القائمة الرئيسية

الصفحات



منهجية التعليق على قرار قضائي.







بقلم الدكتور زلماط فؤاد 
باحث في القانون



مقدمة : 

يعتبر التعليق على قرار ذا أهمية قصوى سواء على مستوى الدراسات الأكاديمية أو حتى على المستوى العملي. 
فعلى مستوى الدارسات الأكاديمية يمكن الطالب من ممارسة المكتسبات المعرفية التي حصلها من خلال المحاضرات ومطالعة المراجع. 
وعلى المستوى العملي يشكل فرصة للمتمرسين من أساتذة جامعيين في القانون ومحامين..لإبداء رأيهم في العمل القضائي والوقوف على مكامن الخلل فيه وطرح الحلول المناسبة مما يترتب عنه تحسين مستوى العمل القضائي من حسن لأحسن. 
ونظرا لهذه الأهمية التي يحظى بها التعليق على قرار قررنا أن نخصص له هذه الدراسة المستقلة ونعالجه فيها على مستوى المنهجي وكذلك على المستوى التطبيقي حتى تتضح الصورة وتكتمل في الأذهان. 
وهذا ما سوف يتضح لنا من خلال الإجابة عن الإشكاليات التالية : 
ماهي منهجية التعليق على قرار ؟ 
وماهي كيفية تطبيق هذه المنهجية ؟ 
للإجابة على هذه الإشكاليات لا بد من التطرق للتصميم التالي : 
المبحث الأول : منهجية التعليق على قرار 
المبحث الثاني : تطبيق منهجية التعليق على قرار 

