما ان الدافع الى تبني هذا التفسير الضيق هو الحرص على مبدأ حجية الاحكام نه اذ ان المصلحة الاجتماعية تقضي بوضع حد للنزاع الذي فصل فيه القضاء بحكم نهائي، فاصبح هذا الحكم عنوانا لحقيقة اقوى من الحقيقة نفسها، والقول بغير ذلك يمس بهيبة القضاء، كما ان من شأنه ان يؤدي الى تناقض احكامه(209).
ويذهب رأي اخر الى الاخذ بمعيار يوسع من مدلول الواقعة الجديدة او الحدث الجديد، انطلاقا من فكرة التوفيق بين النظام العام الذي يقوم عليه مبدأحجية الأحكام النهائية  وبين الشعور بالعدالة في صورة طلب اعادة المحاكمة، وبناء على ذلك، فانه يكفي في الواقعة الجديدة ان يكون من شأنها اثبات براءة المحكوم عليه او توافر شك كبير في ادانته، فتجعل براءته ترجح على ادانته،  ويتحقق هذا حين يكون من شأن الواقعة الجديدة، متى اضيفت الى سائر الادلة المتوفرة في الدعوى، ان تخلق احتمالا قويا ببراءة المحكوم عليه(210).
ويستند اصحاب هذا الراي الى فكرة ان اعادة المحاكمة لا تتعارض مع مبدأ قوة الامر المقضي به بل ان اكتشاف الخطأ في الحكم القضائي هو الذي يمكن ان يمس هذا المبدأ(211)، كما يستند انصار هذا الراي الى حجة اخرى مفادها ان القانون قد اجاز اعادة المحاكمة في حالة الحكم على احد الشهود في الدعوى وادانته بتهمة الشهادة الكاذبة، ولا شك ان مثل هذه الادانة للشاهد لا تؤكذ كما لا تدل على نحو قاطع على براءة المحكوم عليه، بل انها تؤدي الى مجرد الشك في ادانته، وهذا يدل على ان الشك في ثبوت التهمة المسندة للمحكوم عليه يكفي في نظر المشرع لجواز طلب اعادة المحاكمة، ويخلص اصحاب هذا الراي الى القول بأنه يكفي في الواقعة الجديدة ان يكون من شأنها التشكيك في ادانة المحكوم عليه ولو كانت لا تقطع ببراءته فعلا، ويجوز طلب اعادة المحاكمة فاذا ما اضفنا ان مبدأ الشك يفسر دائما لمصلحة المتهم، فانه يكفي لطلب اعادة المحاكمة وجود شروط لدرجة جسامة هذا الاحتمال والا وقعنا في تناقض مع مبدأ البراءة ذاتها(212).
وقد اخذت محكمة النقض الفرنسية بهذا المعيار الواسع(213). وهو على ما يبدو الرأي الصحيح حيث انه ينسجم اكثر مع مباديء العدالة، كما يقوم على اعتبارات انسانية لا يمكن التغاضي عنها(214).
ومن امثلة الوقائع الجديدة التي من شأنها اثبات براءة المحكوم عليه، ان تظهر واقعة جديدة او مستند جديد يدل على ان المحكوم عليه كان محبوسا وقت ارتكاب الجريمة (207). او ان يعترف شخص اخر بارتكابه للجريمة التي ادين بارتكابها المحكوم عليه، او ان يثبت بناء على الواقعة الجديدة انتفاء احد اركان الجريمة(216)، كما لو ادين المحكوم عليه من اجل خيانة الامانة ثم تبين بناء على واقعة جديدة انه كان قد رد الشيء الذي اؤتمن عليه قبل تحريك الدعوى ضده(217). على انه لا يعد من قبيل الواقعة الجديدة التي تجيز اعادة المحاكمة التي ادين بها، اذا كان قد سبق الدفع بجنون المتهم اثناء محاكمته، وناقشت المحكمة هذا الدفع ورفضته، او ان يقدم المحكوم عليه تفسيرا لنص التجريم الذي طبقته المحكمة يؤدي الى عدم انطباق هذا النص على واقعة الدعوى، ولو استقر القضاء فيما بعد على الاخذ بذلك التفسير، او تأيد بتفسير تشريعي، كما لا يجيز اعادة المحاكمة صدور قانون جديد يجعل الفعل الذي حكم على المتهم من اجله غير معاقب عليه، اذ يسقط الحكم في هذه الحالة بقوة القانون وتزول اثاره الجزائية(218). وكذلك فان طلب اعادة المحاكمة لا يقبل اذا كان فعل الايذاء المقصود الذي ارتكبه المحكوم عليه قد سبب عاهة دائمة للمشتكي متمثلة في عجز بصره بنسبة 10%، وبعد صدورحكم قطعي بادانته، قدم المحكوم عليه تقريرا طبيا لاحقا يتضمن ان قوة الابصار لدى المشتكي هي 6/6، لان مثل هذا التقرير الطبي الاخير لا يؤدي الى براءة  المحكوم عليه، لذا فان طلب اعادة المحاكمة لا يكون واردا في هذه الحالة(219).
بهذا نكون قد بيّنا الشروط العامة الواجب توافرها في الحكم الذي يجوز الطعن فيه باعادة المحاكمة، كما بيّنا الحالات التي يجوز فيها اعادة المحاكمة، الا ان هناك بعض الاجراءات التي توجب اتباعها عند طلب اعادة المحاكمة وهذا ما سوف نتعرض له في الفصل التالي.