المبحث الأول : منهجية التعليق على قرار 
  
إن المقصود بالتعليق على قرار قضائي هو معالجة أي قرار صادر عن هيئة قضائية، سواء أكان ذلك في إطار القانون الخاص أم في إطار القانون العام، وأيا كانت الهيئة مصدرة الحكم (محكمة عادية أو إستثنائية أوخاصة أوهيئة تحكيمية)[[1]]url:#_ftn1 . 
فالدراسة القانونية لا تتوقف على الإستناد على المراجع القانونية، بل لا بد من تدعيم هذه الدراسة بالإحتكاك الفعلي بالواقع القانوني سيما وأن النشاط القضائي هو الذي يضفي على النصوص القانونية نوعا من الحركة التي تخرجها من جهودها وسباتها عن طريق تطبيقها على مختلف الوقائع المعروضة أمام المحاكم عادة، فيجعلها بالتالي مسايرة لتطور المجتمع ولما يستجد داخله من أحداث[[2]]url:#_ftn2 . 
وإجراء مثل هذا النوع من الدراسة مفيد للطالب، لأنه يعوده على معالجة المشاكل العملية بمنطق قانوني محكم ويكسبه[[3]]url:#_ftn3 ملكة المناقشة والتحليل النظري لوقائع الحياة اليومية في كافة أجزائها وتفاصيلها، حيث ترسخ في ذهنه صورة واضحة عن المبادىء القانونية التي يعايشها في دراسته القانونية المجردة، وبالتالي يكون عالما بالنظام القانوني الذي يمتاز به بلده من خلال تتبع الإجتهادات القضائية والآراء الفقهية. 
وبالتالي فإن منهجية التعليق على قرار أو حكم قضائي هي دراسة نظرية وتطبيقية في آن واحد لمسألة قانونية معينة، إذ أن القرار أو الحكم القضائي هو عبارة عن بناء منطقي[[4]]url:#_ftn4 ، فجوهر عمل القاضي يتمثل في إجراء قياس منطقي بين مضمون القاعدة القانونية التي تحكم النزاع، وبين العناصر الواقعية لهذا النزاع، وهو ما يفضي إلى نتيجة معينة، في الحكم الذي يتم صياغته في منطوق الحكم. 
إن المطلوب من الدارس وهو بصدد التعليق على القرار، ليس الإنكباب ومحاولة الوقوف على حل للمشكل القانوني على اعتبار أن القضاء قد أصدر حكمه فيه، بل هو محاولة فهم للطريق الذي سلكه القضاء ذلك من جهة ومن جهة أخرى فالمطلوب هو التعليق على قرار لا دراسة قرار بشكل يتجاهل جوهر القضية المعروضة، من أجل ذلك لا يستحسن التعمق في بحث نظري للإشكال الذي تناوله ذلك القرار، فليس المبتغى هو بحث قانوني في موضوع معين، وإنما التعليق على قرار يتناول مسألة قانونية معينة[[5]]url:#_ftn5 . 
هذا وللتعليق على قرار لا بد من أن تتوافر في الباحث الشروط التالية : 
1- الإلمام بالنصوص القانونية المنظمة للنزاع (وهنا يجب أن يكون الباحث ملما بأغلب النصوص القانونية إن لم أقل كلها لأن القانون وحدة لا تتجرأ فهو جمع يكمل بعضه بعضا لأن مسألة قانونية معينة في نزاع قد تعرف تنازعا في التنظيم القانوني بين أكثر من ثلاث أو أربع قوانين وقد لا ينتبه لذلك لا الأطراف ولا القضاء وبالتالي فهي تشكل فرصة لتقييم العمل القضائي). 
2- المسار التاريخي للإجتهاد القضائي. 
3- المسار التاريخي للإجتهاد الفقهي : (رصد للنظريات الفقهية وتطورها حسب التغيرات التشريعية والقضائية وأحيانا يكون الرأي الفقهي إستباقيا بحيث يعالج إشكالا لم يعالجه لا المشرع والقضاء الأمر الذي يجب الإلمام به). 
4- الإتصاف بالموضوعية[[6]]url:#_ftn6 : وهي مرتبطة بالأمانة العلمية والرسالة الملقاة على عاتق الدارسين والباحثين والمتمثلة أساسا في مجال التعليق على قرار في الوقوف على إيجابيات العمل القضائي أو السلبيات المتمثلة في عدم تطبيق القانون بكيفية صحيحة، مما يشكل معه تبيان الباحث للطريق الصحيح الذي كان من الواجب على القضاء سلكه إرشادا لذا الأخير بحيث يتوخى الباحث من خلال ذلك صلاح الأمة لا الطعن في مصداقية القضاء أو هيئة معينة بناءا على عوامل شخصية مما يؤثر سلبا على ثقة الناس في قضاء بلدهم وبالتالي فالغاية من التعليق يجب أن تكون نبيلة علمية محضة. 
إن أول ما يتطلبه التعليق هو قراءة القرار أو الحكم عدة مرات دون تدوين أي شيء، ويجب دراسة كل كلمة وردت في القرار لأنه من الصعب التعليق على قرار غير مفهوم، لأن المهمة سوف تكون معالجة العناصر والجهات المختلفة للقرار موضوع التعليق في الشكل والأساس ووفق منهجية مرسومة مسبقا لحالات التعليق، فلا يترك من القرار ناحية عالجها إلا ويقوم بالتعرض لها في التعليق بإعطاء حكم تقييمي للقرار ككل، وفي كافة النقاط القانونية. إن التعليق على قرار يمر بمرحلتين تتمثل المرحلة الأولى فيما يسمى بمرحلة المسودة تليها مرحلة التحليل والتعليق. 

I- مرحلة المسودة : ويجب على الطالب أن يستخرج فيها ما يلي : 

أ- ظروف القضية : ويقصد بها كل الوقائع المعروضة وفق تسلسلها المكاني والزماني وما شابها من أحداث، وتحديد المراحل المتعددة والمختلفة التي مرت بها أمام المحاكم[[7]]url:#_ftn7 . 
وهذا يستوجب تحديد حسب د. حسين والقيد 
- أطراف النزاع 
- موضوعه 
- طلبات الخصوم                                                                               
- مستنتجاتهم والأحكام الصادرة في القضية وأنواع المحاكم[[8]]url:#_ftn8 
فعلينا أن نتساءل حسب الأستاذ Pansier لاستخراج مراحل المسطرة الأسئلة    التالية : 
- من ينازع ؟ 
- ضد من ؟ 
- منذ متى ؟ 
- في أي تاريخ ؟ 
- لماذا ينازع ؟ 
- ماهي حجته القانونية[[9]]url:#_ftn9 
ب- المشكل القانوني : وهو السؤال الذي يبادر إلى ذهن القاضي عند الفصل في النزاع، لأن تضارب الإدعاءات يثير مشكلا قانونيا يقوم القاضي بحله في أواخر حيثيات القرار، بل وضعه في منطوق الحكم، إذن المشكل القانوني لا يظهر في القرار وإنما يستنبط من الإدعاءات ومن الحل القانوني الذي توصل إليه القاضي. 
ج- منطوق الحكم : ويقصد به تلك الحلول التي اعتقد القاضي جازما أنها مناسبة لحل المشاكل القانونية المثارة في القضية[[10]]url:#_ftn10 . 

II- الإنتقال إلى مرحلة التحليل والتعليق، وذلك ينبغي تصميم محكم يتضمن مقدمة للموضوع وعرضا وخاتمة، كما هو الشأن في أي بحث قانوني آخر. 

أ- المقدمة : إن أول ما يبدأ به المعلق هو عرض المسألة القانونية التي سيجري تعليقا عليها في جملة بسيطة قصيرة، بعد ذلك يقوم بعمل تلخيص موجز لقضية الحكم أو القرار في فرة مترابطة ومتماسكة[[11]]url:#_ftn11 ، يبين فيها المعلق بإيجاز كل من : 
  • الوقائع
  • الإجراءات
  • الإدعاءات
مختتما ذلك يطرح الإشكال بصفة مختصرا يعتبر من مدخلا إلى صلب الموضوع. ومما ينبغي التأكيد عليه أن الإنطلاق من المحكمة التي أصدرت القرار له أهمية قصوى، حيث يمكن المعلق من المقارنة أثناء عملية التحليل التي يقوم بها من إتجاهات عمل محاكم، وذلك بغية معرفة الإتجاه المستقر عليه أو الراجح، هذا في حال كان القرار صادرا عن محاكم الموضوع، أما إذا كان القرار صادرا عن المجلس الأعلى فيمكن مقارنته مع غيره من القرارات الصادرة عن نفس المجلس أو في حال صدوره عن غرفة يمكن مقارنته مع قرار صادر عن غرفة أخرى أو عن الغرف مجتمعه. هذا ويجب الإنتباه إلى تاريخ القرار لمعرفة ما إذا كان قد وقع هنالك تحول لإجتهادات السابقة، أو تم اللجوء إلى تطبيق قاعدة قانونية أخرى... ب- العرض : يجب على المعلق أن يقوم في كل نقطة من نقاط التصميم بمناقشة وتحليل جانب من المسألة القانونية المعروضة، وذلك على المستويين النظري وكذا العملي مع إبداء موقفه من الحل القانوني الذي أعطته المحكمة للنزاع. 

فالدراسة ها هنا تنشطر إلى قسمين : 

أول : قسم شخصي : من خلال إعطاء تقييم للحل الذي جاء به القرار. وهل يرى الباحث بأن هناك قرار أفضل له نفس إيجابيات الحل المعطى، دون أن تكون له سيئات. 

ثانيا : قسم موضوعي : ماهو النص القانوني التي تم الإستناد إليه ؟ وكيف تم تفسير النص من لدن القضاة ؟ وهل النص واضح أم غامض ؟ ما هو موقف الفقه من هذه المسألة ؟ وما هو موقف الاجتهاد القضائي منها ؟ 

إذ يتعين على الباحث الإجابة على جميع الأسئلة المذكورة أعلاه حتى يتسنى له ربط ما هو نظري بما هو عملي حيث يقوم بإسقاط للمحاضرات والمعلومات التي سبق وأن تلقاها من خلال القراءات على القرار، مما يقتضي من الباحث استظهار جميع المعلومات النظرية المتعلقة بالإشكال الذي تطرحه النازلة محل التعليق ثم الرجوع في كل مرة إلى حيثيات الحكم أو القرار محل التعليق لتطبيق تلك المعلومات على القضية المطروحة. 