الفصل الثالث
اجراءات اعادة المحاكمة

بين المشرع ما هي الاجراءات الواجب اتباعها لتقديم طلب اعادة المحاكمة، وبين ايضا من هم الاشخاص الذين يعود اليهم طلب اعادة المحاكمة، وفي هذا الفصل سوف نبدأ ببيان هؤلاء الاشخاص كما نصت على ذلك المادة 293 من قانون اصول المحاكمات الجزائيةالاردني(المبحث الاول)، ومن ثم ندرس في(المبحث الثاني) الاجراءات الواجب اتباعها في تقديم طلب اعادة المحاكمة.

المبحث الاول
الاشخاص الذين يعود اليهم حق طلب اعادة المحاكمة

تنص المادة 293 من قانون اصول المحاكمات الجزائيةالاردني على انه : يعود طلب اعادة المحاكمة :
1. لوزير العدل.
2. للمحكوم عليه ولممثله الشرعي اذا كان عديم الاهلية.
3. لزوجته وبينه وورثته ولمن اوصى له اذا كان ميتا او ثبت غيبته، بحكم القضاء.
4. لمن عهد اليه المحكوم عليه بطلب الاعادة صراحة.
واول ما يلاحظ على نص هذه المادة ان المشرع قد توسع في تحديد الاشخاص الذين يحق لهم تقديم طلب اعادة المحاكمة فمنح هذا الحق لكل من وزير العدل(220)، وللمحكوم عليه او لممثله الشرعي اذا كان عديم الاهلية(220)، ولزوجته وبنيه وورثته ولمن اوصى له اذا كان ميتا او ثبتت غيبته بحكم القضاء، واخيرا لمن عهد اليه المحكوم عليه بطلب اعادة المحاكمة صراحة. كما ان المشرع قد حدد هؤلاء الاشخاص على سبيل الحصر، فلا يقبل من سواهم(222). فلا يقبل هذا الطلب مثلا لا من المدعي المدني ولا من المسؤول عن الحقوق المدنية، لان طلب اعادة المحاكمة يقتصر على الاحكام الجزائية الصادرة بالعقوبة، ولا شأن له بالتعويضات المدنية(223).
ويبقى المحكوم عليه هو المستفيد الاكبر من اعادة المحاكمة، اذ يجوز له ان يطلب ذلك كما يجوز لممثله الشرعي – ان كان عديم الاهلية – ان يطلب اعادة المحاكمة، بل ان مثل هذا الطلب جائز ويبقى قائما حتى بعد وفاة المحكوم عليه اذا كان قد صدر حكم بات في الدعوى قبل الوفاة، وفي مثل هذه الحالة فان وفاة المحكوم عليه لا تمحو هذا الحكم البات(224)، ويبقى طلب اعادة المحاكمة هو الطريق الوحيد للطعن به اذا ما ثبت خطأ هذا الحكم، لان العدالة تستوجب ذلك انصافا للمحكوم عليه المتوفى، ولازالة وصمة الحكم الجزائي الذي صدر بحقه، لذلك فان المشرع اعطى لورثته الحق بطلب اعادة محاكمته رغم موته، ويلاحظ ان زوج المحكوم عليه المتوفى وورثته لا يجوز لهم طلب اعادة محاكمته وهو حي، لان مثل هذا الطلب يكون من حقه وحده، وليس من حق ورثته ولا زوجته، الا اذا عهد المحكوم عليه الى احدهم اوالى غيرهم بطلب اعادة المحاكمة صراحة كما هو وارد في نص المادة 293 من قانون اصول المحاكمات الجزائية. واذا كان المحكوم عليه قد ثبتت غيبته بحكم قضائي فيجوز لممثله الشرعي ان يطلب اعادة محاكمته.
ولم يفرق المشرع الاردني بالنسبة للاشخاص الذين لهم الحق في تقديم طلب اعادة المحاكمة، بين اي من الحالات الاربع الواردة في المادة 292 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، وجعل تقديم هذا الطلب من حق الاشخاص الوارد ذكرهم في المادة 293 دون تمييز بين حالة واخرى، على عكس ما فعل المشرع المصري، اذ ان المادة 443/1 من قانون الاجراءات الجنائية قد جعلت " للنائب العام وحده سواء من تلقاء نفسه او بناء على طلب اصحاب الشأن حق اعادة النظر في حالة ما اذا حدثت او ظهرت بعد الحكم وقائع او اذا قدمت اوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة، وكان من شأن هذه الوقائع او الاوراق ثبوت براءة المحكوم عليه "(225). و كنا نتمنى على مشرعنا الاردني ان يحذو حذو المشرع المصري بالنسبة للحالة الرابعة من حالات اعادة المحاكمة، وان يقصر الحق في تقديم الطلب على رئيس النيابة العامة وحده في هذه الحاله فقط سواء من تلقاء نفسه او بناء على طلب ذوي الشأن، ذلك ان الامر متعلق بتقدير الوقائع او الاوراق التي قد تظهر بعد صدور الحكم البات دون ان تكون معلومة لدى محكمة الموضوع.

وخلاصة القول انه يشترط فيمن له الحق بتقديم طلب اعادة المحاكمة :
أ‌- ان يكون ذا صفة، اي من الاشخاص الذين ذكرهم القانون على سبيل الحصر كما ورد في المادة 293 من قانون اصول المحاكمات الجزائية كما بينا أنفا.
ب‌- ان يتوافر شرط المصلحة في الطعن لاعادة المحاكمة، اذ يجب ان يكون للطاعن مصلحة مادية او معنوية اكيده من اعادة المحاكمة وبدون هذه المصلحة لا يقبل الطعن (226)، وهذا الشرط وان لم يرد ذكره صراحة في النصوص الخاصة باعادة المحاكمة، الا انه شرط بديهي وهو يتعلق بالمبادئ العامة في اصول المحاكمات الجزائية، خاصة وان الامر فيه مساس بمصلحة اجتماعية تقوم على مبدأ الاستقرار القانوني، من خلال التمسك بقوة الامر المقضي به بالنسبة للاحكام الجزائية التي اكتسبت الدرجة القطعية.


المبحث الثاني
الاجراءات الواجب اتباعها في تقديم طلب اعادة المحاكمة

تقضي المادة 294 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني بأن يقدم طلب اعادة المحاكمة لوزير العدل، ويحيل وزير العدل هذا الطلب على محكمة التمييز ولا يقرر احالته اذا وجده مبنيا على اساس واه. من خلال نص القانون يتبين ان المشرع لم يشترط ان يكون لطلب اعادة المحاكمة شروطا معينة، وعلى ذلك يكفي ان يحتوي طلب اعادة المحاكمة على اسم الطالب والحكم المطعون فيه والاسباب التي يستند اليها(227). ولا يوجد في القانون ميعاد معين لتقديم طلب اعادة المحاكمة، فيجوز طلب الاعادة في اي وقت ولا يسقط الحق في تقديمه بمضي مدة معينة(228).
ولكن المشرع يشترط ان يقدم طلب اعادة المحاكمة (ممن يجوز لهم ذلك) لوزير العدل فقط، ولا يصح ان يقدم هذا الطلب الى اي شخص غيره وذلك طبقا لنص المادة 294/1 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، وكل طلب لاعادة المحاكمة لا يقدم عن طريق وزير العدل لايقبل، ويقوم الوزير بدراسة الطلب ليرى ما اذا كان مدعما بحجج قوية ام لا، فاذا وجد انه مبنيا على سبب واه، كما ورد في المادة 294/ 2، فله ان يرفض هذا الطلب، وليس في نصوص القانون ما يلزم وزير العدل باستشارة احد حول موضوع طلب اعادة المحاكمة(229)، وله مطلق الحرية في رفض الطلب او قبوله شريطة ان يدعم ذلك باسباب معقولة تؤكد هذا الرفض او هذا القبول(230).
واذا ما وجد وزير العدل ان طلب اعادة المحاكمة يستند على سبب جدي، فانه يحيله الى محكمة التمييز، ولهذه المحكمة حق النظر في الطلب، فأن وجدت ان له وجاهته، قررت قبوله، وبعد ذلك تقوم محكمة التمييز باحالة القضية برمتها الى محكمة من نفس درجة المحكمة التي اصدرت الحكم بالاساس(231).