ج – خاتمة : وهي على حد تعبير ذ. عبد الكريم غالي :"ليست ضرورية وخصوصا إذا كانت لا تضيف شيئا"[[12]]url:#_ftn12 . 

أما ذ. حسين ولقيد فيرى أنها " قد تكون بمثابة تلخيص لأهم النتائج التي يتم التوصل إليها بإيجاز شديد، بالإشارة إلى نطاق القرار القضائي وآثاره على واقع الإجتهاد القضائي. وذلك بمناقشة الآراء السابقة وعرض وجهة النظر الخاصة، مما يبرهن على ملكة القانونية سليمة وقدرة على البحث والتحليل، وذلك من خلال الإجابة على التساؤلات مختلفة، هل تم تأويل القاعدة تأويلا حسنا ؟ وذلك من خلال تتبع النظري في التطبيق القضائي ثم توضيح قيمة الإجتهاد من الناحية الإجتماعية والإقتصادية والسياسية..."[[13]]url:#_ftn13 . 
كذلك يضيف الأستاذ فجر، أنها ينبغي أن تبين ماذا يترتب عن اجتهاد وكونه أهو خروج عن باقي الاجتهادات وبالتالي توجه جديد أو كونه ما هو إلا مسايرة لما سبقه من اجتهادات وتكريس لها[[14]]url:#_ftn14 . 

المبحث الثاني: تطبيق منهجية التعليق على قرار 
  
مقدمة : تتجلى وقائع الدعوى إن ضابطا ساميا للأوان الوطني الألماني واسمه مشيل هولكر ادعى على انه على إثر قدومها للمغرب في مهمة خاصة إلى مدينة الدار البيضاء أقام بفندق توبقال وأثناء وجوده به وبتاريخ 9/4/1995 وقع صفحيه سقوط من أسفل المصعد إلى حفرته السفلى الأمر الذي تسبب له في كسر جزئي نتج عنه توقف في ركبته ليسرى بصفة كاملة، كما هو مثبت من خلال شواهد طبية ومن خلال رسالة مسلمة من إدارة الفندق، بحيث التمس الحكم على المدعي عليه بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية وأجاب المدعي عليه ملتمسا إدخال شركة التامين عنها من لإدارة التعويضات التي قد يحكم بها عليه. 
دفعت شركة التامين المدخلة سقوط الضمان وذلك لعدم إشعارها من طرف المدعي عليه بالحادث، ويكون المدعي لم يتبث مادة الحادث والضرر والعلاقة السببية. 
حكمت المحكمة الابتدائية بعدم قبول الدعوى لعدم إتباث المدعي صفته فيها. 
أيدت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء الحكم الابتدائي في قرارها المؤرخ 20/05 2003تحت عدد   376/1/4/99 مستندة بكون الخبرتين المنجزتين لا تفيدان كون الضرر الذي أصاب المدعى ناتجا عن حادث بالمصعد لعدم وجود شهادة طبية أولية وعدم إتباث التدخل الإيجابي لشيء، ويكون المدعى لم يتبث هل كان سبب الضرر اللاحق به ناتجا عن المصعد. سبب عطب فيه أو أن هناك شيئا أخر تدخل في حصول الحادث وأن المدعى كان عليه إتباث العلاقة السببية، وبكون الرسالة المسلمة لا تحدد سبب الحادث. 
 قدم المدعى طلب النقض وأسسه على  تحريف الوقائع والتعليل الخاطئ، إذ أن الثابت من أوراق الملف أن المدعى عليه سلم للمدعي شهادة تفيد وقوع الحادث بالمصعد وحصول عطب في ركبة المدعي، وأن العلاقة السببية تابثة من خلال الشواهد، الأمر الذي استجاب له المجلس الأعلى من خلال القرار[[15]]url:#_ftn15 الذي بين أيدينا حيث نقض قرار محكمة الاستئناف بناءا على الفصل 88 من ق. ل. ع الذي يجعل من هذه المسؤولية قائما على أساس الخطأ المفترض الذي لا يستطيع المدعى عليه التخلص منه إلا إذا أتبت أنه فعل ما كان ضروريا لتفادي الضرر وأن هذا الأخير نتج عن قوة قاهرة أو حادث فجائي أو خط المتضرر.[[16]]url:#_ftn16 
مما سبق يتضح أن الإشكالية الأساسية في هذا القرار ألا وهى ماهي شروط ووسائل دفع مسؤولية حارس الشيء؟ ومدى توافر كل منها في النازلة؟ 