وعلى محكمة التمييز ان تتأكد قبل قبولها لطلب اعادة المحاكمة من ان الحكم المطعون به هو من الاحكام التي يجوز الطعن فيها بطريق اعادة المحاكمة، وان تتأكد من ان هذا الحكم قد اكتسب الدرجة القطعية، وعليها بعد ذلك ان تتحقق من ان طلب اعادة المحاكمة يستند على احدى الحالات الاربع التي حددها المشرع في المادة 292 على سبيل الحصر، كما ان عليها ان تستوثق من ان طلب اعادة المحاكمة قد قدم ممن له الحق قانونا بتقديمه وفقا لنص المادة 293 من قانون اصول المحاكمات الجزائية وان هناك مصلحة في الطعن باعادة المحاكمة(232).  فاذا تبين للمحكمة ان جميع هذه الشروط متوافرة، وان طلب اعادة المحاكمة له ما يبرره، قضت بقبوله. اما اذا تبين لمحكمة التمييز ان احد هذه الشروط لم يتوافر قضت بعدم قبول طلب اعادة المحاكمة شكلا(233).
واذا ما قررت محكمة التمييز رفض طلب اعادة المحاكمة، فان هذا الرفض سيبنى حتما اما على اساس عيب شكلي في الطلب واما لسبب موضوعي، فان كان الرفض بسبب عيب شكلي، فمن الجائز تجديد الطلب باعادة المحاكمة، بناء على نفس الوقائع، بعد تصحيح الشكل المطلوب قانونا لتلافي العيب الذي رفضت من اجله محكمة التمييز طلب الاعادة، اما اذا كان الرفض لسبب موضوعي، فلا يجدد طلب اعادة المحاكمة بناء على نفس الوقائع، اما اذا ظهرت وقائع جديدة، فانه يمكن عندئذ تجديد طلب الاعادة، ويكون من الجائز قبول هذا الطلب ان توافرت فيه الشروط الشكلية المطلوبة(234).




الفصل الرابع
اثار الطعين باعادة المحاكمة

هناك اثار تترتب على الطعن باعادة المحاكمة، فاذا ما قبل طلب الاعادة فان اول اثر يترتب عليه هو وقف انفاذ الحكم الذي طلبت اعادة المحاكمة من اجله (235)، كما ان قبول الطلب باعادة المحاكمة يقتضي ان تقوم محكمة التمييز بالنظر في موضوع البت في الطلب من حيث قبوله او رفضه، واذا ما تقرر ابطال الحكم المطعون فيه باعادة المحاكمة فان هناك نتائج معينة سوف تترتب على ذلك، وفي هذا الفصل سوف نقوم بدراسة اثار الطعن باعادة المحاكمة في مباحث ثلاث، نخصص المبحث الاول منها لموضوع ايقاف نفاذ الحكم الذي طلبت اعادة المحاكمة من اجله، والمبحث الثاني يخصص لبيان موضوع الحكم في طلب اعادة المحاكمة، بينما نخصص المبحث الثالث لدراسة النتائج المترتبة على اعادة المحاكمة.


المبحث الاول
اثر طلب اعادة المحاكمة على انفاذ الحكم

ينحصر هذا الاثر في الاحكام القطعية الصادرة بالادانة والتي هي في مرحلة التنفيذ  او التي لم تنفذ بعد، اما الاحكام القطعية التي تم تنفيذها، فانه لا مجال لانطباق هذا الاثر عليها، لانه لا محل له، اذ ليس من المتصور اعمال هذا الاثر على حكم صدر وجرى تنفيذه.
فاذا لم يكن قد بديء بتنفيذ الحكم او كان قد بديء به ولم ينته تنفيذه بعد، فان قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني يرتب على تقديم طلب  باعادة المحاكمة بالنسبة لهذا الحكم وقف انفاذه، الا ان هذا الاثر ليس مطلقا، فقد يكون وقف انفاذ الحكم الزاميا، كما قد يكون اختياريا(236) ، على التفصيل التالي :

اولا :  الوقف الالزامي لانفاذ  الحكم :
تنص المادة 295/1 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني على انه اذا لم يكن الحكم الذي طلب الاعادة من اجله قد نفذ فيتوجب وقف انفاذه حتما من تاريخ احالة وزير العدل طلب الاعادة على محكمة التمييز. ويلاحظ أن وقف إنفاذ الحكم يكون بقوة القانون في حالة ما إذا كان قبل الطلب بإعادة المحاكمة من وزير العدل و كان الحكم الذي طلب من أجله الإعادة لم ينفذ بعد (237)  و ذلك واضح من استعمال المشرع لعبارة " فيتوجب وقف إنفاذه حتما "(238)

ثانيا : الوقف الاختياري لانفاذ الحكم
في حالة ما اذا كان الحكم الذي طلبت من اجله اعادة المحاكمة قد بديء بتنفيذه، فان الامر يترك لتقدير وزير العدل، الذي يستطيع ان يأمر بوقف انفاذ الحكم لحين  عرض الطلب على محكمة التمييز، وهذه المحكمة هي التي تقرر بعد ذلك في امر وقف انفاذ الحكم، لان الامر جوازي لها كما تشير الى ذلك الفقرة الثانية من المادة 295 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني حيث تنص على ان لهذه المحكمة(محكمة التمييز)، ان تأمر بوقف انفاذ الحكم في قرارها القاضي بقبول طلب اعادة المحاكمة.


المبحث الثاني
الحكم في طلب اعادة المحاكمة

اولا :  باستعراض نص المادة 294 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، يتبين لنا ان محكمة التمييز لا يمكن ان تضع يدها على طلب  اعادة المحاكمة الا اذا احيل عليها هذا الطلب من وزير العدل(239) و أي طلب بإعادة المحاكمة يقدم إلى محكمة التمييز مباشرة فأنه لا يقبل إذ يجب تقديمه لوزير العدل. وبعد ان يحيل وزير العدل طلب اعادة المحاكمة لمحكمة التمييز، تقوم هذه المحكمة بدراسة الطلب وتدقيقه من الناحيتين الشكلية والموضوعية، فاذا تبين لها ان طلب اعادة المحاكمة مبني على احد الاسباب التي بينها القانون على سبيل الحصر، وان لهذا الطلب جديته ووجاهته، وانه يقوم على اسباب معقولة، تقرر محكمة التمييز قبوله، وعلى العكس من ذلك اذا ما وجدت محكمة التمييز ان طلب اعادة المحاكمة مبني على اسباب واهية وغير جدية ولا مجدية فلها ان ترفض هذا الطلب.
واذا ما قررت محكمة التمييز قبول طلب اعادة المحاكمة فانها تقوم باحالة القضية على محكمة من درجة المحكمة التي اصدرت الحكم بالاساس ولا يجوز احالة القضية على نفس المحكمة التي سبق لها ان اصدرت الحكم الذي طلبت من اجله اعادة المحاكمة، لان النص القانوني للمادة 296 من قانون اصول المحاكمات الجزائية يمنع ذلك.
وحين تحال القضية الى المحكمة التي اختارتها محكمة التمييز، فان المحكمة التي احيلت لها القضية تضع يدها عليها كأية محكمة موضوع اخرى، ومن واجب هذه المحكمة ان تحدد موعدا لجلسة يدعى اليها الخصوم في الدعوى، ثم تمكن كل واحد منهم من ممارسة كافة حقوقه وتقديم بيّناته، ثم تصدر حكمها كما يرتاح اليه ضميرها بالبراءة او بعدم المسؤولية او بالادانة مع عقوبة تحددها وفق سلطتها التقديرية.
ويكون حكمها قابلا للطعن فيه مثل باقي الاحكام العادية الأخرى(241). لكن هذه المحكمة لا تستطيع في حالة الادانة ان تحكم بعقوبة تتجاوز حدود العقوبة التي قضى بها الحكم الذي طعن فيه بطلب اعادة المحاكمة، كما لا تستطيع ان تستبدلها بعقوبة اشد، وذلك عملا بمبدأ ان الطاعن لا يضار بطعنه، فلا يجوز تسويء مركز المحكوم عليه، لان تظلمه من الحكم الصادر ضده لا ينبغي ان ينقلب وبالا عليه(242).
ثانيا : يفهم من نص المادة 297 من قانون اصول المحاكمات الجزائية ان المشرع الاردني اوجب على محكمة التمييز ان تتولى هي بنفسها رؤية الدعوى بالاساس وذلك في حالة ما اذا تعذر الشروع من جديد باعادة المحاكمة مرافعة بمواجهة جميع ذوي العلاقة في الدعوى وذلك لاحد الاسباب التالية :