العرض : 
1- شروط مسؤولية حارس الشيء ومدى توافرها في النازلة : 
 الأصل دائما في حراسة الأشياء أن تكون لمالك الشيء فمالك الشيء مفترض فيه أنه حارسه، وهو الذي يتحمل عبء إتباث فقدان الحراسة أو نقلها للغير. 
وتبعا لذلك فلو رفع المضرور الدعوى ضد المالك فليس عليه أن يثبت أن المالك هو الحارس فالحراسة مفترضة في المالك.[[17]]url:#_ftn17 
هذا من جهة ومن أخرى يجب لكي نتحدث عن مسؤولية حارس الشيء المنصوص عليها في الفصل  88 من ق ل ع توافر صفة الشيء وفيما هو تحت حراسة الحارس هذا الأخير ينبغي أن يكون مادي غير حي. 
ومن خلال النازلة ففندق توبقال هو مالك المصعد أي أن هذا الأخير يقع تحت حراسته، كما أن المصعد، كما نعلم هو شيء مادي غير حي وبتعبير أدق هو آلة. 
بالتالي ففي النازلة توافر هذا الشرط أي أن المدعى عليه هو حارس الشيء (المصعد) 
يجب طبقا دائما للفصل 88 من ق ل ع توافر شرط ثاني وهو أن يحدث الشيء ضررا للغير ، حيث نعتبر الضرر ناشئا بفعل الشيء إذا كان الشيء قد تدخل تدخلا إيجابيا تسبب في إحداث الضرر، والتدخل الإيجابي يقتضي بطبيعة الحال أن يكون الشيء في وضع أو حالة تسمح عادة بان يحدث الضرر[[18]]url:#_ftn18 . 
كما أن الحارس يسأل عن أي ضرر يصيب الغير بفعل الشيء الذي هو تحت حراسته، والغير المقصود هنا هوكل من سوى الحارس. 
 هذا شرط توافر في النازلة فبالرجوع إلى القرار محل التعليق فقد تسبب المصعد الذي هو تحت حراسة المدعى عليه في الضرر الذي أصاب المدعى هذا الضرر الذي هو إصابة أدت إلى عجز دائم في ركبة المدعى عليه،[[19]]url:#_ftn19 الأمر الذي تبث من خلال الخبرات الطبية المنجزة وكذلك من خلال الرسالة المسلمة من المدعى عليه والتي شهد فيها على أن المدعي تعرض لحادث بالمصعد أدى إلى إصابة في ركبته. 
كما أن التدخل الإيجابي للشيء( المصعد) قد تبث كذلك من خلال نفس الرسالة التي ورد فيها "على إثر عطب بالمصعد"، فالرسالة هي بمثابة إقرار الذي يعتبر سيد الأدلة. 
يتبين مما تقدم أن شروط قيام مسؤولية حارس كلها متوافرة في النازلة بالتالي فهي تقوم لكونها مسؤولية خاصة بخلاف المسؤولية عن العمل الشخصي التي تعتبر مسؤولية عامة فهي لا تقوم إلا عند انعدام المسؤوليات الخاصة، الأمر الذي لم تراعيه محاكم الموضوع في النازلة (سواء الابتدائية أو الاستئناف)، إذ أوجبت هذه الأخيرة على المدعى إثبات كل من الخطأ والضرر والعلاقة السببية، الأمر الذي أدى بالمجلس الأعلى إلى نقض الحكم لان هذا النوع من المسؤولية يقوم على خطأ مفترض وليس على خطأ واجب الإثبات، حيث يستحيل دفعه إلا باثبات وسائل دفع هذه المسؤولية فهل توافر في النازلة وسائل الدفع؟ 
2- وسائل دفع مسؤولية حارس الشيء ومدى توافرها في النازلة : 
مادامت مسؤولية حارس الشيء قائمة على خطأ مفترض فلا يمكن دفعها طبقا للفصل 88 من ق ل ع إلا ياثبات أمرين وهما : 
1- أنه فعل ما كان ضروريا لتفاذي الضرر. 
2- أن الضرر نشأ عن قوة قاهرة أو خطأ المتضرر. 
فإذا أثبت الحارس إحدى الوسيلتين فانه لا يتحلل من المسؤولية[[20]]url:#_ftn20 ، وبالرجوع إلى النازلة فان المدعى عليه لم يثبت أنه فعل ما كان ضروريا لتفادي الضرر (كالمراقبة اليومية للحالة الميكانيكية للمصعد أو إخضاع المصعد لفحوصات تقنية دورية) ولم  يبت أن الضرر الواقع للمدعي هو نتيجة القوة القاهرة أو خطأ المتضرر.[[21]]url:#_ftn21 
  

خاتمة : 
 مما سبق يتضح أن الشروط التي ترتب مسؤولية حارس متوفرة في النازلة كما سبق التنويه، وحيث أن المدعي لم يثبت الوسائل التي تدفع المسؤولية عنه فان المسؤولية تقوم في حقه نظرا لتوافر الشروط وغياب وسائل الدفع بالتالي فالمجلس الأعلى كان على صواب وهو يقضي بنقض قرار محكمة الاستئناف لأن مسؤولية حارس الشيء خاصة قائمة على خطأ مفترض وليس على خطأ واجب الإثبات كما ذهبت إلى ذلك محكمة الاستئناف، وإقرار المجلس الأعلى لما سبق إنما هو أداء لوظيفته المتمثلة أساسا في رقابة مدى تطبيق محاكم الموضوع للقانون. كما أن هذا الاجتهاد ماهو إلا تأكيد على ما سبقه من اجتهادات للمجلس الأعلى والتي كانت دائما ميالة لحماية الطرف المضرور. 

خاتمة المقالة 

بعد هذه المقاربة الشمولية والتي حاولنا من خلالها معالجة مسألة التعليق على قرار إن على المستوى النظري أو على المستوى التطبيقي يتبين لنا أن التعليق على قرار ليس مسألة سهلة أو هينة بل تحكمها ضوابط وقواعد منهجية لا بد من إحترامها. 
  
       
المراجع المتعلقة بالمنهجية باللغة  العربية: 

 د. عكاشة عبد العال ود سامي بديع منصور "المنهجية القانونية" منشورات الحلبي الحقوقية 2007 . 
 د. محمد الكشبور " التعليق على قرار المجلس الأعلى" المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن" العدد 18/1992. 
 د. الحسين والقيد- مجموعة الاجتهادات القضائية في مادة القانون الدولي الخاص سلسلة قضائية توثيقية – الطبعة السادسة 2002 . 
محمد فركت العناصر الشكلية والموضوعية للقرارات القضائية" دفاتر المجلس الأعلى العدد 10 مطبعة البت2005. 
د. بشار عدنان ملكاوي المنهجية العلمية لإعداد بحث قانوني دار النشر الأردنية 2003. 
د عبد الله أشركي أفقير "المختصر في مناهج البحث القانوني" سنة 2006. 
محاضرات الأستاذ فجر التي ألقيت على طلبة الماستر بكلية الحقوق بالدار البيضاء في يوم السبت 21 يونيو 
2008 
المراجع المتعلقة بالمنهجية باللغة الفرنسية: 
  