‌أ. وفاة المحكوم عليهم او جنونهم او فرارهم او غيابهم او بعضهم : وتقع هذه الحالة حين تقدر محكمة التمييز قبول طلب اعادة المحاكمة واحالة القضية الى محكمة اخرى، ثم يحدث ان يتوفى احد المحكوم عليهم او يصاب بالجنون، او يلوذ بالفرار او يغيب ولا يعرف مكانه، مما يجعل من اجراء محاكمة جديدة امام محكمة اخرى امرا متعذر(234).
‌ب. ثبوت عدم مسؤولية المحكوم عليهم جزائيا عن الافعال التي ادينوا بارتكابها بموجب  الحكم الذي طلب اعادة المحاكمة من اجله، اذ ان عدم المسؤولية هنا يعني عدم وجود جريمة مما يستوجب معه عدم احالة الدعوى الى محكمة اخرى لانعدام المبرر لذلك(244).
‌ج. تعذر اجراء المحاكمة لسقوط الدعوى او الحكم بالتقادم، ويمكن ان نضيف اليها العفو العام كأحد اسباب سقوط الدعوى، لانه يمحو عن الفعل الصفة الجرمية، مما يجعل من نظر الدعوى امام محكمة اخرى امرا متعذرا، اما العفو الخاص، فانه لا يمنع احالة الدعوى الى محكمة اخرى، كما لا يمنع اجراء المحاكمة من جديد لان اثر العفو الخاص ينصب على العقوبة ولا يمس الصفة الجرمية للفعل(245).
 وفي اي من الحالات الثلاث المذكورة انفا، فان على محكمة التمييز ان تتخذ قرارا بامتناع المحاكمة  علنا، وتتولى بنفسها رؤية الدعوى بالاساس، وذلك بحضور المدعين الشخصيين ان وجدوا، وبحضور وكلاء تعينهم للمحكوم عليهم ان كانوا قد توفوا ن ثم تبطل من الحكم او الاحكام السابقة ما صدر منها بغير حق(246).

المبحث الثالث
النتائج المترتبة على اعادة المحاكمة

اذا تقرر ابطال الحكم الذي طلبت اعادة المحاكمة من اجله، اعتبر كأن لم يكن، فتزول بالتالي جميع نتائجه واثاره الجنائية، وتسقط العقوبة التي كانت قد صدرت بحق المحكوم عليه ولو كانت قد نفذت، وذلك تبعا لسقوط الحكم بالادانة. ويكون سقوط العقوبة هنا معنويا او ادبيا لان العقوبة قد نفذت بالفعل، واذا كان المحكوم عليه قد دفع غرامة بموجب الحكم الاول فانه يسترد ما دفعه من غرامته وكذلك مصاريف الدعوى، كما ينبغي الغاء حرمانه من الحقوق المدنية بأثر رجعي(247).
ووفقا لنص المادة 289/1 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردنية، فان الحكم الصادر ببراءة المحكوم عليه نتيجة لاعادة المحاكمة ينبغي ان يعلق على باب المحكمة او في الاماكن العامة في البلدة التي صدر فيها الحكم الاول وفي محل الجرم وفي موطن من طلب اعادة المحاكمة وفي الموطن الاخير للمحكوم عليه ان كان متوفيا(248). كما تقضي الفقرة (2) من المادة نفسها بأن ينشرالحكم ببراءة المحكوم عليه في  الجريدة الرسمية، كما ينشر في صحيفتين محليتين اذا استدعى بذلك من طلب اعادة المحاكمة، وتتحمل الدولة نفقات النشر، ولا شك ان نشر الحكم ببراءة المحكوم عليه هو بمثابة تعويض ادبي لذلك المحكوم عليه.
اما بالنسبة لطلب التعويض المادي عن الضرر  الناشيء عن الحكم السابق، فان المشرع الاردني لم يتطرق لهذا الموضوع، ولم يقرر منح التعويض للمحكوم عليه الذي بريء عند اعادة محاكمته، ولكن عدم النص على منح التعويض للمحكوم عليه لا يحول دون حصوله على هذا التعويض، اذ انه من الممكن طبقا للقواعد العامة في المسؤولية المدنية، ان يحصل المحكوم عليه على تعويض بسبب ما اصابه من ضرر وذلك اما من الشاهد الذي شهد عليه زورا، او من الجاني  الحقيقي او من الدولة، وذلك بشرط المطالبة بهذا التعويض امام القضاء المدني بعد الحصول على حكم البراءة وبشرط اثبات الخطأ في جانب المدعى عليه(249).
وبالرجوع الى ما نص عليه المشرع الفرنسي بالنسبة للتعويض المادي نجد ان المادة 626 من قانون الاجراءات الجنائية تقضي بدفع تعويض للمحكوم عليه عن الضرر الذي اصابه من جراء ادانته بحكم خاطيء وللمحكوم عليه طلب مثل هذا التعويض، فاذا كان متوفيا فان زوجه او احد اصوله او احد فروعه يمكنهم المطالبة بهذا التعويض امام المحكمة، واذا ما تقررت براءة المحكوم عليه فإن تعويض الضرر يدرج في حكم البراءة سواء من المحكمة التي تنظر في إعادة المحاكمة او من محكمة النقض، وتقوم الدولة بدفع قيمة هذا التعويض على اساس انه من جملة مصاريف الدعوى، ما لم يكن التعويض قد طلب على اساس الحق الشخصي فيلزم بدفعه الجاني او الشاهد الذي ادين بالشهادة الكاذبة، ولا شك ان مقدار التعويض المادي هو امر خاضع لسلطة المحكمة التقديرية التي تملك، من خلال الظروف والوقائع المحيطة بالدعوى ان تحدد قيمة هذا التعويض(250).
كم نتمنى على مشرعنا الاردني ان يدرج موضوع التعويض المادي (المالي) كحق للمحكوم عليه الذي ثبتت براءته ضمن نصوص قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تعالج موضوع اعادة المحاكمة، وذلك تحقيقا للعدالة من خلال تعويض من ثبتت براءته عما لحقه من خسارة مادية من جراء محاكمته وادانته، وعما فاته من كسب بسبب ذلك، وبحيث يكون مثل هذا التعويض بمثابة(حق) للمحكوم عليه الذي ثبتت براءته، مما يستوجب على المحكمة ان تقضي به في هذه الحالة (251).