Fréderic-Jérome pansier « méthodologie du droit » 4e EDIT LITEC 2005 
  
Gilles Goubeaux et Philippe Bihr « 100 commentaires d’arrêts en doit civil »2e édit L G D J 2007 
المراجع القانونية باللغة  العربية: 
  
- عبد الحق صافي "دروس في القانون المدني" مطبعة النجاح الجديدة 2001 ص 201 
- مامون الكزبري نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود، الجزء الأول مصادر الالتزام مطبعة النجاح الجديدة 1980. 
- عبد السميع عبد الوهاب أوالخير " الحراسة والعلاقة السببية" مكتبة وهبة طبعة الأولى 1988 
- العلمي عبد الواحد "الأساس القانوني للمسؤولية عن الأشياء ووسائل دفعها في القانون المغربي" رسالة لننيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص كلية الحقوق بالدار البيضاء السنة الجامعية 1981-1982 
- مجلة القضاء والقانون عدد 153 لسنة 2006 
المراجع القانونية باللغة الفرنسية 
  
Clothilde Grare"  Recherche sur la cohérence de la responsabilité sur la réparation " Thèse pour le doctorat en droit, l’université paris II .2003 


الهوامش

[[1]]url:#_ftnref1 - أنظر د. عكاشة عبد العال ود سامي بديع منصور "المنهجية القانونية" منشورات الحلبي الحقوقية 2007 ص 104.
[[2]]url:#_ftnref2 - محمد الكشبور " التعليق على قرار المجلس الأعلى" المجلة المغربية للإقتصاد والقانون المقارن" العدد 18/1992.
[[3]]url:#_ftnref3 - د. الحسين والقيد- مجموعة الاجتهادات القضائية في مادة القانون الدولي الخاص سلسلة قضائية توثيقية – الطبعة السادسة 2002 ص 3.
[[4]]url:#_ftnref4 -للتعمق فيما يخص عناصر بناء القرار القضائي انظر ذ. محمد فركت "العناصر الشكلية والموضوعية للقرارات القضائية" دفاتر المجلس الأعلى العدد 10 مطبعة البت 2005 ص من 44 إلى 102.
[[5]]url:#_ftnref5 - للإشارة فهناك مصطلح آخر يرتبط بالتعليق على قرار ويخلق لبسا ألا وهو إبداء ملاحظات حول قرار، ويتحدد الفرق بينهما فيما يلي : "فالتعليق على قرار معالجة العناصر والجهات المختلفة للقرار موضوع التعليق في الشكل والأساس، ووفق منهجية مدرسة مرسومة مسبقا لحالات التعليق، فلا يترك من القرار، ناحية عالجها إلا ويقتضي التعرض لها في التعليق، بإعطاء حكم تقييمي للقرار ككل وبكافة التقاط القانونية التي عالجها، أما إبداء ملاحظات حول قرار فهي مسألة أكثر عمقا، لا يرتبط المعالج مسبقا بمهنجية محددة، كما لا يكون ملزما بمعالجة كافة النقاط والمسائل في القرار وكما يكون له الخيار بتناول الملاحظات التي يقدمها على القرار جانيا منه أو مسائل يختارها تبعا لاختصاصه ودراسته، فالمعالج هنا يكون متحررا من كل قيد منهجي، يتناول القرار بتصرف وبحرية، ووفق منهجه هو أو منهج يختاره، فيعرض الأفكار والتصورات التي يستوحيها من بعض أشكال وجوانب الحلول التي أعطاها القرار المعالج" أنظر د. عكاشة محمد عبد العال        و د. سامي بديع منصور- المرجع السابق- ص 107-108.
[[6]]url:#_ftnref6 - وهذا الشرط ينبغي أن تتصف به جميع البحوث القانونية انظر د. بشار عدنان ملكاوي "المنهجية العلمية لإعداد بحث قانوني" دار النشر الأردنية 2003 ص 17.
[[7]]url:#_ftnref7 - الحسين والقيد – المرجع السابق – ص 4 هذا ويجب أن يتم استخراج الوقائع في المسودة سواء الوقائع الحاضرة في القرار أو الضمنية في شكل جدول حسب التسلسل الزمني في وقت أول وفي وقت ثاني تركيب محتويات الجدول بأسلوب أدبي وهو وأعبر عنه الفقيه PANSIER ب
« Au brouillon, vous devez dresser l’inventaire de tous les faits présents ou implicites dans la décision en établissant un tableau chronologique récapitulatif,
DateEvènement
 