خاتمة

تبين من خلال دراستنا لاعادة المحاكمة ان هذا النظام يقوم اساسا  على فكرة محددة هي اصلاح الخطأ القضائي الذي لحق بالاحكام الجزائية القطعية الصادرة بالادانة، ويعتبر طلب اعادة المحاكمة طريقا غير عادي من طرق الطعن بالاحكام، وهو لا يخضع لميعاد معين للتقدم بهذا الطلب، اذ لم ينص القانون على تحديد مثل هذا الميعاد، وان كان المشرع قد بين الحالات التي يجوز فيها طلب اعادة المحاكمة واوردها على سبيل الحصر، كما ان المشرع قد استلزم، احتراما لمبدأ حجية الاحكام التي يجوز فيها طلب اعادة المحاكمة، توفر شروط معينة في هذه الاحكام، وهي ان يكون الحكم فاصلا في دعوى جزائية، وصادرا بالعقوبة اثر الادانة بارتكاب جناية او جنحة، وان يكون هذا الحكم قد اكتسب الدرجة القطعية بصيرورته باتا او مبرما.
واذا كان طلب اعادة المحاكمة امر نادر  الحدوث من الناحية العملية(252)، فان ذلك لا يقلل من اهميته كنظام قانوني يهدف الى ابقاء ابواب العدالة مفتوحة امام من وقع عليه حيف من جراء حكم قضائيء خاطيء بالادانة(253). ولا شك ان المشرع حين تبنى هذا النظام قد وازن بين مصلحة المجتمع في الاستقرار القانوني بوضع حد للاجراءات وانهاء المنازعات، وبين اعتبارات العدالة، للتوصل للحقيقة الموضوعية وتغليبها على الحقيقة الشكلية المتمثلة بالحكم القطعي الصادر بالادانة.
وغني عن القول ان اي تشريع لاصول المحاكمات الجزائية بغذو ناقصا اذا لم يدرج ضمن نصوصه ما يتيح المجال لمن حكم عليه ظلما بحكم قطعي كي يثبت براءته عن طريق اعادة المحاكمة لان امكانية وقوع القضاء في الخطأ هو امر وارد، فالقضاة بشر، وكل ابن ادم خطاء، لذا فانه لا يمكن الاستغناء عن هذا النظام، مهما وضع المشرع من ضمانات للمتهم في التحقيق او في الدفاع(254). ولا محل للقول بأن اعادة المحاكمة يمكن ان تجعل من حجية الاحكام محلا للمساومة بين الافراد، وان هذا النظام قد يؤدي الى مضيعة وقت القضاء، والاخلال بهيبته، وانه قد يفتح المجال لتناقض الاحكام، ذلك ان طلب اعادة المحاكمة يقدم لوزير العدل فقط ولا يجوز ان يقدم لاي شخص اخر غيره، فيقوم الوزير بدراسة هذا الطلب وتدقيقه، وله ان يحيله الى محكمة التمييز، كما ان له ان يقرر عدم احالته اذا وجده مبنيا على سبب واه(المادة 294 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني). وليس هناك من شك بأن هذا النص هو اكبر ضمان لهيبة القضاء، فلا يخشى المساس بها، كما لا يخشى المساس بحجية الاحكام او جعلها محلا للمساومة(225).
والجدير بالذكر ان اعادة المحاكمة هي حق للمحكوم عليه الذين ادين بارتكاب جناية او جنحة، شأنه في ذلك شأن جميع طرق الطعن الاخرى المقررة بالقانون، ولقد احسن مشرعنا الاردني صنعا حين استخدم عبارة (طلب اعادة المحاكمة)، ذلك ان الحق بطلب  ولا يلتمس، وعلى ذلك فان اعادة المحاكمة ليست منحة تمن بها السلطة على المحكوم عليه، بل هي حق له، وهو بذلك يرتب حقوقا اخرى في التعويض الادبي والمادي اذا ما ثبتت براءة المحكوم عليه لدى اعادة محاكمته(256).
اما في مسألة تعويض المحكوم عليه الذي ثبتت براءته باعادة محاكمته، فان المشرع الاردني قد نص على تعويض هذا المحكوم عليه ادبيا بنشر الحكم الصادر بالبراءة في الجريدة الرسمية، كما ينشر في صحيفتين محليتين بناء على طلب المحكوم عليه وتتحمل الدولة نفقات النشر، كذلك فان حكم البراءة يعلق على باب المحكمة او الاماكن العامة في البلدة التي صدر فيها الحكم الاول وفي موطن طالبي اعادة المحاكمة وفي الموطن الاخير للمحكوم عليه ان كان ميتا(المادة 298 من قانون اصول المحاكمات الجزائية).
ولكن بالنسبة للتعويض المادي فان المشرع الاردني لم يقرر صراحة هذا الحق في التعويض  في قانون اصول المحاكمات الجزائية لا عن الاضرار المادية ولا عن الاضرار الادبية التي لحقت بالمحكوم عليه الذي ثبتت براءته عند اعادة محاكمته.  ولكن يمكن التوصل طبقا للقواعد العامة في التعويض عن الضرر الى تعويض المحكوم عليه الذي ثبتت براءته من خلال  اعادة المحاكمة(257). وقد اصبح مبدأ التعويض  للمتضرر من حكم خاطيء مبدأ عالميا لدخوله صراحة في المادة 14 من المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية التي اقرتها الجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 16/12/1966(258). واخيرا، فان طلب اعادة المحاكمة جائز بالنسبة لجميع الاحكام الصادر بالادانة بعقوبة جنائية او جنحية ايا كانت المحكمة التي اصدرت هذا الحكم، طالما كانت شروط اعادة المحاكمة وحالاتها متوافرة. وينسحب هذا القول على احكام المحاكم الخاصة والاستثنائية، والدليل على ذلك القانون رقم 2 لسنة 1992 الذي صدر مؤخرا حيث ينص على انه يجوز اعادة المحاكمة في احكام المحاكم العرفية الصادرة بصورة قطعية وفقا للاسس  والشروط المبينة في الباب التاسع من قانون اصول المحاكمات الجزائية.

كما يجب ان ينسحب هذا القول ايضا على الاحكام الصادرة عن محكمة التمييز في موضوع الدعوى، اذ لا محل للتفرقة بين الحكم الصادر بالعقوبة من محكمة الموضوع، والحكم الصادر بالعقوبة من محكمة التمييز، لان العدالة تقتضي ان يكون للمحكوم عليه حق الطعن بطلب اعادة المحاكمة ايا كانت المحكمة التي اصدرت الحكم بالادانة بعقوبة جنائية او جنحية، اذا توافرت الشروط والحالات التي بينها القانون والتي يمكن فيها اللجوء لهذا الطريق من طرق الطعن بالاحكام(259)

تعليقات