« Dans un second temps il convient de retracera un style littéraire la suite logique de ces faits… » voir Fréderic-Jerome pansier « méthodologie du droit » 4e EDIT LITEC 2005 supra 41-42.
[[8]]url:#_ftnref8 -  د. الحسين والقيد – مرجع سابق ص 4.
[[9]]url:#_ftnref9 - Fréderic- Jerôme Pansier OPCIT supa 48. « ….qui agit ? contre qui ? à quelle date ? pourquoi agit-il ? sur quel fondement juridique ?
[[10]]url:#_ftnref10 د. الحسين والقيد- مرجع سابق – ص 4.
[[11]]url:#_ftnref11 - وتجدر الإشارة إلى أن التعليق على القرار شأنه في ذلك شأن باقي الدراسات القانونية يجب أن تراعى فيه علامات الترقيم لأنها تساعد على وضوح النص وتلعب دورا مهما في إضفاء جمالية على الكتابة القانونية للمزيد من الاستفاضة يرجى الرجوع ل د عبد الله أشركي أفقير "المختصر في مناهج البحث القانوني"  سنة 2006 ص 80.
[[12]]url:#_ftnref12 - ذ. عبد الكريم غالي "في المنهجية والقانون" منشورات دار القلم - الرباط - 2002 ص 18
[[13]]url:#_ftnref13 -د. حسين ولقيد – مرجع سابق- ص 5 و 6
[[14]]url:#_ftnref14 - محاضرات الأستاذ فجر التي ألقيت على طلبة الماستر بكلية الحقوق بالدار البيضاء في يوم السبت 21 يونيو 2008.
[[15]]url:#_ftnref15 - منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 153 لسنة 2006 ص من 155 إلى 159.
[[16]]url:#_ftnref16 - المرجو مقارنة هذا القرار مع قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية
  CASS CIV .2e, 27 MARS 2003(N°01-653)                                                                                                    
 الوارد بكتاب
Gilles Goubeaux et Philippe Bihr « 100 commentaires d’arrêts en doit civil »2e édit L G D J 2007 p 247→250
[[17]]url:#_ftnref17 - نفضلوا بمراجعة عبد الحق صافي "دروس في القانون المدني" مطبعة النجاح الجديدة 2001 ص 201
[[18]]url:#_ftnref18 - للمزيد من التوسع أنظر : "مامون الكزبري" نظرية الإلتزاملت في ضوء قانون الالتزامات والعقود، الجزء الأول مصادر الالتزام مطبعة النجاح الجديدة 1980 ص 491 الى493
[[19]]url:#_ftnref19 - فيما يخص العلاقة السببية لمزيد من التعمق تفضلوا بمراجعة عبد السميع عبد الوهاب أوالخير " الحراسة والعلاقة السببية" مكتبة وهبة طبعة الأولى 1988 ص من 105 إلى 109
[[20]]url:#_ftnref20 - تفضلوا بمراجعة : العلمي عبد الواحد "الأساس القانوني للمسؤولية عن الأشياء ووسائل دفعها في القانون المغربي" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص كلية الحقوق بالدار البيضاء السنة الجامعية 1981-1982.
[[21]]url:#_ftnref21 - فيما يخص خطأ المتضرر وأثره على المسؤولية تفضل بمراجعة
Clothilde Grare"  Recherche sur la cohérence de la responsabilité sur la réparation " Thèse pour le doctorat en droit, l’université paris II .2003 
منقول من موقع: http://www.marocdroit.com/

تعليقات